تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 27 من 27

الموضوع: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

  1. #21

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    بارك الله فيكم على التفاعل،وأنا الآن أطرح ببن أيديكم كل ما جمعت وحررت في المسألة،وأنا بانتظار تعقيباتكم وملاحظاتكم،سددك م الله ووفقكم:
    من يقتل ومن لا يقتل في الحرب
    الحرب في الإسلام ليست حربا همجية ،ولا عدوانا سافرا،ولا قتالا مجردا من كل خلق وفضيلة،فالإسلام كما بينا وأوضحنا لا يحب سفك الدماء،ولا يدعو للحرب من أجل الحرب،ولا يهدف إلى إهلاك الخلق،ولا إلى إبادة البشرية،بل هو رسالة الرحمة والرأفة،ورسالة إنقاذ البشرية وتخليصها من الظلم والبغي والعدوان،ورسالة نشر السلم والأمن والأمان،والحرب ضرورة واستثناء،ولا أقول هذا تأثرا ببني علمان،ولا تطلعا لوصم بالاعتدال والوسطية،ولا رغبة في تزكية من أحد ،ولا محاولة للتوفيق بين الواقع الدولي والتأصيل الشرعي،لكن لأنه الحق الصراح البواح،فهو صريح النصوص الداعية إلى صيانة النفوس وتعظيمها،وتخليق الحياة وتفعيلها،واستخل اف الأرض وعمارتها،وهو عين ما أكدته النصوص الداعية إلى الدخول في السلم كافة،وإلى طلب الأمن والأمان،واعتبار ذلك نعمة مسبغة،ومنة مهداة.
    لكن الإسلام بطبيعة رسالته العالمية،ومهمته السامية،وغرضه بأن تكون كلمة الله هي العليا،وأن لا يعبد إلا الله وحده في سائر بقاع الأرض،وأن يعم الأمن والأمان والعدل والرخاء في كل بقاع الأرض،قد تقف في طريق رسالته بعض الأنظمة النفعية المستكبرة،التي ترى ضياع مصالحها وذهاب ريعها،فلا طريق لإزاحتها حتى تفسح الطريق لنشر نور الرسالة المحمدية إلا عن طريق الحرب،بعد استنفاد كل وسائل الإنذار والبلاغ والدعوة،وبعد عرض مغر بالدخول تحت حكم الإسلام على ماهم عليه من دين،فبعد ذلك لم يبق إلا نشر السيوف،وإعلاء الرماح،لا اختيارا،ولكن مكره أخاك لا بطل.
    ودخولها ضرورة جعل الشارع يضع لها من القيود والضوابط والآداب ما لم تعرفه حرب في التاريخ،إذ ليس من غرض له في القتال إلا على قدر ما يحقق الهدف،والغرض إزاحة العدو،فلا يقتل إلا من انتصب لذلك وقام له،أما من لم ينتصب لقتال المسلمين ولم يتصور منه المحاربة فلا يتعرض له بسوء،ولا يقتل إلا أن تكون له مشاركة في القتال،بشكل من الأشكال.
    وهكذا لا يجوز أثناء القتال التعرض للأصناف الآتية ما لم يباشروا القتال أو يشاركوا بتحريض أو رأي أومشورة:
    1- النساء والصبيان:
    - للحديث المتفق عليه عن نافع عن عبد الله بن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
    - ما رواه أبو داود وابن ماجه عن رياح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا: "انظر علام اجتمع هؤلاء"؟ فقال: على امرأة قتيل، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل" قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا، فقال: "قل لخالد: لا تقتل امرأة ولا عسيفا".
    - ما أخرجه النسائي وأحمد وغيرهما عن الأسود بن سريع قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه ، فأصبت ظهر أفضل الناس يومئذ ، حتىقتلوا الولدان _ وقال مرة : الذرية _ ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :( ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟!)، فقال رجل : يا رسول الله ! إنما هم أولاد المشركين ! فقال : ألا إن خياركم ابناء المشركين . ثم قال : ألا لا تقتلوا ذرية . قال : كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يهب عنها لسانها ؛ فأبواها يهودانها وينصرانها)
    وهناك أحاديث أخرى في الباب أعرضنا عنها لعدم صحتها،واغتنائنا بالحديثين السابقين،وإجماع العلماء على العمل بهما،قال النووي –رحمه الله- معلقا على حديث ابن عمر السابق:(أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا).
    2- العسفاء :
    والعسيف هو الأجير،وإنما اخترت لفظ (العسيف) موافقة للفظ النبوي الشريف،فلا يحل التعرض للأجراء المنهمكون في أعمالهم ،ما لم تكن الإجارة على غرض من أغراض الحرب.
    ودليل ذلك حديث رباح بن الربيع السابق،وفيه: "قل لخالد: لا تقتل امرأة ولا عسيفا".
    فيدخل في هذا الصنع الفلاحون،وقد قال عمر –رضى الله عنه-:اتقوا الله في الفلاحين،فلا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب).
    ويدخل فيه الأطباء،والمهند سون والمستخدمون بالمعامل والمصانع،وعمال النظافة بالشوارع والأزقة.
    فكل هؤلاء لا يتعرض لهم بالقتل ما لم يشاركوا في القتال بأي نوع من أنواع المشاركة.
    3- الشيوخ والمرضى:
    لحديث أبي داود عن وعن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا باسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } .
    وقياسا على المرأة، فما كان للشيخ والمريض أن يقاتل كما لم يكن ذلك للمرأة.
    ويندرج تحت هذا الصنف ذوو العاهات كالعميان ومقطوعي الأطراف والمعتوهين والزمنى والمقعدين،فلا يحل قتلهم إلا إن شاركوا في القتال برأي أو مشورة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة ، وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب ، فقتله أبو عامر، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ).
    وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:( اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم )،ولا حجة فيه للشافعية في ما ذهبوا إليه من جواز قتل الشيوخ مطلقا.
    4- الرهبان المنقطعون للعبادة وأصحاب الصوامع:
    فمن حبس نفسه للتنسك،وانقطع عن الدنيا،وتخلى للعبادة ،فلا يجوز التعرض له بالقتل،إلا أن يشارك بالرأي،والدليل على ذلك:
    حديث ابن عباس وفيه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال:(اخرجوا باسم الله،تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله،لا تغدروا ،ولا تغلوا،ولا تمثلوا،ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع).
    يؤيده ما رواه مالك في الموطأ أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام،فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان،فقال له:(إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله،فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له).
    وقياسا على المرأة والشيخ،فما كان للراهب أن يقاتل.
    فمذهب جمهور أهل العلم تحريم التعرض لهؤلاء،وتجنب قتلهم قدر الإمكان،وخالف في ذلك الشافعية والظاهرية،فرأوا أن القتال واجب في حق
    كل مشرك إلا ما استثناه النص،فلم يستثنوا إلا النساء والصبيان،وزاد الشافعي الرهبان للآثار الواردة في ذلك.
    وسبب الخلاف في المسألة،الاختلا ف في الباعث على القتل،هل هو الكفر أم هو القتال والمحاربة،فمذهب الظاهرية والشافعية الكفر،والجمهور على أن الباعث هو المحاربة،ودليل الجمهور:
    - قوله تعالى:( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا).
    وجه الدلالة أن الآية لم تجز قتال إلا من قاتل واعتدى،فلا يتعرض لغيرهم.
    - كل الأحاديث والآثار السابقة،فالنهي عن قتل النساء والصبيان والشيوخ والرهبان لا بد له من علة جامعة،والعلة أن هؤلاء جميعا ليسوا من أهل المقاتلة والممانعة،يبينه قوله عليه الصلاة والسلام في المرأة:(ماكانت هذه لتقاتل)،فبين أن السبب الموجب لقتلها هي القتال،فكل من لم يقاتل لم يكن مستحقا للقتل.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:( وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى:" وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" انتهى مختصراً من مجموع الفتاوى (28/354).
    أما الظاهرية والشافعية فدليلهم:
    - عموم النصوص الداعية إلى قتال المشركين،كقوله تعالى:(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد).
    - حديث:( اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم).
    وكلا الدليلين لا حجة فيه،فالأول عام في المشركين خص بمن لم ينتصب للقتال،بل حتى هم لا يأخذون بعمومه ،بدليل تخصيصه بالجزية.
    والحديث على التسليم بصحته هو فيمن شارك برأيه كدريد بن الصمة،وهذا مقاتل لا خلاف فيه.
    فالراجح مذهب الجمهور في أن الباعث على القتال هو المحاربة والقتال،وليس الكفر،وهو المتفق مع مقاصد الشريعة في القتال والجهاد.
    وإذا ثبتت هذه العلة،فيمكننا بناء على تطور الحروب وتطور وسائلها وأساليبها ،أن نلحق بما سبق ذكره بعض الأصناف التي لم تتحقق فيها علة المقاتلة،فلم يحل قتالها،وهم كالآتي:
    1- المشتغلون بالخدمات الإنسانية:
    مثل موظفي الجمعيات والوفود الطبية التي تشتغل بإسعاف الجرحى ونقلهم وعلاجهم كالهلال والصليب الأحمرين ،وأطباء بلا حدود،ومنظمات الدفاع المدني وغيرهم.
    وكذا موظفي المنظمات الإغاثية التي تعنى بإغاثة المناطق المنكوبة ومناطق الحرب مثل الأونروا وهيئى الإغاثة العالمية وغيرهما.
    فكل هؤلاء لا يجوز التعرض لهم بالقتل ما لم يشاركوا العدو أو يقدموا له أي وسيلة من وسائل الدعم،فحينذاك انتفت العلة المانعة.
    2- رجال الصحافة والإعلام:
    فكل الصحفيين على اختلاف مهامهم،مراسلين أو مصورين أو تقنيين،كانوا أفرادا أو مؤسسات،لا يحل التعرض لهم بالقتل،لأنهم لا غرض لهم بمقاتلة المسلمين،ولا بمحاربتهم،ووجود هم ليس له من هدف إلا نقل الأحداث بحيادية وصدق،فأشبهوا العسفاء والأجراء لاشتغالهم بصنعتهم وعدم مشاركتهم في الحرب.
    ولهذا كم كنت آسف حين كانت تصلني أخبار اختطاف بعض التيارات المقاومة في العراق لبعض الصحفيين الأجانب،خاصة من علم عنهم الدفاع عن القضية ونصرتها،مثل تلك الصحفية الإيطالية،وما يسببه هذا العمل من تشويه لصورة الجهاد الذي أجمعت كل الأديان والقوانين الوضعية علة مشروعيته،وما يسببه ذلك من حرج للمتبنين للقضية والمسوقين لها في المحافل الدولية.
    ومع عدم جواز التعرض لهؤلاء لكونهم ليسوا من المحاربين،فلا يجوز أيضا لأن العرف الدولي ملزم لكل الطوائف المجاهدة،كيف وقد التزم به قائد المجاهدين وإمامهم،رسول الأمة صلى الله عليه وسلم حين بعث إليه مسيلمة مع رجلين من أصحابه ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهدان أن مسيلمة رسول الله؟ قالا : نعم .فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما )،أي لولا جريان عرف الدول بعدم قتل الرسل لفعلت، وقد جرى العرف بعدم التعرض لصحفيين فلم يجز قتلهم.
    وما زاد من ألمي هو نداء علماء المسلمين سواء من أهل البلد أو من غيرهم بضرورة الإفراج عنهم،ولم يرفعوا بذلك رأسا،ولا جعلوا له موضعا.
    دع عنك ما يجلبه هذا الفعل للقضية من مفاسد وسلبيات، فلو لم يكن عدم التعرض لهم إلا من باب السياسة الشرعية لكفى وشفى،فالله المستعان.
    فلا يجوز التعرض إذن لرجال الإعلام والصحافة،وتركهم لأداء دورهم الريادي والحساس في نقل الحقائق واستقطاب تعاطف الرأي العام،علما أن التعرض لهم قد يسلبهم حياديتهم ،مما يؤثر سلبا على سمعة القضية .
    بقيت الإشارة إلى أن كل من ثبت تعاونه مع العدو،بالتجسس أو بث الإشاعات المخذلة،أو الدلالة على مواقع المجاهدين،أو اتباع أساليب الحرب النفسية،فهؤلاء يستهدفون ولا كرامة،لخطر دورهم،وشناعة جرمهم.






    هل يقتل الرجل المطيق للقتال لكنه لا يشارك فيه؟

    بعد أن رجحنا مذهب الجمهور في اعتبار العلة الموجبة للقتل هي المحاربة والممانعة،فخرج بذلك النساء والصبيان والشيوخ والعسفاء والرهبان والزمنى ومن كان على شاكلتهم،إلا أن هؤلاء جميعا ليسوا بمطيقين للقتال ولا يتصور منهم إلا نادرا،فالمرأة شأنها الاشتغال ببيتها وأبنائها،والصبي لاقوة له وقد اشتغل بلهوه ولعبه،والراهب انقطع لعبادته،والشيخ والزمن والمريض قد حبسه عذره،والعسيف قد انغمس في عمله،فما حكم الرجل البالغ الصحيح غير العسيف والراهب؟،أي من كان قادرا على القتال أو يتصور منه القتال ولو لم يقاتل؟.
    وصراحة لم أجد من حرر هذه المسألة تحريرا دقيقا، وغالبهم لا يتعرض إلا للمستثنيات الواردة في الآثار،والذي وقفت عليه من كلام كثير من أهل العلم في الباب،تجويزهم مقاتلة كل مطيق للقتال،قاتل أو لم يقاتل ،وحصرهم الاستثناء فيمن وردت بهم الآثار ،المرفوعة منها والموقوفة،ومن كان في حكمهم:
    يقول الكاساني –رحمه الله-:( والأصل أن كل من كان من أهل القتال يحل قتله،سواء قاتل أو لم يقاتل،وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة) إلى أن قال:( فيقتل القسيس، والسياح الذي يخالط الناس،والذي يجن ويفيق،والأصم ،والأخرس،وأقطع اليد اليسرى،وأقطع إحدى الرجلين،وإن لم يقاتلوا لأنهم من أهل القتال).
    وفي السير الكبير :(المقاتلة كل من بلغ مبلغ الرجال،لأن المقاتل من له بنية صالحة للقتال،إذا أراد القتال،وليس للنساء والصغار بنية صالحة للقتال،فلا يكونون من المقاتلة وإن باشروا قتالا بخلاف العادة،ألا ترى أن من لا يقاتل من الرجال البالغين فهو من جملة المقاتلة،باعتبا ر أن له بنية صالحة للقتال،وإن كان لا يباشر القتال لمعنى،وذوو الأعذار من العميان والزمنى،إن كانوا يباشرون القتال فهم من جملة المقاتلة،وإن كانوا لا يباشرون ذلك فهم من المقاتلة).
    وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل في فقه المالكية:(ودعوا (أي الكفار) للإسلام،ثم إن امتنعوا من الإسلام دعوا إلى أداء جزية...وإن لم يجيبوا إلى للجزية... قوتلوا...وإذا قدر عليهم قتلوا،أي جاز قتلهم إلا سبعة،فلا يجوز قتلهم:المرأة والصبي والمعتوه كشيخ فان وزمن وأعمى وراهب منعزل بديرأو صومعة ،بلا رأي).
    قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير:(إن اقتصار المصنف على السبعة يفيد قتل الأجراء والحراثين وأرباب الصنائع منهم).
    وقال ابن العربي المالكي :(والعسفاء هم الأجراء والفلاحون...وقد اختلف فيهم،فقال مالك في كتاب محمد : لايقتلون....والصح يح عندي قتلهم،لأنهم إن لم يقاتلوا فهم ردء للمقاتلين).
    وقال القرطبي:( أي قاتلوا الذين هم في حالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم ).
    ويقول ابن قدامة –رحمه الله-:( فأما المريض فيقتل إذ ا كان ممن لو كان صحيحا قاتل).
    ولا حاجة لنقل أقوال الشافعية ، فهم أصلا قد جعلوا العلة هي الكفر وليس القتال أو إطاقته،فكانوا مع الظاهرية أوسع الناس في هذا الباب.
    فظاهر من كلام الفقهاء أنهم يرون قتال كل من يتصور منه القتال،أو كل من يطيقه ويقدر عليه،حتى ولو لم يشارك في القتال مشاركة فعلية ،فمجرد احتمال خروجه يوما لمقاتلة المسلمين مادام مطيقا لذلك يحل دمه ، ويجيز استهدافه،نكاية بالعدو وإثخانا فيه.
    وهذا ما رجحه بعض الباحثين المعاصرين، كالدكتور محمد خير هيكل ،والدكتور عبد الله العلي،بل نقل هذا الأخير الإجماع على ذلك،قال –وفقه الله-:
    (فلا خلاف أعلمه بين أهل العلم في قتال وقتل كل من كان من أهل الممانعة والمقاتلة من الكفار أثناء الحرب سواء باشر القتال بالفعل أو لم يباشره،وأهل الممانعة والمقاتلة هم كل من يقاتل عادة من الرجال القادرين على تحمل أعباء القتال،وقد نقل الإجماع على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رشد رحمهما الله تعالى).
    و ذهب بعض العلماء المعاصرين إلا أنه لا يقتل إلا المنتصب للقتال،أي المشارك فيه مشاركة مباشرة أو غير مباشرة،فمن كف يده وألقى السلام،ولم يعتد ولم يعن على العدوان،فلا يتعرض له،قياسا على الأصناف السابقة،فإن العلة الجامعة لها هي القتال والانتصاب له،والحكم يدور مع علته وجودا وعدما،فأي صنف تحققت فيه العلة لم يجز قتله.
    الراجح عندي في المسألة:
    لقد تحيرت صراحة في ترجيح أحد القولين،وذلك لأن القول الأول هو مذهب جماهير العلم،مما أعطاه هيبة، ورزقه جلالة،فكيف لمثلي على قلة بضاعتي،وضحالة ما في جعبتي،أن يخالف كل تلك الفهوم الثاقبة،والقرائ ح النيرة؟،فكم أحتاج إلى دفعات من الجرأة،وشحنات من الإقدام،ليقرر القزم مخالفة العمالقة،والصغي ر مدافعة الأكابر؟.
    ومن جهة أخرى فإن القول الثاني يتفق مع ما أستحضره دوما في هذا الباب من تغليب المقاصد الشرعية على التناول الحرفي للنص،ومن تغليب جانب التعليل والحكمة والمقصد على التعبد المحض،بل يتفق مع ظاهر فهم السلف لهذه النصوص،فاجتمع فيه النقل الأثري،مع النفس المقاصدي،وذلك أقصى مناي في كل اختياراتي وترجيحاتي.
    إلا أنني قبل الترجيح أود التنبيه لنقطتين هامتين:
    الأولى: لا بد لأي باحث في الباب مراعاة التغيرات التاريخية والهيكيلية التي عرفتها أشكال الأنظمة السياسية لدول الغرب،فلسنا في عهد القيصريات ولا الدكتاتوريات،ول ا عهد مذابح ومحاكم التفتيش،ولكن في عصر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان،ومهما كانت هذه الدول غير وفية لعموم هذه المبادئ،فإننا في عصر يعلن فيه زعيم البيت الأبيض من مكتبه قيام الحرب،ثم يطل من نافذة مكتبه ليجد أقواما من رعيته على باب قصره ،ينددون بقراره،ويستهترو ن بمذهبه،بل صنعوا دمية لها وجه مشوه من وجهه،يرمونها بالحجارة والأحذية،وهو مع كل هذا لا يحرك ساكنا،بل يضمن بحمايته وجنوده حرية هؤلاء في صنيعهم به.
    نحن في عصر يعلن فيه امبراطور انجلترة الحرب على المسلمين من مكتبه بداوننج ستريت،فيلقي نظرة على الشارع الخلفي ،فيجد أكثر من مليونين من رعيته،يجوبون الشارع منددين بقراره، متهكمين بقريحته ،داعين إلى عزله،وليس له إلا أن يأمر جنده بتسهيل مسيرهم،بل والمشاركة في التنظيم والتسيير.
    فترجيح الأقوال واختيار المذاهب في هذا الباب لا بد فيه من مراعاة هذه التغيرات،فلقد مضى ذلك العصر الذي تقرع فيه الطبول ،وتنفخ فيه الأبواق،وتدق أجراس الكنائس،ويخرج الشعب عن بكرة أبيه لتشييع الجيش وتشجيعه وتوديعه،ثم إذا ولى منتصرا استقبلته الحشود،ورمي بالورود والرياحين،ورفع أبطاله على الرقاب والأكتاف،وصرنا إلى العصر الذي لا تهتم فيه الشعوب إلا بقوت يومها،وأثاث بيوتها،ونوع مركبها،لا يعنيها خرج الجيش أو دخل،انتصر أو انهزم،إلا إذا كان بين الجيش بعض أقاربه وأحبابه،فتراه خرج معارضا منددا ،مطالبا برجوع الجيش وأوبته إلى دياره،ولو جر أذيال الخيبة والهزيمة.
    فلا بد للترجيح أن يتناسق مع هذه التغييرات،لا أقصد بذلك ما وقع فيه البعض من محاولة إخضاع النص للواقع ،ولو بالتكلف والتعسف،ولكن مع حفظ هيبة النصوص،وعدم تحميلها ما لا يمكنها تحمله،وعدم التحرر من سلطانها وجبروتها.
    الثانية: لا بد أيضا من مراعاة تغيرأشكال الحروب،وتغير طرقها وأساليبها،فلم تعد مواجهة واشتباكا بين جيشين نظاميين،ثم ينجلي الغبار،ويدفن القتلى،وينصرف كل جيش إلى مأواه،حرب اليوم تستعمل فيه البوارج والمنصات والقواعد،وترسل فيها الطائرات الجوية والغواصات البحرية فتدك ما تشاء كيف تشاء،ويقذف فيها بالقنابل الصواريخ والأسلحة الكيماوية وسائر أسلحة الدمار الشامل،ويبعث فيها رجال الكوماندو والقوات الخاصة لينفذوا المهمات القذرة،وقد تتخذ الحرب أشكالا أخرى من الحصار السياسي والإقتصادي،وأشك الا من الأحلاف و التوافقات والعمليات،فلا بد أيضا حين تقرير الحكم الشرعي من مراعاة كل هذه الأحوال والتغيرات.
    والذي يظهر لي رجحانه –والله أعلم- قول من قال أن العلة هي الانتصاب للقتال والمشاركة فيه،بأي نوع من أنواع المشاركة،وذلك لما يلي:
    1- صحة ما استدلوا به من نصوص محكمة غير منسوخة،ومن أقواها قول المولى تبارك وتعالى:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)،وهي فيما أرى نص صريح في الموضوع،ولا أفهم من اسم الموصول وموصوله إلا القتال حقيقة وليس إطاقته أو التهيؤ له ،يؤكده قوله تعالى:(ولا تعتدوا)،أي لا تعتدوا في قتال من لم يقاتل,وليس من لا يتصور منه القتال.
    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة:(ما كانت هذه لتقاتل)،وأمره صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي شاركت قومها في القتال،فبانت علة التفريق بينهما،وهي المشاركة.
    2- أن هذا القول هو الموافق لروح الإسلام ،والمتفق مع مقاصد الشريعة،وهو المنسجم مع فضيلة العدل،العدل الذي نزل به ميزان السماء،وقامت عليه السماوات والأرض،فلا يستوي عند الله من أعلن الحرب على حزبه وجنده،ونابذه بالعداء،وجاهره بالمحاربة،ومن كف يده وألقى السلام وجاهر بالمودة،ألا ترى إلى ما يقوله المولى جل وعلا:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)،وصدق الله ،ومن أصدق منه قيلا وأحسن حديثا،(إن الله يحب المقسطين).
    هل من العدل الذي سنقنع الأمم بأننا حملة لوائه،أن نقتل كل مطيق للقتال ،حتى لو كان هذا المطيق ممن كره قتالنا،وأعلن ذلك وجاهر وبحت حنجرته به،وتظاهر واعتصم وأضرب من أجل ذلك،وتحمل في سبيل ذلك المشاق،ونالته المتاعب،بل أحيانا قد يعرض حياته للخطر في سبيل ذلك،فما أشبهه بمن قال الله تعالى في حقه:( حصرت صدورهم أن يقاتلوكم ) إلى أن قال المولى عز وجل:(فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله عليكم سبيلا).
    أترى لو أن مثل هذا الرجل قيل له بأن الإسلام يبيح قتلك واستهدافك،لأنك حربي حلال الدم،أتراه ينبسط صدره وينفتح قلبه ويهش ويبش لهذا الدين؟
    ولا يقال أنى له أن يعرف،فسوق الترجمة نافقة،ومواقع الأنترنت حافلة،والمستشرق ون يتلقفون كل ما يرونه مدخلا لنفث سمومهم وبث شرورهم،فلا يمكن إقناع غيرنا برسالة ديننا،وعدالة قضيتنا،بهذا الفقه الذي يظهر أنه كان متأثرا بواقع يخرج فيه خليفة المسلمين فيرى السحابة فوقه،فيخاطبها:(أ مطري حيث شئت ،فإن خراجك سوف يصلني)،أكثر من تأثره بالنص المجرد،ونحن لا نريدا فقها انهزاميا متأثرا بحال الاستضعاف والخوار،لكن نريد مزاوجة بين فهم شرعي صحيح للنصوص،واستقراء دقيق لها،وقوة في طرحها،وبين واقع بئيس نتجرع فيه غصة الذل والهوان.
    3- إن أصل النزاع في المسألة ،هو تحديد علة القتل،فعند الشافعية والظاهرية الكفر،وعند الجمهور المقاتلة،لكن اختلف في المقصود بالمقاتلة،فمذهب الجمهور إطاقة القتال،ومذهب البعض الانتصاب للقتال.
    ولنتأمل في كل هذه العلل سبرا وتقسيما،وتنقيحا للمناط،لنصل إلى أدقها وأكثرها اطرادا و انضباطا،بالمواز ين العلمية الصحيحة،والمقاي يس الأصولية الصرفة:
    أما التعليل بالكفر فقد سبق الرد عليه،وهي منتقضة بثبوتها في المرأة والصبي مع تخلف الحكم بالإجماع،فالتعل يل بالكفر عليل.
    أما التعليل بإطاقة القتال و التهييء له كما هو مذهب الجمهور فلا يظهر لي صلاحيته للتعليل لسببين:
    الأول: أن أصحاب هذا القول اضطربوا اضطرابا كبيرا في تحقيق مناط علتهم،فمنهم من أجاز قتل الرهبان ومنهم من منع،ومنهم من رأى استهداف العسيف ومنهم من لم ير،ومنهم من أجاز قتل الفلاحين ومنهم من حرم،وهذا الاضطراب وعدم الانضباط دليل على ضعف القول وعدم متانته،وهذا منهج لي في كثير من مسائل الفقه والأصول،فمتى رأيت الاضطراب وعدم الانضباط دل ذلك عندي على الضعف والمرجوحية.
    الثاني: أن هذه العلة المدعاة منتقضة،ومعنى النقض عند الأصوليين وجود الوصف المعلل به مع تخلف الحكم عنه،فالعلة لا بد أن تكون مطردة في كل معلولاتها،وقد تحقق وصف إطاقة القتال في العسيف ،بل وفي المرأة والراهب عند البعض ،ونحن نرى اليوم تتقلد المرأة أرقى المناصب العسكرية،و الراهب يرافق الجيش واعظا ومحرضا،ومع تحقق الوصف في العسيف خاصة تخلف الحكم بجواز القتل،فدل ذلك على أن هذا الوصف لا يصلح لتعليل هذا الحكم.
    فلم يبق لنا إلا القول بأن العلة هي الانتصاب للقتال والمشاركة فيه،فهي العلة المنضبطة مع كل جزئياتها،الجامع ة لكل فروعها،يندرج تحتها المرأة والصبي والشيخ والراهب والعسيف والفلاح والتاجر،وكل من كف يده ،ولم يبادر باعتداء أو عدوان.
    4- الظاهر أن هذه العلة هي التي فهمها الصحابة من نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان،فلم يفهموا من ذلك قصر النهي على النساء والصبيان،ولا على من لا يطيق القتال،بل وعوا أن العلة متعدية لكل من لم يشارك في القتال،وهكذا منع أبو بكر التعرض للرهبان،وحذر عمر من استهداف الفلاحين،وتجنب الصحابة تجار المشركين،فدل ذلك على مرونة في فهم ذلك النهي عند الصحابة ،بل والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم،والاهتداء بهديهم.
    فيتبين مما سبق أن علة قتل الكافر هي قتاله وممانعته،وليس مجرد كفره،أو مجرد إطاقته للقتال.
    كلمة جامعة في الموضوع:
    بغض النظر عن الخلاف السابق في تحديد علة القتل،فإنه لا بد من استحضار كون المسألة التي نحن بصددها،من أحكام السياسة الشرعية،وهي أحكام ليست مطلقة،بل لا بد فيها من مراعاة المقاصد العامة،واعتبار الظروف والأحوال والملابسات،فالج هاد في سبيل الله ،وإن كان عبادة وقربة،بل من أشرف العبادات ، وأجل القربات،فالنصوص في تفاصيل فروعه وأحكامه قليلة،إذا ما قورنت بغيره من أبواب العبادات،وذلك أمر مقصود من الشارع، ليفتح الباب لأئمة الأمة ومجتهديها،ليقرر وا حسب الواقع والظروف والملابسات ما هو أصلح للمسلمين وأنفع لهم،مع التقيد بالتوجيهات الشرعية العامة،والمعالم الكبرى،وبعض الأحكام التفصيلية التي حكم فيها الشرع بنفسه،وما عدا ذلك فالأمر راجع إلى نظر الإمام ورؤيته،ألا تلحظ معي أن كثيرا من مسائل الباب التي اختلف فيها الفقهاء،الراجح فيها أن الأمر راجع للإمام،على حسب مايراه من نفع ومصلحة،مما يدل على مرونة وجب التحلي بها، وسعة فكر لزم فتح الصدور لها،بل هذا ديدن كل أبواب السياسة الشرعية،والأحكا م السلطانية،سواء فيما يتعلق بالحكم وأشكاله وأنماطه،أو المحكومين وحقوقهم والتزاماتهم،أو العلاقة بين الحاكم والمحكوم،أو تدبير النظام الاقتصادي والعلاقات الخارجية،أو التعامل مع المخالفين والأعداء،فكل هذه الأبواب مع اتساعها وشمولها وتناولها لكل جوانب الحياة،لم تتناولها إلا نصوص محدودة،لتفسح المجال لأهل الحل والعقد ،ليقرروا ما يرونه صالحا للأمة، وليختاروا لها من الأنماط والأشكال ما يقدرونه نافعا لها،مستحضرين المقاصد الشرعية،والسنن الكونية،مستفيدي ن من كل التجارب البشرية،والحضار ات الإنسانية،مع حفظ مكانة النصوص ،والعناية بما ورد من بعض الأحكام التفصيلية.
    وهكذا الشأن في أحكام الجهاد،وإن كانت النصوص فيه أكثر من غيره من أبواب السياسة الشرعية،إلا أن كثيرا منها خاصة أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، لم تكن أحكاما شرعية لعموم الأمة،ولم تصدر منه صلوات ربي وسلامه عليه بصفته نبيا ورسولا،ولكن بصفته قائدا حربيا،يسوس جيشه،ويقود جنده،ويضع الخطط،ويرتب المواقع،ويصف الصفوف،ويعلن الجوائز،ويحرض المقاتلة،ويتقدم ويتأخر،و يقسم الغنائم ،ويفيء الفيء،ويعطي العطايا،ويدفن الشهداء،ويواري التراب على قتلى العدو،ثم يقتل من الأسرى من شاء،ويفادي من شاء،ويسترق من شاء،ويمن على من شاء،ثم هو قد يقاتل قوما ويوادع آخرين،ويغزو قوما ويهادن قوما،ويعاهد هؤلاء ويصالح أولائك،وهو في كل ذلك يبين لأمته مدى مرونة الشريعة في هذا الباب،ومدى ما فتحت من مجال لولاة أمور الأمة ،ليقرروا ما هو أصلح شأنا وأقوم سبيلا لأمتهم وشعوبهم.
    ولهذا جماع هذا الباب،أن السياسة الشرعية لها الكلمة الفصل فيمن يقتل ومن لا يقتل،مع ضرورة استحضار رسالة الإسلام وعالميته،ومهمته المنوطة به ،وهي السعي لهداية الخلق،وإخراجهم من الظلمات إلى النور،ولا مصلحة له في سفك الدماء،وإفناء الخلق،بل هو أحرص ما يكون على إحياء البشر،إلا إذا لم يكن بد من إفنائهم،ومع استحضار أعظم أهداف الجهاد والقتال،وهو الدعوة إلى الله تعالى،وإقناع الأمم بعظمة هذا الدين وعظمة مبادئه،فهذا هو الفصل عندي في المسألة،وهذا كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب،فقد نهى عن قتل الصبيان والنساء،وأمر بقتل المرأة التي برزت للمسلمين بفرجها،ونهى عن قتل الشيخ الفاني،وأمر بقتل دريد بن الصمة،ونهى عن قتل العسفاء ،ونقض بنو قريضة العهد فقتل كل من أنبت من رجالهم،ولم يستبق منهم شيخا ولا عسيفا،لشناعة جرمهم،وعظيم غدرهم،وهكذا اختلفت تصرفاته صلى الله عليه وسلم حسب الأحوال والأغراض والظروف والملابسات.
    وعلى هذا سار خلفاؤه الراشدون،فنهوا عن قتل كل من لم يروا في قتله مصلحة للإسلام والمسلمين،فاستب قوا الرهبان والفلاحين والتجار،وكانت فتوحاتهم نموذجا راقيا من الحروب،وأسلوبا بلغ الغاية في التحضر والسمو.
    فإذن حتى على القول بأن العلة هي إطاقة القتال،وهو خلاف ما رجحناه،فإن للإمام أن يمنع جنده من استهداف طائفة معينة أو قوم معينين أو حتى بلد معين،ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (أتركوا الترك ما تركوكم)،ولما خالف بعض الجهلة هذه الوصية النبوية كانت الكارثة العظمى على المسلمين،ولقد رآى خيرة الأمة عدم استهداف هؤلاء،فالتأسي بهم أولى وأحرى،إلا إذا رآى إمام المسلمين لظرف معين المصلحة في خلاف ذلك .
    ورغم أن حديث الفقهاء في هذا الباب هو في جهاد الطلب ،حيث تدخل جيوش المسلمين فاتحة فتستبقي من تشاء ،وتؤلف من تشاء،إلا أن هذه المسألة لها تعلق ببعض صور الدفع أيضا،وذلك حين يكون الدفع عن طريق بعض العمليات القتالية التي تستهدف العدو،والتي يمكن فيها التحرز والاختيار،فلا بد من مراعاة هذه الأحكام ،خضوعا لحكم الله تعالى،وإبرازا لمحاسن هذا الدين ومحاسن الذابين عنه،وإقناعا للأمم بعدالة القضية ، واستقطابا لمزيد من الأنصار والمتعاطفين،فكل هذه أهداف مرعية،ومصالح شرعية،لزم اعتبارها،ووجب الأخذ بها.
    أتوجه بهذا الحديث لبعض شباب المسلمين،الذين تأثروا –وحق لهم- بما يقع على المسلمين من ظلم واستبداد واستصغار،ونهب للخيرات والقدرات،ومس بأقدس المقدسات،فلم يروا من وسيلة لاسترداد الكرامة إلا باستهداف القطارات ومحطات الطرق،مع أنه لا يرتادها إلا النساء والصبيان ،وغير المقاتلين من الرجال،بل غالبهم ممن لم يرض بفعل حكومته،ولا أحب صنيع رؤسائه،ألم تخرج جحافل من البشر في شوارع مدريد وبرشلونة منددة بالحرب على العراق،وبينما هم على ذلك حتى فجعوا شر فجعة في نسائهم وأبنائهم وشيوخهم؟،أيمكن إقناع هؤلاء بعد ذلك بعظمة الإسلام وعدالة الذب عن أراضي المسلمين؟.
    ألم يخرج أكثر من مليونين في شوارع لندن يستنكرون تواطؤ بلير مع بوش على الحرب والعدوان،فما كان لهم مكافأة إلا استهداف القطارات ،التي لا يستقلها إلا المرأة القاصدة عملها،والصبي الذي يريد مدرسته،والأجير الذي يقصد محل شغله ومهنته،فبأي حق جاز استهداف هؤلاء؟،وبأي شرع استبيحت دماؤهم ؟؟.
    مع أن هذه العلة ليست إلا السبب الأول من أسباب الحكم بعدم مشروعية العمليات،ويأتيك في غير هذا الباب أسباب أخرى،تنبيك بما في هذه العمليات من مخالفات شرعية ،ومفاسد مرئية،فوفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه.
    قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ؟!

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    207

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عائشة المغربي مشاهدة المشاركة
    والذي يظهر لي رجحانه –والله أعلم- قول من قال أن العلة هي الانتصاب للقتال والمشاركة فيه،بأي نوع من أنواع المشاركة،
    بارك الله فيك أخي المغربي

    أود أن أعلق تعليقا قبل أن أتوجه إلى فضيلتكم بسؤال,كنت أفضل أن لا تتعرض لبعض الأعمال التي حدثت في واقعنا المعاصر, و كنت أود أن يكون الطرح شرعيا بحتا بعيدا عن المسائل الواقعية,لأن بإدراجها في الموضوع ستختلف وجهات النظر كثيرا و سنصبح في قيل و قال و لن نخرج بكبير فائدة و الله أعلم,فلا بد أن نعالج المسألة شرعيا أولا كما بدأ أول موضوعك,ثم في موضوع آخر نطرح مدى شرعية هذه الأعمال التي تقام في بعض البلدان.

    هذه وجهة نظري.


    أما سؤالي الموجه لك من سبقك في هذا الترجيح من العلماء؟و بالطبع أقصد من العلماء المتقدمين و ليس المعاصرين لأن المعاصرين كما تعلم منهم لا يقر بالجهاد أصلا إلا في كتب الفقه فقط فما أدراك لو قيل له قتل مدنيين.

    أرجو الإجابة بارك الله فيكم

    كتبه أبو معاذ.

  3. #23

    Arrow رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو و أم معاذ مشاهدة المشاركة
    أود أن أعلق تعليقا قبل أن أتوجه إلى فضيلتكم بسؤال,كنت أفضل أن لا تتعرض لبعض الأعمال التي حدثت في واقعنا المعاصر, و كنت أود أن يكون الطرح شرعيا بحتا بعيدا عن المسائل الواقعية,لأن بإدراجها في الموضوع ستختلف وجهات النظر كثيرا و سنصبح في قيل و قال و لن نخرج بكبير فائدة و الله أعلم,فلا بد أن نعالج المسألة شرعيا أولا كما بدأ أول موضوعك,ثم في موضوع آخر نطرح مدى شرعية هذه الأعمال التي تقام في بعض البلدان.
    هذه وجهة نظري.
    أما سؤالي الموجه لك من سبقك في هذا الترجيح من العلماء؟و بالطبع أقصد من العلماء المتقدمين و ليس المعاصرين لأن المعاصرين كما تعلم منهم لا يقر بالجهاد أصلا إلا في كتب الفقه فقط فما أدراك لو قيل له قتل مدنيين.
    أرجو الإجابة بارك الله فيكم
    كتبه أبو معاذ.
    أحسن الله اليك أخى
    سبقتنى بها وكنت سأطرح هذا السؤال على أخينا من سلفه فى هذا القول؟؟؟
    وهو عجيب جدا اذ نقل هو الاجماع على خلافه حين قال :
    وهذا ما رجحه بعض الباحثين المعاصرين، كالدكتور محمد خير هيكل ،والدكتور عبد الله العلي،بل نقل هذا الأخير الإجماع على ذلك،قال –وفقه الله-:
    (فلا خلاف أعلمه بين أهل العلم في قتال وقتل كل من كان من أهل الممانعة والمقاتلة من الكفار أثناء الحرب سواء باشر القتال بالفعل أو لم يباشره،وأهل الممانعة والمقاتلة هم كل من يقاتل عادة من الرجال القادرين على تحمل أعباء القتال،وقد نقل الإجماع على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رشد رحمهما الله تعالى).

    فكيف ترجح قولا محدثا والاجماع على خلافه ؟؟؟؟؟؟؟

    كان الواجب عليك أن تنظر الى صحة هذا الاجماع فان صح عندك لم يجز لك مخالفته أو أن تثبت عدم صحة هذا الاجماع أصلا لا أن تخالفه هكذاجزافا !!!
    كان يحيى بن معاذ يقول : إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله وإن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    سياتل..ولاية واشنطن ..
    المشاركات
    977

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    بارك الله فيك شيخنا أباعائشة المغربي..فقه حسن بسن...(ابتسامة)
    أنا الشمس في جو العلوم منيرة**ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
    إمام الأندلس المصمودي الظاهري

  5. #25

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    لو ثبت الإجماع لكان كلامنا لغوا،وحديثنا سفها،وأنا لم أدع إجماعا،ولكن قلت :الشيخ العلي نقل الإجماع،وليس كل من نقل صدقناه،فكم من إجماع مدعى،لا تجد له في واقع الأمر حقيقة ولا أثرا،وبالنسبة لمسألتنا هذه فلا أرى إجماعا،;ولا أعلم من ادعاه،إنما الشيخ استقرأ أقوال الفقهاء فلم يظهر له من خالف في المسألة،;وأنا أزعم أن الصحابة هم أول من نقض هذا الإجماع،بالتحذي ر من استهداف الفلاحين والتجار والرهبان،وهم من المطيقين،ثم إن ابن رشد وبن تيمية اللذين نسب إليهما نقل الإجماع،ينم كلامهما على خلاف ذلك،أنظر إلى ابن رشد ماذا يقول:(والسبب الموجب بالجملة لاختلافهم،اختلا فهم في العلة الموجبة للقتل،فمن زعم أن العلة الموجبة لذلك هي الكفرلم يستثن أحدا من المشركين،لم يستثن أحدا من المشركين،ومن زعم أن العلة في ذلك هي إطاقة القتال،للنهي عن قتل النساء مع انهن كفار،استثنى [B]من لم يطق القتال،ولم ينتصب إليه،[/ B]كالفلاح والعسيف)
    فتأمل في قوله:ولم ينتصب إليه.
    وتأمل في كلام شيخ الإسلام: (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالا للمسلمين والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال الله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين };jHفتأمل في قوله: ( هو لمن يقاتلنا)،فلا أرى أي إجماع في المسألة.
    قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ؟!

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    77

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    جزاكم الله خيراً...
    المسألة واضحة الآن عندي مع أن هناك تداخل بين المسألة الثانية والأخيرة ولكن لا إشكال المعنى واحد...
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    207

    افتراضي رد: من هم المدنيون الذين لا يجوز قتلهم وقت الحرب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عائشة المغربي مشاهدة المشاركة
    وأنا أزعم أن الصحابة هم أول من نقض هذا الإجماع،بالتحذي ر من استهداف الفلاحين والتجار والرهبان،وهم من المطيقين،

    صحيح كلامك هو زعم منك أخي الفاضل.

    من سبقك بهذا القول أخي الكريم؟

    أين نقض الإجماع أخي الفاضل؟

    هب أنه ليس هناك إجماع منقول,من قال أن الذكور البالغين لا يجوز استهدافهم.

    أكرر للمرة الثانية طلبي.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •