الرحمن الرحيم



«الرحمن».. هو أول اسم ورد في كتاب الله عندما نبدأ الفاتحة: {بسم الله الرحمن الرحيم}، والبسملة هي أول آية من فاتحة الكتاب، وهو الاسم الأول الذي لا «يسمى» به مخلوق كما لفظ الجلالة «الله».
ورد اسم «الرحمن» خمسا وأربعين مرة في كتاب الله عز وجل، اقترن «الرحيم» به في ستة مواضع وانفرد في الباقي، ولم يقترن بغير «الرحيم»، يقول ابن القيم في «بدائع الفوائد»: «وأما الجمع بين «الرحمن» و«الرحيم» فيه معنى أحسن من المعنيين منفردين، وهو أن «الرحمن» دال على الصفة القائمة به سبحانه، و«الرحيم» دال على تعلقها بالمرحوم؛ فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته».
ألم أقل لك: إن هذا العالم -رحمه الله- يأتي بكلام سهل ممتنع؟
- إن لقاءنا هذه المرة عند صاحبي؛ أراد أن يريني الحاسوب الجديد الذي اقتناه قبل يوم، وعرض علي بعض الحلويات التركية التي تصلح لمرضى السكر.
- هؤلاء علماء «اتقوا الله، فعلمهم الله».
- وماذا عن التفسير؟!
- قبل التفسير تذكرت أن أحد الأئمة ذكر في صفات الله عز وجل «الرحيم الرحمن».. فبينت له أنه ينبغي ترتيب الاسمين كما رتبهما الله عز وجل ولكنه لم يستجب، يقول في لسان العرب: «قال الفارابي: جيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة؛ لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما}، أما التفسير فيذكر الرازي في التفسير الكبير تعليقا على الآية {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } (البقرة:163).
«إنما خص سبحانه هذا الموضع بذكر هاتين الصفتين؛ لأن ذكر الألوهية والفردانية يفيد القهر والعلو، فعقبهما بذكر هذه المبالغة في الرحمة ترويحا للقلوب عن هيبة الإلهية وعزة الفردانية، وإشعارا بأن رحمته سبقت غضبه».
لنذكر بعض الآيات التي ورد فيها «الرحمن».
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (الإسراء:110).{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم:45). {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} (مريم:96).
ورد الرحمن 11 مرة في مريم.
{الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} (طه:5).
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (الأنبياء:26).
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } (الفرقان:59).
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} (يس:52). {الرَّحْمَٰنُ ﴿1﴾عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿2﴾} (الرحمن:1-2).
لقد لاحظت أمرا!
وما هو؟!
أن «الرحمن» قد يعذب أما «الرحيم» فلا يعذب. في سورة مريم يقول تعالى مخبرا عن حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}(مريم:45) .
ملاحظة جيدة تنسجم مع مقولة ابن القيم إن «الرحمن» صفة للذات، و«الرحيم» فعله للعباد سبحانه وتعالى.
وماذا عن اللغة؟!
«الرحمن»: ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة، ويقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: («الرحمن» ذو الرحمة الواسعة؛ لأن «فعلان» في اللغة تدل على السعة والامتلاء). و«رحمن» أبلغ من «رحيم»، و«الرحمة» هي الرقة والتعطف.. قال الحليمي: («الرحمن» المزيج للعلل؛ وذلك أنه لما أراد من الجن والإنس أن يعبدوه عرفهم وجود العبادات، وبين لهم حدودها وشروطها، وخلق لهم مدارك ومشاعر وقوى وجوارح يعملون بها لتنفيذ ما أراد منهم وخاطبهم وكلفهم وبشرهم وأنذرهم وأمهلهم وحملهم دونما تتسع له بنيتهم؛ فصارت العلل مزاحة وحجج العصاة والمقصرين منقطعة). المنهاج في شعب الإيمان.



اعداد: د. أمير الحداد