السؤال
ما حكم الغيلة في الإسلام ؟.
الجواب
الحمد لله.
" الغِيلة " قيل هي : وطء الزوجة المرضع ، وقيل هي : إرضاع الحامل لطفلها .
وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ) .
قال النووي :
" اختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث , فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة : أن يجامع امرأته وهي مرضع ، وقال ابن السكيت : هو أن ترضع المرأة وهي حامل .
قال العلماء : سبب همِّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع ، قالوا : والأطباء يقولون : إن ذلك اللبن داء ، والعرب تكرهه وتتقيه .
وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها , وبين سبب ترك النهي " " شرح مسلم " ( 10 / 17 ، 18 ) .
وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ ) .
ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود (3881) وابن ماجه (2012) عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها ، فيه : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة .
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " .
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن الأحاديث الدالة على الإباحة ثم قال : " وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد ، وإن صح حديثها فإنه يحمل على الإرشاد والأفضلية ، لا التحريم " انتهى بتصرف .
وقال أيضاً في " زاد المعاد " ( 5 / 147 ، 148 ) :
" ولا ريب أن وطء المراضع مما تعم به البلوى ، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع ، ولو كان وطؤهن حراماً لكان معلوماً من الدين ، وكان بيانه من أهم الأمور ، ولم تهمله الأمة ، وخير القرون ، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه ، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد ، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه " انتهى .
والحاصل : أن الغيلة ليست حراما ولا مكروهة ، حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، ومَنْ تركها على سبيل الاحتياط للولد فلا حرج عليه .
****************
السؤال
قرأت حديثا ثبت في "صحيح مسلم"، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ). فهل معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع من نفسه، ويمكنه الرجوع عن التشريع الذى كان سيشرعه؛ فقد كان ينتوى صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن الغيلة ثم تراجع؛ لأنه رأى أولاد الروم بصحة جيدة ؟ فكيف إن لم يرهم فهل كان سينهى عن الغيلة ؟ وهل يستنبط من هذا الحديث أن هناك تشريعات اجتهادية من النبي صلى الله عليه وسلم دون وحي ؟
الجواب
الحمد لله.
روى مسلم (1442) عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، أُخْتِ عُكَّاشَةَ، قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا .
والغيلة لها معنيان: أن يجامع الرجل امرأته وهي مرضع، أو أن تُرضع المرأة وهي حامل.
وسبب هم النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الغيلة، هو الخوف على الرضيع أو الحمل.
وهذا الحديث دليل على جواز الاجتهاد من نبينا صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد فيه وحي إليه، فيجتهد كما يجتهد غيره من المجتهدين وهو سيدهم وإمامهم وأعلمهم وأفقههم، لكنه معصوم، فلو أخطأ لم يُقر على خطئه.
فإذا كان مبلغا لما أوحى الله إليه: فالعصمة حاصلة ابتداء، وإذا كان مجتهدا في حكمه صلى الله عليه وسلم: فالعصمة حاصلة انتهاء.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (10/ 16): " واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث ، وهي الغِيل. فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهي مرضع، يقال منه أغال الرجل، وأَغْيَل، إذا فعل ذلك. وقال ابن السكيت: هو أن ترضع المرأة وهي حامل، يقال منه غالت وأغيلت.
قال العلماء: سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع. قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه.
وفي الحديث: جواز الغيلة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها، وبين سبب ترك النهي.
وفيه: جواز الاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور أهل الأصول، وقيل لا يجوز لتمكنه من الوحي، والصواب الأول" انتهى.
وقال الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله: " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ) : يدل على أنه قد كان يقضي ويأمر وينهى بما يؤديه إليه اجتهاده ، دون أن ينزل عليه شيء، ولذلك همَّ أن ينهى عن الغيلة ، لما خاف من فساد أجساد أمته وضعف قوتهم من أجلها ، حتى ذكر أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يضر أولادهم ذلك .
يحتمل أن يريد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يريد أن يضر ضررا عاما، وإنما يضر في النادر ؛ فلذلك لم ينه عنه ، ولم يحرمه ، رفقا بالناس ، لما في ذلك من المشقة على من له زوجة واحدة ، فيمتنع من وطئها مدة ، فتلحقه بذلك المشقة ، وهذه مشقة عامة ، فكانت مراعاتها أرفق بأمته من المشقة الخاصة التي لا تلحق إلا اليسير من الأطفال . والله أعلم .
قال ابن حبيب العرب تتقي وطء المرضع أن يعود من ذلك ضرر على الولد صريح في جسم أو علة." انتهى من "المنتقى شرح الموطأ" (4/156).
ولا شبهة في ذلك ، ولا إشكال بحمد الله، فالغالب والأكثر أن تصدر الأحكام منه صلى الله عليه وسلم بناء على الوحي، وفي القليل النادر يجتهد صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، وينسبها لنفسه، ويعلم أصحابه أن ذلك اجتهاده ، ولهذا تراهم يراجعونه فيه كما في أسارى بدر، ثم يحصل إقرار الوحي له أو مراجعته فيه، وقد يجتهد في الهم بشيء ثم يدعه كما في هذا الحديث.-المصدر الاسلام سؤال وجواب
لما كان نوع الانسان فى الخلقة متساوى قاس عدم الضرر على فارس والرومأن الأصل في نوع الإنسان المساواة في الجِبلات والخَلق