بسم الله الرحمن الرحيم . قال ربي تبارك وتعالى : ( يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) لما تبحث في تفسير هذه الآية في الكتب .. تجد الكلام بوجه بسيط مفرط الظاهرية .. يدور حول عبادة الأصنام وتحدي الله لهم .. ويُقارن ذلك بآيات أخرى عن الكفر والإلحاد والتوحيد .. لم يعلم وقتها أحد أسرارا علمها الناس يوم .. فتغير التفسير .. وتغيرت مهابة النظر لهذه الآية ! .. تبحث كثيرا ولكن لا تجد ما يشفي غليلك . ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ) في كتب الإستراتيجية العسكرية تسمى هذه الصيغة بالإستنفار العام .. او التعبئة العامة .. الجميع ينتبه .. الجميع يصغي .. الأمر عظيم يستدعي الإستماع للإنصياع .. مثل هذا النداء يأتي اليوم على صورة أبواق الإنذار التي تسبق القصف أو العمليات العسكرية الموسعة .. أو تأتي في الكوارث العظيمة .. وربنا كثيرا ما يضرب الأمثال ولكنه لم يسبق أن بدأ بالأمر بالإستماع قبل إعلان الخبر وإنما يأتي الأمر بالإستماع بعد الخبر من باب التنبيه أو التذكير أو الإخبار .. ولكن هنا جاء من باب الإسكات لجلب الإنصات .. فما هو هذا النفير العظيم الذي لأجله نُؤمر بالإنصات ؟ بدأ بالتوحيد - وذلك أمر معهود - .. ومر بالتعجيز .. وذلك أيضا مطروق .. ولكن .. لماذا الذباب ؟ .. توجد الجبال والبحار والسموات والنجوم والشمس والأرض وكل شئ عظيم الجِرم .. فلماذا الذباب ؟ .. ذبابة ! .. فقط ؟! الخطاب يدور حول السلب والإسترجاع ..وقوانين السرقة و رد الحقوق لاهلها .. ذلك أن كل سارق يمكن استرجاع مسروقه حتى لو كان المسروق في البطن .. يمكن شق البطن واستخراج المسروق وإعادته لأصحابه .. والكلمات التي في الآية غاية في الدقة ( سلب ) و ( إنقاذ ) و ( ضعف ) و ( طالب ) و ( مطلوب ) .. وسأتناولها كلمة كلمة إن شاء الله .. لأن لكل كلمة من هذه دلالة علمية حسابية في الوقت الحاضر وليس معناها على التفسير الظاهر القديم .. هذه المرة هو أقل سذاجة .. والله أعلم بالمزيد مما لم يعلمه البشر عن هذا المخلوق الرهيب .. لنعرف .. لماذا نادى ربنا البشر بلغة الإستنفار العام ؟ هناك أمر جللي !!!
السلب
إذا سُرق ذهب فإن الناس يسترجعوه حتى لو كان مذابا .. فإنه سيبقى ذهبا مع ذلك .. وإذا سُرق موز فإنهم لو شقوا بطن آكله لاستخرجوا فيتامينات ومعادن وأملاح وألياف .. تخرج بصورة مبسطة .. ولكنها في النهاية تخرج وتبقى مثلما هي الفيتامينات التي كانت في الفاكهة قبل أن تُؤكل حتى لو كانت مجزئة .. يمكن استنقاذ مكوناتها مجزئة إن لم يمكن استنقاذها مجتمعة في كتلة واحدة . ولكن الذبابة .. أية معدة له يمكن شقها واستخراج الطعام منها ؟ .. الذبابة لا معدة لها ! .. العمليات التحويلية للطاقة تحصل في ( المعدة ) في كل الكائنات الحية بلا استثناء - حتى الوقت الحاضر للبحث العلمي - .. فما بلعه أي كائن يمكن شف جوفه واستخراج المأكول منه .. إلا أن الذباب لا جوف لها يُشق .. ولا عرق لها يمكن تشريحه .. الذباب ليست له عروق ولا أوردة لنقل الطاقة إلى بقية الجسم .. كل الكائنات لها أوردة وشرايين بسيطة التركيب تنقل الطعام للبدن .. إلا الذباب .. إنما توزيع الغذاء في جسمها بالإنتشار بما يُعرف اليوم بالخاصية الشعرية .. وتبسيطه هو أن تعلق خيطا طويلا يابسا تجعل جزءا من طرفه الأسفل بالماء ثم تأتي بعد وقت وتجد الماء قد انتشر بالخيط ودب فيه حتى وصل لأعلى الخيط تصاعديا بعكس الجاذبية الأرضية .. وكان الإنتقال عن طريق الشعيرات الدقيقة للخيط .. هكذا يتوزع الغذاء في جسم الذباب وليس عن طريق المسالك الدموية المنتظمة .. لا يمكن شق بطنها .. ولا يمكن قطع طريق الوريد واسترجاع الطاقة المسروقة من دم الذباب .. كل هذا كوم .. وكون الذباب أصلا لا يهضم في جوفه .. كوم آخر ! .
ليست للذباب غدد ولا أنزيمات هضمية في جوفه
لا يكون الهضم إلا بأنزيمات يفرزها الجهاز الهضمي أكثرها في المعدة .. ويتم تحويل وتجزئة المركبات العضوية المعقدة لأخرى بسيطة .. تتحول النشويات والكربوهيدرات إلى سكر ثنائي .. وتتحول الألياف لمركبات كربوهيدراتية وسكرية وسليولوز .. ويتحول البروتين اللحمي إلى أحماض أمينية .. وتتحول الفيتامينات إلى سكر أحادي وسكر ثنائي - مع تفاصيل كيميائية أخرى ليس هذا محل بسطها - .. كل ذلك لا يكون إلا بتعريض هذه المركبات العضوية لأنزيمات هضمية متنوعة - والأنزيم يعني أداة تخمير - .. فيتغير كل شئ داخل المعدة بتوقيت متفاوت ما بين ساعة - للسكريات البسيطة - إلى ثمان ساعات - للبروتينات المعقدة التركيب مثل لحوم البقر وكبعض الكائنات البحرية كالأخطبوط والحبار وكذلك أوراق الملفوف الطازجة - .. كل ذلك يتم هضمه بأنزيمات الهضم التي تفرزها غدد مختلفة في عدة أماكن بالجسم يتم ضخها من جدران المعدة من عدة زوايا على محتوياتها الغذائية مع الخلط والتقليب التلقائي الذي لا يتوقف إلا مع موت الإنسان .. - للفائدة .. أربعة أجزاء من جسم الإنسان تعمل بإدارة مستقلة لا علاقة لها بالدماغ ولا يتم توجيهها بالإدارة العقلية للكائن الحي .. تعمل منفصلة تماما عن أية إرادة أو امتناع نابع عن قصد الكائن الحي .. أولا .. المعدة .. تظل تقلصاتها الطبيعية مستمرة من أول الخلق حتى فيضان الروح .. على شكل تمدد وانكماش وهدفه كخلاطة تقلب الطعام باستمرار .. وحتى في حالات الجوع المفرط فإن المعدة لا تتوقف بسبب الخلو .. بل تسمع للبطن قرقرة وضجيجا وذلك بسبب الفراغ الهوائي الطبيعي بالمعدة .. وذلك مصداق روي عن سول الله صلى الله عليه وسلم : " بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه .. فإن كان لا محالة فثلث لطعامه .. وثلث لشرابه .. وثلث لنَفَسِه " ( رواه ابن ماجه وابن حبان بإسناد فيه كلام ) .. والجزء الثاني الذي يعمل مستقلا عن الإرادة هو المخ .. فإن الفصوص الدماغية وتبادل الإشارات العصبية بينها لا تتعلق بالإرادة ولا تتوقف أبدا من لحظة خلقها إلى لحظة فيضان الروح .. وجميع الإشارات العصبية التي يتبادلها الفصان الدماغيان ويكون مرورها بوساطة الجسم الجاسئ - شريط الصغير طوله 5 سنتمتر - يفصل بين الفصين الدماغيين والذي يتكون من 13 مليار نسيح نانومتري .. وكذلك ما يحصل في دراسة التقارير الحيوية وتنفيذها في ( المهاد ) في جوف التكوين الدماغي .. كل تلك عمليات خارقة النشاط ولا تتوقف مع توقف جميع نشاطات جسم الإنسان لا في نومه ولا في يقظته ولا في جنونه ولا في فترة الموت السريري .. فالنشاط العضوي للمخ مستقل تماما عن جسم الإنسان ولا ينصاع لأية جهة تتحكم به .. والنظام الغذائي للمخ انتقائي جدا ولا يتغذى إلا على السكر الأحادي البسيط التركيبة .. ولا يقبل غيره .. بل حتى السكر الثنائي - عند فشل البنكرياس - يعلق في الأوردة الشُعيرية في المخ فينحشر فيتوقف توصيل الغذاء للمخ فتحصل جميع أعراض سكر الدم من العرق والدوخة والإنتفاض والضعف الشديد بالجسم .. ذلك لأن الوظائف التلقائية لنشاط الدماغ - التي أخبرتك عنها قبل بضعة سطور - والتي تعمل على استقرار سائر البدن .. فلما يصاب النظام الغذائي للمخ بالإضطراب يظهر أثر تعطلها على سائر البدن .. سبب ذلك أن المخ مستقل تماما عن سائر البدن حيويا وغذائيا .. ولذلك مع ارتفاع نشاط القراءة والتركيز العقلي يجوع الإنسان بسرعة .. ذلك أن الدراسات المعاصرة تفيد أن المخ يستهلك ثلاثة أضعاف ما يستهلك الإنسان في السباحة - وهي الأكثر جهدا بين الرياضات - .. ومدمني القراءة يدركون تأثير النشاط العقلي المفرط على سرعة خواء البطن .. ذلك أن العقل يستهلك كل الطاقة الغذائية في الجسم عند النشاطات العقلية العالية كالقراءة النهمة لأوقات طويلة .. الجزء الثالث المستقل تماما في الحركة عن إرادة الكائن الحي هي الخصية - الله أعلم بسر عدم التوقف هذا لأن الكلام كثير وكل يتكهن ويفترض ولكن السر الحقيقي عند الله - .. الخصية لا تتوقف أبدا من يوم نفخ الروح إلى فيضان الروح وتظل في نشاط دؤوب باستقرار نوما ويقظة وتحصل فيها عمليات تصنيعية غاية في التعقيد .. يُخلق الله فيها السائل المنوي - في غُدَد البَربَخ - وهذا مصنع هائل مع صغر حجمه تحصل فيه تحويل جميع القيمة الغذائية البسيطة التي تم تحصيلها بتجزئة مواد المعدة العضوية التي أكلها الكائن الحي .. ثم تُسحب هذه المركبات البسيطة من القاعدة المتوسطة لأقوى نقطة في الجسم الحي والجزء الاساسي الرابط لكل أركان البدن الحي .. العمود الفقري .. فيتم تكثيفها من جديد إلى أحماض أمينية وبروتينات وأملاح ومعادن مركزة التركيبة تخرج في صورة السائل المنوي .. وإلى الان لم يُستكشف سر التحرك الدؤوب الغير متوقف لحركة الأنثيين مع تحقق امتلاء البروستات لما يحتاج إليه من ماء الخلقة .. ومع ذلك لا تتوقف الأنثيان عن التمدد الإنكماش بصورة مستقلة تماما عن الإرادة البشرية .. الله أعلم .. والجزء الرابع الذي لا علاقة لحركته بإرادة الكائن الحي هو سيد البدن .. القلب .. ولا يتوقف إلا مع فيضان الروح - في الغالب لأنه أحيانا يتوقف القلب مؤقتا وربما يطول جدا - مع بقاء الإشارات العصبية في المخ بكامل النشاط والصحة - ولكنه يكون قابلا للنشاط من جديد ويقال لذلك ( الموت السريري ) .. وتلك حالات شديدة الندرة و لا يُعبأ بها - .. وسبب استقلال القلب هو حاجة جميع الجسم للغذاء الذي لا يمكن إلا أن ينتقل عن طريق الدم في المسالك الدورية - الأوردة والشرايين - ولا يحرك الدم إلا عن طريق ضخ القلب له بتقلصات عضلات البطينين القلبيين .. فهذا الجزء هو أعظم جزء .. وهو أخطر جزء .. أقل خطأ فيه يفضي للهلاك المحتم .. ولا يزالا كل داء بسيطا ما سلم القلب .. ولا يزال كل شئ بسيطا يمكن علاجه وإصلاحه إلا القلب .. إن اعتل يتدمر معه كل البدن ولا يعود نافعا لشئ .. ولأجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله .. وإذا فسدت فسد الجسد كله .. ألا وهي القلب " ( رواه البخاري ومسلم ) .. يظن الناس أن هذا الحديث على ظاهره فيما يتعلق بالرغبات والأهواء .. بل كلام رسول الله حرفي شديد الدقة شامل للقصد الحسي والقصد المعنوي .. ومن اللطائف الجميلة أن القلب لا علاقة له في النظام الغذائي العام للجسم نهائيا .. وهو غير مربوط بالمعدة ولا يتأثر بخلو المعدة وامتلاءها .. المخ يتأثر بخلو المعد .. وعند الجوع الشديد يأتي المرء إعياء وإغماء ثم موت للدماغ - تعطلا يمكن أن يترتب عليه تلف جزء من خلايا الدماغ - .. إلا أنه في كل ذلك يكون القلب يعمل لوحده منفصلا عن كل شئ .. ذلك أن نظامه الغذائي يعتمد على الهواء الذي يتنفسه الكائن الحي ! .. ويتم نقله للقلب من الرئة مباشرة عن طريق وريد يقال له ( الشريان التاجي ) ويكون أعلى القلب وينقل له الأكسجين الغذاء الوحيد للقلب .. والذي لا يتأثر بشئ مثلما يتأثر بنقصه .. ولأجل ذلك الذي عنده ربو أو مشاكل في الشعب الهوائية يُؤمر باستناق الأكسجين .. لأن الهدف الرئيس لذلك ليس هو الصدر والرئة بل القلب الذي يجب إسعافه بمصدر طاقته .. وفي بعض الحالات كارتفاع ضغط الدم أو التقلصات العضوية في الشريان التاجي لأي عرض نفسي فإن تقلصه يمنع وصول الأكسجين للقلب فيحصل معه ما يسمى ب ( الذبحة الصدرية ) .. وهو شعور كمثل الإبرة تطعن في القلب .. وربما تتفاقم في الحالات الشديدة الخطورة حتى تكون كطعن السكين أو الرمح .. وهذه حالات تنذر بالموت الوشيك لانها تتحول للسكتة القلبية لتوقف القلب مع توقف تزويد الطاقة الكبيرة المفضية لخفقان القلب .. وأطباء القلب يدركون هذا أكثر من أي إنسان .. ولا يتغذى القلب إلا على هذا ولا يصل إليه مصدر طاقة إلا مجرد الأكسجين .. وكلما كان نقيا زاد انبساط الإنسان وانشراح صدره .. وسبب ذلك أنه إن ارتاح القلب تصدر منه الإشارات لجزئية بالمخ يقال لها ( المهاد الأعلى ) فيُترجم ذلك إلى سعادة وانبساط .. حتى يعرف الإنسان ما يريد .. ويطلب الذي يريده .. ويلتمس مواطن الإنشراح والراحة البدنية كالبحر - لأنه الأنقى أكسجينا على الإطلاق ما أُمن ارتفاع الرطوبة - والأماكن المرتفعة كالجبال والتلال .. كل تلك إشارات عصبية ترشد الكائن الحي إلى ما يصلح قلبه بإذن الله وحده لا بإذن المخلوق ولا تدبيره وقصده .. ولا بصنع يده .. فهو معذور عند السوء مأجور عند الخير .. ولا عليه من سبيل ولا عتب فيما لم يتعمد قلبه آذى مخلوقا وهو يريد الإحسان .
للحديث بقية إن شاء الله رجاء عدم إضافة ردود حتى يكون متصل الفكرة .. تكرما منكم .