حتى لا نطغى.. الْوَلَايَةُ لِلَّهِ



- رجلان، أحدهما (جاحد) والآخر (مؤمن)، الجاحد قد أنعم الله عليه بنعم كثيرة، بستانين من أعناب، تحفها أشجار النخيل، وبينهما زرع، ونهر غزير، وقد بارك الله في ثمارها ضعفين، ولم تنقص من أكلها أدنى شيء.

- وفي إحدى السنوات، جنى الجاحد محصولا وفيرا، وخيرا عميما، فنسب كل هذا لنفسه وجهده وذكائه، فقال مفتخرا مغترا بما عنده لصاحبه المؤمن: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، أي عندي مال ورجال، بل زاد على ذلك و{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} أي لن تزول ولن تفنى؛ لأنه اطمأن إلى الدنيا، ورضي بها، وأنكر البعث؛ فقال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا}، قالها متهكما، وما أظن القيامة آتية بعد هذا النعيم، وإن أتت فسيعطيني الله أضعاف مما عندي!

- ولكن صاحبه المؤمن ذكَّره بخطورة تكبره، وأنه مجرد نطفة، خلقه الله منها وجعله رجلا، وأنه لم تحصل له الدنيا بحوله وقوته، بل بفضل الله -تعالى- عليه {قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}.

- واستمر المؤمن في تذكير الجاحد قائلا: كيف تجحد نعمة الله، وتزعم أنه لا يبعثك، وإن بعثك أنه يعطيك خيرا من جنتك؟! ثم قال المؤمن - معترفا بفضل ربه، متبرئا من كلام الجاحد-: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}. وقال المؤمن لصاحبه الجاحد: وكان ينبغي عليك حين دخولك بستانك أن تقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} فتنسب الفضل لله.

- واستمر المؤمن يعاتب صاحبه الجاحد بقوله: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} فإن ما عند الله، خير وأبقى. ثم توجه المؤمن إلى ربه بالدعاء فقال: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}.

- أما أنت فأسال الله أن َيُرْسِلَ على بستانك مطرا غزيرا يدمر كل ما زرعت ويغرقه {فتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} فتقتلع أشجارها، وتتلف ثمارها، ويغرق زرعها، ويزال نفعها. أو {يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} غائرا في الأرض {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} يصعب الوصول إليه.

- فاستجاب الله دعاءه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} فأصابه العذاب، فتلفت أشجاره، وثماره، وزرعه، فندم كل الندامة، واشتد لذلك أسفه، {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} وندم أيضا على شركه، وشره، ولهذا قال: {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}، {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} فلما نزل العذاب بالبستان تفرق عماله وغادروا، ولم يدفعوا عنه من العذاب شيئا.

- قال السعدي: «ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه، أن صاحب هذه الجنة، التي أحيط بها، تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، وراجع رشده، وذهب تمرده وطغيانه، بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه، وعاقبه في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا».

- بعد هذه القصة الإيمانية قال -تعالى-: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}، أي أن الحكم والملك والتصرف لله -سبحانه وتعالى- وليس لأي أحد.



سالم الناشي