قال العلامة عبد الظاهر أبو السمح العالم الأزهري المصري رحمه الله الإمام والمدرس بالمسجد الحرام ت 1370 هـ ( أيام الملك عبد العزيز رحمه الله ) :
حدثني ثقة أنه كان في بلده رجلان أخوان شقيقان ، ألمَّ بأحدهما مرض خاف على نفسه ، وكان لكل منهما 12 فدانا ورثاها عن أبيهما ، فلما اشتد على المريض مرضه أحضر أخاه وكتب له أرضه ما عدا الثمن أبقاه لزوجه ، وقال له : يا أخي إن مت فالأرض لك وإن حييت فهي لي . وأراد الله أن يحيي ، فبعد شهر عادت إلى المريض صحته ، ولكن كانت الأرض قد ذهبت عنه ؛ إذ انتهز أخوه فرصة اشتغاله بمرضه وذهب فسجل الحجة في المحاكم باسمه وبذا خرجت عن حيازة ذلك الأخ المريض وذلك عن غش وخيانة وغدر.
وفي ذات يوم أخذت امرأة المريض بقرته لتسقيها وترعاها في أرضها وأرض زوجها فما تشعر إلا وولد الأخ الغادر يطردها ويذودها عن الأرض بألفاظ المالك المسلط ، فقالت له : لماذا تذودني عن أرضي ؟! فقال : اذهبي لا أرض لك ولا لزوجك عندنا . فذهبت فاشتكت لزوجها ما كان من ابن أخيه فقال : لا بأس عليك وأرسل لأخيه صديقا له يطلب منه ما ائتمنه عليه وما أوصاه به ، فقال : أمجنون صاحبك ؟! لا شيء له عندي . فقال : حسن . ولبلغ الأمر إلى الأخ فطلبه إلى العمدة ؛ عمدة بلدهم فأنكر ، وكان لدى العمدة علم بالمسألة فقال للمظلوم : اذهب واشتك وإذا احتجت لدراهم تنفق منها على القضية أعطيتك كل ما تحتاج إليه . فقال الرجل : لا حاجة لي بالشكوى إلى الخلق بعد أن بين لي إنكاره وجحوده وأشكو إلى الله وأفوض أمري إليه . وانصرف .
ولم تمض أيام حتى درى بعض المحامين المشهورين بالمسألة فعرض على الرجل أن يقوم له بالقضية حتى إذا كسبها أعطاه أتعابه فقال له ـ وهنا يتبين للقاريء محور المقالة وسر الموعظة ـ :
قل لي أيها المحامي المحترم : لو اتخذت مدافعا عني محاميًّا لي ثم اتخذت غيرك وكيلا في قضيتي أما تغضب مني وتسخط علي ؟ فقال : بلى ، قال : إني وكلت ربي في قضيتي من قبلك وفوضت الأمر من قبل وكفى بالله وكيلا فانصرف المحامي متعجبا من هذا الرجل ووثوقه بالله .
وقالت امرأة الظالم تعظه : يا صاح ، اتق الله وأرجع إلى أخيك ما أخذت منه فإني أخشى عليك ، فزجرها ، فألحت عليه ، فهددها بالطلاق ، فسكتت راغمة ، وكان لهذا الظالم ولدان كبيران وكان الرجل وولداه قد أنزلوا الزرع في البيدر بعد حصاده وظنوا أنهم قادرين عليه فجاءهم أمر الله بغتة وبيتهم فأصبحوا هالكين ؛ وذلك أن الرجل وأولاده كانوا في بيتهم يتذاكرون فيما صار إليهم من الغنى الوافر والأرض الواسعة ويأكلون ويضحكون إذا رسول من بيت أهل الزوجة يقول : عجلي لأمك فإنها تنفس الآن وقد طلبتك ، فشدت عليها ثيابها وخرجت إلى أمها ، وبعد قليل نام الرجل وأولاده وبعد هزيع من الليل حيث الناس نيام والرجل وأولاده غارقون في لذة الأحلام خر عليهم السقف من فوقهم وتدكدكت جدران البيت عليهم ، فجعلتهم حصيدا خامدين ، وأنجى الله الناهين عن المنكر والمؤمنين .أهـ (1)
___________
(1) مقالات الشخ عبد الظاهر أبو السمح ( ضمن مقالات كبار العلماء في الصحف السعودية القديمة 1343 هـ ـ 1383 هـ ) ج 1 ص 231 ـ 232.