[المـورد العـــذب الرائق في الذب
عن حديث الأعماق ودابق]
قرأت دراسةً لأحد الأفاضل من أهل العلم – نفع الله به – في تضعيف حَديث الأعماق ودابق بتفرد سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مِن طريق زُهيْرُ بن حَرْبٍ، قال: حدثنا مُعَلَّى بن مَنْصُورٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثنا سُهَيْلٌ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ[1] ، وذهب إلي تضعيف الحَديث ، والصَحيح أن الحديث صحيح وتفرد سهيل عن أبيه محتمل وهي سلسلة مشهورة وسهيل أشهر وأمثل وأبيه أشهر منه قليلاً وأما أبيه فكان من أثبت الناس في أبي هريرة وأعلمهم بحديثه، قال: ما أحدٌ يُحدّث عن أبي هريرة إلا وأنا أعلم صادقٌ هو أو كاذبٌ ، وكان أبوه كثير الحديث والسماع وكان من أثبت الناس في أبي هريرة ، روى عنه الأعمش ألف حديث كما روي عنه ، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة سلسلةٌ مَشهورة احتج بها الإمام مسلم في الصحيح ، ولم يحتج بها الإمام البخاري ، وأما عدم احتجاج الإمام البخاري بمثل هذه السلسلة المشهورة ليس بعلةٍ تقدحُ فيها ولكل حديث نقدٌ خاص تبعاً للقرائن والملابسات التي تُحيط بالحَديث والرواة ، فتعليلُ ما رواهُ سهيل بن أبي صالح كَونه يحدث عن أبيه بغرائب مالم يتابعه عليه أحدٌ مِن العالمين فيه نظر بالغ ، وقد كان سفيان بن عيينة يعد سهيل ثبتاً في الحديث[2]، قال الإمام البخاري : ((الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَهَكَذَا رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ حَدِيثَ ابْنِ إِدْرِيسَ مَحْفُوظًا))[3] ، وهو مرويٌ عن الإمام الأعمش من رواية عبد الله بن إدريس وجابر بن نوح الحماني ، ويحيى بن عيسى وابن ادريس من الحفاظ وخالف الأعمش سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والصحيح ما رواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة موقوفاً ، سهيل كان قد تغير بأخرة وصار يخطئ في حديثهِ لسبب عارض وهو موت أخيه فحزن عليه وكان نسيَّ مِن حديثهِ .
ورد الإمام الدارقطني على عدم اخراج البخاري لمثل سلسلة سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قائلاً : ((لا أَعرِفُ له فيه عُذرًا؛ فقد كان أبو عبدِالرحمنِ أحمدُ بنُ شعيبٍ النَّسائيُّ إذا مرَّ بحديثٍ لِسُهيلٍ قال: سُهيلٌ- واللهِ- خيرٌ من أبي اليَمانِ ويحيى بنِ بُكَيرٍ وغيرِهما، وكتابُ البخاريِّ من هؤلاءِ ملآن))[4] ، الإمام البخاري لم يشترط أن يخرج كل ما صح ، واعتمد الإمام البخاري على مالك عن نافع عن ابن عمر ، وغيرها وإن كان لم يعتمد على هذه السلسلة فليس ذلك بالتعليل الذي يمكن لأجله أن نترك حديثه وقد احتج به عن أبيه الإمام مسلم في الصحيح.
ولا نعلم أحداً مِن المتقدمين ولا المتأخرين أعل رواية الأعماق ودابق في مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أحدٌ ، حتى أتى هذا الفاضل – نفع الله به – فأعلها بتفرد الإمام عن أبيه عن جده ولم يتابعه عليهِ أحد ، وزعم أن الداني أخرجه في كتابه الفتن موقوفاً على أبي هريرة – رضي الله عنه – وتعليله للخبر ليس بالقائم ، فليس بغريب على أهل بيت الرجل أن يحدثوا عنه الغرائب ويكثرون عنه وكان سهيل قد لازم أباه مُلازمةً شديدة ، والنُقاد قد يضعفون الراوي لحفظهِ ويُوثقونه في شَيخ من الشُيوخ فقد يكون ثقة في حال ضعيفاً في حال أخرى ، وقد تكلم الحفاظ في حفظِ سهيل ولم يتكلموا في روايته عن أبيه قال أبو عيسى : ((وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح، ومحمد بن إسحاق، وحماد بن سلمة، ومحمد بن عجلان، وأشباه هؤلاء من الأئمة، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا، وقد حدث عنهم الأئمة))[5] ... وروى عنه مالك وشعبة وكفاكَ بهما.
وقد تجاوزَ الشَيخ خالد الحايك – نفع الله به – تجاوزاً عظيماً على الصَحيحين قبلَ ذلك وضعف مِنها أخباراً انتقدت عليهِ وأحاديثاً صحيحةً ينفرد هو بتضعيفها دون أحدٍ مِن العالمين مِن المتقدمين والمتأخرين ، هل غفلَ الأئمة عن علة هذا الحَديث وانبرى لها الشَيخ وبينها في صحيح مسلم ! إذ أين الدارقطني ، وابن عمار الشهيد ، وابو مسعود الدمشقي عن علة حَديث دابق التي تفطنَ لها فضيلة الشَيخ المحدث خالد الحايك – غفر الله لنا وله – ! ، ثُم أليس يتفق أهل العِلم بالحَديث ومَن شم رائحته أن للإمامين البخاري ومسلم في أحاديث من تغير في أخرة ، أو اختلط منهجيةً دقيقةً جداً فقد يُخرج للمُختلط من حديثه قديماً ، أو يُخَرِج عنه ما سمَعهُ مِنه المُتقدمون وقد يُحدث عنهم بعد اختلاطهم إما لمتابعة الثقات لهم ، أو لكَون الراوي عنهم ثقةٌ ضبطَ الحَديث عنه ! فلمَ أغفل ذلك!!!.
قال البقاعي : ((إنَّ الراوي قد يكونُ ضعيفاً في راوٍ ثقة في غيرهِ))[6].
فإن سهيل وإن كان متكلماً فيه حفظه فما المانع أن يكونَ حفظ حَديث أبيهِ! ومِن القرائن الخاصة في الترجيح عند الاختلاف رواية الراوي عن أهل بيته يا شَيخ!؟.
وكُل شيءٍ سيأتينا في وقتهِ إن شاء الله ، سائل المولى عز وجل أن يغفر لي وللشيخ خالد الحايك وما كان في خاطري أن أستدرك على الشَيخ لجلالته في نفسي ومكانته في قلبي ، ولكن الحق أحب إليّ مِن الشَيخ خالد الحايك ومِن أهلينا أجمعين.
واسأل الله أن يرزقنا علم المتقدمين وإمامتهم واتقانهم للحديث وعلله.
والله الموفق والهاد لسواء السبيل.
أبو الزهراء بن أحمد الغزي الأثري
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
[1]الإمام مسلمٌ في «صحيحه» (4/2221)
[2] العلل الكبير للإمام الترمذي (1/744).
[3] العلل الكبير للإمام الترمذي (ص335)
[4] سؤالات السلمي للدارقطني (ص183).
[5] شرح علل الترمذي (ص407).
[6] النكت الوفية للبقاعي (1/165).