أشهر الحج والحرم

أيها المؤمنون إنكم في أيامٍ مباركة جمعت بين فضيلتين، فنحن في شهر ذي القعدة، وعشرٍ من ذي الحجة هي أشهر الحج التي نوَّه الله عَزَّ وَجَلَّ عنها بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197].

وأقبلت عليكم شهر ذي القعدة، وبعده شهر ذي الحجة، وبعدها شهر الله المحرَّم، وهذه الأشهر الحُرم الثلاث المتواليات، فإن الأشهر الحُرم يا عباد الله ثلاثٌ متواليات وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرَّم، والرابع شهر رجب، رجب مُضر الكائن بين جُمادى وشعبان، انفرد عن هذه الثلاث المتتاليات.

وفيها يقول الله جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36].

وهذه الأشهر الحرم يا عباد الله زاد الله في تحريمها في شرع من قبلنا في شريعة إبراهيم الخليل، فجاءت شريعتنا فأكدت هذا الأمر وعظَّمته كما كان مُعظَّمًا في شرائع الأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قبل نبينا.

وتزداد مزيةً بأن بُجاهد الإنسان نفسه في مكافحة أنواع الظلم الثلاثة:
ظلم العبد ربه بأن يصرف حق الله له بالعبادة لغيره.
وظلم العبد غيره في أموالهم وأعراضهم وفي دمائهم.
وظلم العبد نفسه بالموبقات والمهلكات، والمعاصي والذنوب، فإن هذه من المهلكات وهي من الظلم.

واعلموا عباد الله أنه اجتمع لكم في شهر ذي القعدة، وفي العشر من ذي الحجة هذان الفضيلتان: فضيلة أشهر الحج، وفضيلة الأشهر الحرم.

فعظِّموا حُرمات الله بالمسارعة بالابتعاد عنها، وعظِّموا أوامر الله وفرائضه بالتنادي والحرص عليها، فإن الأيام تمضي بما أودعتم فيها فيا حظ من أودع فيها عملًا صالحًا يزكو به عند ربِّه! ويا سوأة من فرَّط وأسرف! ثم أتاه الموت وهو لم يتب.

إن من المعاني التي تشتهر عند الناس أن الأشهر الحرم لا يصح الصيد فيها، وهذا لا أصل له يا عباد الله، وإنما الصيد ممنوعٌ على المُحرِم بحجٍّ أو عمرة، منعه الله جَلَّ وَعَلَا من صيد البر خاصة دون صيد البحر، فإن صيد البحر أباحه الله عَزَّ وَجَلَّ أباحه الله للجميع للمُحرمين وغيرهم {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَة ِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96] أي ما دمتم مًحرمين.

واعلموا عباد الله أن من خصائص يوم الجمعة أن من شهدها فمشى وغسَّل واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ولم يُفرِّق بين اثنين؛ كان له بكل خطوةٍ يخطوها عمل سنةٍ قيامها وصيامها.

فضلٌ عظيمٌ يا عباد الله ما أكثر ما يسرف الناس في التفريط فيه!