الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى خيرهم المصطفى وعلى آله وصحبه المستكملين الشرفا......
أما بعد
لعل من الشخصيات التي عرفت بجهل الناس لها على الرغم من ذيوع اسمها وكتبها بين العامة والخاصة هي شخصية الشيخ العلامة الطاهر الزاوي ـ رحمه الله ـ {1890ـ1986}
وربما يكون مرجع ذاك الجهل هو تعدد مواهبه، فالرجل ابتدأ حياته العامة كمجاهد ومهاجر .. اشترك في الجهاد ضد المحتل الإيطالي في معركة الهاني ولم يتجاوز الواحدة والعشرين من عمره، وقد ضمّن ذلك في كتابيه عن "جهاد الأبطال"، وبعدها أصبح السياسي الدبلوماسي الذي كان يجول بين القبائل والأعيان في مهمات م****ة للتنسيق ورأب الصدع بينهم، والرحالة الذي جاب الديار الليبية لذاك الغرض فسجل كل ما رآه في معجمه عن البلدان الليبية، وولج بذلك عالم الأنساب والأعراف فأصبح النسّابة الذي عرف القبائل وأنسابها ورجالها باثاً ذلك في كتبه خاصة "الأعلام". ويتألق بعدها ليصبح اللغوي الذي أخرج تلك العصارة في قاموس من أربع مجلدات، وأيضاً المؤرخ الذي خص ليبيا فقط بالتأريخ، وينهي حياته بالفقيه المفتي الذي انفرد بتناول ما همّ الناس من سؤال وإشكال وينفرد عن غيره بتناول وضع المرأة المزري في مجتمعاتنا ويثبت لها حقوق ربها التي خصها بها ... وغيرها من المواهب التي قلّ ما تجتمع في رجل كشيخنا.
والجدير بالذكر أنه من قلائل المؤرخين الليبيين الذين تبحروا في معرفة مفردات اللغة، وألّموا بفصيحها وعاميتها، ومأنوسها وغريبها ولذلك استطاع أن يرتب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير لصاحبه الفيروز أبادي وأساس البلاغة للزمخشري. كما إنه كان عليماً بأسرار اللفظ واشتقاقه، بصير بصرف الكلام، فمكنه ذلك من تنقيح كشكول العاملي، وبذلك امتلك مفاتيح لا تعد ولا تحصى لفهم أسرار كثير من العلوم العقلية والنقلية التي سهلت له الخوض في عالم التحقيق والتفسير والإفتاء.
ولعله من الجدير بالذكر هو شدة الشيخ في التعامل مع الطرق الصوفيه وهذا الخروج والتظاهر على ما تعارف عليه إقليمياً من الثوابت الإسلامية كان جلياً في تعامله مع الصوفية والمتصوفة في ميوله إلى ما يعرف الآن بالمدرسة "السلفية". فلقد سأله مرة أحد طلاب العلم عن الشيخ عبد السلام الأسمر: إذ ما كان الشيخ عبد السلام الأسمر ولياً صالحاً أم صوفياً منحرفاً خلّف من الشطحات ما أساء به أتباعه إلى الإسلام..؟ فكان رد شيخنا المفتي: أني أحسبه صعلوكاً أسوداً.
{بقلم الدكتور فرج نجم }.....
ولعلي{أبو عمر } هنا سأنقل بعض فتاوي الشيخ رحمه الله التي نشرت في مجلة الهدي الاسلامي :
فـ:1.هل يجوز حلق اللحية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حلق اللحية حرام لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن حلقهاوأمر بإعفائها فقال " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى " ولم يقل أحد بجواز حلقها . والقول بالكراهة لا قيمة له ولا يعول عليه لأنه يخالف نص الحديث .
وحلق اللحية مصيبة عمت ومعصية تهاون بها الناس وأكثر أهل العلم . وهم يصرون على فعله وقد نص الفقهاء على أن {الاصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة }. ومن فعله على أنه مباح فذنبه أكبر ممن فعله وهو يعتقد أنه حرام .
وفي حلق اللحية التشبه بالنساء وقد لعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتشبهين من الرجال بالنساء بقوله " لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء" وكل ذنب ورد فيه اللعن فهو من الكبائر.
ولا يغتر الانسان بما درج عليه المنتسبون من حلق لحاهم . فإنهم مخطئون ـ ولا شك ـ ومخالفون لأمر ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولا شك ـ وداخلون في المتشبهين من الرجال بالنساء ـ ولا شك ـ .
قلت {أبوعمر} رحمك الله ياشيخ على هذه الفتوى ولست كمن قال {ولما رأيت كثيرا من الفضلاء يحلقون لحاهم فأردت أن أجد لهم مخرجا } بل عرف عنك الشدة والصدع بالحق ولم تكن تخشى في الله لومة لائم ـ فرحمك الله ـ.
فــ2.ما حكم تصوير التماثيل التي تكون على صورة الانسان او الحيوان وكانت قائمة بذاتها وما حكم اقتنائها.
وما حكم الصور المنقوشة على القماش وما حكم التصوير الشمسي الماخوذ بالفوتوغرافيا. أفيدونا رحكم الله .؟
الحمدلله وأشهد ان الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
إن الصورة إذا كانت قائمة بذاتها وكانت تشبه الانسان او الحيوان
سواء كانت من حجر أو من خشب أو غيرهمافإنها هى التي كانت العرب في الجاهلية يسمونها أصنام وكاناو يعبدونها ويشركونها مع الله في العبادة .ويسمى الذين يعبدونها مشركين .وهذا النوع من الصور لا يجوز صنعه ولا اقتناؤه بإجماع المسلمين .
وقد جاء الاسلام دين التوحيد ـ وعدو الشرك ـ فأنكر الأصنام والأوثان وسفه أحلام من يعبدها وأمر بتحطيمها حتى لا تذكر الناس بما كانوا عليه في جاهليتهم وقد حطم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة جميع الأصنام التي كانت في جوف الكعبة وعلى الصفا والمروة وكان يقول حينما كان يكسرهاـ : جاء الحق وزهق الباطل.
ونفر منها الإسلام تنفيرا لا هوادة فيه وحرم صنعها وصنع ما يشبهها كما حرم اتخاذها ووعد من يفعل ذلك بالعذاب في السعير وسوء المصير.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم{إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون}.
وقال {لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة }وقال {أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون خلق الله }وقال{إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة} وقال {من صور صورة عذبه الله حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}رواه مسلم.
وروى عن ابن عباس وابن مسعود{أن أصحاب الصور أشد الناس عذابا}وقال القرطبي :{لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن}وقال:{إن أصحاب الصور يعذبون يوم القيامة ويقال له مأحيو ماصنعتم}وهو عام في جميع الصور.
وفي البخاري ومسلم {أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون} وهو عام أيضا.
وحكى القرطبي عن مكي : أن فرقة تجوز التصوير وتحتج بقوله تعالى ـ حكاية عن سيدنا سليمان ـ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب}قال ابن عطية ـ صاحب التفسير المشهور ـ : وذلك خطأ ماأعلم عن أحد من أئمة العلم من يجوزه.
ثم قال القرطبي : فقد صح النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عنها والتوعد لمن عملها أو اتخذها فنسخ الله بهذا ماكان مباحا قبله .
وكل هذه الاحاديث تنفر من عمل الصور وتنذر صانعيها ومتخذيها بالعذاب الشديد .وهى عامة في جميع الصور. لا فرق بين ماله ظل كالتي على شكل الإنسان أو الحيوان وبين مالا ظل له كالتي نقشت على ثوب أو حائط .
وورد عن السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما يخصص هذا النهى بالصور القائمة بنفسها ذات الظل وتشبه مافيه الروح كالانسان والحيوان.
قالت السيدة عائشة {كان لنا ثوب فيه تصاوير فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى إليه ثم قال: أخريه عني فجعلت منه وسادتين فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتفق بهما {.. فالنبي أنكر الصورة في الثوب حينما كانت تامة فلما قطع الثوب وجعل منه وسادتان وتفرقت أجزاء الصورة لم ينكرها وارتفق بالوسادتين .
وقالت السيدة عائشة : خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأخذت نمطا فنشرته على الباب . فلما قد ورأى النمط فعرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه وقال {إن الله لم يأمرنا بأن نكسو الحجارة والطين{ قالت فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك على .
وقالت عائشة : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام{ستر رقيق } فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه ثم قال :{إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون خلق الله .قالت عائشة :فجعلت منه وسادتين.
وتدل روايات السيدة عائشة أن الصورة إذا تفرقت أجزاؤها للثوب أصبحت كالعدم ولا يترتب على استعمال الثوب التي نقشت عليه بعد تقطيعه ذلك الوعيد الذي تقدم للمصورين.
ومثل الصورة التي نقشت على الثوب ثم تفرقت أجزاؤها بتقطيع الثوب صور الاشجار والانهار والجبال وكل ما لا يشبه ما تحله الروح فإن كل هذه الاشياء لا يتناولها الوعيد المتقدم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز صنعها واقتناؤها.
قال القرطبي : وذهب الجمهور إلى جواز تصوير ما لاروح فيه وجواز الاكتساب به بمعنى أن الانسان يصور الجبال والانهار والشجر وما شابهها ويبيع صورهاوقد قال ابن عباس للذي سأله عن صنع الصور {إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر ومالا نفس له}رواه مسلم.ا.هـ ما كتبه القرطبي .
وقال المزني :لم يختلفوا على أن الصور في الستور المعلقة مكروهة غير محرمة وكذلك عندهم ما كان نقشا على البناء.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم {حتى ينفخ فيه الروح وليس بنافخ}يدل على إخراج هذه الاشياء من الوعيد لانها لا تشبه ما تحله الروح.
وذكر ابن حجر في شرحه للبخاري آراء العلماء في اتخاذ الصور فقال :{وحاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقما فالاصح إن كانت الصورة باقية بالهيئة قائمة الشكل حرم اتخاذها وإن كانت مقطوعة الرأس أو تفرقت أجزاؤها جاز}ماذكره ابن حجر يؤخذ مما ذكرناه من الادلة عن السيدة عائشة .
ونقل عن النووي :أن جواز اتخاذ الصور إنما هو إذا كانت لا ظل لها وهى مما ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد والقول بجواز ذلك مروي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي.
وحجة هؤلاء ما نقلناه آنفا عن السيدة عائشة من استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للثوب الذي فيه صور بعد تقطيعه.
ونقل عن ابن العربي أن ذات الظل حرمت بالاجماع سواء كانت مما يمتهن أو لا.
واستثنى الفقهاء لعب البنات الصغار لأن السيدة عائشة رضى الله عنها كانت لها لعب تلعب بها وهي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأنها جاءت إليه وعمرها تسع سنوات.
أقول{الشيخ طاهر }:الذي أدركناه من لعب الاطفال هو أن النساء يعملن كيسا صغيرا من القمائ ويملأنه بالخرق أو الصوف ويخطن فيه ما يشبه الرأس واليدين ويجعلن على الرأس منديلا أو غيره مما يشبه ما تجعله البنات على رؤسهن ويلبسن هذا الهيكل ما يشبه القميص ويعطى للبنت لتلعب به وهو بهذه الحال لا يشبه الانسان في شئ ولسذاجة الطفل ترى أنه شبيه بالانسان..
وهذا النوع الذي وصفته لابأس باتخاذه .
أما ما يأتينا اليوم من أوروبا من الصور برأسه وبعينيه وأذنيه وتفاصيل وجهه وشعره وفمه ويديه ورجليه وقد يكون في حجم الطفل ويتركب فيه ما يحرك يديه ورجليه ويجعله يمشي ويخرج منه صفير يشبه الصوت وقد توضع فيه مميزات الذكورة والانوثة فهو بهذه الصفة أقرب شبها بالانسان من تلك الأصنام والأوثان الحجرية أو الخشبية التي لم تكن فيها تلك الحركات والتفاصيل الدقيقة التي نجدها اليوم فيما يأتينا من أوروبا.
وكلما قرب شبه الصورة مما تحل فيه الروح كان أدعى إلى تحريمها لأن مناط التحريم هو الشبه لما تحل فيه الروح.
إذا فأدلة التحريم التي تنطبق على الاصنام تنطبق على هذه الصور التي تأتينا من اوروبا بل هى أشد انطباقا عليها من قوة الشبه بذي الروح الذي هو منا ط التحريم لأن فيها من دقة التصوير وقرب الشبه بخلق الله ما يجعل أدلة التحريم أكثر انطباقا عليها.
أما التصوير الشمسي :
فيمكن أن يقاس على الصورة في المرآة. وعلى هذا فيمكن أن يقال إنه ليس من عمل الانسان بمعنى أن الإنسان لم يحاول بيديه ولا تفكيره أن يجعل له رأسا وعينين ورجلين وما شابه ذلك .
مما يجعله يشبه خلق الله ... وإنما الآلة المصورة هى التي بتركيبها العلمي الدقيق ـ أمكنها أن تأخذ صورة الانسان كاملة كما خلقها الله بدون أن يكون لعمل الانسان فيها بجوارحه فيها دخل بزيادة أو بنقص .
أما المرآة فأنها لما خلت من ذلك التركيب العلمي الدقيق فلم يمكنها أن تأخذ الصورة مع أنها تظهر فيها مثل ما تظهر في الآلة المصورة.
وعلى هذا فيمكن القول بإباحة التصوير الشمسي . لأن الإنسان لم يكن له دخل في تكوين الصورة بيديه وتفكيره مثل ما كان له في نحت الأصنام بيديه وفنه. وهو الذي جعله يضاهي صنع خلق الله .
يضاف إلى هذا أن الحاجة اصبحت تقتضيها في كثير من الأحوال مثل أخذ صور المشبوهين والخطرين على الأمن لتمكن مطاردتهم واتقاء شرهم.
وهذا ما لم تكن من الصور الخليعة المنافية للآداب أو تثير الغريزة وإلا كانت محرمة بدون شك.
ويؤخذ مما ذكرته من أحاديث رسول وأقوال العلماء: أن التصوير على ثلاثة أنواع :
نوع يشبه ما فيه الروح كالإنسان والحيوان وتكون الصورة فيه قائمة بذاتها ولها ظل فهذا محرم بالإجماع.. ويلحق بهذا النوع المحفور في الحجر أو الخشب حفرا تكون فيه جميع مميزات الصورة واضحة وفرق بين الحفر والنقش.
ونوع منقوش على ثوب كامل الصورة فهذا قيل بحرمته وقيل بكراهته فإذا قطع الثوب وزالت معالم الصورة جاز استعمال الثوب ولا حرج فيه .
والنوع الثالث: التصوير الشمسي وهذا مما تميل النفس إلى اباحته
لما ذكرته آنفا هذا ما أمكنني تلخيصه .وأرجو أن أكون فيه وفقت إلى الصواب...
يتبع ......