كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (121)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ106
( قال الشافعي ) : ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ، ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ، ولا يكون معلوم [ ص: 101 ] الصفة عينا .
( قال الشافعي ) : وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا ، وإن كنا قد اخترنا ما وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة فيما غاب أو أكثر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ، ولا يحل أن يكون الدين إلا موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا ؟ ( قال الشافعي ) : ومن قال هذا القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شيء ويقول إن انتقض السلف فالقول قول البائع ; لأنه المأخوذ منه مع يمينه كما يشتري الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الأول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا ( قال ) : والقول الأول أحب القولين إلي والله أعلم . وقياس هذا القول الذي اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى رأس مال كل واحد منهما ; لأن الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا .
( قال الشافعي ) : ولو سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من الثمن .
( قال الشافعي ) : وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم يتبايعان قومه قبل أن يجب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت الصفقة وهو غيره معلوم ( قال ) : ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ، ولا أكثر إذا سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة ( قال ) : فإن فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينارا إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل في شهر كذا جاز ; لأن هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين .
( قال الشافعي ) : وهذا مخالف لبيوع الأعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار مائة صاع حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن جاز ، وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه وكان كل صنف منه بقيمته من المائة ، ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ، ولا في وزن فيأخذ بالوزن كيلا ; لأنك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن .
( قال الشافعي ) : وهكذا إن أسلم إليه في ثوبين أحدها هروي والآخر مروي موصوفين لم يجز السلف في واحد منهما حتى يسمى رأس مال كل واحد منهما وكذلك ثوبين مرويين ; لأنهما لا يستويان ليس هذا كالحنطة صنفا ، ولا كالتمر صنفا ; لأن هذا لا يتباين وأن بعضه مثل بعض ولكن لو أسلم في حنطتين سمراء ومحمولة مكيلتين لم يجز حتى يسمي رأس مال كل واحد منهما ; لأنهما يتباينان . .
باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز والكيل
( قال الشافعي ) : رحمه الله وأصل ما بنيت عليه في السلف وفرقت بينه داخل في نص السنة [ ص: 102 ] ودلالتها والله أعلم . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بالسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم فموجود في أمره صلى الله عليه وسلم أن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون علم البائع والمشتري في صفته سواء ( قال ) : وإذا وقع السلف على هذا جاز ، وإذا اختلف علم البائع والمشتري فيه أو كان مما لا يحاط بصفته : لم يجز ; لأنه خارج من معنى ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تبايع الناس بالكيل والوزن على معنى ما وصفت بين أنه معلوم عندهم أن الميزان يؤدي ما ابتيع معلوما والمكيال معلوم كذلك أو قريب منه وأن ما كيل ثم ملأ المكيال كله ولم يتجاف فيه شيء حتى يكون يملأ المكيال ومن المكيال شيء فارغ جاز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى يكون المكيال يرى ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وهذا مجهول ; لأن التجافي يختلف فيها يقل ويكثر فيكون مجهولا عند البائع والمشتري والبيع في السنة والإجماع لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما فإن لم يجز بأن يجهله أحد المتبايعين لم يجز بأن يجهلاه معا ( قال ) : وموجود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهاهم عن السلف إلا بكيل ووزن وأجل معلوم كما وصفت قبل هذا وأنهم كانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين والتمر يكون رطبا والرطب لا يكون في السنتين كلتيهما موجودا وإنما يوجد في حين من السنة دون حين وإنما أجزنا السلف في الرطب في غير حينه إذا تشارطا أخذه في حين يكون فيه موجودا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السلف في السنتين والثلاث موصوفا ; لأنه لم ينه أن يكون إلا بكيل ووزن وأجل ولم ينه عنه في السنتين والثلاث ومعلوم أنه في السنة والسنتين غير موجود في أكثر مدتهما ، ولا يسلف في قبضة ، ولا مد من رطب من حائط بعينه إلى يوم واحد ; لأنه قد تأتي عليه الآفة ، ولا يوجد في يوم ، وإذا لم يجز في أكثر من يوم وإنما السلف فيما كان مأمونا وسواء القليل والكثير ولو أجزت هذا في مد رطب بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حائط بعينه أجزته في ألف صاع إذا كان يحمل مثلها ، ولا فرق بين الكثير والقليل في هذا .
باب السلف في الكيل
( قال الشافعي ) : رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا دق ، ولا رذم ، ولا زلزلة ( قال الشافعي ) : من سلف في كيل فليس له أن يدق ما في المكيال ، ولا يزلزله ، ولا يكنف بيديه على رأسه فله ما أخذ المكيال وليس له أن يسلف في كيل شيء يختلف في المكيال مثل ما تختلف خلقته ويعظم ويصلب ; لأنه قد يبقى فيما بين لك خواء لا شيء فيه فيكون كل واحد منهما لا يدري كم أعطي وكم أخذ إنما المكيال ليملأ وما كان هكذا لم يسلف فيه إلا وزنا ، ولا يباع أيضا إذا كان هكذا كيلا بحال ; لأن هذا إذا بيع كيلا لم يستوف المكيال ، ولا بأس أن يسلف في كيل بمكيال قد عطل وترك إذا كان معرفته عامة عند أهل العدل من أهل العلم به ، فإن كان لا يوجد عدلان يعرفانه أو أراه مكيالا فقال تكيل لي به لم يجز السلف فيه وهكذا القول في الميزان ; لأنه قد يهلك ، ولا يعرف قدره ويختلفان فيه فيفسد السلف فيه ، ومن الناس من أفسد السلم في هذا وأجازه في أن يسلف الشيء جزافا ومعناهما واحد ، ولا خبر في السلف في مكيل إلا موصوفا كما وصفنا في صفات الكيل والوزن . .
. [ ص: 103 ] باب السلف في الحنطة
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى السلف في البلدان كلها سواء ، قل طعام البلدان أو كثر ، فإذا كان الذي يسلف فيه في الوقت الذي يحل فيه لا يختلف ، ووصف الحنطة فقال محمولة أو مولدة أو بوزنجانية وجيدة أو رديئة من صرام عامها أو من صرام عام أول ويسمي سنته وصفاته جاز السلف ، وإن ترك من هذا شيئا لم يجز من قبل اختلافها وقدمها وحداثتها وصفائها ( قال الشافعي ) : ويصف الموضع الذي يقبضها فيه والأجل الذي يقبضها إليه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقال غيرنا إن ترك صفة الموضع الذي يقبضها فيه فلا بأس ويقبضها حيث أسلفه ( قال الشافعي ) : وقد يسلفه في سفر في بلدة ليست بدار واحد منهما ، ولا قربها طعام فلو يكلف الحمل إليها أضر به وبالذي سلفه ويسلفه في سفر في بحر ( قال ) : وكل ما كان لحمله مؤنة من طعام وغيره لم يجز عندي أن يدع شرط الموضع الذي يوفيه إياه فيه كما قلت في الطعام وغيره لما وصفت ، وإذا سلف في حنطة بكيل فعليه أن يوفيه إياها نقية من التبن والقصل والمدر والحصى والزوان والشعير وما خالطها من غيرها ; لأنا لو قضينا عليه أن يأخذها وفيها من هذا شيء كنا لم نوفه مكيله قسطه حين خلطها بشيء من هذا ; لأن له موقعا من مكيال فكان لو أجبر على أخذ هذا أجبر على أخذ أقل من طعامه بأمر لا يعرفه ومكيلة لم يسلف فيها من هذا لا يعرفها .
( قال الشافعي ) : ولا يأخذ شيئا مما أسلف فيه متعيبا بوجه من الوجوه كسوس ، ولا ما أصابه ، ولا غيره ، ولا مما إذا رآه أهل العلم به قالوا هذا عيب فيه .
باب السلف في الذرة
( قال الشافعي ) : رحمه الله : والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها ورداءتها وجدتها وعتقها وصرام عام كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقد تدفن الذرة ، وبعض الدفن عيب لها فما كان منه لها عيبا لم يكن للبائع أن يدفعه إلى المبتاع وكذلك كل عيب لها وعليه أن يدفع إليه ذرة بريئة نقية من حشرها إذا كان الحشر عليها كما كمام الحنطة عليها .
( قال الشافعي ) : وما كان منها إلى الحمرة ما هو بالحمرة لون لأعلاه كلون أعلى التفاح والأرز وليس بقشرة عليه تطرح عنه لا كما تطرح نخالة الحنطة بعد الطحن ، فأما قبل الطحن والهرس فلا يقدر على طرحها ، وإنما قلنا لا يجوز السلف في الحنطة في أكمامها وما كان من الذرة في حشرها ; لأن الحشر والأكمام غلافان فوق القشرة التي هي من نفس الحبة التي هي إنما هي للحبة كما هي من خلقتها لا تتميز ما كانت الحبة قائمة إلا بطحن أو هرس فإذا طرحت بهرس لم يكن للحبة بقاء ; لأنها كمال خلقتها كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها والأكمام والحشر يتميز ، ويبقى الحب بحاله لا يضر به طرح ذلك عنه ( قال ) : فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر : فالجوز واللوز مما له قشر لا صلاح له إذا رفع إلا بقشره ; لأنه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده والحب يطرح قشره الذي هو [ ص: 104 ] غير خلقته فيبقى لا يفسد ( قال الشافعي ) : والقول في الشعير كهو في الذرة تطرح عنه أكمامه وما بقي فهو كقشر حبة الحنطة المطروح عنها أكمامها فيجوز أن يدفع بقشره اللازم لخلقته كما يجوز في الحنطة ( قال الشافعي ) : ويوصف الشعير كما توصف الذرة والحنطة : إذا اختلف أجناسه ويوصف كل جنس من الحب ببلده فإن كان حبه مختلفا في جنس واحد وصف بالدقة والحدارة لاختلاف الدقة والحدارة حتى يكون صفة من صفاته إن تركت أفسدت السلف وذلك أن اسم الجودة يقع عليه وهو دقيق ويقع عليه وهو حادر ويختلف في حاليه فيكون الدقيق أقل ثمنا من الحادر .
باب العلس :
( قال الشافعي ) : رحمه الله العلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك ; لأنه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل فيلقى في رحى خفيفة فيلقى عنه كمامه ويصير حبا صحيحا ثم يستعمل ( قال الشافعي ) : والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه كمامه بخصلتين اختلاف الكمام وتغيب الحب فلا يعرف بصفة والقول في صفاته وأجناسه إن كانت له وحدارته ودقته كالقول في الحنطة والذرة والشعير يجوز فيه ما يجوز فيها ويرد منه ما يرد منها .
باب القطنية :
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لا يجوز أن يسلف في شيء من القطنية كيل في أكمامه حتى تطرح فيرى ، ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف منها على حدته ، وإن اختلف ذلك وصف كل صنف منه باسمه الذي يعرف به جنسه كما قلنا في الحنطة والشعير والذرة ويجوز فيه ما جاز فيها ويرد منه ما رد منها وهكذا كل صنف من الحبوب أرز أو دخن أو سلت أو غيره يوصف كما توصف الحنطة ويطرح عنه كمامه وما جاز في الحنطة والشعير جاز فيها وما انتقض فيها انتقض فيه ( قال الشافعي ) : وكل الحبوب صنف بما يدخلها مما يفسدها أو يجبرها ، وقشوره عليه كقشور الحنطة عليها يباع بها ; لأن القشور ليست بأكمام .
باب السلف في الرطب والتمر
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والقول في التمر كالقول في الحبوب لا يجوز أن يسلف في تمر حتى يصفه برنيا أو عجوة أو صيحانيا أو برديا ، فإذا اختلفت هذه الأجناس في البلدان فتباينت لم يجز أن يسلف فيها حتى يقول من بردي بلاد كذا أو من عجوة بلاد كذا ، ولا يجوز أن يسمي بلدا إلا بلدا من الدنيا ضخما واسعا كثير النبات الذي يسلم فيه يؤمن بإذن الله تعالى أن تأتي الآفة عليه كله فتنقطع ثمرته في الجديد إن اشترط جديده أو رطبه إذا سلف في رطبه ( قال ) : ويوصف فيه حادرا أو عبلا ودقيقا وجيدا ورديئا ; لأنه قد يقع اسم الجودة على ما فيه الدقة وعلى ما هو أجود منه ويقع اسم الرداءة على الحادر فمعنى رداءته غير الدقة .
( قال الشافعي ) : وإذا سلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذه إلا جافا ; لأنه لا [ ص: 105 ] يكون تمرا حتى يجف وليس له أن يأخذ تمرا معيبا وعلامة العيب أن يراه أهل البصر به فيقولون هذا عيب فيه ، ولا عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة ; لأنها معيبة وهي نقص من ماله ، ولا غير ذلك من مستحشفه وما عطش وأضر به العطش منه ; لأن هذا كله عيب فيه ولو سلف فيه رطبا لم يكن عليه أن يأخذ في الرطب يسرا ، ولا مذنبا ، ولا يأخذ إلا ما أرطب كله ، ولا يأخذ مما أرطب كله مشدخا ، ولا قديما قد قارب أن يثمر ، أو يتغير ; لأن هذا إما غير الرطب وإما عيب الرطب وهكذا أصناف الرطب والتمر كله وأصناف العنب وكل ما أسلم فيه رطبا أو يابسا من الفاكهة ( قال الشافعي ) : ولا يصلح السلف في الطعام إلا في كيل أو وزن فأما في عدد فلا ، ولا بأس أن يسلف في التين يابسا وفي الفرسك يابسا وفي جميع ما ييبس من الفاكهة يابسا بكيل كما يسلف في التمر ، ولا بأس أن يسلف فيما كيل منه رطبا كما يسلم في الرطب والقول في صفاته وتسميته وأجناسه كالقول في الرطب سواء لا يختلف فإن كان فيه شيء بعض لونه خير من بعض لم يجز حتى يوصف اللون كما لا يجوز في الرقيق إلا صفة الألوان ( قال ) : وكل شيء اختلف فيه جنس من الأجناس المأكولة فتفاضل بالألوان أو بالعظم لم يجز فيه إلا أن يوصف بلونه وعظمه فإن ترك شيء من ذلك لم يجز ، وذلك أن اسم الجودة يقع على ما يدق ويعظم منه ويقع على أبيضه وأسوده وربما كان أسوده خيرا من أبيضه وأبيضه خير من أسوده وكل الكيل والوزن يجتمع في أكثر معانيه وقليل ما يباين به جملته إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) : ولو أسلم رجل في جنس من التمر فأعطي أجود منه أو أردأ بطيب نفس من المتبايعين لا إبطال للشرط بينهما ، لم يكن بذلك بأس وذلك أن هذا قضاء لا بيع ولكن لو أعطي مكان التمر حنطة أو غير التمر ، لم يجز ; لأنه أعطاه من غير الصنف الذي له فهذا بيع ما لم يقبض ، بيع التمر بالحنطة .
( قال الشافعي ) : ولا خير في السلف في شيء من المأكول عددا ; لأنه لا يحاط فيه بصفة كما يحاط في الحيوان بسن وصفة وكما يحاط في الثياب بذرع وصفة ، ولا بأس أن يسلم فيه كله بصفة ووزن فيكون الوزن فيه يأتي على ما يأتي عليه الذرع في الثوب ، ولا بأس أن يسلف في صنف من الخربز بعينه ويسمي منه عظاما أو صغارا أو خربز بلد وزن كذا وكذا ، فما دخل الميزان فيه من عدد ذلك لم ينظر فيه إلى العدد إذا وقعت على ما يدخل الميزان أقل الصفة ونظر إلى الوزن كما لا ينظر في موزون من الذهب والفضة إلى عدد ، وإذا اختلفا في عظامه وصغاره فعليه أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم العظم وأقل ما يقع اسم صفته ثم يستوفيه منه موزونا وهكذا السفرجل والقثاء والفرسك وغيره مما يبيعه الناس عددا وجزافا في أوعيته لا يصلح السلف فيه إلا موزونا ; لأنه يختلف في المكيال وما اختلف في المكيال حتى يبقى من المكيال شيء فارغ ليس فيه شيء لم يسلف فيه كيلا ( قال ) : وإن اختلف فيه أصناف ما سلف من قثاء وخربز وغيره مما لا يكال سمي كل صنف منها على حدته وبصفته لا يجزئه غير ذلك فإن ترك ذلك فالسلف فاسد والقول في إفساده وإجازته إذا اختلفت أجناسه كالقول فيما وصفنا قبله من الحنطة والتمر وغيرهما .
باب جماع السلف في الوزن
( قال الشافعي ) : رحمه الله والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الإحاطة .
[ ص: 106 ] وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال ; لأن ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء ; لأنه إنما يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه والمتجافي في المكيال يتباين تباينا بينا فليس في شيء مما وزن اختلاف في الوزن يرد به السلف من قبل اختلافه في الوزن كما يكون فيما وصفنا من الكيل ، ولا يفسد شيء مما سلف فيه وزنا معلوما إلا من قبل غير الوزن ، ولا بأس أن يسلف في شيء وزنا ، وإن كان يباع كيلا ، ولا في شيء كيلا ، وإن كان يباع وزنا إذا كان مما لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا ، وإن كان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الإدام فإن قال قائل كيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا الله أعلم أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا والجملة الكثيرة تباع وزنا ودلالة الأخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه . قال عمر رضي الله عنه : لا آكل سمنا ما دام السمن يباع بالأواقي وتشبه الأواقي أن تكون كيلا ، ولا يفسد السلف الصحيح العقد في الوزن إلا من قبل الصفة فإن كانت الصفة لا تقع عليه وكان إذا اختلف صفاته تباينت جودته واختلفت أثمانه لم يجز ; لأنه مجهول عند أهل العلم به وما كان مجهولا عندهم لم يجز .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في وزن ثم أراد إعطاءه كيلا لم يجز من قبل أن الشيء يكون خفيفا ويكون غيره من جنسه أثقل منه فإذا أعطاه إياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب من الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا وإنما يجوز أن يعطيه معلوما فإن أعطاه حقه فذلك الذي لا يلزمه غيره ، وإن أعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شيء كان في العقد فهذا نائل من قبله فإن أعطاه أقل من حقه وأبرأه المشتري مما بقي عليه فهذا شيء تطوع به المشتري فلا بأس به ، فأما أن لا يعمدا تفضلا ويتجازفا مكان الكيل يتجازفان وزنا ، فإذا جاز هذا جاز أن يعطيه أيضا جزافا ، وفاء من كيل لا عن طيب أنفس منهما عن فضل عرفه أحدهما قبل صاحبه .
الوزن من العسل
( قال الشافعي ) : رحمه الله أقل ما يجوز به السلف في العسل أن يسلف المسلف في كيل أو وزن معلوم وأجل معلوم وصفة معلومة جديدا ويقول عسل وقت كذا ، للوقت الذي يكون فيه فيكون يعرف يوم يقبضه جدته من قدمه وجنس كذا وكذا منه ( قال ) : والصفة أن يقول عسل صاف أبيض من عسل بلد كذا أو رديء ( قال ) : ولو ترك قوله في العسل صافيا جاز عندي من قبل أنه إذا كان له عسل لم يكن عليه أن يأخذ شمعا في العسل وكان له أن يأخذ عسلا والعسل الصافي ، والصافي وجهان صاف من الشمع وصاف في اللون .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في عسل صاف فأتى بعسل قد صفي بالنار لم يلزمه ; لأن النار تغير طعمه فينقص ثمنه ولكن يصفيه له بغير نار فإن جاءه بعسل غير صافي اللون فذلك عيب فيه فلا يلزمه أخذه إذا كان عيبا فيه .
( قال الشافعي ) : فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل العلم بالعسل فإن قالوا هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب ينقص ثمنه لم يكن عليه أن يأخذه ، وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير عيب في نفس العسل لزمه أخذه ( قال ) : ولو قال عسل بر ، أو قال عسل صعتر أو عسل صرو أو عسل عشر ووصف لونه وبلده فأتاه باللون والبلد وبغير الصنف الذي شرط له أدنى أو أرفع لم يكن عليه أخذه إنما يرده بأحد أمرين أحدهما .