زوجي لا يريد أن يعمل


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال

الملخص:
امرأة متزوجة تعمَل، لكن راتبَها لا يكفي نفقات أولادها وزوجها، وزوجُها لا يعمَل ولا يريد أن يَبحث عن عملٍ، ويعيشون في وضع مادي واجتماعي مُتدنٍّ، وتسأل عن حلٍّ؟
التفاصيل:
أنا موظفة آخُذ راتبًا غير كافٍ لإعالة أربعة أشخاص: أنا، وزوجي، وطفلين لا يتجاوز عمرهما أربع سنوات، زوجي عند زواجنا كان يعمَل، ووعدني بأن يبذل مجهودًا في تحسين وضعه، وأن هذا كله أمرٌ مؤقت، وهو عاطل عن العمل منذ ثلاث سنوات، ولا يسعى للبحث عن العمل، ويعود إليَّ في كل نفقات المنزل من مأكلٍ ومشربٍ، وإيجار وديون، ويهاجمني عندما أَحثه على البحث عن عملٍ، أو عند محاولتي إرسالَ عروض عمل للمواقع، ويتَّهمني بقلة الصبر وعدم الرضا بالقدر، ولا يقدِّر مجهودي، ويلومني عند تقصيري في المنزل ورعاية الأولاد، فبماذا تنصحونني؟ وما الرأي الشرعي في التعامل مع هذا الزوج؟ علمًا أنني أعيش معه في مستوى حياة متدنٍّ جدًّا؛ فلا أثاث منزل، ولا تغذية كما يجب، ولا حياة اجتماعية، ونعيش في شقة غير صحية.

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ ولزوجكِ الهداية والتوفيق والسداد والتيسير.
ثانيًا: يجب على الزوج النفقة على زوجته وأولاده، وهي من أهم أسباب القوامة: ﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]
وعن معاوية القشيري رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تُطعمها إذا طعِمت، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت))؛ [رواه أبو داود (2142)، وابن ماجه (1850)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ثالثًا: إذا امتنع الزوج عن النفقة على زوجته وأولاده، فالزوجة مخيرة بين الصبر عليه وبين مفارقته، وإذا صبرتِ عليه، لكِ أن تأخذي منه ما تُنفقه من مالكِ عندما يعمَل ويصبح موسرًا؛ قال ابن قدامة: "إن الرجل إذا منع امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه، فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فِراقه"؛ [المغني: (8/ 204)].
وقال الشيرازي الشافعي: "وإن اختارت المقام بعد الإعسار، لم يَلزمها التمكين من الاستمتاع، ولها أن تخرُج من منزله؛ لأن التمكين في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدمها"؛ [المهذب في فقه الإمام الشافعي (3/ 155)].
وقال البهوتي الحنبلي: "إذا اختارت المقام، فلها تَمكينه وتكون النفقة - أي: نفقة الفقير والكسوة والمسكن - دينًا في ذِمته ما لم تَمنع نفسها؛ لأن ذلك واجب على الزوج، فإذا رضِيت بتأخير حقها فهو في ذِمَّته، كما لو رضِيت بتأخير مهرها، ولها المقام على النكاح، ومنعه من نفسها، فلا يلزمها تمكينه ولا الإقامة في منزله، وعليه ألَّا يَحبسها، بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة؛ لأنه لم يُسلم إليها عوضَ الاستمتاع ..."؛ [كشاف القناع (5/ 446، 447)].
هذا كله إذا كان مؤديًّا لحق الله من صلاة وصيام، فإذا جمع بين منعه النفقة عليك عدم طاعته لله، فوجب عليكِ هجرُه؛ قال ابن تيمية: "تهجر المرأة زوجها في المضجع لحق الله؛ بدليل قصة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك، وينبغي أن تملِك النفقة في هذه الحال؛ لأن المنع منه كما لو امتنع من أداء الصداق"؛ [الفتاوى الكبرى (5/ 480)].
والنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة أن تصبري على زوجكِ من أجل أولادكِ،
وأن تسعي في إصلاحه، وسُبل إصلاح الزوج تختلف على حسب شخصيته، ومدى تقبُّله للنصيحة، فلنبدأ أولًا بالوعظ بالحسنى، ثم بالامتناع منه وعدم تمكينه منكِ، ثم بالتهديد بترك البيت، ثم بتركه إن لزم الأمر، ثم بإخبار أحد من أهل الإصلاح من أهله، وغير ذلك من سبل الإصلاح، ولا تغفلي إصلاح ما بينكِ وبين الله وكثرة الدعاء والأعمال الصالحة، فالله قادرٌ على أن يصلح لكِ زوجكِ.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.