داعية .. يقول ولا يفعل!! العنوان

السؤال : السلام عليكم
ما رأيكم في داعية بعيد كل البعد عن تطبيق ما يقوم به من دعوة لفظية؟



الجواب : أخي الحائر، حديثي إليك ذو شقين، شق أوجهه إليك، وشق أوجهه إلى كل من لا يفعل بما يقول.

الشق الأول:
يقول ربنا تعالى في أربعة مواطن في القرآن الكريم: (
لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ويقول تعالى: (أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، كما يقول جل شأنه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها" رواه الترمذيُّ وابن ماجة بسندٍ حسن.

ومن هذه النصوص نستنتج:

أولا: أنه ليس علينا إلا ما فعلته أيدينا، وأن ربنا سبحانه لن يسائلنا إلا على أعمالنا، ولن يحاسبنا أبدا على فعل غيرنا، فليقل من يشاء ما يشاء، وليفعل ما يفعل، فكل إنسان طائره في عنقه.

ثانيا: علمنا ديننا كذلك أن نأخذ الفائدة من أي أحد، مسلم أم غير مسلمٍ، مؤمنٍ أم عاصٍ، بل نسمع ما يقول، فنزنه بميزان ديننا وعقيدتنا وأصولنا، نأخذ ما وجدناه ونطرح الباقي أرضاً، ولا يعنينا بعد ذلك من فعل ماذا؟.

وهذا الداعية الذي يقول ولا يفعل، لا يعنينا هو بشخصه أو اسمه في شيء، ما يعنينا هو قوله، أن نستفيد مما يقوله من خير، وأن نترك فعله لنفسه أو عليها.


باختصار: خذ ما يقوله ولا تنظر إلى ما يفعله.


الشق الثاني: إلى كل من يقول ولا يفعل:
يقول ربنا تعالى في تحذير شديد: (يَ
ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) إنه من أكبر المقت، كما أنه سؤال شديد واضح لا لبس فيه: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) ؟.

وما بلغ الحسن البصري - كما يقول عبد الواحد بن زياد - إلى ما بلغ، إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه.


واحذر أيها القائل بلا فعل، فإن مالك بن دينار يقول لك: "
إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا"، أي قطرة الندى عن الصخرة الملساء، بل وأكثر من ذلك، فللأستاذ مصطفى صادق الرافعي كلام جميل في ذلك فيقول: "إن الموعظة إن لم تتأد في أسلوبها الحي كانت بالباطل أشبه، وإنه لا يغير النفس إلا النفس التي فيها قوة التحويل والتغيير، كنفوس الأنبياء ومن كان في طريقة روحهم، وإن هذه الصناعة إنما هي نور البصيرة في الكلام، لا وضع القياس والحجة، وإن الرجل الزاهد الصحيح الزهد إنما هو حياة تلبسها الحقيقة لتكون به شيئاً في الحياة والعمل، لا شيئاً في القول والتوهم، فيكون إلهامها فيه كحرارة النار في النار، من واتاها أحسها.

ولعمري كم من فقيه يقول للناس: هذا حرام، فلا يزيد الحرام إلا ظهورا وانكشافا ما دام لا ينطق إلا نطق الكتاب، ولا يحسن أن يصل بين النفس والشرع، وقد خلا من القوة التي تجعله روحا تتعلق الأرواح بها، وتضعه بين الناس في موضعٍ يكون به في اعتبارهم كأنه آتٍ من الجنة منذ قريب، وراجع إليها بعد قريب.


والفقيه الذي يتعلق بالمال وشهوات النفس ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق بالمال وشهوات النفس ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق وحظ الدنيا، هو الفقيه الفاسد الصورة في خيال الناس يفهمهم أول شيء: ألا يفهموا منه". ويقول رحمه الله: "
الأسوة وحدها هي علم الحياة".

أخي القائل من غير فعل
: إنك لن تقف أمام عدم استفادة الناس منك فحسب، بل تصل إلى أن تفتنهم عن دينهم، "إذا كان هذا فلان الداعية الكبير يفعل كذا وكذا، فلماذا لا أفعله أنا؟"، هكذا يقول لسان حال المدعوين، ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: "من وعظ أخاه بفعله كان هاديا"، وكذلك يقول التابعي شهر بن حوشب رحمه الله: "إذا حدث الرجلُ القوم، فإن حديثه يقع في قلوبهم موقعه من قلبه".

فالقدوة مركز حساسٌ دقيقٌ جدًا، ويجب أن لا يوضع فيه إلا من كان مستعداً للأخذ بالعزيمة والبعد عن الرخص، ولابد أن يكون فعله أبلغ في التعبير عن عقيدته وعن معاني دعوته من قوله، لأن المنظر أعظم تأثيرا من القول، ولذلك لمّا همَّ إمام مصر الليث بن سعد بفعل مفضول ينافي العزيمة، قال له إمام المدينة يحيى بن سعيد: "
لا تفعل، فإنك منظور إليك".

فيا أخي المدعو: الحكمة ضالة المؤمن، خذ الحكمة من القول، ودع السوء من العمل، ولا يكن فعل أحدٍ أبداً سبباً في تقصير أو تفريطٍ أو وقوعٍ في ذنب، تذكر دائماً
: (لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ولا تنس: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا).

ويا أخي الداعية بالقول دون الفعل
: لا تفتن الناس ولا تحمل نفسك ذنوب الآخرين، ودع الدعوة حتى تصل أنت أولا إلى أن تكون أهلاً لها فتعود إليها، وإياك ثم إياك أن تلقى الله وأنت تحمل على ظهرك أوزارك وأوزار من فتنت معك، حتى لا تكون من الذين وصفهم الله تعالى: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً).

أخي السائل الحائر: هل زالت حيرتك الآن؟ أتمنى ذلك.


الدكتور : كمال المصري - إسلام أون لاين