فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
(طواف الوداع)
الإدارة الشرعية
س1387: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الوداع؟ ومتى يكون؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع واجب على كل إنسان غادر مكة وهو حاج أو معتمر، فإذا قدم الإنسان للحج أو للعمرة وأتى بذلك فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع، أما إذا قدم إلى مكة لغير حج ولا عمرة، بل لعمل أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك، فإن طواف الوداع لا يلزمه حينئذ، لأنه لم يأت بنسك حتى يلزمه طواف الوداع.
ويجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" ولكن العلماء- رحمهم الله- رخصوا لمن طاف طواف الوداع في الأشياء التي يفعلها وهو عابر وماشي، مثل أن يشتري حاجة في طريقه، أو أن ينتظر رفقة متى جاءوا ركب ومشى، وأما من طاف للوداع ثم أقام ونوى إقامة لغير هذه الأشياء وأمثالها فإنِه يجب عليهِ أن يعيد طواف الوداع.
س1388: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل طاف طواف الوداع في الصباح ثم نام وأراد أن يسافر بعد العصر فهل يلزمه أن يعيد طواف الوداع؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: عليه أن يعيد طواف الوداع في العمرة والحج، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" قال ذلك في حجة الوداع، فابتداء وجوب طواف الوداع من ذلك الوقت، فلا يرد علينا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتمر قبل ذلك ولم ينقل عنه أنه ودع؛ لأن طواف الوداع إنما وجب في حجة الوداع، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" وهذا عام يستثنى منه الوقوف، والمبيت، والرمي، لأن هذا خاص بالحج بالاتفاق، ويبقى ما عداه على العموم، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى العمرة حجاً أصغر كما في حديث عمرو بن حزم الطويل المشهور الذي تلقاه العلماء بالقبول، وهو حديث مرسل ، لكنه صحيح لتلقي العلماء له بالقبول؟ ولأن الله تعالى قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} وإذا كان طواف الوداع من إتمام الحج فهو أيضاً من إتمام العمرة. ولأن هذا الرجل المعتمر دخل المسجد الحرام بتحية فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية.
وعلى هذا فإن طواف الوداع يكون واجباً في العمرة كالحج، وهناك حديث أخرجه الترمذي: "إذا حج الرجل، أو اعتمر فلا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت" . وهذا الحديث فيه ضعف لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، ولولا ضعف هذا الحديث لكان نصًّا في المسألة وقاطعاً للنزاع، ولكن لضعفه لم يقو على الاحتجاج به، إلا أن الأصول التي ذكرناها آنفاً تدل على وجوب طواف الوداع للعمرة.
ولأنه إذا طاف للعمرة فهو أحوط وأبرأ للذمة؛ لأنك إذا طفت للوداع في العمرة، لم يقل أحد إنك أخطأت، لكن إذا لم تطف قال لك من يوجب ذلك: إنك أخطأت، وحينئذ يكون الطائف مصيباً بكل حال، ومن لم يطف فإنه على خطر، ومخطئ على قول بعض أهل العلم.
س1389: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تّعالى-: نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع! يبت في حدود مكة نهائياً وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت فهل هذا صحيح أم لا؛ لأننا أحياناً نحرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولا نستطيع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة والطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام من الحجاج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان؛ لأن النبي عكف يقول:! لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" ولأبي داود: "حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" وعلى هذا فأعد لنفسك بأنك لا تطف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك، ثم تخرج مباشرة، لكن يسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلي الصلاة إذا كانت قد دخل وقتها، وأن يشتري حاجة بطريقه وهو ماش، وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه إعادة طواف الوداع، وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير.
س1390: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قمنا بالحج متمتعين قبل عامين من الآن وقمنا بأعمال الحج كاملة من طواف الإفاضة والسعي والمبيت والوقوف بعرفات والهدي ولكن ظنًّا منا بأنه ليس علينا طواف وداع لم نطف للوداع، لأننا كلنا نظن أن طواف الوداع للقادمين من خارج المملكة فقط وهذا اعتقادنا فهل ما قمت به صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً فما العمل؟ وما هي الكفارة علماً بأننا من سكان جدة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ما قام به السائل من أعمال الحج فكله صحيح، لكن الوداع تركه غير صحيح، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان الناس ينصرفون من كل وجه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" فأهل جدة ومن دون جدة أيضاً إذا خرجوا من مكة بعد حج أو عمرة وجب عليهم طواف الوداع، إلا إذا أخروا طواف الإفاضة وطافوه عند الوداع فإنه لمجزئ عن طواف الوداع، وكذلك في العمرة إذا طافوا وسعوا وقصروا ثم رجعوا إلى أهليهم، فليس عليهم وداع، لأن الطواف الأول كاف، والقاعدة عند أهل العلم في مثل هؤلاء: أنه يلزم كل واحد منهم دم، أي فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء لتركهم هذا الواجب.
س1391: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت بطفلة رضيعة ولم أطف بها طواف الوداع فما الحكم في ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: ليس عليك شيء، الصغار ما جاء منهم من المناسك فاقبلوه، وما تركوه لا تطالبون به، ولكني أشير على إخواننا أن لا يحجوا الصغار في هذه المواسم، لأن في ذلك تضييقاً عليهم، وعلى أطفالهم تعب ومشقة، وتحجيجهم ليس بواجمب، غاية ما في ذلك أن لهم فيه أجراً، لكن هذا الأجر الذي يحصلونه ربما يفوتهم من الأجر في تكميل مناسكهم أكثر وأكثر مما حصلوه من حج هذا الصبي، والإنسان ينبغي له أن يكون بصيراً بالشرع قبل أن يفعل، ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة- رضي الله عنهم- أن يحجوا أطفالهم، وغاية ما روي عنهم أن امرأة رفعت صبيًّا لها، وقالت: أن هذا حج؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم ولك أجر" . فإذا كان تحجيجنا هؤلاء الصغار سيفوتنا سنناً كثيرة في عبادتنا التي جئنا من أجلها فترك تحجيجهم أولى من تحجيجهم.
س1392: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الحاج إذا خرج في يوم التروية يريد أن يذهب إلى الحل مثلاً يريد أن يخرج إلى عرفة فهل يلزمه طواف وداع أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا يلزمه طواف وداع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة إلى منى، ثم إلى عرفة، ولم يطف طواف الوداع فإذا قال قائل: النبي عليه الصلاة والسلام مازال في نسكه، قلنا: كثير من الصحابة- رضي الله عنهم- حلوا من إحرام العمرة لأنهم لم يسوقوا الهدي وابتدءوا الحج من جديد في اليوم الثامن، ومع ذلك ما أمروا بأن يذهبوا إلى البيت فيطوفوا طواف الوداع، فليس طواف الوداع في هذه الحال مشروعاً.
س1393: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل للوداع أشواط معدودة أو يطوف الإنسان ما شاء واحداً أو خمسة أو عشرة المهم أن يطوف حول الكعبة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: إذا أطلق الطواف فالمراد به الطواف المشروع وهو لا يقل عن سبعة أشواط ولا يزيد عليها، كما أننا إذا قلنا: (صلاة) فهي الصلاة المشروعة التي لها صفة معينة، من ركوع وسجود وقيام وقعود، فالطواف إذا أطلق فإنما المراد به الطواف بالبيت، وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" وفي رواية لأبى داود: لا حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" والطواف إذا أطلق فهو سبعة أشواط.
س1395: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم ترك طواف الوداع بحجة أن هناك زحمة شديدة؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: يجب أن يطوف للوداع ولو محمولاً، ولهذا قالت أم سلمة- رضي الله عنها- للرسول - صلى الله عليه وسلم - في طواف الوداع: إنني مريضة قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" ولم يعذرها، فطواف الوداع واجب، لكن لو أن الإنسان تركه فحجه تام، إلا أنه آثم إذا تعمد، وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
س1396: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للحاج إذا طاف طواف الوداع أن يعود للبيت؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان إذا فرغ من كل شيء، وأراد أن يركب السيارة يطوف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" وهو - صلى الله عليه وسلم - طاف للوداع في آخر الليل، وصلى الفجر ومشى، فمثلاً إذا قدرنا أن موعد الرحلة بعد صلاة الفجر مباشرة نقول: طف للوداع قبل أذان الفجر ثم صل الفجر وتوكل على الله، لكن لو طاف للوداع بعد المغرب وهو لا يريد السفر إلا في الصباح فهذا لا يجوز، وإن فعل ذلك فعليه أن يعيد الطواف ويكون الطواف الأول طواف سنة.
س1397: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز طواف النافلة قبل طواف الوداع؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان إذا خف المطاف ولم يكن عليه ضيق، ولا تضييق على أحد أن يطوف، ثم إذا أراد السفر يطوف للوداع.
س1398: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حج أبي في العام الماضي وهو رجل عامي ويمشي على رجل واحدة معتمداً على عصا فسمع أن طواف الوداع ستة أشواط ونظراً لظروفه تركها فماذا يجب أن أفعله بالنسبة له حتى أطمئن على أداء هذه الشعيرة على الوجه الأكمل خصوصاً وأنني لم أتمكن من الحج هذا العام فهل أعطي لبعض الحجاج قيمة الدم ثم يذبحوا عنه أم أكلفه بالطواف عنه؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: مادام والدك لم يترك إلا طواف الوداع فقط، فإن أهل العلم يقولون فيمن ترك واجباً من واجبات الحج: يجب عليه أن يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء، وعلى هذا فتوكل أحداً من الذاهبين إلى مكة ليشتري شاة أو معزاً ويذبحها ويتصدق بها على الفقراء هناك.
س1399: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يعمل في مكة المكرمة منذ عامين فهل عندما يسافر في فترة إجازته السنوية يجب أن يطوف طواف وداع مع العلم أنه يحج له أو لأهله المتوفين؟ وهل يصح طواف الوداع ليلاً ثم السفر صباحاً؟ وهل يمكن النوم بعد الطواف وتناول الطعام أو شراؤه ثم السفر أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: طواف الوداع واجب على كل إنسان غادر مكة وهو حاج أو معتمر، فإذا قدمت للحج أو العمرة وأتيت بذلك، فإنك لا تخرج حتى تطوف للوداع، أما إذا قدمت إلى مكة لغير حج ولا عمرة، بل لعمل، أو لزيارة قريب، أو ما أشبه ذلك فإن طواف الوداع لا يلزمك حينئذ، لأنك لم تأت بنسك حتى يلزمك طواف الوداع.
لا يصح أن يطوف في الليل ثم يسافر في النهار، فيجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" ولكن العلماء رخصوا لمن طاف طواف الوداع أن يشتري حاجة في طريقه أو أن ينتظر رفقة وأما من طاف للوداع ثم أقام فإنه يجب عليه أن يعيد طواف الوداع.
س1400: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حجت بيت الله الحرام ثلاث مرات، وفي كلل مرة لم تتمكن من طواف الوداع لأعذار شرعية، فتسافر دون الطواف فهل حجها صحيح؟
فأجاب- رحمه الله- بمّوله: من لم يطف طواف الوداع حجه صحيح؛ لأن طواف الوداع منفصل من الحج، ولهذا لا يجب على أهل مكة، ولو كان من واجبات الحج الداخلة فيه لكان واجباً على أهل مكة، لكنه واجب مستقل لكل من أراد الخروج من مكة من حاج أو معتمر، وإذا كان لهذه السائلة أعذار شرعية وهي الحيض فإن الحائض يسقط عنها طواف الوداع؟ لقول أبن عباس- رضي الله عنهما-: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض)، وعلى هذا فإن حجك صحيح وليس عليك شيء مادام العذر عذراً شرعيًّا وهو الحيض؟ لأنه خفف عنك الأمر، والحمد لله.
يتبع