كم تتمنى النفس وتشتهي من المباحات وكم تشتاق وتهفو للذات!
حدثتني إحدى النساء ممن تجاوزن الستين, أنها حين ركبت السيارة وكانت في طريقها للمشفى لإجراء عملية يسيرة , كانت تنظر إلى الديار والمكان الذي عاشت فيه , كانت تجول بعينيها في المنطقة وقد تبدلت نظرتها , فلم تعد ترى بائعة الخضروات بعين الحنق ولم تعد تنظر إلى صاحب المتجر بعين الريبة , بل تشعر بالحنين والألم يعتصر قلبها , تشتهي أن تعود لتبتاع وتشتري وتحادث من حولها!
قالت: لم اكن أعلم أن في هذا متعة لي إلا حين حيل بيني وبين ذلك! أشتهي أن أنزل لأشتري أغراض البيت, أتمنى أن أرجع لبيتي وحياتي وأبنائي فلم أقدر إلا أن أبكي ثم أبكي, وأنا لا أعلم هل سأعود أم سيُحال بيني وبين أمنيتي!
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ/54]
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من الشهوات واللذات، والأولاد، والأموال، والخدم، والجنود، قد انفردوا بأعمالهم، وجاءوا فرادى، كما خلقوا، وتركوا ما خولوا، وراء ظهورهم، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ } من الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم وبين ما يشتهون، { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } أي: محدث الريبة وقلق القلب فلذلك، لم يؤمنوا، ولم يعتبوا حين استعتبوا.
تفسير السعدي.
وورد في تفسير ابن كثير:
قال الحسن البصري، والضحاك، وغيرهما: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } يعني: الإيمان.
وقال السُّدِّي: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } وهي: التوبة . وهذا اختيار ابن جرير، رحمه الله.
وقال مجاهد: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من هذه الدنيا، من مال وزهرة وأهل.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا
اللهم اقبل توبتنا واغفر زلتنا قبل أن يحال بيننا وبين ما نشتهي
اللهم اجعل خير أيامنا من الدنيا يوم لقائك , وارزقنا وأهلينا والمسلمين حُسن الخاتمة.