الضوابط المتعلقة بالتعامل مع نصوص الفتن وأشراط الساعة،
أولاً: التثبت، والتبين، والحلم، والرفق، وعدم الطيش والإسراع؛ لأن التأني من الله، والعجلة من الشيطان.
ثانيًا: عدم استنكار توقع حصول شيء من أشراط الساعة إذا تعاقبت الإرهاصات والمقدمات التي جاءت بها الأخبار.
وقلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدثهم عن الدجال، وخفض فيه ورفع، أي: عظم من شأنه وحقره، أو خفض صوته ورفعه بالكلام، ظنوا أنه في طائفة النخل. [رواه مسلم: 2937].
أنه قريب جداً منهم، وشكوا في ابن صياد أنه الدجال، بل إن منهم من أقسم أنه هو الدجال، والنبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفًا في ابن صياد هل هو الدجال أم لا؟
حتى تبين أنه ليس هو، وأن الراجح كما ذكر بعض المحدثين أن ابن صياد هو دجال من الدجاجلة، لكن الشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ظهرت بعض العلامات على ابن صياد لم يستعجل في نفي أنه الدجال، بل توقف حتى ينظر هل تكتمل بقية العلامات أم لا؟.
وهذه قضية مهمة جداً أنه تحدث أحيانًا قضية فيقول بعض الناس: هل هذه هي المقصودة من أشراط الساعة أم لا؟ إن هناك بعض العلامات الموجودة في الواقع الحديث ينطبق عليها، أو النص ينطبق عليها.
فنقول: لا نستعجل ننتظر حتى نرى هل تكتمل بقية العلامات أم لا، فلا نثبت ولا ننفي، وننتظر ونتمهل حتى نرى هل تكتمل بقية العلامات أم لا، وأن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- قد ورد عنه أنه لم يكن يستبعد أن يلقى عيسى بن مريم عليه السلام مثلاً.
ثالثا -كذلك فإن من الضوابط في التعامل مع أشراط الساعة لا نتكلف إيجادها بأعمال من عندنا، لأنها أمور كونية وقدرية واقعة لا محالة، وأننا غير مطالبين باستخراجها من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وتحقيقها في الواقع.
فلو قال قائل: يحسر الفرات عن جبل من ذهب [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894]، هذا من أشراط الساعة الصغرى، هل نحن مطالبون بالتنقيب عن هذا الجبل واستخراجه ليتحقق هذا الشرط من الأشراط؟
الجواب: كلا، لأن أشراط الساعة هي قضايا كونية قدرية ستقع لا محالة، لسنا مطالبين نحن بتحقيقها في الواقع، ولكننا مطالبين بالشريعة، وإذا نزل عيسى ابن مريم يجب علينا أن نقاتل معه، وإذا ظهر الدجال يجب علينا أن نكذبه.
إذًا نحن مطالبون بالشريعة، ولسنا مطالبين بتحقيق أشراط الساعة في الواقع.
فلو قال قائل: من أشراط الساعة أن يكثر المال، وتفشو التجارة [رواه النسائي: 6048، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2767]، هل نحن مطالبين بتكثير المال وإفشاء التجارة؟
لا نحن نعمل ما فيه المصلحة لنا، فإن كانت المصلحة في توسيع التجارة وسعناها، وإن كانت المصلحة في تحصيل المال حصلناه.
من أشراط الساعة فشو القلم [الأدب المفرد:1049، والسلسلة الصحيحة:647] يعني: الكتابة يدخل فيها المطابع، هل نحن مطالبين بنشر المطابع في العالم، وتكثير طباعة الكتب مثلاً لمجرد تحقيق هذا الشرط؟
لا لسنا مطالبين بتحقيقها لكن نفعل ما فيه المصلحة الشرعية، فإن كان المصلحة الشرعية في طباعة ونشر الخير نشرناه بغض النظر هل هو من أشراط الساعة، أو ليس من أشراط الساعة.
رابعا - كذلك من الضوابط أيضاً أن يراعى الترتيب الزمني لتسلسل الأشراط، إذا وجد ترتيب معين دلت عليه نصوص الوحي الشريف، وعدم القطع بزمان أو ترتيب لا دليل عليه.
يعني: نجد في بعض النصوص الشرعية ذكر ترتيب معين للأشراط يحدث كذا ثم كذا ثم كذا، نحن نؤمن بهذا الترتيب ونعتمده، ولكن هناك علامات لم يرد فيها ترتيب معين فلا نستطيع أن نجزم بترتيب معين بغير دليل.
بعض الناس حاولوا الجزم، قالوا: سيحدث كذا ثم كذا ثم كذا، ما هو الدليل على الجزم بهذا الترتيب؟ لا دليل، المسألة مسألة بحث علمي، هذا ظن اجتهاد، لكن القطع بترتيب زمني معين لحدوثها وتسلسلها بدون دليل لا نفعل ذلك.
خامسًا: أنه لا يؤثر ترقب أشراط الساعة سلبًا على أداء واجب الوقت، وتكاليف الشرع. -وهذا الكلام سبق قبل قليل، إنما الآن أعدنا صياغته- يجب ألا يؤثر ترقب أشراط الساعة على أداء واجب الوقت، وتكاليف الشرع، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يترقبون الأشراط، ويؤمنون بها، لكن لم يهدروا التكاليف الشرعية استمروا في الدعوة، ونشر العلم وتحصيله والجهاد.
وما قال الصحابة لا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا بعده ننتظر نزول عيسى، ولا نجاهد ونفتح البلاد، ونحن نقعد ننتظر عيسى حتى يأتي ويفتح البلاد، نقول: هذا ضلال مبين يجب علينا القيام بواجب الوقت، سواء تحقق الشرط أو ما تحقق الشرط.
ترقبها لا يؤثر على واجب الوقت وتكاليف الشرع، فيجب أن نؤديها بل كان تصديق الصحابة بأشراط الساعة حافزًا لهم على العمل، وليس مثبطًا للعمل، ولذلك بعض الناس الآن يشيعون أجواء التشاؤم، فيأتي واحد يقول في مجموعة من الناس، والله قبل المهدي ما أظن يحصل شيء للمسلمين من التقدم والنصر، لا نظن أنه تقوم قائمة للمسلمين قبل المهدي، معنى هذا الكلام تثبيط العاملين، والمجاهدين، والعلماء، والدعاة، وتثبيط المسلمين، ويقال لهم: لا أمل لكم، وستبقون في مؤخرة الأمم مهزومين مظلومين، وانتظروا المهدي هذا كلام سلبي جداً، كلام قاتل، يحطم المعنويات، ويحل العزائم، ويثبط الهمم، هذا كلام خاطئ جداً، وإذا تلمس طالب العلم شيئًا من ذلك يكون بينه وبين نفسه.
أما يشيعه على الناس فهذا لا يجوز، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: بادروا بالأعمال [رواه مسلم: 2947]، بادروا إذًا استبقوا الأحداث الكبيرة، واعملوا قبل أن تأتي أحداث ضخمة تشغلون بها عن العمل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعمل ويترقب الساعة.
وقد خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة، الحديث في البخاري [رواه البخاري: 1059].
فزعًا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، وفي رواية: "أنه أخطأ بدرع، فأدرك بردائه" [رواه البخاري: 1063].
يعني: من هول ما استشعره لما صار كسوف الشمس خرج إلى المسجد مستعجلاً يريد رداءه، فأخذ بالخطأ درع زوجته، فأخطأ بدرع فأدرك بردائه، يعني: لحقه إنسان بردائه وأعطاه إياه.
فلو قال قائل: عرفنا الآن أن ترقب الساعة لا يمنع من العمل، بل يجب أن نعمل قبل أن يأتي ما يشغلنا، فلماذا ظن النبي عليه الصلاة والسلام أن الساعة قامت مع أنه في قبلها أمارات في هذا النص، يعني: أين الدجال، وأين عيسى، وأين يأجوج ومأجوج، والحديث يقول: لما خسفت الشمس قام فزعًا يخشى أن تكون الساعة.
بعض العلماء أجابوا عن ذلك قالوا: لعل هذه القصة وقعت قبل أن يخبر بالوحي عن أشراط الساعة، لكن هذا مستبعد، لماذا لأن كسوف الشمس حدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة في موت إبراهيم ابنه، في السنة التي توفي فيها ابنه إبراهيم، إذًا ليس هذا هو السبب.
ومختصر ما يمكن الإجابة به أنه خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، يعني: أن هذا الكسوف مقدمة لقيام الساعة، وستأتي أشياء أخرى، ومن شدة خوفه من ربه، وحياة قلبه؛ لأن صاحب القلب الحي إذا جاء شيء يفزع يخشى أن يكون من غضب الله ومن عذاب الله، مثل لو جاءت ريح أو جاء غيم أصحاب القلوب المتبلدة يقولون: عادي، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى الغيم دخل وأقبل وأدبر، وانزعج ما يستطيع أن يبقى ساكنًا، قال: ما يؤمنني أن يكون فيه عذب ، لقد رأى قوم هذا الريح فقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف: 24]" [رواه مسلم: 899].
ووقع به عذاب، فأصحاب القلوب الحية يتفاعلون مع مثل هذا، ويخشون أن يكون عذاب، فمن شدة حياة قلبه، واتصاله بربه، وخشيته من الله، وترقب اليوم الآخر ظن فأسرع مع أن قبلها أشراط.
وكذلك من الملاحظات في التعامل مع أشراط الساعة
سادسًا: الانتباه إلى النسبية الزمانية عند الكلام عن اقتراب الساعة. إنما ورد في نصوص الوحيين من قرب قيام الساعة وظهور أماراتها لا يعني أنها ستقع غدًا أو بعد غد أو الاسبوع القادم مثلاً أو الشهر القادم، ليس بالضرورة أن يكون قريبًا جداً بموازيننا نحن وأسابيعنا وشهورنا، فمن يدري لعل بيننا وبينها أمداً، ولعلها أقرب مما نتصور، فقد يتوقع الناس أشياء، يعني قرب نسبي، قال تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63]، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه وقرن بين السبابة والوسطى [رواه البخاري: 5301]، وفي رواية: بعثت أنا والساعة كهاتين [رواه البخاري: 6504]، كفضل إحداهما على الأخرى، صحيح أن الفارق يسير، لكن هذا اليسير كم هو؟ الآن مضى أكثر من 1400سنة، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47].
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن أشياء تدل على قرب قيام الساعة، ومن ذلك هذا الحديث: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه وقرن بين السبابة والوسطى.
وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أول أشراط الساعة، وهو خاتم الأنبياء ولا نبي بعده، ومعنى ذلك أن القيامة ستليه قطعًا، ما بينه وبين القيامة نبي آخر، ومعنى الحديث أن بين بعثته وبين قيام الساعة شيء يسير كما بين الأصبعين في الطول، على أحد المعانيين، وجاء في بعض الأحاديث بعثت أنا والساعة جميعًا إن كادت لتسبقني سنده حسن [رواه أحمد: 22997، وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح مجمع الزوائد: 18225]، وفي حديث بعثت في نسم الساعة [الأهوال لأبي الدنيا: 5، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 808].
والنسم أول هبوب الريح، ومعنى الحديث بعثت حين ابتدأت وأقبلت أوائلها، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن صاحب القرن إسرافيل قد التقم القرن، معناه من أول ما كان ملتقم القرن، وهو الصور الذي سينفخ فيه، وحنا جبهته، وعيناه كوكبان دريان متجهة نحو العرش، ينتظر متى يؤمر ما نفعل يا رسول الله؟ قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل [رواه الترمذي: 2431، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 3569].
هو أخبرنا أن القضية اقتربت وبعثته أول الأشراط، وصاحب القرن إسرافيل، التقم القرن يعني وضعه في فمه الذي سينفخ فيه، والآن إسرافيل عيناه على العرش، وحنا الجبهة كهيئة المستعد للنفخ، فهو ينتظر متى يؤمر بالنفخ.
إذًا المسألة قريبة لكن هذا القرب نسبي، فليس معناه أنها بعد أسبوع أو شهر من الكلام الذي قال: أنها ستقوم، وقد مضت هذه المدة ولم تقم الساعة، إذًا القرب نسبي، لكن لا شك أننا الآن بالنسبة للساعة أقرب بكثير مما كان، وقد قال تعالى في القرآن: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء: 1]، وقال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، وقال إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج: 6-7].
وقال عليه الصلاة والسلام مرة، وكان أصحابه جلوسًا معه، والشمس على قيعقعان -وهو جبل بمكة- بعد العصر، هذا الكلام قيل بعد العصر، قال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه إذًا هو أخبرنا أنه بعث في نسم الساعة، والنسم هو الريح الضعيفة مبدأ الهب العاصفة، العاصفة لما تهب تبدأ بنسم، تبدأ بريح ضعيفة ثم تشتد، فقال: بعثت في نسم الساعة إذًا بعثته افتتحت الأشراط، والذي بقي من الدنيا قليل لأنه قال لنا: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى [رواه أحمد:5966، وحسنه محققو المسند]، والكلام قيل بعد العصر، قال الحافظ: سنده حسن. [فتح الباري: 11/350].
وروى البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أجلكم في أجل من خلى من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس [رواه البخاري: 5021].
إذًا الفترة الزمنية لهذه الأمة بالنسبة للأمم السابقة كفترة ما بين العصر إلى المغرب بالنسبية لبقية النهار، قال ابن حجر: معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار" [فتح الباري: 2/39].
فإذا كان النهار مثلاً طوله 12ساعة فرضًا، ومن العصر إلى المغرب ساعتين فرضًا، فنحن اثنين إلى اثنا عشر مثلاً، والمراد بالتشبيه التقريب، يعني كما قال العلماء: أن مدة عمر هذه الأمة بالنسبة للأمم السابقة الخمس، نحن الخمس.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: "وهذا يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا الله، ولم يجيء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى الماضي". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/84].
هذه الخلاصة، ومنه تعلم أن الحديث المنتشر عند العامة حتى يروونه يعني بلهجة عامية لا تمد بالصلة إلى الفصحى، يقول: "تولفان أو لا تولفان" ما معنى "تولفان أو لا تولفان"، قال: يعني أنه ما تدركون ألفين سنة أو لا تدركون ألفين سنة، فهذا حديث بدوي لا حقيقة له، ولا صلة له بالعلم، فإذًا التحديدات التحديد يقول: 1500، ويقول،2000، وكلها رجم بالغيب، وتخرص، وليس لها سند من الشريعة.
وقد روى مسلم عن خالد بن عمير العدوي قال: "خطبنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم"، يعني: أعلمت بالانقطاع والذهاب، الصحابي يقول: الدنيا على وشك تنتهي، "آذنت بصرم، وولت حذاء" يعني مسرعة الانقطاع، "ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها". [رواه مسلم: 2967].
يقول: الذي بقي من الدنيا بالنسبة لما مضى كالبقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء، لو شرب الجماعة من الإناء بقي شيء بسيط في الأخير، هو هذا الذي بقي من الدنيا، إذًا هذا ضرب مثل للتقريب، فبناء عليه نقول: الساعة قريبة، ونحن في هذه الأمة آخر الأمم بالنسبة لما مضى عرفناه تقريبًا كم، وما بقي قليل لكن والساعة قريبة، لكن القرب نسبي، والقلة نسبية.