![](https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/74.jpg)
الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (158)
صـ231 إلى صـ 240
[ ص: 231 ] قال ابن قتيبة : أي فضيلة لإبراهيم في هذا القول ؟ أما يعلمون أن الناس فقراء إلى الله ؟ وهل إبراهيم في لفظ خليل الله إلا كما قيل : موسى كليم الله ، وعيسى روح الله ؟ ويشهد له الحديث : لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، إن صاحبكم خليل الله ، وهؤلاء من أهل الكلام هم النابذون للمنقولات اتباعا للرأي ، وقد أداهم ذلك إلى تحريف كلام الله بما لا يشهد للفظه عربي ولا لمعناه برهان كما رأيت ، وإنما أكثرت من الأمثلة وإن كانت من الخروج عن مقصود العربية ، والمعنى على ما علمت لتكون تنبيها على ما وراءها مما هو مثلها أو قريب منها
فصل
وكون الباطن هو المراد من الخطاب قد ظهر أيضا مما تقدم في المسألة قبلها ، ولكن يشترط فيه شرطان : [ ص: 232 ] أحدهما : أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب ، ويجري على المقاصد العربية .
والثاني : أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض .
فأما الأول ; فظاهر من قاعدة لكون القرآن عربيا ; فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب ; لم يوصف بكونه عربيا بإطلاق ، ولأنه مفهوم يلصق بالقرآن ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدل عليه ، وما كان كذلك ; فلا يصح أن ينسب إليه أصلا ; إذ ليست نسبته إليه على أن مدلوله أولى من نسبة ضده إليه ، ولا مرجح يدل على أحدهما ; فإثبات أحدهما تحكم وتقول على القرآن ظاهر ، وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم من قال في كتاب الله بغير علم ، والأدلة المذكورة في أن القرآن عربي جارية هنا .
وأما الثاني فلأنه إن لم يكن له شاهد في محل آخر أو كان له معارض صار من جملة الدعاوى التي تدعى على القرآن ، والدعوى المجردة غير مقبولة باتفاق العلماء .
وبهذين الشرطين يتبين صحة ما تقدم أنه الباطن ; لأنهما موفران فيه ، بخلاف ما فسر به الباطنية ; فإنه ليس من علم الباطن ، كما أنه ليس من علم الظاهر ; فقد قالوا في قوله تعالى وورث سليمان داود [ النمل : 16 ] إنه [ ص: 233 ] الإمام ورث النبي علمه ، وقالوا في الجنابة : إن معناها مبادرة المستجيب بإفشاء السر إليه قبل أن ينال رتبة الاستحقاق ، ومعنى الغسل تجديد العهد على من فعل ذلك ، ومعنى الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى متابعة الإمام ، والتيمم الأخذ من المأذون إلى أن يشاهد الداعي أو الإمام ، والصيام الإمساك عن كشف السر ، والكعبة النبي ، والباب علي ، والصفا هو النبي ، والمروة علي ، والتلبية إجابة الداعي ، والطواف سبعا هو الطواف بمحمد عليه الصلاة والسلام إلى تمام الأئمة السبعة ، والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام ، ونار إبراهيم هو غضب نمرود لا النار الحقيقية ، وذبح إسحاق هو أخذ العهد عليه ، وعصا موسى حجته التي تلقفت شبه السحرة ، وانفلاق البحر افتراق علم موسى عليه السلام فيهم ، والبحر هو العالم ، وتظليل الغمام نصب موسى الإمام لإرشادهم ، والمن علم نزل من السماء ، والسلوى داع من الدعاة ، والجراد والقمل والضفادع سؤالات موسى وإلزماته التي تسلطت عليهم ، وتسبيح الجبال رجال شداد في الدين ، والجن الذين ملكهم سليمان باطنية ذلك الزمان ، والشياطين هم الظاهرية الذين كلفوا الأعمال الشاقة ، إلى سائر ما نقل من خباطهم الذي هو عين الخبال ، وضحكة السامع ، نعوذ بالله من الخذلان [ ص: 234 ] قال القتبي : وكان بعض أهل الأدب يقول : ما أشبه تفسير الروافض للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر ; فإنه قال ذات يوم ما سمعت بأكذب من بني تميم زعموا أن قول القائل :
بيت زرارة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
إنه في رجل منهم قيل له : فما تقول أنت فيه ؟ قال البيت بيت الله ، وزرارة الحجر قيل : فمجاشع ؟ قال : زمزم جشعت بالماء قيل : فأبو الفوارس ؟ قال : أبو قبيس قيل فنهشل ؟ قال : نهشل أشده وصمت ساعة ، ثم قال : نعم نهشل مصباح الكعبة ; لأنه طويل أسود ، فذلك نهشل انتهى ما حكاه .
فصل
وكون الباطن هو المراد من الخطاب قد ظهر أيضا مما تقدم في المسألة قبلها ، ولكن يشترط فيه شرطان : [ ص: 232 ] أحدهما : أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب ، ويجري على المقاصد العربية .
والثاني : أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض .
فأما الأول ; فظاهر من قاعدة لكون القرآن عربيا ; فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب ; لم يوصف بكونه عربيا بإطلاق ، ولأنه مفهوم يلصق بالقرآن ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدل عليه ، وما كان كذلك ; فلا يصح أن ينسب إليه أصلا ; إذ ليست نسبته إليه على أن مدلوله أولى من نسبة ضده إليه ، ولا مرجح يدل على أحدهما ; فإثبات أحدهما تحكم وتقول على القرآن ظاهر ، وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم من قال في كتاب الله بغير علم ، والأدلة المذكورة في أن القرآن عربي جارية هنا .
وأما الثاني فلأنه إن لم يكن له شاهد في محل آخر أو كان له معارض صار من جملة الدعاوى التي تدعى على القرآن ، والدعوى المجردة غير مقبولة باتفاق العلماء .
وبهذين الشرطين يتبين صحة ما تقدم أنه الباطن ; لأنهما موفران فيه ، بخلاف ما فسر به الباطنية ; فإنه ليس من علم الباطن ، كما أنه ليس من علم الظاهر ; فقد قالوا في قوله تعالى وورث سليمان داود [ النمل : 16 ] إنه [ ص: 233 ] الإمام ورث النبي علمه ، وقالوا في الجنابة : إن معناها مبادرة المستجيب بإفشاء السر إليه قبل أن ينال رتبة الاستحقاق ، ومعنى الغسل تجديد العهد على من فعل ذلك ، ومعنى الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى متابعة الإمام ، والتيمم الأخذ من المأذون إلى أن يشاهد الداعي أو الإمام ، والصيام الإمساك عن كشف السر ، والكعبة النبي ، والباب علي ، والصفا هو النبي ، والمروة علي ، والتلبية إجابة الداعي ، والطواف سبعا هو الطواف بمحمد عليه الصلاة والسلام إلى تمام الأئمة السبعة ، والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام ، ونار إبراهيم هو غضب نمرود لا النار الحقيقية ، وذبح إسحاق هو أخذ العهد عليه ، وعصا موسى حجته التي تلقفت شبه السحرة ، وانفلاق البحر افتراق علم موسى عليه السلام فيهم ، والبحر هو العالم ، وتظليل الغمام نصب موسى الإمام لإرشادهم ، والمن علم نزل من السماء ، والسلوى داع من الدعاة ، والجراد والقمل والضفادع سؤالات موسى وإلزماته التي تسلطت عليهم ، وتسبيح الجبال رجال شداد في الدين ، والجن الذين ملكهم سليمان باطنية ذلك الزمان ، والشياطين هم الظاهرية الذين كلفوا الأعمال الشاقة ، إلى سائر ما نقل من خباطهم الذي هو عين الخبال ، وضحكة السامع ، نعوذ بالله من الخذلان [ ص: 234 ] قال القتبي : وكان بعض أهل الأدب يقول : ما أشبه تفسير الروافض للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر ; فإنه قال ذات يوم ما سمعت بأكذب من بني تميم زعموا أن قول القائل :
بيت زرارة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
إنه في رجل منهم قيل له : فما تقول أنت فيه ؟ قال البيت بيت الله ، وزرارة الحجر قيل : فمجاشع ؟ قال : زمزم جشعت بالماء قيل : فأبو الفوارس ؟ قال : أبو قبيس قيل فنهشل ؟ قال : نهشل أشده وصمت ساعة ، ثم قال : نعم نهشل مصباح الكعبة ; لأنه طويل أسود ، فذلك نهشل انتهى ما حكاه .
[ ص: 235 ] فصل
وقد وقعت في القرآن تفاسير مشكلة يمكن أن تكون من هذا القبيل ، أو من قبيل الباطن الصحيح ، وهي منسوبة لأناس من أهل العلم ، وربما نسب منها إلى السلف الصالح .
فمن ذلك فواتح السور نحو الم و المص و حم ونحوها فسرت بأشياء ، منها ما يظهر جريانه على مفهوم صحيح ، ومنها ما ليس كذلك ، فينقلون عن ابن عباس في الم أن ( ألف ) الله ، و ( لام ) جبريل ، وميم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا إن صح في النقل ; فمشكل لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت [ ص: 236 ] في كلام العرب هكذا مطلقا ، وإنما أتى مثله إذا دل عليه الدليل اللفظي أو الحالي ; كما قال :
قلت لها قفي فقالت قاف
وقال : [ ص: 237 ]
قالوا جميعا كلهم بلافا
وقال :
ولا أريد الشر إلا أن تا
والقول في الم ليس هكذا ، وأيضا ; فلا دليل من خارج يدل عليه ; إذ لو كان له دليل لاقتضت العادة نقله لأنه من المسائل التي تتوفر الدواعي على نقلها لو صح أنه مما يفسر ويقصد تفهيم معناه ، ولما لم يثبت شيء من ذلك ; دل على أنه من قبيل المتشابهات ، فإن ثبت له دليل يدل عليه صير إليه .
وقد ذهب فريق إلى أن المراد الإشارة إلى حروف الهجاء ، وأن القرآن منزل بجنس هذه الحروف وهي العربية ، وهو أقرب من الأول ، كما أنه نقل أن هذه الفواتح أسرار لا يعلم تأويلها إلا الله ، وهو أظهر الأقوال ; فهي من قبيل [ ص: 238 ] المتشابهات ، وأشار جماعة إلى أن المراد بها أعدادها تنبيها على مدة هذه الملة ، وفي السير ما يدل على هذا المعنى ، وهو قول يفتقر إلى أن العرب كانت تعهد في استعمالها الحروف المقطعة أن تدل بها على أعدادها ، وربما لا يوجد مثل هذا لها ألبتة ، وإنما كان أصله في اليهود حسبما ذكره أصحاب السير [ ص: 239 ] [ ص: 240 ] فأنت ترى هذه الأقوال مشكلة إذا سبرناها بالمسبار المتقدم ، وكذلك سائر الأقوال المذكورة في الفواتح مثلها في الإشكال وأعظم ،
![](https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/75.jpg)