تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (155)
صــ261 إلى صــ 265
قوله تعالى: ولا تقولوا على الله إلا الحق أي: لا تقولوا إن الله له شريك [ ص: 261 ] أو ابن أو زوجة . وقد ذكرنا معنى "المسيح" و "الكلمة" في (آل عمران .
وفي معنى (وروح منه) سبعة أقوال .
أحدها: أنه روح من أرواح الأبدان . قال أبي بن كعب: لما أخذ الله الميثاق على بني آدم كان عيسى روحا من تلك الأرواح ، فأرسله إلى مريم ، فحملت به .
والثاني: أن الروح النفخ ، فسمي روحا ، لأنه حدث عن نفخة جبريل في درع مريم . ومنه قول ذي الرمة:
وقلت له ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا
هذا قول أبي روق .
والثالث: أن معنى (وروح منه) إنسان حي بإحياء الله له .
والرابع: أن الروح: الرحمة ، فمعناه: ورحمة منه ، ومثله وأيدهم بروح منه [المجادلة 22] .
والخامس: أن الروح هاهنا جبريل . فالمعنى: ألقاها الله إلى مريم ، والذي ألقاها روح منه ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو سليمان الدمشقي . [ ص: 262 ] والسادس: أنه سماه روحا ، لأنه يحيا به الناس كما يحيون بالأرواح ، ولهذا المعنى: سمي القرآن روحا ، ذكره القاضي أبو يعلى .
والسابع: أن الروح: الوحي أوحى الله إلى مريم يبشرها به ، وأوحى إلى جبريل بالنفخ في درعها ، وأوحى إلى ذات عيسى أن: كن فكان . ومثله: ينزل الملائكة بالروح من أمره [النحل: 2] أي: بالوحي ، ذكره الثعلبي .
فأما قوله: "منه" فإنه إضافة تشريف ، كما تقول: بيت الله ، والمعنى: من أمره ، ومما يقاربها قوله: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه [الجاثية: 13] .
قوله تعالى: ولا تقولوا ثلاثة قال الزجاج : رفعه بإضمار: لا تقولوا آلهتنا ثلاثة (إنما الله إله واحد أي: ما هو إلا إله واحد (سبحانه) ومعنى سبحانه: تبرئته من أن يكون له ولد . قال أبو سليمان: (وكفى بالله وكيلا) أي: قيما على خلقه ، مدبرا لهم .
لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا
قوله تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله سبب نزولها: أن وفد نجران وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا محمد لم تذكر صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى ، قال: وأي شيء أقول له؟ هو عبد الله ، قالوا: بل هو الله ، فقال: إنه ليس بعار عليه أن يكون عبدا لله ، قالوا: بلى ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس . قال الزجاج : معنى يستنكف: [ ص: 263 ] يأنف ، وأصله في اللغة من نكفت الدمع: إذا نحيته بأصبعك من خدك . قال الشاعر:
فبانوا فلولا ما تذكر منهم من الحلف لم ينكف لعينيك مدمع
قوله تعالى: ولا الملائكة المقربون قال ابن عباس : هم حملة العرش .
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا
قوله تعالى: فيوفيهم أجورهم أي: ثواب أعمالهم (ويزيدهم من فضله) مضاعفة الحسنات . وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فيوفيهم أجورهم) قال: يدخلون الجنة ، ويزيدهم من فضله: الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا .
[ ص: 264 ] يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا
قوله تعالى: قد جاءكم برهان من ربكم في "البرهان" ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الحجة ، قاله مجاهد ، والسدي . والثاني: القرآن ، قاله قتادة .
والثالث: أنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله سفيان الثوري . فأما "النور المبين": فهو القرآن ، قاله قتادة ، وإنما سماه "نورا" لأن الأحكام تبين به بيان الأشياء بالنور .
فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما
قوله تعالى: واعتصموا به أي: استمسكوا وفي هاء "به" قولان .
أحدهما: أنها تعود إلى النور وهو القرآن ، قاله ابن جريج . والثاني: تعود إلى الله تعالى ، قاله مقاتل . وفي "الرحمة" قولان .
أحدهما: أنها الجنة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: أنها نفس الرحمة ، والمعنى: سيرحمهم ، قاله أبو سليمان . وفي "الفضل" قولان .
أحدهما: أنه الرزق في الجنة ، قاله مقاتل . والثاني: أنه الإحسان ، قاله أبو سليمان .
قوله تعالى: ويهديهم إليه صراطا مستقيما أي: يوفقهم لإصابة الطريق المستقيم . وقال ابن الحنفية: الصراط المستقيم: دين الله .
فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما
قوله تعالى: واعتصموا به أي: استمسكوا وفي هاء "به" قولان .
أحدهما: أنها تعود إلى النور وهو القرآن ، قاله ابن جريج . والثاني: تعود إلى الله تعالى ، قاله مقاتل . وفي "الرحمة" قولان .
أحدهما: أنها الجنة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: أنها نفس الرحمة ، والمعنى: سيرحمهم ، قاله أبو سليمان . وفي "الفضل" قولان .
أحدهما: أنه الرزق في الجنة ، قاله مقاتل . والثاني: أنه الإحسان ، قاله أبو سليمان .
قوله تعالى: ويهديهم إليه صراطا مستقيما أي: يوفقهم لإصابة الطريق المستقيم . وقال ابن الحنفية: الصراط المستقيم: دين الله .
يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم
[ ص: 265 ] قوله تعالى: يستفتونك في سبب نزولها قولان .
أحدهما: أنها نزلت في جابر بن عبد الله . روى أبو الزبير عن جابر قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر [وهما ماشيان] فوجدني قد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب علي من وضوئه ، فأفقت ، وقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي وكان لي تسع أخوات ، ولم يكن لي ولد؟ فلم يجبني بشيء ، ثم خرج وتركني ثم رجع إلي وقال: يا جابر لا أراك ميتا من وجعك هذا ، وإن الله عز وجل قد أنزل في أخواتك ، وجعل لهن الثلثين ، فقرأ علي هذه الآية: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية في .
والثاني: أن الصحابة أهمهم بيان شأن الكلالة فسألوا عنها نبي الله ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول قتادة . وقال سعيد بن المسيب: سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف نورث الكلالة؟ فقال: "أوليس قد بين الله تعالى ذلك ، ثم قرأ: (وإن كان رجل يورث كلالة" فأنزل الله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة .