﴿ وَأَنَّ ٱلْكَٰفِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١١﴾] (لا مولى لهم): يهديهم إلى سبل السلام، ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه، بل أولياؤهم الطاغوت؛ يخرجونهم من النور إلى الظلمات. السعدي:786.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٠﴾] كل موضع أمر الله سبحانه فيه بالسير في الأرض، سواء كان السير الحسي على الأقدام والدواب، أو السير المعنوي بالتفكير والاعتبار، أو كان اللفظ يعمهما... فإنه يدل على الاعتبار والحذر أن يحل بالمخاطبين ما حل بأولئك. ابن القيم:2/454.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴿٧﴾ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ ﴿٨﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٧﴾] وهذا وعيد للأمة بأنها إن تخلت عن نصر الله والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَكَلَها سبحانه إلى نفسها، وتخلَّى عن نصرها، وسلَّطَ عليها عدوها. ولقد وجد بعض ذلك من تسلط الفسقة لما وجد التهاون في بعض ذلك والتواكل فيه. البقاعي:7/155.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٦﴾] فالذين يرتكبون جميع المعاصي ممن يتسمون باسم المسلمين، ثم يقولون: إن الله سينصرنا مغررون ; لأنهم ليسوا من حزب الله الموعودين بنصره كما لا يخفى. ومعنى نصر المؤمنين لله: نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم وجهادهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه. الشنقيطي:7/252.
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٦﴾] أي بَيَّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطؤون ولا يستدلون عليها أحدًا؛ كأنهم سكانها منذ خلقوا، فيكون المؤمن أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا، هذا قول أكثر المفسرين. البغوي:4/154.
﴿ ۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ ﴿٤﴾ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٤﴾] (ويصلح بالهم) أي: موضع فِكرهم؛ فيجعله مهيأ لكل خير، بعيداً عن كل شر، آمناً من المخاوف، مطمئناً بالإيمان بما فيه من السكينة، فإذا قتل أحد في سبيله تولى سبحانه وتعالى ورثته بأحسن من تولي المقتول لو كان حياً. البقاعي:7/153.
﴿ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَا۟ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٤﴾] فإنه تعالى على كل شيء قدير، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبداً، حتى يبيد المسلمون خضراءهم. (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) ليقوم سوق الجهاد، ويتبين بذلك أحوال العباد: الصادق من الكاذب، وليؤمن من آمن إيماناً صحيحاً عن بصيرة، لا إيماناً مبنياً على متابعة أهل الغلبة؛ فإنه إيمان ضعيف جداً لا يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا. السعدي:785.
﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَٱلْمُؤْمِنَٰت ِ ۗ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] وإذا كان مأموراً بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم، فإن من لوازم ذلك النصح لهم، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويأمرهم بما فيه الخير لهم، وينهاهم عما فيه ضررهم، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعاً تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. السعدي:787- 788.
﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَٱلْمُؤْمِنَٰت ِ ۗ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فأمر بالعمل بعد العلم، وقال: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب...) إلى قوله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم...) [الحديد: 20- 21]، وقال: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) [الأنفال: 28]، ثم قال بعد: (فاحذروهم) [التغابن: 14]، وقال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء...) [الأنفال: 41]، ثم أمر بالعمل بعد. القرطبي:19/267.
﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَٱلْمُؤْمِنَٰت ِ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَىٰكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه ﷺ: (ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللّه فيها مائة مرة). عن ابن عمر -رضي اللّه تعالى عنهما- قال: إنا كنا لنَعُدُّ لرسول اللّه ﷺفي المجلس يقول: (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم) مائة مرة. الألوسي:25/294.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] (كما تأكل الأنعام): أكل التذاذ ومرح من أي موضع كان، وكيف كان الأكل في سبعة أمعاء؛ أي في جميع بطونهم، من غير تمييز للحرام من غيره؛ لأن الله تعالى أعطاهم الدنيا، ووسع عليهم فيها، وفرغهم لها حتى شغلهم عنه. البقاعي:18/214.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] والذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية... فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم منهم بذلك وغير معرفة، مثل الأنعام من البهائم المسخرة التي لا همة لها إلا في الاعتلاف دون غيره. الطبري:22 / 164.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] (والذين كفروا يتمتعون): في الدنيا كأنهم أنعام، ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عما في غدهم. وقيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع. القرطبي:19/257.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] أنساهم دخولهم غصص ما كانوا فيه في الدنيا من نكد العيش ومعاناة الشدائد، وضموا نعيمها إلى ما كانوا فيه في الدنيا من نعيم الوصلة بالله، ثم لا يحصل لهم كدر ما أصلا، وهي مأواهم لا يبغون عنها حولا، وهذا في نظير ما زوي عنهم من الدنيا وضيق فيها عيشهم نفاسة منهم عنها، حتى فرغهم لخدمته وألزمهم حضرته حبا لهم وتشريفا لمقاديرهم. البقاعي:18/214.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّوا۟ عَلَىٰٓ أَدْبَٰرِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ۙ ٱلشَّيْطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٥﴾] يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان على أعقابهم إلى الضلال والكفران؛ ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان، وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم، وإملاء منه لهم. السعدي:789.
﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ ﴿٢٧﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُوا۟ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُوا۟ رِضْوَٰنَهُۥ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٧﴾] الجمع بين الإخبار عنهم باتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه، مع إمكان الاجتزاء بأحدهما عن الآخر للإيماء إلى أن ضرب الملائكة وجوه هؤلاء مناسب لإقبالهم على ما أسخط الله، وأن ضربهم أدبارهم مناسب لكراهتهم رضوانه؛ لأن الكراهة تستلزم الإعراض والإدبار. ابن عاشور:26/119.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٤﴾] والمعنى: أفلا يتفهمونه، فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة والحجج الظاهرة والبراهين القاطعة، التي تكفي من له فهم وعقل وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه؟! الشوكاني:5/38.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٤﴾] وكأن القلبَ بمنْزلة الباب الْمُرتَج، الذي قد ضُرِبَ عليه قفل؛ فإنه ما لم يُفْتَح القفل لا يمكن فتح الباب والوصول إلى ما وراء، وكذلك ما لم يرفع الختم والقفل عن القلب لم يدخل الإيمان والقرآن. ابن القيم:2/454.
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَٰرَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] قوله: (أولئك الذين لعنهم الله): يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا؛ يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته. (فأصمهم): يقول: فسلبهم فَهمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله. (وأعمى أبصارهم): يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتبينون حجج الله، ولا يتذكرون ما يرون من عبره وأدلته.. الطبري:22/ 178
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] الرحم على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله، ونصرتهم، والنصيحة، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من: غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم. وأما الرحم الخاصة -وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه- فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة؛ كالنفقة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. القرطبي:19/277.
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَٰرَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] وقد علم من هذا أن من أمر بالمعروف، وجاهد أهل المنكر أمن الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، ومن تركه وقع فيهم. البقاعي:7/169.
﴿ هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا۟ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓا۟ أَمْثَٰلَكُم ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٨﴾] (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) أي: إنما ضرر بخله على نفسه؛ فكأنه بخل على نفسه بالثواب الذي يستحقه بالإنفاق. (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم) أي: يأت بقوم على خلاف صفتكم، بل راغبين في الإنفاق في سبيل الله. ابن جزي:2/344.
﴿ وَإِن تُؤْمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْـَٔلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٦﴾] (ولا يسألكم) ربكم (أموالكم) لإيتاء الأجر، بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة؛ نظيره قوله: (ما أريد منهم من رزق) [اذاريات:57]. وقيل: لا يسألكم محمد أموالكم؛ نظيره: (قل ما أسألكم عليه من أجر) [ص: 86]، وقيل: معنى الآية: لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات، إنما يسألانكم غيضًا من فيض -ربع العشر- فطيبوا بها نفسًا. القرطبي:4/163.
﴿ إِنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْـَٔلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٦﴾] الأشبه أن هذا عطف على قوله: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) تذكيراً بأن امتثال هذا النهي هو التقوى المحمودة، ولأن الدعاء إلى السلم قد يكون الباعث عليه حبّ إبقاء المال الذي ينفَق في الغزو، فذُكروا هنا بالإيمان والتقوى ليخلعوا عن أنفسهم الوهن؛ لأنهم نُهُوا عنه وعن الدعاء إلى السلم، فكان الكف عن ذلك من التقوى. ابن عاشور:26/133.
﴿ فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٥﴾] (فلا تهنوا) أي: لا تضعفوا عن الأعداء. (وتدعوا إلى السلم) أي: المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عَدَدِكُم وعُدَدِكُم. (وأنتم الأعلون) أي: في حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك. ابن كثير:4/184.
﴿ فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٥﴾] (والله معكم): فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء. ابن كثير:4/184.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوٓا۟ أَعْمَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٣﴾] (ولا تبطلوا أعمالكم): يحتمل أربعة معان: أحدها: لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان، والثاني: لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات، والثالث: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب، والرابع: لا تبطلوا أعمالكم بأن تقتطعوها قبل تمامها. ابن جزي:2/343.
﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَٰكَهُ مْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَٰهُمْ ۚ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٠﴾] ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، ورداً للسرائر إلى عالمها. ابن كثير:4/183.
﴿ لِّتُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٩﴾] ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال... فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم. الطبري:22/ 208.
﴿ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ ۗ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٤﴾] والحق الذي لا شك فيه أن الإيمان يزيد وينقص، كما عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الوحي من الكتاب والسنة. الشنقيطي:7/394.
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٤﴾] قال الرازي: والسكينة: الثقة بوعد الله، والصبر على حكم الله، بل السكينة ههنا معين يجمع فوزاً وقوة وروحاً، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين، وأثر هذه السكينة الوقار والخشوع وظهور الحزم في الأمور. البقاعي:18/284.
﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢﴾] عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي ﷺ يصلي حتى تَرم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا. الشوكاني:5/46.
::::::::::::::
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] وجمع سبحانه له بين الهدى والنصر؛ لأن هذين الأصلين بهما كمال السعادة والفلاح؛ فإن الهدى هو العلم بالله ودينه، والعمل بمرضاته وطاعته، فهو العلم النافع والعمل الصالح. والنصر: القدرة التامة على تنفيذ دينه بالحجة والبيان والسيف والسنان؛ فهو النصر بالحجة واليد، وقهر قلوب المخالفين له بالحجة، وقهر أبدانهم باليد، وهو سبحانه كثيراً ما يجمع بين هذين الأصلين؛ إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله. ابن القيم:2/456.
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] رتب الله على هذا الفتح عدة أمور، فقال: (ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر)؛ وذلك والله أعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمَّل ﷺ من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين. السعدي:791.
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية؛ وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم؛ أسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. البغوي:4/166.
﴿ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا۟ لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٥﴾] (بل تحسدوننا) على الغنائم، وهذا منتهى علمهم في هذا الموضع، ولو فهموا رشدهم لعلموا أن حرمانهم بسبب عصيانهم، وأن المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية؛ ولهذا قال: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً). السعدي: 793.
﴿ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا۟ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٥﴾] أي يريدون أن يبدلوا وعد الله لأهل الحديبية؛ وذلك أن الله وعدهم أن يعوضهم من غنيمة مكة غنيمة خيبر وفتحها، وأن يكون ذلك مختصاً بهم دون غيرهم، وأراد المخلفون أن يشاركوهم في ذلك، فهذا هو ما أرادوا من التبديل. ابن جزي: 2/349.
﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٤﴾] وقدمت المغفرة هنا بقوله: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ليتقرر معنى الإطماع في نفوسهم، فيبتدروا إلى استدراك ما فاتهم. وهذا تمهيد لوعدهم الآتي في قوله: (قل للمخلفين من الأعراب) إلى قوله: (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً). ابن عاشور: 26/166.
﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُون َ إِلَىٰٓ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًۢا بُورًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٢﴾] وإنما جعل ذلك الظن مزيناً في اعتقادهم لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال؛ وهو أن يرجع الرسول ﷺ سالماً. وهكذا شأن العقول الواهية والنفوسُ الهاوية: أن لا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورةَ التي تلوح لها في بادىء الرأي. ابن عاشور: 26/164.
﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًۢا ۚ بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًۢا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١١﴾] لا أحد يدفع ضره ولا نفعه تعالى؛ فليس الشغل بالأهل والمال عذرا؛ فلا ذاك يدفع الضر إن أراده عز وجل، ولا مغافصة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعا. الألوسي: 13/253.
﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١١﴾] لما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد، بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم). وهذا هو صنيع المنافقين. الشوكاني: 5/48
﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٠﴾] لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة؛ فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله ﷺ فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه؛ نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته. الطبري: 22/210.
﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٣﴾] ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى، أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)؛ لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور، وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه، يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه، فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى. ابن عاشور:26/183.
﴿ وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] (وكف أيدي الناس عنكم): وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر، وحاصر أهلها، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. البغوي:4/175.
﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِۦ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة؛ يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها. الشوكاني:5/51.
﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] في هذا التدبير الذي دبره لكم من أنه لطيف يوصل إلى الأشياء العظيمة بأضداد أسبابها فيما يرى الناس؛ فلا يرتاع مؤمن لكثرة المخالفين وقوة المنابذين أبدا؛ فإن سبب كون الله مع العبد هو الاتباع بالإحسان الذي عماده الرسوخ في الإيمان الذي علق الحكم به، فحيث ما وجد الـمُعَلَّق عليه وجد الـمُعَلَّق؛ وهو النصر بأسباب جلية أو خفية. البقاعي:18/319.
﴿ لَّقَدْ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٨﴾] قال رسول الله ﷺ: (لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أهل الشجرة الذين بايعوا تحتها)... (فعلم ما في قلوبهم) يعني من صدق الإيمان وصدق العزم على ما بايعوا عليه... (وأثابهم فتحاً قريباً) يعني: فتح خيبر، وقيل: فتح مكة. والأول أشهر؛ أي جعل الله ذلك ثواباً لهم على بيعة الرضوان، زيادة على ثواب الآخرة. ابن جزي:2/349.
﴿ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٧﴾] في الدنيا بالمذلة، وفي الآخرة بالنار. ابن كثير:4/193.
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٧﴾] ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد: فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر، وعارض كالمرض الذي يطرأ أياماً ثم يزول، فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ. ابن كثير:4/193.
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٨﴾] ذكر القرآن صلاح القوة النظرية العلمية، والقوة الإرادية العملية في غير موضع؛ كقوله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؛ فالهدى كمال العلم ودين الحق كمال العمل؛ كقوله: (أولي الأيدي والأبصار) [ص: 45]. ابن تيمية:6/38.
﴿ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٧﴾] فيه تعريض بأن وقوع الدخول من مشيئته تعالى لا من جلادتهم وتدبيرهم. الألوسي:13/273.
﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] هي لا إله إلا الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها بها يتقى الشرك؛ فهي رأس كل تقوى. الألوسي:13/271.
﴿ ﴾ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] لَمَّا كانت حَمِيَّة الجاهلية توجب من الأقوال والأعمال ما يناسبها، جعل الله في قلوب أوليائه السكينة تقابل حمية الجاهلية، وفي ألسنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور. ابن القيم:2/458-459.
﴿ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] وثمرة هذه السكينة: الطمأنينة للخبر تصديقاً وإيقاناً، وللأمر تسليماً وإذعاناً؛ فلا تدع شبهة تعارض الخبر، ولا إرادة تعارض الأمر، فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد؛ ليقوى إيمانه، ويعلو عند الله ميزانه بمدافعتها وردها وعدم السكون إليها، فلا يظن المؤمن أنها لنقص درجته عند الله. ابن القيم:2/459.
﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] إضافة الحمية إلى الجاهلية لقصد تحقيرها وتشنيعها؛ فإنها من خلق أهل الجاهلية؛ فإن ذلك انتساب ذم في اصطلاح القرآن كقوله: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) [آل عمران: 154]، وقوله: (أفحكم الجاهلية يبغون) [المائدة: 50]. ابن عاشور:26/194.
﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَـُٔوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌۢ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا۟ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٥﴾] فربما عَسَّرَ عليه أمراً يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن، وإن كان نقمة في الظاهر، فالزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه، والندم على فواته، وإياك والاعتراض. وفي الآية أيضاً أن الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن. البقاعي:18/329.
الكلم الطيب