الاعتراف للوالدين بالمعاصي والآثام
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:
♦ الملخص:
فتاة ارتكبت معاصيَ كثيرة في فترة مراهقتها، ثم تابت وحفظت القرآن، وقرأت وتعلمت، لكن الشعور بالذنب يلاحقها، وترى نفسها خانت ثقة والديها، وتريد البوح لهما بما فعلت، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قمتُ في فترة المراهقة بارتكابِ معاصٍ جعلتني أندم من القلب عليها الآن، رغم أنني نشأت في عائلة محافظة دينيًّا، وإليكم بعضًا من تلك الأخطاء: فقد قبَّلْتُ فتاة من فمها في المرحلة الثانوية، وكنت أسمع الأغاني، وكنت على علاقة ببعض الشباب (علاقة كلام فقط)، وكدتُ أن أقعَ فريسة لأحد الشباب والعياذ بالله، لكن ربي أنقذني، لكني لم أتُبْ، وسُرقت صورتي مرة من قِبَلِ شابٍّ لا أعرفه، وكنت أشاهد المقاطع غير اللائقة، وقمت باحتضان شابٍّ أجنبيٍّ عني مرتين، ووقعت في الغِيبة أحيانًا، وكل هذا لا يعلم به إلا الله؛ حيث إن أهلي يثقون فيَّ، ولكني خنتُ ثقتهم.
ومرت الأيام سافرت الفتاة التي قبَّلتني سابقًا، وبعد أن سُرقت صورتي شعرت كأنها صفعة قوية لي، رغم أنها صورة عادية، على أنني لم أشعر بهذا الشعور من قبل، وكأن الله يحذرني للمرة الأخيرة، ولا أدري ما سبب ذلك التأثر في تلك المرة تحديدًا؛ حيث إنني لم أتأثر سابقًا هكذا، لكنه هدى الله والحمد لله؛ فعلى إثر ذلك حذفتُ كلَّ شيء لي على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات، وأنهيتُ كل علاقاتي بالشباب، واستغفرت وتبتُ، حتى علاقتي مع صديقتي تلك قطعتها، والآن أنا في نعمة كبيرة؛ حيث تحسنت صلاتي وعلاقتي مع الله، ولدي صديقات صالحات، ولن أكرر فعلتي تلك مع أي فتاة، تبت وندِمْتُ على كل ما فعلته بصدقٍ، أصبحت أصوم النوافل وختمت القرآن حفظًا، وأتصدق عمن اغتبت ما وسعني ذلك، وأصبح لدي معلومات دينية كثيرة؛ فقد قرأتُ كتبًا وسمعت شيوخًا؛ حتى أصنع من نفسي شخصًا أفضلَ، وأصبحت قادرة على الإقناع والتوجيه الديني، كل هذا أعتقد بسبب ما مررت به، وأصبحت معلمة قرآن في هذه السن، بعد تخرُّجي من الثانوية العامة، وأصبحت أنصح غيري ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
ولكن يبقى شعور الانكسار بالذنب، وشعور أن أهلي لن يسامحوني لو علموا كلَّ هذا، أعلم أن الله عز وجل فوق الجميع، لكن كلام أمي وأبي لا تزال أصداؤه تتردد على مسامعي؛ بأنهما لن يسامحا مَن يفعل شيئًا غير صائب من روائهما من صور وكلام للشباب وغير ذلك، وكذلك لطف أبي وثقته فيَّ، كلما فكرت في تلك الأمور، أشعر أنني داخل دوامة من الحزن؛ فأنا لا أتجرأ على إخبارهما بشيء مما فعلت حتى بعد توبتي؛ لأنني أعرف ردَّ فعلهما، أنا في حيرة من أمري، هل يغفر الله لي دون أن أخبرهما، أو أن توبتي ناقصة، أو أني عالجت الأمر بصورة خاطئة؟ أرجو توجيهي بأسرع وقت، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فأولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: نحمد الله أن وفَّقكِ للتوبة، وترك الذنوب، والعودة إلى طاعة الله، وترك المعاصي والآثام، ومن فضل الله على عباده أن فتح لهم أبواب التوبة، وأن جعلها ماحية هادمة لذنوبهم، بل ومبدلة لسيئاتهم حسنات إذا صدقوا في توبتهم، ونسأل الله أن تكوني ممن تابوا توبة صادقة نصوحًا.
ثالثًا: من أفضل الأعمال الستر، والمسلم عليه أن يستر نفسه، فلا يُشْهِر خطاياه أمام الخَلْق، ولا يذكر زلَّاته أمام النَّاس، ولو كانوا أصدقاءه، إلَّا على وجه السُّؤال والفُتيا، دون تحديد أنَّه الفاعل، ولا سيَّما عند مَن يعرفه، فلا تخبري أحدًا بما فعلتِ من ذنوب، واستتري بستر الله، وأحسني في أعمالكِ، وأكثري الدعاء للوالدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه))؛ [البخاري (6069)، ومسلم (2990)].
والنصيحة لكِ: تعلُّم العلم النافع؛ فقد لاحظت في كلامكِ الميول للتعلم، والعلم منه فرض عيني: أي: ما يجب على كل مسلم تعلُّمه؛ كأصول الاعتقاد، وكيفية العبادات المفروضة كالصلاة والصيام، ومنه فرض كفائي: أي: إذا قام به مَن تُسَدُّ بهم الحاجة، سقط الإثم عن الجميع؛ كالتعمق في علوم الآلات وبقية فنون العلم.
ومن أفضل المواقع التي تستعينين بها: شبكة الألوكة، وموقع الإسلام سؤال وجواب، وموقع إسلام ويب.
ومن المواقع الحوارية النقاشية: المجلس العلمي للألوكة، وملتقى أهل الحديث.
ومن المنصات العلمية على الإنترنت أكاديمية زاد التعليمية.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6g1PD9nnA