تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تربية الأحباب.. بجميل الألقاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,243

    افتراضي تربية الأحباب.. بجميل الألقاب

    تربية الأحباب.. بجميل الألقاب (1-2)








    لا يزال المربي الفعّال يبحث عن كل ما يساعده، في أداء مهمته السامية على أحسن الوجوه، مهمة بناء النفوس وتهيئتها للترقي والصعود في معارج الفضيلة والأخلاق.


    ومن أول ما يعرض للمربي في مسيرته اختيار الاسم الحسن لولده، وقد أمر الله تعالى بإحسان تسمية الولد، وجعل ذلك من الحق الواجب له على والده، قال صلى الله عليه وسلم : «إن من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، وأن يحسن أدبه» رواه البزار:ج:8، ص:47- وأخرجه الهيثميّ في مجمع الزوائد.

    وذلك لأن الاسم يعد واجهة لصاحبه، ويتبع ذلك اللقب الذي يخلعه الوالدان على الأبناء، فإن تلقيب الولد من شأنه أن يشعره بالتقدير، والثقة، كما أنه يدفعه إلى المعالي، فإذا كان اللقب حسناً، أثار المعاني الخيرة في نفس حامله كلما دعاه داعٍ؛ فتطيع جوارحه آثار تلك المعاني حتى تصبح خلقاً له.

    ولقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بعض أنبيائه بألقابهم الإيجابية، على سبيل المدح والتشريف لهم، مثال ذلك: وصف الله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام بـ«المسيح»، قال عزّ وجلّ: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴿45﴾وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿46﴾قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿47﴾}(آل عمران:45- 46).

    فالمسيحُ لقب من الألقاب المشرفة، وأصله «مشيحا» بالعبرانية وتعني: المبارك، كما ورد على لسان المسيح في سورة مريم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}(مريم: 31)، وقيل في تفسيرها: أنه سمّيَ مسيحاً لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء منها.

    أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكاناً، وقيل: لأنّ جبريل مسحه بجناحيه وقت الولادة ليكون عَوْذَةً من الشيطان الرجيم.(الكشاف-الزمخشري:1:390)، (روح المعاني للألوسي:3:161).

    وكذلك يطلق اللقب الحسن إذا أُريد به تشريف المخاطب أو تحفيزه لمزيد من العمل والإبداع، كما كان يفعل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام؛ فيختار لهم ألقاباً إيجابية تنطق بالصدق وتوحي بالخير، فأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بلقب (أمين الأمة)، فعندما أراد أن يرسله مع وفد نجران ليعلمهم السنة والإسلام قال: «قم يا أبا عبيدة، وأخذ بيده وقال: هذا أمين هذه الأمة»، رواه البخاري:3/1369.

    ولقّب خالد بن الوليد رضي الله عنه بـ(سيف الله المسلول)، قال: «لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله صبّه الله على الكفار»- راجع صحيح ابن حبّان:15/565

    ولا ننس اللقب الخالد الذي لُقب به البطل المجاهد يوسف بن أيوب، فقد لقبه عمه «أسد الدين شيركوه» بـ«صلاح الدين» وهو بعد طفل صغير، فكان من أمره أن حقق الله تعالى على يديه ما تمناه عمه في هذا اللقب، فأصلح الله به الدين، وجعل تحرير القدس من أيدي الصليبيّين على يديه، وشاع لقبه حتى أصبح يعرف به أكثر من اسمه، فالكل يعرفه بـالبطل المجاهد «صلاح الدين الأيوبي».

    ولكن أحياناً.. يفرّط الأحباب في منح جميل الألقاب..! فمع تزايد ضغوط الحياة على الآباء والأمهات من جهة، وجهل كثير منهم بأصول التربية الصحيحة وبحقوق الأبناء على آبائهم، من جهة أخرى؛ قد تضيق أنفسهم عن استيعاب الأطفال والصبر عليهم إذا أخطؤوا؛ فتجري على ألسنتهم الشتائم والعبارات الجارحة، وقد يصيرونها ألقاباً ينادي أحدهم ولده بها، بل قد يروْنها من ضرورات التأديب، لأن الولد لا يطيع والديه إلا إذا وجهت إليه الشتائم..!!

    وقد نهانا الله تعالى عن التنابز بالألقاب، وسماه في كتابه العزيز فسوقا، قال تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿11﴾}(الحجرات:11)، ومعنى النبز: لقب السوء، وهو الاسم الذي يسوء الإنسان سماعه، وتنابزوا بالألقاب أى:لقّب بعضهم بعضاً بأسماء سيئة، أو نادوا بعضهم بتلك الأسماء المكروهة.(تفسير القرطبي، ج16/329 ابن كثير:ج:4/213). ولخطورة الألقاب السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع، كان هذا النداء الإلهي، ومعناه: لا يسمينّ أحدكم غيره بلقب سوء أو يناديه باسم يكرهه.

    وتتعدد صور التنابز بالألقاب، فمنها: تعيير التائب بسيئات قد تاب عنها، ويدخل في ذلك تعيير الطفل بأخطائه القديمة.

    ومنها: أن تقول لأخيك أو ولدك: يا كلب يا حمار يا خنزير، أو تسميه بالأعمال السيئة، مثل: يا راسب، يا سارق، يا كاذب.

    وإلى اللقاء في الحلقة القادمة:

    لنتعرف على تأثير الألقاب السلبية على شخصية الولد وبنائه النفسي.






    اعداد: سحر شعير







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,243

    افتراضي رد: تربية الأحباب.. بجميل الألقاب

    تربية الأحباب.. بجميل الألقاب (2-2)





    تناولنا في الحلقة الماضية، أهمية اختيار الاسم الحسن للأولاد، و التأثير المهم لاختيار الألقاب، والبعد عن التنابز بالألقاب.

    وفي هذه الحلقة: سنتناول تأثير الألقاب السلبية على شخصية الولد وبنائه النفسي.
    وللألقاب السلبية أثر مدمّر على شخصية الولد وبنائه النفسي:
    فالطفل الذي يسمع والديه يومياً يلقبانه بألقابٍ سيئة مثل: «حيوان، متخلف، تحفة....» وغيرها، تنطبع في ذهنه الصورة التي يخبره بها المحيطون عن نفسه، ويصدّقها ويتحد معها، ومِن ثَمّ يتصرف بمقتضاها سلباً وإيجاباً.
    فإذا ناديناه دائماً بكلمة (يا غبيّ) فإنه بكل تأكيد سيتصرف بغباء، بينما لو لقبناه بالذكيّ وناديناه دائماً بالألقاب التي تدور حول معنى الذكاء والذهن المتّقد مثل: «يا ذكيّ، يا أبا الأفكار، يا عبقري...»؛ فسيكون الولد في حالة دائمة من شحذ الذهن والتركيز حتى يحقق في الواقع ما وصفه به المحيطون، ويحاول جاهداً أن يعمل -بمقتضى اللقب- الحسن؛ من أجل أن لا يفقده.
    وكل ذلك يتم طبيعياً كفعل ورد فعل منعكس على الطفل، فالله تعالى قد ألهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها، وأن يكون هناك تناسب بين الاسم واللقب، وبين ما يستدعيه في نفس صاحبه من الأخلاق والأعمال، كتناسب الأسباب ونتائجها، وترتب كل منهما على الآخر.(هداية الله أحمد شاش:موسوعة التربية العملية للطفل)
    عزيزي المربي..
    إن البيت المسلم الذي هو نواة المجتمع الكريم، لا تجد فيه أحداً يسخر من أحد، أو يفضحه فيذكر عيباً فيه، أو يناديه بلقبٍ يكرهه، أما البيت الذي امتلأ بالسخرية واللمز والتنابز بالألقاب؛ فأهله بحاجة ماسة إلى التوبة المتجددة والاستغفار الدائم؛ حتى لا يكونوا من القوم الظالمين، فللابن حرمة مثل الفرد المسلم الذي يحرم إيذاؤه مطلقاً.
    وله حقٌ أخصّ وألزم بصفته الابن والولد، تقتضي من باب الأولى عدم استباحة شتمه أو نعته بالألقاب السيئة، ولذلك فالمربي الذي يراقب الله تعالى في تربية صغاره، يشعر بوخز الضمير إذا أطلق لسانه في أهله وولده، ويتأثم من ذلك الفعل، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:كنت رجلاً ذَرِبَ اللسان على أهلي وكان لا يعدوهم إلى غيرهم، فقلت: يا رسول الله؛ إني قد خشيت أن يدخلني لساني النار، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم وأتوب إليه مئة مرة» راجع صحيح ابن حبّان:3/205. ( نقلا عن :عبد الله عبد المعطي: كيف تصنع طفلاً مبدعاً؟،ج:2،ص،13).
    خاصية التوجيه الذاتي في الاسم واللقب:
    وقد أكّد علماء التربية أنّ اسم الولد ولقبه أو كنيته التي يناديه بها والداه ومربوه -خصوصاً- يكون لها أثر كبير في تشكيل شخصيته وبنائها سلباً أو إيجاباً بحسب نصيبه من الألقاب الحسنة الإيجابية.
    وقلّ ما أَبْصَرَتْ عيناك ذا لقبِ
    إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
    فالعناية بإطلاق اللقب الحسن الذي يحمل المعاني السامية يُعدّ من أمنية المربي لولده، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم : من تمنّى أن يحسن أمنيته، وقال:«إنّ أحدكم لا يدري ما يكتب له من أمنيته». أي: ما يقدّر له منها، ويكون تلََفُظَه بالأمنية سبب حصولها وتحققها في أرض الواقع بإذن الله تعالى، وقد بلغنا أخبار كثير من المتمنّين أصابتهم أمانيهم أو بعضها، وكان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:
    احذر لسانك أن تقول فتبتلى
    إنّ البلاء موكل بالمنطقِ
    ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب تسأله رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لها: مَن أنتِ؟ قالت: امرأة من بني سعد، قال: فما اسمك؟ قالت: حليمة، فقال: بخٍ بخٍ، سعد وحلم، هاتان فيهما غناء الدهر. (جمال عبد الرحمن: أطفال المسلمين كيف ربّاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟).
    ومازال الأذكياء من المربين يترسمون هدى النبي صلى الله عليه وسلم في تلقيب الأبناء والتلاميذ بألقاب تدل على محاسنَ فيهم، فيكون اللقب ثناءً على صاحبه ومشجعاً له على الاستمرار، مثل ما فعل التابعي الجليل نافع مولى ابن عمر عندما أتاه تلميذه -عثمان بن سعيد- من مصر ليقرأ عليه القرآن، فوجد القرّاء قد ازدحموا عليه؛ حيث يقرأ عليه في اليوم والليلة ثلاثين رجلاً، فلم يكن له حلٌّ إلا أن يبيت في المسجد حتى يأخذ على الإمام نافع النَوَْبة في القراءة مبكراً جداً قبل أن يبدأ مع تلاميذه، فأعجب معلمه بنشاطه وخفته وهمته العالية، فلقّبه (بالورشان)وهو طائر أبيض معروف، فكان يقول: اقرأ يا ورشان وهات يا ورشان، ثم خفف وقيل (ورش)، وكان الإمام ورش يعتز بهذا اللقب ويقول: أستاذي نافع سماني به، واستمرت العلاقة بينهما حتى أتقن ورش قراءة القرآن على قراءة شيخه نافع، ثم انتقل إلى مصر وصارت له رئاسة الإقراء فيها.(عبد الله عبد المعطي: كيف تصنع طفلاً مبدعاً،ص:18).
    وأخيراً أعزائي المربين:
    إن كل منّا لو نظر بإمعان في جوانب شخصية ولده لابد أنه سيجد فيها الكثير من المميزات التي تَعِد بخير كثير في مستقبل هذا الولد، فلنصوّب على أكثرها لمعاناً وتوهجاً، فنلقبه به لقباً مميزاً، يرفع معنوياته، ويشجعه على تحقيق معناه وما يتضمنه من صفات وأخلاق.



    اعداد: سحر شعير



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •