تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: القصر في الصلاة والصلاة في السفر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الإسكندرية - مصر
    المشاركات
    110

    افتراضي القصر في الصلاة والصلاة في السفر

    الحمد لله وبعد ,,,

    نتناول في هذا الموضوع ثلاثة مباحث

    الأول: قصر الصلاة وصلاة السفر معناً وحكماً
    الثاني: مسافة السفر
    الثالث: زمن السفر

    المبحث الأول: قصر الصلاة وصلاة السفر معناً وحكماً:
    قال تعالى "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا"

    فهم كثير من المسلمين و جمع من الفقهاء أن القصر المقصود هو قصر عدد الركعات في الصلوات الرباعية لركعتين فقط
    لأن قوله تعالى "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ" يعني السفر
    فقالوا هذا هو قصر الصلاة في السفر لركعتين

    ولأن الآية فيها "فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ" فقالوا أن القصر إذن رخصة وليس عزيمة لأن نفي الجناح بالتأكيد يدل على الجواز لا الوجوب

    ولولا ثبوت استمرار عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين على الصلاة ركعتين في السفر في الأمن كما في الخوف والأحاديث الواردة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب فيما روي عنه {صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته} لولا ذلك لقالوا أن الصلاة ركعتين في السفر لا تجوز إلا في حالة الخوف لقوله تعالى "إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا"

    والحقيقة أن هذا التأويل لا يستقيم
    والصواب أن القصر المقصود في الآية هو قصر صلاة المسافر نفسها
    إما في العدد وذلك بقصر الركعتين إلى ركعة واحدة
    وإما في كيفيتها

    فعلى االمعنى الأول (تقصير الصلاة لركعة واحدة) يدل حديث ابن عباس قال { فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة } رواه أبو داود وابن حزم
    قال ابن حزم في المحلى:
    عن مجاهد عن ابن عباس قال { فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة } . ورويناه أيضا - من طريق حذيفة ، وجابر ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة وابن عمر ، كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد في غاية الصحة

    قال تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } . كتب إلى هشام بن سعيد الخير قال : ثنا عبد الجبار بن أحمد المقرئ الطويل ثنا الحسن بن الحسين بن عبدويه النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصفهاني ثنا أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القادر ثنا أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله - عن يزيد الفقير هو يزيد بن صهيب - قال : سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر ، أقصرهما ؟ قال جابر {لا إن الركعتين في السفر ليستا بقصر ، إنما القصر ركعة عند القتال}
    قال علي : وبهذه الآية قلنا : إن صلاة الخوف في السفر - إن شاء - ركعة - وإن شاء - ركعتان ؛ لأنه جاء في القرآن بلفظة لا جناح لا بلفظ الأمر والإيجاب ، وصلاهما الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ركعة ومرة ركعتين اهـــــــ

    وعلى المعنى الثاني (قصر كيفيتها) يدل الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن مالك , عن يزيد بن رومان , عن صالح بن خوات , عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع : { صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه , وطائفة وجاه العدو , فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم , ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو , وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته , ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم } قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف

    وأيضا عن جابر رضي الله عنه قال : { شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين خلفه ، والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ، ثم ركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف الآخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود بالصف الذي يليه ، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا } رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي

    وحمل بعض العلماء معنى (الخوف ركعة) على أن المقصود ركعة واحدة مع الإمام لأن المصلين خلف الإمام يتموا بعد ذلك لأنفسهم فرادى الركعة الباقية وهذا توجيه حسن

    ومن ذلك يتضح الفرق بين (القصر في الصلاة) وبين (الصلاة في السفر)

    فالقصر في الصلاة رخصة علته الخوف من العدو و جوازه باق مع بقاء الخوف وصفته تقصير الكيفية كما في الحديثين السابقين أو تقصير الركعتين لركعة واحدة

    أما الصلاة في السفر فهي ركعتين فريضة فهي عزيمة وليست رخصة لأنها هكذا فٌرِضَت وعلتها السفر وصفتها أن تصلى ركعتين إلا في المغرب
    ولذا من الخطأ إطلاق لفظ (القصر) على الصلاة ركعتين في السفر لأن القصر إنما هو في صلاة الخوف أما الصلاة ركعتين في السفر فهذا هو تمامها , يدل على هذا الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الباب

    - عن عائشة أم المؤمنين قالت {فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر} متفق عليه
    وعبارة (فرضها ركعتين) مع قولها (فأقرت) تدل على أن هذا فرضها وليس رخصة فمن صلى أربعا في السفر كمن صلى الصبح أربعا

    - عن ابن عباس قال { صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ، ونحن آمنون ، لا نخاف بينهما ، ركعتين ركعتين} . رواه النسائي

    - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر ، رضي الله عنه ، قال { صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد والنسائي وابن ماجه

    قال الحافظ ابن كثير:
    وهذا إسناد على شرط مسلم . وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى ، عن عمر . وقد جاء مصرحا به في هذا الحديث وفي غيره ، وهو الصواب إن شاء الله . اهـــــــ
    والحديث صريح جدا في دلالته

    - وقد روى مسلم في صحيحه ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري - زاد مسلم والنسائي : وأيوب بن عائد - كلاهما عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس قال { فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة}
    وهنا يتبين المغايرة بين الركعتين في السفر وبين القصر وهو الذي في صلاة الخوف

    قال الحافظ ابن كثير:
    فهذا ثابت عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ولا ينافي ما تقدم عن عائشة لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ، ولكن زيد في صلاة الحضر ، فلما استقر ذلك صح أن يقال : إن فرض صلاة الحضر أربع ، كما قاله ابن عباس ، والله أعلم .
    لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان ، وأنها تامة غير مقصورة ، كما هو مصرح به في حديث عمر ، رضي الله عنه ، وإذا كان كذلك ، فيكون المراد بقوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ; ولهذا قال : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [ إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ] ) .

    ولهذا قال بعدها : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة [ فلتقم طائفة منهم معك ] ) الآية فبين المقصود من القصر هاهنا وذكر صفته وكيفيته ;

    ولهذا لما عقد البخاري" كتاب صلاة الخوف " صدره بقوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) إلى قوله : ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا )

    وهكذا قال جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) قال : ذاك عند القتال ، يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه .

    وقال أسباط ، عن السدي في قوله : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) الآية : إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام ، التقصير لا يحل ، إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة ، فالتقصير ركعة .

    وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان ، فتوافقوا ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات ، بركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جميعا ، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم .

    روى ذلك ابن أبي حاتم . ورواه ابن جرير ، عن مجاهد والسدي ، وعن جابر وابن عمر ، واختار ذلك أيضا ، فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك : وهو الصواب . وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد : أنه قال لعبد الله بن عمر { إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ، ولا نجد قصر صلاة المسافر ؟ فقال عبد الله : إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به }.
    فقد سمى صلاة الخوف مقصورة ، وحمل الآية عليها ، لا على قصر صلاة المسافر ، وأقره ابن عمر على ذلك ، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن .

    وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا : حدثني أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك الحنفي : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال : ركعتان تمام غير قصر ، إنما القصر صلاة المخافة . فقلت : وما صلاة المخافة ؟ فقال : يصلي الإمام بطائفة ركعة ، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، فيصلي بهم ركعة ، فيكون للإمام ركعتان ، ولكل طائفة ركعة ركعة . انتهى

    يتبع إن شاء الله تعالى

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الإسكندرية - مصر
    المشاركات
    110

    افتراضي رد: القصر في الصلاة والصلاة في السفر

    قد يشكل البعض على ما تقدم بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه والذي أوردنا طرفا منه وهو
    عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب "فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا" سورة النساء آية 101 ، فقد أمن الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال { صدقة ، تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته }
    فيقال: هذا يدل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد الركعات وأن ذلك كان مفهوما عندهم من معنى الآية.

    قال الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره ( أحكام القرآن ) ردا على هذا الاستشكال:
    قيل له : لما كان اللفظ محتملا للمعنيين من أعداد ركعات الصلاة ومن صفتها على الوجه الذي بينا لم يمتنع أن يكون قد سبق في وهم عمر ويعلى بْن أمية ما ذكر , وأن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القصر في حال الأمن لا على أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن قصر الآية هو في العدد فأجابه بما وصف ; ولكنه جائز أن يكون قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : كيف نقصر وقد آمنا , من غير أن يذكر له تأويل الآية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يقصر في مغازيه , ثم قصر في الحج في حال الأمن وزوال القتال , فقال : { صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته }.
    يعني : أن الله قد أسقط عنكم في السفر فرض الركعتين في حال الخوف والأمن جميعا.
    وقد روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة السفر أنها تمام غير قصر , فجائز أن يكون ظن بديا أن قصر الخوف هو في عدد الركعات , فلما سمعه يقول : { صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر } علم أن قصر الآية إنما هو في صفة الصلاة لا في عدد الركعات. اهـــــــــــــ ـ

    قلت:
    هذا الاستشكال إن كان له وجه معتبر في اشتمال آية سورة النساء على قصر عدد الركعات فلا يقدح في أن الصلاة في اليفر ركعتين حكمها الوجوب لقوله صلى الله عليه وسلم "فاقبلوا صدقته" والأمر الأصل فيه الوجوب كما هو مقرر في الأصول
    فإن تقرر هذا فلا يبقى إلا مسألة صحة تسمية الصلاة في السفر قصرا أو لا , وهو خلاف نظري لا ينبني عليه عمل فسواء سميت الركعتين في السفر تماما أو قصرا فما يهم هو وجوب صلاتها ركعتين فقط كما جاءت بذلك السنة القولية بصيغة الأمر والسنة الفعلية بالمداومة على ذلك

    وقد أشكل البعض أيضا على حديث السيدة عائشة رضي الله عنها
    {فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر} متفق عليه

    وقد أورد محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان هذه الاعتراضات والرد عليها فقال:
    واعلم أن حديث عائشة المذكور تكلم فيه من ثمان جهات :

    الأولى : أنه معارض بالإجماع . قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه المسمى " بالقبس " . قال علماؤنا هذا الحديث مردود بالإجماع .

    الثانية : أنها هي خالفته ، والراوي من أعلم الناس بما روى فهي رضي الله عنها كانت تتم في السفر ، قالوا : ومخالفتها لروايتها توهن الحديث .

    الثالثة : إجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم .

    الرابعة : أن غيرها من الصحابة خالفها ، كعمر ، وابن عباس ، وجبير بن مطعم ، فقالوا : { إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة } ، وقد قدمنا رواية مسلم وغيره له عن ابن عباس .

    الخامسة : دعوى أنه مضطرب ; لأنه رواه ابن عجلان ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : { فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ركعتين } ، وقال فيه الأوزاعي ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : { فرض الله الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ركعتين } الحديث . قالوا : فهذا اضطراب .

    السادسة : أنه ليس على ظاهره ; لأن المغرب ، والصبح لم يزد فيهما ، ولم ينقص .

    السابعة : أنه من قول عائشة لا مرفوع .

    الثامنة : قول إمام الحرمين : لو صح لنقل متواترا .

    قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذه الاعتراضات الموردة على حديث عائشة المذكور كلها ساقطة ، أما معارضته بالإجماع فلا يخفى سقوطها ; لأنه لا يصح فيه إجماع وذكر ابن العربي نفسه الخلاف فيه .

    وقال القرطبي بعد ذكر دعوى ابن العربي الإجماع المذكور :
    قلت : وهذا لا يصح ، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعوه من الإجماع .

    وأما معارضته بمخالفة عائشة له فهي أيضا ظاهرة السقوط ; لأن العبرة بروايتها لا برأيها كما هو التحقيق عند الجمهور ، وقد بيناه في سورة " البقرة " في الكلام على حديث طاوس المتقدم في الطلاق .

    وأما معارضته بإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم ، فجوابه أن فقهاء الأمصار لم يجمعوا على ذلك ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن المسافر لا يصح اقتداؤه بالمقيم لمخالفتهما في العدد ، والنية ، واحتجوا بحديث : { لا تختلفوا على إمامكم } وممن ذهب إلى ذلك الشعبي وطاوس وداود الظاهري وغيرهم .

    وأما معارضته بمخالفة بعض الصحابة لها كابن عباس ، فجوابه ما قدمناه آنفا عن ابن كثير من أن صلاة الحضر لما زيد فيها واستقر ذلك صح أن يقال : إن فرض صلاة الحضر أربع كما قال ابن عباس .

    وأما تضعيفه بالاضطراب فهو ظاهر السقوط ; لأنه ليس فيه اضطراب أصلا ، ومعنى فرض الله وفرض رسول الله واحد ; لأن الله هو الشارع والرسول هو المبين ، فإذا قيل فرض رسول الله كذا فالمراد أنه مبلغ ذلك عن الله فلا ينافي أن الله هو الذي فرض ذلك كما قال تعالى : "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" [ 4 \ 80 ] ، ونظيره حديث : { إن إبراهيم حرم مكة } مع حديث : { إن مكة حرمها الله } الحديث .

    وأما رده بأن المغرب والصبح لم يزد فيهما فهو ظاهر السقوط أيضا ; لأن المراد بالحديث الصلوات التي تقصر خاصة كما هو ظاهر ، مع أن بعض الروايات عن عائشة عند ابن خزيمة ، وابن حبان ، والبيهقي . قالت : { فرضت صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان ، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب ; لأنها وتر النهار } وعند أحمد من طريق ابن كيسان في حديث عائشة المذكور " إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا " .

    وهذه الروايات تبين أن المراد خصوص الصلوات التي تقصر ، وأما رده بأنه غير مرفوع فهو ظاهر السقوط ; لأنه مما لا مجال فيه للرأي فله حكم المرفوع ، ولو سلمنا أن عائشة لم تحضر فرض الصلاة فإنها يمكن أن تكون سمعت ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمنها معه ، ولو فرضنا أنها لم تسمعه منه فهو مرسل صحابي ومراسيل الصحابة لها حكم الوصل .

    وأما قول إمام الحرمين إنه لو ثبت لنقل متواترا فهو ظاهر السقوط ; لأن مثل هذا لا يرد بعدم التواتر ، فإذا عرفت مما تقدم أن صلاة السفر فرضت ركعتين كما صح به الحديث عن عائشة وابن عباس وعمر - رضي الله عنهم - فاعلم أن ابن كثير بعد أن ساق الحديث عن عمر ، وابن عباس ، وعائشة قال ما نصه :

    وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله : "فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ; ولهذا قال : "إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" الآية . ولهذا قال بعدها : "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" الأية . فبين المقصود من القصر هاهنا ، وذكر صفته وكيفيته . اه محل الغرض منه بلفظه وهو واضح جدا فيما ذكرنا وهو اختيار ابن جرير . انتهى

    وقد جمع شيخ الاسلام ابن تيمية جمعا حسنا فاعتبر أن الآية تشتمل على كلا نوعي القصر العددي و الكيفي , و قد ذكر الله تعالى فيها علتين , الأولى السفر ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) , والثانية الخوف (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقال أن قصر العدد إلى ركعتين علته السفر و قصر الهيئة علته الخوف
    فمتى وجد السفر قُصر العدد ولو بدون خوف
    ومتى وجد الخوف قُصرت الهيئة ولو بدون سفر
    ومتى اجتمع السفر والخوف قُصر كلاهما

    فقال رحمه الله في (مجموع الفتاوى 22/ 90):
    ومما يشبه هذه الآية في العموم والجمع وإن اشتبه معناها : قوله تعالى : "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ" [ النساء : 101 ] فإنه أباح القصر بشرطين الضرب في الأرض، وخوف الكفار .ولهذا اعتقد كثير من الناس أن القصر مجرد قصر العدد، أشكل عليهم . فمن أهل البدع من قال : لا يجوز قصر الصلاة إلا في حال الخوف، حتى روى الصحابة السنن المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في القصر في سفر الأمن، وقال ابن عمر : { صلاة السفر ركعتان من خالف السنة فقد كفر } . فإن من الخوارج من يرد السنة المخالفة لظاهر القرآن، مع علمه بأن الرسول سنها .

    وقال حارثة بن وهب : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان ركعتين . وقال عبد الله بن مسعود : { صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وخلف أبى بكر ركعتين، وخلف عمر ركعتين } ، وقال عمر ليعلى بن أمية لما سأله عن الآية : فقال : عجبت مما عجبت منه . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته } .

    فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القصر في سفر الأمن صدقة من الله، ولم يقل إنها مخالفة لظاهر القرآن . فنقول : القصر الكامل المطلق هو قصر العدد، وقصر الأركان، فقصر العدد جعل الرباعية ركعتين، وقصر الأركان هو قصر القيام والركوع والسجود كما في صلاة الخوف الشديد، وصلاة الخوف اليسير .

    فالسفر سبب قصر العدد، والخوف سبب قصر الأركان، فإذا اجتمع الأمران قصر العدد والأركان, وإن انفرد أحد السببين : انفرد قصره فقوله سبحانه : "أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ" [ النساء : 101 ] ، مطلق في هذا القصر، وهذا القصر، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسر مجمل القرآن، وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه . وهى مفسرة له لا مخالفة لظاهره .).

    وقال في (ص 82) من المجلد نفسه :
    وأما قوله تعالى : " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ " [ النساء : 101 ] ، فهنا علق القصر بسببين : الضرب في الأرض، والخوف من فتنة الذين كفروا؛ لأن القصر المطلق يتناول قصر عددها، وقصر عملها، وأركانها . مثل الإيماء بالركوع والسجود، فهذا القصر إنما شرع بالسببين كلاهما،كل سبب له قصر . فالسفر يقتضي قصر العدد، والخوف يقتضي قصر الأركان .
    ولو قيل : إن القصر المعلق هو قصر الأركان، فإن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر، لكان وجيهًا . ولهذا قال : "فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ" انتهى

    وتابعه الإمام شمس الدين بن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) فقال:
    وقد يقال : إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين ، وقيد ذلك بأمرين : الضرب في الأرض ، والخوف ، فإذا وجد الأمران أبيح القصران ، فيصلون صلاة خوف مقصورا عددها وأركانها وإن انتفى الأمران وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة ، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده ، فإن وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفي العدد ، وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية ، وإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفيت الأركان وصليت صلاة أمن ، وهذا أيضا نوع قصر وليس بالقصر المطلق ، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد ، وقد تسمى تامة باعتبار تمام أركانها وإن لم تدخل في الآية ا هـ .

    وقل نقل كلام ابن القيم أيضا الإمام الشوكاني في (نيل الأوطار) مرجحا إياه

    يتبع إن شاء الله تعالى

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2014
    المشاركات
    5

    افتراضي رد: القصر في الصلاة والصلاة في السفر

    جزاكم الله خيرا و نفع بكم .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الإسكندرية - مصر
    المشاركات
    110

    افتراضي رد: القصر في الصلاة والصلاة في السفر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيناب مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا و نفع بكم .
    وجزاكِ الله الخير في الدارين ونفعنا وإياك بما تعلمنا وعلمنا ما ينفعنا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •