الزلازل عبرة وعظة



لقد قضت سنة الله -عز وجل- أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا بالخير والشر والأمن والخوف، والمنح والمحن، وأنَّ هذه الابتلاءات بأنواعها فيها الابتلاء والاختبار من رب العالمين، قال -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء: 35)، ويذكر الراصدون والإحصائيون تتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر ويقولون: إنه كلما تقدمت السنوات زاد عدد الزلازل وأنواع الكوارث.

ولعل المتأمل يسترجع بعض هذه الآيات والحوادث والكوارث والنذر، ليجد أن منها أعاصير وزلازل وفيضانات وانهيارات وأوبئة وأمراضا، آيات من آيات الله وجنوده، تذكر الغافلين وتنذر الظالمين وتوقظ المستكبرين، ويعتبرُ بها المؤمنون.

نُذُرٌ تظهر عظمة المولى عز وجل

إنها آيات الله وأيامه نُذُرٌ تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوتُه وعظيمُ سلطانه وعزتُه وتمامُ ملكِه وأمرِه وتدبيرِه، إن هذه الحوادث والقوارع توقظُ قلوباً غافلة، لتراجع توحيدها وإخلاصها، فلا تشرك معه في قوته وقدرته وسلطانه أحداً، ويفيقُ بعضُ من غرَّتهم قوتُهم وفرحوا بما عندهم من العلم، فيتذكروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وأعظم علما، قال سبحانه {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (الإسراء: 59) وقال -صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس وخسوف القمر: «إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده».

هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم

وهذا هدي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وخوفه من ربه مع أن الله -سبحانه وتعالى- قد جعله أمنة لأصحابه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (الأنفال: 33)، ومع هذا كان إذا هبت الريح الشديدة عرف ذلك في وجهه -صلى الله عليه وسلم -، وحين ينعقد الغمام في السماء ويكون السحاب ركاما يُرى -صلى الله عليه وسلم - يقبل ويدبر ويدخل البيتَ ويخرج، فتقول له عائشةُ -رضي الله عنها-: ما بك يا رسول الله؟ فيقول: «ما يؤمِّنُنِي أن يكون عذاباً، إن قوماً رأوا ذلك فقالوا هذا عارض ممطرنا، فقال الله {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأحقاف: 24) «حتى إذا نزل المطر سُرِّي عنه -صلى الله عليه وسلم .

الآيات والحوادث والكوارث

إن النظر إلى هذه الآيات والحوادث والكوارث - ولو عُرفت أسبابها المادية وتفسيراتها العلمية - لا ينبغي أن يُظن أن ذلك صارفٌ عن كونها آياتٍ وتخويفات، فلابد من النظر فيما وراء الأسباب والتعليلات من أقدار الله وحُكْمه وحِكْمته، فهي آيات الله ومقاديره، يقدرها متى شاء، ويرسلها كيف شاء، ويمسكها عمن يشاء، يعجز الخلق عن دفعها ورفعها مهما كانت علومهم ومعارفهم واحتياطاتهم واستعداداتهم، وإن الركون إلى التفسير المادي والاستكانة إلى التحديث العلمي والبعد عن العظة والذكرى من تزيين الشيطان عياذاً بالله، ترتجف الديار ولا ترتجف الأفئدة، وتعصف الرياح ولا تعصف النفوس وتتزلزل الأرض ولا يتزلزل ابن آدم المخذول.

أحوال الناس ومواقفهم

إن المتأمل لأحوال بعض الناس ومواقفهم ومسالكهم يرى أمورا مخيفة فيهم جرأة على حرمات الله وانتهاك للموبقات، وتضييع لأوامر الله وتجاوز لحدوده وتفريط في المسؤوليات وفي العبادات والمعاملات وإضاعة للحقوق كأنهم يرون أنهم آمنون من مكر الله؛ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

عظم الجزاء مع عظم البلاء

إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، وإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد بعبده شرًا أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة، بهذا جاءت الأخبار عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن الاعتبار بآيات الله والرضا ببلائه لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب والفرار من قدر الله إلى قدر الله.

الوصية في هذه المواقف

فالوصية في مثل هذه المواقف وغيرها: بتقوى الله والصبر، والاعتبارِ، وأخذِ الحذر، والاعتصامِ بالله مولانا وهو نعم المولى ونعم النصير، والإكثارِ من الاستغفار وإظهار الندم والتوبة، ومحاسبة النفس، والرجوع إلى الله، والإكثار من الاستغفار والتضرع والدعاء والإحسان والصدقة؛ فالله -سبحانه- يبعث النذر والآيات ليرجع العباد إلى ربهم وحتى لا يؤخذوا على غرة.

الله خالق هذا الكون

إنَّ الله خلق الخلق، وهو الخلاق العليم، فخلق هذه الأرض وأنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زرعها وأشجارها وثمارها، وجعل فيها الجبال أوتادا، ودحاها وبث الخلق فيها، يعيشون في أرجائها وأطرافها، حتى إذا انتهى الأمر وانقضى الأجل أذن الله لها فتزلزلت وتحركت وألقت ما فيها من الأموات وتخلَّت، وحدَّثت بما عمل العاملون على أرضها من الحسنات والسيئات قال -تعالى- {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 4 - 8).

لله آيات وعظات

ولله آيات وعظات، يُريها عبادَه في الدنيا إنذاراً وتخويفاً وتحذيراً وترهيباً وإيقاظاً وتذكيراً، ومن الآيات المخيفة والنذر المرعبة والعظات الموقظة آية الخسف والرجفة والزلزلة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يُقبضَ العلمُ وتكثرَ الزلازلُ ويتقاربَ الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، حتى يكثر المال فيفيض»، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف؛ فقال رجل من المسلمين يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور»، وفي حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أنهلَك وفينا الصالحون؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «نعم إذا كثر الخبث».



الحكمة في كثرة الزلازل

سئل الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله، نرى أن بعض الدول الإسلامية تتعرض لكثير من الفيضانات والزلازل والنكبات الأخرى، فما الحكمة في ذلك؟ فقال: الحكمة ظاهرة، المؤمن يبتلى لأجل أن يطهر من الذنوب ويمحص، ولأجل أن يتنبه ويتوب، أما الكافر فإن الله يملي له لأجل أن تعظم ذنوبه وكفره والعياذ بالله فيكون أشد في عذابه، قال -تعالى-: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

آيات يخوف الله بها عباده

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: لا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها -سبحانه- عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعًا من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي، كما قال الله -عز وجل-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم، التوبة إلى الله -سبحانه-، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة.
منقول