![](https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/93.jpg)
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (119)
صـ 271 إلى صـ 277
ولما قال فرعون: {فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [سورة طه: 49 - 50] ، فكان جواب موسى له جوابا للمتجاهل الذي يظهر أنه لا يعرف الحق وهو معروف عنده، فإن سؤال فرعون بقوله: {وما رب العالمين} استفهام إنكار لوجوده، ليس هو استفهام طلب لتعريف ماهيته كما ظن ذلك بعض المتأخرين، وقالوا: إن فرعون طالبه ببيان الماهية، فعدل عن ذلك لامتناع الجواب بذكرها، فإن هذا غلط منهم، فإن فرعون لم يكن مقرا بالصانع ألبتة، بل كان جاحدا له، وكان استفهامه استفهام إنكار لوجوده، ولهذا قال: {ما علمت لكم من إله غيري} [سورة القصص: 38] ، وقال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 24] ، ولو كان مقرا بوجوده طالبا لمعرفة ماهيته لم يقل هذا، ولكان موسى ما أجابه إجابة لم تذكر فيها ماهيته (1) .
مع أن القول بأن الماهية هي ما يقوله المنطقيون من ذكر الذاتي المشترك والذاتي المميز، وهما الجنس والفصل، كلام باطل قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع، وبين أن الماهية المغايرة للوجود الخارجي إنما هي ما يتصور في الذهن، فإن ما في الأذهان من الصور الذهنية ليس هو نفس الموجودات الخارجية.
وأما دعوى أهل المنطق اليوناني أن في الخارج ماهية ووجودا غير
_________
(1) في الأصل (ع) : لم يقل هذا و، وبعد حرف الواو إشارة إلى الهامش حيث كتب: لكان موسى، وبعد ذلك في الأصل: لما أجابه بما أجابه لم تذكر ماهيته، وتوجد في الهامش أمام هذه العبارة كلمة أخرى هي " لقال ". وأرجو أن يكون ما أثبته موفيا بالمعنى الذي قصده ابن تيمية.
****************************** *****
الماهية، وأن الصفات اللازمة تنقسم إلى لازمة مقومة داخلة في الماهية، ومفارقة عرضية لها غير مقومة، وإلى لازمة لوجودها الخارجي دون ماهيتها الخارجية، فكلام باطل من وجوه متعددة، كما قد بسط هذا في موضعه، وبين أن الصفات تنقسم إلى لازمة للموصوف وعارضة له فقط، كما عليه نظار المسلمين من جميع الطوائف، وبين كلام نظار المسلمين في الحد والبرهان، وأن كلامهم في صريح المعقول أصح من كلام المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم من المنتسبين إلى الملل] (1) .
وأيضا فنفس حدوث الإنسان يعلم (2) به (3) صانعه، وكذلك حدوث كل ما يشاهد (4) حدوثه، وهذه الطريقة مذكورة في القرآن (5) .
وأيضا، فالوجود يستلزم إثبات موجد قديم واجب بنفسه (6) ، ونحن نعلم أن من الموجودات ما هو حادث، فقد علم بالضرورة انقسام الموجود (7) إلى قديم واجب بنفسه وإلى محدث.
[طرق إثبات حدوث العالم]
وأما حدوث العالم فيمكن علمه (8) بالسمع وبالعقل، فإنه يمكن العلم بالصانع إما بالضرورة والفطرة، وإما بمشاهدة حدوث المحدثات (9) ،
_________
(1) هنا ينتهي السقط الموجود في (ب) ، (ن) ، (أ) ، (م) وقد بدأ في ص 270.
(2) م: حكم.
(3) ع: أنه ; ن، م: فيه.
(4) ب، ا: شاهد.
(5) ب، ا: وهذه الطريقة المذكورة في القرآن ; ن، م: وهذه هي الطريقة مذكورة.
(6) ب، أ: موجود واجب قديم بنفسه ; ن، م: موجود قدم واجب بنفسه.
(7) ب، أ: الوجود.
(8) أ: فيمكن عليه بالسمع. . ; ب: فيمكن أن يستدل عليه.
(9) ن، م: الحوادث.
****************************** ********
وإما بغير ذلك، ثم يعلم صدق الرسول بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة، ودلالة المعجزات طريق من الطرق، وطريق التصديق لا تنحصر في المعجزات، ثم يعلم بخبر الرسول حدوث العالم.
وأما بالعقل فيعلم (1) أن العالم لو كان قديما لكان: إما واجبا بنفسه، وهذا باطل كما تقدم التنبيه عليه (2) من أن كل جزء من أجزاء العالم مفتقر إلى غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه ; وإما واجبا بغيره فيكون المقتضي له موجبا بذاته بمعنى (3) أنه مستلزم لمقتضاه، سواء كان شاعرا مريدا أم (4) لم يكن، فإن القديم الأزلي إذا قدر أنه معلول مفعول (5) ، فلا بد من أن تكون علة (6) تامة مقتضية له في الأزل، وهذا هو الموجب بذاته، ولو كان مبدعه موجبا بذاته (7) علة تامة لم يتأخر عنه شيء من معلوله (8) ومقتضاه، والحوادث مشهودة في العالم، فعلم أن فاعله ليس علة تامة، [وإذا لم يكن علة تامة] (9) لم يكن قديما.
وهذه (10) الحوادث التي في العالم إن قيل: إنها من لوازمه امتنع أن
_________
(1) ن: فيعلمون.
(2) ن: البينة عليه ; ع: تقدم التنبيه من أن. . . إلخ.
(3) ن، م: يعنى.
(4) ن، ع، م: أو.
(5) ب، أ: مفصول.
(6) ب، أ: فلا بد أن تكون علته ; ن، م: فلا بد أن يكون علة.
(7) ن: ولو كان مبدعه بذاته ; ع: ولو كان موجبه مبدعه موجبا بذاته علة. . إلخ.
(8) ن، م: معلومة.
(9) وإذا لم يكن علة تامة: ساقط من (ن) فقط.
(10) ع: وهي.
****************************** ****
تكون العلة الأزلية التامة علة للملزوم (1) دون لازمه، وامتنع أيضا أن يكون علة للازمه ; لأن العلة التامة الأزلية لا تقتضي حدوث شيء، وإن (2) لم تكن الحوادث من لوازمه كانت حادثة بعد أن لم تكن، فإن (3) لم يكن لها محدث لزم حدوث الحوادث (4) بلا محدث، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة، وإن كان لها محدث غير الواجب بنفسه، كان القول في حدوث إحداثه إياها كالقول في ذلك المحدث، وإن (5) كان الواجب بنفسه هو المحدث فقد حدثت عنه الحوادث بعد أن لم تكن حادثة، وحينئذ فيكون قد تغير (6) وصار محلا للحوادث بعد أن لم يكن، والعلة التامة الأزلية لا يجوز عليها التغير والانتقال من حال إلى حال، وذلك لأن تغيرها لا بد أن يكون بسبب حادث، والعلة التامة [الأزلية] (7) لا يجوز أن يحدث فيها حادث، فإنه إن حدث (8) بها مع أنه لم يتجدد شيء لزم الحدوث بلا سبب (9) ، وإن لم يحدث بها لزم حدوث الحوادث بلا فاعل، فبطل أن تكون علة تامة أزلية، وإن جوز مجوز (10) عليها الانتقال من حال إلى حال، جاز أن يحدث العالم بعد أن لم يكن، فبطل (11) حجة من يقول بقدم العالم.
_________
(1) ن: العلة الأزلية علة تامة للملزوم ; م: العلة الأزلية تامة للملزوم.
(2) ن، م: فإن.
(3) ن، م: وإن.
(4) ب، أ، ن، م،: الحادث
(5) ن، م: فإن.
(6) ع: فقد يكون قد تغير.
(7) الأزلية: ساقطة من (ن) .
(8) ب، أ: أحدث.
(9) ن: مع أنه لم يتجدد شيء من الوجود بلا سبب ; م: مع العلم أنه لم يتجدد شيء من الحدوث بلا سبب.
(10) م: فيجوز، وهو تحريف.
(11) م: فتبطل.
****************************** ********
وأيضا، فإنه على هذا التقدير (1) لا يكون المنتقل (2) من حال إلى حال إلا فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذات. وإيضاح هذا (3) أن الحوادث إما أن يجوز دوامها لا إلى أول، وإما أن يجب أن يكون لها أول، فإن وجب أن يكون لها أول بطل مذهب القائلين بقدم العالم القائلين بأن حركات (4) الأفلاك أزلية.
وأيضا، فإذا وجب أن يكون لها أول لزم حدوث العالم لأنه متضمن للحوادث (5) ، فإنه إما أن يكون مستلزما للحوادث أو (6) تكون عارضة له، فإن كان مستلزما لها ثبت أنه لا يخلو عنها، فإذا (7) كان لها ابتداء كان له (8) (* ابتداء لازما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها ولا يتقدم عليها، فإذا قدر (9) أن الحوادث كلها كائنة بعد أن لم يكن حادث أصلا، كان المقرون بها الذي لم يتقدمها كائنا (10) بعد أن لم يكن قطعا *) (11) ، وإن كانت الحوادث (12) عارضة للعالم (13) ثبت حدوث الحوادث بلا سبب، (* وإذا جاز حدوث الحوادث [كلها] (14) بلا سبب [حادث] (15) ، جاز حدوث العالم بلا سبب حادث *) (16) (17) ، (* فبطلت كل حجة توجب قدمه، وكان القائل بقدمه قائلا بلا حجة أصلا *) (18) .
_________
(1) ن، م: فإنه على هذا القول.
(2) ع: المتحول.
(3) ن، م: وإيضاح هذا القول.
(4) ب، أ: حركة.
(5) ن، م: يتضمن الحوادث.
(6) ع: وإما أن.
(7) ن: وإذا.
(8) ن: لها.
(9) ن، م: قلت.
(10) ع: كائن، وهو خطأ.
(11) ما بين النجمتين ساقط من (أ) ، (ب) .
(12) الحوادث: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(13) ب، أ: عارضة له.
(14) كلها: ساقطة من (ب) ، (أ) ، (ن) .
(15) حادث: ساقطة من (ن) ، (ع) .
(16) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
(17) حادث: ساقطة من (ع) فقط.
(18) الكلام بين النجمتين ساقط من (ب) ، (أ) .
****************************** *************
وإذا قيل: يجوز أن يكون العالم قديما عن علته (1) بلا حادث فيه، ثم حدثت فيه الحوادث كان هذا باطلا ; لأنه إذا جاز أن يحدثها (2) بعد أن لم يكن محدثا (3) لم يكن موجبا (4) بل فاعلا باختياره ومشيئته، (5 والفاعل باختياره ومشيئته 5) (5) لا يقارنه مفعوله، كما قد بسط في موضعه.
ولأنه على هذا يجب أن يقارنه القديم من مفعولاته، ويجب أن (6) يبقى معطلا عن الفعل إلى أن يحدث الحوادث، فإيجاب تعطيله (7) وإيجاب فعله جمع بين الضدين (8) ، وتخصيص (9) بلا مخصص (10) ، فإنه (11) بذاته إما أن يجب أن يكون فاعلا في الأزل. (12 وإما أن يمتنع كونه فاعلا في الأزل، وإما أن يجوز الأمران.
فإن وجب كونه فاعلا في الأزل، جاز حدوث الحوادث في الأزل، ووجب أن لا يكون لها ابتداء، والتقدير أن لها ابتداء 12) (12) ، وإن امتنع كونه [فاعلا] (13) في الأزل امتنع أن يكون شيء قديم (14) في الأزل غيره، فلا يجوز قدم العالم خاليا عن الحوادث ولا مع الحوادث.
_________
(1) ب، أ: علة.
(2) ب (فقط) : يحدث.
(3) عبارة: " لم يكن محدثا ": ساقطة من (ب) ، (أ) .
(4) ن: واجبا.
(5) (5 - 5) : ساقط من (ب) ، (أ) .
(6) ن، م: بأن.
(7) أ: فعطله، وهو تحريف ; ب: تعطله.
(8) ع: المتناقضين ; ن، م: المتنافين.
(9) ن: وتخصص.
(10) مخصص: ساقطة من (م) .
(11) ب، أ: لأنه.
(12) (12 - 12) : ساقط من (ب) فقط
(13) فاعلا: ساقطة من (ن) فقط.
(14) ب، أ: قديما، وهو بخلاف المعنى.
****************************** *
وإن جاز أن يكون فاعلا في الأزل (1 وجاز أن لا يكون لم يمتنع أن يكون فاعلا في الأزل 1) (1) ، فجاز (2) حدوث الحوادث في الأزل. (3) [وإن قيل: بل يكون فاعلا لغير الحوادث ثم يحدث الحوادث فيما لا يزال ; كما يقوله من يقول (4) بقدم العقول والنفوس، وأن الأجسام حدثت عن بعض ما حدث للنفس من التصورات والإرادات (5) ، وكما يقوله من يقول بقدم القدماء الخمسة (6) ، كان هذا من أفسد الأقوال ; لأنه يستلزم حدوث الحوادث بلا سبب حادث أوجب حدوثها إذ لم يكن هناك ما يقتضي تجدد إحداث الحوادث، مع أن قول القائل بقدم النفس يقتضي دوام حدوث الحوادث، فإن ما يحدث من تصورات النفس وإراداتها حوادث دائمة عندهم، وإذا كان القول بحدوث الحوادث بلا سبب حادث (7) ، لم يكن هناك سبب يدل على قدم شيء من العالم، والذين قالوا بدوام معلول معين عنه التزموا دوام الفاعلية فرارا من هذا المحذور، فإذا كان هذا لازما لهم على التقديرين، لم يكن لهم حاجة إلى ذلك الممتنع عند جماهير العقلاء.
_________
(1) : (1 - 1) ساقط من (ب) ، (أ) .
(2) ب (فقط) : جاز.
(3) الكلام التالي بعد القوس المعقوف ساقط بأكمله من (ن) ، (م) . وساقط من (ب) ، (أ) ما عدا جملة واحدة منه هي: " ففي الجملة جواز كونه فاعلا يستلزم حدوث الحوادث في الأزل ".
(4) في الأصل (ع) : يقوله من يقوله.
(5) وهم الفلاسفة المشاءون مثل الفارابي وابن سينا. وانظر هذا الكتاب 1/224 - 235.
(6) وهم الصائبة الحرانيون وديموقريطس وأبو بكر الرازي. وانظر هذا الكتاب 1/209 - 211.
(7) في الأصل (ع) توجد فوق كلمة " سبب " إشارة إلى الهامش حيث يوجد حرف من كلمة لم تظهر في المصورة، وظاهر من سياق الكلام أن هذه هي الكلمة " حادث ".
****************************** *****************