احفظ لسانك يا هذا
إعداد
رضوان بن صالح الورد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد :
فإن من أعظم نعم الله تعالى علينا أن وهب لنا القدرة على النطق والكلام، التي سهلت لنا طرق التعامل مع الآخرين .
فمنا من استعمل هذه النعمة في الخير ، فلا ينطق إلا الكلام الطيب الحسن النافع والمفيد، ومنا من أرسل كلماته دون ضابط أو رقيب أو قيود فأردته المهالك، ومنا بين ذلك، قال تعالى :( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )(ق : 18 ).
*بـــدايـــة المنعــــطف*
إن الحديث في هذا الموضوع يأخذ منعطفاً خطيراً، سار فيه جملة من الناس، فأطلقوا ألسنتهم بكلمة ممقوتة مذمومة وقف الإسلام من هذه الكلمة موقفاً حازماً، فحرمها وتوعد قائلها بالوعيد الشديد .
قال:"صلى الله عليه وسلم": (أن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها - أي ما يتثبت ولا يعلم هل هي خير أو شر صدق أو كذب - يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ) (سنن البيهقي 16441)
حديثنا إذاً عن تكفير الآخرين بغير برهان من كتاب الله ولا سنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" وهو ما درج على لسان الصغير والكبير فراحوا يطلقون عبارة التكفير دون فقه أو تثبت ، أو اعتبار للضوابط الشرعية مما آل إلى صنوفٍ من الانحراف والضلال.
*تعــريف الكفــر وأنــواعــه*
الكفر في اللغة : التغطية والستر ، وشرعاً : ضد الإيمان .
والكفر نوعان / الأول : كفر أكبر يخرج من الملة ،وهو خمسة أقسام : كفر التكذيب ، وكفر الإباء والاستكبار مع التصديق، وكفر الظن ، وكفر الإعراض ، وكفر النفاق .
والثاني :كفر أصغر لا يخرج من المـلــة ، وهو الكفر العملي، وهو الذنوب التي وردت تسميتها في الكتاب والسنة كفراً ، وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر، مثل كفر النعمة .
*مراعــاة أمــور قبــل الحــكم*
لقد دلَّت النصوص على أن التكفير (كسائر الأحكام الشرعية) لا يتم إلا بوجود أسبابه وانتفاء موانعه، فليس كل فعل يوجب الكفر على صاحبة لوجود مانع يمنع من كفره .
فــإذا أتى المسلم مثــلاً بناقــض من نواقــض الإســــلام المتفــق عليها عند العلماء فإنه يُحكم عليه بالكفر، لكن يجب أن يراعي أموراً قبل الحكم عليه، وهي :
1 / أن لا يكون جاهلاً بالحكم .
2 / أن لا يكون مكرهاً .
3 / أن لا يكون متأولاً يظنه صحيحاً .
4 / أن لا يكون مقلداً لمن ظنه على الحق .
5 /أن يتولى الحكم عليه العلماء الراسخـــون وليــس عـــوام الناس .
مــن الـــذي يحــكم بــالتكفــير؟
يجيب عنها فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
عضو هيئة كبار العلماء
سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله هذا السؤال : من الذي يَحكم بالتكفير على الشخص ؟
فأجاب : الذي يحكم أهل العلم والبصيرة الذين يعرفـــــــون الأحكام وينزلونها منازلها، ما هو بالعوام والمتعالمون أو أهل الأهواء، إنما الذي يحكم بهذا هم أهل العلم والبصيرة، يحكمون بكفر شخص بعد إيمانه .! لابد من أهل العلم وأهل البصيرة .
المعين لابـد من إقامـة الحـجـة عليــه عنــد القاضي، لأنـــــه قد يكون له عذر يكون متأولاً . لازم . لا يُكَفَّر المعين إلا عند القاضي في المحكمة الشرعية . أما العموم وأن يقال من فعل كذا فهو كافر، من دعا غير الله .! من أشرك بالله .! من ذبح لغير الله .! فهو كافر على العموم .. نعم . يكفَّر بالعموم . لكن المعين .! لا . ما يكفَّر إلا عند القاضي، لأنه ربما يكون له عذر .! ربما يكون جاهلاً، ربما يكون مكرهاً، ربما يكون له عذر، فلابد من هذا عند الحاكم . أ. هـ من شريط أسئلة وأجوبة من دروس الحموية للشيخ صالح الفوزان حفظه الله .
وقد جاءت النصـوص بالتحذير من التكفيـر ، والوعيد الشديـد لمن كفَّـر أحـدًا مـن المســلمين ، وليــس هــو كذلك ، فعن أبي هريرة "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال : (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما)(البخاري 6103) .
وعــن أبي ذر ر أنه سمـــع رسول الله "صلى الله عليه وسلم "يقـــول: (ومن دعــا رجلا بالكفر، أو قال : عدو الله، وليس كذلك . إلا حار عليه)(مسلم 112 )،
فلا يجوز نفي الإيمان عن المسلم المعين، بل هو حرام، فكيف بمن وقع في هذه الدائرة الخطيرة يطلق لسانه عبثاً يكفِّر دون ضابط شرعي .!
*إطــلاق الكفــر عــلى المعــين*
يجيب عنها فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمـــــه الله هذا السؤال : هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفراً ؟
فأجاب : إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه؛ ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد، فيعامل معاملة المرتد في الدنيا هذا باعتبار أحكام الدنيا، أما أحكام الآخرة فتذكر على العموم لا على الخصوص؛ ولهذا قال أهل السنة : لا نشهد لأحد بجنة ولا بنار إلا لمن شهد له النبي "صلى الله عليه وسلم" . وكذا نقول من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ أن الحكم المعلق بالأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقيق انطباقه وانتفاء موانعه . أ. هـ من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ج2 س219 ص125 .
فليس كل من فعل مكفراً حكم بكفره، فالقول أو الفعل قد يكون كفراً، لكن لا يطلق الكفر على القائل أو الفاعل إلا بشرطه، وما أكثر إطلاق اللسان من المتسرعين والعوام بإطلاق الحكم قبل أن يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه .
وهذا أصل عظيم يجب الاعتناء به وفهمــه، وتعليمه لمن وقـــع في التكفير حسب أهوائهــم وفهمهـم القاصـر من العـوام أو الجهلة أو حتى من المنتسبين للدعــوة، لأن التكفير ليس حقاً للمخلوق، بل يجب الرجوع في ذلك إلى الكتاب والسنــة على فهم السلف الصالح .
*فعل الخوارج من قديم*
قد يُكفِّر البعض مَن يفعل المعاصي ويرتكب الكبيرة .! وهذا حاصل من قديم، وهو فعل الخوارج ومن سار على نهجهم من المتعالمين في هذه الأزمنة المتأخرة، فكبائر الذنوب تختلف في فحشها وعظم جرمها، فمنها ما هو شرك، ومنها ما ليس بشرك، ومذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون مسلمًا لارتكابه المعاصي والكبائر دون الشرك، مثل أن يقتل نفساً، أو يشـرب الخمـر، أو يأكـل الربـا، أو يفعـل الزنـــا، أو يسـرق ونحو ذلك من الكبائر، وعلى ولي الأمــر أن يطبِّق عليه العقوبة لفعله هذه المعاصـي والكبائــر من قصاص أو حــد أو تعزير، وعلى فاعلها التوبة والاستغفــار .
وقـــد قــرر شيخ الإســلام ابن تيميـــة رحمــه الله في العقيــدة الواسطية: فصل : ومن أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل : قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفِّرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي . أ.هـ