علبة البسكويتيُحكى أنه في إحدى الليالي جلست امرأة في ساحة الانتظار بالمطار لعدة ساعات في انتظار رحلتها، وأثناء فترة انتظارها ذهبت لشراء كتاب، وعلبة من البسكويت لتقضي بهما وقتها، ولما ابتاعت حاجتها عاد إلى الساحة، وجلست وبدأت تقرأ الكتاب، وبعد أن انهمكت في القراءة شعرت بحركة بجانبها، ونظرت فإذا بغلام صغير جالس بجانبها، وبيده قطعة من علبة البسكويت التي كانت موضوعه بينهما.
استاءت المرأة لتعدي الغلام على علبة البسكويت الخاص بها من دون استئذان، وقررت أن تتجاهله في بداية الأمر، وأخذت قطعة من علبة البسكويت من دون أن تلتفت للغلام, ولكنها شعرت بالانزعاج عندما تبعها الغلام بأخذ قطعة بسكويت، فنظرت إليه نظرة جامدة، ثم نظرت إلى الساعة بنفاذ صبر، وأخذت قطعة أخرى، فما كان من الغلام إلا أن سارع بأخذ قطعة من الكيس في إصرار!! حينها بدأت ملامح الغضب تعلو وجه المرأة، وفكرت في نفسها قائله : "لو لم أكن امرأة مهذبه لمنحت هذا الغلام ما يستحق في الحال"، وتكرر الحال أكثر من مرة، فكلما كان المرأة تأكل قطعة من البسكويت، كان الغلام يأكل واحدة أيضاً، وتستمر المحادثة بين أعينهما (استنكار من المرأة الكبيرة، ولا مبالاة وهدوء من الغلام الصغير)، والمرأة متعجبة من جرأة الغلام، ونظراته الهادئة البريئة, ثم إن الغلام وبهدوء وبابتسامة خفيفة قام باختطاف آخر قطعة من البسكويت ثم قسمها إلى نصفين، وأعطى المرأة نصفاً، بينما أكل هو النصف الآخر.
ذُهِلت المرأة، ونظرت لثواني إلى الغلام، وهو لا تصدق ما ترى، ثم أخذت نصف القطعة بتوتر، وانفعال شديد، وهي تقول في نفسها : "يا لها من جرأة، إنه يقاسمني في علبة البسكويت خاصتي، وكأنه يتعطف عليَّ بها، .. ثم إنه حتى لم يشكرني بعد أن قاسمني فيها!! ". وبينما هي تفكر في جرأة هذا الغلام ونظراته الهادئة، إذا به تسمع الإعلان عن حلول موعد رحلتها، فطوت كتابها في غضب، وحملت حقيبتها ونهضت متجه إلى بوابة صعود الطائرة من دون أن تلتفت إلى الغلام، وبعدما صعدت إلى الطائرة، وتتنعم بجلسة جميلة هادئة، أرادة أن تضع الكتاب الذي قاربت على إنهائه في الحقيبة.
ولما فتحت الحقيبة صُعِقَت بالكامل !!! حيث وجدت علبة البسكويت التي اشترتها مازالت موجودة في الحقيبة .. كما هو لم تفتح بعد !! لم تفهم في بداية الأمر، كيف ذاك!! ثم بدأت تسترجع الدقائق القليلة الماضية، وتفهم رويداً، رويداً .. فقالت مشدوه: "يا إلهي .. لقد كانت إذاً علبة البسكويت تلك لهذا الغلام"، وعادت واسترجعت في ذهنها، نظرات الغلام الهادئة البريئة، وثقته وهو يأخذ قطع البسكويت من العلبة، وأنه كان ينتظر في كل مرة حتى تأخذ -هي- قطعة، فإذا أخذت تبعها، وأخذ ورائها، وكيف قاسمها آخر قطعة بابتسامة بريئة، فحينها أدركت متألمة أن كل ما غضبت منه بسبب الغلام، قد فعلته هي نفسها!!، وأدركت كم كان سيئة الظن بالغلام !!، وكم كانت أنانية حين غضبت من مشاركة الغلام بسكوتها!! وكم كان الغلام كريماً حين لم يغضب من مشاركتها علبة بسكويته، بل قاسمها إياها بطيب نفس !!
فوضعت رأسها بين يديها في أسى وهي تقول : " لعلكي تعلمت اليوم من هذا الفتى الصغير إحسان الظن بالآخرين، والتماس الأعذار، بل البحث والتنقيب عنها، كذلك طِيب النفس للآخر، والكرم، وحب المشاركة".