[فهذا الاسم هو اسم للرب (1) الحي العليم القدير، ويمتنع حي لا حياة له، وعليم لا علم له، وقدير لا قدرة له، كما يمتنع مثل ذلك في نظائره.وإذا قال القائل: صفاته زائدة على ذاته، فالمراد أنها زائدة على ما أثبته النفاة، لا أن في نفس الأمر ذاتا مجردة عن الصفات وصفات زائدة عليها، فإن هذا باطل.
ومن حكى عن أهل السنة أنهم يثبتون مع الله ذواتا قديمة بقدمه، وأنه مفتقر إلى تلك الذوات، فقد كذب عليهم. فإن للنظار في هذا المقام أربعة أقوال: ثبوت الصفات، وثبوت الأحوال، ونفيهما جميعا، وثبوت الأحوال دون الصفات (2)
(1) فهذا الاسم هو اسم للرب (ص 124) . . وإذا كانت صفة النبي المحدث (ص [0 - 9] 30) . ساقط من (ن) ، (م) وسأشير إليه عند نهايته إن شاء الله.
(2) القائل بالأحوال هو أبو هاشم الجبائي (انظر ترجمته فيما سبق 1/270 ت [0 - 9] ) . ويلخص الشهرستاني مذهبه في الأحوال في الملل والنحل 1 - 76 كالآتي: " وعند أبي هاشم: هو عالم لذاته، بمعنى أنه " ذو حالة " هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا، وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها، فأثبت " أحوالا " هي صفات: لا موجودة ولا معدومة، ولا معلومة ولا مجهولة، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات. قال: والعقل يدرك فرقا ضروريا بين معرفة الشيء مطلقا وبين معرفته على صفة، فليس من عرف الذات عرف كونه عالما، ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلا للعرض. ولا شك أن الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية وافتراقها في قضية، وبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غير ما افترقت به، وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل، وهي لا ترجع إلى الذات ولا إلى أعراض وراء الذات، فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض، فتعين بالضرورة أنها " أحوال " فكون العالم عالما " حال " هي صفة وراء كونه ذاتا، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات، وكذلك كونه قادرا حيا. . ثم أثبت للباري تعالى " حالة أخرى أوجبت تلك " الأحوال ".
وانظر عن " الأحوال " أيضا: أصول الدين لابن طاهر البغدادي، ص [0 - 9] 2 ; الفرق بين الفرق، ص [0 - 9] 17 ; التبصير في الدين، ص [0 - 9] 3 - 54 ; نهاية الإقدام للشهرستاني، ص 131 - 149، المعتزلة لزهدي جار الله، ص 69 - 70 ; فلسفة المعتزلة لألبير نصري نادر 1/225 - 230، دائرة المعارف الإسلامية مادة " الجبائي " ومادة " الحال ".
******************************
فالأول: قول جمهور نظار المثبتة الصفاتية، يقولون: إنه عالم بعلمه، وقادر بقدرته، وعلمه نفس عالميته، وقدرته نفس قادريته.
وعقلاء النفاة كأبي الحسين البصري (1) وغيره يسلمون أن كونه حيا ليس هو كونه عالما، وكونه عالما ليس هو كونه قادرا، وكذلك مثبتة الأحوال منهم (2) ، وهذا بعينه هو مذهب جمهور المثبتة للصفات دون الأحوال.
ولكن من أثبت الأحوال مع الصفات، كالقاضي أبي بكر والقاضي
(1) أ، ب: أبو الحسن البصري، والصواب ما أثبته. وهو أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، وسبق الكلام عليه 1/395. وانظر ترجمته أيضا في: لسان الميزان 5/298 ; تاريخ بغداد 3/100.
(2) ذكر الشهرستاني في " نهاية الإقدام " ص [0 - 9] 77: فتمايز المفهومات والاعتبارات عندكم وتمايز الأحوال عند أبي هاشم وتمايز الصفات عند أبي الحسين على وتيرة واحدة وكلكم يشير إلى مدلولات مختلفة الخواص والحقائق ". وانظر أيضا نفس المرجع، ص 175. ويقول ابن طاهر في أصول الدين، ص [0 - 9] 2: " وعلم أبو هاشم بن الجبائي فساد قول أبيه بأن جعل نفس الباري علة لكونه عالما وقادرا، فخالف أباه وزعم أن الله عالم كونه على حال، قادر لكونه على حال، وزعم أن لكونه عالما بكل معلوم حالا دون الحال التي لأجلها كان عالما بالمعلوم الآخر. . . إلخ) وانظر الملل والنحل 1/77.
*****************************
أبي يعلى وأبي المعالي في أول قوله (1) ، فهؤلاء يتوجه رد النفاة إليهم (2) .
وأما من نفى الصفات والأحوال جميعا، كأبي علي وغيره من المعتزلة، فهؤلاء يسلمون ثبوت الأسماء والأحكام، فيقولون: نقول: إنه حي عليم قدير، فيخبر عنه بذلك ويحكم بذلك ونسميه بذلك.
فإذا قالوا لبعض الصفاتية: أنتم توافقون على أنه خالق عادل، وإن لم يقم بذاته خلق وعدل، فكذلك حي عليم قدير.
قيل: موافقة هؤلاء لكم لا تدل على صحة قولكم، فالسلف والأئمة وجمهور المثبتة يخالفونكم جميعا، ويقولون: إنه يقوم بذاته أفعاله سبحانه وتعالى.
ثم هذه الأسماء دلت على خلق ورزق، كما دل متكلم ومريد على كلام وإرادة، ولكن هؤلاء النفاة جعلوا المتكلم والمريد والخالق والعادل يدل على معان منفصلة عنه، وجعلوا الحي والعليم والقدير لا تدل على معان لا قائمة به ولا منفصلة عنه، وجعلوا كل ما وصف الرب به نفسه من كلامه ومشيئته وحبه وبغضه ورضاه وغضبه إنما هي مخلوقات منفصلة عنه، فجعلوه موصوفا بما هو منفصل عنه، فخالفوا صريح العقل والشرع واللغة.
(1) يقول الشهرستاني في " نهاية الإقدام "، ص [0 - 9] 31 عند كلامه عن الأحوال: " وأثبتها القاضي أبو بكر الباقلاني - رحمه الله - بعد ترديد الرأي فيها على قاعدة غير ما ذهب إليه أبو هاشم، ونفاها صاحب مذهبه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم، وكان إمام الحرمين من المثبتين في الأول والنافين في الآخر ".
(2) خصص ابن حزم فصلا في كتابه " الفصل " 5/165 - 171 للرد على الأشاعرة في ذلك، عنوانه " الكلام في الأحوال مع الأشعرية ومن وافقهم ".
****************************** ***
فإن العقل الصريح يحكم بأن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل لا على غيره، فالمحل الذي قامت به الحركة والسواد والبياض كان متحركا أسود أبيض لا غيره، وكذلك الذي قام به الكلام والإرادة والحب والبغض والرضا، هو الموصوف بأنه المتكلم المريد المحب المبغض الراضي دون غيره، وما لم يقم به الصفة لا يتصف بها، فما لم يقم به كلام وإرادة وحركة وسواد وفعل، لا يقال له: متكلم ولا مريد ولا متحرك [ولا أسود] (1) ولا فاعل، وأما إذا لم يكن هناك معنى يتصف به، فلا يسمى بأسماء المعاني.
وهؤلاء سموه حيا عالما قادرا، مع أنه عندهم لا حياة له ولا علم ولا قدرة، وسموه مريدا متكلما مع أن الإرادة والكلام قائم بغيره. وكذلك من سماه خالقا فاعلا، مع أنه لم يقم به خلق ولا فعل، فقوله من جنس قولهم.
ونصوص الكتاب والسنة قد أثبتت اتصافه بالصفات القائمة به، واللغة توجب أن صدق المشتق مستلزم لصدق المشتق منه، فيوجب إذا صدق اسم الفاعل والصفة المشبهة، أن يصدق مسمى المصدر، فإذا قيل: قائم وقاعد، كان ذلك مستلزما للقيام والقعود، وكذلك إذا قيل: فاعل وخالق، كان ذلك مستلزما للفعل والخلق، وكذلك إذا قيل: متكلم ومريد، كان ذلك مستلزما للكلام والإرادة، وكذلك إذا قيل: حي عالم قادر، كان ذلك مستلزما للحياة والعلم والقدرة.
ومن نفى قيام الأفعال، وقال: لو كان خالقا بخلق، لكان إن كان
(1) ولا أسود: ساقطة من (أ) .
****************************** ***
قديما لزم قدم المخلوق، وإن كان حادثا لزم أن يكون له خلق آخر، فيلزم التسلسل، ويلزم قيام الحوادث.
قد أجابه الناس بأجوبة متعددة، كل على أصله: فطائفة قالت بقدم الخلق دون المخلوق، وعارضوه بالإرادة، فإنه يقول: إنها قديمة مع أن المراد محدث. قالوا: فكذلك الخلق، وهذا جواب كثير من الحنفية والحنبلية والصوفية وأهل الحديث وغيرهم.
وطائفة قالت: بل الخلق لا يفتقر إلى خلق آخر، كما أن المخلوق عنده كله لا يفتقر إلى خلق، فإذا لم يفتقر شيء من الحوادث إلى خلق عنده، فأن (1) لا يفتقر الخلق الذي به خلق المخلوق إلى خلق أولى، وهذا جواب كثير من المعتزلة والكرامية وأهل الحديث والصوفية وغيرهم.
ثم من هؤلاء من يقول: الخلق قائم به. ومنهم من يقول: قائم بالمخلوق، ومنهم من يقول: قائم لا في محل، كما يقول البصريون من المعتزلة في الإرادة.
وطائفة التزمت التسلسل، ثم هؤلاء صنفان: منهم من قال بوجود معان لا نهاية لها في آن واحد، وهذا قول ابن عباد (2) وأصحابه.
(1) أ: فإنه.
(2) هو معمر بن عباد السلمي: معتزلي من الغلاة من أهل البصرة، سكن بغداد، وناظر النظام، وكان أعظم القدرية غلوا، وتنسب إليه طائفة تعرف بالمعمرية، توفي سنة 215 ويقال حوالي سنة 220. قال عن مذهبه في المعاني أبو القاسم البلخي في كتابه " مقالات الإسلاميين ". (ضمن كتاب فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) ص [0 - 9] 1، تحقيق الأستاذ فؤاد سيد، ط. تونس، 1393/1974: " والذي تفرد به القول بالمعاني، وتفسيره أن الحركة إنما خالفت السكون لمعنى هو غيرها، وكذلك السكون إنما خالف الحركة بمعنى هو غيره، وأن ذينك المعنيين إنما اختلفا أيضا بمعنى هو غيرهما، ثم كذلك كل معنيين اختلفا بمعنيين غيرهما إلى ما لا نهاية.، وانظر عن معمر بن عباد وعن آرائه: فضل الاعتزال، ص [0 - 9] 66 - 267 ; الفرق بين الفرق، ص [0 - 9] 1 - 94 ; الملل والنحل 1/65 - 67 ; الانتصار للخياط ص [0 - 9] 5 - 48، (ط. بيروت، 1957) ; لسان الميزان 6/71 (وقال عن اسمه: بالتشديد) ; خطط المقريزي 2/347 ; اللباب 3/161 ; الأعلام 8/190. وانظر عن مذهبه في المعاني: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/228 - 229، 2 ; التبصير في الدين، ص 45 الفصل لابن حزم 5/161 - 163 ; الانتصار للخياط، ص [0 - 9] 6 - 47 ; فلسفة المعتزلة للدكتور ألبير نصري نادر 1/221 - 224 ; المعتزلة للأستاذ زهدي جار الله، ص [0 - 9] 7، 67 - 69.
*****************************
ومنهم من قال: بل تكون شيئا بعد شيء، وهو قول كثير من أئمة الحديث والسنة وأئمة الفلاسفة.
وأما التسلسل فمن الناس من لم يلتزمه، وقال: كما أنه يجوز عندكم حوادث منفصلة لا ابتداء لها، فكذلك يجوز قيام حوادث بذاته لا ابتداء لها، وهذا قول كثير من الكرامية والمرجئة والهشامية وغيرهم.
ومنهم من قال: بل التسلسل جائز في الآثار دون المؤثرات، والتزم أنه يقوم بذاته ما لا يتناهى شيئا بعد شيء، ويقول:
إنه لم يزل متكلما بمشيئته ولا نهاية لكلماته، وهذا قول أئمة الحديث وكثير من النظار.
والكلام على قيام الأمور الاختيارية بذاته مبسوط في موضع آخر.(1 فهذا قول المعتزلة والشيعة الموافقين لهم، وهو قول باطل ; لأن صفة الإله لا يجب أن تكون إلها، كما أن صفة النبي لا يجب أن تكون نبيا 1) (1) .
(1) (1 - 1) : ساقط من (أ) ، (ب) .
*********************
وإذا كانت صفة النبي المحدث] (1) موافقة (2) له في الحدوث، لم يلزم أن تكون نبيا مثله، فكذلك صفة الرب اللازمة له إذا كانت قديمة بقدمه لم يلزم أن تكون إلها مثله.
فهؤلاء مذهبهم (3) نفي صفات الكمال (4) اللازمة لذاته، وشبهتهم التي أشار إليها (5) ، أنها لو كانت قديمة لكان القديم أكثر من واحد، كما يقول ابن سينا وأمثاله.
وأخذ ذلك ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة عن المعتزلة، فقالوا (6) : لو كان له صفة واجبة (7) لكان الواجب أكثر من واحد، وهذا تلبيس، فإنهم إن أرادوا أن يكون الإله القديم، أو الإله الواجب، أكثر من واحد، فالتلازم (8) باطل، فليس يجب أن تكون صفة الإله إلها، ولا صفة الإنسان إنسانا، ولا صفة النبي نبيا، [ولا صفة الحيوان حيوانا] (9) .
وإن أرادوا أن الصفة توصف بالقدم (* كما يوصف الموصوف بالقدم، فهو كقول (10) القائل: توصف صفة المحدث بالحدوث *) (11) ، كما يوصف الموصوف بالحدوث.
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، وسبق أن أشرت إلى بداية السقط (ص [0 - 9] 24) .
(2) ن، م: مشاركة.
(3) ن، م: قصدهم.
(4) أ، ب: نفي صفاته.
(5) ن، م: وشبههم التي أشاروا إليها.
(6) ن، م: وأخذ ابن سينا ذلك من المتفلسفة فقال:. . . وهو تحريف.
(7) ن: واحدة، وهو خطأ.
(8) ن، م: فاللازم.
(9) : ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(10) ن: بقول.
(11) : ما بين النجمتين ساقط من (م) .
******************************