عندما لا تكون الطريق واضحة


أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ستؤول إليه الحياة بعده، وما يظهر فيها من الاختلاف الكثير.. لكنه أرشد الصحابة -رضي الله عنهم- ماذا يفعلون إن عاشوا هذه الفترة الحرجة من ضبابية في فهم الدين والاختلاف الشديد؛ فوعظهم موعظة بليغة ومؤثرة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب.. حتى وصفها الصحابة بأنها موعظة مودع! فطلبوا النصيحة والتوجيه. والحديث للعرباض بن سارية - رضي الله عنه - وقد جاء بإشارات عدة منها: - قال العرباض - رضي الله عنه - مؤكدا عظم الموعظة الموجَزة، ذات المعاني الكبيرة التي سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - موعظة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب».. أدت إلى بكائهم وخوفهم! - هنا انتبه الصحابة لعظيم ما سيقوله النبي -صلى الله عليه وسلم - فقالوا: «يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع؛ فماذا تعهد إلينا؟».. فطلبوا الحل والوصية مما سمعوا.. - فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها».. وهي الطريق الواضحة البينة.. وبيضاء كناية عن وضوحها، فليلها كنهارها، أي لا لبس فيها واضحة جلية لسالكها.. - وهذه (البيضاء) هي طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابهِ وسلف الأُمة، التي يجب علينا أن نسلكها، وأن نسير معها؛ اقتداء به -صلى الله عليه وسلم - وبأصحابهِ وبأئمة المُسلمين، كما قال - تعالى -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.. - ثم يبين النبي -صلى الله عليه وسلم - عاقبة من حاد عن هذه (البيضاء).. الطريق الواضحة، وانحرف عنها؛ فقال -صلى الله عليه وسلم -: «لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».. أي عرضة للزوال والضلال والخسارة. - ثم حذر النبي -صلى الله عليه وسلم - مما سيحصل بعده من الاختلاف فقال -صلى الله عليه وسلم -: «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا».. - فأرشد -صلى الله عليه وسلم - إلى الحل والخلاص من هذا الاختلاف، وهو اتباع السنة الصحيحة من هديه -صلى الله عليه وسلم - والتمسك بها تمسكا أكيدا، واتباع هدي الصحابة الكرام ولا سيما الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-.. فقال -صلى الله عليه وسلم -: «فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ».. - ونبه أيضا إلى أهمية طاعة ولي الأمر دون تردد أو تأفف، وأيا كانت صفة ولي الأمر.. فقال -صلى الله عليه وسلم -: «وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا؛ فإنما المؤمن كالجمل الأنف؛ حيثما قيد انقاد». وهذا منهج واضح بينه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم -، عندما لا تكون الطريق واضحة؛ ففيه أنفع عِلاجٍ عندَ وقوعِ الاختلافِ والشقاق والنزاع.


اعداد: سالم الناشي