المجموعة الرابعة
أخطاء تتعلق بالألفاظ ونحوها
أولاً : شكوى الزمان ، وسبّ الدهر ، وهذا يكثر عند الشعراء ، وعند غيرهم . حتى إن بعض الناس يقول : تسلط علينا الدهر ، وبعضهم يقول : الزمان عدّار ، ونحو ذلك من العبارات المنهي عنها .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء على سبيل الإخبار ، ومن ثم نقول : إن هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل وبيان :
1- فإذا جاء الأمر على طريقة الإخبار المحض مثل أن يقول الإنسان : هذا اليوم الحار ، أو يقول : اليوم بارد برودة شديدة ، أو نحو ذلك ، فنقول :إن هذا من باب الخبر وهو جائز مثل قول لوط – عليه الصلاة والسلام - : ((هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) (هود: من الآية77).
2- أن يسبّ الدهر أو الزمان على أن الدهر هو الفاعل لهذه المصائب أو أن الزمان هو الفاعل لها ، فنقول : إن هذا قد يرتفع بصاحبه إلى نوع من الشرك الأكبر .
3- أن يسب الزمن أو الدهر مع اعتقاده أن الفاعل هو الله تبارك وتعالى : فنقول : إن هذا منهي عنه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال – كما في الحديث القدسي – (( يقول الله تعالى : يؤذيني بني آدم بسبّ الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار )) [1] فينبغي أن نبتعد عن هذه الألفاظ .
ثانياً : المقالة المشهورة : إن المادة لا تفني ولا تستحدث وهذه نجدها عند طلاب المدارس في دروس الكيمياء والفيزياء ونحوها ، ونحن نقول : إن هذا باطل ، بل إن الموجودات كلها كانت عدماً ، ثم أوجدها الله سبحانه وتعالى .
فالقول بأنها لا تستحدث غير صحيح ، بل الماديات كلها كانت عدماً ثم أحدثها الله.
ثم نقول أيضاً : إنها قابلة للفناء والعدم ؛ لأن كل ما قبل الحدوث فهو قابل للعدم ، ومن هنا نقول : إن هذه المخلوقات ستفنى ، ثم يحييها الله من جديد ويبعثها مرة أخرى ، أما بقاء الجنة ونعيمها وأهلها ودوامهم أبد الأبد ، وبقاء النار وعذابها وأهلها أبد الأبد ، فإننا نقول : ليس دوامها لذاتها ، وإنما دوامها بإدامة الله سبحانه وتعالى لها ، أما ما سوى الله سبحانه وتعالى فهو قابل للحدوث وللعدم .
ثالثاً : من الأخطاء الشائعة في الألفاظ ، أنك إذا نصحت أحداً من الناس بشيء من السنة لا سيما السمت الظاهري ، مثل إطلاق اللحية أو تقصير الثوب ونحوها ، فإنه يبادرك بقوله ، هذا ليس ضرورياً ؛ لأن " التقوى هنا" . ونقول : إن هذه الكلمة حق أريد بها باطل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال هذه ، لكن متى قالها؟ قالها عليه الصلاة والسلام وهو يعلّم أصحابه التمسك بآداب الإسلام ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ولا يكذبه " ثم قال : " التقوى هاهنا – وبشير إلى صدره – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )) [2] .
أين أورد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة ؟ أوردها في أمور تتعلق بالمعاملة ، ولو كان الأمر كما يقول هذا الإنسان المنصوح الذي لا يتمثل النصيحة ولا يريد أن يعمل بالسنة .
لو كان الأمر كما يزعم من أن (( التقوى هاهنا)) يعني في قلبه ، وأنها موجودة ، لخضعت جوارحه ولتحولت التقوى إلى عمل كما تحولت تقوى المؤمنين الصالحين الصادقين إلى عمل . فانتبه يا أخي ولا تقل هذه الكلمة التي تريد بها عدم تطبيق الأمور الشرعية المطلوبة منك ، فإنه يخشى عليك من إطلاق مثل هذه العبارات .
رابعاً : اشتهار بعض الأسماء التي ينبغي تغييرها وتبديلها وسنذكر نماذج منها : اسم إيمان وفتنة وأبرار وملاك ونحوها , ونقول : إن هذه الأسماء التي فيها تزكية ، ينبغي تغييرها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه كما في الصحيحين وغيرهما أن غيّر اسم برة فسماها مرة زينب "[3] ومرة سماها جويرية [4] فإيمان فيه تزكية أشد من برة فينبغي تغيير مثل هذا الاسم
خامساً : ومن الأخطاء المشهورة : قول بعضهم حينما يجيب من يطرق عليه أو يتصل به بالهاتف ويرفع السماعة بقوله : خير يا طير . وهذه منتشرة عند كثير من الناس ؛ لأن قول : خير يا طير من باب التطير ، ومعلوم أن أهل الجاهلية ، كان عندهم التطير بالطيور ، وكان التطير بها على أنواع منها : إذا وقعت على بيته بومة تطير منها ، وبعضهم إذا أراد أن يسافر وجاءت الطيور عن يمينه مضى ، وإذا جاءت عن يساره لم يسافر ، فنقول : إن مثل هذه الكلمة مبنية على مثل هذا فينبغي الابتعاد عنها.
سادساً : ومن الأخطاء أيضاً : الحلف بغير الله تبارك وتعالى ، فينبغي أن نتجنبه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن ذلك ، وقال : (( من حلف بغير الله فقد كفر ، أو أشرك )) [5] .
ومن الحلف بغير الله : الحلف بالذمة ، والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والحلف بحياة الإنسان ، والحلف بشرفه ، ونقول : فهذه منكرات يجب الابتعاد عنها.
سابعاً : هناك أيضاً ألفاظ أخرى منتشرة ، منها قول بعضهم في الدعاء لبعض : أدام الله أيامك : ونقول : هذا لا يجوز ؛ لأنه لا يوجد أحد يدوم فإذا ما أردت الدعاء له بذلك ، فقل أطال الله بقاءك على طاعته ، لكن أن تقول : أدام الله أيامك فهو خطأ لأنه لا يوجد أحد يدوم إلا الله تعالى الحي القيوم .
ثامناً : من العبارات الشائعة أن بعض الناس لما يسأل عن حاله يقول : الله يسأل عن حالك ؟ فهذه لا تجوز ؛ لأنها توحي أن الله لا يعلم عن حاله فيسأل عنه ، فينبغي الابتعاد عن هذا .
تاسعاً : ومن العبارات أيضاً : قول بعضهم : شاءت الأقدار ، أو شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا ، ونحن نقول : هذا لا يجوز؛ لأن الظروف أو الأقدار لا تشاء ، وإنما المشيئة والأقدار بيد الله تبارك وتعالى .
عاشراً : ومن العبارات أيضاً قول بعضهم لضيفه : ( وجه الله إلا تأكل ) ونقول : هذا لا يجوز ؛ لأن الاستشفاع بالله على المخلوق ، ولا يجوز الاستشفاع بالله على المخلوق فإن الله سبحانه وتعالى أعظم من أن يستشفع به على مخلوق ، فلا بد من الانتباه لهذا .
الحادي عشر : ومن الأخطاء أيضاً : ما نشاهده أحياناً في بعض البرامج المدرسية من أنواع التسلية والضحك في أمثلة ، الدعاء مثل تندر بعضهم وقوله : إن بعض المدرسين يدعو الله على حسب تخصصه في مادته ، فيأتي مدرس اللغة العربية ويقول : اللهم اجعلني فاعلاً للخير منتصباً له . إلى آخره .
ويأتي مدرس الرياضيات ويقول: اجعلني مستقيماً ولا تجعلني في زاوية الضلال .. إلى آخر العبارات ويأتي مدرس الجيولوجيا ويقول : اللهم اجعلني صخرة إلى آخر العبارات وينبغي أن نعلم : أن دعاء الله سبحانه وتعالى قربة إلى الله وخضوع وتذلل وهو مقام خوف ورجاء ، فالهزل فيه لا يناسب هذا المقام .
الثاني عشر: ومن البدع أيضاً : قول بعضهم لا يجوز السؤال بـ " أين الله ؟ " وينكر على السائل والمعلم والسؤال بهذا مع العلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الجارية وقال لها : ((أين الله ؟)) قالت : في السماء [6] وهؤلاء الذين ينكرون على السائل سؤاله بأين الله ، إنما يفعلون ذلك بناءً على مذهبهم في عدم الإيمان بعلو الله سبحانه وتعالى فوق خلقه ، حيث يقولون : إن الله في كل مكان ، وهذه بدعة وضلال ابتدعها أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشعرية والماتردية ، وقد دلّت عله الأدلة الكثيرة جداً على أن الله تعالى في السماء على العرش استوى بائن من خلقه تبارك وتعالى ، ومن هنا فلا يجوز الإنكار على من سأل مثل هذا السؤال أو بين هذا البيان ؛ لأنها من الأمور الفطرية التي فطر عليها الجميع ، كيف وقد دلت عليها الأدلة الشرعية والعقلية ؟
الثالث عشر : وهناك أخطاء – قولية – شائعة نشير إليها باختصار ، فمنها:
1- قول بعضهم لمن قام بنجدتهم : فلان جاء أسرع من فرج الله .نعوذ بالله من هذه المقالة الشنيعة .
2- قول بعضهم لمن ظلمه : الله يظلمك ، فهذا لا يجوز لأن الله ليس بظلام للعبيد .
3- ومثله قول بعضهم : خان الله من يخون فهذا لا يجوز .
4- قول بعضهم إذا سمع أو أخبر عن شخص أنه مات : ربنا افتكره .
5- قول بعضهم إذا أصيب بمصيبة : ما ذا فعلت يا ربي ؟
6- قول بعضهم إذا دعى إلى الأكل وهم جلوس عليه : يأكل معهم الرحمن فهذا خطأ.
هذه خلاصات سريعة لأنواع من الأخطاء الشائعة في العقيدة ، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين ، وأن يبصرنا بالعقيدة الصحيحة ، وأن يدلّنا عليها دائماً ، وأن يبعد عنا كل عقيدة شائنة أو كل تصرف أو كل لفظ لا يرضى الله سبحانه وتعالى .
اللهم إنا نسأل الهدى والتقوى ، اللهم إنا نسألك الإيمان الصحيح ، والعقيدة الصحيحة ، اللهم إنا نسألك الثبات على ذلك إلى أن نلقاك .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


[1] رواه البخاري ( 4826) ، و ( 61819) ، باب : لا تسبوا الدهر ، والتوحيد ( 7411) . ومسلم في الأدب ( 2246/ 2) ، باب النهي عن سبّ الدهر ، وفي رواية ثانية عند مسلم ( 2246/5) : " لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله "

[2] رواه اليخاري ، كتاب الأدب ( 664 ) ن وكتاب النكاح ( 5143) ومسلم ، كتاب البر ( 2564) واللفظ لمسلم .

[3] رواة البخاري في الأدب ، باب تحويل الاسم إلى اسم آخر أحسن منه . ( 6192) ومسلم في الأدب ( 2141)

[4] رواه مسلم في الأدب ( 2140) .

[5] رواه أحمد ( 2/ 34، 86) ، وأبو داود ( 3251) ، والترمذي ( 1535) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2604) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

[6] رواه مسلم ، كتاب المساجد ( 735) .