عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: فوائد علمية إيمانية لفضيلة شيخنا العابد محمد الدبيسي حفظه الله (متجدد)

  1. #1

    افتراضي فوائد علمية إيمانية لفضيلة شيخنا العابد محمد الدبيسي حفظه الله (متجدد)

    الفائدة 1
    إنَّ القرآن الكريم هو أعظم ما يُصلِح المرءَ وهو أول ما ينبغي أن يُقبل عليه أشدَّ الإقبال، لا سيما في شهر رمضان، شهر القرآن، كما قال سبحانه وتعالى:
    شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡـفُـرۡقَان ِ [ البقرة : ١٨٥ ] فإذا أحب المرء القرآنَ وأقبل عليه وأَدْمَن قراءَته، وحاول أن يتدبَّر معانيَه، يوشك أَنْ يَنتقل من حالته السيئة، إلى حالة القرب من الله تعالى ومحبته، إذ أن أعظم الأدلة على محبة الله والإقبال عليه هو محبَّة القرآن الكريم، والإقبالُ عليه، وعدمُ الملَلِ منه، بل أن يكون القرآن زادَ المرء، وفِكْره وتدبُّرَه، وتأمُّلَه، وإقبالَه، وجلوسَه، وقيامه، وحركتَه، وسكونَه، وأن يكون القرآن قائدَهُ في كل أموره.
    والمرء إذا أراد أن يعرف منزلتَه عند الله تعالى، فليرى منزلة القرآن عنده، هل هو من المقبلين على كلام الله تعالى الملازمين له أو أنه من المقصرين في حقه الهاجرينَ لتلاوته والعمل به ؟! جاء رمضان إذن ليخرج المرء من هجر تلاوة القرآن وهجْر سماعه، وهجر العلم والتعليم له، وهجر التدبُّر والفَهْم له، وهجر التَّحاكُم والتَّحْكِيم لأوامره، وهَجْر الاستشفاء به؛ ليكون رمضان عهداً جديداً للمرء مع كتاب الله تعالى، يدخل به في زمرة أهل القرآن .. هؤلاء الذين قال فيهم رسول الله
    : « أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»، فيسارع إلى الانكباب على كلام ربه ولا يتكاسل عنه، ويقبل عليه ليله ونهاره، ولا ينشغل بغيره .. فقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا يشغلهم شيءٌ عن القرآن الكريم، قيامًا وتلاوةً وذكرًا وتعلُّمًا وتعليمًا وفَهمًا واتباعاً، فكان القرآن بَرَكتَهم، وهدايتَهم، ونورَهم، ورحمتَهم، وشفائَهم وغذاءهم، واستخرج ما كان فيهم من عِلَل كافة، فانتقلوا به من الجاهلية إلى الإسلام، وتطهرت به قلوبهم وأرواحهم، وأضاء طريقَهم إلى الله تعالى.

  2. #2

    افتراضي

    الفائدة 2
    لما قال النبي
    : « مَنْ صَامَ رَمَضَان إيمَانَا واحتِسَابَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَّدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَ» علم المرء أن الله تعالى فتح رمضان ليكون فرصته لتحصيل تلك المغفرة؛ فإنه من لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له ؟ لذلك كان السؤال الذي ينبغي أن يؤرق المرء: هل خرج من رمضان الماضي وقد غفرت ذنوبه وخطاياه وأعتق من النار؟ إن التفكر في هذا الحال هو الذي ينبغي أن يدور الآن في نفس المرء؛ فإنه من خرج مغفوراً له لا يرجع إلى التقصير والتفريط والغفلة، من خرج مغفوراً له لا يرجع بعد رمضان إلى حال أسوأ مما كان فيه قبل رمضان وكأنه لم يصُم، ولم يقُم، ولم يتصدق، ولم يقرأ القرآن، ولم يتدبر، ولم يقبل على الله تعالى!
    أياً كان الحال الذي خرجنا به من رمضان الماضي، فإننا الآن في أشد الاحتياج إلى المغفرة، وفي غاية الفقر والاضطرار إليها، إذ أن عدم الفوز بها يعني الخيبة والخسارة، كما قال : « وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ »، وقول جبريل عليه السلام للنبي : « .. ومن أدرك رمضان فلم يُغْفَرْ له دخل النار فأبعده الله وأسحقه قل: آمين، فقلتُ: آمين »؛ لذلك ينبغي أن تكون قضيتنا في رمضان: التصميم على تحقيق أسباب المغفرة .. مهما كانت الظروف ومهما كان البذل، فهذا العام لن نتهاون مع النفس والشيطان ككل عام، بل سنتوكل على الله ونأخذ الأمر بقوة وعزم، ونستعين بالله تعالى ونفتقر إليه سبحانه وتعالى، لعل ذلك أن يكون سببًا في مسارعتنا من أول يوم إلى مجاهدة النفس والشيطان والهوى وكل العوائق التي تحول بين المرء وبين الفوز بمغفرة الله تعالى في رمضان.

  3. #3

    افتراضي

    الفائدة 3
    إذا نظر المرء في آيات الله تعالى يتبين له عظيم اهتمام القرآن الكريم بالمغفرة وإعلائه لقيمتها ورفعه لقدرها، وحثه للمؤمنين على المسارعة والمسابقة في طلبها، كما قال سبحانه: وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ مِّن رَّبِّڪُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٲتُ وَٱلۡأَرۡضُ [ آل عمران: ١٣٣]، وقوله جل وعلا: سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡـفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُہَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ [الحديد: ٢١]، والمسارعة هي أن يجري كل أحد لتحصيل المغفرة، والمسابقة هي محاولة كل أحد أن يكون هو الأول في وصولهللمغفرة والفوز بها.
    وسبب ذلك أن الداعي لهذهالمغفرة هو الرب جل وعلا، كما قال: يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَڪُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ [ إبراهيم: ١٠] فهو سبحانه وتعالى يدعو عباده إلى المغفرة ! يدعونا نحن الخطائين، الآثمين، المقصرين المفرطين، المتبعين للشهوات .. يدعونا للمغفرة ! هلُموا إلى المغفرة، ها قد جاء رمضان، ها قد جاء وقت المغفرة والعتق من النار، هلموا إلى نجاتكم في الأولى والآخرة، هلموا إلى ما يكفر سيئاتكم حتى تكونوا أهلا لمجاورة ربكم في جنته .. فهل نُولي ظهرنا لهذه المغفرة، ونفضل عليها الدنيا والمال والشهوات؟ ونفضل عليها النوم والكسل والتسويف ! ماذا ننتظر إذا دعانا الله جل وعلا إلىالمغفرة ثم نحن أعرضنا عنه، ولم نلق لهذه الدعوة بالاً، وأخذنا الأمر بهذا الضعف وهذه الاستكانة ؟
    لما كان الداعي إلى المغفرة هو الله تعالى، كان ينبغي أن يكون ذلك كافياً لنستجيب لتلك الدعوة، ونسارع إليها، ونهتم بها، ونتسابق إليها، ونتنافس فيها، وأن نضعها نصب أعيننا، ولا نحيد عن النظر إليها، والعمل لها، وبذل الجهد والوقت والمال والنفس، لعلنا نُحصلها فنفوز فوزا عظيمًا.

  4. #4

    افتراضي

    الفائدة 4
    إذا عزم المرء على الاستجابة لدعوة الله تعالى للمغفرة في رمضان، فإن أهم أسباب المغفرة التي عليه أن يجاهد نفسه على التحقق بها هي الصيام والقيام، كما ورد عن النبي : « الصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ يقولُ الصِّيامُ أي ربِّ منعتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ فشفِّعني فيهِ ويقولُ القرآنُ منعتُهُ النَّومَ باللَّيلِ فشفِّعني فيهِ قالَ فَيشفَّعانِ ». فيستوفي المرء في نهار رمضان صيامه الذي به تتحقق المغفرة والعتق من النار، وهو الصيام الذي يمنع الصائم فضول الكلام، والسماع، والبصر، والمكاسب المحرمة، والشهوات من الطعام والشراب والنكاح، وقبل ذلك التوقي من المحرمات والمكروهات والشبهات في الظاهر والباطن، فيتحقق في صومه صوم الجوارح عن الشهوات والحرام والمكروه وصوم القلب عن الوساوس والنوايا السيئة وتمنى الحرام ، بمعنى أن يصوم عن غير الله تعالى ، فيكون ذلك الصيام سبباً لتفريغ قلبه للذكر والفكر وتهذيب نفسه ورقتها وخشوعها والإقبال على الله بالقرآن والذكر والطاعات والجود والإحسان إلى الخلق. فإذا استكمل المرء شروط هذا الصيام، التي يُكفِّر الله تعالى بها الخطايا، كان صومه سببًا لإقباله على ربه سبحانه وتعالى واستقامته على أمره، وترقيه إلى الله تعالى، وسببًا لخلوص قلبه ونقاء نفسه، والخروج من رمضان بالمغفرة والرحمة، وكذلك سببًا لشفاعته لصاحبه يوم القيامة وعتقه من النار.
    أما القيام، فإذا كان للمرء قيام يصليه قبل رمضان، فإذا جاء رمضان فينبغي الازدياد من هذا القيام ؛ لأنه بإتيان رمضان ازدادت المجاهدة، وازدادت العبادة، وازداد التقرب إلى الله تعالى، ولم يقف عند الحد الذي كان عليه قبل رمضان، ولكن يتغير حال المرء الطالب للمغفرة. وكما ذكر الحديث فالقرآن لا يشفع للمرء حتى يمنعه النوم، فيقوم سهرًا لله تعالى، ليحصل القرب منه جل وعلا، كما جاء في قول النبي : « إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ»، فإذا علم المرءُ المُحِبُ المُقْبِلُ على الله تعالى أن ربه أقرب ما يكون إليه في جوف الليل، لا شك أنه ينتظر تلك الساعة، ويقوم فيها لربه ويقبل على تلاوة كلامه والتدبر فيه، وتَنَعُّمِ القلب والبدن بهذا الكلام؛ ليحصل قرب ربه جل وعلا منه، وليكون من زمرة هؤلاء الذين يشفع لهم القرآن.

  5. #5

    افتراضي

    الفائدة5

    إن ترك الطعام والشراب والشهوة سبب عظيم من أسباب تفريغ القلب للطاعة والإقبال على الله تعالى، بما يعود على المرء بأحسن العواقب في الدنيا والآخرة. وذلك لأن الصيام يضيق مجاري الشيطان في الإنسان، إذ أن الشيطانَ كما قال رسول الله : « يَجري من ابن آدم مَجرى الدمِ »؛ بمعنى أنه يوسوس له ويحمله على سوء الظن، وعلى الغفلة والبعد والتكاسل عن الطاعة، وعلى البخل بماله ونفسه، ويزين له الوقوع في المعصية والمكروه، وهو ملازم له لا يفتر عنه ولا يمل من إغوائه ! والصيام يضيِّق مجاري الشيطان في قلب المرء وبدنه فيكون أقل اتباعًا للشيطان، وأقل اتباعًا لوسوسته وخطراته؛ فتزداد في القلب معاني الطاعة والإيمان والإقبال على الله وتخف غيرها من المعاني والخطرات السيئة فيقبل المرء على العبادة والطاعة ويخرج من رمضان وقد حصل المغفرة، وكذلك قد ضاقت مجاري الشيطان في بدنه فيكون ذلك سبباً في تزكية نفسه وعدم انتكاس الحال بعد رمضان.
    أما عاقبة هذا الجوع والعطش في الآخرة، فهي سبب لتنعم المرء، كما قال تعالى : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [ الحاقة: ٢٤] يعني: لمَّا لم يأكلوا ولم يشربوا في الدنيا، ولم يعظموا شهواتهم وطعامهم وشرابهم الذي يقعدهم ويؤخرهم عن العبادة والطاعة، قيل لهم في الآخرة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ، بما صُمتُم، بما جُعتُم، بما عطشتم لله تعالى.

  6. #6

    افتراضي

    الفائدة 6
    إن الساعي إلى المغفرة في شهر رمضان عليه أن يعلم أن حاله في هذا الشهر ينبغي أن يكون مختلفاً عن الحال الذي كان عليه قبل رمضان، بمعنى أن من أراد المغفرة سيخرج في رمضان عن مألوفاته وعوائده، في أكله، ونومه، وشربه، وراحته، وانشغاله بولده وزوجته، واختلاطه بالخلق وسعيه على أشغال الدنيا وما فيها، محتسباً كل ذلك عند الله تعالى، صابراً على حفظ هذا الاحتساب الذي يود به المغفرة، إذ أن المغفرة في الصيام والقيام متوقفة على الاحتساب، كما قال النبي : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وقوله: « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» فدل ذلك على لزوم أن يكون صيام المرء وقيامه، على محبة هذه الأعمال وانتظارها والشوق إليها، ليس على استثقالها والملل منها والتقصير فيها، فمتى يحتسب المرء جوعه وعطشه؟ ومتى يحتسب تَرك نومه وراحته؟ ومتى يحتسب مشقته وتعبه يومه كله؟
    وهذا الاحتساب لا يقتصر على الصيام والقيام فقط ثم يفرط المرء في بقية أعماله بحجة أنه صام وقام، فإن نفس المرء تميل به إلى أنه إن صام وقام ..فرط في الباقي، فلا يبالي حينئذ أن يقصر في باقي أعمال الإيمان، وأن ينام عن كثير منها وهو مطمئن لا يهمه ! الساعي إلى المغفرة ليس على هذا الحال، ولكن عليه أن يحافظ على بقية أوراده وأذكاره وسننه وعبادته؛ وأن يرفع المرء لواء المجاهدة من أول يوم محتسباً تعبه ومشقته عند الله، منتظراً رحمة الله تعالى ومغفرته.تُرى الله تعالى يكافئ هؤلاء المجتهدين، المحتسبين، الذين يحرصون على حفظ جوارهم وقلوبهم مما ينقص درجة الصيام، ويحرصون على التبكير والمسارعة لأن يقوموا لله تعالى، ويقفوا له، ويبكوا بين يديه، ويتدبروا آياته، ويحزنوا إذا تأخروا عن ربهم سبحانه وتعالى، تراه يكافئهم من المغفرة بما يكافئ به المتأخرين المتلكئين المتكاسلين، الذين قدموا نومهم وأكلهم وشربهم وراحتهم، ثم إن وجدوا وقتًا باقيًا قاموا ليصلوا وردًا صغيرًا من ليلهم ؟


  7. #7

    افتراضي

    إن اجتماع الصدقة مع الصيام، من الأسباب التي يُقبل بها الصيام، ويجبر بها ما فيه من خلل وكذلك من الأمور التي يغفر الله تعالى بها الخطايا، ويكفر بها الذنوب ويرفع بها الدرجات، كما روي عن النبي أنه قال: إنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظاهِرُها من باطِنِها وباطِنُها من ظاهِرِها ، أعدَّها اللهُ تعالى لِمَنْ أطعمَ الطعامَ و ألانَ الكلامَ وتابعَ الصِّيامَ وصلَّى بِالليلِ والناسُ نِيامٌ »؛ لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجود بالخير في رمضان، كما ورد عنه أنه : « كان أجود الناس وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يُدارِسُه جبريلُ القرآنَ .
    والمؤمنون المتقون ينبغي أن يكونوا حريصين على أن تكون صدقاتهم مع الصيام ليكون ذلك سببًا لاستكمال الأجر، ولمضاعفة الثواب لشَرف الزمان الذي هم فيه؛ فكل همهم في الدنيا، كيف يحصلون رضا الله تعالى؟ كيف يحصلون الدرجات العالية والنعيم المقيم عنده جل وعلا؟ كيف يسابقون غيرهم إلى الله ويكون حزنهم أن يَسبقهم أحد إليه، لا أن يتسابقوا في الدنيا، ويحصلوها، ويحزنوا لفقدها، ويخافوا أن تنقص منهم، ويبخلوا فيها بالمال، ويغفلوا عن لقاء ربهم وأنهم يمكن أن يرحلوا إلى الله في يومهم أو في غَدِهم، وينتقلوا إلى الدار الآخرة، قبل أن يحصلوا مغفرة الله لذنوبهم، ولكن يبذلون وينفقون انتظاراً لمضاعفة الأجر والفوز بالمغفرة، كما قال سبحانه وتعالى:إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ[ التغابن : ١٧]

  8. #8

    افتراضي

    الفائدة 8
    إن التحقق بالتقوى هو مقصود الصوم، كما قال جل وعلا: ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡڪُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِڪُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ) [ البقرة : ١٨٣ ] بأن يخرج المرء عن عبودية الطعام والشراب والجسد الفاني، وعن السكون والراحة، وتتغير أحواله التي قد شملتها الغفلة والبعد، واشتملت على محبة الدنيا والميل إليها ونسيان الآخرة والرحيل إلى الله تعالى، إلى محبة الله تعالى، والإقبال عليه والزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة، والاستعداد للقاء الله تعالى، فيظهر ذلك في شوقه إلى العبادة، ومحبته لها وحنينه إليها، وإن قطعه شيء عنها إذا به يحزن ويتألم، ويرى أنه قد فقد حظه من ربه، أو قَلَّ حظه منه سبحانه وتعالى، وهو الحظ الذي لا يعادله شيء في هذه الحياة الدنيا.
    لذلك ينبغي أن يكون هذا المعنى من معاني الصيام الحاضرة في عقول المؤمنين وأذهانهم .. كيف يكون الصيام هو السبيل لتحقيق صفات التقوى في نفس المرء ؟ كيف يكون رمضان بالأخص هو الذي تتغير فيه الأحوال؟ كيف يخرج المرء من رمضان تقيًا لله تعالى، قد ظهرت عليه علامات التقوى، وعلامات المغفرة، وعلامات العتق من النار، يخرج أكثر إقبالاً على الله تعالى، وأكثر زهدًا في الدنيا، وأكثر استقامةً على أمر الله تبارك وتعالى، يخرج أكثر محبةً وقربًا لربه، وأكثر محافظةً على أمره ونهيه جل وعلا، يخرج أكثر رقة في قلبه، ودمعة في عينيه، وخشوعًا في ظاهره وباطنه، لِيدل بذلك أنه قد غُفِرَ له، أو أنه قد رُحِم، أو أنه قد أعتق من النار، يخرج أفضل مما كان محبةً وذكرًا وأُنسًا بالله وشوقًا إلى لقائه.

  9. #9

    افتراضي

    الفائدة 9
    لا يستطيع المرء تحقيق أسباب المغفرة في رمضان، من صيام وقيام وجود وقرآن وغيرها، إلا بأن يجاهد نفسه ويحملها على الطاعة ويكبتها عن المعاصي ويكبح جماحها عن الشهوات حتى تنقاد إلى الله تعالى.
    والمجاهدة تبدأ بأن يحصن المرء نفسه بذكر الله تعالى لا يفتر عنه، وبالإقبال على القرآن يستهدي به، وينير طريقه، ويشفي قلبه، ويبارك وقته وجهده، ثم بعد ذلك يستمسك بحال المجاهدة، فيُرتب على نفسه الوظائف، من القيام والصيام والذكر وأعمال الإيمان، ويعاهد الله تعالى على الالتزام بتلك الوظائف، ثم يجاهد نفسه على الوفاء لله تعالى بذلك العهد والقيام به، ثم يحاسب نفسه على الوفاء بما عاهدت، ويراقبها على عدم الروغان منه، وكلما زاغت منه نفسه يمينًا أو شمالاً، أو مالت إلى الكسل والضعف، عاقبها بحرمانها من محبوباتها وحمَلها على الطاعة مرة أخرى !
    وأهم ما يعين المرء على الوفاء أن يحزم أمره مع نفسه ؛ لأنه إن لم يحزم أمره من البداية، فلن يستطيع الوفاء، فيحزم أمره على القيام لله تعالى كل ليلة، وأنه لا بد أن يصلي مهما كانت العوائق؛ لأن الشيطان والنفس والهوى يقولون له: نَم ساعة حتى تستطيع أن تقوم إلى الصلاة، فينام نصف الليل أو ينام الليل كله، ويضيع القيام ! أما إذا حزم أمره ، فإنه إن قيل له: نَم، يقول: لا، قد عاهدنا الله على الصلاة، وإن قيل له: اقض هذه المصلحة، يقول: لا، قد عاهدنا الله على الصلاة، فيكون عنوانه في كل ما يأتيه من أعمال الوفاء بعهده مع الله تعالى والبذل له جل وعلا.. وقتًا وجهدًا، ومالاً ونفسًا وولدًا وصحة، وأن يكون بذله على الكرم يريد بذلك أن يكرمه ربه بأحسن مما بذل، ويزيده بأكثر منه، كما ذكر الله تعالى: ( وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦ ) [ الشورى: ٢٦ ].

  10. #10

    افتراضي

    الفائدة 10
    يبين قول الله تعالى: ( أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدًا وَقَآىِٕمًا يَحۡذَرُ ٱلۡأَخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦ ) [ الزمر: ٩ ] الحال التي ينبغي أن يكون عليها المرء حال قيامه لله تعالى. فمعنى: قانت، أي: عابد، و ( ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ ) يعني: ساعات الليل ، وقوله : ( سَاجِدًا وَقَآىِٕمًا ) يصف حاله في الظاهر، وقوله: ( يَحۡذَرُ ٱلۡأَخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦ ) يصف حاله في الباطن وعمل قلبه، ويبين أن قيامه لتلك الساعات الطويلة يكون لأجل الخوف من لقاء ربه وطمعا في رحمته وجنته.
    فعندما يقف المرء أمام ربه جل وعلا في قيام الليل، ينبغي أن تكون تلك هي حاله في الظاهر والباطن، ولابد أن يتحقق بأسباب الرجاء حتى يكون راجياً لرحمة الله تعالى على الحقيقة، لأنه لا رجاء لرحمته بغير عمل صالح في الظاهر والباطن وإلا كان كمن يزرع البذور في أرض سبخة ولا يسقيها ولا يرويها ولا يحرسها ثم ينتظر أن تنبت الزرع، فذلك من التمني الكاذب وخداع النفس. وكذلك عليه أن يتلبس بأسباب الخوف من أن يؤخذ بغتة، وينتقل إلى الدار الآخرة على هذا الحال الذي لا يود ابداً أن يلاقي الله تعالى به.
    علينا إذن أن نتضرع إلي الله تعالى أن يهدينا إلي هذه الأحوال، إذ أن الصائم دعوته مستجابة والرب سبحانه وتعالى واسع الرحمة والبر والإحسان والجود، ولا يكثر عليه شئ، ولا يكبر عليه شئ، ولا يعظم عليه شئ، وإن جاءه عبده مخلصاً صادقا محباً .. حمله إليه وأدخله في عباده الصالحين، كما جاء في قصة توبة قاتل بني إسرائيل أنه: « جاء تائباً مقبلاً بقلبه على الله تعالى » فقرّبته الملائكة إلى أرض الصالحين لتأخذه ملائكة الرحمة .

  11. #11

    افتراضي

    الفائدة 11
    إن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه أنه وهب الخلق أعظم النعم التي تقوم بها حياتهم من أجل أن يشكروه؛ إذ قال جل وعلا : ( وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَة َ*ۙ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ) [ النحل : ٧٨ ]، فالشكر من أعلى مقامات معرفة الرب سبحانه وتعالى التي لا ينبغي للمرء أن يتخلف عنها؛ لأنها ليس في مقابلها إلا كفران النعم، كما قال : ( لَىِٕن شَڪَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُم ۡ*ۖ وَلَىِٕن ڪَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ ) [ إبراهيم : ٧ ] فالمرء إن ترك الشكر فإنه يكون في محل المقت من الله تعالى وهو لا يدري، والله تعالى يبغض هذا الحال السيئ؛ لذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه من طول القيام، ولما سُئل في ذلك، قال : « أَفَلَا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا؟ » وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: « وَالله إِنّي لَأُحِبُّكَ، فَلا تَنسَ أَن تَقُولَ دُبُر كُل صَلَاة : الَلهُمَّ أَعنِّي عَلى ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبَادَتِك » .
    ونحن في هذه الأيام عن الشكر غافلون، بل إن المرء يغلب عليه حال التشكي والاعتراض وعدم الرضا بما هو فيه، وقد أحاطت به نعم الله تعالى ! لذلك كان واجب المؤمنين اليوم أن يسارعوا في تصحيح ما هم فيه من أحوال الاعتراض والتشكي وأن يدعوا ربهم تبارك وتعالى بقوله : « الَلهُمَّ أَعنِّي عَلى ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبَادَتِك » وأن يبتهلوا إلى الله تعالى أن يعينهم على ذلك الشكر، وأن يوفقهم إليه، فمن أكرمه الله تعالى وفتح له باب الشكر فقد فتح له بابا عظيما لمعرفته وعبادته ومحبته، وفتح له باب زيادة النعم، وفتح له الباب الأعظم، وهو باب رضاه عنه جل وعلا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللهَ لَيرضَى عَن العَبدِ يَأكُلُ الَأَكْلَة فَيَحمَدَهُ عَليَها، وَيَشرَب الَشَربَة فَيَحمَدَه عَليَها » فكان هذا الجزاء من أكبر أنواع الجزاء من الله تعالى لعباده في مقابلة شكره بالحمد سبحانه وتعالى، إذ قال : ( وَرِضۡوَٲنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ*ۚ ذَلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ) [ التوبة : ٧٢ ].

  12. #12

    افتراضي

    الفائدة 12
    من الآيات التي بينت صفات المؤمنين الكُمَّل قول الله سبحانه وتعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتُهُ ۥ زَادَتۡہُمۡ إِيمَـٰنًا ) [ الأنفال : ٢ ]، وهو المعنى الذي ينبغي على المرء أن يقيس عليه نفسه؛ إذ لابد أن يزيد إيمانًا إذا استمع أو قرأ آيات الله تعالى، لأن الله جل وعلا لا راد لقوله، ولا خُلف لوعده، فإذا لم يجد المرء لتلاوته أو استماعه للآيات ذلك الأثر من زيادة الإيمان فإن هذه التلاوة لم تؤت ثمرتها، ولم تؤد إلى النتيجة المرجوة منها؛ وذلك معناه أن الله تعالى قد حرم المرء تلك الزيادة في الإيمان، ولم يؤيده ويثبته سبحانه وتعالى، ولم يهبه شيئًا يترقى به إليه جل وعلا، مما يدل على أنه ليس كريمًا على الله تعالى لهذه الدرجة التي يعطيه بها تلك الزيادة في الإيمان؛ لأنه لا يبذل ما يستحق به أن يعطيه ربه سبحانه وتعالى وأن يفتح عليه .
    وأول الأسباب التي يفتقد بها المرء الوصول إلى هذا الموعود من الله تعالى بزيادة الإيمان، مرض القلب. فالقلب إذا امتلأ من محبة الشهوات والصور وركن إلى الدنيا وما فيها من اللغو والغفلة والأنس بالخلق، فإنه يبعد عن الأنس بالمولى سبحانه وتعالى وتغلبه الغفلة فينسىل الآخرة والتجهز لها، ويضعف نصيبه من التأثر بالقرآن أو زيادة الإيمان بتلاوته أو الاستماع له.
    وذلك مما ينبغي أن يحمل المرء على الحزن، إذ المرء إن لم يزدد إيمانًا فإنه يتأخر عن الله جل وعلا، وفي نفس الوقت فهو قد غفل عن هذه الأحوال من افتقاده لزيادة الإيمان، ولم يفكر في تداركها، ولم يسع إلى إصلاحها؛ لذلك كان الحزن والبكاء والتضرع إلى الله تعالى من أول الأسباب التي يأخذ بها المرء للخروج من هذه الأحوال من الحرمان .. فيدعو المرء ربه تبارك وتعالى ويتململ له أن يفتح عليه، ويرزقه التوبة من الذنوب والمعاصي والسيئات ويكره إليه محبة الصور والشهوات، وأن ينزل عليه جل وعلا السكينة، ويرسل له بشاراته التي يستبشر فيها بزيادة الإيمان كما ذكر جل وعلا في آية التوبة: ( وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّڪُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِيمَـٰنًا*ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَـٰنًا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ) [ التوبة ١٢٤ ]، ثم أن يستعين الله جل وعلا ويبدأ السير في سكة البذل له جل وعلا ليحصل تلك الزيادة في الإيمان، إذ لو بذل عمره ونفسه، وولده وماله، وأهله وكل شيء ليحصل هذه المحبة لله تعالى، والزيادة في الإيمان، لكان ذلك قليلاً لتحصيل ما عند الله تعالى لهؤلاء الذين ازدادوا إيمانا، كما قال: ( أُوْلَـٰٓىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقًّا*ۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٌ وَرِزۡقٌ ڪَرِيمٌ ) [ الأنفال: ٤ ].

  13. #13

    افتراضي

    الفائدة 13
    الأمر الثاني الذي يحصل به المؤمنون المتقون زيادة الإيمان التي ذُكرت في قوله تعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتُهُ ۥ زَادَتۡہُمۡ إِيمَـٰنًا ) [ الأنفال : ٢ ]، أن يتبصروا آداب تلاوة القرآن الكريم الظاهرة والباطنة التي بها تتحقق نتائج تلك التلاوة، وبها تتغير احوالهم مع الله سبحانه وتعالى.
    فمن الآداب الظاهرة للتلاوة أن يجلس المرء متخشعًا، مُخفضاً لرأسه؛ تعظيما لكلام الله تعالى، مستقبلا للقبلة، على طهارة، لا يعبث بشيء بيده ولا بنظره، ولا يشغل سمعه بغير كلام الله؛ ليُظهر لربه في جلسته تأدبه مع القرآن، فإذا بدأ في التلاوة أو الاستماع استقبل كلام الله بالحزن والبكاء، إذ آيات القرآن تحمل على ذلك الحال، كما قال المولى تبارك وتعالى: ( لَوۡ أَنزَلۡنَا هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيۡتَهُ ۥ خَـٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِ* ) [ الحشر : ٢١ ] وهو الحال الذي يستشعر به المرء حضور القلب، وحسن الإقبال على الله تعالى، والتأثر بما يستمع من الآيات.
    ومما يلتحق بالآداب الظاهرة أن يكون لتالي القرآن ختمتان، ختمة للتلاوة، يُقسم فيها القرآن ليختمه كل أسبوع، كما ورد عن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن قلّ نصيبه لانشغاله بمصالح دينه ودنياه فلا أقل من أن يقراء كل يوم جزءا، وكلما ازداد واستكثر من هذه الأوراد حصّل تلك النتائج الباهرة وانفكت مشاكل سيره في طريق الله جل وعلا.
    والختمة الأخرى هي ختمة التدبر، والتي هي محل النظر، والتدبر حال تابع لحضور القلب، يقيس المرء فيه نفسه على ما يسمع من الآيات ليعلم درجته فيها، لينتقل بعد ذلك لمرحلة التفهم، بمعنى: أن يتفهم المرء من كل آية ما يليق بها، فإذا كان لائقا بالآية أحكاما فالمسارعة إلى الإتمار بها وإذا كان لائقًا بالآية النواهي فالابتعاد عنها، وإذا كان لائقًا بها معرفة الرب وأسمائه وصفاته، فينشرح بها الصدر، ويتصحح بها الاعتقاد والتوحيد، وتزيد محبة المرء لربه جل شأنه.
    ثم بعد التفهم، يكون التخصيص، بمعني: أن يعلم المرء وهو يقرأ القرآن الكريم أنه المخصوص بهذا الكلام، فكل آية من آيات القرآن تخاطبه هو بنفسه، وكل ما ذكر فيه إنما هو مطلوب منه أولاً، فإذا قال المولى سبحانه وتعالى: ( وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ) [ النور : ٥٦ ] فأنت المقصود بها، وإذا قال: ( قُل لِّلۡمُؤۡمِنِين َ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡ* ) [ النور : ٣٠ ] فأنت المقصود، وكذلك إذا قال سبحانه وتعالى: ( مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ*ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفۡسِكَ* ) [ النساء : ٧٩ ] وغير ذلك من العظات، والأوامر، والنواهي، والقصص، وكل ما يقرب إلى الله، وما يوحد المرء به ربه جل وعلا.
    ينبغي للمرء أن ينظر اليوم في هذه الآداب وألا يتأخر عن شيء منها صغيرا كان أو كبيرا؛ ليصحح ما هو فيه من أحوال التلاوة التي لا يحصل منها شيئًا، ولا تُقوي قلبه في شيء، ولا ترفع إيمانه وتزيده شيئًا، وليتغير حال أهل الإيمان إلى تلك الدرجة من زيادة الإيمان التي يصير بها سهلاً على أنفسهم أن تبذل لله تعالى ما تؤمر به، ليكون ذلك سبب نجاتهم ونصرهم، ورفع رايتهم في الدنيا، وكذلك سبب نجاتهم وعلو درجتهم في الآخرة، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصفه لحال أهل القرآن في الآخرة، إذ يُقال لهم: « اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ».

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •