تزيين الحياة الدنيا
قال تعالى:" زُيِّن للذين كفروا الحياةُ الدنيا"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"زُيِّن للذين كفروا الحياةُ الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب" وفي هذه الآية الكريمة عدة أمور ،منها:
أولها:حذف الفاعل على المحور الرأسي للآية الكريمة لعدم الأهمية المعنوية ، والمتكلم يذكر ما يحتاج إليه ويحذف من كلامه ما يستغني عنه ،والمتكلم ينيب الكلمة ذات الأهمية المعنوية العليا عنده ،والأغلب في كلام العرب أن ينوب المفعول عن الفاعل ،وهذا يدل على أهمية المفعول بعد الفاعل .
ثانيها: تذكير الفعل "زُيِّن" مع نائب الفاعل المؤنث لأن التأنيث مجازي وغير حقيقي ،أو لأن الحياة الدنيا بمعنى المتاع أو الزخرف أو البهرج، أو بسبب الفاصل بين الفعل ونائب الفاعل ،مما أدى إلى ضعف العلاقة المعنوية ، وكل هذه الأسباب تؤكد أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي.
ثالثها:الفصل بين الفعل ونائب الفاعل بواسطة شبه الجملة وتقدم الفاصل بحسب الأهمية المعنوية نحو الفعل " زُيِّن "، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك .
رابعها:الوقف لازم على كلمة "آمنوا" ثم نستأنف كلاما جديدا ،وإلا حدث اللبس.
خامسها: شبه الجملة "بغير حساب" متعلق بالفعل "يرزق" البعيد ،لأن تعليقه بالقريب يسبب اللبس بسبب عدم الاحتياج المعنوي بينهما ،والعقل يرفض هذه العلاقة ،وهذا من عادة القرآن الكريم الذي يعلق بالقريب ، ولا يعلق بالبعيد إلا عند اللبس مع القريب أو بوجود القرينة المانعة من اللبس .