قوله: (تَجِبُ الْجَمَاعَةُ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ): حضور صلاة الجماعة واجب للصلوات الخمس؛ ودليل ذلك أن الله تعالى أمر بها؛ والأصل في الأمر أنه للوجوب.
قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102]؛ فأمَرَ الله تعالى بالجماعة في حال الخوف؛ ففي غيره أولى.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ([1])».
وهذا أَمْرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ([2])».
قوله: (عَلَى الرِّجَالِ): أي: أن الجماعة واجبة على الرجال، لا على النساء؛ ودليل عدم وجوبها على النساء حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ([3])».
قوله: (الْأَحْرَارِ): أي: أن الجماعة واجبة على الرجال الأحرار، وخرج به العبيد، فلا تجب في حقهم الجماعة.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([4]) – أن الجماعة واجبة في حق العبيد؛ لعدم ورود ما يستثنيهم من عموم النصوص الموجبة للجماعة.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((الصواب أن الجمعة والجماعة تجب حتى على العبيد الأرقاء؛ لأن النصوص عامة في دخولهم, ولا دليل
يدل على إخراج العبيد([5]))).
وقال أيضًا رحمه الله: ((والأصل أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع العبادات البدنية المحضة التي لا تعلق لها بالمال([6]))).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((تلزم صلاةُ الجماعةِ العبيدَ؛ لأنَّ النصوصَ عامةٌ، ولم يُسْتَثْنَ منها العبدُ، ولأنَّ حَقَّ اللهِ مقدَّمٌ على حقِّ البشرِ؛ ولهذا لو أمرَه سيِّدُه بمعصيةٍ أو بترِك واجبٍ حَرُمَ عليه أن يطيعَه؛ فإذا كان لا يجوزُ للعبد أن يفعلَ المعصيةَ أو يتركَ الواجبَ بأمْر سيِّده، فكيف إذا لم يأمره؟ وهو إذا تَرَكَ الجماعةَ فقد ترك واجبًا([7])))اهـ.
قوله: (الْقَادِرِينَ): فغير القادر له أن يصلي في بيته، ولا يلزمه الذهاب إلى المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
ولما مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ([8])».
فمن كان باستطاعته أن يصلي الجماعة في بيته؛ مع من لم تجب عليه صلاة الجماعة؛ كزوجة أو مريض آخر، فإنه يجب عليه ذلك؛ فإن لم يتمكن، سقطت عنه الجماعة بالكلية.
قوله: (وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ رَاتِبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ عُذْرِهِ، أَوْ عَدَمِ كَرَاهَتِ): ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ([9])».
[1])) أخرجه مسلم (653).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651).
[3])) أخرجه أحمد (5468)، وأبو داود (567)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7458).
[4])) ذكرها في ((الإنصاف)) (2/ 211).
[5])) ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) (52).
[6])) السابق.
[7])) ((الشرح الممتع)) (4/ 140).
[8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).
[9])) أخرجه مسلم (673).