الخلق والمعاد

. 1\4

بقلم - فالح الحجية
بســـــم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله\

هذا الكون العظيم ا وجد بعلم الله تعالى وقدرته فقد خلقه الله تعالى بالتدريج وكان قادرا ان يخلقه في لحظة واحدة( كن فيكون ) فكان الكون العظيم سديما لا فيه شيء غير الماء وعرش الرحمن قال تعالى:
( وكان عرشه على الماء ) سورة هود الاية \ 7
قبل الخلق فلما اراد الله تعالى ان يخلق هذا الكون جعل في الماء سخونة فخرج من الماء نتيجة لتسخين الماء بخار متصاعدا فكان هذا اصل الخلق وبدايته.

يثبت الله تعالى بالحقيقة الثابتة انه قد خلق السموات والارض اثباتا لقدرته العظيمة اذ خلقهما في ستة ايام وفي ذلك تبيان لعظيم شأن الله تعالى وقوة عظمته في الخلق والابداع وليس هذه الايام الستة كأي ايام او مثل ايامنا هذه بل ربما تكون كما يتوقع العلماء العارفون من ان مدتها في كل يوم :
( وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون )
او مدتها الليل والنهار الحادثان من مدة دوران الفلك أي دوران الارض حول نفسها او دوران الارض حول الشمس لتحدث الفصول الاربعة او التغييرات الجوية والحرارية في هذا الكون :
( وكل في فلك يسبحون)
يس \ الاية \40.

فيتعاقب الليل والنهار حيث لم يكن الفلك موجودا وكذلك الدورة اليومية للارض حول نفسها لم تكن موجودة لعدم وجود الفلك ولا حركتها ومقدارها لا نتفاء الحاجة اليها بسبب عدم الوجود بل هذه الايام الستة ايا م الخلق الاول التي فيها خلق الله تعالى السموات والارض:
( ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين )
سورة الاعراف الاية \54
وقدر فيها لكل شيء محسوس او ملموس : جاذبيته التي تحفظه في مساراته عما حوله وما يحيط به كالنجوم والافلاك والسماوية والتوابع الارضية والاقمار والمحيطات والبحار والخلجان وجعل هذه الجاذبية كامنة في ذات الشيء المخلوق وبالقدر الذي قدره سبحانه وتعالى بل اقول ان الله تعالى خلق السموات والارض في ستة اطوار احدهم متمم للاخر مع قدرته العظيمة على خلقها في طرفة عين .
( انما قولنا لشيء اذا اردنا ه ان نقول له كن فيكون )
سورة النحل الاية \ 40
فالله تعالى لما اراد ان يخلق السموات والارض وكان الكون قبل خلقه بيهما سديما مغمورا بالماء احدث الله تعالى سخونة فيه فتصاعد من الماء بخارا يشبه الدخان فكان بداية الخلق- كما قلت سابقا- وفي قوله تعالى ( و كان عرشه على الماء )
سورة هود \7
أي ان عظمة الله تعالى وقدرته وسلطانه - قبل الخلق – يكون مقصورا على الماء لعدم وجود خلق غيره .

اما ما يكون من عرش الرحمن كان على الماء –والله تعالى اعلم - هو اتصاله به أي بالماء لعدم وجود مانع يمنعه ولا مخلوق اخر يكون حائلا بينه وبينه حيث ان لكل موجود جاذبية تجذبه الى ذاته – كما اسلفت - بحيث يحفظ نفسه بنفسه عما حوله ولا يحتاج الى شيء اخر لكي يكون فعلا الاعتماد عليه في الوجود سوى قدرة الله العظيمة سبحانه وتعالى وهذا ما يجعلنا نعتقد بان عرش الرحمن والماء من اسبق ما خلق الله تعالى أي كانا موجودين قبل خلق السموات والارض وقد جاء في تفسير النيسابوري لهذه الاية ( جاء في اول توراة اليهود ان عرش الله قبل خلق السموات والارض كان على الماء فاحدث في ذلك الماء سخونة فارتفع زبد ودخان ) أي ان بداية الخلق احداث سخونة في الماء فكان البخار فتصاعد هذا البخار الى الاعلى فكانت السماء فالماء اذن اصل الاشياء وكل شيء خلقه الله تعالى من ماء قال تعالى :
(اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون ) الانبياء اية\30
( والله خلق كل دابة من ماء )
سورة النور الاية \45
قال تعالى :
( ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى في كل سماء امرها ثم خلق الارض وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواءا للسا ئلين* )
فكان الخلق هذا الكون العظيم بمشيئة الله تعالى وتقديره وحكمته فيه وما وضع في هذه الاشياء التي خلقها من جاذبية وانوار وامور لا زلنا لا نعلم منها الا القليل( وفوق كل ذي علم عليم ).
سورة يوسف الاية \76 .

فالله تعالى خلق السموا ت والارض كما ذكر سبحانه وتعالى في ستة ايام وخلق فيها المخلوقات ومن بينها هذا الانسان الضعيف العجيب في خلقه وابداعه وقوته وخلق الله تعالى كل ما يحتاجه هذا الانسان من اسباب العيش والبقاء وكانما خلق الله تعالى كل الخلق وسخره لاجل هذا المخلوق- الانسان –
( الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين)
سورة السجدة الاية \7.

الا انه جعل في نفسه انفة وسعة وجعل نسله من ماء مهين لكي لا يتكبر ولا يتجبر:
( ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين )
سورة السجدة الاية \ 8.

اذ خلق الله تعالى هذا الا نسان بعقله الراجح وتفكيره الواسع ونفسه السنية واخلاقه الفاضلة وعواطفه الجياشة والهاماته المتسامية ومنطقه السليم واحساساته الصادقة المنبعثة من اعماق قلبه وجعل بين هذه القلوب وهذه والارواح محبة ومودة حيث خلق الموت والحياة و جعل قلبه نابضا ومتحركا له في كل شيء او هو ماكنة حياته و دوامه . وبقاؤه مقرون بدوام دقات قلبه وبقائها فاذا توقفت توقف الانسان وهلك . وخلق نفسه وفيها التواضع وفيها مسحة من الكبر والانفة والاباء والتعالي الا انه سبحانه تعالى حدها بالتعاليم الدينية والعقوبات المعنوية وليختبر هذا الانسان بما هيء له من هواجس التأمل والتدبر والتفكرفي قدرة الله وعظمته العظيمة ووحدانيته.

خلق الله تعالى الانسان من (طين لازب) ثم جعل نسله من ماء ( مهين) قذر تتقزز منه نفسه النفس البشرية ذاتها وتمقته اليد ان تمسكه والعين ان تنظر اليه كراهة . وهذا الماء المهين حيث يتكون في صلب الرجل أي من جهة ظهره ثم ينحدر الى الاسفل ليختزن في موضع معين هيئ له الى ان يحين خروجه ويسمى ( الحيامن) ومفردها ( حيمن ) ويتكون في ترائب المرأة أي في صدرها من تحت ثدييها ثم ينزل الى الاسفل:
( فلينظر الانسان مم خلق * خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب و الترائب* )
سورة الطارق الايات \ 5-7

ثم ينزل الى اسفل فاذا التقى ماء الرجل بماء الانثى في عملية التزاوج ( الجماع ) وهي اشرف وفضل واقوى عملية جعل الله تعالى فيها بقاء الجنس البشري و جعلها الله تعالى مقرونة بشهوة جامحة ورغبة شديدة تتقارب لها القلوب وتتودد النفوس وتنغرس فيها المحبة في قلب الرجل للمراة وقلب المرأة للرجل بحيث يفضل الاول الثاني على نفسه ويجعله صنو نفسه او اكثر ويمتزج الجسمان الذكري والانثوي في رعشة شديدة جامحة تهز الاثنين هزا عنيفا من اعلى الراس الى اخمص القدم لا مثيل لها وقد تجعل الانسان لقوتها ومتعتها - في بعض الاحيان نساءا ورجالا – يخرج عن الحلال ليقع في الحرام لاجل هذه المتعة وهو ما يطلق عليه ب (الزنا ) الذي يقضى على اصل المرء ونسبه فلا يعرف الانسان ابن من - في سبيل التمتع بهذه الشهوة او اللذة العا رمة هذه الحالة ليست موجودة في الانسان وحده بل في عموم خلق الله تعالى في البشر والحيوان والنبات والحشرات وكل كائن حي فتتزاوج البقرة مع الثور والحصان مع الفرس والاسد مع اللبوة مثلا كما تتزا وج النخلة مع الفحل-او ذكرالنخل – والموضوع طويل طويل قد يخرجنا عما نقصد .

في هذه العملية او في الاتصال الجنسي ينزل ماء الرجل الذي يحمل ملايين النطف الذكرية التي تسبح في ماء الرجل في المرة الواحدة ليلتقي بماء الانثى الذي يتكون من العديد من البويضات الانثوية وتتم عملية التزاوج بتخصيب حيمن ذكري واحد لبويضة انثوية واحدة في الاغلب لتكون اصل الخلق في رحم المراة ف الفحيمن الافضل والاقوى هو الذي يفوز بهذه العملية ليكون البقاء للاقوى:
( ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير * )
سورة الحجرات \ 13

اما بقية الحيامن والبويضات فتموت او تهلك-- وهذه الحالة تذكرني في مملكة النحل يوم كنت اربي خلايا نحل قريبا من سكني في قضاء الخالص حيث تخرج ملكة النحل الحديثة التكوين بعد ان تكتمل وتصبح ملكة تامة عذراء تخرج من الخلية لغرض التزاوج فتطير في السماء ويتبعها ذكورالنحل في سرب كثير الا انه تستمر في الصعود وتتهاوى الاذكور ولا يلقحها الا القوي الذي يستطيع منهم اللحاق بها في جو السماء والارض وهو طبعا الاقوى فيلتسق بها في رغبة جامحة ملقحا اياها وينزلان متعانقين الى الارض –.

وقد تهيأت الاسباب والاماكن في كلا الجنسين للخلق والانجاب ومن هذا الاتصال يتكون الانسان حيث تتكون هذه اصلا من عدد من الكروموسومات المتساوية العدد في الذكر والانثى عددها\ اثنان وعشرون كرموسوما جسديا وواحد جنسي أي ثلاثة وعشرين كرموسوما في الذكر و مثلها في الانثى فتلتقي او تجتمع فتكون \ 46 كروموسوما منها اربعة واربعون كروموسوما جسديا واثان فقط جنسيا وهذه اصل الامشاج او النطف ثم تتوسع في رحم المرأة عن طريق الانقسام مكونة اول خلية بشرية جديدة في رحم المرأة المهيء اصلا للحمل والتوسع لتحمل كل الصفات البشرية والوراثية في داخلها ثم تتحول هذه النطفة التي تكونت نتيجة الا تصال الجنسي بين المراة والرجل الى علقة في اربعين يوما وهي نقطة او كتلة صغيرة من د م ثم تتحول هذه العلقة الى مضغة في مدة اربعين يوما ايضا وهي اشبه باللحيمة الصغيرة ثم تكون هذه المضغة عظاما في اربعين يوما ثم تكتسى هذه العظام باللحم فتكون جنينا في رحم امه في اربعين يوما اخرى ثم يستمر هكذا في رحم امه حتى تكتمل تسعة اشهر فتكون الولادة:
( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين )
سورة المؤمنون 12- 14
و الخلق الاخر هو نفخ الروح فيه وهو ابن اربعة اشهر وهذا ما يفسره قوله تعالى (ثم انشاناه خلقا اخر ) فالروح جوهر لا تدركه الاحاسيس ولا تبصره الابصار وانه متصل علمه برب العالمين

( يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما ا وتيم من العلم الا قليلا ) سورة الاسراء\ 85

وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
( وان احدكم ليجمع خلقه في بطن امه اربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ياتي اليه الملك فينفخ الروح فيه ثم يؤمر بكتب اربع كلمات \ رزقه واجله وعمله وشقي او سعيد )
وكذلك سبق الرسول الكريم صلى الله تعالى علم الوراثة الحديث في قوله يوم سئل بم يكون الشبه في الولد قال:
( فاذا سبق ماء الرجل ماء المراة نزع الولد له واذا سبق ماء المراة نزعت الولد)
رواه البخاري وهو يبين حالة شبه الولد لابيه وامه والعوامل الوراثية التي تحملها كما في علم الاجنة ( الكروموسومات ) او ما يسمى بالجينات
وهذه هي عملية الخلق والتكوين
يتبع

امير البــــــيان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز


* * *