السلام عليكم ورحمة الله
لعل الفضلاء الذين استطردوا في توجيه كلام ابن المديني قد ابتعدوا قليلا عن موضوع كلام ابن المديني نفسه
ولعل أقرب توجيه له هو ما ذكره الشيخ إمداد الحق والشيخ طارق عوض الله، إذ هو موافق لظاهر كلامه، والله تعالى أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله
لعل الفضلاء الذين استطردوا في توجيه كلام ابن المديني قد ابتعدوا قليلا عن موضوع كلام ابن المديني نفسه
ولعل أقرب توجيه له هو ما ذكره الشيخ إمداد الحق والشيخ طارق عوض الله، إذ هو موافق لظاهر كلامه، والله تعالى أعلم.
قول الإمام أحمد: إن الحديث الضعيف أحب إليه من الرأي، فمراده به الحديث الحسن، كما حمله عليه المحققون من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال السمعوني في غضون بحثه عن الحديث الضعيف: (وَقد نقل فِي حكم الحَدِيث الضَّعِيف قَول ثَالِث، وَهُوَ أَنه يُؤْخَذ بِهِ فِي الْأَحْكَام أَيْضا إِذا لم يُوجد فِي الْبَاب غَيره، وَقد نسب ذَلِك إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل، واشتهر عَنهُ غَايَة الاشتهار، وَقد كَانَ أنَاس من الْمُتَكَلِّمين يتعجبون من هَذَا القَوْل غَايَة التَّعَجُّب، بِنَاء على أَن أَحْكَام الدّين يَنْبَغِي أَن تكون مَبْنِيَّة على أساس متين، وَكَانَ أنَاس من غَيرهم يعْجبُونَ بِهَذَا القَوْل، ويعدونه أَمارَة على فرط الِاتِّبَاع والتباعد عَن الابتداع، وَكَانَ بَينهمَا فريق آخر الْتزم فِي ذَلِك الصمت متمثلا بقول من قَالَ:(فبعضنا قَائِل مَا قَالَه حسن ... وبعضنا سَاكِت لم يُؤْت من حصر)وَقد حاول الْعَلامَة ابْن تَيْمِية إِزَالَة الْإِشْكَال من أَصله، فَقَالَ فِي كتاب منهاج السّنة النَّبَوِيَّة: إِن قَوْلنَا إِن الحَدِيث الضَّعِيف خير من الرَّأْي، لَيْسَ المُرَاد بِهِ الضَّعِيف الْمَتْرُوك، لَكِن المُرَاد بِهِ الْحسن كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَحَدِيث إِبْرَاهِيم الهجري مِمَّن يحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه، أَو يُصَحِّحهُ، وَكَانَ الحَدِيث فِي اصْطِلَاح من قبل التِّرْمِذِيّ إِمَّا: صَحِيح، وَإِمَّا ضَعِيف. والضعيف نَوْعَانِ: ضَعِيف مَتْرُوك، وَضَعِيف لَيْسَ بمتروك، فَتكلم أَئِمَّة الحَدِيث بذلك الِاصْطِلَاح، فجَاء من لَا يعرف اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ، فَسمع قَول بعض أَئِمَّة الحَدِيث: الضَّعِيف أحب إِلَيّ من الْقيَاس، فَظن أنه يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُضعفهُ مثل التِّرْمِذِيّ، وَأخذ يرجح طَريقَة من يرى أَنه أتبع للْحَدِيث الصَّحِيح، وَهُوَ فِي ذَلِك من المتناقضين، الَّذين يرجحون الشَّيْء على مَا هُوَ أولى بالرجحان مِنْهُ).
وفي إكمال تهذيب الكمال (1/ 292 - 294):
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث.
وقال الكوفي: يكتب حديثه، وفيه ضعف.
وفي موضع آخر: كوفي ضعيف.
وكذا قاله البرقي في كتاب " الطبقات ".
وفي كتاب " الضعفاء " لأبي العرب القيرواني: سئل أحمد بن حنبل: الهجري يحدث عنه؟ فقال: قد روى عنه شعبة.
وقال أبو إسحاق الحربي في كتاب " التاريخ ": فيه ضعف، وأستغفر الله تعالى من ذلك.
وذكره ابن شاهين في كتاب " الضعفاء والكذابين " من رواة الحديث.
وذكره البخاري، وأبو بشر الدولابي، وأبو القاسم البلخي، وأبو جعفر العقيلي في " جملة الضعفاء ".
وقال الساجي: صدوق يهم، كان رفاعا للأحاديث، وكان سيء الحفظ فيه ضعف، وكان ابن عيينة يضعفه، وكرهه يحيى بن سعيد، وقال شعبة: كان رفاعا.
وفي " كتاب ابن الجارود ": ليس بشيء.
وقال السعدي: يضعف حديثه.
وفي كتاب الآجري: قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد: كان الهجري يسوق الحديث سيقاة جيدة.
وقال أبو الفتح الأزدي: هو صدوق، لكنه رفاع كثير الوهم.
وقال يعقوب بن سفيان: كان رفاعا، لا بأس به، كوفي.
وفي " اللباب المجمل في كتاب المهمل ": لا أعلمه روى عن صحابي غير ابن أبي أوفي.
وفي مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (1/ 20)
قال الأزدى: هو صدوق لكنه رفاع كثير الوهم. وقال ابن عدى: وهو عندى ممن يكتب حديثه.
قلت: أبو البراء: لذا لخلص حاله ابن حجر بقوله: (لين الحديث يرفع الموقوفات)، علم لما قال ابن تيمية عنه: (ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه)، والله أعلم
أنت تؤكد أن إبراهيم الهجري الذي مثل به تلميذ الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد يأخذ بحديثه حين لا يجد غيره:
أنت تؤكد ضعفه؛ إذ لو جاءك أنت في سند لحكمت بضعفه
وعجزت أن تثبت أن الترمذي حسن له، بل ولا غيره، إلا أن يعتضد بشاهد أو متابع، فيكون حسنا لغيره، ولسنا من هذا في شيء.
وأئمة الجرح والتعديل قد اتفقوا على ضعفه، حتى الحافظ ابن حجر، فإنه ذكره في سند في مختصر زوائد مسند البزار (1/ 346)، ثم قال: (إبراهيم الهجرى: ضعيف)
وذكره مرة أخرى في نتائج الأفكار (4/ 409) في سندٍ صححه الحاكم، ثم قال: (قلت [أي الحافظ ابن حجر]: وليس كما قال: فإن مداره على إبراهيم بن مسلم الهجري -بفتح الهاء والجيم- وهو ضعيف عند جميع الأئمة من قبل ضعفه لم نجد فيه توثيقاً لأحد إلا قول الأزدي: صدوق، والأزدي ضعيف).
والذي يظهر لي: أن مراد الأثرم: أن الإمام أحمد: يرى الأخذ بالحسن كحديث عمرو بن شعيب، وبالضعيف كحديث إبراهيم الهجري.
وأن من زعم أن مراده بالضعيف الحسن فقد أخطأ، فإن المتقدمين يطلقون الضعيف ويريدون ما يشمل الضعيف والحسن، لا الحسن فقط.
إذًا، شيخ الإسلام: بنى حكمه أعني: أن مراد الإمام أحمد بالحديث الضعيف: الحديث الحسن، على وهمٍ، وهو أن الترمذي حسن أو صحح له.
فلما بان لنا هذا الوهم: بان لنا خطأ الاستنتاج.
فأولاً الترمذي يرى ضعفه، ولم يحسن له، فضلا عن أن يصحح له، وقد جاء في آخر سننه ت بشار (6/ 252): (وقد اختلف الائمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم.ذكر عن شعبةَ: أنه ضعَّفَ أبا الزبير الْمكى، وعبد الْملك بن أبى سليمان، وحكيم بن جبير، وترك الرواية عنهم.
ثم حدث شعبة عمن هو دون هؤلاء في الحفظ والعدالة ; حدث عن جابر الجعفي وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيدالله العزرمي وغير واحد ممن يضعفون في الحديث).
فإذا عرفت رتبة الهجري عند الترمذي، فعليك بمعرفة من جمعهم به في الضعف، وهم جابر الجعفي، والعزرمي.
وعليك معرفة من هم أعلى من هؤلاء، ممن لم يحدث عنهم شعبة، وهم أبو الزبير المكى، وعبد الملك بن أبى سليمان، وحكيم بن جبير.
وأما ثانيا: فالرجل مجمع على تضعيفه، ما عدا توثيق الأزدي له، والأزدي ضعيف!!، كما قاله الحافظ ابن حجر.
لتعلم من هذا كله: أن الإمام أحمد يحتج بالحسن، ويأخذ بالضعيف الذي لا معارض له.
والله أعلم
قلتُ: وهل إبراهيم الهجري ضعيفٌ عند الإمام أحمد بن حنبل حسب كلامه على الإطلاق؟
فقد قال فيه: "كان رفاعًا" وهذه الجملة إنما لسوء حفظه، وقد قالها أيضًا في الوليد بن مسلم القرشي رغم أنه ثقة.
بل ووافق يعقوب الفسوي قول الإمام أحمد ففهم منه غير التضعيف الذي يرد كل أحاديثه، فقال عنه الفسوي: "كان رفاعًا، لا بأس به"، فهذا بمعنى أنه ليست متونه كلها منكرة بل هو ضعفه قريب من الحسن، وقد قال الحاكم بعدما صحح حديثه: "وليس بالمتروك".
ويفسر ذلك شيخ الإمام أحمد وهو سفيان بن عيينة بأنه روى عن إبراهيم الهجري في رؤيته لعبد الله بن أبي أوفى وهو يصلي على ابنته
وقال عنه ابن عيينة: " كان يسوق الحديث سياقة جيدة على ما فيه". وأبين منه قول الإمام ابن عدي: "أحاديثه عامتها مستقيمة المتن وهو ممن يكتب حديثه". اهـ.
وألا ترى قول الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (1 / 165) بعدما ساق قصة لابن عيينة معه:
قلت : القصة المتقدمة عن ابن عيينة تقتضى أن حديثه عنه صحيح لأنه إنما عيب عليه رفعه أحاديث موقوفة ، و ابن عيينة ذكر أنه ميز حديث عبد الله من حديث النبى صلى الله عليه و آله وسلم ، والله أعلم . اهـ.
وأما قوله "ضعيف عند جميع الأئمة" يقصد به سوء حفظه ودليل ذلك قوله "من قبل ضعفه".
وإلا فقد روى ابن خزيمة له في صحيحه، وقال الحاكم في المستدرك بعدما صحح حديثًا له: "وإبراهيم بن مسلم الْهَجَرِيُّ لَمْ يُنْقَمْ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ". اهـ، بل وصحح الحاكم له أكثر من حديث له.
ورد الحافظ ابن حجر اعتذار الحاكم بقوله: "وهذا لا يكفي في التصحيح"، قلتُ: يقصد أن مآله إلى الحسن وليس بالصحيح، بمعنى أن حديثه دون الصحيح فهو حسن على أقل أحواله.
بل ومن أجله اختلف في حكم فقهي في مسألة وأثبت الشافعي شهادته.
فأخرج البيهقي في السنن الكبرى من طريق سُفْيَانَ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيَّ وَكَانَ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ "، فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، فِي أَنَّهُ لا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ اللَّعِبِ بِهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِيمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَهُوَ الأَشْبَهُ وَالأُولَى بِمَذْهَبِهِ، فَالَّذِينَ كَرِهُوا أَكْثَرُ، وَمَعَهُمْ مَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ". اهـ.
فكان قول أبي الفتح الأزدي محقًّا في ذلك - سيما - بيانه أن ضعفه في كثرة خطئه وتوهمه في الرفع، إذ من تتبع روايات إبراهيم الهجري عند البيهقي في كتبه، فسيرى أثر ذلك كثيرا بل لا يكاد تجد حديثا وإلا وهو يضطرب إليه في وقفه ورفعه، فتجده تارة الرواة يررون عنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتارة أخرى رواة أخرون يروون عنه بوقف ذات هذا الحديث على الصحابي.
فيقدر ذلك بأن رواية الإمام أحمد له في المسند إنما لانتقائه من أحاديثه وكذلك شعبة وغيرهما.
ألا ترى في مسند أبي داود الطيالسي قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالا فَلْيُرَ عَلَيْكَ، وَارْضَخْ مِنَ الْفَضْلِ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَلا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ، الأَيْدِي ثَلاثَةٌ: يَدُ اللَّهِ عز وجل الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، وَقَالَ: غَيْرُ شُعْبَةَ، يَرْفَعُهُ ". اهـ.
مع الملاحظة أن هذا ليس أكثر من مجرد انتقاء.
فضابطه إذا اختلف عليه الرواة في حديثه فيضعف رفعه، وكذلك إذا جاءه عارض كأن يكون في متنه نكارة.
وهذا صنيع البوصيري في الإتحاف انظر تحسينه له في حديث (مَنْ أَحْسَنَ صَلَاتَهُ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَأَسَاءَهَا إِذَا خَلَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِهَانَةً يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ) وحسنه الحافظ ابن حجر!
وتضعيف البوصيري له في حديث (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ).
وتحسينهما لإبراهيم الهجري في هذا الحديث الأول لعلهما لم يمرا على وقفه عند الطبري من طريق الهجري، ولم يمرا على مخالفة ابن أبي شيبة وغيره له فرواه في مصنفه موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه وهذا هو الصواب.
قلتُ: والراجح تضعيف حديث إبراهيم الهجري لكثرة خطئه ووهمه.
والله أعلم.
جزاكم الله خيرا يا شيخ عبدالرحمن
أولا: بدأت مقدمة حسنة جدا، وهو معرفة رأي الإمام أحمد في الرجل، وهو الذي نريده
لكن للأسف سرعان ما ابتعدت عن هذا؛ إذ لم تجد له نصا
فذكرت قول ابن عيينة شيخه، والفسوي، وابن عدي، والحاكم ... فهل هذه أولاً تمثل: رأي الإمام أحمد؟
فأين ما قدمته: رأي الإمام أحمد
لكن لا أعلم لماذا هذا التمحل، والتكلف.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أولا: قول الإمام أحمد:
أسئلة سهلة، وجوابه كلمة واحدة:
ما مصدرك لهذه المعلومة؟
وما معنى قول الإمام أحمد: (كان رفَّاعا)؟
فهل هي توثيق، أو تضعيف، أو ليست توثيقا ولا تضعيفًا؟
الإجابة، في كلمة واحدة.
فإن كان مصدرك ما في التهذيب: (1/ 165): (وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "كان الهجري رفَّاعا، وضَعَّفَه")، فلِمَ حَذَفْتَ كلمةَ (وضعَّفَهُ)، فإنَّ هذا ليس مِن الأمانة العلمية!!.
وهذا نص صريح فيما نحن فيه.
والمغزى من هذا: أنه لو لم يصلنا حديث إلا من طريق الهجري، لا شاهد له، ولا متابع: فهل هذا الحديث عند الإمام أحمد: حسن، أم ضعيف؟
فإن قلت: ضعيف، وقلت: الإمام أحمد وعلي بن المديني، وكل الأئمة السابقون يعملون به إذا لم يكن له معارض: فهذا الذي أدعيه.
وإن قلت: لا، لا يعملون به، بل يجب أن يكون صحيحا أو حسنا، فهذا الذي أدعي أنه مخالف لإجماع أؤلئك الأئمة.
ثانيا: الفسوي:
ما المغزى من هذا الكلام؟
يعني تريد أن معنى قوله: (لا بأس به) هو حسن، أم ضعيف؟
هل بنيت هذا المعنى باستقرائك لمصطلح (لا بأس به) عند الفسوي؟
وما مرادك من قولك: (غير التضعيف الذي يرد كل أحاديثه)؟
فلا يوجد: ضعيف مردود كل حديثه، إلا أن يكون: كذابا أو متهما.
أما غيرهما فصالح للمتابعة والشواهد.
وكل من يقرأ هذا النص: يفهم منك: أن الفسوي يضعفه، لكن ضعفا مقبولا، قريبا من الحسن!، والخلاصة: هل الفسوي يحسن حديثه، أم يضعفه تضعيفا مقبولا على زعمك؟.
والجواب: يضعفه.
ثم إن انفرد بحديثٍ، هل ستعمل أنت به، لو كنت تقول مقالة الفسوي.
أما أنا: فأقول، نعم، هذا هو منهج أئمتنا، بالاتفاق، وسبق أن نقلت أن خلافهم: في القول بسنيته أو كراهته وهو الذي عليه الجمهور، أو نقول فقط بالعمل، من غير مداومة، وهو الذي ذهب إليه ابن دقيق العيد وابن تيمية وغيرهما رحمه الله الجميع.
ثالثا: ابن عيينة شيخ الإمام أحمد:
ما الذي يفسره ابن عيينة غير تضعيف الرجل، ألم يقل فيما نقلته: (على ما فيه)، هل معنى هذا أنه حسن الحديث؟
قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير للبخاري بحواشي المطبوع (1/ 326، رقم: 1022)، التاريخ الأوسط (2/ 52، رقم: 1761)، التاريخ الصغير (2/ 50): (حَدَّثَنِي عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ: كَانَ ابنُ عُيَيْنَة يضعف إِبْرَاهِيم الهجري)، وذكره أيضا في الضعفاء الصغير ت زايد (ص: 14، رقم: 10 )، ونقل قول ابن عيينة.
فجودته في سياقة الحديث شيء، وتضعيفه شيء آخر.
والخلاصة: أنه ضعيف عند ابن عيينة، لا حسن.
وأما قولك شيخه: أقول: تلامذة الإمام أحمد كابن معين والبخاري، ضعفوه أشد التضعيف، فابن معين قال: ليس بشيء، والبخاري قال: منكر الحديث، وهو من الجرح الشديد عنده.
رابعا: الحاكم:
لن أتوقف كثيرا عن هذا الأمر، فالأمر واضح لا يحتاج إلى رد، لكن لا بد من التنبيه على وهم وهمت فيه، وهو قولك:
فهذا وهم بين، فإن ابن حجر يعلم أن معنى الصحيح عند ابن خزيمة، وتلميذه ابن حبان، وتلميذه الحاكم: ما يشمل الحسن والصحيح، وهذا معروف في كتب المصطلح.
قال الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 317): (... والحاكم وإن كان ممن لا يفرق بين الصحيح والحسن، بل يجعل الجميع صحيحا تبعا لمشايخهكما قدمناه عن ابن خزيمة وابن حبان...).
وكان فصل قبل ذلك فقال في (1/ 291): (وسمى ابن خزيمة كتابه "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة". وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله، ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية ....
فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسنما لم يظهر في بعضها علة قادحة.
وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حد الصحيح: فلا - والله أعلم -).
فهل بعد هذا تعتقد أن الحافظ ابن حجر يريد بـ(وهذا لا يكفي في التصحيح) ما ذكرته؟!.
وهو الذي يقول: لا مشاحة في الاصطلاح كما نقله عنه تلميذه البقاعي في النكت الوفية بما في شرح الألفية (1/ 141) إذ قال متحدثا عن ابن حبان: (وإنما غايتهُ: أنَّهُ يسمي الحسنَ صحيحاً، فإنْ كانت نسبتهُ إلى التساهلِ باعتبارِ وجدانِ الحسنِ في كتابهِ، فهي مشاحةٌ في الاصطلاحِ، ...، ولا اعتراضَ عليهِ؛ فإنَّه لا يشاحح عليهِ في ذلكَ).
شكرًا لك على تعقيباتك، واستفدت كثيرًا.
جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك يا شيخ محمد.
لكن لدي سؤال هل نستطيع أن نقول عن مثل أحاديث إبراهيم الهجري إذا روى أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ معارض له نجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونعتقد أنه قالها؟
أم هي معمولة به في فضائل الأعمال لكن لا نجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
أجهل تماما قصدك من هذا الكلام.
والظاهر أن إيراد هذا النص هنا خطأ.
فهل تريد أن هذا الكلام يدل على أنه ثقة؟!!
فإن البيهقي جاء به في (10/ 357): (بَابُ: الِاخْتِلَافُ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ )، فذكر من الأئمة من جوز لعبه، ومن لم يجوز لعبهفذكر الشافعي أن سعيد بن جبير لعب بالشطرنج، ثم محمد بن سيرين وهشام بن عروة.
ثم ذكر البيهقي بأسانيده من يلعب منهم، فذكر: الشعبي، ثم قول الحسن البصري، ثم بعب بهز بن حكيم، ثم إبراهيم الهجري.
ثم علق البيهقي على هذا كله، فقال (10/ 358): (فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا , فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ , فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ اللَّعِبِ بِهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِيمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ , وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأُولَى بِمَذْهَبِهِ , فَالَّذِينَ كَرِهُوا أَكْثَرُ , وَمَعَهُمْ مَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ , وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ).
فأي شيء يربط هذا النص بما نحن فيه؟!.
إذا كان كثير الخطأ فهو ضعيف، وهذا الذي قاله العلماء.
فأيُّ حقٍّ في كلامِه، على أن ابن كثير نقل عنه في تفسيره ت سلامة (1/ 22) قوله: (وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ: رفَّاعٌ، كَثِيرُ الْوَهْمِ)، وذكر البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (2/ 32): أن الأزدي ضَعَّفَه، ولم يذكرا قوله: (صدوق)!.
لعل تحسينهما له لشواهده:
كحديث جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه-: خَرَجَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "أيُّها النّاسُ إيّاكُم وشِركَ السَّرائرِ". قالوا: يا رسولَ اللَّهِ ما شِركُ السَّرائرِ؟ قال: "يَقومُ الرَّجُلُ فيُصَلِّى فيُزَيِّنُ صَلاتَه جاهِدًا لما يَرَى مِن نَظَرِ النّاسِ إلَيه، فذَلِكَ شِركُ السَّرائرِ".
وكحديث أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ، وَصَلَّى فِي السِّرِّ فَأَحْسَنَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا عَبْدِي حَقًّا.
وكحديث مُعَاوِيَةَ بْن أَبِي سُفْيَانَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ كَالْوِعَاءِ، إِذَا طَابَ أَسْفَلُهُ طَابَ أَعْلَاهُ، وَإِذَا فَسَدَ أَسْفَلُهُ، فَسَدَ أَعْلَاهُ.
وغيرها مما يشهد معناها لهذا الحديث.
وربما وقفوا على متابع له، فلذا حسناه.
في مقدمة ابن الصلاح قال حَكَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَه الْحَافِظُ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ الْبَاوَرْدِيَّ بِمِصْرَ يَقُولُ: "كَانَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَرْكِهِ"
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَه: "وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِي ُّ يَأْخُذُ مَأْخَذَهُ، (((((وَيُخْرِجُ الْإِسْنَادَ الضَّعِيفَ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ))))))؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْدَهُ مَنْ رَأْيِ الرِّجَال
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا {: الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ } إنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَمِلْ إلَيْهِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَمْرَو بْنَ بُجْدَانَ ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ هُوَ حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَحِيحًا لَقَالَ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَذْهَبُهُ إذَا ضَعُفَ إسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَ إلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ ،((( وَإِذَا ضَعُفَ إسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ فَهَذَا كَانَ مَذْهَبُهُ ))))