تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فقه النبوءات والتبشير – عند الملِمّات وضوابطه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي فقه النبوءات والتبشير – عند الملِمّات وضوابطه

    فقه النبوءات والتبشير – عند الملِمّات وضوابطه (١)

    البشارات المطلقة لا يجوز أن تقيد بغير دليل صحيح




    من الحقّ الذي لا نشكّ فيه أن مآل الظالمين الخيبة والخسران لكن متى ذلك؟ هذا في علم الله تعالى ولا يجوز الجزم بتحديد معيَّن في ذلك
    الوعد المطلق له شروط وهي تحقيق الإيمان والعمل الصالح وإعداد العدة والأخذ بالأسباب اللازمة للنصر فسنن الله تعالى لا تحابي أحدًا من الخلق ولو كانوا أحب الخلق إلى الله
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشِّر أصحابه في أوقات المحن والأزمات فلما أتاه خباب بن الأرت رضي الله عنه يشكو إليه ما يلقَونَه من شدة ومعاناة أمرهم بالتأسي من قبلهم بالصالحين ثم بشرهم بالنصر والتمكين
    التبشير في المحن مطلوب لكن لابد من الاتّزان في ذلك حتى لا يخرج الأمر عن حدِّه المشروع ويدخل في باب الأوهام أو الكذب أو القول على الله بلا علم
    كثير من الطاعنين في الوحي والشريعة من غير المسلمين ومن المنافقين يتَّخذون من المقولات غير المنضبطة بابًا للطعن في الدين والقرآن والسنة
    منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين، يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص على أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان، وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما حدَّد بعضهم لذلك تواريخَ معيَّنة، فيقول: زوال دولة اليهود في عام كذا وكذا، ويمضي هذا التاريخ دون حدوث شيء، ومع الأسف لا يتعلَّمون الدرسَ، فيحدِّدون لذلك تاريخًا غيرَه، ويمرّ أيضًا دون حدوث ما تنبَّؤوه، ولكن دون تراجع عن هذا المنهج الخطأ، وربما كان الحامل لبعضهم على ذلك هو تبشير المسلمين، وبثّ الرجاء في قلوبهم، حتى لا يملأ اليأس القلوب؛ بسبب شدة البلاء وطول الأمد، فربما استبطأ الناس النصرَ، وضعفوا ويئسوا، فيظنّ بعض هؤلاء أن صنيعهم هذا يعيد الأمل للقلوب.
    ولا شكَّ أن التبشيرَ عند الملمّات من هدي الأنبياء والمرسلين، كما قال -تعالى-: {*وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 87)، وقال -تعالى-: {وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنَّصرِ، وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «*بَشِّرُوا *وَلَا *تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا.
    التبشير في أوقات المحن والأزمات
    وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر أصحابه في أوقات المحن والأزمات، فلما أتاه خباب بن الأرت - رضي الله عنه - يشكو إليه ما يلقَونَه من شدة ومعاناة، أمرهم بالتأسي بمن قبلهم بالصالحين، ثم بشرهم بالنصر والتمكين، فعن خباب بن الأرتِّ قال: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا؟! ألا تَدْعُو لَنا؟! فقالَ: «قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ، فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ، فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ. واللَّهِ، لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ . وعن عديِّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: بيْنَا أنَا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ أتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يا عَدِيُّ، هلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟» قُلتُ: لَمْ أرَهَا وقدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: «فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ -قُلتُ فِيما بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِي: فأيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قدْ سَعَّرُوا البِلَادَ؟!- ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى»، قُلتُ: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: «كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِن ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَن يَقْبَلُهُ منه، فلا يَجِدُ أحَدًا يَقْبَلُهُ منه، فبشرهم بذهاب الفقر والخوف، وهذا معروف من هديه وسيرته - صلى الله عليه وسلم -، وتتبُّع ذلك يطول.
    حتى لا يخرج الأمر عن حدِّه المشروع
    والغرض المقصود: أن التبشير في المحن مطلوب، لكن لابد من الاتّزان في ذلك، حتى لا يخرج الأمر عن حدِّه المشروع، ويدخل في باب الأوهام أو الكذب، أو القول على الله بلا علم، أو الكهانة والرجم بالغيب، أو الاغترار بالأماني من غير عمل وأخذ بالأسباب، وهذه الأمور في الحقيقة لها آثار سلبية جدًّا على من يتلقاها ويصدقها وينفعل معها؛ إذ قد يصاب باليأس والإحباط إذا لم يتحقَّق ما يرجوه، وقد يتشكَّك في الوحي ويكذّب القرآن بعد أن تأوَّله على غير وجهه، وقد يترك العمل بما أوجبه الله عليه شرعًا بحجة انتظار مجيء المهدي الذي سينصر الله -تعالى- به الإسلام، أو العمل على نشوب حرب، اعتقادًا بأن هذه الحرب هي الحرب التي سيقتل فيها المسلمون اليهود وينطق الحجر والشجر كما جاء في الحديث المشهور.
    الطاعنون في الوحي والشريعة
    ثم إن كثيرًا من الطاعنين في الوحي والشريعة من غير المسلمين ومن المنافقين يتَّخذون من هذه المقولات غير المنضبطة بابًا للطعن في الدين والقرآن والسنة، بل ربما أدَّى ذلك لإنكار البشارات الصحيحة الثابتة في القرآن والسنة أصلًا؛ خلطًا منهم بين الحق والباطل؛ ولذلك أحببتُ أن أبين بعض الضوابط المهمة؛ لكي يضبط بها هذا الباب المهمّ، وحتى لا يصير التبشير -وهو مطلوب شرعًا- فتنة للناس كما حدث وما زال يتكرر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    ضوابط تنزيل نصوص البشارات على الواقع
    ذكرت في هذا المبحث ستّة ضوابط، وربما جعلتُ تحت بعض هذه الضوابط ضوابطَ أخرى تابعة لها وتندرج فيها:
    الضابط الأول: البشارات المطلَقة لا يجوز أن تقيد
    البشارات المطلَقة لا يجوز أن نقيِّدها بزمن معيَّن أو بطائفة معيّنة بغير دليل صحيح: وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- بشر المؤمنين بالنصر والتمكين في آيات كثيرة، مثل قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105)، وقوله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55)، وقوله -تعالى- {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47)، وقوله -تعالى- {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 171-173)، وقوله -تعالى- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف: 8 - 9)، وغيرها من الآيات الكثيرة. ولكن لا يجوز لأحد أن يجزم بأن حربًا بعينها سينتصر فيها المسلمون اعتمادًا على الوعد المطلق؛ فإن لهذا الوعد شروطًا، وهي تحقيق الإيمان والعمل الصالح وإعداد العدة والأخذ بالأسباب اللازمة للنصر، فسنن الله -تعالى- لا تحابي أحدًا من الخلق، ولو كانوا أحب الخلق إلى الله.
    كيف يجزم أحد بأنه أهلٌ بوعد الله ونصره؟!
    وإذا كان المسلمون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تعرَّضوا في يوم أحد لما هو معلوم وفيهم النبي والصحابة الكرام؛ وذلك لأن فريقًا منهم كان يريد الدنيا ولم تكن إرادة الآخرة خالصة في قلوبهم كما قال -تعالى-: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (آل عمران: 152)، فكيف يجزم أحد بعد ذلك بأنه أهلٌ وجديرٌ بوعد الله ونصره؟! بل إذا كان الأنبياء أنفسهم يَصِلون للحال التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ} (يوسف: 110)، وقد فسرها ابن عباس -على أحد وجوه القراءة والتأويل- بقوله: *كَانُوا *بَشَرًا، ضَعُفُوا وَيَئِسُوا. قال القرطبي -رحمه الله-: «قال الترمذي الحكيم: وجهُه عندنا أن الرسلَ كانت تخاف بعدما وعد الله النصر، لا مِن تهمة لوعد الله، ولكن لتُهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط والعهد الذي عهد إليهم، فكانت إذا طالت عليهم المدة دخلهم الإياس والظنون من هذا الوجه».
    عام الحديبية
    ومن أمثلة ذلك: لما بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في عام الحديبية بدخول البيت والطواف به، ثم حُصِروا ومنعهم المشركون، وعقدوا صلح الحديبية، وكان من بنوده أن يرجع المسلمون من عامهم هذا على أن يأتوا في العام الذي بعده، وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحلق والتحلل، فغضب الصحابة حتى قال عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوَليسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ فَنَطُوفُ بهِ؟ قالَ: «بَلَى، فأخْبَرْتُكَ أنَّا نَأْتِيهِ العَامَ؟» قالَ: قُلتُ: لَا، قالَ: «فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به» ونزل في ذلك قوله -تعالى-: {*لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 27). فإذا كان عمر بن الخطاب المحدَّث الملهَم بنص الحديث ظنَّ أنَّ هذه البشارة النبوية المطلقة مقيدة بعام معيَّن، رغم وجود أمارات كثيرة كانت تدلّ على إمكانية تحقُّق ذلك في ذلك العام، فكيف يجزم بعد ذلك أحد بصحة ذكره زمنًا معينًا أو طائفة معينة لتحقيق هذه البشارات؟!
    الوعد بهلاك الظالمين والمفسدين
    ومن أمثلة ذلك أيضا: وعدُه -سبحانه وتعالى- بهلاك الظالمين والمفسدين، فإن ذلك عام ومطلَق في كتاب الله -تعالى-، مثل قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: 81)، وقوله -تعالى-: {وَاسْتَفْتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} (إبراهيم: 15)، وقوله -تعالى-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء: 81)، وقوله -تعالى-: {أفَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد: 17). وهذا حقٌّ لا نشكّ فيه: أن مآل المتجبرين الخيبة والخسران، وأن مكرهم إلى بوار، وأن ما ينفقونه من مال سوف يكون عليهم حسرة، كل ذلك لا شكَّ فيه، لكن متى ذلك؟ هذا في علم الله -تعالى-، ولا يجوز الجزم بتحديد معيَّن في ذلك، كمن يقول: إن أمريكا ستنهار في العام كذا، وإن إسرائيل ستزول في عام كذا، ونحو ذلك من التخرُّصات والقول بلا دليل.

    اعداد: شريف طه




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: فقه النبوءات والتبشير – عند الملِمّات وضوابطه

    فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات وضوابطه (٢)

    عدم الاعتماد على المصادر الباطلة في هذا الباب




    أباح الشارع الرواية عن بني إسرائيل فيما قد يجوِّزه العقل فأما فيما تحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل
    من الحقّ الذي لا نشكّ فيه أن مآل الظالمين الخيبة والخسران لكن متى ذلك؟ هذا في علم الله تعالى ولا يجوز الجزم بتحديد معيَّن في ذلك
    الذين يعتمدون على المصادر الباطلة في باب التبشير يوردون الأحاديث الضعيفة والباطلة ثم يؤسِّسون عليها توقُّعاتٍ وأحكامًا متناسين أن التفسير فرع التصحيح
    من المصادر التي لا يجوز الاعتماد عليها الرؤى والمنامات لأن الرؤيا تختلط بحديث النفس لتلاعب الشيطان برأس صاحبها ولذلك اتفق العلماء على أن رؤى غير الأنبياء يُستأنس بها ولا يستدل بها وحدها
    نستكمل ما بدأناه الحلقة الماضية في الحديث عن مسألة التبشيرَ عند المحن والملمّات، وذكرنا أن ذلك من هدي الأنبياء والمرسلين، كما قال -تعالى-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 87)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر أصحابه في أوقات المحن والأزمات، وقلنا: إن التبشير في المحن مطلوب، لكن لابد من الاتّزان في ذلك، حتى لا يخرج الأمر عن حدِّه المشروع، ويدخل في باب الأوهام أو الكذب، أو القول على الله بلا علم، أو الكهانة والرجم بالغيب، أو الاغترار بالأماني من غير عمل وأخذ بالأسباب، وذكرنا أن لذلك ضوابط لابد من الأخذ بها، وذكرنا الضابط الأول وهو البشارات المطلَقة لا يجوز أن تقيد.
    الضابط الثاني: عدم الاعتماد على المصادر الباطلة في هذا الباب
    وهذه الآفة قاسِم مشترَك بين الخائضين بالظنّ في أشراط الساعة، فهم يوردون الأحاديث الضعيفة والباطلة، ثم يؤسِّسون عليها توقُّعاتٍ وأحكامًا، متناسين أن التفسير فرع التصحيح، ولو أَعمَلنا قول بعض السلف: «أثبت العرش ثم انقش» لطَرَح ذلك عن كاهلنا عبئًا ثقيلًا من هذه المرويات الباطلة، ولأرحنا واسترحنا من عناء الجواب عما يطرأ بسببها من إشكالات وتوقعات.
    أحاديث الآثار والفتن
    ومن ذلك مثلا: الأحاديث والآثار التي يرويها نعيم بن حماد -رحمه الله- في كتابه (الفتن) عن السفياني الذي يخرج في الشام، والأبقع الذي يخرج من مصر، والأصهب، وعن قائد الروم الذي يأتي من المغرب وهو يعرج، فكل هذه الأحاديث التي أوردها أبو نعيم شديدة الضعف، لا يجوز الاعتماد عليها. ونعيم بن حماد مع جلالته في باب السنة والاعتقاد وشدَّته على الجهمية، إلا أن له أوهامًا كثيرة في باب الرواية، ولا سيما في باب الفتن والملاحم. قال الذهبي: «لا يجوز لأحد أن يحتجَّ به، وقد صنَّف كتاب الفتن، فأتى فيه بعجائب ومناكير» وقال أيضا: «نعيم من كبار أوعية العلم، لكنه لا تركن النفس إلى مروياته»، وقال ابن رجب الحنبلي: «أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن؛ لصلابته في السنة… فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف»، وقال مسلمة بن قاسم: «كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها».
    الاعتماد على الإسرائيليات
    ويدخل في ذلك أيضا: الاعتماد على الإسرائيليات، وهي الأخبار المروية عن بني إسرائيل، وقد قسم العلماء الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما شهد شرعنا بصدقه.
    القسم الثاني: ما شهد شرعنا بكذبه.
    القسم الثالث: ما لم يشهد شرعنا له بصدق ولا كذب، فهذا الذي قال فيه نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فهذا القسم يجوز روايته، ولا نكذّبه، ولكن لا نصدّقه أيضا؛ ولذلك لا يصح الاعتماد عليه في تحديد شيء من علامات الساعة أو أمور المستقبل.
    قال الشافعي -رحمه الله-: «أباح الحديثَ عن بني إسرائيل عن كلّ أحد، وأنه من سمع منهم شيئًا جاز له أن يحدث به عن كل من سمعه منه، كائنًا من كان، وأن يخبر عنهم بما بلغه، لأنه -والله أعلم- ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشريعة، ولا يوجب فيها حكمًا، وقد كانت فيهم الأعاجيب؛ فهي التي يحدّث بها عنهم؛ لا شيء من أمور الديانة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقوم آخرين المنامات والإسرائيليات والحكايات». وقال ابن كثير -رحمه الله-: «وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فيما قد يجوِّزه العقل، فأما فيما تحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل».
    الاعتماد على روايات أهل الكتاب عن الملاحم
    ومن أمثلة ذلك أيضا: اعتمادُ كثير من المسلمين على ما يذكره أهل الكتاب عن ملاحم آخر الزمان، ومعركة هرمجدون، وعودة اليهود لبيت المقدس، وبناء الهيكل، والبقرات الحمر، وغير ذلك من هذه الخرافات التي يصدِّقها الصهاينة النصارى واليهود، ويبنون عليها سياساتهم في بناء إسرائيل على أرض فلسطين، والسعي لهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم، من أجل نزول المسيح المخلِّص، وكل هذه التفاصيل لم ترد عندنا في كتاب ولا سنة، ولا يجوز الاعتماد على ما يرويه أهل الكتاب في ذلك، كما فعل صاحب كتاب: (هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام) الذي اعتمد فيه على أخبار كاهن يهودي؛ فزاد الطين بلة. وقد ملأ كتابه بالجهل الكثير، والخرافات التي كشف الواقع كذبها، كزعمه أن المهدي سيظهر بعد حكم طالبان بست سنوات، أي: في عام (2002م) وأتت هذه السنة، ومرت سنوات كثيرة، وتغيرت فيها الأحوال، ولم يخرج المهديّ، بل ذهب حكم طالبان في عام 2001م.
    الملحمة مع اليهود
    نعم، ورد عندنا ذكر الملحمة مع اليهود في آخر الزمان، كما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»، والظاهر أن هذا القتالَ مع اليهود يكون في آخر الزمان، عند قتال الدجال، فإن أكثر أتباعه من اليهود، وهم ينتظرون مسيح الضلالة، يظنونه المسيح الموعود به في التوراة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فالمراد بقتال اليهود: وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى» وذكر شواهدَ ذلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «اليهود إنما ينتظرون المسيح الدجال، فإنه الذي يتبعه اليهود، ويخرج معه سبعون ألف مُطَيلَس (أي: عليهم الطيالسة) من يهود أصبهان، ويقتلهم المسلمون معه، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله». ولا شكَّ أن إسقاط هذا الحديث على الواقع المعاصر وما يحدث فيه من معارك غيرُ صحيح؛ لما سبق بيانه أن هذا يكون في قتال الدجال، ويسبقه خروج المهدي ونزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- وغيرها من الأحداث العظيمة التي تسبق هذا الحدث.
    الاعتماد على الرؤى والمنامات
    ومن المصادر التي لا يجوز الاعتماد عليها في ذلك: الرؤى والمنامات، وهي من أخطر الأمور في ذلك؛ لأن الرؤيا تختلط بحديث النفس بتلاعب الشيطان برأس صاحبها؛ ولذلك اتفق العلماء على أن رؤى غير الأنبياء يُستأنس بها، ولا يستدل بها وحدها؛ لأنه لا يجزم بصحتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والرؤيا المحضة التي لا دليل يدلّ على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق». ونقل الإمام النووي عن القاضي عياض الإجماع على أن المنام لا تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت، ثم قال بعدها: «هذا كلام القاضي، وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم، فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع… ولا يجوز إثبات حكم شرعي به؛ لأن *حالة *النوم *ليست *حالة *ضبط وتحقيق». ومع الأسف الشديد، فقد رأينا وسمعنا كيف أن أناسًا أهلكوا أنفسهم وأتباعهم بالدخول في فتن عظيمة، معتمدين فيها على رؤى ومنامات، بدلا من الاحتكام لقواعد الشرع المحكمات. وفي التاريخ القريب جرت فتنة الجهيمان الذي ادَّعى المهدية في بعض أتباعه، ثم أدخلوا السلاح لبيت الله الحرام، ودعوا لمبايعته بين الركن والمقام، وجرى بسبب ذلك من إراقة الدماء وتدنيس بيت الله الحرام ما هو معلوم. وكان من أعظم أسباب هياج الفتنة عندهم الرؤى والمنامات، حيث تلاعب بهم الشيطان في وقت واحد، على أن صاحبهم محمد القحطاني هو المهدي، فظنوا أن هذا من تواطؤ الرؤيا الذي يوجب صدقها. وهذا يدل على أنه يجب الاقتصار على مصادر الاستدلال الصحيحة في هذا الباب -كما في غيره من الأبواب- وترك المصادر الباطلة، كالأحاديث الباطلة، والإسرائيليات، وأخبار الكهان، والتنجيم، والرؤى والمنامات ونحوها. عندما تكثر الفتن والشبهات، ويلتبس على الناس تمييز الحق من الباطل، لا ملاذ لهم إلا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام الله ورسوله فوق كل كلام، ومُقَدَّم على كل قول، كما قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ} (الحجرات: ١٠)، ونحن مُتَعَبَّدُون بطاعة الله وطاعة رسوله: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال:١)، والكتاب والسنة هما المرجعان المعصومان والحاكمان في كل اختلاف، كما قال سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ} (النساء: 59)، والقرآن هو الحجة البالغة: (قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (الأنعام:١٤٩)، ولا يجادل في آياته إلا الكافرون، كما قال -سبحانه-: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} (غافر: ٤)، ويعلم الله أن من الناس مَنْ هو مريض مرتاب، يُقَلِّبُ رأسه عند سماعه للقرآن مكذبًا له، وسيكون عليه حسـرة، كما قال -سبحانه-: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} (الحاقة:٤٩-٥١)، وكل ما فيه من تحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو وعد أو وعيد، أو تبشير أو تحذير، حق وصدق، لا يُبَدَّل ولا يُغَيَّر إلى يوم القيامة.

    اعداد: شريف طه




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •