تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 24 الأولىالأولى 123456789101112131415161718 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 160 من 477

الموضوع: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    19- وفي ذي القعدة من هذه السنة: كان صلح الحديبية وكان فتحًا مبينًا.
    ولما تطورت الظروف في الجزيرة العربية إلىٰ حد كبير لصالح المسلمين، أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئًا فشيئًا، وبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صَدَّ عنه المشركون منذ ستة أعوام([1]). والحديبية اسم بئر تقع علىٰ بعد اثنين وعشرين كيلو مترًا إلىٰ الشمال الغربي من مكة وتعرف الآن بالشميس، وهي حدائق الحديبية ومسجد الرضوان([2]).
    وبعضها يدخل في حدود الحرم المكي.
    قال الشافعي رحمه الله:
    بعضها في الحلِّ وبعضها في الحَرم([3]).
    وسُمي بصلح الحديبية؛ لأن قريشًا منعت المسلمين من دخول مكة وهم في الحديبية.
    قال ابن القيم رحمه الله:
    قال نافع: كانت سنة ست في ذي القعدة، وهذا هو الصحيح، وهو قول الزهري، وقتادة وموسىٰ بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم.اهـ([4]).
    وعَنْ قَتَادَةَ قال: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ.. .([5])، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم متوجهًا إلىٰ بيت الله الحرام قاصدًا العمرة، وخرج معه ألفٌ وأربعمائة من الصحابة رضوان الله عليهم([6]) مُتسلِّحين بالسلاح([7]) حَذَرًا من قريش، وساقوا معهم الهدي.
    فَلَمَّا أَتَىٰ النبي صلى الله عليه وسلم ذَا الْحُلَيْفَةِ([8]) قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ([9])، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ – وهو بشر بن سفيان الكعبي، ليعلم له أخبار قريش- وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ([10]) أَتَاهُ عَيْنُهُ، فقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ([11]) وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: «أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَىٰ عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ الله تعالى قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ»، قَالَ أبو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فقَالَ – رسول الله-: «امْضُوا عَلَىٰ اسْمِ الله»([12]).
    ([1]) «الرحيق المختوم» (294).

    ([2]) «السيرة النبوية الصحيحة» 2/434.

    ([3]) «زاد المعاد» 3/270.

    ([4]) «زاد المعاد» 3/255.

    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (1778)، كتاب: العمرة، باب: كم اعتمر النبي، ومسلم (1253)، كتاب: الحج، باب: بيان عدد عُمَر النبي وزمانهن.

    ([6]) ورد ذكر هذا العدد في أحاديث صحيحة بصحيح البخاري، عن نفر من الصحابة رضوان الله عليهم، ممن شهدوا مع النبي هذا المشهد، منهم جابر بن عبد الله، وفي رواية أخرىٰ عن جابر: أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة. وعن عبد الله بن أبي أوفىٰ أنهم كانوا ألفًا وثلاث مائة.
    انظر: «صحيح البخاري» كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
    ورجح ابن القيم في «زاد المعاد» 3/256، 257، قول من قال أنهم ألف وأربعمائة، لأنه قول الأكثر حيث قال: والقلب إلىٰ ذلك أميل، وهو قول البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع في أصح الروايتين، وقول المسيب بن حَزْن.اهـ.
    وقال ابن حجر: والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء: ألفًا وأربعمائة أو أكثر.اهـ.

    ([7]) مما يدل علىٰ أن الصحابة رضوان الله عليهم خرجوا متسلحين ما رواه البخاري (4179): أنه لما بلغ النبي أن قريشًا جمعوا له الجموع لقتاله استشار الصحابة في قتالهم أو عدم قتالهم، وهذا يدل علىٰ أنهم كانوا مستعدين للقتال في أي وقت.

    ([8]) ذو الحليفة هو ميقات أهل المدينة الذي يُحرمون من عنده، وهو الذي يُسمىٰ الآن بـ(ـأبيار عليٍّ)، وتبعد عن المدينة أحد عشر كيلو مترًا، وبينها وبين مكة أربعمائة وأربعة وستون كيلو مترًا تقريبًا.

    ([9]) الهدي: ما يُهدىٰ من النعم إلىٰ الحرم تقربًا إلىٰ الله، ويكون الهدي من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، وتقليد الهدي: هو أن يعلق في عنقها نعلين، أو يضع عليها شيئًا من صوف ونحوه علامة لها أنها من الهدي، والتقليد عام للبقر والغنم والإبل، أما الإشعار: هو أن يكشط جلد البدنة حتىٰ يسيل الدم، ثم يسلته، ويكون ذلك في الجانب الأيمن لسنمة البعير، والإشعار خاص بالإبل فقط دون البقر والغنم.

    ([10]) غدير الأشطاط: اسم مكان وراء عُسْفان علىٰ بعد ثمانين كيلو من مكة.

    ([11]) الأحابيش: هم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحارث بن عبد مناة ابن كنانة، وبنو المصطلق بن خزاعة، كانوا تحالفوا مع قريش، قيل تحت جبل يقال له: الحبش أسفل مكة، وقيل: سمُّوا بذلك لتحبشهم، أي: تجمعهم، والتحبش: التجمع.

    ([12]) صحيح: أخرجه البخاري (4178، 4179)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    فسار النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ: «إِنَّ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ([1]) فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ»، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّىٰ إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ([2]) فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ([3]) فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ([4])، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ([5]»)، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّىٰ نَزَلَ بِأَقْصَىٰ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَىٰ ثَمَدٍ([6]) قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا([7])، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّىٰ نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّىٰ صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بن وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ([8]) رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بن لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بن لُؤَيٍّ([9]) نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ([10]) الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ([11]) وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ([12]) مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا([13]) وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّه ُمْ عَلَىٰ أَمْرِي هَذَا حَتَّىٰ تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي([14]) وَلَيُنْفِذَنَّ الله أَمْرَهُ»، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّىٰ أَتَىٰ قُرَيْشًا، قَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُرْوَةُ بن مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَىٰ، قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَىٰ، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ([15]) فَلَمَّا بَلَّحُوا([16]) عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَىٰ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنْ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَىٰ فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَىٰ وُجُوهًا، وَإِنِّي لَأَرَىٰ أَوْشَابًا مِنْ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ([17]) أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أبو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَىٰ رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ فَكُلَّمَا أَهْوَىٰ عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَىٰ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يَدَهُ بنعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا الْمُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ: فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ أَلَسْتُ أَسْعَىٰ فِي غَدْرَتِكَ؟([18])، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا الْإِسْلَامَ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ»، ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَىٰ وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَىٰ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَىٰ الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَىٰ قَيْصَرَ وَكِسْرَىٰ وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَىٰ وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بني كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ»، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَىٰ ذَلِكَ، قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَىٰ أَصْحَابِهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَىٰ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزُ بن حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا مِكْرَزٌ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ»، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بن عَمْرٍو، فلَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بن عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»، فَجَاءَ سُهَيْلُ بن عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللهمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهمَّ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَىٰ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بن عبد الله، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ الله، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بن عبد الله»([19])، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَىٰ أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَىٰ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَىٰ دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ الله كَيْفَ يُرَدُّ إِلَىٰ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أبو جَنْدَلِ بن سُهَيْلِ بن عَمْرٍو يَرْسُفُ([20]) فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّىٰ رَمَىٰ بنفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَىٰ شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَجِزْهُ لِي»، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: «بَلَىٰ فَافْعَلْ»، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أبو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَىٰ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الله، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ الله حَقًّا؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَىٰ الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَىٰ الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ الله وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي»، قُلْتُ: أَوَ لَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ»، قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ»، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حَقًّا؟ قَالَ: بَلَىٰ، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَىٰ الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَىٰ الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَىٰ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَىٰ الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَىٰ أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا([21])، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّىٰ قَالَ: ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَىٰ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ الله أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّىٰ تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّىٰ فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّىٰ كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَىٰ: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) حَتَّىٰ بَلَغَ (بعصم الكوافر) [الممتحنة: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بن أبي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَىٰ صَفْوَانُ بن أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَىٰ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أبو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَىٰ الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّىٰ بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أبو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَىٰ سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أبو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّىٰ بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّىٰ أَتَىٰ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ: «لَقَدْ رَأَىٰ هَذَا ذُعْرًا»، فَلَمَّا انْتَهَىٰ إِلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أبو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَىٰ الله ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي الله مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» ([22])، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّىٰ أَتَىٰ سِيفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أبو جَنْدَلِ بن سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأبي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأبي بَصِيرٍ حَتَّىٰ اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَىٰ الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَىٰ: (وهو الذي كف أيديكم) حَتَّىٰ بَلَغَ (الحمية حمية الجاهلية) [الفتح: 24- 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ الله وَلَمْ يُقِرُّوا بِـ(ـبِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ([23]).
    ([1]) الطليعة: مقدمة الجيش.

    ([2]) قترة الجيش: غبار الجيش الذي يحدثه أثناء سيره.

    ([3]) حَلْ حَلْ: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.

    ([4]) خلأت القصواء: خلأت أي بركت من غير علَّة، والقصواء: اسم ناقة رسول الله، وقيل كان طرف أذنها مقطوعًا، والقصو: قطع طرف الأذن، وقيل: إنها كانت لا تُسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه. «فتح الباري» 5/395.

    ([5]) حبسها حابس الفيل: قال ابن حجر: أي حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة علىٰ تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلىٰ سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قُدر دخول الفيل وأصحابه مكة.اهـ. أي: فيل أبرهه الأشرم الذي كان يريد هدم الكعبة.

    ([6]) ثَمَدٍ: بفتح الثاء والميم، أي: حفرة صغيرة فيها ماء مثمود أي قليل.

    ([7]) التَبرُّض: هو الأخذ قليلاً قليلاً.

    ([8]) عَيْبة نُصح: العَيْبة: ما تُوضع فيه الثياب لحفظها، أي: أنهم موضع النصح له والأمانة علىٰ سره.

    ([9]) قوله: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي: يقصد قريشًا، وإنما اقتصر علىٰ ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما.

    ([10]) أعداد: جمع عِدّ بالكسر والتشديد، وهو الماء الذي لا انقطاع له.

    ([11]) العُوذ: جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمهات التي معها أطفالها، يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا من ألبانها ولا يرجعوا حتىٰ يمنعوه أو كنَّىٰ بذلك عن النساء معهن الأطفال، والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعىٰ إلىٰ عدم الفرار، قال ابن فارس: كل أنثىٰ إذا وضعت فهي إلىٰ سبعة أيام عائذ، والجمع عُوذ، كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلزم الشغل به. «فتح».

    ([12]) ماددتهم: أي جعلت بيني وبينهم مدة بترك الحرب.

    ([13]) جَمُّوا: أي استراحوا، والمعنىٰ الذي أراده النبي أن تترك قريش القتال فإن أرادوا الدخول في الإسلام بعد ذلك دخلوا وإن لم يدخلوا استراحوا فترة من القتال.

    ([14]) حتىٰ تنفرد سالفتي: أراد أنه يقاتل حتىٰ ينفرد وحده في قتالهم، أي: إن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أقاتل عن دينه ولو انفردت. «فتح» بتصرف.

    ([15]) قوله: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ: أي دعوتهم لنصركم.

    ([16]) فلما بلَّحوا: أي امتنعوا، والتبلح التمنع من الإجابة.

    ([17]) امصص ببظر اللات: البظر قطعة تبقىٰ بعد الختان في فرج المرأة، واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك ولكن بلفظ الأم فأراد أبوبكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كانوا يعبدوه مكان أمه. «فتح» بتصرف.

    ([18]) قوله: أي غُدَرُ: مبالغة في وصفه بالغدر، قوله: ألست أسعىٰ في غدرتك: أي ألست أسعىٰ في دفع شر غدرتك.
    قال ابن هشام في «السيرة»: أشار عروة بهذا إلىٰ ما وقع للمغيرة قبل إسلامه، وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرًا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم، فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة، فسعىٰ عروة بن مسعود عم المغيرة حتىٰ أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسًا واصطلحوا. «فتح» 5/402.

    ([19]) وفي رواية: أن النَّبِيَّ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله : «أَرِنِي مَكَانَهَا»، فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ: ابْنُ عبد الله.
    أخرجه البخاري (2699)، مسلم (1783).

    ([20]) يرسف: أي يمشي مشيًا بطيئًا بسبب القيد.

    ([21]) قول عمر : وعملت لذلك أعمالاً أي: من الأعمال الصالحة ليكفر عنه اعتراضه علىٰ النبي، وفي «مسند أحمد» 4/325 يقول عمر : مازلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتىٰ رجوت أن يكون خيرًا.

    ([22]) قول النبي : «ويل أمه»: كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنىٰ ما فيها من ذم. وقوله: «مِسْعر حرب» أي: مشعل نار الحرب مما فعله من قتل الرجل، وقوله: «لو كان له أحد» أي: ينصره ويعاضده ويناصره، وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلىٰ المشركين، ورمزٌ إلىٰ من بلغه ذلك من المسلمين المستضعفين في مكة أن يلحقوا به. (فتح) بتصرف.

    ([23]) صحيح: أخرجه البخاري (2731، 2732)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    أحداث أخرىٰ مهمة:
    كان النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن تأتيه رسلُ قريش قد أرسل إليهم، لبيان موقفه وأنه لم يأت إلا لزيارة البيت وأداء العمرة ولم يأت لحرب.
    فبَعَثَ خِرَاشَ بن أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ إِلَىٰ مَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَىٰ جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الثَّعْلَبُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَقَرَتْ بِهِ قُرَيْشٌ([1])، وَأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ فَمَنَعَهُمْ الْأَحَابِشُ، حَتَّىٰ أَتَىٰ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا عُمَرَ لِيَبْعَثَهُ إِلَىٰ مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَىٰ نَفْسِي، وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بني عَدِيٍّ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ مِنِّي([2]) عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قَالَ: فَدَعَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَهُ إِلَىٰ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَأَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّىٰ أَتَىٰ مَكَّةَ، وَلَقِيَهُ أَبَانُ بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَدِفَ خَلْفَهُ، وَأَجَارَهُ حَتَّىٰ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّىٰ أَتَىٰ أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّىٰ يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِين َ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ([3]).
    فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت الشجرة([4]).
    ومما حدث أيضًا أنه أثناء سير النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ الحديبية ولما بلغ الروْحَاء علىٰ بعد 73 كيلو مترًا من المدينة أرسل أبا قتادة الأنصاري مع جمع من الصحابة إلىٰ غيقه علىٰ ساحل البحر الأحمر حيث بلغه وجود بعض المشركين الذين يُخشىٰ من مباغتتهم للمسلمين، فَقَالَ: «خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّىٰ نَلْتَقِيَ»، فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أبو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أبو قَتَادَةَ عَلَىٰ الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا([5])، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَقَالُوا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ قال أبو قتادة: فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ الله إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا، وَقَدْ كَانَ أبو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أبو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، قَالَ: «أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟»، قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا»([6]).
    وفي الحديبية شرعت صلاة الخوف([7]).
    وأثناء وجود النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية حاولت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم فشلوا.
    عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ – عند صلاة الفجر- فَأَخَذَهُمْ سِلْمًا فَأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)[الفتح: 24]([8]).
    ([1]) أي: عقرت الجمل، قتلوه.

    ([2]) أعز مني: أي له ناس وقوم يمنعونه من غدر قريش.

    ([3]) إسناده حسن: أخرجه أحمد (18812)، بإسناد حسن، وأصل الحديث عند البخاري، انظر التخريج السابق.

    ([4]) سيأتي الكلام عن البيعة في الفقرة القادمة إن شاء الله تعالىٰ.

    ([5]) الأتان: أنثىٰ الحمار، وحُمُر الوحش حلالٌ أكله.

    ([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (1824)، كتاب: جزاء الصيد، باب: لا يشير المحرم إلىٰ الصيد لكي يصطاده الحلال، ومسلم (1196)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.

    ([7]) «فتح الباري» 7/488 حيث رجح ابن حجر ذلك.

    ([8]) صحيح: أخرجه مسلم (1808)، كتاب: الجهاد والسير، وأبو داود (2688)، كتاب: الجهاد، باب: في المن علىٰ الأسير بغير فداء.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    بنود العقد:
    كان العقد الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين مكتوب فيه:
    بِاسْمِكَ اللهمَّ، هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بن عبد الله وَسُهَيْلُ بن عَمْرٍو عَلَىٰ وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَىٰ أَنَّهُ مَنْ أَتَىٰ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَىٰ قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً([1])، وَإِنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ([2])، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بنو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هَذَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ وَأَقَمْتَ فِيهِمْ ثَلَاثًا مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ، لَا تَدْخُلْهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ([3]).
    وقد لاقت هذه الشروط – التي ظاهرها توهين لموقف المسلمين- غضبًا شديدًا من بعض الصحابة وقد تقدم موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    ومما يعبر عن مشاعر المسلمين من هذه الشروط، ورفضهم لها قول سهل بن حُنيف رضي الله عنه يوم صفين: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أبي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ([4]).
    ([1]) أي: بينهم صدر نقي من الغل والخداع مطوي علىٰ الوفاء بالصلح. (نهاية).

    ([2]) الإسلال: السرقة، وقيل سل السيوف، والإغلال: الخيانة، وقيل لبس الدروع. (نهاية).

    ([3]) حسن: أخرجه أحمد (18812)، بإسناد حسن. والقرب: غمد السيوف.

    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (3181)، كتاب: الجزية، باب: رقم (18).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    وفي الحديبية نزل المطر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يصلوا في رحالهم، عَنْ أبي الْمَلِيحِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَصَابَتْنَا سَمَاءٌ لَمْ تَبُلَّ أَسَافِلَ نِعَالِنَا([1])، فَنَادَىٰ مُنَادِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ([2]).
    وفي الحديبية حمل كعب بن عُجرة رضي الله عنه إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَىٰ وَجْهِه، فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا كُنْتُ أُرَىٰ الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَىٰ – أَوْ مَا كُنْتُ أُرَىٰ الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَىٰ- تَجِدُ شَاةً؟»، فقال كعب: لَا، فَقَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ»([3]).
    وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ([4]).
    وعن عبد الله بن مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَكْلَؤُنَا([5])؟»، فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا حَتَّىٰ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. وكان ذلك في صلاة الصبح فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ»، قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ: «فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ»([6]).
    وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بنتُ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ، لِمَا أَنْزَلَ الله فِيهِنَّ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُن َّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ) إِلَىٰ قَوْلِهِ: (وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) [الممتحنة: 10]([7]).
    وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَهْدَىٰ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم جَمَلًا كَانَ لِأبي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَةُ فِضَّةٍ([8])، يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ([9]).
    وعَنْ زَيْدِ بن خَالِدٍ الجهني رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّىٰ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»، قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! فَقَالَ: «قَالَ الله: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ الله وَبِرِزْقِ الله وَبِفَضْلِ الله، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بنجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي»([10]).
    وعن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ([11]) فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكُمْ؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، فَقُيلْ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً([12]).
    ([1]) كناية عن قلة المطر.

    ([2]) صحيح: أخرجه ابن ماجه (936)، كتاب: الصلاة، باب: الجماعة في الليلة الممطرة، وصححه الألباني «الإرواء» 2/341، 342.

    ([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري (1816)، كتاب: المحصر، باب: الإطعام في الفدية نصف صاع، ومسلم (1201)، كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذىٰ، ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها.

    ([4]) صحيح: أخرجه مسلم (1318)، كتاب: الحج، باب: الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة.

    ([5]) يكلؤنا: أي يحرسنا.

    ([6]) صحيح: أخرجه أبو داود (441)، كتاب: الصلاة، باب: في من نام عن صلاة أو نسيها، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود».

    ([7]) صحيح: أخرجه البخاري (2711، 2712)، كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة.

    ([8]) البرة: الحلقة، والمعنىٰ في أنفه حلقة فضة. «عون المعبود».

    ([9]) حسن: أخرجه أبو داود (1749)، كتاب: الحج، باب: في الهدي، وحسنه الألباني.

    ([10]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4147)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (71) كتاب: الإيمان، باب: بيان كفر من قال مطرنا بالنوء.
    وفي رواية للحديث: وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بنوْءِ كَذَا... والنوء مَصْدَرُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ: سَقَطَ, وَغَابَ. وكما قال العلماء: أَنَّ هناك ثَمَانِيَة وَعِشْرِينَ نَجْمًا مَعْرُوفَة الْمَطَالِع فِي أَزْمِنَة السَّنَة كُلّهَا، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَنَازِل الْقَمَر الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ. يَسْقُط فِي كُلِّ ثَلَاث عَشْرَة لَيْلَة مِنْهَا نَجْم فِي الْمَغْرِب مَعَ طُلُوع الْفَجْر، وَيَطْلُع آخَر يُقَابِلهُ فِي الْمَشْرِق مِنْ سَاعَته. وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا كَانَ عِنْد ذَلِكَ مَطَرٌ يَنْسُبُونَهُ إِلَىٰ السَّاقِط الْغَارِب مِنْهُمَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِلَىٰ الطَّالِع مِنْهُمَا. «شرح مسلم» للنووي 1/335، وفي الحديث فوائد:
    منها: أنه لا يجوز لنا أن نتعلق بالأسباب، مع ترك مُسبب الأسباب سبحانه وتعالىٰ، فمن تعلق بالأسباب دون المسبب اختلف فيه العلماء فمنهم من قال: هو كافر كفر أكبر مُخرج من الملة، ومنهم من قال: كافر كفر أصغر، ومرتكب لكبيرة من الكبائر؛ لأنه نسب الشيء لسببه، ونسي الله تعالى الذي خلق الشيء وسببه فهو سبحانه خالق كل شيء.
    ولذا يجب علينا أيها الإخوة الكرام أن نتنبَّه لهذا الأمر، فمعظمنا إلا من رحم ربي يقع في مثل هذا، فتجد أحدنا يذهب إلىٰ الطبيب فيصف الطبيب له علاجًا لمرضه فيشفي هذا المريض فيخرج فيمتدح الطبيب ويقول: هذا طبيب بارع هذا كذا وكذا لقد أعطاني دواءً فشفاني فورًا، كل ذلك وينسىٰ الله تعالى الشافي الذي خلق الطبيب وخلق الدواء، ولو شاء الله تعالى ما شفاه بهذا الدواء ولا غيره، ومثل هذا كثير فتجد المرء الذي كان فقيرًا فينعم الله عليه بنعمة المال، فيقول: لقد فعلت كذا وكذا حتىٰ حصَّلت وجمعت هذا المال، ويفعل مثل قارون الذي قال لما رزقه الله تعالىٰ بالمال: (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) فقال الله تعالىٰ: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) [القصص: 78] أي: لو شاء الله تعالىٰ لأخذه وما معه من مال كما أخذ غيره قبله.
    بل إن بعضهم يعتمد علىٰ الأسباب اعتمادًا كلياً حتىٰ أنه يعصي الله تعالى مالك كل شيء بسبب اعتماده علىٰ السبب من دون الله تعالى، فيذهب أحدهم بزوجته أو إحدىٰ محارمه إلىٰ طبيب رجل، أو تذهب هي بنفسها إليه، فيقال لها كيف تذهبين إلىٰ هذا الرجل ليكشف عليك ويطلع علىٰ عورتك وأدق الأماكن في جسدك وعندك الطبيبات الأُنثيات لَسْنَ منك ببعيد؟ فتقول: لأن هذا الطبيب أمهر منهن! وإنا لله وإنا إليه راجعون. فهؤلاء تعلقوا تعلقًا تامًا بهذا الطبيب ومهارته ودوائه الذي يصفه، ونسوا الله تعالىٰ الذي قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق: 2].
    فنحن لنا أن نفاضل لو كان هذا بين طبيبتين فنذهب إلىٰ المعروف عنها الإتقان والمهارة في العمل أخذًا بالأسباب مع الاعتماد الكلي علىٰ الله تعالى، أما وإن كان التفاضل بين طبيب وطبيبة فلابد أن تذهب هذه المرأة إلىٰ الطبيبة وإن كانت أقل في المهارة فإن الشفاء ليس بيدها ولا بيده إنما الشفاء بيد الله تعالى وهو وحده الذي يملكه، فلا يعقل أن نأخذ ما عند الله بمعصية الله تعالى.
    هذا وأذكر – استطرادًا- أنه لا يجوز للرجل أيضًا أن يذهب إلىٰ الطبيبات طالما أنه يوجد الأطباء، فلابد لكلٍ أن يذهب لبني جنسه، وإن كان أقل مهارة، وأبعد مكانًا.
    وبعد أخي الكريم وأختي الكريمة لابد لنا من عودة إلىٰ دين ربنا تعالى وأن يكون تعلقنا تعلقًا تامًا بالله تعالى دون الأسباب، وإن كنت لابد مادحًا أحدًا أو مادحًا نفسك، فلتقل مثلاً: الحمد لله وبفضل الله لقد جعل الله لي فلانًا سببًا في كذا وكذا، أو لقد اجتهدت في هذا الأمر فجعل الله ذلك سببًا في نجاحي، ونحو هذا الكلام الذي يدل علىٰ أن تعلقك الحقيقي بالله تعالى وليس بأي شيء آخر.

    ([11]) الرَّكوة: إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء، والجمع رِكاء.

    ([12]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4152)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1856)، كتاب: الإمارة، باب: بيان بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    20- وفي الحديبية كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلىٰ قريش ليبين لهم سبب مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأنهم يقصدون العمرة وليس القتال، وتأخر عثمان رضي الله عنه فظن المسلمون أن قريشًا قتلته، دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلىٰ البيعة علىٰ قتال قريش.
    فبايعوه جميعًا تَحْتَ الشَّجَرَةِ – وَهِيَ سَمُرَةٌ- غَيْرَ جَدِّ بن قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ([1])، وكان الجد بن قيس منافقًا.
    وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَىٰ: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ»، فَضَرَبَ بِهَا عَلَىٰ يَدِهِ، فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ» ([2]).
    وقد بايع الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم علىٰ الموت وعلىٰ ألا يفروا.
    عَنْ يَزِيدَ بن أبي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بن الْأَكْوَعِ: عَلَىٰ أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ؟ قَالَ: عَلَىٰ الْمَوْتِ([3]).
    وعن عبد الله بن زيد أنه أتاه آت فقال يَوْمَ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعبد الله بن حَنْظَلَةَ: هذاك ابْنُ حَنْظَلَةَ يبايع النَّاسَ، فقال: علىٰ ماذا؟ قال: عَلَىٰ الْمَوْتِ، قَالَ: لَا أُبَايِعُ عَلَىٰ هذا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ([4]).
    وعن جَابِر رضي الله عنه قَالَ: لَمْ نُبَايِعْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ الْمَوْتِ إِنَّمَا بَايَعْنَاهُ عَلَىٰ أَنْ لَا نَفِرَّ([5]).
    وقد ذكر ابن حجر أنه لا تعارض بين المبايعة علىٰ الموت وعلىٰ أن لا يفروا، حيث قال: وَقَدْ أَخْبَرَ سَلَمَة بن الْأَكْوَع – وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْت الشَّجَرَة- أَنَّهُ بَايَعَ عَلَىٰ الْمَوْت, فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَىٰ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْن قَوْلهمْ بَايَعُوهُ عَلَىٰ الْمَوْت، وَعَلَىٰ عَدَم الْفِرَار, لِأَنَّ الْمُرَاد بِالْمُبَايَعَة ِ عَلَىٰ الْمَوْت أَنْ لَا يَفِرُّوا وَلَوْ مَاتُوا, وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنْ يَقَع الْمَوْت وَلَا بُدّ([6]).
    وعَنْ مَعْقِلِ بن يَسَارٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَىٰ الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَىٰ أَنْ لَا نَفِرَّ([7]).
    سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يبايع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات:
    عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تُرْوِيهَا. قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ جَبَا الرَّكِيَّةِ([8])، فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا، قَالَ: فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّىٰ إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: «بَايِعْ يَا سَلَمَةُ!»، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ الله فِي أَوَّلِ النَّاسِ، قَالَ: «وَأَيْضًا»، قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَزِلًا – يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ- قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً([9]) ثُمَّ بَايَعَ حَتَّىٰ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ، قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ الله فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ، قَالَ: «وَأَيْضًا»، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللهمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي»، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ، حَتَّىٰ مَشَىٰ بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بن عُبَيْدِ الله أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَىٰ الله وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا، قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَبْغَضْتُهُم ْ فَتَحَوَّلْتُ إِلَىٰ شَجَرَةٍ أُخْرَىٰ، وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَىٰ مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لِلْمُهَاجِرِين َ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ، قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي([10])، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَىٰ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُمْ رُقُودٌ فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا([11]) فِي يَدِي، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنْ الْعَبَلَاتِ([12]) يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزٌ يَقُودُهُ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ فَرَسٍ مُجَفَّفٍ([13]) فِي سَبْعِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ»([14])، فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ الله: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الفتح: 24].
    منزلة أهل بيعة الرِّضوان:
    الذين قال الله تعالىٰ فيهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) من الصدق والوفاء، والسمع والطاعة (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح: 18].
    وعن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ»، وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ([15]).
    وعن أُمِّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ الله مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا»، قَالَتْ: بَلَىٰ يَا رَسُولَ الله، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَالَ الله تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم: 72]([16]).
    وجَاءَ عبد لِحَاطِبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَ ةَ»([17]).
    ([1]) صحيح: أخرجه مسلم (1856)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    ([2]) صحيح: أخرجه البخاري (3698)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عثمان .
    ([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4169)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1860)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    ([4]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4167)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1861)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    ([5]) صحيح: أخرجه مسلم (1856)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    ([6]) «فتح الباري» 6/137.
    ([7]) صحيح: أخرجه مسلم (1858)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان.
    ([8]) البئر.
    ([9]) الترس.
    ([10]) أي سللته.
    ([11]) حزمة.
    ([12]) بطن من قريش.
    ([13]) مجفف: أي عليه تجفاف وهو ثوب يلبسه الفرس ليقيه من السلاح.
    ([14]) أي: لهم بدء الفجور، وثناه: أي العوده إليه مرة ثانية، صحيح: أخرجه مسلم (1807)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها.
    ([15]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4154)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1856)، كتاب: الإمارة، باب: بيعة الرضوان تحت الشجرة.
    ([16]) صحيح: أخرجه مسلم (2496)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان.
    ([17]) صحيح: سبق تخريجه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    21- وفي مرجعهم من الحديبية عند ضَجْنان نزلت سورة الفتح علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهَنأَهُ المسلمون.
    عن عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ نَزَلُوا دَهَاسًا مِنْ الْأَرْضِ – يَعْنِي: الدَّهَاسَ الرَّمْلَ- فَقَالَ: «مَنْ يَكْلَؤُنَا؟»، فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَنْ تَنَمْ»، قَالَ: فَنَامُوا حَتَّىٰ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ نَاسٌ مِنْهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وفِيهِمْ عُمَرُ، قَالَ: فَقُلْنَا: اهْضِبُوا – يَعْنِي: تَكَلَّمُوا- قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ»، قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ: وَقَالَ: «كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ»([1])، قَالَ: وَضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَطَلَبْتُهَا، فَوَجَدْتُ حَبْلَهَا قَدْ تَعَلَّقَ بِشَجَرَةٍ، فَجِئْتُ بِهَا إِلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَكِبَ مَسْرُورًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَرَفْنَا ذَلِكَ فِيهِ، قال: فَتَنَحَّىٰ مُنْتَبِذًا([2]) خَلْفَنَا، قَالَ: فَجَعَلَ يُغَطِّي رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّىٰ عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَتَانَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) [الفتح: 1]([3]).
    وعَنْ زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ([4]) نَزَرْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، ثُمَّ قَرَأَ: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) [الفتح: 1]([5]).
    وعن أبي وَائِلٍ قَالَ: قَامَ سَهْلُ بن حُنَيْفٍ يوم صفين، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَىٰ قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، وذكك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فَجَاءَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ، فأتىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَلَسْنَا عَلَىٰ الْحَقِّ وَهُمْ عَلَىٰ الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قَالَ: فَفيم نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا([6])، ونَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَنِي الله أَبَدًا»، قال: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فلم يصبر متغيظًا، فأتىٰ أبي بَكْر، فَقَالَ: يا أبا بكر أَلَسْنَا عَلَىٰ الْحَقِّ وَهُمْ عَلَىٰ الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: «بَلَىٰ»، قَالَ: فعلام نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، ونَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يا ابن الخطاب إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ عُمَرَ إِلَىٰ آخِرِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فطابت نفسه ورجع([7]).
    وعَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) إِلَىٰ قَوْلِهِ: (فوزًا عظيمًا) [الفتح: 1- 5]، مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَهُمْ يُخَالِطُهُمْ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَ ةِ([8])، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا»([9]).
    قال ابن سعد:
    أقام بالحديبية بضعة عشر يومًا، ويقال عشرين ليلة، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كانوا بضجنان([10]) نزلت عليه: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) فقال جبريل: نهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون([11]).
    ([1]) قوله صلى الله عليه وسلم: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ»، وقوله: «كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» أي: صلوا هذه الصلاة التي فات وقتها كما كنتم تصلونها في وقتها، وكذلك يفعل من نسىٰ صلاة أو نام عنها.

    ([2]) منتبذًا: أي مجتنبًا.

    ([3]) صحيح: أخرجه أحمد (4421)، وصححه الشيخ أحمد شاكر.

    ([4]) الثكل: فقدان المرأة ولدها، دعا عمر علىٰ نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح، ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء علىٰ نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها. (فتح).

    ([5]) صحيح: أخرجه البخاري (4833)، كتاب: التفسير.

    ([6]) الدنية: أي النقيصة، والحالة الناقصة. (نووي).

    ([7]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3182)، كتاب: الجزية، باب رقم 18، ومسلم (1785)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الحديبية.

    ([8]) أي أنهم خالطهم الحزن والكآبة لأنه قد حيل بينهم وبين البيت فلم يعتمروا وقد كانوا جهزوا أنفسهم للعمرة حتىٰ إنهم قد نحروا الهدي.

    ([9]) صحيح: أخرجه مسلم (1786)، كتاب: الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية.

    ([10]) ضجنان: اسم جبل قريب من مكة.

    ([11]) «الطبقات الكبرىٰ» 2/94.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    22- وفي السنة السادسة من الهجرة: نزل فرض الحج.
    قال ابن كثير رحمه الله:
    فيها – أي: في سنة ست- نزل فرض الحج، كما قرره الشافعي ~، زمن الحديبية، في قوله تعالىٰ: ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖﮊ [البقرة: 196]. ولهذا ذهب إلىٰ أن الحج علىٰ التراخي لا علىٰ الفور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في سنة عشر، وخالفه الثلاثة: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، فعندهم أن الحج يجب علىٰ كل من استطاعه علىٰ الفور، ومنعوا أن يكون الوجوب مستفادًا من قوله تعالىٰ: ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖﮊ وإنما في هذه الآية الأمر بالإتمام بعد الشروع فقط.اهـ([1]).
    ([1]) «البداية والنهاية» 4/202.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    23- وفي هذه السنة: حرمت المسلمات علىٰ المشركين.
    قال ابن كثير رحمه الله:
    وفي هذه السنة – سنة ست- حرمت المسلمات علىٰ المشركين، تخصيصًا لعموم ما وقع به الصلح عام الحديبية علىٰ أنه: لا يأتيك منا أحد، وإن كان علىٰ دينك، إلا رددته علينا.
    فنزل قوله تعالىٰ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُن َّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ َ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) [الممتحنة: 10]([1]).
    ([1]) السابق.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,557

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    بارك الله فيكم ، الموضوع قيم وطرحه منسق مثل ذكر معاني الكلمات في السيرة ومثل ذكر تخريج الأحاديث مع درجة صحتها، هناك اقتراح وهو ذكر الفوائد من أحداث السيرة ، وذلك في نهاية كل حادثة تذكر الفائدة منها على شكل نقاط ؟؟؟؟
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  11. #151
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم ، الموضوع قيم وطرحه منسق مثل ذكر معاني الكلمات في السيرة ومثل ذكر تخريج الأحاديث مع درجة صحتها، هناك اقتراح وهو ذكر الفوائد من أحداث السيرة ، وذلك في نهاية كل حادثة تذكر الفائدة منها على شكل نقاط ؟؟؟؟
    بارك الله فيكم وفي اقتراحكم، ونسأل الله تعالى الإعانة على ذلك
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #152
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,557

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم


    فائدة لمقدمة السيرة :

    قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله:
    " وقد كثر الاهتمام بهذا الموضوع في قديم الزمان وحديثه دراسة وكتابة وتأليفاً ، لأنه عمل ينبثق من صميم الإيمان وغريزة الحب والتفاني .. "

    " 1- حب الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ ).
    2- السيرة النبوية حلقة من حلقات الدعوة إلى التوحيد دعوة الأنبياء التوحيد بكل أنواعه .
    3- السيرة حياة وقدوة حسنة للأجيال تعرض نماذج طيبة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ..
    4- دراسة السيرة جزء مما علينا تجاه ما يحدث من سب النبي صلى الله عليه وسلم .
    5- فهم الواقع وربط الماضي بالحاضر .
    6- وفي السيرة تفسير لكثير من آيات القرآن الكريم ."
    [ بتصرف - شرح روضة الأنوار لشيخ سامي الحمود - موجود على الشبكة ]
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  13. #153
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    بارك الله فيكم؛ ونرجو المزيد من المشاركات والفوائد لإثراء الموضوع
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #154
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    24- وفي السنة السادسة: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبًا إلىٰ ملوك العالم يدعوهم فيها إلىٰ الإسلام.
    وبعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وقد عاهد قريشًا علىٰ وضع القتال بينهما لمدة عشر سنوات – مما أتاح له التفرغ التام للدعوة- بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراسلة ملوك العالم ودعوتهم إلىٰ الإسلام، عَنْ أَنَسِ بن مالك رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَىٰ كِسْرَىٰ وَإِلَىٰ قَيْصَرَ وَإِلَىٰ النَّجَاشِيِّ وَإِلَىٰ كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّىٰ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ([1]).
    قال الدكتور أكرم العُمري:
    وقد أخرج البخاري في «صحيحه» نص كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلىٰ عظيم بُصرىٰ فدفعه إلىٰ هرقل، وهو النص الوحيد الذي ثبت صحته وفق شروط المحدثين من بين سائر نصوص الكتب التي وُجِّهت إلىٰ الملوك والأمراء التي ينبغي أن تُنقد من جهة المتن والسند معًا قبل اعتمادها تاريخيًا فضلاً عن الاستدلال بها في مجال التشريع.اهـ([2]).
    ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتابه إلىٰ هرقل عظيم الروم، ووصل هرقل كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إلىٰ أبي سفيان بن حرب – وكان لا يزال علىٰ الشرك- في رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ([3])، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ([4])، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ، قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا الله وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَىٰ النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَىٰ الله، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّىٰ يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ([5])، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَىٰ عَظِيمِ بُصْرَىٰ فَدَفَعَهُ إِلَىٰ هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عبد الله وَرَسُولِهِ إِلَىٰ هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَىٰ مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّين َ([6]) وَ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )».
    قَالَ أبو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأصحابي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أبي كَبْشَةَ([7]) إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بني الْأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّىٰ أَدْخَلَ الله عَلَيَّ الْإِسْلَامَ.
    وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَىٰ نَصَارَىٰ الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً([8]) يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَىٰ مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ، ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَىٰ صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَىٰ حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّىٰ أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَىٰ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ([9]) لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ، فَحَاصُوا([10]) حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَىٰ الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَىٰ هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَىٰ دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ([11]).
    وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَىٰ الرُّومِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَىٰ بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ([12]).
    وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ، مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ([13]).
    وبَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم بِكِتَابِهِ إِلَىٰ كِسْرَىٰ مَعَ عبد الله بن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَىٰ عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَىٰ كِسْرَىٰ، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ([14]).
    ([1]) صحيح: أخرجه مسلم (1774)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كُتُب النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ ملوك الكفار، يدعوهم إلىٰ الله تعالى.
    قوله: وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّىٰ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أي: ليس هو النجاشي الذي هاجر إليه الصحابة في العام الخامس من البعثة، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فإن النجاشي هذا – واسمه أصحمة- قد مات قبل ذلك، أما الذي أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو ملك غيره، ولقب (النجاشي) يُلقب به كل من تولىٰ مُلْك الحبشة، مثل قيصر لمن تولىٰ ملك الروم، وكسرىٰ لمن تولىٰ ملك الفرس، وفرعون لمن تولىٰ ملك الأقباط والعزيز لمن تولىٰ ملك مصر.
    ([2]) «السيرة النبوية الصحيحة» 2/456.
    ([3]) في المدة التي مادَّ فيها أبا سفيان أي: في الهدنة، وهي هدنة الحديبية.
    ([4]) إيلياء: اسم مدينة، ومعناه بيت الله.
    ([5]) لتجشمت لقاءه: لتكلفت لقاءه.
    ([6]) الأريسيون: الفلاحون وكان أغلب الروم يعملون بالزراعة.
    ([7]) أبو كبشة: أحد أجداد النبي نسبه أبو سفيان إليه.
    ([8]) حزاء: كاهن.
    ([9]) الدسكرة: بناء علىٰ هيئة القصر، وهي كلمة ليست عربية.
    ([10]) حاصوا: أي نفروا كالحمر.
    ([11]) متفق عليه: أخرجه البخاري (7)، كتاب: بدء الوحي، باب رقم (5)، ومسلم (1773)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ هرقل يدعوه إلىٰ الإسلام.
    ([12]) صحيح: أخرجه البخاري (5875)، كتاب: اللباس، باب: اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء، أو ليكتب به إلىٰ أهل الكتاب وغيرهم.
    ([13]) صحيح: أخرجه البخاري (5878)، كتاب: اللباس، باب: هل يُجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر.
    ([14]) صحيح: أخرجه البخاري (4424)، كتاب: المغازي، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ كسرىٰ وقيصر.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #155
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    يستفاد من هذا الحدث فوائد كثيرة؛ من أهمها:
    1- عالمية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن رسولًا للعرب فقط.
    2- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة الناس إلى الخير، ومدى اجتهاده في ذلك الأمر.
    3- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعالمين؛ حيث كان يريد للجميع النجاة من النار.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #156
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    25- وفي هذه السنة: كَسَفَت الشمسُ.
    ذُكِرَ ذلك الحدث في «شذرات الذهب»([1]) ولم يذكره جمهور أهل السيرة، والظاهر والله أعلم أن الشمس لم تكسف علىٰ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة حين وفاة ابنه إبراهيم، وهو ما نُقِلَ متواترًا في كتب السنة والسيرة والتاريخ، ولو كان هذا الكسوف المذكور قد حدث فعلاً لنُقِلَ متواترًا أو حتىٰ من طريق صحيحة، فإن حدثًا مثل كسوف الشمس يعتبر من الأحداث الجسيمة التي إذا حدثت اطلع عليها جمهور الناس، فكيف لا تُشتهر وتتواتر في دواوين السنة؟
    وهذا الذي ذكرته من القواعد المتعارف عليها عند المحدثين؛ أن الحدث إذا كان عظيمًا مما يُشتهر مثله ولم يتواتر نقله دل ذلك علىٰ عدم صحته. والله أعلم.
    ([1]) «شذرات الذهب» 1/20.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #157
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,557

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    يستفاد من هذا الحدث فوائد كثيرة؛ من أهمها:
    1- عالمية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن رسولًا للعرب فقط.
    2- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة الناس إلى الخير، ومدى اجتهاده في ذلك الأمر.
    3- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعالمين؛ حيث كان يريد للجميع النجاة من النار.
    4- التهمة إذا انتفت انتفى سببها ، ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر .
    5- قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة ، إلا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك : قد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم .
    [ المصدر فتح الباري لابن حجر رحمه الله ( 1 / 45 )]

    6- دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم .
    7- وجوب العمل بخبر الواحد وإلا فلم يكن في بعثه مع دحية فائدة ، وهذا إجماع من يعتد به .
    8- ومنها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا .
    9- ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولايفرط ، ولهذا قال النبي إلى هرقل عظيم الروم فلم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ..
    10- ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة .
    11- ومنها البيان الواضح أن من كان سببا لضلالة أو سبب منع من هداية كان آثما لقوله : ( وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ) .
    [ شرح النووي لصحيح مسلم ( 12 / 87 ) ]
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  18. #158
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,363

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    ما شاء الله؛ بارك الله فيكم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #159
    تاريخ التسجيل
    Jun 2013
    المشاركات
    4

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات واصلي واسلم على محمد رسول الله وصفيه وخليله وبعد :
    فإن السنة النبوية المطهرة وهي العطاء المتجدد والمسك المنفوح والزاد الباقي إلى يوم الدين والتي
    يتسابق المتسابقون ويتنافس المتنافسون إلى الحديث عنها وكتابة
    الكتب والاسفار في مواضيعها الشيقة والمربية منذ بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم
    حتى قيام الساعة
    فهي تضع للمسلمين النموذج العملي والعلاج الواقي لما ينبغي ان يكون عليه سلوكهم وافعالهم واقوالهم وعلاقاتهم بربهم ثم باهلهم
    وعشيرتهم وامتهم وعموم الناس
    قفلا ريب اذن انه لابد لمن اراد النجاة
    من هذه الدنيا باتباع السنة النبويه الكريمه الطاهره والتأسي بالرسول
    والاخذ بالسيرة والتدبر على انها الرسم الواقعي العملي
    جميع شؤون الحياة ففيها الهدى والرشاد والاسوة الحسنة في جميع مجالات الحياة وفيها فن السياسه
    والتعامل والاقتصاد والمال
    وخيرات الدنيا والآخره
    قال الله "إنگ لعلى خلق عظيم"
    قالت عائشة رضي الله عنها :
    " كان خلقه القرآن"
    قال الشاعر :
    "تمسك بحبل الله واتبع الهدى
    ولاتكن بدعيا لعلك تفلح

  20. #160
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,557

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مجرد اقتراح : التوقف ، واستخراج ما يستفاد مما ذكر من السيرة ، ثم اكمال ما بقي من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .
    ومما يساعد على استخراج الفوائد أنه تم تخريج الأحاديث مما يساعد الرجوع إلى الشروح واستخراج الفوائد .
    وتقديم طلب للمشرفين أن يتم إنزال ما يستفاد في كل مشاركة تخصها مما سبق ذكره من السيرة ، فما يستفاد من غزوة بدر الكبرى يوضع بجانب غزوة بدر ، وما يستفاد من غزوة أحد يوضع بجانب غزوة أحد ،،، لمراعاة ترتيب الموضوع .
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •