قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابن الصلاح رَحمَه الله:
هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال، قَالَ: وَقد كنت لَا أحقق ذَلِك عَلَيْهِ، وأتأول لَهُ، وأعتذر عَنهُ، فِي كَونه يُورد فِي " تَفْسِيره " فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا تَفْسِير أهل السّنة، وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة، وُجُوهًا يسردها، يمزج فِيهَا أقاويلهم، من غير تعرض مِنْهُ لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا
فَأَقُول: لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق وباطل، وَلِهَذَا يُورد من أقاويل المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد، حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة، وَمن ذَلِك مصيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} [الْأَنْعَام: 112] : فِي قَوْله تَعَالَى: جعلنَا، وَجْهَان أَحدهمَا مَعْنَاهُ: حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء، وَالثَّانِي: تركناهم على الْعَدَاوَة، فَلم نمنعهم مِنْهَا.
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: " وَتَفْسِيره " عَظِيم الضَّرَر، لكَونه مشحوناً بِكَثِير من تأويلات أهل الْبَاطِل، تدسيساً وتلبيساً، على وَجه لَا يفْطن لتمييزها غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق، مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة حَتَّى يحذر، وَهُوَ يجْتَهد فِي كتمان مُوَافَقَته لَهُم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق، ثمَّ لَيْسَ هُوَ معتزلياً مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم، مثل خلق الْقُرْآن على مَا دلّ عَلَيْهِ " تَفْسِيره " فِي قَوْله عز وَجل: (مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} [الْأَنْبِيَاء: 2] ، وَغير ذَلِك
ويوافقهم فِي الْقدر، وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} [الْقَمَر: 49] . يَعْنِي: بِحكم سَابق، وَهُوَ نَحْو مَا تقدم، وَالله أعلم.
المصدر : [طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 639]