ذكر الشافعي في كتابه الرسالة: (صـ 73)، بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه، واستدل ببعض الآيات أولها قوله تعالى: {فقال تبارك وتعالى: " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ. إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171]
قال الشيخ أحمد معقبًا: (والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما قال بعض الأئمة من السلف.
فإن الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر هذه الآية محتجاً بها على أن الله قرن الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) .
ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد.
لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة.
ووجه الخطأ من الشَّافِعِي - رحمه الله -: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في
الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى عليه السلام، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد.
لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) .
ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال.
وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد!
وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار.
والأئمة الحفاظ، نحواً من أربعة قرون إلى ما بعد سنة 650 هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخاً ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه.
ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليداً له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو في شأن غيره من الرسل عليهم السلام.
ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه فيما مضى من الرسالة في الفقرة / 136: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) .
انتهى كلام الشيخ أحمد شاكر.
فهل اتهام الإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - بالخطأ في آية قرآنية ومتابعة فقهاء الشَّافِعِية له فيه قرونًا عديدة يستقيم ؟؟؟