منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الاول
الحلقة (79)
صـ 550 إلى صـ 556
[تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة]ومن المعلوم أن أهل السنة لا ينازعون في أنه كان بعض أهل الشوكة بعد الخلفاء الأربعة يولون شخصا وغيره أولى بالولاية منه، وقد كان عمر بن عبد العزيز يختار أن يولي القاسم بن محمد (1) بعده، لكنه لم يطق ذلك لأن أهل الشوكة لم يكونوا موافقين (2) على ذلك، (3 ولأنه كان قد عقد العهد معه ليزيد بن عبد الملك بعده، فكان يزيد هو ولي العهد 3) (3) .
وحينئذ فأهل الشوكة الذين قدموا المرجوح وتركوا الراجح، أو الذي تولى بقوته وقوة أتباعه ظلما وبغيا، يكون إثم هذه الولاية على من ترك الواجب مع قدرته على فعله أو أعان على الظلم، وأما من لم يظلم ولا أعان ظالما وإنما أعان على البر والتقوى، فليس عليه في هذا شيء.
ومعلوم أن صالحي المؤمنين لا يعاونون الولاة إلا على البر والتقوى، لا يعاونونهم على الإثم والعدوان، فيصير هذا بمنزلة الإمام الذي يجب تقديمه في الشرع لكونه أقرأ وأعلم بالسنة، أو أقدم هجرة وسنا، إذا قدم ذوو الشوكة من هو دونه، فالمصلون خلفه الذين لا يمكنهم الصلاة إلا خلفه، أي ذنب لهم في ذلك؟
(1) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن المتوفى حوالي سنة 107. روى عن أبيه وعمته عائشة، وعن العبادلة، وعبد الله بن جعفر، وأبي هريرة وغيرهم. قال الزبير: ما رأيت أبا بكر ولد ولدا أشبه من هذا الفتى. ترجمته في تهذيب التهذيب 8/333 - 335؛ شذرات الذهب 1/135.
(2) ن، م، أ: يوافقون.
(3) (3 - 3) : ساقط من (أ) ، (ب) .
*****************************
وكذلك الحاكم الجاهل أو الظالم أو المفضول إذا طلب المظلوم منه أن ينصفه ويحكم له بحقه: فيحبس (1) له غريمه، [أو يقسم له ميراثه] (2) ، أو يزوجه بأيم لا ولي لها غير السلطان أو نحو ذلك، فأي شيء عليه من إثمه، أو إثم من ولاه وهو لم يستعن به إلا على حق لا على باطل؟ .
وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» " [رواه البخاري ومسلم] (3) .
ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان.
وأهل السنة يقولون: ينبغي أن يولى الأصلح للولاية إذا أمكن: [إما] (4) وجوبا عند أكثرهم، وإما استحبابا عند بعضهم، وأن من عدل عن
(1) ن (فقط) : فحبس.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(3) عبارة " رواه البخاري ومسلم " ساقطة من (ن) ، (م) . والحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في البخاري 9/94 - 95 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله. . .) ونصه: " دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " والحديث - مع اختلاف في اللفظ - في مسلم 2/975 (كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر) ؛ سنن النسائي 5/83 (كتاب المناسك، باب وجوب الحج) ؛ سنن ابن ماجه 1/3 (المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .
(4) إما: ساقطة من (ن) فقط.
*****************************
الأصلح مع قدرته - لهواه - فهو ظالم، ومن كان عاجزا عن تولية الأصلح مع محبته لذلك فهو معذور.
ويقولون: من تولى فإنه يستعان به على طاعة الله بحسب الإمكان، [ولا يعان إلا على طاعة الله] (1) ، ولا يستعان به على معصية الله، ولا يعان على معصية الله.
(2 أفليس قول أهل السنة في الإمامة خيرا من قول من يأمر بطاعة معدوم أو عاجز 2) (2) لا يمكنه الإعانة المطلوبة من الأئمة؟ .
ولهذا كانت الرافضة لما عدلت عن مذهب أهل السنة في معاونة أئمة المسلمين والاستعانة بهم، دخلوا في معاونة الكفار والاستعانة بهم، فهم يدعون إلى الإمام المعصوم، ولا يعرف لهم إمام موجود يأتمون به إلا كفور أو ظلوم (3) ، فهم كالذي يحيل بعض (4) العامة على أولياء الله رجال الغيب، ولا رجال عنده (5) إلا أهل الكذب والمكر (6) الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، أو الجن أو الشياطين الذين يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانية.
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(2) (2 - 2) : ساقط من (م) فقط.
(3) ن، م: كفور وظلوم.
(4) ن (فقط) : لبعض.
(5) أ، ب: ولا رجال الغيب عنده.
(6) ن، م: والمنكر.
*************************
فلو قدر أن ما تدعيه الرافضة من النص هو حق موجود، وأن الناس لم يولوا المنصوص عليه، لكانوا قد تركوا من يجب توليته وولوا غيره. وحينئذ فالإمام الذي قام (1) بمقصود الإمامة هو هذا المولى دون ذلك (2) الممنوع المقهور. نعم ذلك يستحق أن يولى، لكن ما ولي، فالإثم على من ضيع حقه وعدل عنه، لا على من لم يضيع حقه ولم يعتد.
وهم يقولون: إن الإمام وجب نصبه لأنه لطف ومصلحة للعباد، فإذا كان الله - ورسوله - يعلم أن الناس لا يولون هذا المعين إذا أمروا بولايته، كان أمرهم بولاية من يولونه وينتفعون بولايته، أولى من أمرهم بولاية من لا يولونه ولا ينتفعون بولايته، كما قيل في إمامة الصلاة والقضاء وغير ذلك، فكيف إذا كان ما يدعونه من النص من أعظم الكذب والافتراء؟ .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أمته بما سيكون وما يقع بعده من التفرق، فإذا نص لأمته على إمامة شخص يعلم أنهم لا يولونه، بل يعدلون عنه ويولون غيره يحصل لهم بولايته مقاصد (3) الولاية، وأنه إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل من سفك دماء [الأمة] ما لم (4) يحصل قبل ذلك (5) ولم يحصل من مقاصد الولاية ما حصل بغير المنصوص، كان الواجب العدول عن المنصوص.
(1) ن، م: وحينئذ فالذي قام.
(2) ذلك: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(3) أ، ب: مقصود.
(4) ن، م: من سفك الدماء ما لم. . .
(5) ب (فقط) : ما لم يحصل بغير المنصوص.
*************************
مثال ذلك أن ولي الأمر إذا كان عنده شخصان ويعلم أنه إن ولى أحدهما أطيع وفتح البلاد وأقام الجهاد وقهر الأعداء، وأنه إذا ولى الآخر لم يطع ولم يفتح شيئا من البلاد، بل يقع في الرعية الفتنة والفساد، كان من المعلوم لكل عاقل [أنه ينبغي] (1) أن يولي من يعلم أنه إذا ولاه حصل به الخير والمنفعة، لا من إذا ولاه لم يطع وحصل بينه وبين الرعية الحرب والفتنة، فكيف مع علم الله ورسوله بحال ولاية الثلاثة وما حصل فيها من مصالح الأمة في دينها ودنياها لا ينص عليها، وينص على ولاية من لا يطاع بل يحارب ويقاتل حتى لا يمكنه قهر الأعداء، ولا إصلاح الأولياء؟ وهل يكون من ينص على ولاية هذا دون ذاك إلا جاهلا، إن لم يعلم الحال، أو ظالما مفسدا، إن علم ونص؟ .
والله ورسوله بريء من الجهل والظلم، وهم يضيفون إلى الله ورسوله العدول عما فيه مصلحة العباد إلى ما ليس فيه إلا الفساد.
واذا قيل: إن الفساد حصل من معصيتهم له (2) لا (3) من تقصيره.
قيل: أفليس ولاية من يطيعونه فتحصل (4) المصلحة، أولى من ولاية من يعصونه فلا تحصل المصلحة بل المفسدة؟ .
ولو كان للرجل ولد وهناك مؤدبان: إذا أسلمه إلى أحدهما تأدب
(1) أنه ينبغي: ساقط من (ن) ، (م) .
(2) له: ساقطة من (ب) فقط.
(3) لا: ساقطة من (أ) فقط.
(4) ن، م: بتحصيل.
**************************
وتعلم (1) ، وإذا أسلمه إلى الآخر فر وهرب، أفليس إسلامه إلى ذاك أولى؟ ولو قدر أن ذاك أفضل فأي منفعة في فضيلته إذا لم يحصل للولد به منفعة لنفوره عنه؟ .
ولو خطب المرأة رجلان، أحدهما أفضل من الآخر لكن المرأة تكرهه، وإن زوجت به (2) لم تطعه، بل تخاصمه وتؤذيه، فلا تنتفع به ولا ينتفع [هو] (3) بها، والآخر تحبه ويحبها ويحصل به مقاصد النكاح، أفليس تزويجها بهذا المفضول أولى باتفاق العقلاء، ونص من ينص [على] (4) تزويجها بهذا المفضول (5) أولى من النص على تزويجها بهذا؟ .
فكيف يضاف إلى الله ورسوله ما لا يرضاه إلا جاهل أو ظالم (6) ؟ .
وهذا ونحوه مما يعلم به بطلان النص بتقدير أن يكون علي هو الأفضل الأحق بالأمر (7) لكن لا يحصل بولايته إلا ما حصل، وغيره ظالما يحصل به ما حصل من المصالح، فكيف إذا لم يكن الأمر كذلك لا في هذا ولا في هذا؟ .
(1) أ، ب: تعلم وتأدب.
(2) ن، أ، ب: وإن تزوجت به.
(3) هو: زيادة في (أ) ، (ب) .
(4) على: ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) المفضول: زيادة في (ن) فقط.
(6) أ، ب: ظالم أو جاهل.
(7) أ، ب: بالإمارة.
***************************
فقول أهل السنة خبر صادق وقول حكيم، وقول الرافضة خبر كاذب وقول سفيه (1) . فأهل السنة يقولون: الأمير والإمام والخليفة ذو السلطان الموجود الذي له القدرة على عمل مقصود الولاية، كما أن إمام الصلاة هو [الذي] (2) يصلي بالناس وهم يأتمون به، ليس إمام الصلاة من يستحق أن يكون إماما وهو لا يصلي بأحد، لكن [هذا] (3) ينبغي أن يكون إماما. والفرق بين الإمام وبين من ينبغي أن يكون هو الإمام، لا يخفى إلا على الطغام.
ويقولون: إنه يعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان، ويطاع في طاعة الله دون معصيته، ولا يخرج عليه بالسيف، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تدل على هذا. كما في الصحيحين، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] (4) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن (5) السلطان شبرا فمات [عليه] (6) إلا مات ميتة جاهلية» (7 وفي لفظ: " «أنه من فارق الجماعة شبرا فمات عليه (7) إلا مات ميتة جاهلية» " 7) (8) ، فجعل المحذور هو الخروج عن السلطان ومفارقة الجماعة، وأمر بالصبر على ما يكره من الأمير، لم يخص بذلك سلطانا معينا ولا أميرا معينا ولا جماعة معينة.
(1) أ، ب: سفه.
(2) الذي: ساقطة من (ن) ، (م) .
(3) هذا: ساقطة من (ن) فقط.
(4) رضي الله عنهما: زيادة في (أ) ، (ب) .
(5) ن، م، أ: من.
(6) عليه: زيادة في (ب) فقط.
(7) عليه: زيادة في (ب) فقط.
(8) (7 - 7) : ساقطة من (أ) ، (ب) .
****************************** *