كيف ظهر الافتراق والفرق في تاريخ المسلمين


علي بن مختار بن محمد بن محفوظ
هذا المقال يعتبر حلقة ضمن سلسلة حلقات تبحث في هذا الموضوع، وقد سبقه موضوع آخر بعنوان: بيان حال الفرق المخالفة للكتاب والسنة واجب، وهو كمقدمة لهذا الموضوع.
بيان حال الفرق المخالفة للكتاب والسنة واجب




ويحسن بالقارئ أن يعود لكي يربط بين هذا المقال وبقية السلسلة إلى هذه الروابط، أو إلى هذه العناوين:

أسباب وقوع الخلاف بين الفقهاء في العصور المتقدمة


أسباب وقوع الخلاف بين الفقهاء في العصور المتقدمة



أسباب وقوع الخلاف بين الفقهاء في بقية العصور.
أسباب وقوع الاختلاف بين الفقهاء في بقية العصور






كان ظهور الفرق العقدية والفكرية في الأمة الإسلامية نتيجة لأسباب داخلية وعوامل خارجية.


ولعل من أبرز الأسباب الخارجية اختلاط المسلمين بغيرهم من أهل الديانات السابقة.

ثم التأثر ببعض الفلسفات نتيجة نشاط حركة الترجمة، وأيضا كثرة الثقافات الوافدة التي استطاعت أن تنفذ إلى بعض فئات المجتمع الإسلامي المهمة فتأثرت وأثرت.

ثم دخول الكثير من أعداء الإسلام في الإسلام ظاهرا ليهدمه من داخله، ثم تكالب الأعداء وتضافرهم ـ على الرغم من اختلافهم ـ لضرب المسلمين وإضعافهم عسكريا بعد غزوهم فكريا لإبعادهم عن التمسك بدينهم.

أهم الأسباب الداخلية،:
تتمثل في انحـراف بعض المسلمين عن المنهج الإسلامي الصحيح، والبعد عن التمسك بالكتاب والسنة، فهما معيـار الاستقامة، فقد تضمن كتاب الله تعالى، والسنة النبوية المشرفة كُل ما يهدي المسلمين إلى طريق الحق والبعد عن الضلال، فإن الكتاب والسنة هما المعيـار الأصيل لمعرفة القرب أو البعد عن الاستقامة، ولكن بعض المسلمين تركـوا المنهج الواضح الذي رسمه الشارع الأعظم وحـادوا عن منهج أهـل السنة والجمـاعة من سلف الأمة الصالح، وركنوا إلى بعض التصورات العقلية بمنأى عن الهـداية العقدية الواردة فيهمـا فضلوا وأضلوا.
ثم كان لظهور المعاصي وانتشار المخالفات، و إيثار حب الدنيا وشهواتها على الآخرة ونعيمها أثر كبير في التنازع والافتراق، مع ركون بعض المسلمين إلى السلبية، وعدم قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يسعوا سعياً حثيثاً مستمرا لرأب الصدع واستشعار المعنى العميق للوحدة الإيمانية وما تستلزمه من محبة وأخوة وترابط.

متى ظهر الافتراق والفرق:
قد نشأت الفرق الإسلامية في أواخر عصر الخلفاء الراشدين، وتبلورت أفكارها في العصور التالية، ففي عهد الرسالة وبداية عهد الخلفاء الراشدين كان المسلمون يشكـلون وحدة حقيقية، عقيدة وفكراً وجماعة، وإذا ظهر خلاف ما في الرأي، فسرعان ما ينتهي إلى وفاق وتفاهم، بسبب الاحتكـام المباشر إلى الكتاب والسنة.

وبدأت الفتن والفرقة بين المسلمين في أواخر عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين اشتكى بعضهم أو بعض المنافقين ب من ولاة عثمان رضي الله عنه، ثم تحركت الأمور بيد المنافقين والمغرر بهم إلى الشكوى من عثمان رضي الله عنه ذاته بمقولة: إنه يولي العمـال من ذوي رحمه، ثم تحولت الشكوى إلى الطعن في دينه على يد بعض المارقين الضالين.
ثم قُتل عُثمان رضي الله عنه مظلوماً بيد فئة ظالمة غُرر بها .. ففتح بذلك باب القتل والقتـال بين المسلمين.

وبذلك بدأت الفتن والفرقة بين المسلمين في أواخر عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وبعد تولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة، اتهمه بعضهم أنه لم يقتص من قتلة عثمان رضي الله عنه؛ فوقع القتال بين علي وبين الزبير وطلحة وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم جميعاً. ثم وقع قتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وانتهى بواقعة التحكيم المعروفة.

وبعد التحكيم كانت البداية الفعلية للافتراق في الأمة بظهور الخوارج والشيعة.
وكانت الفرقة الأولى في الظهور هي الخوارج، وهم أول من كفّر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك.

وأما الثانية: فهم الشيعة أو الرافضة، أي من ادعوا أنهم شيعة عليّ وأبناؤه، وقد افترقوا فيما بعد على فرق عدة، أقلها غلّواً من قال منهم إن عليًا أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر مثل الزيدية.

وظهر بجانب مسألة التكفير التي أظهرها الخوارج: مسألة القدر، أو نفي القدر، التي قال بهـا معبد الجهني في آخر القرن الأول، وكثر الكلام حولهما في آخر عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ثم ظهرت المرجئة في آخر القرن الأول كذلك، وقالت لا يضر مع الإيمان ذنب.

ثم ظهر التعطيل ـ أي تعطيل الإيمان بالأسماء والصفات ـ على يد الجعد بن درهم والجهم بن صفوان في أول القرن الثاني الهجري.

ثم نادي جهم بن صفوان في أوائل القرن الثاني الهجري بالجبر وهو الذي قال: لا إرادة للإنسـان بجوار إرادة الله.

وظهرت المعتزلة التي تنادي بالإرادة الإنسانية المطلقة؛ لأنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان حراً مختاراً وهذه الحرية هي أساس التكليف وعليها يترتب الحساب والعقاب.

ثم أثيرت مسألة صفات الله وكلامه، ومسألة خلق القرآن، أهو مخلوق أم قديم؟ أثار ذلك الجهم ابن صفوان والجعد بن درهم في العصر الأموي، ثم اشتد الأمر في العصر العباسي، فكان امتحان للعلماء ولإمام أهل السنة أحمد بن حنبل.

ثم ظهر التصوف كرد فعل لانشغال الناس بمتع الحياة الدنيا، وبدأ بدعوة للزهد في الدنيا ثم تسلل إليه الانحراف والضلال.
وتعددت الفرق وتشعبت بتأثير كتب الفلسفة اليونانية والهندية التي ترجمت إلى العربية، فأصبحت الفرق فرقاً متعددة، فانقسمت المعتزلة إلى فرق كثيرة، منها : الواصلية ورائدها واصل بن عطاء، والهذلية ورائدها أبو الهذيل العلاف.

وانقسمت الشيعة أو الرافضة إلى فرق أقل غلواً، وفرق غالية انحرفت كلياً عن طريق الإسلام، مثل: الإسماعيلية والنصيرية والدروز وغيرهم.
ثم ظهرت الأشاعرة والماتريدية للتصدي للفلاسفة والباطنية والرافضة؛ ولكسر سطوة المعتزلة الجهمية، فكان لهم جهادهم المشكور إلا أنه كان لاستخدامهم مناهج الفلاسفة والمتكلمين ومحاولة التوفيق بينهم وبين أهل السنة والجماعة أثره البالغ في تأثرهم ببعض أفكارهم وعقائدهم.

أهداف دراسة هذه الفرق باختصار

وإذا درسنا شيئا من هذه الفرق فيكون بهدف: أن يكون المسلم على بينة من عقائدها، وحتى لا يخـدع بكلامهم وأفعـالهم إن ذكرت في كتب المتأثرين بهذه الفرق أو كتب أتباعهـا المعاصرين.

ثم إن كثيراً من أفكار هذه الفرق تتجدد وتلبس ثياباً أخرى غير التي كانت تلبسها سابقاً، أو تتسمى بأسماء براقة تغري الذي يشاهدها أو يسمع بها، فالمرجئة تكلمت عن الإيمان وكل يوم ينشر أتباع جدد أن الإيمان في القلب وحده، ولا نسأل عن العمل، أو تظهر فرق جديدة تدعو لأفكار قديمة، والمسلم الحصيف هو الذي يعرف التشابه بين الأفكار القديمـة والأفكار الحديثة.

هذا مع العلم أن كثيراً من هذه الفرق لا زالت تعيش بيننا، وبعضها يتوسع على حساب الإسلام، مثل فرق الشيعة أو الروافض التي صار لها دولة تدعو إلى أفكارها بكل الوسائل العلمية والثقافية، وغزت بمدارسها ودعاتها قارة أفريقيا والشرق الأقصى، وتحاول نشر أفكارها في أوروبا وأمريكا، وتجتهد في التوسع في البلاد العربية.