البار بوالديه مهما فعل من ابواب الشر لا يدخل النار... والعاق بوالديه مهما فعل من أبواب الخير لا يدخل الجنة.
هل لهذه العبارة دليل ؟
البار بوالديه مهما فعل من ابواب الشر لا يدخل النار... والعاق بوالديه مهما فعل من أبواب الخير لا يدخل الجنة.
هل لهذه العبارة دليل ؟
لا شك في خطئها، فهل لو البار أتى بناقض من نواقض الإسلام يدخل الجنة؛ لبره، وهل لو أتى بكل أبواب الطاعات وأبتعد عن الموبيقات إلا العقوق يخلد في النار.
وإنما العقوق كبيرة من الكبائر وعقيدتنا في مرتكب الكبير أنه تحت المشيئة.
نعم العبارة هكذا خطأ.
وربما أخذ شيء من هذا المعني - والعاق بوالديه مهما فعل من أبواب الخير لا يدخل الجنة - من الحديث المروي:" لا يدخل الجنة عاق ..".
وقد قال النووي في مثل هذا :
وفى معنى" لا يدخل الجنة" جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا احدهما أنه محمول على من يستحل الايذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخلها أصلا والثانى معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين اذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر ثم قد يجازى وقد يعفى عنه فيدخلها أولا وانما تأولنا هذين التأويلين لأنا قدمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولا وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة والله أعلم ).
لابد قبل الإجابة أن يشار إلى أمور:
أولاً: وهو أن المدخل للإسلام واحد والمخارج منه عدة، ولذلك قال تعالى(يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقال عن أهل الزيغ والضلال (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ، فأفرد النور ، اشارة إلى أنه واحد لا يتعدد، وجمع الظلمات اشارة إلى عدم حصرها، والأدلة على الأعمال والاعتقادات والأقوال الناقضة لأصل الدين كثيرة وليس هذا محل ذكرها.
ثانياً: الإيمان شعب، منها ماهو من شعب الإجزاء، ومنها ماهو من شعب الكمال والتمام، وجِماع الإجزاء: القول والاعتقاد والعمل.
وهذه المقدمتين تبين أن فعل شيء من شعب الإيمان، أو من أعمال الطاعات والبر لا يجعل المرء مسلماً مالم يحقق درجة الإجزاء وجِماعها كما تقدم الإعتقاد والقول والعمل.
وكذلك فإن المرء حين يحقق شروط الإسلام، ودرجات إجزاءه أو كماله، فإن هناك من الأعمال أو الأقوال أو الإعتقادات ماينقض إما كمال الإيمان كالذنوب من الصغائر أو الكبائر مادون الكفر، أو ماينقض أصل الإيمان كذلك من الإعتقادات كمن يعتقد أن الشيخ الفلاني يتصرف بالكون من دون الله، أو أنه يعلم الغيب... أو من الأقوال: كالاستهزاء بالدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم... أو الأعمال: كالشرك بالله، أو تحكيم غير شرع الله أو إعانة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين...
ولذا فإن هذه العبارة مطلقةً هكذا، لا تصح إلا بذكر قيود وشروط متكلفة.
ولاشك أن البار بوالديه مع تححق أصل الإيمان أقرب مايكون من الجنة، والعكس فإن العاق بهما مع تحقق أصل الإيمان أبعد مايكون، والمقصود بالبعد أمران: إما أنه لا يوفق للثبات على الدين فيموت على كفر -عياذا بالله- ، أو أنه مع العصاة الذين يدخلون النار لكبائرهم.
وقد جاء في مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف) قيل: من يارسول الله؟ قال: (من أدرك أبويه عند الكبر أو كليهما ولم يدخل الجنة) إشارة إلى قوة قربه من الجنة بفعله، وأنه باب من أبواب الجنة قريب منه المرء.
فالخلاصة: أن بر الوالدين لاشك أنه عمل جليل قرنه الله بتوحيده، ولكن العبارة هكذا مطلقة ليست صحيحة. والله أعلم
ردود قيمة نافعة بارك الله في علمكم جميعاً.