قَالَ الإِمَامُ أبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ رحمه الله :
( عَلَيْكَ بِآثارِ مَنْ سَلَفَ وإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإيَّاكَ وآراءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بالقَوْلِ ) .
قال ابن جبرين رحمه الله.
الأَوْزَاعِيُّ:
إِمَامُ أهلِ الشَّامِ مِنْ كِبَارِ تابعِي التَّابعينَ ، أَدْرَكَ كَثِيرًا منْ علماءِ التَّابعينَ ،
وكانَ قُدْوَةً وَأُسْوَةً في عِلْمِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَرَحِمَهُ ،
وكانَ أَيْضًا منْ جَهَابِذَةِ الأُمَّةِ ، ومِنْ عُلَمَائِهَا الَّذينَ حَفِظَ اللهُ بِهِم السُّنَّةَ في تِلْكَ البلادِ .
يَحُثُّنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في هذا الأثرِ على أنْ نَتَّبِعَ آثَارَ مَنْ سَبَقَ وإنْ هَجَرَنَا مَنْ هَجَرَنَا.
(وإنْ رَفَضَكَ النَّاسُ) :
كأنَّهُ اسْتَشْعَرَ أنَّ هُنَاكَ مَنْ يَهْجُرُ الحَقَّ وَيَهْجُرُ أَهْلَهُ الَّذينَ يَرْوُونَ أحاديثَ السُّنَّةِ وأحاديثَ الصِّفاتِ ، وَيَمْقُتُهُم وَيَرْمِيهِم بأنَّهُم مُشَبِّهَةٌ ، وبأنَّهُم مُمَثِّلَةٌ ،
فيقولُ : ( عَلَيْكَ بآثارِ مَنْ سَبَقَ ) :
يَعْنِي : الآثارَ الَّتي يَرْوُونَهَا ، والَّتي يَقُولُونَهَا وَيَذْهَبُونَ إليها ، وَيُرِيدُ بِمَنْ سَبَقَ الصَّحابةَ والتَّابعِينَ منْ علماءِ الأُمَّةِ ،
عليكَ بِآثَارِهِم : اتَّبِعْ آثَارَهُم ، وَسِرْ على نَهْجِهِم.
(وإنْ رَفَضَكَ النَّاسُ) :
ولوْ لَقِيتَ هُجْرَانًا وإهانةً، ما دُمْتَ على الحقِّ، وما دُمْتَ مُتَّبِعًا لِمَنْ هُمْ عَلَى الحقِّ ، فلا تُبَالِ بِمَنْ هَجَرَكَ ، أوْ حَقَّرَكَ، أوْ مَقَتَكَ.
(وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ ، وَإِنْ زَخْرَفُوهَا لَكَ بِالْقَوْلِ ) :
يَعْنِي: احْذَر الآراءَ.
(الآراءُ) : هُنَا جَمْعُ : رَأْيٍ.
والقولُ الَّذي لا دَلِيلَ عليهِ يُسَمَّى رَأْيًا ، وَجَمْعُهُ : آرَاءٌ ؛
وهيَ الأقوالُ الَّتي يَقُولُهَا بعضُ النَّاسِ بِمُجَرَّدِ فِكْرِهِ ، وَبِمُجَرَّدِ نَظَرٍ يَرَاهُ لا دَلِيلَ عليهِ ،
فهؤلاءِ يَجِبُ أنْ نَحْذَرَهُم وَنَبْتَعِدَ عَنْهُم .
وهذا الأثرُ فيهِ أنَّ الحقَّ أَحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ ، وأنَّ هُنَاكَ مَنْ يُشَجِّعُ على الباطلِ وَيَدْعُو إليهِ وَيُزَخْرِفُهُ، وَيَأْتِي لهُ بعباراتٍ مُشَوِّقَةٍ ،
وما أكثرَهُم في زَمَانِنَا ،
وَيَأْتُونَ بكلماتٍ وعباراتٍ مُبَهْرَجَةٍ يَمْدَحُونَ بها طُرُقَهُم ، كَطُرُقِ التَّصَوُّفِ مَثَلاً ، أو التَّشَيُّعِ ، أو النَّفْيِ ، أو التَّعطيلِ ، ونحوِ ذلكَ ،
وَيَزْعُمُونَ أنَّ هذهِ الطَّريقةُ المُثْلَى ، وأنَّ سُلُوكَهَا هوَ الطَّريقُ الأقومُ ، وأنَّ الَّذينَ عَلَيْهَا هم أهلُ النَّجاةِ ، وأنَّ مَنْ خَالَفَهَا فهوَ منْ أهلِ الهلاكِ أو التَّرَدِّي ،
وما أَكْثَرَهُم في كلِّ زمانٍ. شرح لمعة الاعتقاد
************
قال ابن عثيمين رحمه الله
(وإيَّاكَ وآراءَ الرِّجالِ) :
احْذَرْ آراءَ الرجالِ ، وهيَ ما قيلَ بمُجَرَّدِ الرأيِ مِنْ غيرِ اسْتِنادٍ إلى كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
(وإنْ زَخْرَفُوهُ): جَمَّلُوا اللفظَ وحَسَّنُوهُ ؛ فإنَّ الباطِلَ لا يعودُ حقًّا بزَخْرَفَتِهِ وتَحْسِينِهِ.
شرح لمعة الاعتقاد
قال الشيخ صالح ال الشيخ
********
(إيَّاكَ وآراءَ الرِّجالِ وإن زخرفوه لك بالقولِ )
، وإن زخرفوا الآراء بالأقوالِ ونمّقوا القولَ وزخرفوهُ وجمَّلوه ،
فإيَّاكَ وإياه ،
لا ترغبْ عن السّنَّةِ لأجلِ تحسينِ من حسَّنَ رأيَهُ بألفاظٍ ،
وخُذْ بالسّنَّةِ وبما جاء عن أهلِهَا وإن كانَ أهلُهَا لا يحسنون اللفظَ ولا تجميلَهُ ،
لأنَّ الميزانَ هو الاتِّباعُ،
فمن اَّتبعَ فهو النَّاجي
ومن ابتدعَ فهو الهالكُ ،
وقانا اللهُ وإيَّاكُمْ سُبلَ الهلاكِ .
شرح لمعة الاعتقاد