من حوادث الزلازل والرجفات التي عايشها بعض الصحابة والتابعين


محمد أحمد العباد


باسم الله، والحمد لله الذي بيده ملكوت السموات والأرض، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم العرض، أما بعد:

فإن هذه الأرض للخلق كالأم للأبناء، تُمَهِّدُ أبناءَها مهاداً ليس فيه اضطراب، وتُفْرِشُهُم فراشاً ليس فيه قلق، ولكنَّ هذه الأم إذا أَبْصَرَتْ من أبنائها ما يَشُقُّ عليها، هزَّت بهم ذلك المهد هَزّاً يُنَهْنِهُهُمْ ويَزْجُرُهُمْ، ونَفَضَتْ بهم ذلكَ الفراشَ نفضاً يرتطم فيه بعضهم ببعض، ولـمّا كان حديثُ الناسِ في مجالسهم ودواوينهم في الأيام السابقة حول الزلازل - وقانا الله شرَّها – أحببت أن أشارك بهذه المقالة، أشيرُ فيها إلى بعض حوادث الزلازل التي عايشها بعضُ الصحابةِ - رضي الله عنهم - والتابعين رحمهم الله، مصحوبةً ببعض الفوائد والأحكام الفقهية، فإلى المادة:

1 – لقد وقعت رجفات في زمن النبي[ إلا أنها كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إنا كنا نرى الآيات مع رسول الله[ بركات»، ولعل منها ما أخرجه أبو داود «4651» و الترمذي «3757» و ابن ماجه «134» والحاكم «3/450» عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله[بحراء أنا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، فتزلزل الجبل، فقال النبي[: «اثبت حراء فليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد».

قلت: والحديث مُخرَّجٌ في الصحيحين بغير هذا السياق من حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما.

وقد جاء عن شهْر بن حوشب قال: زلزلت المدينة في عهد النبي[ فقال: «إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه».

أخرجه ابن أبي شيبة «2/472 ط: السلفية»، وقال الحافظ في التلخيص: «هذا مرسل ضعيف».

2 - وقد زُلزلزِت الأرض على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى اصطفقت السرر، فتقول راوية الأثر - وهي صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر - : وابنُ عمر - رضي الله عنهما - يُصَلِّي فلم يَدْرِ بها، ولم يوافق أحداً يصلي فدرى بها ، فخطب عمر الناس فقال: «أَحْدَثْتُمْ ؟ لقد عجلتم!»، ولا أعلمه إلا قال: «لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم». أخرجه البيهقي في السنن «3/342»، وابن أبي شيبة «2/473».

ويقول مجاهد بن جبر المكي - رحمه الله -: زلزلت مكة، فقال عمر - رضي الله عنه -: «انظروا ماذا تعملون؛ فإنها مكة، لأنْ أعمل عشر خطايا بركبة أحبُّ إلي من أن أعمل بمكة خطيئة واحدة». أخرجه الفاكهي في أخبار مكة «2/268» وفي إسناده انقطاع؛ مجاهد - رحمه الله - لم يدرك عمر، رضي الله عنه.

ومن فوائده – مع الذي قبله - قيام الإمام أو العالم على الخطابة لوعظ الناس، وحضهم على الصدقة ، وأمرهم بالتوبة.

3 - وعن علقمة، قال: زلزلت قَسَا – وهي موضع عند البصرة - على عهد عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال عبد الله: «إنا كنا نرى الآيات مع رسول الله[ بركات، وأنتم ترونها تخويفا». أخرجه أحمد في المسند «1/396 ط: الميمنية»، والبزار في مسنده «4/326 – 327»، والبيهقي في دلائل النبوة «6/11».

وعن عبد الله بن مسعود أيضاً - رضي الله عنه - قال: «إذا سمعتم هذا من السماء فافزعوا إلى الصلاة». أخرجه البيهقي في كتابيه: السنن الكبرى «3/343»، ومعرفة السنن عن الشافعي «5/157 الصلاة في الزلزلة». (1)

4 - عن قزعة عن علي - رضي الله عنه - أنه صلى في زلزلة ستَّ ركعاتٍ في أربعِ سجداتٍ: خَمْسُ ركعاتٍ وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة .

أخرجه الشافعي في الأم «7 / 168» وقال: «ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي - رضي الله عنه - لقلنا به، وهم يثبتونه ولا يأخذون به». (2)

5 - ويروي عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى بهم في الزلزلة بالبصرة، فأطال القنوت وكانت صلاته ركعتين تتضمن كل ركعة ثلاث ركعات؛ فيكون المجموع ست ركعات وأربع سجدات. (3)

6 - وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى الأمصار: «أما بعد، فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله به العباد»، وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال في كتابه أيضاً: «وقد كنتُ كتبتُ إلى أهل بلد كذا وكذا أن يخرجوا يوم كذا وكذا، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: {قد أفلح من تزكى}، وقولوا كما قال أبوكم آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}، وقولوا كما قال نوح: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}، وقولوا كما قال موسى {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}، وقولوا كما قال ذو النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. انظر: مصنف ابن أبي شيبة «2/472»، فتح الباري لابن رجب «6/329».

7 - وكان التابعي الجليل الذي يقول عنه عون بن عبد الله: «ما رأيت أعلم بتأويل كتاب الله منه» وهو محمد بن كعب القرظي معه جلساء كانوا من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجده الربذة – وهو موضع يقع على بعد 200 كيلو متراً تقريباً شرقي المدينة النبوية - فجاءت زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعاً تحته رحمهم الله. انظر: المعرفة والتاريخ «1/564»، تهذيب الكمال «26/346».

8 - ويَذْكُرُ محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري رحمه الله - حفيد الصحابي شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه - : أنه لما كانت الرجفة التي بالشام «سنة 130 هـ » كان أكثرها ببيت المقدس، فهلك كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرِهم، ووقع منزل شداد بن أوس - رضي الله عنه - على من كان معه، وسَلِمَ محمد بن شداد، وقد ذهبت رِجْلُهُ وذهب مَتاعُهُ تحت الردم. انظر: تاريخ ابن عساكر «22/409»، تاريخ الإسلام للذهبي «5/ 39 ، 40».

9 - ونقل أبو بكر الخلال في "كتاب العلل" عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: «سألني إنسان عن الرجفة، فكتبت

له هذا الحديث - وقال: ما أَحْسَنَهُ - : أنبأنا أبو المغيرة، قال: «أصاب الناس رجفة بحمص «سنة 94 هـ» ففزع الناس إلى المسجد، فلما صلى أيفع بن عبد الكلاعي صلاة الغداة، قام في الناس، فأمرهم بتقوى الله، وحذرهم وأنذرهم، ونزع القوارع من القرآن، وذكر الذين أهلكوا بالرجفة قبلنا، ثم قال: «والله، ما أصابت قوما قط قبلكم إلا أصبحوا في دارهم جاثمين، فاحمدوا الله الذي عافاكم ودفع عنكم، ولم يُهْلِكُّمْ بما أهلك به الظالمين قبلكم».

وكان أكثر دعائه: «لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، واستغفروا الله». انظر : فتح الباري لابن رجب «6/330».

وفي الختام: أسأل الله سبحانه أن يجعل ما نسمع ونشاهد مما نعاصره من الحوادث: صَقْلاً لقلوبنا، وتوبةً عما سبق من ذنوبنا، وأسأله أن يولينا أَمْناً من الغِـيَـر، وأن يُسمعنا بعد مخوفِ الحوادثِ طَيِّبَ الخبر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

هوامش:

1- والقول بمشروعية الصلاة في الزلزلة إجمالاً هو قول المذاهب الأربعة «البدائع للكاساني 1/282، والأم للشافعي، والمغني لابن قدامة 2/429، عدا المالكية (مواهب الجليل 2/204)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في منهاج السنة (5/455)، والشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/194).

2- وقد أخرجه البيهقي في السنن ولكن نقل روايته له بلاغا عن عباد بن عباد عن عاصم الأحول عن قزعة -وهو ابن يحيى- وروايته عن علي ] منقطعة، وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في الفقرة الآتية.

3- أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/101) وابن أبي شيبة في المصنف (2/472)، والبيهقي في السنن (3/343)، والذي يستفاد مما سبق من هذه النقطة مع النقطتين السابقتين: أن الصلاة عند الزلازل مشروعة - ولو على سبيل الانفراد-، وأن الجماعة لها واردة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.