قال الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله في صواعقه :
" الوجه في اللغة مستقبل كل شيء لأنه أول ما يواجه منه "
فهل أخطأ الإمام رحمه الله لأنه ادعى معنى للفظة الوجه في اللغة قبل ان يقيدها ؟
مدار النقاش - كما مر - على كلام العرب أو نصوص الوحيين ، لا كلام الشراح وأصحاب المعاجم .
ثم إن كلام ابن القيم حجة عليك . . لانه استنباط وتلخيص من الاستعمالات المقيدة ، لا التجرد قبل الاستعمال .
و هل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مقبول لديك و كلام تلميذه لا يُقبل ؟ عجيب ! و ابن القيم إنما إستفاد هذا من تقريرات شيخه رحمه الله
كلامهما حجة لي . . كيف لا أقبلها ؟؟؟
أخي الكريم . . . يبدو أنك في واد وأنا في واد آخر . تبحث في شيء وأنا أبحث في شيء آخر . فرجاء قراءة الموضوع مرة أخرى .
قول ابن القيم : " الوجه في اللغة مستقبل كل شيء لأنه أول ما يواجه منه "
هذا ليس لفظا مطلقا ، بل هو اسم جنس . ونحوه قول الله تعالى : ( إن الإنسان لفي خسر ) .
إنما ناقشتك حسب المعطيات التي بين يدي : فالأخ سأل عن معنى اليد فأجبته بما ذكرته من كلام ابن الزاغوني , فتدخلتَ - أنت - في النقاش فأجبتك حسب كلامك و تعليقك على كلامي
بارك الله فيك ,,,,
ومن قال إن ابن الزاغوني يقصد خلاف ذلك؟
قوله ( اليد المطلقة ) يقصد المطلقة من الأدلة التي تدل على أن المراد معنى آخر غير المشهور، ولا يقصد أنها تستعمل هكذا ( يد ) بغير سياق، بدليل أنه قال: ( المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف ) فأين الموصوف إذن لو كانت منفصلة عن كل سياق؟
الإطلاق في كلام العلماء يختلف عن الإفراد.
وهذا كما نقول: الأصل أن يحمل الكلام على ظاهره ولا يؤول إلا أن يدل دليل على هذا التأويل.
كلام ابن الزاغوني مفهوم . . وهو الإطلاق من مثل قيد (عندي) .
لكننا نبحث في أصل التقسيم . ونحن لسنا على مثل هذا التقسيم ( إلا تنزلا ) .
فلا نقول : الأصل أن يحمل الكلام على ظاهره ولا يؤول إلا أن يدل دليل على هذا التأويل ،
ولا نقول : الأصل أن يحمل الكلام على حقيقته ولا يجعل مجازا إلا أن تقترن به قرينة تدل على مجازه .
لأن إدخال الشيء في أحد القسمين فرع الإقرار بصحة التقسيم . ونحن لا نقر بها أصلا - إلا تنزلا .
قولنا ( الأصل أن يحمل الكلام على ظاهره ) معناه أن الدليل قام على أن المفهوم ابتداء من الكلام هو المراد بغير تأمل ولا بحث ولا فحص، وهذه القاعدة لا أعلم أحدا من أهل العلم ينازع فيها ولا يخالفها.
فإن قلت لك مثلا: ( أعطني ماء )، فسكوتي عند هذا الحد دليل على أني لم أرد ( ماء ورد ) مثلا، فالسكوت نفسه دليل على مرادي من الكلام؛ لأن العاقل لا يتكلم بالإطلاق وهو يريد التقييد، فالإطلاق نفسه قرينة عدمية دالة على المراد، كإهمال نقط السين والحاء؛ فإنه دال على أنها ليست بشين ولا خاء.
فلم يخل الكلام من القرينة الدالة على المعنى، ولكن جرى العرف على الاختصار في بعض المواضع لشهرتها، وصارت هذه الشهرة هي القرينة الدالة على المراد.
ولا يمكن أن يكون ذلك الإطلاق في كل المواضع؛ لأنه يورث اللبس، ولا يمكن كذلك أن يكون التقييد في كل المواضع؛ لأنه يكون تطويلا بغير داع، فلو كنتُ في كل مرة أذكر فيها الماء أحتاج أن أقيد مرادي بأنه (السائل الذي يستعمل في الشرب والوضوء) مثلا لخرجت بذلك عن حدود العادة إلى الهذيان.
فهذا هو مراد أهل العلم بقولهم ( الأصل أن يحمل الكلام على ظاهره ).
فإذا قلت مثلا: ( ضرب موسى عيسى ) فهل في الكلام قرينة تدل على أيهما الفاعل وأيهما المفعول؟
لا توجد قرينة لفظية، وإنما توجد قرينة معنوية استقرائية، وهي أن الأصل تقدم الفاعل، مع أن تقدم المفعول في كلام العرب لعله أكثر من تقدم الفاعل، ولكنه لا يأتي في كلامهم متقدما إلا بما يفهم منه أنه مفعول، إما بالقرينة اللفظية، وهي النصب في مثل قولنا (ضرب زيدا عمرو)، وإما بالقرينة المعنوية في مثل قولنا (أكل المكرونا عيسى).
فإن لم نقل (الأصل تقدم الفاعل) امتنع أن نعرف أيهما الفاعل وأيهما المفعول، وهو خلاف الضرورة.
وفقكم الله . نحن نتكلم عن المختار من المصطلحات . . . لا عن فهم المراد من مصطلحات أهل العلم .
فالظاهر هو ما يظهر . . . وبوجود الدليل الدال ، كيف يبقي الظاهر على خلاف الدليل ؟؟؟
عندما يقول الله تعالى : (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ،
فهم أحد الصحابة رضي الله عنه أن المراد مما اعتاده من خيوط اللباس والوسادة ، فهذا هو الظاهر له عندئذ .
وبعد أن جاءه الدليل الدال أن المراد هو الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، أصبح الظاهر له عندئذ كما أراد تعالى .
فالظهور والبطون - وكذلك الشهرة والغرابة - من الأشياء النسبية ، فليس من الأنسب أن يجعل شيئا ثاتبا .
فائدة :
قال أبو الحسن الشعري في (الإبانة) : (( لأن القرآن على ظاهره، ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة، فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر، ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة .))
هذا - للأسف - بعيد عن موضوعنا .
لا يكفي أن تصف الكلام بالبعد حتى تبين وجه ذلك؛ فالكلام واضح في تعلقه بموضوعنا الذي هو التقسيم إلى ظاهر وغير ظاهر.
وأنت أقررت أن الاعتراف بأحد القسمين يتضمن الاعتراف بالآخر، ونقلك عن الأشعري يدل على صحة تقسيمي.
وكونه سمى القسم الآخر ظاهرا لا يقدح في التقسيم كما هو واضح؛ لأنه خلاف لفظي.
فالأشعري سماه ظاهرا ومع ذلك هو عنده محتاج إلى دليل، فصار الخلاف إلى اللفظ.
قولنا ( الظاهر على خلاف الدليل ) أي قبل معرفة هذا الدليل، وهذا واضح لا يحتاج إلى تقييد، فلا يحسن الاعتراض عليه.
ثم إن تقسيم الكلام إلى ( كناية وتصريح ) معروف عند العرب ، كما في حديث (من تعزى ... )
وكذلك تقسيم الكلام إلى ( تعريض وتصريح ) ، كما في الأثر ( إن في المعاريض مندوحة ... )
ولا فرق بين هذه الأمور وبين التقسيم إلى ( ظاهر وغير ظاهر ) أو إلى ( تحقيق واتساع ) أو إلى ( أصل وخلاف الأصل ) ... إلخ.
أما بعده عن الموضوع ، فأظنه واضح من الأول . فإن قولكم : "فإن لم نقل (الأصل تقدم الفاعل) امتنع أن نعرف أيهما الفاعل وأيهما المفعول" هو قاعدة أصولية في فهم المراد من الخطاب اللغوي أو الشرعي . . لا تعلق له باختيار المصطلحات والتسمية .
وأما أنني أقر بالتقسيم ، فمتى لا أقر به . . ؟
أنا من الأول أقر بالتقسيم . . لكنني أقول إنه تقسيم نسبي ، كتقسيم الخبر إلى متواتر وغير متواتر . فما تواتر عند قوم ، قد لا يتواتر عند غيرهم . بل ما لا يتواتر عند أحد ، قد يتواتر عنده بعد مدة وزيادة رحلة . وكذلك ما يظهر لقوم من الأمور قد لا يظهر لغيرهم . بل ما يظهر لأحد في وقت ، قد لا يظهر له في وقت آخر .
والأشعري سمى ما دل عليه الدليل (ظاهرا) و (حقيقة) . وهذا الظاهر والحقيقة شيء نسبي . . أي يدور مع الدليل حيث دار . وهو مثل قول شيخ الإسلام : "وما دل عليه السياق ، فهو ظاهر الخطاب" . بخلاف من جعل (الظاهر) شيئا ثاتبا ، ثم سمى ما دل عليه الدليل : تأويلا وخروجا عن الظاهر .
فيه فرق كبير جدا ! لأن الكناية والتعريض ثابت في كونه كناية أو تعريضا . لا يسمى أبدا - بعد فهم المراد منه أو قبله - تصريحا . فكيف يخفي هذا على مثلكم الكريم ؟
أعطني مثالا على الكناية والتعريض حتى أبين لك مرادي