قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن
كما كان مؤمن آل فرعون.
قال تعالى. {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ
فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره
فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر
وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب
وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء
قال الله قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وامرأة الرجل من آله بدليل قوله: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}.
وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم
وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا
و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}
وهو عاجز عن الهجرة إلى دارالإسلام كعجز النجاشي
وكما أن الذين يظهرون الإسلام
فيهم من هم في الظاهر مسلمون
وفيهم من هو منافق كافر في الباطن أما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما معطل.
كذلك في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم
ومن هو في الباطن من أهل الإيمان بمحمد يفعل ما يقدر على علمه وعمله ويسقط ما يعجز عنه في ذلك
وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال
لما مات النجاشي قال النبي: "استغفروا لأخيكم" فقال بعض القوم تأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة
فنزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ}
ذكره ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم وذكره حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري أن رسول الله قال استغفروا لأخيكم النجاشي فذكر مثله.
وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا العمل بشرائع الإسلام لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا ،
فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم .
ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة من يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة
بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه
كما قال - تعالى - : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة
فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون .
-ويقول ايضا- كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خُسِفَ بهم " ،
فقيل : يا رسول الله، وفيهم المُكْرَه،
قال : " يبعثون على نياتهم " .
وهذا في ظاهر الأمر،
وإن قتل وحكم عليه بما يحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته،
كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويبعثون على نياتهم
.والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر؛
ولهذا روي أن العباس
قال : يا رسول الله، كنت مكرهًا
. قال : [ أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله ]
.ويقول رحمه الله-
وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه من لا يعلم المسلمون حاله،
إذا قاتلوا الكفار، فيقتلونه ولا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين،
وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة،
كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار،
فحكم الدار الآخرة غيراحكام الدار الدنيا.
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح-ص-385