شد الهمة في رمضان
د.قذلة بنت محمد القحطاني
(15)
بسم الله الرحمن الرحيم
شد الهمة في رمضان
كلمة وجهتها الدكتورة ـ قذلة بنت محمد القحطاني
لطالبات العلم ومشرفات المساجد وعموم النساء بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان المبارك كما في الحديث الذي رواه سلمان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم خطب في آخر يوم من شعبان، فقال: (قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء) قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال:
يعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائماً على مزقة لبن، أوشربة ماء، أو تمرة، ومن أشبع فيه صائماً، ومن سقى فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، والاستغفار، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألونه الجنة، وتستعيذون به من النار) [ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم 1887].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ! وتغلق فيه أبوب الجحيم ! وتغل فيه مردة الشياطين ! لله فيه ليلة خير من ألف شهر ! من حرم خيرها فقد حرم !
{ رواه النسائي والبيهقي:صحيح الترغيب( 985) }
فأهنئكم بما هنأ به عليه الصلاة والسلام ،وأذكر نفسي أخواتي في الله بكلمة من القلب إلى القلب , وممايشرفني أنني أخاطب كوكبة مباركة من طالبات العلم ,وممن حملوا هم العلم والتعليم والدعوة الى الله.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها خالصة صوابا.
كيف نستقبل هذا الشهر العظيم الذي تصفد فيه الشياطين , هذا الشهر العظيم الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ؟ ! عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين( ( رواه مسلم (1079(
عن أبي هريرة : قال قال رسول الله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة } اخرجه الترمذي(682 )
كيف يكون استغلالنا لهذا الشهرالمبارك؟ !
لا شك أن كل واحدة منكن لها منهج ولها نية عظيمة في استغلال هذا الشهر وأنه سيكون بإذن الله تعالى شهر غيث وشهر مميز يختلف عن سائر الشهور.. !
والإنسان يتاجر مع الله بالنية قد لا يبلغها فقد يعرض له موت أو سفر.
أو مرض أو مشاغل لا يتوقعها فتكون تجارته مع الله بأعمال القلوب وفي صدقه وإخلاصه فيكون من أسبق السابقين في هذا الشهر .
موسم التجارة الرابحة التي لا تبور.
هذا شهر التجارة التي لاتبور ،محقق ربح صاحبها وفوزه بلا خسران !
وكيف لايكون تجارة رابحة مع الله ،وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"رواه مسلم(759)
-عن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله قال : "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "رواه مسلم/ 760
عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه قال : إن جبريل عليه الصلاة و السلام عرض لي فقال : بعدا لمن
أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعدا لمن ذكرت عنده فلم يصلي عليك قلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعدا لمن أدرك أبواه الكبر عنده فلم يدخلاه الجنة قلت آمين
"هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ـ مستدرك الحاكم (7256) : صحيح "
عن ابن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله : إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين" رواه مسلم / 1079
فوصيتي لكل مسلمة:
اعقدي النية على أن يكون هذا الشهر من أعظم الشهور في حياتك, لا يكون هذا الشهر كالأعوام السابقة, حتى لو كنت في الأعوام السابقة ترين نفسك على قوة في العبادة وقراءة القران ولكن اجعلي همتك هذا الشهر أعلى وأعلى ،عزيمة على الرشد ويسأل العبد الله العون على الطاعة ويسأل الله من فضله فلاحول لنا ولا قوة الا به سبحانه . لا حول ولا قوة الا بالله استغاثة به سبحانه , استغاثة بعزته واستغاثة بقوته استغاثة بعظمته
" إياك نعبد وإياك نستعين "
فنستعين بالله تعالى على حفظ هذا الشهر ونستعين بالله تعالى على أن نرغم هذا العدو المصفد في الأغلال!
معالم رمضان عند السلف هو عندهم شهر الصيام , شهر القيام , وشهر إطعام الطعام ,
حتى أن البعض يترك العلم ويتفرغ للقرآن , يتركون أمورا عظيمة من أجل أن يتفرغوا للعبادة وقراءة القرآن والحال ليست كالحال والبعض يستشهد بذلك ويوقف المحاضرات والدروس و هذا مدخل شيطاني فإذا كانوا لا يستغلون أوقاتهم ومشغولين بما يفسد قلوبهم !! فاشغلوهم بالقرآن وبالعلم وبالمحاضرات وبالكلمات التي توقظ قلوبهم وتثبتهم وإذا كان الناس يخرجون من صلاة التراويح على المنكرات والقنوات ففي جلوسهم نصف ساعة للذكرى فيه خير عظيم وصد لشر القنوات والتقنيات أما طالب العلم فينبغي أن تكون له حال أخرى مع الله ،والناس في هذا مراتب ومنازل . فمنهم من يستغل هذا الشهر في الصيام والقيام وتلاوة القرآن وكان من السلف من يقوم الليل كله ومنهم من هو أدنى من ذلك ،فمقل ومستكثر ..
ولعلي أذكر لكن أمثلة لبعض لنماذج من السير تحيا بها القلوب الغافلة: ـ
* ـ أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحم الله ، فقال له : يا حسين : ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب : كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟!! أليس كل حبيب يخلو بحبيبه ؟!! ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل ،.....، غداً أقر عيون أحبائي في جناتي .
* ـ قال ابن الجوزي رحمه : لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة [ كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ] حلفت أجفانهم على جفاء النوم ."
* ـ قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي !!
* ـ كان ثابت البناني يقول كابدت نفسي على القيام عشرين سنة !! وتلذذت به عشرين سنة *ـ كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول يا أمّارة بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة .
* ـ كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته .
* ـ قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ، كبلتك خطيئتك "
*ـ قال معمر : صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتى أتى على هذه الآية {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ، ثم خرجت إلى بيتي ، فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة !! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }.
*ـ قالت امرأة مسروق بن الأجدع : والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام !! ....، وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف ( أي إلى فراشه ) كما يزحف البعير !!
* ـ قال مخلد بن الحسين : ما انتبه من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم رحمه الله يذكر الله ويصلي إلا أغتم لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} .
* ـ قال أبو حازم رحمه الله : لقد أدركنا أقواماً كانوا في العبادة على حد لا يقبل الزيادة !!
*ـ قال أبو سليمان الدارني رحمه الله : ربما أقوم خمس ليال متوالية بآية واحدة ، أرددها وأطالب نفسي بالعمل بما فيها !! ولولا أن الله تعالى يمن علي بالغفلة لما تعديت تلك الآية طول عمري ، لأن لي في كل تدبر علماً جديدا.
والقرآن لا تنقضي عجائبه !!
* ـ عن جعفر بن زيد رحمه الله قال : خرجنا غزاة إلى [ كأبول ] وفي الجيش [ صلة بين أيشم العدوي ] رحمه ، قال :
فترك الناس بعد العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس ، حتى إذا نام الجيش كله وثب صلة فدخل غيضة وهي الشجر الكثيف الملتف على بعضه ، فدخلت في أثره ، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة ، وبينما هو يصلي إذا جاء أسد عظيم فدنا منه وهو يصلي !! ففزعت من زئير الأسد فصعدت إلى شجرة قريبة ، أما صلة فوالله ما التفت إلى الأسد !! ولا خاف من زئيره ولا بالى به !! ثم سجد صلة فاقترب الأسد منه فقلت : الآن يفترسه !! فأخذالأسد يدور حوله ولم يصبه بأي سوء ، ثم لما فرغ صلة من صلاته وسلم ، التفت إلى الأسد وقال : أيها السبع اطلب رزقك في مكان آخر !! فولى الأسد وله زئير تتصدع منه الجبال !! فما زال صلة يصلي حتى إذا قرب الفجر !! جلس فحمد محامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ، ثم قال : الله إني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة !!! ثم رجع رحمه الله إلى فراشه ( أي ليوهم الجيش أنه ظل طوال الليل نائماً ) فأصبح وكأنه بات على الحشايا وهي الفرش الوثيرة الناعمة والمراد هنا أنه كان في غاية النشاط والحيوية ) ورجعت إلى فراشي فأصبحت وبي من الكسل والخمول شيء الله به عليم "
* ـ قال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف "
ولنساء السلف في القيام والعبادةحظاً وافراً
ومنهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد كن عابدات ذاكرات؛ومنهن ‘أم المؤمنين الصديقة الطاهرة المبرئة من فوق سبع سموات.
*ـ " عائشة بنت أبي بكر الصديق "رضي الله عنهما تلك الفقيهة العالمة العابدة ..
قال القاسم بن محمد: كنت إذا غدوت بدأت ببيت عائشة فأسلم عليها، يقول: فدخلت عليها يوماً وهي تصلي وتقرأ قول الله عزَّ وجلَّ وتبكي: "فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ" [الطور:27] قال: فنظرت إليها وانتظرت، فأعادت الآية:
"فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ"قال: فانتظرت مرة ومرتين، فإذا بها تردد الآية وتبكي، قال: فطال عليّ المقام، فذهبت إلى السوق لأقضي حاجة لي، قال: فرجعت فإذا هي قائمة كما هي تبكي وتصلي وتقرأ القرآن. تقول عائشة رضي الله عنها: ( إنكم لن تلقوا الله عزَّ وجلَّ بشيء خير لكم من قلة الذنوب ( .
*ـ عند احتضارها، جاءها ابن عباس ، وكان عندها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال لها: [إن ابن عباس يستأذن عليك، يريد الدخول فقالت: ما لي ولـابن عباس -وهي تحتضر- فاستأذن مرة أخرى فأذنت له فدخل، فلما دخل أثنى عليها خيراً وأخذ يطريها، ويكيل لها المدائح، فقالت: دعك عني يـابن عباس ، دعك عني يـابن عباس ، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً "
ومن سيدات المحراب:
*أم سلمة رضي الله عنها
" تقوم تصلي حتى ما تستطيع أن تقف من طول القيام فتربط الحبل وتمسك به
عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد..
ولم يؤيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل رضي الله عنها وأرضاها وما كانت تريد من هذا القيام إلا القرب من الله والخشوع والقنوت قال تعالى:{تَتَجَافَ ىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَاتَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
*"ومن سيدات المحراب:
أم المؤمنين جويرية-رضي الله عنها-
التي كانت تجلس في مصلاها حتى تشرق الشمس وترتفع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليها وهي في مصلاها كما في الحديث عن جويرية رضى الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد قلت بعدك أربع كلمات – ثلاث مرات – لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته "
* " حفصة بنت سيرين "
سيدة جليلة، من سيدات التابعيات، أشتهرت بالعبادة وقراءة القرآن والحديث، وقرأت القرآن وهي ابنة إثنتى عشرة سنة وكان ابن سيرين إذا استشكل عليه شيء من القرآن قال: إذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ..
وكانت عابدة تجتهد في العبادة، فتدخل مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ولا تزال فيه حتى يرتفع النهار وتركع ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوؤها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها مثلها. فكانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة، وكانت تصوم الدهر.. إلا العيدين..
وكان لها كفن، فإذا حجت وأحرمت لبسته، وإذا جاءت العشر الأخيرة من رمضان قامت من الليل فلبسته.. ومن أقوالها: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فاني رأيت العمل في الشباب..
ومن سيدات المحراب
زجلة العابدة الزاهدة
محدثة ذات صلاح وعبادة.. صوامة قوامة..كلمها نفر من القراء لما رأوها تجهد نفسها بالعبادة فقالوا لها: بنفسك، فأجابت: مالي وللرفق بها إنما هي أيام مبادرة، فمن فاته شيء لم يدركه غدا:الله لأصلين لله ما أفلتتني جوارحي، ولأصومن لله حياتي، ولأبكين له ما حملت ألم عيني. ثم قالت: أيكم يأمر عبده بأمر أن يقصر فيه؟
ومن النساء العابدات " عفيرة العابدة "
عابدة من أهل البصرة، لا تنام الليل .قال لها نوح بن سلمة الوراق: بلغني أنك لا تنامين .فبكت غفيرة وقالت: ربما اشتهيت أن أنام. فلا أقدر عليه، فكيف تنام أو مقدر على النوم من لا ينام عنه حافظاه ليلا أو نهارا.قال نوح: فأبكتني والله- قلت في نفسي: أراني في شيء وأراك في شيء"
ومن النساء العابدات خنساء بنت رخدم
عابدة من عابدات اليمن.. كانت تصوم كثيرا.وصامت أربعين يوما حتى لصق جلدها بعظمها.. وبكت حتى ذهبت عيناها، وقامت من الليل حتى اقعدت من رجليها.. وكان طاووس بن وهب بن منبه المتوفى سنة 110 هـ يعظم قدرها.
*ـ عائشة بنت عمران بن سليمان المنوبي
من ربات الزهد والتقشف.. نشأت في حجر أبيها فاعتنى بتربيتها وعلمها القرآن، وأتقنت حفظه ثم عكفت على الزهد والصلاح.. وكانت تعمل بيدها فتغزل الصوف وتقتات من مورده.كانت متصدقة تبر الفقراء والمساكين وتسد عوز المحتاجين، ولا تدخر شيئا من كسبها.روى عنها أنها كانت تقول، إذا بات بجيبها درهم و لم تتصدق به: "الليلة عبادتي ناقصة"
وقد جمعت في سير سيدات المحراب محاضرة:وهذا رابط المحاضرة
القرآن : ـ
رمضـان شهر القرآن:
قال الله تعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (
*ـ قال ابن كثير رحمه الله :
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء
*ـ وعن ابن عباس ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة "
*ـ قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
ولذا كان للسلف حال أخرى مع القرآن
وعقد الإمام النووي رحمه الله فى كتابه القيم: (التبيان فى آداب حملة القرآن) فصلاً فى موقف السلف مع القرآن الكريم جاء فيه :ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة ، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة ، وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرين في كل سبع ليال ، وعن بعضهم في كل ست ، وعن بعضهم في كل خمس ، وعن بعضهم في كل أربع ،وعن كثيرين في كل ثلاث ،وعن بعضهم في كل ليلتين ، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة ، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين ، ومنهم من كان يختم ثلاثاً وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا بالليل وأربعا بالنهار فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه0
وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات
وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء
وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان
وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن .
ثم يقول الإمام النووي رحمه الله :
وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ختمة في كل ركعة في الكعبة
قلت:ولايستغرب ذلك فهذه من كرامات الأولياء ..
قال أبو جعفر البقال : دخلت على أحمد بن يحيى رحمه الله ، فرأيته يبكي بكاء كثيرا ما يكاد يتمالك نفسه !! فقلت له :
أخبرني ما حالك؟!! فأراد أن يكتمني فلم أدعه ، فقال لي : فاتني حزبي البارحة !! ولا أحسب ذلك إلا لأمر أحدثته ، فعوقبت بمنع حزبي !!ثم أخذ يبكي !! فأشفقت عليه وأحببت أن أسهل عليه ، فقلت له : ما أعجب أمرك !! لم ترض عن الله تعالى في نومة نومك إياها ، حتى قعدت تبكي !! فقال لي : دع عنك هذا يا أبا جعفر !! فما احسب ذلك إلا من أمر أحدثته !! ثم غلب عليه البكاء !! فلما رأيته لا يقبل مني انصرفت وتركته .
حفظ الوقت: ـ
* ـ من الأمور المهمة أن يكون لك منهجية لاستغلالهذا الشهر ،فهذا الشهور ليس كالشهور الاخرى فأوقاته وساعاته أغلى من الذهب ونفيس الجواهر
وليعلم العبد أن صيام الاثنين والخميس وأيام البيض تطوع ،ولكن رمضان فرض وركن من أركان الاسلام .
كيف أؤدي هذه الفريضة التي هي أحب الأعمال لله تعالى؟
ثبت في الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته:
فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)) ( رواه البخاري برقم 6502)
فالواجب أن أتقرب الى الله بالفريضة أولا , قبل النافلة!
نلاحظ أن البعض يضيع رمضان بالأسواق وحتى لو ضيعها بالمباحات فانه خسران . ليس هذا وقت المباحات, كثرة الزيارات بلا حاجة وكثرة السمرات هذه تقلل بقدر الإمكان ..
وإذا ابتلى الشخص بسراق الأوقات في هذا الشهر فيحاول استغلال المجلس بما يقربه الى الله تعالى ..
وليهديه علما ونصحا ،أما الكلام في الدنيا والغيبة والنميمة وقيل وقال وهدر الوقت فهذا من أعظم الخسران.يتبع