تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 43 من 45 الأولىالأولى ... 33343536373839404142434445 الأخيرةالأخيرة
النتائج 841 إلى 860 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #841
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (836)

    سورة التغابن
    مكية إلا آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية
    المجلد الخامس (صـــــــ 366الى صــــ 371)

    ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم (11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين (12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون (13)

    شرح الكلمات:
    ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله: أي ما أصابت أحدا من الناس مصيبة إلا بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه.
    ومن يؤمن بالله يهد قلبه: أي ومن يصدق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى يهد قلبه للتسليم والرضاء بقضائه فيسترجع ويبصر.
    فإن توليتم: أي عن طاعة الله ورسوله فلا ضرر ولا بأس على رسولنا في توليكم إذ عليه إبلاغكم لا هدايتكم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ما أصاب1 من مصيبة إلا بإذن الله} 2 في هذه الآية رد على الكافرين الذين يقولون لو كان المسلمون على حق، وما هم عليه حقا لصانهم الله من المصائب في الدنيا، ولما سلط عليهم كذا وكذا ... فأخبر تعالى أنه ما من أحد من الناس تصيبه مصيبة في نفس أو ولد أو مال إلا وهي بقضاء الله وتقديره ذلك عليه، ومن يؤمن بالله ربا وإلها عليما حكيما وأن ما أصابه لم
    يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه3 يهد قلبه فيصبر ويسترجع فيؤجر وتخف عنده المصيبة بخلاف الكافر بالله وقضائه وقدره.
    وقوله تعالى {والله بكل شيء عليم} فلا يخفى عليه شيء فلا يحدث حدث في الكون إلا بعلمه وإذنه وهذه حال تقتضي الرضا بالقضاء والقدر والتسليم لله تعالى فيما يقضي به على عبده وفي ذلك خير كثير لا يعرفه إلا أصحاب الرضا بالقضاء والتسليم للعليم الحكيم.
    وقوله تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يأمر تعالى عباده عامة بطاعة الله وطاعة رسوله لأن كمال الإنسان وسعادته مرتبطة بهذه الطاعة التي هي عبارة عن تطبيق نظام دقيق ينتج صفاء روح وزكاة نفس يتأهل بها العبد إلى النزول بالملكوت الأعلى (الجنة دار الأبرار) .
    وقوله {فإن توليتم} أي أعرضتم عن هذه الدعوة فرفضتم طاعة الله ورسوله فلا ضرر على رسولنا ولا ضير إذ عليه البلاغ المبين وقد بلغ مبينا غاية التبيين، وأما هدايتكم فلم يكلف بها إذ لا يقدر عليها ولا يكلف الله نفسا إلا طاقتها.
    وقوله تعالى: {الله لا إله إلا هو} أي أن الذي أمركم بطاعته وطاعة رسوله هو الله الذي لا إله إلا هو أي المعبود الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له لأنه الخالق لكم الرازق المدبر لحياتكم، {وعلى الله فليتوكل4 المؤمنون} فإنه يكفي المؤمن الذي يتوكل عليه يكفيه كلما يهمه من أمر دنياه وآخرته. ولا كافي إلا هو سبحانه وتعالى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
    2- وجوب الصبر عند نزول المصيبة والرضا والتسليم لله تعالى في قضائه وحكمه، ومن تكن هذه حاله يهد الله قلبه5 ويرزقه الصبر وعظيم الأجر ويلطف به في مصيبته وإن هو استرجع قائلا إنا لله وإنا إليه راجعون أخلفه الله عما فقده وآجره.
    3- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
    4- تقرير التوحيد.
    5- وجوب التوكل على الله تعالى وهو فعل المأمور وترك المنهي وتفويض الأمر لله بعد ذلك. ولن يكون إلا خيرا بإذن الله تعالى.
    __________

    1 قال القرطبي: قيل سبب نزول هذه الآية أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حق لصانهم الله من المصائب في الدنيا ورد تعالى عليهم بأن المصائب التي تصيب العبد هي بإذن الله ولها أسبابها مرتبطة معها وهي سنن لله تعالى لا تتخلف.
    2 أنثت المصيبة لأنها بمعنى الحادثة والإذن: أصله إجازة الفعل لمن يفعله والمراد هنا أن ما يصيب العبد من خير وشر هو بتدبير الله تعالى في ربطه الأسباب بالمسببات فعاد الأمر إلى أذنه تعالى بوقوع ما أراده من خير أو غيره.
    3 (يهد قلبه) عندما تصيبه المصيبة فيسترجع أي: يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ويصبر، فالإيمان هو السبب في حصول هداية القلب فإذا هدى القلب حصل الاسترجاع وحصل الصبر وخف وقع المصيبة.
    4 الجملة معطوفة على قوله: {وأطيعوا الله} فهي في معنى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وتوكلوا على الله وحده لأن الطاعة تتطلب عملا وجهدا وهما يتطلبان اعتمادا على الله إذ هو المعين للعبد على الطاعة دون غيره فليكن التوكل عليه وحده.
    5 (يهد قلبه) فيسترجع ويبصر، والإيمان الصحيح هو الذي ينتج هداية القلب فإذا اهتدى القلب إلى معرفة حكم الله وقضائه صبر وظفر.

    ***************************

    يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (14) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم (17) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم (18)

    شرح الكلمات:
    إن من أزواجكم وأولادكم عدوا: أي من بعض أزواجكم وبعض أولادكم عدوا أي يشغلونكم عن طاعة الله أو
    لكم ينازعونكم في أمر الدين أو الدنيا.
    فاحذروهم: أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلاة الجماعة أو التصدق على ذوي الحاجة.
    وإن تعفوا: أي عمن ثبطكم عن الخير من زوجة وولد.
    وتصفحوا وتغفروا: أي وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن الهجرة أو الجهاد أو الإنفاق في سبيل الله.
    فإن الله غفور رحيم: أي يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم.
    إنما أموالكم وأولادكم فتنة: أي بلاء واختبار لكم فاحذروا أن يصرفوكم عن طاعة الله أو يوقعوكم في معصيته.
    والله عنده أجر عظيم: أي فآثروا ما عنده تعالى على ما عندكم من مال وولد.
    فاتقوا الله ما استطعتم: أي افعلوا ما تقدرون عليه من أوامره, واجتنبوا نواهيه كلها.
    ومن يوق شح نفسه: أي ومن يقه الله شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال.
    يضاعفه لكم: أي الدرهم بسبعمائة.
    والله شكور حليم: أي يجازي على الطاعة ولا يعاجل بالعقوبة.
    معنى الآيات:
    هذه الآيات الكريمة {يا أيها الذين آمنوا} إلى قوله {العزيز الحكيم} نزلت في1 أناس كان لهم أزواج وأولاد عاقوهم عن الهجرة والجهاد فترة من الوقت فلما تغلبوا عليهم وهاجروا ووجدوا الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلموا وتفقهوا في الدين فتأسفوا عن تخلفهم فهموا بأزواجهم وأولادهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة أن يعاقبوهم بنوع من العقاب من تجويع أو ضرب أو تثريب وعتاب فأنزل الله تعالى هذه الآيات يا أيها الذين آمنوا أي يا أيها المؤمنون إن من2 أزواجكم3 وأولادكم أي من بعضهم لا كلهم إذ منهم من يساعد على طاعة الله ويكون عونا عليها عدوا لكم يصرفكم عن طاعة الله والتزود للدار الآخرة, وقد ينازعونكم في دينكم ودنياكم إذا فاحذروهم أي كونوا منهم على حذر أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير من هجرة وجهاد وغيرهما وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا أي عمن شغلوكم عن طاعة الله فعاقوكم عن الهجرة والجهاد فلم تضربوهم ولم تجوعوهم ولم تثربوا عليهم ولم تعاتبوهم بل تطلبون العذر لما قاموا به نحوكم يكافئكم الله تعالى بمثله فيعفو عنكم ويصفح ويغفر لكم كما عفوتم وصفحتم وغفرتم لأزواجكم وأولادكم الذين أخروا هجرتكم وعطلوكم عن الجهاد في سبيل الله.
    وقوله تعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة4 والله عنده أجر عظيم} أي إنما أموالكم وأولادكم أي كل أموالكم وأولادكم فتنة واختبار من الله لكم هل تحسنون التصرف فيهم فلا تعصوا الله لأجلهم لا بترك واجب ولا بفعل ممنوع, أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة الله أو التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام والله عنده أجر عظيم فآثروا ما عند الله على ما عندكم من مال وولد, إن ما عند الله باق, وما عندكم فان, فآثروا الباقي على الفاني.
    وقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم5} هذا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في المال والولد, وأن بعضا سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله, ولا يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة الله تعالى التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة.
    وقوله تعالى واسمعوا6 ما يدعوكم الله ورسوله إليه {وأطيعوا وأنفقوا} في طاعة الله من أموالكم7 خيرا لأنفسكم من عدم الإنفاق فإنه شر لكم وليس بخير.
    وقوله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} أعلمهم أن عدم الإنفاق ناتج عن شح النفس, وشح النفس لا يقي منه إلا الله, فعليكم باللجوء إلى الله تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم فادعوه وتوسلوا إليه بالإنفاق قليلا قليلا حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار وقوله {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم8 ويغفر لكم} هذا الترغيب عظيم من الله تعالى للمؤمنين للنفقة في سبيله إذ سماها قرضا والقرض مردود وواعد بمضاعفتها وزيادة أخرى أن يغفر لهم بذلك ذنوبهم, واشتراط الحسن للقرض اشتراط معقول وهو أن يكون المال الذي أقرض الله حلالا لا حراما, وأن تكون النفس طيبة به لا كارهة له, وهذا من باب النصح للمؤمنين ليحصلوا على الأجر مضاعفا. وقوله تعالى {والله شكور حليم} ترغيب أيضا لهم في الإنفاق لأن الشكور معناه يعطي القليل فيكافيء بالكثير, والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة. ومثله يقرض القرض الحسن.
    وقوله {عالم الغيب والشهادة} ترغيب أيضا في الإنفاق إذا أعلمهم أنه لا يغيب عنه من أمورهم شيء يعلم الخفي منها والعلنى، وما غاب عنهم فلم يروه وما ظهر لهم فشهدوه فذو العلم بهذه المثابة معاملته مضمونة لا يخاف ضياعها ولا نسيانها. وقوله {العزيز الحكيم} أي العزيز الانتقام من أعدائه الحكيم في إجراء أحكامه وتدبير شؤون عباده.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن من بعض الزوجات والأولاد عدوا فعلى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم.
    2- الترغيب في العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم.
    3- التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى لا يهلك المرء بولده وماله.
    4- وجوب تقوى الله بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية.
    5- الترغيب في الإنفاق في سبيل الله تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير.
    __________

    1 قال القرطبي: قال ابن عباس: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي بالمدينة النبوية شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده, وعن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها جملة إلا هؤلاء الآيات (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم..) الخ.
    2 الآية عامة في الرجال والنساء فكما يكون للرجل من امرأته وولده عدو يكون كذلك للمرأة من زوجها وولدها عدو, ووجب الحذر على المؤمنين, ويكون الحذر بوجهين: إما لضرر في البدن وإما لضرر في الدين, وضرر البدن يتعلق بالدنيا وضرر الدين يتعلق بالآخرة فحذر الله تعالى العبد من ذلك وأنذره به.
    3 (من) للتبعيض إذ ما كل من له زوجة وولد كانوا له عدوا.
    4 (فتنة) أي: بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى, روي عن ابن مسعود أنه كان يقول: لا تقولوا: اللهم اعصمني من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
    5 هل هذه الآية مخصصة لآية آل عمران: (فاتقوا الله حق تقاته) هذا هو الطاهر إذ من غير الممكن أن يتقى الله حق تقاته أي: تقواه الحقة فلو أن العبد ذاب ذوبانا من خشية الله تعالى ما اتقى الله حق تقاته.
    6 قال القرطبي: اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه, والآية أصل في السمع والطاعة في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ولأولى الأمر.
    7 يصح في نصبه ثلاثة أوجه الأول أن يكون الخير بمعنى المال ويكون خيرا مفعولا به, والثاني: أن يكون (خيرا) نعتا لمصدر محذوف أي أنفقوا إنفاقا خيرا, والثالث أن يكون منصوبا بفعل مضمر دل عليه أنفقوا أي ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم.
    8 المضاعفة: هي إعطاء الضعف, والشكور: فعول بمعنى فاعل أي: مبالغة في الشكر.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #842
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (837)

    سورة الطلاق
    مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 372الى صــــ 376)

    سورة الطلاق
    مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (1)

    شرح الكلمات:
    يا أيها النبي: أراد الله بالنداء النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده.
    إذا طلقتم النساء: أي إذا أردتم طلاقهن.
    فطلقوهن لعدتهن: أي لقبل عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه.
    وأحصوا العدة: أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها.
    واتقوا الله ربكم: أي أطيعوه في أمره ونهيه.
    لا تخرجوهن من بيوتهن: أي لا تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها.
    إلا أن يأتين بفاحشة مبينة: أي إلا أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق, أو يرتكبن فاحشة من زنا بينة ظاهرة لا شك فيها.
    وتلك حدود الله: أي المذكورات من الطلاق في أول الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها.
    لا تدري لعل الله يحدث بعد: أي يجعل في قلب الزوج الرغبة في مراجعتها فيراجعها إذا لم تكن الثالثة من
    ذلك أمرا الطلقات.
    معنى الآية:
    قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} 3 يخاطب الله تبارك وتعالى رجال أمة الإسلام في شخصية نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: إذا طلقتم2 أي إذا أردتم طلاقهن لأمر اقتضى ذلك فطلقوهن لعدتهن أي لأول عدتهن وذلك في طهر لم تجامع فيه لتعد ذلك الطهر أول عدتها. وقوله تعالى:
    {وأحصوا العدة} أي احفظوها فاعرفوا بدايتها ونهايتها لما يترتب على ذلك من أحكام من صحة المراجعة وعدمها، ومن النفقة، والإسكان وعدمهما. وقوله: {واتقوا الله ربكم} فامتثلوا أوامره وقفوا عند حدوده فلا تتعدوها، لا تخرجوهن أي المطلقات من بيوتهن اللاتي طلقن فيهن، ولا يخرجن أي ويجب أن لا يخرجن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة كزنا ظاهر أو تكون سيئة بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت أذى لا يتحملونه فعندئذ يباح إخراجها.
    وقوله تعالى: {وتلك حدود الله} أي المذكورات من الطلاق لأول الطهر، وإحصاء العدة، وعدم إخراجهن من بيوتهن، وقوله {ومن يتعد حدود الله} فيتجاوزها ولم يقف عندها فقد ظلم نفسه وتعرض لعقوبة الله تعالى عاجلا أو آجلا.
    وقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} أي بأن يجعل الله تعالى في قلب الرجل رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها، وفي ذلك خير كثير.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان السنة في الطلاق وهي أن يطلقها في طهر لم يمسها 1في بجماع.
    2- أن يكون الطلاق واحدة لا اثنتين ولا ثلاثا.
    3- وجوب إحصاء العدة ليعرف الزوج متى تنقضي عدة مطلقته لما يترتب على ذلك من أحكام الرجعة والنفقة والإسكان.
    4- حرمة إخراج المطلقة من بيتها الذي طلقت فيه إلى أن تنقضي عدتها إلا أن ترتكب فاحشة ظاهرة كزنا أو بذاءة أو سوء خلق وقبيح معاملة فعندئذ يجوز إخراجها.
    __________

    1 في سنن ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها بأمر الله تعالى وقيل له: راجعها فإنها قوامة صوامة رضي الله عنها وأرضاها، وضعف الحديث، وعلى كل حال فالآية تشريع عام لأمة الإسلام بغض الطرف عن سبب النزول.
    2 وردت أحاديث كثيرة ضعيفة السند ومجموعها يدل على كراهية الطلاق وأنه عمل غير صالح إن كان بدون ضرورة وهي رفع الضرر عن أحد الكتزوجين. الجمهور أن من طلق واستثنى فله ما استثناه فلو قال: أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه.
    3 وأن يكون لا اثنتين ولا ثلاثا، وطلاق البدعة خلافه وهو: أن يطلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه أو بلفظ اثنين أو ثلاث ومن أهل العلم من لا يعد الطلاق البدعي طلاقا، ومنهم من يمضيه واحتج المانعون والمجيزون بحديث ابن عمر في الصحيح: (إذ طلق ابن عمر زوجته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل) فمن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حسبها له طلقة قال الطلاق في الحيض يمضي وهو بدعة، ومن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعدها بل قال له: "إذا طهرت ليطلق أو ليمسك" قال: الطلاق في الحيض بدعة ولا يمضي.

    **************************

    وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا (3)

    شرح الكلمات:
    فإذا بلغن أجلهن: أي قاربن انقضاء عدتهن.
    فأمسكوهن بمعروف: أي بأن تراجعوهن بمعروف من غير ضرر.
    أو فارقوهن بمعروف: أي أتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة.
    وأشهدوا ذوي عدل منكم: أي اشهدوا على الطلاق وعلى المراجعة رجلين عدلين منكم أي من المسلمين فلا يشهد كافر.
    وأقيموا الشهادة لله: أي لا للمشهود عليه أوله بل لله تعالى وحده.
    ذلكم يوعظ به من كان يؤمن: أي ذلكم المذكور من أول السورة من أحكام يؤمر به وينفذه من كان يؤمن بالله
    بالله واليوم الآخر واليوم الآخر.
    ومن يتق الله: أي في أمره ونهيه فلا يعصه فيهما.
    يجعل له مخرجا: أي من كرب الدنيا والآخرة.
    ويرزقه من حيث لا يحتسب: أي من حيث لا يرجوا ولا يؤمل.
    فهو حسبه: أي كافيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
    قد جعل الله لكل شيء قدرا: أي من الطلاق والعدة وغير ذلك حدا وأجلا وقدرا ينتهي إليه.
    معنى الآيتين:
    ما زال السياق الكريم في بيان العدد وأحكام الطلاق والرجعة. قال تعالى: {فإذا بلغن} 1 أي المطلقات أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف أي راجعوهن على أساس حسن العشرة والمصاحبة الكريمة لا للإضرار بهن كأن يراجعها ثم يطلقها يطول عليها العدة فهذا لا يجوز لحرمة الإضرار بالناس وفي الحديث: لا ضرر2 ولا ضرار.
    وقوله {أو فارقوهن بمعروف} وذلك بأن يعطيها ما بقي لها من مهرها ويمتعها3 بحسب حاله غنى وفقرا. وقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} أي أشهدوا على النكاح والطلاق والرجعة أما الإشهاد على النكاح فركن ولا يصح النكاح بدونه، وأما في الطلاق والرجعة فهو مندوب، وقد يصح الطلاق والرجعة بدونه، ويشترط في الشهود أن يكونوا عدولا، وأن يكونوا مسلمين لا كافرين.4 وقوله {وأقيموا الشهادة لله} أي أدوها على وجهها ولا تراعوا فيها إلا وجه الله عز وجل. وقوله: {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر} أي ذلكم المأمور به من أول السورة كالطلاق في طهر لم يجامعها فيه وكإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها والإمساك بالمعروف والفراق بالمعروف والإشهاد في النكاح والطلاق والرجعة والإقساط في الشهادة كل ذلك يوعظ به أي يؤمر به وينفذه المؤمن بالله واليوم الآخر إذ هو الذي يخاف عقوبة الله وعذابه فلا يقدم على معصيته.
    وقوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فبم تأمرني؟ قال آمرك وإياها أن تكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فقالت المرأة نعم ما أمرك به فجعلا يكثران منها فغفل العدو عن ابنهما فاستاق غنمهم وجاء بها إلى أبويه فنزلت هذه الآية، وهي عامة في كل من يتق الله تعالى فإنه يجعل له من كل ضيق مخرجا ومن كل كرب فرجا، ويرزقه من حيث لا يرجو ولا يؤمل، ولا يخطر له على بال، ومن يتوكل على الله تعالى في أمره فلا يفرط في أمر الله، ولا يضيع حقوقه فإن الله تعالى يكفيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه. وقوله تعالى {إن الله بالغ أمره} 5 أي منفذ أمره في عباده لا يعجزونه أبدا، وقد6 جعل لكل شيء قدرا أي مقدارا وزمانا ومكانا فلا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ولا يقع في ملك الله إلا ما يريد الله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- لا تصح الرجعة إلا في العدة فإن انقضت العدة فلا رجعة وللمطلقة أن تتزوج من شاءت هو أو غيره من ساعة انقضاء عدتها.
    2- لا تحل المراجعة للإضرار، ولكن للفضل والإحسان وطيب العشرة.
    3- مشروعية الإشهاد على الطلاق والرجعة معا.
    4- يشترط في الشهود العدالة، فإذا خفت العدالة في الناس استكثر من الشهود.
    5- وعد الله الصادق بالفرج القريب لكل من يتقه سبحانه وتعالى، والرزق من حيث لا يرجو.
    6- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
    7- كفاية الله لمن توكل عليه.7
    __________

    1 هذا لقوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) أي: قاربن من انقضاء الأجل.
    2 رواه مسلم في صحيحه.
    3 المتعة واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها صداق ولغيرها من المطلقات سنة مستحبة.
    4 قرأ نافع (إن الله بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لاسم الفاعل المنون، وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمر: مجرور بالإضافة إليه.
    5 قرأ نافع (إن الله بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لاسم الفاعل المنون، وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمره: مجرور بالإضافة إليه.
    6 أي: لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه. قال القرطبي: وما في التفسير أوضح وأشمل.
    7 روى القرطبي عن الربيع بن خيثم قوله: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه ومن وثق به نجاه ومن دعاه أجاب له وتصديق ذلك في كتاب الله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم) (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #843
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (838)

    سورة الطلاق
    مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 377الى صــــ 380)

    واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (4) ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا (5)

    شرح الكلمات:
    واللائي يئسن من المحيض: والنسوة اللائي يئسن من المحيض.
    إن ارتبتم: أي شككتم في عدتهن.
    واللائي لم يحضن: أي لكبر سن أو صغر سن.
    وأولات الأحمال: أي ذوات الأحمال: النساء الحوامل.
    أجلهن: أي في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن.
    ذلك أمر الله: أي ذلك المذكور في العدة وتفاصيلها.
    أنزله إليكم: أي لتأتمروا به وتعملوا بمقتضاه.
    معنى الآيتين:
    ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلاق والرجعة والعدة فقال تعالى: {1واللائي يئسن2 من المحيض} أي لكبر سنهن كمن تجاوزت الخمسين من عمرها إذا طلقت بعد الدخول بها. إن ارتبتم3 أيها المؤمنون في مدة عدتهن، فعدتهن ثلاثة أشهر. واللائي لم يحضن أي لصغرهن كذلك، عدتهن ثلاثة أشهر وقوله {وأولات الأحمال} أي الحوامل إن طلقن أو مات عنهن أزواجهن أجلهن في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن أي وضع حملهن فمتى ولدت ما في بطنها من جنين فقد انقضت عدتها ولو وضعته قبل استكمال التسعة أشهر، إن لم تتعمد إسقاطه بالإجهاض المعروف اليوم عند الكوافر والكافرين.
    وقوله تعالى: {ومن يتق الله} أي منكم أيها المؤمنون في هذه الأحكام المتعلقة بالطلاق والرجعة والعدة فلا يخالف أمره في ذلك يكافئه الله تعالى من فضله فيجعل له من أمره يسرا فيسهل عليه أمره ويرزقه ما تقر به عينه ويصلح به شأنه.
    وقوله تعالى: {ذلك أمر الله أنزله إليكم} أي ذلك المذكور من الأحكام في هذه السورة من الطلاق والرجعة والعدة وتفاصيلها حكم الله أنزله إليكم لتأمروا وتعملوا به فاعملوا به ولا تهملوه طاعة لله وخوفا من عذابه ومن يتق الله في أوامره ونواهيه فيؤدى الواجبات ويتجنب المحرمات يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا أي يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة.
    هداية الآيتين:
    من هداية الآيتين:

    1- بيان العدة وهي كالتالي:
    1- متوفى عنها زوجها وهي غير حامل عدتها: أربعة أشهر وعشر ليال.
    2- متوفى عنها زوجها وهي حامل: عدتها وضع حملها.4
    3- مطلقة لا تحيض لكبر سنها أو لصغر سنها وقد دخل بها: عدتها ثلاثة أشهر.
    4- مطلقة تحيض عدتها ثلاثة قروء أي حيض تبتدئ بالحيضة التي بعد الطهر الذي طلقت فيه. أو ثلاثة أطهار5 كذلك الكل واسع ولفظ القرء مشترك دال على الحيض وعلى الطهر.
    5- بيان أن أحكام الطلاق والرجعة والعدد مما أوحى الله به وأنزله في كتابه فوجب العمل به ولا يحل تبديله أو تغييره باجتهاد أبدا.
    6- فضل التقوى وأنها باب كل يسر وخير في الحياة الدنيا والآخرة.
    __________

    1 روي أن عددا من الصحابة وهم: أبي بن كعب وخلاد بن النعمان ومعاذ بن جبل كل واحد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عدة الصغيرة والكبيرة ممن لا يحضن وعدة الحامل كذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية: (واللائي يئسن) . والآية مخصصة لعموم آية البقرة (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فقد نزلت سورة الطلاق بعد سورة البقرة.
    2 اليأس: عدم الأمل والميؤوس منه في الآية هو: الحيض وسواء كان قد وجد وانعدم أم لم يوجد بعد.
    3 أطلق الفقهاء على التي تحيض وانقطع حيضها وهي لم تبلغ سن اليأس أطلقوا عليها: (المرتابة) وألزموها بأن تتربص تسعة أشهر وهي مدة الحمل فإن لم تحض ولم يظهر لها حمل اعتدت بثلاثة أشهر فتتم لها سنة ثم لها أن تتزوج لانقضاء عدتها.
    4 اختلف في الحامل تسقط هل تنقضي عدتها بالإسقاط أو لا فالإجماع إن كان ما سقط منها ولد تام الخلقة فإن عدتها انتهت بذلك، واختلف فيما إذا كان السقط مجرد علقة أو مضغة والراجع أنها تحل لأن العبرة بخلو الرحم يقينا وقد خلا بالإسقاط.
    5 الاعتداد بالأطهار أولى لما فيه من التخفيف على المعتدة ولظاهر الآية (فطلقوهن لعدتهن) أي: لأول عدتهن وهو الطهر الذي طلقها فيه ولم يمسها.
    ****************************** ****************
    أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (6) لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا (7)
    شرح الكلمات:
    من وجدكم: أي من وسعكم بحيث يسكن الرجل مطلقته في بعض سكنه.
    ولا تضاروهن: أي لا تطلبوا ضررهن بأي حال من الأحوال سواء في السكن أو النفقة.
    لتضيقوا عليهن: أي لأجل أن تضيقوا عليهن السكن فيتركنه لكم ويخرجن منه.
    وإن كن أولات أحمال: أي حوامل يحملن الأجنة في بطونهن.
    فإن أرضعن لكم: أي أولادكم.
    فآتوهن أجورهن: فأعطوهن أجورهن على الإرضاع هذا في المطلقات.
    وأتمروا بينكم بمعروف: وتشاورا أو ليأمر كل منكم صاحبه بأمر ينتهى باتفاق على أجرة معقولة لا إفراط فيها ولا تفريط.
    وإن تعاسرتم: فإن امتنعت الأم من الإرضاع أو امتنع الأب من الأجرة.
    لينفق ذو سعة من سعته: أي لينفق على المطلقات المرضعات ذو الغنى من غناه.
    ومن قدر عليه رزقه: ومن ضيق عليه عيشه فلينفق بحسب حاله.
    معنى الآيتين:
    بعد بيان الطلاق بقسميه الرجعى والبائن وبيان العدد على اختلافها بين تعالى في هاتين الآيتين أحكام النفقات والإرضاع فقال تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم1 من وجدكم} أي من وسعكم ولا تضاروهن2 بأي مضارة لا في السكن ولا في الإنفاق ولا في غيره من أجل أن تضيقوا عليهن فيتركن لكم السكن ويخرجن. وهؤلاء المطلقات طلاقا رجعيا وهن حوامل أو غير حوامل.
    وقوله تعالى {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} أي وإن كانت المطلقة طلاق البتة أي طلقها ثلاث مرات فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن إلى أن يلدن فإن وضعت حملها فهما بالخيار إن شاءت أرضعت له ولده بأجرة يتفقان عليها وإن شاء هو أرضع ولده مرضعا غير أمه وهو معنى قوله تعالى فإن أرضعن3 لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وذلك يتم بتبادل الرأي إلى الاتفاق على أجرة معينة, وإن تعاسرا بأن طلب كل واحد عسر الثاني أي تشاحا في الأجرة فلم يتفقا فلترضع له أي للزوج امرأة أخرى من نساء القرية.
    وقوله تعالى: {لينفق ذو4 سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} أمر تعالى المؤمن إذا طلق أن ينفق على مطلقته التي ترضع له ولده أو التي هي في عدتها في بيته بحسب يساره أو إعساره أو غناه وافتقاره، إذ ى يكلف الله نفسا إلا ما أعطاها من قدرة أو غنى وطول والقاضي هو الذي يقدر النفقة عند المشاحنة وتكون بحسب دخل الرجل وما يملك من مال.
    وقوله تعالى: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} هذا وعد صدق أتمه لأصحاب رسوله حيث كانوا في عسر ففتح عليهم ملك كسرى والروم فأبدل عسرهم يسرا. وأما غيرهم فمشروط بالتقوى كما تقدم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا.
    هداية الآيتين:
    من هداية الآيتين:

    1- وجوب السكن والنفقة للمطلقة طلاقا رجعيا.
    2- وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الحامل حتى تضع حملها.
    3- وجوب السكنى والنفقة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل.
    4- المطلقة البائن والمبتوتة لم يقض لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفقة ولا سكنى لحديث فاطمة5 بنت قيس أخت الضحاك، ومن الفضل الذي ينبغي أن لا ينسى إن كانت محتاجة إلى سكن أو نفقة أن يسكنها مطلقها وينفق عليها مدة عدتها. وأجره عظيم لأنه أحسن والله يحب المحسنين.
    5- النفقة الواجبة تكون بحسب حال المطلق غنى وفقرا والقاضي يقدرها أن تشاحا.
    6- المطلقة طلاقا بائنا إن أرضعت ولدها لها أجرة إرضاعها حسب اتفاق الطرفين الأم والأب.
    7- بيان القاعدة العامة وهي أن لا تكلف نفس إلا وسعها.
    __________

    1 قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل للآية (أسكنوهن) والصحيح أن المنزل إذا كان يتسع لهما معا هي في حجرة وهي في أخرى فلا داعي لإخلائه لها وإن كان لا يتسع إلا لواحد فنعم يجب أن يتركه لها, وقوله تعالى: (من حيث سكنتم) يقرر أن السكنى تكون في بيت الزوج المطلق.
    2 المضارة: الإضرار, والمراد بالتضييق المحرم: إحراجهن أو أذاهن بأي أذى. فقوله تعالى (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) شامل للمضايقة في السكنى والنفقة وفي العدة بأن يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها ثم يطلقها.
    3 هل على المرأة أن ترضع ولدها؟ إن كانت عصمة الزوجية قائمة فالصحيح أنها ترضع ولدها وجوبا وإن انفصلت عروة الزوجية قلا يجب على الوالدة إرضاع إلا إذا لم يقبل غيرها وخيف عليه الموت فيتعين عليها إرضاعه بأجرة إن شاءت. وأبو حنيفة لا يرى وجوب الإرضاع على الأم مطلقا ويرى بعض العكس. والوسط ما قدمناه وهو الحق.
    4 في الآية دليل على وجوب نفقة الولد على والده وأما الأم فلا إلا لضرورة كأن يموت الوالد أو يعجز، وكانت الأم قادرة فلتنفق وجوبا على طفلها.
    5 وصف المالكية حديث فاطمة بالغرابة، وأن عمر رضي الله عنه لم يقل به، وقال: لا نترك كتاب الله لقول امرأة يعني أن الآية عامة في كل مطلقة لا فرق بين البائن وغيرها، فالسكنى والنفقة للجميع وهو أرحم وأعظم أجرا والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #844
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (839)

    سورة التحريم
    مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 381الى صــــ 386)

    وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا (8) فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا (9) أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا (10) رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا (11) الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12)

    شرح الكلمات:
    وكأين من قرية: أي وكثير من قرية أي مدينة.
    عتت عن أمر ربها: أي عصت يعني أهلها عصوا ربهم ورسله.
    عذابا نكرا: أي فظيعا.
    ذكرا رسولا: أي القرآن وأرسل إليكم رسولا هو محمد صلى الله عليه وسلم.
    من الظلمات إلى النور: أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد.
    قد أحسن الله له رزقا: أي رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها أبدا.
    ومن الأرض مثلهن: أي سبع أرضين أرضا فوق أرض كالسموات سماء فوق سماء.
    يتنزل الأمر بينهن: أي الوحي بين السموات والأرض.
    لتعلموا أن الله على كل شيء: أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا..
    قدير
    معنى الآيات:
    لما قرر تعالى أحكام الطلاق والرجعة والعدة والنفقات وقال ذلك أمر الله أنزله إليكم، وأوجب
    العمل به حذر في هذه الآية من إهمال تلك الأحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال: {وكأين من1 قرية} أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر الله ورسله فلم يمتثلوها وعن الحقوق فلم يؤدوها حاسبها2 الله تعالى في الدنيا حسابا شديدا وعذبها عذابا نكرا أي3 فظيعا. فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسرا أي خسارا وهلاكا وأعد الله لهم عذابا شديدا هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم. وقوله تعالى {فاتقوا الله} أي خافوا عقابه فلا تهملوا أحكامه ولا تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولي الألباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكرا هو القرآن {رسولا} 4 هو محمد صلى الله عليه وسلم {يتلو عليكم آيات الله مبينات5} واضحات في نفسها لا خفاء فيها ولا غموض، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر والشرك إلى النور نور الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
    وقوله تعالى {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله6 جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن7 الله له رزقا} هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحا أن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن له فيها رزقا وهو نعيم الجنة الذي لا ينفد ولا ينقطع أبدا.
    وقوله {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن8} أي سبع أرضين واحدة فوق الأخرى كالسموات سماء فوق سماء هذا هو الله المعبود بحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه.
    وقوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} أي9
    أعلمكم بخلقه العظيم من السموات والأرضين وبتنزل الأمر بينهن في كل وقت وحين لتعلموا أنه تعالى على كل شيء قدير لترغبوا فيما عنده وأنه أحاط بكل علما لترهبوه وتراقبوه، وبذلك تتهيؤن لإنعامه ورضاه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من ترك الأحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها.
    2- بيان منة الله على هذه الأمة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها.
    3- بيان أن الكفر ظلمة وأن الإيمان نور.
    4- بيان عظمة الله تعالى وسعة علمه.
    __________

    (وكأين) : اسم لعدد كثير مبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن وهو بمعنى: كم الخبرية، والمراد بالقرية: أهلها والقرية: المدينة الكبيرة.
    (حاسبناها) بمعنى: جازينها مجازاة دقيقة دقة الحساب.
    3 قرأ نافع (نكرا) بضم النون والكاف، وقرأ حفص (نكرا) بضم النون وإسكان الكاف. والعذاب النكر: ما ينكره المرء من فظاعة كيفيته إنكارا شديدا.
    4 جائز أن يكون (رسولا) بدل اشتمال من (ذكر) لتوقف الذكر على الرسول، وجائز أن يكون (رسولا) معمولا لفعل محذوف تقديره وأرسل إليكم رسولا، وهذا واضح.
    5 قرأ نافع (مبينات) بفتح الياء، وقرأ حفص (مبينات) بكسرها والمعنى واحد.
    6 قرأ نافع ندخله بالنون وقرأ حفص يدخله بالياء.
    7 أحسن الله له رزقا قوله أحسن أبلغ من أعد لأن الإحسان لا يكون إلا بعد الإعداد.
    8 كون الأرضين سبعا يشهد له قوله تعالى ومن الأرض مثلهن أي مثل السموات السبع ويشهد له السنة الصحيحة فقد روى عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين". ومثله أبي هريرة وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حق إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة".
    9 المراد بالأمر هنا أمر الله تعالى وهو ما يدبر به شؤون مخلوقاته في الأرض والسماء. من موت وحياة وغيرهما وأمر ونهي وعطاء ومنع وغيرهما، والله أعلم بمراده من كلامه وهو العليم الحكيم.

    ****************************** *
    سورة التحريم1
    مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم (2) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير (3) إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير (4) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا (5)

    شرح الكلمات:
    لم تحرم ما أحل الله لك: أي لم تحرم جاريتك مارية التي أحلها لك.
    تبتغي مرضات أزواجك: أي بتحريمها.
    قد فرض لكم تحلة أيمانكم: أي شرع لكم تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة.
    وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه: هي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
    حديثا: هو تحريم مارية وقوله لها لا تفشيه.
    فلما نبأت به: أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظنا منها أنه لا حرج في ذلك باجتهاد.
    وأظهره الله عليه: أي اطلعه عليه أي على المنبأ به.
    عرف بعضه: أي لحفصة.
    وأعرض عن بعض: أي تكرما منه صلى الله عليه وسلم.
    إن تتوبا إلى الله: أي حفصة وعائشة رضي الله عنهما تقبل توبتكما.
    فقد صغت قلوبكما: أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك.
    وإن تظاهرا عليه: أي تتعاونا أي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه.
    فإن الله هو مولاه: أي ناصره.
    وصالح المؤمنين: أي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
    والملائكة بعد ذلك ظهير: أي ظهراء وأعوان له.
    قانتات: أي عابدات.
    سائحات: أي صائمات أو مهاجرات.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل2 الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور
    رحيم} في هذا عتاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية3 وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خلا بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراما ترضية لصاحبة الحجرة والفراش. فأنزل الله تعالى هذه الآيات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم. {تبتغي مرضات أزواجك} أي تطلب رضاهن {والله غفور رحيم} بك فلا لوم عليك بعد هذا ولا عتاب فجاريتك لا تحرم عليك وكفر عن يمينك. إذ قال لها هي علي 4حرام ووالله لا أطؤها.
    وقوله تعالى {قد فرض الله لكم5 تحلة أيمانكم} أي ما تحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما جاء في سورة المائدة من قوله تعالى {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وقوله تعالى والله مولاكم أي متولي أمركم وناصركم. وهو العليم بأحوال عباده الحكيم في قضائه وتدبيره لخلقه.
    وقوله تعالى {وإذ أسر النبي} أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنها إذ قال لها لقد حرمت فلانة ووالله لا أطأها وطلب منها أن لا تفشي هذا السر. فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها.
    فأطلع الله رسوله على ذلك. فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه لحفصة وأعرض عن بعض تكرما منه صلى الله عليه وسلم. قالت أي حفصة من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير. وقوله: إن تتوبا إلى الله أي حفصة وعائشة فقد صغت قلوبكما أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما كذلك. وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما. وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} أي تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه، فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي الله عنكما لن يضره شيئا فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أبو بكر وعمر، والملائكة بعد ذلك ظهير له أي ظهراء وأعوان له عن كل من يؤذيه أو يريده بسوء.
    وقوله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} ، وفي هذا تخويف شديد لأمهات المؤمنين وتأديب رباني كبير لهن إذ وعد رسوله أنه لو طلقهن لأبدله خيرا منهن {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات} أي6 صائمات أو مهاجرات، {ثيبات وأبكارا} أي بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلقهن والله تعالى لم يبدله فهن زوجاته في الدنيا زوجاته في الآخرة هذا وأنبه إلى أن خلافا كبيرا بين أهل التفسير في الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وعاتبه ربه عليه. وأحله الله له هل هو شراب كان يحبه، أو هو جاريته مارية ومن7 الجائز أن يكون غير ما ذكر؛ لأن الله تعالى لم يذكر نوع ما حرم رسوله على نفسه، وإنما قال لم تحرم ما أحل الله لك. والجمهور على أن المحرم مارية، وفي البخاري أنه العسل والله أعلم فلذا استغفر الله تعالى أن أكون قد قلت عليه أو على رسوله ما لا يرضيهما أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله إن ربي غفور رحيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير نبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته الكاملة.
    2- أخذ الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى من هذه الآية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك وهو لم ينو طلاقها أن عليه كفارة يمين لا غير، وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولا للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى.
    3- كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه.
    4- فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
    __________

    1 وتسمى سورة النبي أيضا.
    2 روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير: أكلت مغافير: فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزل {لم تحرم ما أحل الله لك} إلى {إن تتوبا} ، المغافير جمع مغفور بقلة من البقول.
    3 ترضية لبعض أزواجه أي طلبا لرضاها وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
    4 اختلف أهل العلم فيمن حرم شيئا فإن كان غير الزوجة فالجمهور على أنه لا يحرم ولا كفارة عليه، وبعض يقول عليه كفارة يمين: أما الزوجة فقد بلغت الأقوال فيها ثمانية عشر قولا أعدلها أن من حرم زوجته بلفظ أنت حرام أو بالحرام إن نوى طلاقها فعليه طلقة، وإن لم ينو طلاقها فإن عليه كفارة يمين كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها، وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
    5 تحلة اليمين كفارتها أي من حلف على شيء وأراد أن يعود إليه فليكفر عن يمينه وليأت ما حلف عليه.
    6 قيل سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه فكذلك الصائم لا زاد معه.
    7 نعم من الجائز أن يكون غير ما ذكر ولكن بتتبع لروايات وأقوال العلماء سلفا وخلفا ثبت أن الأمر يدور بين أن ما حرمه صلى الله عليه وسلم على نفسه ترضية هو جاريته مارية، أو العسل لا غيرهما.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #845
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (840)

    سورة التحريم
    مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 387الى صــــ 393)

    ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون (7) ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (8)
    شرح الكلمات:
    قوا أنفسكم وأهليكم: أي اجعلوا لها وقاية بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
    نارا وقودها الناس والحجارة: أي توقد بالكفار والأصنام التي تعبد من دون الله، لا بالحطب ونحوه.
    لا تعتذروا اليوم: أي لأنه لا ينفعكم اعتذار، يقال لهم هذا عند دخولهم النار.
    توبة نصوحا: أي توبة صادقة بأن لا يعاد إلى الذنب ولا يراد العود إليه.
    يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا: أي بإدخالهم النار.
    يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: أي أمامهم ومن كل جهاتهم على قدر أعمالهم.
    ربنا أتمم لنا نورنا: أي إلى الجنة، لأن المنافقين ينطفيء نورهم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم1 وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} هذا نداء الله إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم2 من زوجة وولد، نارا عظيمة، وقودها
    أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم بطاعة الله ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار.
    وقوله تعالى {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} أي على النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلاظ القلوب1 والطباع شداد البطش إذا بطشوا ولا يعصون الله أي لا يخالفون أمره، وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يأمرون. وقوله تعالى {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم4} هذا يقال لأهل النار ينادون ليقال لهم: لا تعتذروا اليوم حيث لا ينفع الاعتذار. وإنما تجزون ما كنتم تعملون الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة.
    وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} هذا هو النداء الثاني الذي ينادي فيه الله تعالى عباده المؤمنين يأمرهم فيه بالتوبة العاجلة النصوح التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود البن إلى5 الضرع، ويعدهم ويبشرهم يعدهم بتكفير سيئاتهم، ويبشرهم بالجنة دار النعيم المقيم فيقول {عسى6 ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم} أي بعد ذلك {جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} أي بإدخالهم الجنة. وقوله تعالى {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} أي وهم مجتازون الصراط يسألون ربهم أن يبقي7 لهم نورهم لا يقطعه عنهم حتى يجتازوا الصراط وينجوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنم كما يسألونه أن يغفر لهم ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط.
    وقولهم: إنك على كل شيء قدير هذا توسل منهم لقبول دعائهم حيث توسلوا بصفة القوة والقدرة لله تعالى فقالوا إنك على كل شيء قدير فأتمم لنا نورنا واغفر لنا.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب العناية بالزوجة والأولاد وتربيتهم وأمرهم بطاعة الله ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك.
    2- وجوب التوبة الفورية على كل من أذنب من المؤمنين والمؤمنات وهي الإقلاع من الذنب فورا أي تركه والتخلي عنه، ثم العزم على أن لا يعود إليه في صدق، ثم ملازمة الندم والاستغفار كلما ذكر ذنبه استغفر ربه وندم على فعله وإن كان الذنب متعلقا بحق آدمي كأخذ ماله أو ضرب جسمه أو انتهاك عرضه وجب التحلل منه حتى يعفو ويسامح.
    __________

    1 قال علي رضي الله عنه ومجاهد وقتادة: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن العربي هذا هو الصحيح لما يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل كقول الشاعر:
    علفتها تبنا وماء باردا
    أي وسقيتها ماء باردا
    2إن الوقاية لا تتم إلا بالإيمان وصالح الأعمال بعد اجتناب الشرك والمعاصي، وهذا يتطلب العلم بذلك وتوطين النفس على العمل بما يعلم من ذلك فعلا لما يفعل وتركا لما يترك فليأخذ العبد نفسه وأهله بهذا نصحا له ولهم حتى يقي نفسه ويقي أهله.
    3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وروى مرفوعا ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب.
    4 لأن عذرهم لا ينفعهم. والقصد من هذا النهي هو تحقيق اليأس منهم.
    5 قال القرطبي اختلف في تحديد التوبة النصوح على ثلاث وعشرين قولا وقدم ما في التفسير على تلك الأقوال.
    6 عسى من الله تعالى واجبة، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
    7 قال ابن عباس ومجاهد: هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين.

    ****************************** ***

    يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (9) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (10) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (11) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين (12)

    شرح الكلمات:
    جاهد الكفار: أي بالسيف.
    والمنافقين: أي باللسان.
    واغلظ عليهم: أي أشدد عليهم في الخطاب ولا تعاملهم باللين.
    فخانتاهما: أي في الدين إذ كانتا كافرتين.
    فلم يغنيا عنهما: أي نوح ولوط عن امرأتيهما.
    من الله شيئا: أي من عذاب الله شيئا وإن قل.
    امرأة فرعون: أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى.

    أحصنت فرجها: أي حفظته فلم يصل إليه الرجال لا بنكاح ولا زنا.
    فنفخنا فيه من روحنا: أي نفخنا في كم درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس.
    وصدقت بكلمات ربها: أي بولدها عيسى أنه كلمة الله وعبده ورسوله.
    معنى الآيات:
    في الآية الأولى (9) يأمر تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بعدما ناداه بعنوان النبوة تشريفا وتكريما يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف، وشن الغارات1 عليهم حتى يسلموا، والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد. وقوله تعالى: {واغلظ عليهم} أي أشدد وطأتك على الفريقين على المنافقين باللسان، وعلى الكافرين بالسنان. ومأواهم2 جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم، أو من علم الله موتهم على ذلك.
    وقوله تعالى في الآية الثانية (10) ضرب الله مثلا في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده. وهو امرأة نوح3 وامرأة لوط إذ كانت كل واحدة منهما تحت نبي رسول فخانتاهما في4 دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشي سر من يؤمن بزوجها وتخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار، وفي النهار بواسطة الدخان. فلما كانتا كافرتين لم تغن عنهما قرابتهما بالزوجية شيئا. ويوم القيامة يقال لهما: ادخلا النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط. هذا مثل آخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها، وهو -المثل- امرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك، ونجني من القوم الظالمين أي من عذابهم فشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على الإيمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقا إلى الله وإلى بيتها في الجنة وقد
    رأته فوصلت الصخرة إليها بعد أن فاضت روحها فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها5 فرعون وعصابته الظلمة الكافرون.
    وقوله تعالى ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها. عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل مكونا من امرأتين مؤمنتين، كالمثل الأول كان مكونا من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد لا تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر بذلك مريم لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها الله لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة الله تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي كان بكلمة الله كن فكان في ساعة وصول هواء النفخة وولدته للفور كرامة الله للتي أحصنت فرجها خوفا من الله وتقربا إليه، وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة. وكما لم ينفع إيمان وصلاح نوح ولوط امرأتيهما الكافرتين الخائنتين.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بغت امرأة نبي قط، وهو كما قال فوالله ما زنت امرأة نبي قط لولاية الله تعالى لأنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياءه أو يذلهم فالمراد من الخيانة المذكورة في قوله تعالى فخانتاهما الخيانة في الدين وإفشاء الأسرار.
    وقوله تعالى: وصدقت بكلمات ربها أي بشرائعه وبكتبه6 التي أنزلها على رسله، وكانت من القانتين7 أي المطيعين لله تعالى الضارعين له المخبتين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان، وعلى حكام المسلمين القيام بذلك لأنهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته.
    2- تقرير مبدأ: لا تزر وازرة وزر أخرى. فالكافر لا ينتفع بالمؤمن يوم القيامة.
    3- والمؤمن لا يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم لم يضره كفر آزر، ونوح لم يضره كفر طنعان ابنه، كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان وصلاح الأب والإبن.
    هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم.
    __________

    1 من المعلوم أن الكفار يدعون إلى الإسلام أولا مبينا لهم ما فيه من الهدي والخير وما يجلبه لأهله من الكمال والإسعاد، فإن أبوا فليقاتلوا.
    2 ومأواهم جهنم هذا عائد على الفريقين الكافرين والمنافقين معا.
    3 قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة واسم امرأة لوط والعة وروي مرفوعا بضعف أن اسم امرأة نوح واغلة وامرأة لوط والهة والله أعلم.
    4 الإجماع أن خيانة المرأتين كانت في الدين ولم تكن في العرض وإنما هي في الكفر والنفاق.
    5 قال يحيى بن سلام: ما ضربه الله مثلا للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما من مخالفتهما حين تظاهرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ضرب به تعالى مثلا لامرأة فرعون ومريم بنت عمران ضربه ترغيبا لعائشة وحفصة في التمسك بالطاعة والثبات عليها والصحيح أنه حث لكل المؤمنين على الصبر في الشدة مهما كانت.
    6 قرأ نافع وكتابه وجائز أن يكون الإنجيل وهو كتاب ابنها عيسى عليه السلام وجائز أن يكون المراد به ما كتبه الله وقدره وقرأ حفص وكتبه بالجمع أي آمنت بسائر كتب الله تعالى المنزلة وعليه فالكتاب في قراءة نافع اسم جنس صادق على جميع كتب الله تعالى المنزلة.
    7 لم قال من القانتات؟ لأنه أراد من القوم القانتين وهم المكثرون من العبادة وفي هذا ثناء عليها وعلى قومها الصالحين وأنها نبتت طيبة في نبات طيب كقول القائل: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #846
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (841)

    سورة التحريم
    مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 394الى صــــ 398)

    الجزء التاسع والعشرون
    سورة الملك1
    مكية وآياتها ثلاثون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (1) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور (2) الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير (4) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (5)

    شرح الكلمات:
    تبارك الذي بيده الملك: أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكا وتصرفا وتدبيرا.
    وهو على كل شيء قدير: أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير.
    الذي خلق الموت والحياة: أي أوجد الموت والحياة فكل حي هو بالحياة التي خلق الله وكل ميت هو بالموت الذي خلق الله.
    ليبلوكم أيكم أحسن عملا: أي أحياكم ليختبركم أيكم يكون أحسن عملا ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم.
    وهو العزيز الغفور: أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين.
    طباقا: أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ولا تماس بينها.
    ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت: أي من تباين وعدم تناسب.
    هل ترى من فطور: أي من شقوق أو تصدع.
    كرتين: أي مرتين مرة بعد مرة.
    خاسئا وهو حسير: أي ذليلا مبعدا كالا تعبا منقطعا عن الرؤية إذ لا يرى خللا.
    بمصابيح: أي بنجوم مضيئة كالمصابيح.
    رجوما للشياطين: أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى.
    وأعتدنا لهم عذاب السعير: أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة الاتقاد.
    معنى الآيات:
    قوله {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} مجد الرب تعالى نفسه وعظمها وأثنى عليها بما هو أهله من الملك والسلطان والقدرة والعلم والحكمة فقال عز وجل2 تبارك أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك الحقيقي يحكم ويتصرف ويدبر بعلمه وحكمته لا شريك له في هذا الملك والتدبير والسلطان. {وهو على كل شيء قدير} فما أراد3 ممكنا إلا كان, ولا أراد انعدام ممكن إلا انعدم. الذي خلق الموت4 والحياة لحكمة عالية لا بطلا ولا عبثا كما يتصور الكافرون والملاحدة الدهريون بل {ليبلوكم أيكم5 أحسن عملا} أي خلق الحياة بكل ما فيها، ليذكر ويشكر من عبادة فمن ذكر وشكر وأحسن ذلك، أعد له جنات ينقله إليها بعد نهاية الحياة والعمل فيها، ومن لم يذكر ولم يشكر أو ذكر وشكر ولم يحسن ذلك بأن لم يخلص فيه لله، ولم يؤده كما شرع الله أعد له نارا ينقله إليها بعد نهاية الحياة الدنيا حياة العمل، إذ هذه الحياة للعمل, وحياة الآخرة للجزاء على العمل. وقوله تعالى {وهو العزيز الغفور} ثناء آخر أثنى به تعالى على نفسه فأعلم أنه العزيز الغالب الذي لا يحال بينه وبين ما يريد الغفور العظيم المغفرة إذ يغفر الذنوب للتائب ولو كانت مثل الجبال وزبد البحر. وقوله {الذي خلق سبع سماوات طباقا} هذا ثناء آخر بعظيم القدرة وسعة
    العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر مثلا. وقوله {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} أي من اختلاف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك لا تجد إلا الاتساق والانتظام لا تصدع ولا انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك لا ترى ذلك ثم ارجع البصر كرتين6 فإنك لا تجد تفاوتا ولا تباينا أبدا ولو نظرت الدهر كله كل ما في الأمر أن بصرك أيها الناظر إلى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليلا مبعدا7 مما أراد، وهو حسير أي كليل تعب وقوله تعالى {ولقد زينا السماء الدنيا} أي هذه الدانية من الأرض القريبة منها بمصابيح8 هي النجوم والكواكب. وجعلناها أي النجوم رجوما9 للشياطين ترجم بها الملائكة شياطين الجن الذين يريدون استراق السمع من كلام الملائكة حتى لا يفتنوا الناس في الأرض عن دين الله عز وجل. وقوله تعالى {وأعتدنا لهم عذاب السعير10} أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة كسائر الكافرين من الإنس والجن.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل.
    2- بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.
    3- بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه الله: أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: زينة لسماء الدنيا، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها.11
    __________

    1 وتسمى الواقية والمنجية وورد في فضلها أحاديث أصحها حديث السنن وهو قوله صلى الله عليه وسلم أن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له: تبارك الذي بيده الملك.
    2 القرطبي: تبارك قال الحسن تقدس, وقيل دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه.
    3 التعبير بالممكن وغير الممكن فيه جواب لمن قال من المبطلين إن كان الله على كل شيء قديرا فهل يقدر أن يخلق إلها مثله: والجواب أن خلق إله مثل الله غير ممكن فلذا لا يخلقه سبحانه وتعالى.
    4 قدم ذكر الموت على الحياة لأن الموت أكبر واعظ للإنسان. قال العلماء الموت ليس عدما محضا ولا فناء صرفا، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما وتبديل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك.
    5 ليبلوكم أي ليعاملكم معاملة المختبر لكم فيرى أحسنكم عملا من أسوأه وقد رتب الجزاء على ذلك، وأحسن العمل أخلصه وأصوبه أي أخلصه لله تعالى وأصوبه أي أداؤه كما شرعه بلا زيادة ولا نقصان.
    6 كرتين منصوب على المصدر لأن الكرة الرجعة فكرتين بمعنى رجعتين أي مرة بعد أخرى والعامل فارجع.
    7 يقال خسئت الكلب أي أبعدته وطردته.
    8 سميت الكواكب مصابيح لإضائتها.
    9 الرجوم جمع رجم وهو اسم لما يرجم به أي ما يرمى به الرامي من حجر وغيره من باب تسمية المفعول بالمصدر مثل الخلق للمخلوق والرد للمردود، والمراد من النجوم التي يرمى بها هي الشهب التي تنفصل عن النجوم والكواكب، وجائز أن تكون كواكب صغيرة ترمى بها الشياطين شأنها شأن الشهب لحديث: الكوكب الذي انقض البارحة.
    10 لا يقولن قائل: الشياطين خلقوا من نار فكيف يعذبون بها؟ والجواب: السعير أقوى من مادة النار التي خلقوا منها كما أن الشياطين تحولوا عن أصل المادة التي خلقوا منها. تحول الإنسان من طين إلى لحم وعظم وعصب ودم.
    11 تمام قوله: فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به، وتعدى وظلم.

    ****************************** *

    وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير (6) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور (7) تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (8) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير (9) وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10) فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير (11)

    شرح الكلمات:
    كفروا بربهم: أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه.
    إذا ألقوا فيها: أي في جهنم ألقتهم الملائكة فيها وذلك يوم القيامة.
    سمعوا لها شهيقا: أي سمعوا لجهنم صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار.
    وهي تفور تكاد تميز من الغيظ: أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضبا على الكفار.
    سألهم خزنتها: سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب.
    ألم يأتكم نذير: أي رسول ينذركم عذاب الله يوم القيامة؟.
    وقلنا ما نزل الله من شيء: أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل الله مما تقول لنا من شيء.
    إن أنتم إلا في ضلال كبير: أي ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال كبير أي خطأ عقلي وتصور نفسي باطل.
    لو كنا نسمع أو نعقل: أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لآمنا وعبدنا الله وما كنا اليوم في أصحاب السعير.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملائكة في السماء عذاب السعير عطف عليه قوله {وللذين كفروا بربهم1} أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ولا
    آمنوا به من الإنس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي جهنم يصيرون إليها وينتهون إلى عذابها شرابها الحميم وطعامها الضريع والزقوم, وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا2} إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا لها شهيقا أي صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار إذا شهق أو نهق. {وهي تفور} تغلي3 {تكاد تميز} 4 أي تقرب أن تتقطع من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت لغضبه, وكل مؤمن بالله عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى لما يرضى به ربه. وقوله تعالى
    {كلما ألقي فيها فوج} أي جماعة {سألهم خزنتها} أي الملائكة الموكلون بالنار وعذابها وهم الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكا سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لأنهم يعلمون ما يسألونهم عنه {ألم يأتكم5 نذير} أي رسول في الدنيا يدعوكم إلى الإيمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين {بلى} قد جاءنا نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهم ردا على دعوتهم {ما نزل الله من شيء} أي مما تقولون وتدعوننا إليه {إن أنتم إلا في ضلال كبير6} أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال عقلي وخطأ تصوري كبير. ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال تعالى {فاعترفوا بذنبهم فسحقا} أي بعدا بعدا من رحمة الله {لأصحاب السعير} أي سعير جهنم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب.
    2- بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب, وتكذب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.
    3- بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدين تأخر عقلي ونظر رجعي.
    4- تقرير أن الكافر لا يسمع ولا يعقل أي سماعا ينفعه وعقلا يحجزه عن المهالك باعتراف أهل النار إذ قالوا {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} .
    __________

    1 هذا تتميم للكلام السابق أي كما كان للشياطين عذاب السعير فللذين كفروا عذاب جهنم وبئس المصير.
    2 قال عطاء الشهيق في الصدور والزفير في الحلق.
    3 قال حسان:
    تركتم قدركم لا شيء فيها
    وقدر القوم حامية تفور
    أي تغلي.
    4 أصل تميز أي تتميز أي تنقطع وينفصل بعضها عن بعض قيل هذا التغيظ هو من شدة الغيظ على أعداء الله, وقيل هو من الغليان.
    5 الاستفهام للتوبيخ والتقريع.
    6 إن أنتم إن نافية بدليل الاستثناء بعدها.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #847
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (842)

    سورة التحريم
    مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 399الى صــــ 401)

    إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير (12) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور (13) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15)

    شرح الكلمات:
    يخشون ربهم بالغيب: أي يخافونه وهم غائبون عن أعين الناس فلا يعصونه.
    لهم مغفرة وأجر كبير: أي لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة.
    ألا يعلم من خلق: أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف مخلوقه.
    وهو اللطيف الخبير: أي بعباده الخبير بهم وبأعمالهم.
    ذلولا: أي سهلة للمشي والسير عليها.
    فامشوا في مناكبها: أي في جوانبها ونواحيها.
    وإليه النشور: أي إليه وحده مهمة نشركم أي إحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في الإيمان والطاعة للنجاة من السعير فقال {إن الذين يخشون ربهم1 بالغيب} أي يخافونه وهم لا يرونه, وكذا وهم في غيبة عن الناس فيطيعونه ولا يعصونه هؤلاء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة. ولما قال بعض المشركين في مكة لا تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى ردا عليهم وتعليما {وأسروا قولكم أو اجهروا به} فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث
    النفس وخواطرها {إنه2 عليم بذات الصدور} أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس {ألا يعلم من3 خلق} أي كيف لا يعلم من خلقهم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم. وقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} أي4 سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقا وغربا وكلوا من رزقه الذي خلق لكم، وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم وإخراجكم من قبوركم ليحاسبكم ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها، وعلى كفر من كفر منكم وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- فضيلة الإيمان بالغيب ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
    2- مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.
    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    __________

    1 بعد ذكر جزاء أهل الكفر والشرك الشر والفساد ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والتوحيد والخير والصلاح فكان الأسلوب أسلوب الترهيب والترغيب الذي عرف به القرآن الكريم كتاب الهداية الإلهية.
    2 إنه عليم بذات الصدور الجملة تعليل للتسوية بين السر والجهر من أقوال المشركين نحو قوله أصبروا أو لا تصبروا أي استوى عنده السر والجهر كما استوى عند أهل النار الصبر والجزع.
    3 ألا يعلم السر من خلق السر أي أنا خلقت السر في القلب أفلا أكون عالما بما في قلوب العباد. إذ لابد وأن يكون الخالق عالما بما خلق والاستفهام إنكاري وجملة وهو اللطيف الخبير في محل نصب حال.
    4 ذلولا فعول بمعنى مفعول أي مذللة مسخرة منقادة لما تريدون منها من مشي عليها وزرع وغرس وبناء وإنشاء وتعمير.

    ****************************** *
    أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور (16) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير (17) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير (18) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير (19)
    شرح الكلمات:
    أن يخسف بكم الأرض: أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.
    فإذا هي تمور: أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم.
    أن يرسل عليكم حاصبا: أي ريحا عاصفا نرميكم بالحصباء فتهلكون.
    كيف نذير: أي كان عاقبة إنذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.
    فكيف كان نكير: أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكارا حقا واقعا موقعه.
    صآفات: أي باسطات أجنحتها.
    ويقبضن: أي ويمسكن أجنحتهن.
    ما يمسكهن إلا الرحمن: أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها.
    معنى الآيات:
    يقول تعالى واعظا عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم1 من في السماء الذي هو العلو المطلق وهو الله عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغوروا في بطنها والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله {أم أمنتم من2 في السماء} وهو الله عز وجل أن يرسل عليكم حاصبا أي ريحا تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم {فستعلمون كيف نذير} أي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي أنه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى {ولقد كذب الذين من قبلهم} كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك والكفر فأهلكناهم {فكيف كان نكير} أي إنكاري لهم كان حقا وواقع المقتضى وقوله تعالى {أولم 3يروا إلى الطير فوقهم صافات} أي باسطات أجنحتهن ويقبضنا ما يمسكهن في حالة البسط أو القبض إلا الرحمن الذي أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت كل شيء وهي متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية الله ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ولا يمسكها أحد من الناس فمن يمسكها إذا؟ إنه الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها خلقه ويدبر بها ملكوته إن أمر المشركين في كفرهم بالله لعجب وقوله {إنه بكل شيء
    بصير} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في الأحشاء.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تحذير المعرضين عن الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصبا من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم لله عز وجل.
    2- في الهالكين الأولين عبر وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به.
    3- من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضها ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائما يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إذا قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.
    __________

    1 قال ابن عباس رضي الله عنهما أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه يريد أن يصيبكم به إن أصررتم على تكذيبه وتكذيب رسوله. هكذا عقيدة السلف في إثبات صفة العلو لله تعالى، وأما الخلف فيقولون: أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملائكة هروبا إلى التأويل حتى لا يصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه من العلو الذاتي فما أضل القوم والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم أمنهم من الخسوف بهم وهم قائمون على معاصي توجب لهم ذلك.
    2 أم: هي المنقطعة التي تؤول ببل والاستفهام وهو إنكاري تعجبي ينكر عليهم أمنهم من عذاب الله بإرسال حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط فتهلكهم كما أهلكتهم إذ هم متعرضون لذلك بتكذيبهم وشركهم وكفرهم وحذفت الياء من نذيري ونكيري وهي ضمير المتكلم حذفت تخفيفا.
    3 الهمزة داخلة على محذوف أي أغفلوا ولم يروا إلى الطير فوقهم حال كونها صافات أجنحتها وتقبضها أحيانا ولم تسقط فتتجلى لهم قدرة الله ورحمته ليؤمنوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #848
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (843)

    سورة الملك
    مكية وآياتها ثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 402الى صــــ 404)

    أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور (20) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور (21) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم (22) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (23) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (25) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (26) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون (27)

    شرح الكلمات:
    جند لكم: أي أعوان لكم.
    من دون الرحمن: أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.
    إن الكافرون: أي ما الكافرون.
    إلا في غرور: غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.
    إن أمسك رزقه: أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.
    بل لجوا في عتو ونفور: أي إنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق.
    أفمن يمشي مكبا على وجهه: أي واقعا على وجهه.
    أمن يمشي سويا: أي مستقيما.
    والأفئدة: أي القلوب.
    قليلا ما تشركون: أي شكركم قليل.
    ذرأكم في الأرض: أي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون لا إلى سواه.
    متى هذا الوعد: أي الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة.
    قل إنما العلم عند الله: أي علم مجيئه عند الله لا غير.
    فلما رأوه زلفة: أي لما رأوا العذاب قريبا منهم في عرصات القيامة.
    سيئت وجوه الذين كفروا: أي تغيرت مسودة.
    هذا الذي كنتم به توعدون: أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون به تحديا منكم.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش فقال تعالى مخاطبا لهم {أمن هذا الذي1 هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن؟} أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بالله تعالى ينصركم من دون الرحمن إن أراد الرحمن بكم سوءا فيدفعه عنكم. وقوله تعالى {إن الكافرون2 إلا في غرور} أي ما الكافرون إلا في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم
    أنه لا حساب ولا عقاب، وأن آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى {أمن3 هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور} أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك الله ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير الله. وقوله تعالى {بل لجوا في عتو ونفور} أي أنهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والتباعد عن الحق. وقوله تعالى {أفمن يمشي 4مكبا على وجهه أهدى أمن5 يمشي سويا على صراط مستقيم؟} هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد تبيانا لحالهما وتحقيقا لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكبا أي واقعا على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سويا أي مستقيما على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعا الذي يمشي سويا على صراط مستقيم إذا النتيجة أن الموحد6 مهتد والمشرك ضال. وقوله تعالى {قل هو الذي أنشأكم} أي خلقكم {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} أي القلوب أي وأنتم لا تكرون ذلك فمالكم إذا لا تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله إنكم ما تشكرون إلا قليلا وهو اعترافكم بأن الله هو المنعم لا غير. وقوله تعالى {قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} أي قل لهم يا رسولنا الله هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم لا أصنامكم التي لا تخلق ذبابا وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذا فكيف لا تؤمنون به وبرسوله ولا تشكرونه ولا تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
    وقوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أي ويقول الكافرون لرسول الله والمؤمنين: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى لرسوله إجابة لهم على سؤالهم: قل {إنما العلم 7عند الله} أي علم مجيء يوم القيامة عند الله، وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين لا غير. وقوله تعالى {فلما رأوه} أي عذاب يوم القيامة {زلفة} أي8 قريبا منهم {سيئت وجوه الذين كفروا} أي أساءها الله فتغيرت بالاسوداد والكآبة والحزن. وقيل لهم أو قالت لهم الملائكة هذا العذاب الذي كنتم به تطالبون متحدين رسولنا والمؤمنين وتقولون: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق.
    2- تقرير حقيقة ثابتة وهي انحراف الكافر وضلاله واستقامة المؤمن وهدايته.
    3- وجوب الشكر لله تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك بالإيمان والطاعة.
    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    __________

    1 أمن هي (أم) المنقطعة المقدرة ببل ومن الاستفهامية أدغمت في ميم أم فصارت أمن والاستفهام للتبكيت والتأنيب والإضراب الانتقالي إذ تنقل من توبيخهم على عدم التأمل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن آثار قدرة الله ورحمته إلى التبكيت بضعفهم وقلة الناصر لهم سوى الرحمن الذي يكفرون به.
    2 الجملة معترضة مقررة لما قبلها والالتفات فيها من الخطاب إلى الغيبة لاقتضاء حالهم الإعراض عنهم والإظهار في موضع الإضمار إذ قال إن الكافرون, ولم يقل إن هم إلا في غرور لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به.
    3 أمن هذا الذي: القول فيها كالقول في سابقها سواء.
    4 مكبا اسم فاعل من اكب اللازم أما المعتدي فهو كبه يكبه وجواب الاستفهام الأول هو جملة أهدى وحذف جواب الاستفهام الثاني لدلالة الأول عليه.
    5 أهدى أي أكثر هداية واستقامة والسوي هو الشديد الاستواء وهو الاعتدال ولاستقامة.
    6 جائز أن يراد بالمكب على وجهه أبو جهل، والسوي على صراط مستقيم أبو بكر رضي الله عنه والمثل عام في كل مشرك وموحد أو كافر ومؤمن.
    7 كقوله تعالى: قل إنما علمها عند ربي الآية من سورة الأعراف.
    8 زلفة: اسم مصدر من أزلف إزلافا إذا أقرب، والزلفى القربة والمنزلة. والفاء في فلما رأوه زلفة هي الفصيحة إذ أعربت من جملتين وترتيب الشرطية عليها كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به فرأوه، فلما رأوه زلفة سيئت أي اسودت وجوه الذين كفروا لما فيها من الخوف والحزن.

    ******************************

    قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم (28) قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين (29) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين (30)

    شرح الكلمات:
    قل أرأيتم: أي أخبروني.
    ومن معي: أي من المؤمنين.
    أو رحمنا: أي لم يهلكنا.
    فمن يجير الكافرين: أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.
    قل هو الرحمن: أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.
    إن أصبح ماؤكم غورا: أي غائرا لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.
    بماء معين: أي تراه العيون لجريانه على الأرض.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلاء المشركين الذين
    تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب1 المنون قل لهم {أرأيتم} أي أخبروني {إن أهلكني الله ومن معي2} من المؤمنين، {أو رحمنا} فلم يهلكنا بعذاب {فمن يجير3 الكافرين من عذاب أليم؟} والجواب: لا أحد إذا فماذا تنتفعون بهلاكنا. وقوله تعالى {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده وترك عبادة غيرة آمنا به وعليه توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في ضلال ممن هو على صراط مستقيم. وقوله {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرا {فمن يأتيكم بماء معين} أي قل لهؤلاء المشركين يا رسولنا تذكيرا لهم أخبروني إن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه "بئر زمزم" وغيرها4 غائرا لا تناله الدلاء ولا تراه العيون. فمن يأتيكم بماء معين غير الله تعالى؟ والجواب لا أحد5 إذا فلم لا تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه بالعبادات التي شرع لعباده أن يعبدوه بها؟.6
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.
    2-وجوب التوكل على الله عز وجل بعد الإيمان.
    3-مشروعية الحجاج لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
    __________

    1 جاء هذا في سورة الطور. إذ قال تعالى عنهم أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون.
    2فتح كلا من ياءي أهلكني ومن معي. نافع وحفص سواء.
    3 الاستفهام للنفي.
    4 وهي بئر ميمون كانوا يشربون منها كبئر زمزم.
    5 معين أصلها معيون كمبيع أصلها مبيوع فنقلت ضمة الياء إلى العين قبلها فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الواو. ثم كسرت العين لتصبح الياء
    6 روى استحباب قول القارئ: الله رب العالمين إذا قرأ فمن يأتيكم بماء معين وروي أن جاهلا ملحدا لما سمعها قال: تأتي بها الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه وعمي. والعياذ بالله تعالى من الجهل والكفر والجرأة على الله.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #849
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (844)

    سورة القلم
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 405الى صــــ 409)

    سورة القلم
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2) وإن لك لأجرا غير ممنون (3) وإنك لعلى خلق عظيم (4)فستبصر ويبصرون (5) بأيكم المفتون (6) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (7)

    شرح الكلمات:
    ن: هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون.
    والقلم وما يسطرون: أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون.
    ما أنت بنعمة ربك: أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
    بمجنون: أي بذي جنون كما يزعم المشركون.
    غير ممنون: أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
    بأيكم المفتون: أي بأيكم الجنون.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف1المقطعة نحو ق، ص، وحم الله أعلم بمراده به وقوله تعالى {والقلم وما يسطرون} أي2 والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم3 عليه قوله {ما أنت بنعمة4 ربك بمجنون} تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمدا مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للأيمان، وقوله تعالى {وإن لك لأجرا غير ممنون} هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صلى الله عليه وسلم أجرا غير مقطوع أبدا بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها
    وقوله {وإنك لعلى خلق عظيم} 5 هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدبا وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله تعالى {فستبصر6 ويبصرون بأيكم المفتون} أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم7 المفتون أي المجنون أنت -وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى {إن8 ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} في هذا الخبر تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ليصبر على دعوة الله وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون الله أعلم من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-تقرير مسألة أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
    2-بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
    3-تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
    4-بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.
    __________

    1 روى عن بعض السلف أن: نون هي الدواة، وكونه أحد الحروف المقطعة أولى لنظائره من ص، وق ويس، وطس. وفي إدغام النون في واو القلم قراءتان سبعيتان الفك والإدغام.
    2 جائز أن يكون ما موصولة. أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم.
    3 جواب القسم وهو ثلاثة أشياء الأول نفي الجنون عنه صلى الله عليه وسلم والثاني ثبوت الأجر له صلى الله عليه وسلم والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن.
    4 الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم الله عليك من الوحي مجنونا والباء في مجنون زائدة لتقوية النفي وتأكيده.
    5 ورد في فضل الخلق أحاديث. " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء". (صحيح) .
    6 قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد.
    7 بأيكم المفتون، أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه، وله مواقع كثيرة في الكلام فقد يشرب معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام، ومعنى التنويه بكامل. فقوله بأيكم المفتون معناه أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم.
    8 الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صلى الله عليه وسلم وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما في التفسير.

    ****************************** ***

    فلا تطع المكذبين (8) ودوا لو تدهن فيدهنون (9) ولا تطع كل حلاف مهين (10) هماز مشاء بنميم (11) مناع للخير معتد أثيم (12) عتل بعد ذلك زنيم (13) أن كان ذا مال وبنين (14) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (15) سنسمه على الخرطوم (16)

    شرح الكلمات:
    ودوا لو تدهن: أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن لا تذكر آلهتهم بسوء.
    فيدهنون: فيلينون لك ولا يغلظون لك في القول.
    كل حلاف مهين: أي كثير الحلف بالباطل حقير.
    هماز مشاء بنميم: أي عياب مغتاب.
    معتد أثيم: أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والآثام.
    عتل بعد ذلك زنيم: أي غليظ جاف. زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة.
    قال أساطير الأولين: أي ما روته الأولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني.
    سنسمه على الخرطوم: أي سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {فلا تطع المكذبين} 1 أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فلا تطع
    هؤلاء الضالين المكذبين بالله ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله {ودوا لو تدهن2 فيدهنون} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السب والشتم. وقوله تعالى {ولا تطع كل حلاف مهين} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن طاعة أفراد شريرين لا خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال: {ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل {مهين3} أي حقير. {هماز} عياب {مشاء بنميم} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه الإفساد {مناع للخير} أي يبخل بالمال أشد البخل {معتد أثيم} أي ظالم للناس معتد على أموالهم وأنفسهم {أثيم} كثير الإثم لغشيانه المحرمات وقوله {عتل بعد ذلك4 زنيم} أي غليظ الطبع جاف لا أدب معه. {زنيم} أي دعي في قريش وليس منهم. وقوله تعالى {أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} أي لأجل أن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب بآيات الله فإذا تليت عليه وسمعها قال أساطير الأولين ردا لها ووصفوها بأنها أسطورة أي أكذوبة مسطرة ومكتوبة من أساطير الأولين من الأمم الماضية. قال تعالى {سنسمه على الخرطوم} أي نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو وسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الاعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر.
    2-التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} .
    3- التنديد بالمكذبين بآيات الله تعالى أو تفصيلا. والعياذ بالله تعالى.
    __________

    1 التاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله. وعليه فلا تطع المكذبين الخ نهى صلى الله عليه وسلم عن طاعة المشركين في أي شيء يريدونه منه مما هو رضاء بالشرك وسكوت عنه ممالأة لهم وسكوتا عن باطلهم مقابل ترك أذاهم له.
    2 ودوا لو تدهن هذا بيان لما نهى عنه من طاعتهم، وفعل تدهن مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة وهو مأخوذ من دهن الشيء بالدهان ليلينه ويرق، والمداهنة محرمة والمداراة جائزة والفرق بينهما أن المداهن يتنازل من شيء من دينه ليحفظ شيئا من دنياه، والمداري عكسه يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من دينه.
    3 المهين: الوضيع لإكثاره من القبيح، وتفسيره بالحقير صالح وكذا الفاجر العاجز.
    4 العتل: الجافي الشديد، ومنه أخذ العتال الذي يجر الناس ويدفعهم بعنف ليدخلهم في السجن ونحوه. ومنه قوله تعالى {خذوه فاعتلوه.}

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #850
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (845)

    سورة القلم
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 410الى صــــ 416)

    إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (22) فانطلقوا وهم يتخافتون (23) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قادرين (25) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26) بل نحن محرومون (27) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون (28) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين (29) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (30) قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين (31) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون (32) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (33)

    شرح الكلمات:
    إنا بلوناهم: أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم الله عليهم بل كفروا بها بتكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق.
    ليصرمنها 1: أي ليجدنها أي يقطعون ثمارها صباحا.
    فطاف عليهم طائف من: أي نار فأحرقتها.
    ربك وهم نائمون
    فأصبحت كالصريم: أي كالليل الأسود الشديد الظلمة والسواد.
    على حرثكم: أي غلة جنتكم وقيل فيها حرث لأنهم عملوا فيها.
    وهم يتخافتون: أي يتشاورون بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى لا يسمع بهم.
    وغدوا على حرد قادرين: أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم المساكين.
    إنا لضالون: أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ولا هي هذه.
    بل نحن محرومون: أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا على حرمان المساكين منها.
    قال أوسطهم: خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا.
    لولا تسبحون: أي تسبحون الله وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين.
    يتلاومون: أي يلوم بعضهم بعضا تندما وتحسرا.
    إنا إلى ربنا راغبون: أي طامعون.
    كذلك العذاب: أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى {إنا بلوناهم} يعني كفار قريش أي امتحناهم واختبرناهم بالآلاء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم بالبلاء والنقم أي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة فتابوا ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلاهم فتابوا إليه ورجعوا إلى طاعته فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة2 إذ أقسموا} -حلفوا- {ليصرمنها مصبحين3} أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى لا يعطوهم شيئا. ولا يستثنون أي لم يستثنوا في حلفهم لم يقولوا إلا أن يشاء الله. {فطاف عليها طائف من ربك} يا رسولنا وهو نار أحرقتها {فأصبحت كالصريم} أي الليل المظلم الأسود الشديد السواد. {فتنادوا مصبحين} أي نادى بعضهم بعضا وهم إخوة كثير في أول الصباح قائلين {اغدوا على حرثكم} إن كنتم فعلا جادين في الصرام هذا الصباح. {فانطلقوا} مسرعين {وهم يتخافتون} يتشاورون في صوت خافت حتى لا
    يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا4 على {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} كما كانوا يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه الله عليه قال تعالى {وغدوا على حرد قادرين} أي وانطلقوا صباحا على حرد أي5 قصد تام قادرين على أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ولا يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين. قال تعالى {فلما رأوها} محترقة سوداء مظلمة {قالوا} ما هذه جنتنا {إنا لضالون6} عنها بأن أخطئنا الطريق إليها، ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليلا اضربوا عن قولهم الأول وقالوا {بل نحن محرومون} أي منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا لله وأداء لحقه. وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا بما أخبر تعالى عنه في قوله {قال أوسطهم ألم7 أقل لكم لولا تسبحون} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا فقلت لكم هلا يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الاستثناء لأن التسبيح تنزيه لله عن الشرك وسائر النقائص ومنها العجز والاستثناء تنزيه لله عن ذلك لأن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه قدرة كقدرة الله الذي إذا قال أفعل فعل ولا يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات الله تعالى فلذا كان الاستثناء تسبيحا لله وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله.
    فلما ذكرهم أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} فنابوا بهذا الاعتراف قال تعالى {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان المساكين وعلى عدم الاستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قالوا يا ويلنا} أي يا هلاكنا احضر {إنا كنا طاغين} أي متجاوزين حدود الله التي حد لنا غفلة منا وجهلا بأنفسنا وبما يعاقب به أمثالنا. وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى الله بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من رحمته فقالوا {عسى8 ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا9 راغبون} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم بسلبها فتابوا
    فهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سيقت هذه القصة تذكيرا وتعليما فهلا يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى {كذلك10 العذاب} أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمر الله وعصاه {ولعذاب الآخرة أكبر} من عذاب الدنيا {لو كانوا يعلمون} فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الآخرة فإنه أبدي لا يحول ولا يزول.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء الصابرون على طاعة الله ورسوله عند الضراء.
    2- مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر.
    3- صلاح الآباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلاح أبيهم الذي كان يتصدق على المساكين من غلة بستانه وعلامة انتفاعهم توبتهم.
    4- مشروعية الاستثناء في اليمين وأنه تسبيح لله تعالى, وأن تركه يوقع في الإثم ولذا إذا حنث الحالف لم يستثن تلوثت نفسه بآثم كبير لا يمحى إلا بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه الأنواع صام ثلاثة أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه.
    __________

    1 الصرم: الجد والقطع، والجز أيضا بالزاي كلها بمعنى القطع والكسر.
    2 قيل أن هذه الجنة "البستان" كانت على فراسخ من صنعاء اليمن وكانت بعد رفع عيسى عليه السلام، كانت لرجل مؤمن يؤدي حق الله تعالى فلما مات صارت لأولاده فعزموا على منع الناس ما كان والدهم يعطيه لمن يحضر الجداد من فقراء ومسامين فعاقبهم الله فاحترقت وفي الآيات بيان بذلك.
    3 في الآية أدب سام وهو أن من كان له من الزرع أو التمر ما يجد، ينبغي أن لا يجده ليلا حتى لا يحرم الفقراء من الآكل منه وأن عليه أن بمنح من يحضر الجداد والقطع شيئا يسيرا من زرعه أو ثمره، وآية سورة النساء ظاهرة في هذا وهي قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) إلى قوله (فارزقوهم منه) الآية.
    4 في الآية دليل على أن العزم الأكيد يؤاخذ عليه العبد لأن أصحاب الجنة عزموا على أن يحرموا الفقراء فعاقبهم الله على عزمهم.
    5 الحرد: يطلق على المنع وعلى القصد القوي وعلى السرعة والغضب أيضا وجملة وغدوا إلخ حالية.
    6 لا داعي إلى تفسير لضالون بالضلال الذي هو خروج عن طاعة الله تعالى بل المراد من الضلال هو عدم اهتدائهم إلى جنتهم بأن ضلوا طريقها.
    7 الاستفهام تقريري، ولولا للتحضيض.
    8 قيل أنهم تعاقدوا وقالوا إن بدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما يصنع أبونا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله ما هو خير منها، سئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل لقد كلفتني تعبا***!
    9 قرأ نافع أن يبدلنا بتشديد الدال، وقرأ حفص بالتخفيف من أبدل يبدل الرباعي.
    10 قيل إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله تعالى لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أي كفعلنا نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا.

    ****************************** **

    إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم (34) أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (38) أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذلك زعيم (40) أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين (41) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون (43)

    شرح الكلمات:
    إن للمتقين1: أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحدوه فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي.
    عند ربهم جنات النعيم: أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل.
    أفنجعل المسلمين كالمجرمين: أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين في العطاء والفضل والجواب لا، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
    أم لكم كتاب فيه تدرسون: أي تقرأون فعلمتم بواسطته ما تدعون.
    إن لكم فيه لما تخيرون: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
    أم لكم أيمان علينا بالغة: أي ألكم عهود منا موثقة بالأيمان لا نخرج منها ولا نتحلل إلى يوم القيامة.
    إن لكم لما تحكمون: أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم كما تشاءون.
    سلهم بذلك أيهم زعيم: أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون.
    أم لهم شركاء: أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه وحكموا به لأنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة.
    يوم يكشف عن ساق: أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
    ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
    وقد كانوا يدعون إلى السجود: أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهم سالمون من أية علة ولا يصلون
    وهم سالمون حتى لا يسجدوا تكبرا وتعظيما.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إن 2للمتقين3} الآيات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} أي جنات كلها نعيم لاشيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى {أفنجعل4 المسلمين} الذين أسلموا لله وجوههم وأطاعوه بكل جوارحهم {كالمجرمين} الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة، فنسوي بينهما وثانيها قوله:
    ما لكم؟ أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف تحكمون أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله {أم لكم كتاب فيه تدرسون} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به لأنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون إن لكم فيه لما تخيرون أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا. لا وخامسها قوله {أم لكم5 أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان لا نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سلهم أيهم6 بذلك زعيم} أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله {أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك. بهذه الاستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في
    في تصحيح دعواهم الباطلة عقلا وشرعا. وقوله تعالى {7يوم يكشف عن ساق} 8 أي اذكر لهم يا رسولنا مبينا واقع الأمر يوم القيامة، ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم يعظهم الهول ويشتد الكرب، ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن ومؤمنة ساجدا ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فلا يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقا واحدا أي عظما واحدا فلا يقدر على السجود وذلك علامة شقائه المترتب على نفاقه في الدنيا. ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيمانا واحتسابا ممن كان يسجد نفاقا ورياء فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح عظما واحدا خاشعة أبصارهم لا تطرف من شدة الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون معافون في أبدانهم ولا يسجدون تكبرا وكفرا بالله ربهم وبشرعه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير أن المجرمين لا يساوون المؤمنين يوم القيامة إذ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فمن زعم أنه يعطى ما يعطاه المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في قوله.
    2-بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى إلى السجود لله فلا يسجد أي إلى الصلاة فلا يصلي تكبرا وكفرا.
    __________

    1 المتقون هم الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وعبدوه وحده فأطاعوه وأطاعوا رسوله فلم يشركوا ولم يفسقوا.
    2 إن للمتقين استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟ فأجيب: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم: واللام لام الاستحقاق، وإضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من شوك ونحوه.
    3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: قالت كفار مكة إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون فنزلت: أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟
    4 الهمزة للاستفهام الإنكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع والتوبيخ00 وكذا سائر الاستفهامات في هذه الآيات.
    5 أم لكم للإضراب الانتقالي من دليل إلى آخر والاستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب والتقريع.
    6 الاستفهام هنا مستعمل للتهكم.
    7 جائز أن يكون يوم يكشف متعلق بقوله فليأتوا بشركائهم ويكون من باب حسن التخلص من الرد على المشركين إلى ذكر أهوال بوم القيامة.
    8 لولا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: إذ يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يكشف ربنا عن ساقه فبسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا". لقلنا في الآية أنها كناية عن أهوال يوم القيامة ولكن مع صحة الحديث فالآية دالة على أهوال يوم القيامة ومثبتة صفة ذات الرب تبارك وتعالى عن صفات المحدثين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #851
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (846)

    سورة الحاقة
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 416الى صــــ 421)

    فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (44) وأملي لهم إن كيدي متين (45) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51) وما هو إلا ذكر للعالمين (52)

    شرح الكلمات:
    ذرني ومن يكذب: أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
    بهذا الحديث: أي بالقرآن الكريم.
    سنستدرجهم: أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
    وأملي لهم: أي وأمهلهم.
    إن كيدي متين: أي شديد قوي لا يطاق.
    فهم من مغرم مثقلون: أي فهم مما يعطونكه مكلفون حملا ثقيلا.
    أم عندهم الغيب: أي اللوح المحفوظ.
    فهم يكتبون: أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
    ولاتكن كصاحب الحوت: أي يونس في الضجر والعجلة.
    وهو مكظوم: أي مملوء غما.
    بالعراء: أي الأرض الفضاء.
    وهو مذموم: لكن لما تاب نبذ وهو غير مذموم.
    فاجتباه ربه: أي اصطفاه.
    ليزلقونك بأبصارهم: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
    وما هو إلا ذكر: أي محمد صلى الله عليه وسلم.
    للعالمين: أي الأنس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون.
    معنى الآيات:
    بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله {فذرني1} أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم، والمراد من الحديث القرآن الكريم2 {سنستدرجهم} أي نستنزلهم درجة درجة {من حيث لا يعلمون} حتى ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى {وأملي لهم إن كيدي3 متين} أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق، وقوله تعالى {أم4 تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك.
    أم عندهم5 الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون6 منه ما هم يقولون به ويقرونه والجواب لا إذا فأصبر يا رسولنا لحكم 7 ربك فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس بن متى أي في الضجر وعدم الصبر. إذ نادى وهو8 مكظوم أي مملوء غما فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب الله عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربه أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
    وقوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أي وإن يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم {لما سمعوا الذكر} أي القرآن نقرأه عليهم. ويقولون إنه لمجنون حسدا لك، وصرفا للناس عنك، وما هو9 أي محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر للعالمين أي يذكر به الله تعالى الإنس والجن فليس هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- رد الأمور إلى الله إذا استعصى حلها فالله كفيل بذلك.
    2-لا يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة.
    3- وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذى يصيب الداعي.
    4- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالمجنون والسحر والكذب.
    __________

    1 الفاء للتفريع والترتيب فما بعدها متفرع عما قبلها مترتب عليه.
    2 وجائز أن يكون المراد من الحديث الإخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الأخبار عن الله وعن الأمم والجنة والنار.
    3 وأملي مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من الملا مقصورا وهو الحين والوقت ومنه الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمن.
    4 أم بمعنى بل للإضراب الانتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر.
    5 إضراب آخر كالأول وفي الكلام حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى {أعنده علم الغيب فهو يرى} من سورة النجم.
    6 الفاء للتفريع.
    7 المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والاضطلاع بأعباء الرسالة.
    8 المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل.
    9 جائز أن يكون الضمير وما هو عائد إلى القرآن وما القرآن إلا ذكر للعالمين الإنس والجن أي ليس هو بكلام مجنون، وجائز أن يكون الضمير عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قالوا فيه إنه مجنون ويكون الذكر بمعنى التذكير بالله والجزاء إذ هذا من فعله صلى الله عليه وسلم.

    *************************
    سورة الحاقة
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحاقة (1) ما الحاقة (2) وما أدراك ما الحاقة (3) كذبت ثمود وعاد بالقارعة (4) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية (5) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية (7) فهل ترى لهم من باقية (8) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة (9) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية (10) إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية (11) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية (12)

    شرح الكلمات:
    الحاقة1: أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة.
    بالقارعة: أم بالقيامة لأنها تقرع القلوب بالخوف والهول.
    فأهلكوا بالطاغية: أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضا.
    بريح صرصر عاتية: أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب.
    حسوما: أي متتابعات الهبوب فلا فاصل كتتابع الكي القاطع للداء.
    كأنهم أعجاز نخل خاوية: أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء.
    والمؤتفكات بالخاطئة: أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلات ذات الخطأ.
    أخذة رابية: أي زائدة في الشدة على غيرها.
    لما طغا الماء: أي علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها.
    حملناكم في الجارية: أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين.
    وتعيها أذن واعية: أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمع.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} 2 أي أي شيء هي3؟ وما أدراك4 ما الحاقة أي أي شيء أعلمك بها، والمراد بها القيامة لأنها حاقة المجيء لا محالة. وقوله تعالى {كذبت ثمود وعاد5 بالقارعة} أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة. فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث والجزاء. فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم
    فأخذتهم صيحة طاغية6، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت على خزانها في الهبوب. سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام 7حسوما أي متتابعات بلا انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع. وقوله تعالى فترى أيها الرسول القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أي فترى القوم في تلك الليالي والأيام صرعى ساقطين على الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء فهل ترى لهم من باقية أي من نسلهم لا شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون، وقوله تعالى {وجاء فرعون ومن قبله} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات8 بالخاطئة أي بالأفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي وبينها بقوله تعالى بقوله {فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} أي زائدة في الشدة على غيرها وقوله تعالى {إنا لما طغا الماء} أي ماء الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح حملناكم في الجارية أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلام وقوله لنجعلها لكم9 تذكرة أي لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة لا تنسى ما هو حق وخير من المعاني.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2- بيان أن كلا من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم الله به.
    3-بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي والأخروي.
    4-التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة.
    __________

    1 هي أسم للسورة روى أحمد أن عمر رضي الله عنه قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر (أي في خاطري) فقرأ {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} قلت: في خاطري كاهن, فقرأ {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة فوقع في قلبي كل موقع. وسماها بعضهم (السلسلة) وبعضهم (الداعية) .
    2 الحاقة أسم فاعل من حق الشيء فهو حاق إذا ثبت وقوعه، والظاهر أنها لموصوف محذوف أي الساعة الحاقة أو الواقعة الحاقة، وما في التفسير واضح وأولى.
    3 ما اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم والمعنى الحاقة أمر عظيم لا يدرك كنهه والحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وجملة وما أدراك ما الحاقة معترضة بين جملة الحاقة وكذبت ثمود.
    4 روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة. كل ما ورد في القرآن بلفظ وما أدراك بصيغة الماضي فقد أدراه أي أعلمه به، وكل ما ورد بصيغة المضارع وما يدريك فقد طوي عنه ولم يعلمه به فالأول (وما أدراك ماهية نار حامية) (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) والثاني (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) ....
    5 كذبت ثمود كلام مستأنف بين فيه من كذبوا بالحاقة وهي الفارقة وسميت بالقارعة من قولهم (قوارع الدهر) أي أهواله وشدائده فهي تقرع القلوب.
    6 هي أشبه بصيحة النفخ في الصور وثمود هم قوم صالح ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز وتعرف اليوم بمدائن صالح على أميال من مدينة العلا اليوم. وأما عاد فمنازلهم كانت بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت باليمن وأهلكوا بريح صرصر.
    7 قيل بدأ من صباح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال وكانت في آخر الشتاء.
    8 أي المتقلبات من ائتفك الشيء إذ قلب قراهم الخمسة منع وصعر وعمر ودوما وسدوم وهي القرية العظمى قلبها الملك فجعل عاليها سافلها.
    9 وجائز أن يكون الضمير في ليجعلها عائد إلى العملية عملية إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين تذكرة وموعظة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #852
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (847)

    سورة الحاقة
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 421الى صــــ 424)

    فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة (13) وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14) فيومئذ وقعت الواقعة (15) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية (16) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (17) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18)
    شرح الكلمات:
    نفخة واحدة: أي النفخة الأولى.
    حملت الأرض والجبال: أي رفعت من أماكنها.
    فدكتا دكة واحدة: أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيلا.
    وقعت الواقعة: أي قامت القيامة.
    فهي يومئذ واهية: أي مسترخية ضعيفة القوة.
    على أرجائها: أي على أطرافها وحافاتها.
    ثمانية: أي من الملائكة وهم حملة العرش الأربعة وزيد عليهم أربعة.
    لا تخفى منكم خافية: أي لا تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الدافع إلى فعل الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى {فإذا نفخ في الصور1} أي نفخ اسرافيل في الصور الذي هو البوق أو القرن النفخة الأولى وهو المراد بقوله {نفخة واحدة} ، وقوله تعالى {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا، {فيومئذ وقعت الواقعة} أي قامت القيامة {وانشقت السماء} أي انفطرت وتمزقت {فهي يومئذ واهية} ضعيفة مسترخية. {والملك2على أرجائها} أي على أطرافها وحافاتها، {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} أي ثمانية3 من الملائكة أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية قال تعالى {يومئذ تعرضون4 لا تخفى منكم خافية} أي سريرة مما كنتم تسرون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2-بيان كيفية الانقلاب الكوني لنهاية الحياة الأولى وبداية الحياة الثانية.
    3-تقرير العرض على الله عز وجل للحساب ثم الجزاء.
    __________

    1 الفاء تفريعية لتفريع ما بعدها من تفصيل أحوال الدار الآخرة على ما تقدم من ذكر الحاقة أي القيامة والمكذبين بها وما نالهم من عذاب في الدنيا.
    2 الملك اسم جنس المراد به أعداد هائلة من الملائكة.
    3 قيل هم ثمانية صفوف، وقيل ثمانية أعشار أي نحو ثمانين من عدد الملائكة. وما في التفسير هو الراجح الصحيح.
    4 أصل العرض إمرار الشيء على من يريد التأمل فيه كعرض السلعة على المشتري وكاستعراض الجيوش اليوم والمراد بالعرض الحساب والجزاء.

    *****************************
    فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية (24)
    شرح الكلمات:
    هاؤم: أي خذوا
    إني ظننت: أي علمت.
    راضية: أي يرضى بها صاحبها.
    قطوفها دانية: أي ما يقتطف ويجنى من الثمار.
    بما أسلفتم: أي بما قدمتم.
    في الأيام الخالية: أي الماضية.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى 1 {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول 2هاؤم اقرأوا كتابيه3} أي إنه بعد مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل
    القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأوه إنه مشرق كله ما فيه سواد السيئات، ويعلل لسلامة كتابه4 من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملاق حسابيه لا محالة فلذا لم أقارف السيئات وإن قدر على شيء فقارفته جهلا فأني تبت منه فورا فانمحى أثره من نفسي فلم يكتب علي قال تعالى مخبرا عن آثار نجاحه في سلامة كتابه من السيئات فهو في عيشة راضية. أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنة عالية قطوفها5 أي جناحها وما يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكئ على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من طعام الجنة وشرابها هنيئا ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول {بما أسلفتم} أي قدمتم لأنفسكم {في الأيام الخالية} أي أيام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر ناهين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء أي الإيمان باليوم الآخر.
    2- آثار الإيمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات. وقد علل لذلك بقوله إني ظننت أني ملاق حسابي فلذا لم أعص ربي.
    3-إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الآخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة خيرا أو شرا.
    __________

    1 الفاء لتفصيل ما أجمل فيما تقدمها من الكلام، وفي الكلام إيجاز بالحذف تقديره فيؤتى كل آخذ كتاب أعماله فأما من أوتي كتابه.... الخ والباء للمصاحبة في يمينه وفي إعطاء الكتاب باليمين كرامة وتبشير لصاحبه كقول الشاعر:
    إذا ما راية رفعت لمجد
    تلقاها عرابة باليمين
    2 هاؤم هذا اللفظ وركب من ها ممدود أو مقصور مبني على الفتح ومعناه تعالوا أو خذوا كما في الرباء ها وهاء أي خذ. يقال ها يا رجل اقرأ وللإثنين هاؤما يا رجلان وهاؤم يا رجال. وللمرأة هاء بكسر الهمزة وهاؤما للاثنتين وهاؤمن لجمع الإناث والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف.
    3 قيل نزلت هذه الآية فأما من أوتي كتابه بيمينه الخ.... في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي والآية التالية لها وأما من أوتي كتابه بشماله نزلت في أخيه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والمعنى عام في كل سعيد وشقي.
    4 كتابيه الهاء فيه وفي الأتي بعده هي هاء السكت عند الوقف إلا أنها أبقيت في الوصل والوقف مراعاة للسجع ولعلها تحكي صوت صاحبها يوم القيامة زيادة في التقرير والتوكيد حتى لهجة أحدهم محفوظة لم تتغير.
    5 القطوف جمع قطف بكسر القاف وسكون الكاف.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #853
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة التغابن
    الحلقة (848)

    سورة الحاقة
    مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 425الى صــــ 428)

    وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) ياليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم هاهنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37)
    شرح الكلمات:
    يا ليتني لم أوت كتابية: أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات.
    كانت القاضية: أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى لا أبعث.
    هلك عني سلطانية: أي قوتي وحجتي.
    خذوه: أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر.
    فغلوه: أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل.
    ثم الجحيم صلوه: أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية.
    حميم: أي من قريب ينفعه أو صديق.
    إلا من غسلين: أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لأكلهم شجر الغسلين.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر الذي أوتي كتابه1بيمينه وما له من كرامة عند ربه وفي هذه الآيات ذكر الذي أوتي كتابه بشماله وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى {وأما من أوتي كتابه} 2 أي في عرصات القيامة فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات {يا ليتني لم أوت كتابيه} يتمنى لو أنه لم يعط كتابه ولم يدر3 ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى لا يبعث، ثم يواصل تحسره وتحزنه قائلا {ما أغنى عني ماليه} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه وحسابيه وفي ماليه وسلطانيه يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله {هلك عني سلطانيه} أي ذهبت عني حججي4 فلم أجد ما أحتج به لنفسي قال تعالى للزبانية
    {خذوه5 فغلوه} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثم الجحيم صلوه6} أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي، {ثم في سلسلة} طويلة {ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إلا انه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد قرابة مائة وخمسين ميلا فإن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لابد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم {فاسلكوه} أي ادخلوه فيهل فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى علة هذا الحكم عليه فقال {إنه كان} أي في الدنيا {لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين7} فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بالله ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال {فليس له اليوم هاهنا} أي في جهنم {حميم8} أي صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {ولا طعام إلا من غسلين9} أي وليس له طعام يأكله إلا من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإنهم عندما يأكلون شجر الغسلين يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ما في بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين الذي لا يأكله إلا الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بالله تعالى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها.
    2-المال الذي باع المفلسون فيه الأمة والملة لا يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا.
    3-التنديد بالكفر بالله وأهله.
    4-عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها.
    __________

    1 تقدم أنه أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته هي أم المؤمنين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة وإن الشقي هو الأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة.
    2 أي بشماله ووراء ظهره وهو كتاب سيئاته من الشرك والمعاصي كبيرها وصغيرها.
    3 هذا من عظم ما يشاهد من شدة الحساب وشناعته هذا داخل في حيز متمناتيه، كما هو إشارة إلى أنه كان في الدنيا لا يؤمن بالحساب ولم يدر ما يجري فيه ولذا اصابته الحيرة هنا وألم به الكرب.
    4 عن أبن عباس رضي الله عنهما.
    5 خذوه مقول قول ذكر في التفسير وغلوه أمر من غله يغله إذا وضع الغل وهو القيد الذي يجعل في عنق الجاني.
    6 صلى النار يصلاها إذا أصابه حرها أو استدفأ بها، ويعدى بالتضعييف فيقال صلاه النار وبالهمز أيضا أصلاه يصليه نارا.
    7 الطعام بمعنى الإطعام وضع موضعه كوضع العطاء موضع الإعطاء كما في قول الشاعر:
    أكفرا بعد رد الموت عنى
    وبعد عطائك المائه الرتاعا
    الرتاع الإبل ترتع
    8 الحميم هنا الغريب الذي يرق له ويدفع عنه المكروه، وهو مأخوذ من الماء الجار كأنه الصديق الذي يرق ويحترق قلبه له.
    9 الغسلين فعلين مأخوذ من الغسل كأنه ينغسل في أبدانهم وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وخروجهم قال الضحاك: الغسلين شجر وهو شر الطعام وأبشعه وهو من أطعمة أهل النار مثل الضريع والزقوم وبناء على ما ذكر أن الغسلين مجموع شجر اسمه الغسلين وما تجمع من صديد أهل النار من دم وعرق ونحوه فصدق عليه لفظ الغسلين وهذا من إعجاز القرآن البلاغي.

    ****************************** *

    فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) تنزيل من رب العالمين (43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحد عنه حاجزين (47) وإنه لتذكرة للمتقين (48) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (49) وإنه لحسرة على الكافرين (50) وإنه لحق اليقين (51) فسبح باسم ربك العظيم (52)

    شرح الكلمات:
    بما تبصرون وما لا تبصرون: أي بكل مخلوق في الأرض وفي السماء.
    انه لقول رسول كريم: أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى الله عليه وسلم.
    وما هو بقول كاهن: أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء.
    لأخذنا منه باليمين: أي بالقوة أو لأخذنا بيمينه لنقتله.
    ثم لقطعنا منه الوتين: أي نياط القلب الذي إذا انقطع مات الإنسان.
    حاجزين: أي مانعين وهو خبر ما النافية العاملة عمل ليس وجمع لأن احد يدل على الجمع نحو لا نفرق بين أحد من رسله وبين لا تقع إلا بين اثنين فأكثر.
    وإنه لحسرة على الكافرين: أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به.
    وإنه لحق اليقين: أي الثابت يقينا أو اليقين الحق.
    فسبح باسم ربك العظيم1: أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل سبحان ربي العظيم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى فلا أقسم2 بما تبصرون وما لا تبصرون أي فلا3 الأمر كما ترون وتقولون أيها المكذبون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون من المخلوقات في الأرض وفي السماوات إنه أي القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم أي إنه تبليغه وقوله إليكم وما هو بقول شاعر. كما تقولون كذبا قليلا ما تؤمنون4 أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة فلو كان واسعا لاتسع للإيمان بالقرآن إنه كلام الله ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له نظما ومعنى. وما هو بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلام الكهان لملازمته للصدق والحق والهدى ولبعد قائله عن الإثم والكذب بخلاف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الإثم كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من رب العالمين أيها المكذبون الضالون. وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولو تقول5 علينا بعض الأقاويل ونسبها إلينا لأخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات الإنسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى {فما منكم6 من أحد عنه حاجزين} وقوله تعالى {وإنه} أي القرآن {لتذكرة7} أي موعظة عظيمة للمتقين8 الذين يخافون عقاب الله ويخشون نقمه وعذابه وإنا لنعلم أن 9منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة10 على الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلام والمكذبين به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار
    البوار. وإنه لحق اليقين11 أي اليقين الحق. بعد هذا التقرير في إثبات الوحي والنبوة أمر تعالى رسوله الذي كذب برسالته المكذبون أمره أن يستعين على الصبر بذكر الله تعالى فقال له {فسبح باسم ربك العظيم} أي قل سبحان ربي العظيم منزها اسمه عن تحريفه وتسمية المحدثات به معظما ربك غاية التعظيم إذ هو العلي العظيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-لله تعالى أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الرب تعالى.
    2-تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
    3-وصف الرسول بالكرم وبكرامته على الرب تعالى.
    4-عجز الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكذب على الله تعالى وعدم قدرته على ذلك لو أراده ولكن الذي لا يكذب على الناس لا يكذب على الله كما قال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ردا على أبي سفيان لما قال له لم نجرب عليه كذبا قط..
    5-مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع أو أكثر.
    __________

    1 الباء للمصاحبة والزيادة لتقوية الكلام والتقدير سبح اسم ربك والتقدير نزه اسم ربك في أن يسمى به غيره إذ سمى المشركون العزى بدل العزيز واللات بدل الله وجائز أن يكون اسم مقحما والتقدير فسبح ربك أي نزهه عن الشريك والشبيه وعن كل نقص وهو العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
    2 الفاء للتفريع لإثبات أن القرآن منزل من عند الله تعالى ونفي ما ادعاه المشركون.
    3 هذا بناء على أن لا رد لكلام سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلام أولى من كونها نافية، إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول لا أقسم لأن الأمر لا يحتاج إلى قسم كالمتحرج من الإقسام.
    4 جائز أن يكون لفظ قليلا في الموضعين مرادا به انتفاء ذلك كلية لأنه وقع بقلة، وقليلا صفة لموصوف محذوف أي إيمانا قليلا، وتذكرا قليلا، وما مزيدة لتوكيد الكلام كما في قول الشاعر:
    قليلا به ما يحمدنك وارث
    إذا نال مما كنت تجمع مغنما
    5 التقول نسبة قول إلى من لم يقله، والأقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول.
    6 من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الآية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه لا يلبث طويلا حتى يأخذه الله تعالى.
    7 التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه.
    8 خص المتقون لأنهم هم المنتفعون به لاستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في الطاعة.
    9 في الكلام إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون.
    10 جائز أن يكون الضمير عائدا على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن يكون عائدا على القرآن لأنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من الإيمان وصالح الأعمال.
    11 أي القرآن الكريم بلا خلاف.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #854
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المعارج
    الحلقة (849)

    سورة المعارج
    مكية وآياتها أربع وأربعون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 429الى صــــ 435)

    سورة المعارج
    مكية وآياتها أربع وأربعون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سأل سائل بعذاب واقع (1) للكافرين ليس له دافع (2) من الله ذي المعارج (3) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (4) فاصبر صبرا جميلا (5) إنهم يرونه بعيدا (6) ونراه قريبا (7) يوم تكون السماء كالمهل (8) وتكون الجبال كالعهن (9) ولا يسأل حميم حميما (10) يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه (11) وصاحبته وأخيه (12) وفصيلته التي تؤويه (13) ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه (14) كلا إنها لظى (15) نزاعة للشوى (16) تدعو من أدبر وتولى (17) وجمع فأوعى (18)

    شرح الكلمات:
    سأل سائل: أي دعا داع بعذاب واقع.
    ليس له دافع من الله: أي فهو واقع لا محالة.
    ذي المعارج: أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات.
    تعرج الملائكة والروح إليه: أي تصعد الملائكة وجبريل إلى الله تعالى.
    في يوم كان مقداره خمسين: أي تصعد الملائكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الأرض
    ألف سنة السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف
    سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق.
    إنهم يرونه بعيدا: أي العذاب الذي يطالبون به لتكذيبهم وكفرهم بالبعث.
    يوم تكون السماء كالمهل: أي كذائب النحاس.
    وتكون الجبال كالعهن: أي كالصوف المصبوغ ألوانا في الخفة والطيران بالريح.
    ولا يسأل حميم حميما: أي قريب قريبه لانشغال كل بحاله.
    يبصرونهم: أي يبصر الأحماء بعضهم بعضا ويتعافون ولا يتكلمون.
    وصاحبته: أي زوجته.
    وفصيلته التي تؤويه: أي عشيرته التي تضمه إليها نسبا وتحميه من الأذى عند الشدة.
    إنها لظى نزاعة للشوى1: أي إن جهنم هي لظى نزاعة للشوى جمع شواة جلدة الرأس.
    أدبر وتولى: أي عن طاعة الله ورسوله وتولى عن الإيمان فأنكره وتجاهله.
    وجمع فأوعى: أي جمع المال وجعله في وعاء ومنع حق الله تعالى فيه فلم ينفق منه في سبيل الله.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {سأل2 سائل بعذاب واقع} هذه الآيات نزلت ردا على دعاء النضر بن الحارث ومن وافقه اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم فأخبر تعالى عنه بقوله {سأل سائل بعذاب3 واقع للكافرين ليس له دافع من الله} أي إنه واقع لا محالة إذ ليس له دافع من الله {ذي المعارج} أي صاحب العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات وقوله تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه} أي 4تصعد الملائكة وجبريا إليه تعالى {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق {فاصبر5 صبرا جميلا6} وقوله تعالى {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا} يعني أن المشركين المكذبين يرون العذاب بعيدا لتكذيبهم بالبعث الأخر.
    ونحن نراه قريبا ويبين تعالى وقت مجيئه فقال {يوم تكون السماء كالمهل} أي تذوب فتصير كذائب النحاس {وتكون الجبال كالعهن} أي الصوف المصبوغ خفة وطيرانا بالريح وهذا هو الانقلاب الكوني حيث فني كل شيء ثم يعيد الله الخلق فإذا الناس في عرصات القيامة واقفون حفاة عراة {لا يسأل حميم حميما} لانشغال كل بنفسه كما قال تعالى {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} عن السؤال عن غيره أو عن سؤال غيره وقوله تعالى {يبصرونهم} أي عدم سؤال بعضهم بعضا ليس ناتجا عن عدم معرفتهم لبعضهم بعضا7 لا بل يبصرهم ربهم بهم فيعرف كل قريب قريبه ولكن اشتغاله بنفسه يحول دون سؤال غيره، ويشرح هذا المعنى قوله تعالى يود المجرم أي ذو الإجرام على نفسه بالشرك والمعاصي لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أي أولاده الذكور ففضلا عن الإناث وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه بأن تضمه إلى نسبها والفصيلة العشيرة انفصلت من القبيلة ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه لنتصور عذابا يود المجرم من خوفه منه أن يفتدي بكل شيء في الأرض كيف يكون؟ ومن هنا يرى القريب قريبه ولا يسأله عن حاله لانشغال نفسه عن نفس غيره. وقوله تعالى {كلا8} أي لا قرابة يومئذ تنفع ولا فداء يقبل {إنها} أي جهنم {لظى نزاعة للشوى} أي لجلدة الرأس ولكل عضو غير قاتل للإنسان إذا نزع منه.
    تدعو أي جهنم المسماة لظى تدعو تنادي إلي إلي يا من أدبر عن طاعة الله ورسوله وتركها ظهره فلم يلتفت إليها وتولى عن الإيمان فلم يطلبه تكميلا له ليصبح إيمانا يحمله على الطاعات وجمع الأموال فأوعاها في أوعية9 ولم يؤد منها الحقوق الواجبة فيها من زكاة وغيرها إذ في المال حق غير الزكاة. ومن دعته جهنم دفع إليها دفعا كما قال تعالى {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} نعوذ بالله من جهنم وموجباتها من الشرك والمعاصي.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- حرمة سؤال العذاب فإن عذاب الله لا يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية.
    2-وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلاء فلا تسخط ولا تجزع.
    3-تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    4-عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال.
    5- التنديد بالمعرضين عن طاعة الله ورسوله الجامعين للأموال المشتغلين بها حتى سلبتهم الإيمان والعياذ بالله فأصبحوا يشكون في الله وآياته ولقائه.
    __________

    1 قرأ نافع والجمهور برفع نزاعة وقرأ حفص بنصها.
    2 قرأ نافع سال بدون همزة تخفيفا وقرأ حفص سأل بالهمزة على الأصل.
    3 وإن كانت الباء في بعذاب بمعنى عم فيكون السائل سأل عن العذاب لمن يقع أو متى يقع كقوله تعالى {فاسأل به خبيرا} أي عنه خبيرا وكقول الشاعر:
    فإن تسألوني بالنساء فإنني
    بصير بأدواء النساء طبيب
    ومن بلاغة القرآن تعدية سأل بالباء ليكون صالحا للاستفهام والدعاء والاستعجال.
    4 هذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة.
    5 الفاء للتفريع إذ سبق أن السائل بالعذاب كان مستهزئا مستخفا فلذا أمر الله رسوله بالصبر الجميل على ما يقوله المشركون.
    6 الجملة تعليلية لكل من جملة سأل سائل بعذاب وللأمر بالصبر.
    7 قرأ نافع يومئذ بفتح يومئذ وقرأ الجمهور بكسرها بإضافة عذاب إليها.
    8 كلا حرف ردع وإبطال لكلام سابق.
    9 ومنه الحديث "لا توعى فيوعى عليك" أي لا تمسكي عن الإنفاق فيمسك عليك.

    ******************************

    إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين (22) الذين هم على صلاتهم دائمون (23) والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25) والذين يصدقون بيوم الدين (26) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون (27) إن عذاب ربهم غير مأمون (28) والذين هم لفروجهم حافظون (29) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (30) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (31) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (32) والذين هم بشهاداتهم قائمون (33) والذين هم على صلاتهم يحافظون (34) أولئك في جنات مكرمون (35)

    شرح الكلمات:
    إن الإنسان خلق هلوعا: أي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه وكثير المنع حريصا عليه.
    على صلاتهم دائمون: أي لا يقطعونها أبدا ما داموا أحياء يعقلون.
    حق معلوم: أي نصيب معين عينه الشارع وهو الزكاة.
    للسائل والمحروم: أي الطالب الصدقة والذي لا يطلبها حياء وتعففا.
    يصدقون بيوم الدين: أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء.
    مشفقون: أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية.
    لفروجهم حافظون: أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة.
    أو ما ملكت أيمانهم: أي من السريات من الجواري التي يملكونها.
    فأولئك هم العادون: أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
    لأماناتهم: أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا.
    راعون: أي حافظون غير مفرطين.
    قائمون: أي يقيمون شهاداتهم لا يكتمونها ولا يحرفونها.
    يحافظون: أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والأركان والواجبات والسنن.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى إن الإنسان أي هذا الآدمي المنتصب القامة الضاحك الذي سمي بالإنسان لأنسه
    بنفسه ورؤية محاسنها ولنسيانه واجب شكر ربه هذا الإنسان خلق هلوعا قابلا لوصف الهلع فيه عند بلوغه سن التمييز والهلع مرض نفسي عرضه الذي يعرف به جزعه الشديد متى مسه الشر، ومنعه القوي للخير متى مسه وظفر به. فقد فسر تعالى الهلع بقوله، {إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} . ثم ذكر تعالى ما يعالج به هذا المرض باستثنائه من جنس الإنسان من يتصفون بالصفات الآتية وهي عبارة عن عبادات شرعية بعضها فعل وبعضها ترك من شأنها القضاء على هذا المرض الخطير المسمى بالهلع والذي لا يعالج إلا بما وصف تعالى في قوله:
    1) إدامة الصلاة بالمواظبة عليها ليل نهار إذ قال تعالى {إلا المصلين1 الذين هم على صلاتهم دائمون2} وبشرط أن تؤدى إيمانا واحتسابا وأداء صحيحا بمراعاة شروطها وأركانها وسننها.
    2) الاعتراف بما أوجب الله في المال من حق وإعطاء ذلك الحق بطيب نفس لمن سأل ولمن لم يسأل ممن هم أهل الزكاة والصدقات لقوله {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} .
    3) التصديق الكامل بيوم القيامة وهو البعث والجزاء لقوله تعالى {والذين يصدقون بيوم الدين} .
    4) الاشفاق والخوف من عذاب الله عند عروض خاطر المعصية بترك واجب أو فعل محرم لقوله تعالى {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون} أي دائما وأبدا لأن عذاب ربهم غير مأمون الوقوع.
    5) حفظ الفرج بستره عن أعين الناس ما عدا الزوج وصيانته من فاحشة الزنا واللواط وجلد عميرة أي الاستمناء باليد والمعروف اليوم بالعادة السرية لقوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون} من السراري {فإنهم غير ملومين} في إتيانهم أزواجهم وجواريهم اللائي ملكوهن بالجهاد أو الشراء الشرعي وقوله تعالى {فمن ابتغى} أي طلب ما وراء الزوجة والسرية {فأولئك هم العادون} أي الظالمون الذين تجاوزا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين.
    6) حفظ الأمانات والعهود ومن أبرز الأمانات وأقوى العهود ما التزم به العبد من عبادة الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله والوفاء بذلك حتى الموت زيادة على أمانات الناس والعهود لهم الكل واجب الحفظ والرعاية لقوله {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} أي حافظون.
    7) إقامة الشهادة بالاعتدال فيها بحيث يؤديها ولا يكتمها ويؤديها قائمة لا اعوجاج فيها لقوله تعالى {والذين هم3 بشهاداتهم قائمون} .4
    8) المحافظة على الصلوات الخمس مستوفاة الشروط والأركان من الخشوع إلى الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال في القيام لقوله تعالى {والذين هم على صلاتهم يحافظون} بعد أدائها وعدم قطعها بحال من الأحوال.
    فهذه الوصفة الربانية متى استعملها الإنسان المؤمن تحت إشراف عالم رباني إن وجده وإلا فتطبيقها بدون إشراف ينفع بأذن الله متى اجتهد المؤمن في حسن تطبيقها برىء من ذلك المرض الخطير وأصبح أهلا إكرام الله تعالى في الدار الآخرة قال تعالى في ختام هذه الوصفة {أولئك في جنات مكرمون5} أي أولئك المطبقون لهذه الوصفة الناجحون فيها {في جنات مكرمون} في جوار ربهم اللهم اجعلنا منهم يا غفور يا رحيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بين شر صفات الإنسان وأنها الهلع.
    2-بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي لا فلاح معه ولا نجاح.
    3-انحصار العلاج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية.
    4- وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات.
    5-حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات.
    __________

    1 الاستثناء منقطع أي لكن المصلين الذين وصفهم كيت وكيت وهي ثمان صفات وهي صفات المؤمنين الصادقين.
    2 الدوام على الشيء عدم تركه وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه.
    3 قرأ نافع شهادتهم بالإفراد وقرأ حفص شهاداتهم بالجمع وقراءة الإفراد بمعنى الجمع لأن شهادة اسم جنس تدل على متعدد.
    4 القيام بالشهادة: الاهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى.
    5 والإكرام: التعظيم وحسن اللقاء أي هم مع جزائهم بالجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء. في جنات خبر أولئك ومكرمون خبر ثان.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #855
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة نوح
    الحلقة (850)

    سورة نوح
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 436الى صــــ 439)

    فمال الذين كفروا قبلك مهطعين (36) عن اليمين وعن الشمال عزين (37) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم (38) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون (39) فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون (40) على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين (41) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون (42) يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون (43) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون (44)
    شرح الكلمات:
    قبلك مهطعين؟ : أي نحوك مديمي النظر إليك.
    عزين: أي جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلها قبلهم.
    إنا خلقناهم مما يعلمون: أي من مني قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس.
    على أن نبدلهم خيرا منهم: أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناس خير منهم.
    وما نحن بمسبوقين: أي بعاجزين عن إيجاد ما ذكرنا من إهلاك القوم والإتيان بخير منهم.
    يوم يخرجون من الأجداث: أي من القبور مسرعين إلى المحشر.
    سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون: أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء منصوب كراية أو علم يسرعون.
    ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة.
    ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون: أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى فما للذين1 كفروا قبلك مهطعين يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول ما للذين كفروا من كفار مكة قبلك أي جهتك حيث كنت في المسجد الحرام مهطعين أو مسرعين مديمي النظر إليك عن اليمين وعن الشمال عزين أي عن يمينك وعن شمالك عزين جمع عزة أي جماعة فهم حلق حلق يستمعون إلى قراءتك بحثا عن كلمة يمكنهم أن يشنعوا بها عليك ويجعلونها مطعنا في دعوتك أي سخرية يسخرون بها وبك ويقولون استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم فرد تعالى عليهم منكرا طمعهم الفارغ بقوله {أيطمع كل امرئ2
    منهم أن يدخل جنة نعيم} أي بستان إكرام وتنعم كلا لن يتم هذا لهم ولن يكون وهم أنجاس الأرواح بالشرك والمعاصي، ولفت النظر إلى أصل الخلقة وهي المني القذر والقذر لا يدخل دار السلام فمن أراد الجنة فليزك نفسه وليطهرها بالإيمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدسيها من الشرك والمعاصي وهو ما تضمنه قوله تعالى {إنا خلقناهم3 مما يعلمون} وقوله عز وجل {فلا أقسم برب المشارق والمغارب} أي فلا الأمر كما يتصورون من أنهم لا يبعثون بعد موتهم أقسم برب المشارق الثلاثمائة والستين مشرقا ومغربا حيث الشمس تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في آخر لا تعود إليه إلا بعد سنة في مثل ذلك اليوم فأقسم تعالى بنفسه، والمقسم عليه قوله {إنا لقادرون} أي على أن نهلكهم ونأتي بخير منهم {وما نحن بمسبوقين} أي عاجزين عن ذلك فكيف إذا لا نعيدهم أحياء بعد موتهم يوم القيامة {فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} أي أمر تعالى رسوله أن يتركهم وما يخوضون فيه من اللهو واللعب والباطل في القول والعمل،
    وهو تهديد خفي لهم {حتى يلاقوا} على ما هم عليه من أدران الشرك وأوضار المعاصي يوهم الذي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة وشرح حال اليوم فقال يوم يخرجون من الأجداث أي القبور جمع جدث سراعا أي مسرعين كأنهم إلى نصب4 أي شيء منصوب من راية أو علم أو تذكار يوفضون أي يحشرون مسرعين حال كون أبصارهم خاشعة أي ذليلة من الفزع والخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عجيبة عظيمة. وقوله تعالى {ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} أي هذا هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة الذي أنكروه وكذبوا به هاهو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم وألوان العذاب.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان الحال التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بين ظهراني قريش وما كان يلاقي من أذاهم.
    2- بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإلا فأصل الناس واحد المني القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة الله تعالى ومن عدا الثلاثة فمن ماء مهين ونطفة قذرة.
    3- الاستدلال بالنشأة الأولى على إمكان الثانية.
    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    5- بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تعد كونها باطلا ولهوا ولعبا.
    __________

    1 الاستفهام إنكاري تعجبي من تجمع المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستهزئين بما يسمعون من وعد المؤمنين بالجنة ووعيد المشركين بالنار، ومعنى الآية أي شيء ثبت للذين كفروا في حال إهطاعهم إليك.
    2 هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فما للذين كفروا.
    3 في قوله تعالى {إنا خلقناهم مما يعلمون} ازدراء بهم وتهكم من حالهم إذ يجادلون ويعاندون وهم مخلوقون من نطفة مذرة.
    4 النصب بفتح النون وسكون الصاد: الصنم قرأ نافع نصب بفتح وسكون وقرأ حفص نصب بضم كل من النون والصاد والمعنى واحد وهو الصنم قال الشاعر:
    وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
    لعافية والله ربك فاعبدا

    ***************************
    سورة نوح
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم (1) قال يا قوم إني لكم نذير مبين (2)
    أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون (3) يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون (4)

    شرح الكلمات:
    إنا أرسلنا نوحا إلى قومه: أي أهل الأرض كافة والدليل إغراقهم أجمعين.
    أن أنذر قومك: أي بإنذار قومك.
    إني لكم نذير مبين: أي بين النذارة ظاهرها.
    أن اعبدوا الله: أي وحده بفعل محابه وترك مكارهه ولا تشركوا به شيئا.
    واتقوه: فلا تعصوه بترك عبادته ولا بالشرك به.
    وأطيعون: فيما آمركم به وأنهاكم عنه لأني مبلغ عن الله ربي وربكم.
    يغفر لكم من ذنوبكم: أي ذنوبكم التي هي الشرك والمعاصي فمن زائدة لتقوية الكلام أو هي تبعيضية لأن ما كان حقا لآدمي كمال وعرض لا يغفر إلا بالتوبة.
    ويؤخركم إلى أجل مسمى: أي إلى نهاية آجالكم المسماة لكم في كتاب المقادير فلا يعجل لكم بالعذاب.
    إن أجل الله: أي بعذابكم.
    لايؤخر: إن لم تؤمنوا.
    لو كنتم تعلمون: أي لآمنتم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه} 1 يخبر تعالى لافتا نظر منكري رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش وكفار مكة أن محمدا رسول الله ليس بأول رسول حتى تنكر رسالته، كما أن السورة بجملتها فيها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يلاقي من مشركي قومه إذ نوح عليه السلام قد لاقى ما هو أشد وأطول مدة والآيات ناطقة بذلك وقوله تعالى {أن أنذر قومك} أي أرسلناه بإنذار قومه من قبل أن يأتيهم عذاب أليم2 هو عذاب الدنيا بالاستئصال وعذاب الآخرة بالاستمرار والدوام.
    وقوله تعالى {قال يا قوم إني لكم نذير مبين} أي امتثل نوح أمر ربه وقال لقومه يا قوم إني لكم نذير مبين أي مخوف من عواقب كفركم بالله وشرككم به. {أن اعبدوا3 الله واتقوه وأطيعون} اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا واتقوه فلا تعصوه بترك عبادته ولا بالشرك به، وأطيعون فيما آمركم به وأنهاكم عنه لأني مبلغ عن الله ربي وربكم ولا آمركم إلا بما يكملكم ويسعدكم ولا أنهاكم إلا عما يضركم ولا يسركم فإن تجيبوا لما دعوتكم إليه يغفر لكم4 من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى نهاية آجالكم فلا يعاجلكم بالعقوبة {إن أجل الله} أي بعذابكم إذا جاء لا يؤخر {لو كنتم تعلمون5} أي لو علمتم ذلك لأنبتم إلى ربكم فتبتم إليه واستغفرتموه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير النبوة المحمدية إذ الذي أرسل نوحا يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ومن شاء إلى من شاء.
    2- تقرير التوحيد إذ نوح أرسل إلى قوم مشركين لإبطال الشرك وتحقيق التوحيد.
    3-تقرير معتقد القضاء والقدر لقوله {ويؤخركم إلى أجل مسمى} أي في كتاب المقادير.
    __________

    1 نوح هو ابن لامك بن متوشلخ بن أختون وهو إدريس بن برد بن مهلايل بن أنوش ابن قينان بن شيت بن آدم عليه السلام.
    2 جائز أن يكون العذاب في الدنيا وان يكون عذاب النار يوم القيامة.
    3 أن مفسرة كالتي في قوله أن أنذر قومك.
    4 جائز أن يكون من زائدة لتقوية الكلام وأن تكون تبعيضية إذ بعض الذنوب لا تغفر إلا بالتحلل من أصحابها وهي حقوق الآدميين.
    5 روى أنهم كانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول: رب أغفر لقومي فأنهم لا يعلمون.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #856
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة نوح
    الحلقة (851)

    سورة نوح
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 440الى صــــ 444)

    قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا (5) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا (6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا (7) ثم إني دعوتهم جهارا (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا (12) ما لكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم أطوارا (14) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا (15) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا (16) والله أنبتكم من الأرض نباتا (17) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا (18) والله جعل لكم الأرض بساطا (19) لتسلكوا منها سبلا فجاجا (20)
    شرح الكلمات:
    ليلا ونهارا: أي دائما باستمرار.
    إلا فرارا: أي مني ومن الحق الذي ادعوهم إليه وهو عبادة الله وحده.
    جعلوا أصابعهم في آذانهم: أي حتى لا يسمعوا ما أقول لهم.
    واستغشوا ثيابهم: أي تغطوا بها حتى لا ينظروا إلى ولا يروني.
    وأصروا: على باطلهم وما هم عليه من الشرك.
    يرسل السماء عليكم مدرارا: أي ينزل عليكم المطر متتابعا كلما دعت الحاجة إليه.
    ويجعل لكم جنات: أي بساتين.
    مالكم لا ترجون لله وقارا: أي لا تخافون لله عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده.
    وقد خلقكم أطوارا: أي حالا بعد حال فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة.
    وجعل الشمس سراجا: أي مضيئة.
    أنبتكم من الأرض نباتا: أي أنشأكم من تراب الأرض.
    ثم يعيدكم فيها: أي تقبرون فيها.
    ويخرجكم إخراجا: أي يوم القيامة.
    سبلا فجاجا: أي طرقا واسعة.
    معنى الآيات:
    هذه الآيات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى الله عز وجل إذ هي تمثل عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلاصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة ولنصغ إلى نوح عليه السلام وهو يشكوا إلى ربه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال {رب إني دعوت قومي} وهم أهل الأرض كلهم يومئذ {ليلا ونهارا} أي بالليل وبالنهار إذ بعض الناس لا يمكنه الاتصال بهم إلا ليلا {فلم يزدهم دعائي} 1 إياهم إلى الإيمان بك وعبادتك وحدك {إلا فرارا} مني2 ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك لتغفر لهم {جعلوا أصابعهم في آذانهم} حتى لا يسمعوا ما أقول لهم، {واستغشوا ثيابهم} أي تطغوا بها حتى لايروني ولا ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا في {وأصروا} على الشرك والكفر إصرارا متزايدا عنادا {واستكبروا استكبارا} عجيبا3.
    {ثم إني دعوتهم} إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها {جهارا} أي مجاهرا بذلك {ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا} بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت {فقلت استغفروا ربكم إنه4 كان غفارا يرسل السماء5 عليكم مدرارا} أي ينزل عليكم المطر متتابعا فلا يكون قحط ولا محل {ويمددكم بأموال وبنين} كما هي رغبتكم {ويجعل لكم جنات} بساتين ذات نخيل وأعناب {ويجعل لكم أنهارا6} تجري في تلك البساتين تسقيها.
    ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم {ما لكم لا ترجون لله وقارا} أي ما دهاكم أي شيء جعلكم لا ترجون لله وقارا لا تخافون عظمته وقدرته وكبرياءه {وقد خلقكم أطوارا} ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة الله تعالى فقال لهم {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا} سماء فوق سماء مطابقة لها {وجعل القمر فيهن7 نورا} ينير ما فوقه من السموات وما تحته من الأرض {وجعل الشمس سراجا} وهاجا مضيئا يضيء بوجهه السموات وبقفاه الأرض كالقمر {والله أنبتكم من الأرض نباتا} إذ أصلكم من تراب والنطف أيضا من الغذاء المكون من التراب ثم خلقتكم تشبه النبات وهي على نظامه في الحياة والنماء. {ثم يعيدكم فيها} أي الأرض بعد الموت فتدفنون فيها {ويخرجكم منها} أيضا {إخراجا} يوم القيامة للحساب والجزاء {والله جعل لكم الأرض بساطا} أي مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها والحياة عليها، {لتسلكوا منها سبلا فجاجا} أي طرقا واسعة وهكذا تجول بهم نوح عليه السلام في معارض آيات الله الكونية وكلها داله على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبة للعبادة له عقلا ونفيها عما سواه كانت هذه مشكلة نوح وعرض حاله على ربه وهو أعلم به وفي هذا درس عظيم للدعاة الهداة المهديين جعلنا الله منهم آمين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- رسم الطريق الصحيح للدعوة القائم على الصبر وتلوين الأسلوب.
    2- بيان كره المشركين للتوحيد والموحدين أنهم لبغضهم لنوح ودعوة التوحيد سدوا آذانهم حتى لا يسمعوا وغطوا وجوههم حتى لا يروه واستكبروا حتى لا يروا له فضلا.
    3- استعمال الحكمة في الدعوة فإن نوحا لما رأى أن قومه يحبون الدنيا أرشدهم إلى الاستغفار ليحصل لهم المال والولد.
    4-استنبط بعض الصالحين8 من هذه الآية أن من كانت له رغبة في المال أو ولد فليكثر من الاستغفار الليل والنهار ولا يمل يعطه الله تعالى مراده من المال والولد.
    __________

    1 قرأ نافع دعائي بفتح العين واسكنها حفص.
    2 أي إلا تباعدا عن الإيمان وإعراضا عنه.
    3 إذ قالوا له: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون والحامل لهم على هذا القول الكبر الذي تجاوزوا الحد فيه.
    4 إنه كان غفارا هذا منه عليه السلام ترغيب لهم في التوبة قال الفضيل بن عياض قول العبد أستغفر الله معناه أقلني.
    5 يرسل السماء المراد المطر لا السماء هذا كقول الشاعر:
    إذا نزل السماء بأرض قوم
    رعيناه وإن كانوا غضابا
    6يروى عن الحسن البصري أن رجلا شكا إليه الجدوبة فقال له استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفر الله وقال له آخر ادع الله أن يرزقني ولدا فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئا إن الله يقول في سورة نوح {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} .
    7 أي في السماء الدنيا، إذ يقال أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم.
    8 تقدم انه الحسن البصري رحمه الله تعالى.

    *****************************

    قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا (21) ومكروا مكرا كبارا (22) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا (23) وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا (24)

    شرح الكلمات:
    عصوني: أي لم يطيعوني فيما دعوتهم إليه وأمرتهم به من عبادتك وحدك وترك الشرك
    بك.
    واتبعوا: أي السفلة منهم والفقراء.
    من لم يزد ماله وولده: أي الرؤساء المنعم عليهم.
    إلا خسارا: أي طغيانا وكفرا.
    مكرا كبارا: أي عظيما جدا بأن كذبوا نوحا وآذوه أذى شديدا.
    وقالوا: أي الرؤساء قالوا للسفلة منهم.
    لا تذرن آلهتكم: أي لا تتركن آلهتكم.
    ولا تذرن: أي ولا تتركن كذلك ودا ولا سواعا ولا يغوث ولا يعوق ونسرا.
    وقد اضلوا: أي بالأصنام كثيرا من الناس أمروا بعبادتها.
    معنى الآيات:
    بعد ذلك العرض الكريم الذي تقدم به رسول الله نوح عليه السلام إلى ربه ليعذره ويكرمه تقدم بشكوى مشفوعة بالدعاء بالهلاك على الظالمين {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من1 لم يزده ماله وولده إلا خسارا} أي طغيانا وكفرا. {ومكروا مكرا كبارا2} أي عظيما جدا حيث كانوا يعرضون بنوح وقد يضربونه وهو صابر محتسب وقالوا لبعضهم البعض متواصين بالباطل {لا تذرن آلهتكم} وسموا منها رؤساءها وهم خمسة ود 3وسواع ويغوث ويعوق ونسر وقد أضلوا كثيرا أي من عباد الله حيث ورثوا هذه الأصنام فيهم فتبعهم الناس على ذلك فضلوا ثم دعا عليهم قائلا {ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} قال هذا بعد أن أيس من إيمانهم وعدم هدايتهم لطول ما مكث4 بينهم يدعوهم وهم لا يزدادون إلا كفرا وضلالا.5
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية الشكوى إلى الله تعالى ولكن بدون صخب ولا نصب.
    2- بيان أن السفلة والفقراء يتبعون الرؤساء والأغنياء وأصحاب الحظ.
    3-بيان أن المكر من شأن الكافرين والظالمين.
    4-بيان أن المشركين لضلالهم يطلقون لفظ الآلهة على من يعبدونهم من الأصنام والأوثان.
    5- مشروعية الدعاء على الظالمين عند اليأس من هدايتهم.
    __________

    1 يعني كبراءهم وأغنياءهم وأهل الترف فيهم اللذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولادهم إلا ضلالا.
    2 كبارا: نحو قراء وعجاب وطوال وعمال.
    3 روى البخاري عن ابن عباس: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.
    4 قال ابن عباس: رجا نوح الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا.
    5 من عجيب ما يدعوا إليه الشيطان أن يعوق ونسرا عبدا في القرن الرابع عشر في قرية ليوه حيث كانوا يستسقون بهما، وأن يغوث ويعوق وود وسواع ونسر كانت موزعة بين القبائل العربية وفي يعوق يقول الشاعر:
    يريش الله في الدنيا ويبري
    ولا يبري يعوق ولا يريش


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #857
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الجن
    الحلقة (852)

    سورة الجن
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 445الى صــــ 448)

    مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا (25) وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا (26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (27) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا (28)

    شرح الكلمات:
    مما خطيئاتهم أغرقوا: أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا بالطوفان.
    فأدخلوا نارا: أي بعد موتهم أدخلت أرواحهم النار.
    ديارا: أي من يدور يذهب ويجيء أي لم يبق أحد.
    إن تذرهم: أي أحياء لم تهلكهم.
    إلا تبارا: أي هلاكا وخسارا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {مما خطيئاتهم أغرقوا} 1 يخبر تعالى عن نهاية قوم نوح بعد أن دعا عليهم نوح لما علم بالوحي الإلهي أنهم لا يؤمنون فقال تعالى مما خطيئاتهم أي ومن خطيئاتهم أي بسبب خطيئاتهم التي هي الشرك والظلم والتكذيب والأذى لنوح عليه السلام أغرقوا بالطوفان فلم يبق منهم أحد {فأدخلوا نارا} أي بمجرد ما يغرق الشخص وتخرج روحه يدخل النار في البرزخ.
    وقوله تعالى {فلم 2يجدوا لهم من دون الله أنصارا} وهو كذلك فمن ينصر من يريد هلاكه وخزيه وعذابه. ثم ذكر تعالى دعوة نوح التي كان الطوفان بها والهلاك وهي قوله {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} أي لا تترك ولا تبق على الأرض اليابسة كلها يومئذ من الكافرين بخلاف المؤمنين {ديارا} 3 أي إنسانا يدور أي يذهب ويجيء أي لا تبق من الكافرين أحدا ثم علل لطلبه الهلاك للكافرين فقال {إنك إن تذرهم4 يضلوا عبادك} عن صراطك الموصل إلى رضاك وذلك هو عبادتك وحدك وطاعتك وطاعة رسولك {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا5} أي إلا من يفجر عن دينك ويكفر بك وبرسولك قال نوح هذا لطول التجارب التي عاشها مع قومه إذ عاشرهم قرابة عشرة قرون ثم دعا الله تعالى له ولوالديه ولمن دخل مسجده ومصلاه من المؤمنين والمؤمنات، وأن لا يزيد الظالمين إلا خسارا وهلاكا فقال {رب اغفر لي ولوالدي6 ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} 7.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- هلاك قوم نوح كان بخطاياهم فالخطايا إذا موجبة للهلاك.
    2- تقرير عذاب القبر فقوم نوح ما إن اغرقوا حتى ادخلوا نارا.
    3- مشروعية الدعاء على الظلمة الكافرين والمجرمين.
    4- مشروعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
    5- يستحب البدء غي الدعاء بنفس الداعي ثم يعطف من يدعوا لهم.
    __________

    1 مما خطيئتهم (ما) زائدة والأصل من خطيئتهم ومن تعليلية وما الزائدة لتوكيد معنى التعليل.
    2 الفاء تفريعية.
    3 ديار: اسم مخصوص بالوقوع في النفي يعم كل إنسان وهو مشتق من اسم الدار.
    4 إنك أن تذرهم: الجملة تعليلية.
    5 يريد عند بلوغ الولد سن التكليف لا أنه يفجر ويكفر بمجرد ما يولد وصيغة فعال للمبالغة في الموصوف بالكفر.
    6 اسم أبيه لمك واسم أمه شمخى بنت آنوس.
    7 التبار: الهلاك والخسران.

    ******************************
    سورة الجن
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قل أوحي1 إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2) وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا (3) وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا (4) وأنا ظننا أن لن تقول الأنس والجن على الله كذبا (5) وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (6) وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا (7)

    شرح الكلمات:
    أنه استمع: أي إلى قراءتي.
    نفر من الجن: أي عدد من الجن ما بين الثلاثة والعشرة.
    قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا: أي لبعضهم بعضا قرآنا عجبا أي يتعجب منه لفصاحته وغزارة معانيه.
    يهدي إلى الرشد: أي الصواب في المعتقد والقول والعمل.
    وأنه تعالى جد ربنا: أي تنزه جلال ربنا وعظمته عما نسب إليه.
    ما اتخذ صاحبة ولا ولدا: أي لم صاحبة ولم يكن له ولد.
    سفيهنا: أي جاهلنا.
    شططا: أي غلوا في الكذب بوصفه الله تعالى بالصاحبة والولد.
    على الله كذبا: حتى تبين لنا أنهم يكذبون على الله بنسبة الزوجة والولد إليه.
    يعوذون: أي يستعيذون.
    فزادوهم رهقا: أي إثما وطغيانا.
    أن لن يبعث الله أحدا: أي لن يبعث رسولا إلى خلقه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل أوحي2 إلي أنه استمع نفر 3من الجن} يأمر تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول معلنا
    للناس مؤمنهم وكافرهم أنه قد أوحى الله تعالى إليه نبأ مفاده أن نفرا من الجن ما بين الثلاثة إلى العشرة قد استمعوا إلى قراءته القرآن وذلك ببطن نخلة والرسول يصلي بأصحابه صلاة الفجر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم عامدا مع أصحابه إلى سوق عكاظ.
    وكان يومئذ قد حيل بين الشياطين وخبر السماء حيث أرسلت عليهم الشهب فراجع الشياطين بعضهم بعضا فانتهوا إلى أن شيئا حدث لا محالة فانطلقوا يضربون في مشارق الأرض ومغاربها يتعرفون إلى هذا الحدث الجلل الذي منعت الشياطين بسببه من السماء فتوجه نفر منهم إلى تهامة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بأصحابه فاستمعوا إلى قراءته في4صلاته فرجعوا إلى قومهم من الجن فقالوا {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} فأنزل الله تعالى هذه السورة "سورة الجن" مفتتحة بقوله {قل أوحي إلي أنه استمع5 نفر من الجن} أي أعلن للناس يا رسولنا أن الله قد أوحى إليك خبرا مفاده أن نفرا من الجن قد استمعوا إلى قراءتك فرجعوا إلى قومهم وقالوا لهم {إنا سمعنا قرآنا عجبا} أي يتعجب من فصاحته وغزارة معانيه.
    يهدي إلى الرشد6 والصواب في العقيدة والقول والعمل {فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} وفي هذا تعريض بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم احدى عشرة سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة وهو مكذبون به كارهون له مصرون على الشرك والجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به وحملوا رسالته إلى قومهم وهاهم يدعون بدعاية الإسلام ويقولون {فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد7 ربنا} أي وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وحاشاه وإنما نسب إليه ذلك المفترون.
    {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} هذا من قول الجن واصلوا حديثهم قائلين وأنه كان يقول جاهلونا على الله شططا أي غلوا في الكذب بوصفهم الله تعالى بالصاحبة والولد تقليدا للمشركين واليهود والنصارى {وأنا ظننا أن لن تقول الأنس والجن على الله كذبا} أي وقالوا لقومهم وإنا كنا نظن أن الإنس والجن لا يكذبون على الله ولا يقولون عليه إلا الصدق وقد علمنا الآن أنهم يكذبون على الله ويقولون عليه ما لم يقله وينسبون إليه ما هو منه براء.
    وقالوا {وأنه كان 8رجال من الأنس يعوذون 9برجال من الجن فزادوهم رهقا} يخبرون بخبر عجيب وهو أنه كان رجال من الناس من العرب وغيرهم إذا نزلوا منزلا مخوفا في واد أو شعب يستعيذون برجال من الجن كأن يقول الرجل أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فزاد الإنس الجن بهذا اللجأ إليهم والاحتماء بهم رهقا10 أي إثما وطغيانا. إذ ما كانوا يطمعون أن الإنس تعظمهم هذا التعظيم حتى تستجير بهم. وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا أي وقالوا مخبرين قومهم وأنهم أي الإنس ظنوا كما ظننتم أنتم أيها الجن أن لن يبعث الله أحدا رسولا ينذر الناس عذاب الله ويعلمهم ما يكملهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير النبوة المحمدية وأن محمدا رسول للثقلين الإنس والجن معا.
    2- بيان علو شأن القرآن وكماله حيث شهدت الجن له بأنه عجب فوق مستوى كلام الخلق.
    3- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
    4- تقرير أن الإنس كالجن قد يكذبون على الله وما كان لهم ذلك.
    5- حرمة الاستعانة بالجن والاستعاذة بهم لأن ذلك كالعبادة لهم.
    __________

    1 قرأ نافع بكسر إن في كل ما ورد في سورة الجن ما عدا أنه استمع نفر من الجن وأن المساجد لله ففتح أن وفتحها حفص إلا بعد القول وفإن له نار جهنم.
    2 أصل أوحي ووحي فقلبت الواو همزة كما قلبت في وإذا الرسل أقتت والأصل وقتت، وهو جائز في كل واو مضمومة نحو ورخ وأرخ.
    3 يرى ابن إسحق أن هذا اللقاء بالجن كان عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف، ولا مانع من حصول الخبرين مرة عند عودته من الطائف وتكون هذه الأولى، والثانية هي المذكورة في التفسير.
    4 ما ذكر في التفسير من شأن استماع الجن قراءة الرسول وما أوحى الله تعالى به إلى رسوله في شأن هذه الحادثة هو في مسلم والترمذي.
    5 جملة استمع خبر إن والاسم هو الضمير الشأن والجملة في محل نائب فاعل لأوحي.
    6 الرشد بضم الراء وإسكان الشين والرشد بفتح الراء والشين معا هما الخير والصواب والهدى.
    7 الجد بفتح الجيم: العظمة والجلال ومنه قول أنس كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا: أي عظم وجل وأنه تعالى: قرأ نافع بكسر الهمزة عطفا على قولهم إنا سمعنا قرآنا وقرأ حفص بفتح الهمزة على تقدير آمنا بأنه تعالى جد ربنا.
    8 يجوز فتح أنه وكسرها فمن فتحها جعلها من كلام الجن رادا لها إلى قوله أنه استمع ومن كسرها جعلها مبتدأ في قول الله تعالى.
    9 قال مقاتل أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.
    10 الرهق الخطيئة والإثم وغشيان المحارم، وباستعاذة الإنس بالجن يحصل الإثم والخطيئة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #858
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الجن
    الحلقة (853)

    سورة الجن
    مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 449الى صــــ 453)

    وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا (8) وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا (9) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا (10) وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا (11) وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا (12) وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا (13) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا (14) وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (15)
    شرح الكلمات:
    وأنا لمسنا السماء: أي طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا.
    حرسا شديدا: أي حراسا وحفظة من الملائكة يحفظونها بشدة وقوة.
    وشهبا: أي نجوما يرمى بها الشياطين أو يؤخذ منها شهاب فيرمى به.
    مقاعد للسمع: أي من أجل أن نسمع ما يحدث وما يكون في الكون.
    شهابا رصدا: أي أرصد وأعد لرمي الشياطين وإبعادهم عن السمع.
    رشدا: أي خيرا وصلاحا.
    كنا طرائق قددا: أي مذاهب مختلفة إذا الطرائق جمع طريقة، والقدر جمع قدة وهي الضروب والأجناس المختلفة.
    ولن نعجزه هربا: أي لا نفوته هاربين في الأرض أو في السماء.
    لما سمعنا الهدى: أي القرآن الداعي إلى الهدى المخالف للضلال.
    بخسا ولا رهقا: أي نقصا من حسناته ولا إثما يحال عليه ويحاسب به.
    ومنا القاسطون: أي الجائرون عن قصد السبيل وهو الإسلام.
    تحروا رشدا: أي تعمدوا الرشد فطلبوه بعناية فحصلوا عليه.
    فكانوا لجهنم حطبا: أي وقودا تتقد بهم يوم القيامة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في ما قالته الجن بعد سماعها القرآن الكريم. وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وأنا لمسنا السماء} أي طلبناها كعادتنا {فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا} أي1 ملائكة أقوياء يحرسونها وشهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا. وقالوا: {وأنا كنا نقعد منها} أي من السماء {مقاعد} أي أماكن معينة لهم {للسمع2} أي لأجل الاستماع من ملائكة السماء.
    {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} أي أرصد له خاصة فيرمى به فيحرقه أو يخبله، وقالوا {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} أقول عجبا لهؤلاء المؤمنين من الجن كيف تأدبوا معه الله فلم ينسبوا إليه الشر ونسبوا إليه الخير فقالوا {أشر أريد بمن في الأرض} ولو أساءوا الأدب مثلنا لقالوا أشر أراده الله بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا أي خيرا وصلاحا قالوا هذا لما وجدوا السماء قد ملئت حرسا شديدا وشهبا وهو تفكير سديد ناتج عن وعي وإدراك سليم. وهذا التغير في السماء الذي وجدوه سببه أن الله تعالى لما نبأ رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأخذ يوحي إليه حمى السماء حتى لا يسترق الشياطين السمع ويشوشوا على الناس فيصرفوهم عن الإيمان والدخول في الإسلام وهو الرشد الذي أراد الله لعباده وقالوا {وإنا منا الصالحون} أي المؤمنون المستقيمون على الإيمان والطاعة {ومنا دون ذلك} ضعف إيمان وقلة طاعة، {كنا طرائق قددا} أي مذاهب3 وأهواء مختلفة. {وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} أي إن أراد بنا سوءا ومكروها ولن نعجزه هربا إن طلبنا ما في الأرض أو في السماء. {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به} أي بالقرآن الذي هو هدى الله يهدي به من يشاء من عباده {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا} أي نقصا من حسناته يوم القيامة {ولا رهقا} أي إثما يضاف إلى سيئآته ويعاقب به وهو لم يرتكبه في الدنيا.
    وقالوا {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} أي الجائرون عن قصد السبيل وهو الإسلام. فمن أسلم أي انقاد لله تعالى بطاعته وخلص من الشرك به فهؤلاء تحروا الرشد4 وفازوا به، {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} توقد بهم وتستعر عليهم وعلى الكافرين الجائرين أمثالهم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجود تجانس بين الجن والملائكة لقرب مادتي الخلق من بعضها إذ الملائكة خلقوا من مادة النور، والجن من مادة النار، ولذا يرونهم ويسمعون كلامهم ويفهمونه.
    2- من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون أصحاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    3- ذم الطرق والأهواء والاختلافات.
    4- الإشادة بالعدل وتحري الحق والخير.
    __________

    1 الشهب جمع شهاب ككتاب وكتب وهو ما يؤخذ من الكواكب النارية فيرمى به الجن. والحرس جمع حارس ولم يقل شديدين نحو قولنا السلف الصالح بدل الصالحين. وجمع الحرس أحراس كسلف وأسلاف.
    2 الذين كانوا يسترقون السمع هم مردة الجن وشياطينهم. ومما ينبغي أن يعلم هنا أن الجن هم أولاد الجان المخلوق من مارج من نار وأن الشياطين هم أولاد إبليس وأن من فسق عن أمر الله تعالى وتمرد على شرعه فخبث واشتد خبثه يصبح شيطانا ويلحق بالشياطين الذين لا خير فيهم البتة.
    3 كان منهم اليهودي والنصراني والمجوسي، ولما جاء الإسلام أصبح منهم المسلم وأصبح من المسلمين قدرية ومرجئة وخوارج ورافضة وشيعة لأنهم تابعون للناس في معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم.
    4 تحروا رشدا أي قصدوا طريق الحق وتوخوه، ومنه تحرى القبلة للصلاة. أي طلبها بعناية وقصد للحصول عليها.

    ****************************** *****

    وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا (16) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا (17) وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا (18) وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا (19) قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا (20) قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا (21) قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا (22) إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23) حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا (24)

    شرح الكلمات:
    على الطريقة: أي الإسلام.
    ماء غدقا: أي مالا كثيرا وخيرات كبيرة.
    لنفتنهم فيه: أي نختبرهم أيشكرون أم يكفرون.
    عن ذكر ربه: أي القرآن وشرائعه وأحكامه.
    عذابا صعدا: أي شاقا.
    فلا تدعوا: أي فيها مع الله أحدا.
    عبد لله يدعوه: أي محمد صلى الله عليه وسلم يدعوا الله ببطن نخلة.
    عليه لبدا: أي في ركوب بعضهم بعضا تزاحما لأجل أن يسمعوا قراءته.
    ضرا ولا رشدا: أي غيا ولا خيرا.
    ملتحدا: أي ملتجأ ألجأ إليه فأحفظ نفسي.
    إلا بلاغا: أي لا أملك إلا البلاغ إليكم.
    وأقل عددا: أي أعوانا المسلمون أم الكافرون.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وألو استقاموا على الطريقة} أي وأوحى إلي أن لو استقام هؤلاء المشركون من كفار قريش استقاموا على الإيمان والتوحيد والطاعة لله ولرسوله -وهم يشكون القحط- {لأسقيناهم ماء غدقا1} فتكثر أموالهم وتتسع أرزاقهم، {لنفتنهم فيه} أي لنخبرهم في ذلك الخير الكثير أيشكرون أم يكفرون؟ ثم إن شكروا زادهم، وإن كفروا سلبهم وعذبهم. وقوله تعالى {ومن يعرض عن ذكر ربه} أي القرآن وما يدعوا إليه من الإيمان وصالح الأعمال ولم يتخل عن الشرك وسوء الأفعال {يسلكه عذابا صعدا2} أي ندخله في عذاب شاق في الدنيا بالذل والمهانة والفقر والرذيلة والنذالة. وفي الآخرة في جهنم حيث السموم والحميم، والضريع والزقوم.
    وقوله {وأن المساجد3 لله فلا تدعو مع الله أحدا} أي ومما أوحي إلي أن المساجد لله فإذا دخلتموها للعبادة فلا تدعوا فيها مع الله أحدا إذ كيف البيت له وأنت فيه وتدعوا معه غيره زيادة على أن الشرك محرم وصاحبه في النار فإنه من غير الأدب أن يكون المرء في بيت كريم ويدعو معه غيره من فقراء الخلق أو أغنيائهم وقوله {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} أي وأوحي إلي أنه لما قام عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يدعوا ربه في الصلاة ببطن نخلة كاد الجن أن يكونوا عليه لبدا أي4 كالشيء المتلبد بعضه فوق بعض. وقوله {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا} هذا إجابة لقريش عندما قالوا له صلى الله عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك أي نحفظك فأمر أن يقول لهم إنما أدعوا ربي أي أعبده إلها واحدا ولا أشرك به أحدا.
    وأن يقول أيضا إني لا أملك لكم يا معشر قريش الكافرين ضرا ولا رشدا أي ضلالا ولا هداية إنما ذلك لله وحده يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأمر أن يقول لهم أيضا إني لن يجيرني من الله أحد أن أنا عصيته وأطعتكم، ولن أجد من دونه أي من غيره ملتحدا5 أي ملتجأ التجأ إليه. وقوله إلا بلاغا من الله ورسالاته أي لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا بلاغا من الله ورسالته فإني أبلغكم عنه ما أمرني به وأرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى والخير والفوز وقوله {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} أي يخبر تعالى موعدا أن من يعصي الله بالشرك به وبرسوله بتكذيبه وعدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه وعصيانه نار جهنم خالدين فيها أبدا.
    وقوله {حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا} أي فإن استمروا على شركهم وتكذيبهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من عذاب يوم القيامة فسيعلمون عندئذ من أضعف ناصرا أي من ناصره ضعيف أو قوي، ومن أقل عددا من أعوانه المؤمنون محمد وأصحابه أم هم المشركون المكذبون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الاستقامة على منهج الله تعالى القائم على الإيمان والطاعة لله ورسوله يفضي بسالكه إلى الخير الكثير والسعادة الكاملة في الدنيا والآخرة.
    2- المال فتنة وقل من ينجح فيها قال عمر رضي الله عنه أينما يكون الماء يكون المال وأينما يكون المال تكون الفتنة.
    3- حرمة دعاء غير الله في المساجد وفي غيرها إلا أنها في المساجد أشد قبحا.
    4- الخير والغير والهدى والضلال لا يملكها إلا الله فليطلب ذلك منه لا من غيره.
    5- معصية الله والرسول موجبة لعذاب الدنيا والآخرة.
    __________

    1 غدقا أي واسعا كبيرا، يقال غدقت العين تغدق فهي غدقة إذا كثر ماؤها. وهذا الوعد الإلهي المشروط هو عام في الناس أجمعين وفي كل زمان ومكان وهو كقوله. ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولما استقام السلف الصالح حصل لهم هذا الموعود كاملا.
    2 روى عن ابن عباس أن العذاب الصعد جبل في جهنم يكلفون صعوده وكلما وضعوا أيديهم عليه ذابت. وهو ضرب من أنواع العذاب في دار الشقاء.
    3 جائز أن يكون المراد بالمساجد أعضاء السجود السبعة لحديث إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب أي أعضاء ويقوى هذا الجواز قول عطاء: مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها فلا تذللها لغير خالقها. وما في التفسير أولى بالآية.
    4 اللبد جمع لبدة بكسر اللام وسكون الباء كقربة وقرب وهي ما تلبد بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد وهي الشعر المتراكم في رقبته.
    5 شاهده قول الشاعر:
    يالهف نفسي ولهفي غير مجدية
    عني وما من قضاء الله ملتحد


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #859
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الجن
    الحلقة (854)

    سورة المزمل
    أولها مكي وآخرها مدني1وآياتها عشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 454الى صــــ 457)

    قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا (25) عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27) ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا (28)
    شرح الكلمات:
    قل إن أدري: أي قل ما أدري.
    ما توعدون: أي من العذاب.
    أمدا: أي غاية وأجلا لا يعلمه إلا هو.
    فلا يظهر: أي لا يطلع.
    من ارتضى من رسول: أي فإنه يطلعه.
    رصدا: أي ملائكة يحفظونه حتى يبلغه مع الوحي الذي يبلغه لكافة الناس.
    ليعلم: أي الله علم ظهور أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم.
    أحصى كل شيء عددا: أي أحصى عدد كل شيء.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل إن أدري} أمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا وعنادا أو تكذيبا أمره أن يقول لهم ما أدري أقريب ما وعدكم ربكم به من العذاب بحيث يحل بكم عاجلا أم يجعل له ربي1 أمدا أي غاية وأجلا بعيدا يعلمه هو ولا يعلمه غيره. عالم الغيب2 إذ هو عالم الغيب3 وحده فلا يظهر على غيبه أي لا يطلع على غيبه أحدا من عباده إلا من ارتضى من رسول أي رضيه أن يبلغ عنه فإنه يطلعه مع الاحتياط الكافي حتى لا يتسرب الخبر الغيب إلى الناس {فإنه يسلك4 من بين يديه} الرسول المرتضى ومن خلفه رصدا من الملائكة ثم يطلعه ضمن الوحي الذي يوحي إليه. وذلك ليعلم الرسول5 صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى انه إذا جاءه الوحي كان معه أربعة ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لا يسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من الإنس، فتكون فتنة في الناس وقوله {وأحاط}
    أي الله جل جلاله {بما لديهم} أي بما لدى الملائكة والرسل علما {وأحصى كل شيء عددا} 6 أي وأحصى عدد كل شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-استئثار الله تعالى بعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله.
    2-قد يطلع الله تعالى من ارتضى أن يطلعه من الرسل على غيب خاص ويتم ذلك بعد حماية كاملة من الشياطين كيلا ينقلوه إلى أوليائهم فيفتنوا به الناس.
    3- بيان إحاطة علم الله بكل شيء واحصائه تعالى لكل شيء عدا.
    __________

    1 قرأ نافع ربي بفتح الياء، وقرأ حفص ربي بإسكان الباء ممدودة.
    2 عالم نعت لربي. والغيب: ما غاب عن العبادة، ومعنى عالم الغيب أي العليم بكل ما هو غائب عن أعين الناس كالملائكة والجن وما سيحدث من أحداث في الكون.
    3 قالت العلماء لما تمدح الله تعالى بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوئتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول يطلعه على ما يشاء من غيبه بل هو كافر بالله مفتر عليه لحدسه وتخمينه وكذبه.
    4 فإنه يسلك الخ يعني ملائكة يحفظونه من أن يقرب منه شيطان في صورة الملك فيحفظ الوحي من استراق الشيطان والإلقاء إلى الكهنة.
    5 معنى الآية: ليعلم أي محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما أبلغ هو الرسالة. وفي الكلام حذف تقديره أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ.
    6 عددا منصوب على الحال أو على المصدر أي أحصى وعد كل شيء عددا.

    ******************************
    سورة المزمل
    أولها مكي وآخرها مدني1وآياتها عشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يا أيها المزمل (1) قم الليل إلا قليلا (2) نصفه أو انقص منه قليلا (3) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (4) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا (5) إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا (6) إن لك في النهار سبحا طويلا (7) واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا (8) رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا (9)

    شرح الكلمات:
    يا أيها المزمل: أي المتلفف بثيابه أي النبي صلى الله عليه وسلم.
    قم الليل: أي صل.
    إلا قليلا: أي نصف الليل.
    نصفه أو انقص منه قليلا: أي انقص من النصف إلى الثلث.
    أو زد عليه: أي إلى الثلثين فأنت مخير في أيها تفعل تقبل.
    ورتل القرآن ترتيلا: أي ترسل في قراءته وبينه تبيينا.
    إنا سنلقي عليك قولا: أي قرآنا.
    ثقيلا: أي محمله ثقيلا العمل به لما يحوي من التكاليف.
    إن ناشئة الليل: أي ساعة الليل من صلاة العشاء فما فوق كل ساعة تسمى ناشئة.
    هي أشد وطئا: أي هي أقوى موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن فيها.
    وأقوم قيلا: أي أبين قولا وأصوب قراءة من قراءة النهار لسكون الأصوات.
    واذكر اسم ربك: أي دم على ذكره ليلا ونهارا على أي وجه من تسبيح وتهليل وتحميد.
    وتبتل إليه تبتيلا: أي انقطع إليه في العبادة وفي طلب الحاجة وفي كل ما يهمك.
    لا إله إلا هو: أي لا معبود بحق سواه ولا تنبغي العبادة لغيره.
    فاتخذه وكيلا: أي فوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيك.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {يا أيها المزمل} 2 نادى الرب تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم مذكرا إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لأول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل3 هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له قم الليل4 إلا قليلا أي صل في الليل {نصفه أو 5انقص منه قليلا} إلى الثلث {أو زد عليه} أي على النصف إلى الثلثين وامتثل الرسول أمر ربه فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم.
    ثم خفف الله تعالى عنهم ونزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب وبقى الندب والاستحباب وقوله تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} 6 يرشده ربه إلى أحسن التلاوة وهي الترسل وعدم السرعة حتى يبين الكلمات تبيينا ويترقى القلب في معانيها. وقوله {إنا 7سنلقي عليك قولا ثقيلا} يخبره ربه تعالى بأنه سيلقي عليه قوى ثقيلا هو القرآن فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل إنها فرائض وواجبات أعلمه ليوطن نفسه على العمل ويهيئها لحمل الشريعة علما وعملا ودعوة. وقوله {إن ناشئة 8الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} يخبر تعالى معلما أن ساعات الليل من بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل القيام فيها يجعل السمع يواطيء القلب على فهم معاني القرآن الذي يقرأه المصلي، وقوله وأقوم قيلا أي أبين قولا ولأصوب قراءة من قراءة الصلاة في النهار.
    وقوله {إن لك في9 النهار سبحا طويلا} يخبر تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالا تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل وترتيل القرآن لتفرغه من عمل النهار وقوله {واذكر اسم ربك} أي داوم على ذكره ليلا ونهارا على أي وجه كان الذكر من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل. وقوله {وتبتل إليه} أي إلى الله {تبتيلا} أي انقطع إليه في العبادة إخلاصا له وفي طلب حوائجك، وفي كل ما يهمك من أمر دينك ودنياك وقوله {رب المشرق والمغرب} أي هو تعالى رب المشرق والمغرب أي مالك المشرقين والمغربين {لا إله إلا هو} فلا تنبغي العبادة إلا له ولا تصح الألوهية إلا له أيضا وقوله {فاتخذه وكيلا} أي من كل ما يهمك فإنه يكفيك وهو على كل شيء قدير.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-الندب إلى قيام الليل وأنه دأب الصالحين وطريق المتقربين.
    2-الندب إلى ترتيل القرآن وترك العجلة في تلاوته.
    3-صلاة الليل أفضل من صلاة النهار لتواطىء السمع والقلب فيها على فهم القرآن.
    4-الندب إلى ذكر الله تعالى بأي وجه من صلاة وتسبيح وطلب علم ودعاء وغير ذلك.
    __________

    1 آخرها هو قوله {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر آية منه.
    2 في هذا النداء بهذه الصفة معنى التلطف والتحبب كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي قم أبا تراب ولعبد الرحمن بن صخر أبا هريرة، ولحذيفة بن اليمان يوم الخندق قم يا نومان.
    3 المزمل اسم فاعل والمدثر كذلك من تزمل وتدثر والأصل المتزمل والمتدثر.
    4 كان هذا القيام قبل فرض الصلوات الخمس واستمر بعد فرضها واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته.
    5 الجمهور يقرأ أو انقص بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين، وبعضهم بكسرها أو انقص.
    6 جائز أن يكون الترتيل المأمور به في الصلاة وقيام الليل وفي غيره ذلك من تلاوة القرآن الكريم والترتيل مأخوذ من قولهم ثغر مرتل وهو المفلج الأسنان أي المفرق بينهما فالترتيل هو تفرقة الحروف وعدم جمعها بحيث يخرج كل حرف من مخرجه يفسره قول عائشة رضي الله عنها. في وصف الترتيل لو أراد السامع أن يعد الحروف لعدها لا كسردكم هذا.
    7 هذه الجملة مستأنفة معترضة بين قوله قم الليل وبين قوله إن ناشئة الليل لما كلفه بقيام الليل وكان شاقا أعلمه بأنه هيأه لما هو أشق من قيام الليل وهو حمل الرسالة وإبلاغها.
    8 الجملة تعليلية للأمر بقيام الليل وترتيل القرآن كأنه قال له قم الليل لأن ناشئته التي تنشئها بعد النوم هي أشد مواطأة أي موافقة بين السمع والقلب لتفهم القرآن وأبين للقرآن عند النطق به.
    9 إن لك في النهار الجملة التعليلية لاختيار الليل للقيام دون النهار لأن في النهار أعمالا أخرى يقوم بها المرء وجائز أن يراد أن في النهار متسع للصلاة وتلاوة القرآن.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #860
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المزمل
    الحلقة (855)

    سورة المزمل
    أولها مكي وآخرها مدني1وآياتها عشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 458الى صــــ 462)

    واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا (10) وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا (11) إن لدينا أنكالا وجحيما (12) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما (13) يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا (14) إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا (16) فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا (17) السماء منفطر به كان وعده مفعولا (18) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (19)
    شرح الكلمات:
    واصبر على ما يقولون: أي على ما يقوله لك كفار مكة من أذى كقولهم شاعر وساحر وكاذب.
    واهجرهم هجرا جميلا: أي اتركهم تركا جميلا أي لا عتاب معه.
    وذرني: أي اتركني.
    والمكذبين: أي صناديد قريش فإني أكفكهم.
    أولي النعمة: أي أهل التنعم والترف.
    ومهلهم قليلا: أي انتظرهم قليلا من الزمن حتى يهلكوا ببدر.
    إن لدينا انكالا: أي قيودا وهي جمع نكل وهو القيد من الحديد.
    وطعاما ذا غصة: أي يغص في الحلق هو الزقزم والضريع.
    يوم ترجف الأرض: أي تتزلزل.
    كثيبا مهيلا: أي رملا مجتمعا مهيلا أي سائلا بعد اجتماعه.
    فأخذناه أخذا وبيلا: أي ثقيلا شديدا غليظا.
    فكيف تتقون يوما: أي عذاب يوم يجعل الولدان لشدة هوله شيبا.
    السماء منفطر به: أي ذات انفطار وانشقاق أي بسبب هول ذلك اليوم.
    كان وعده مفعولا: أي وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم كان مفعولا أي كائنا لا محالة.
    إن هذه تذكرة: أي إن هذه الآيات المخوفة تذكرة أي عظة للناس.
    اتخذ إلى ربه سبيلا: أي طريقا بالإيمان والطاعة إلى النجاة من النار ودخول الجنة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تربية الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بأنواع التربية الربانية الخاصة فقال تعالى لرسوله {واصبر1 على ما يقولون} أي كفار قريش من كلام يؤذونك به كقولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وما إلى ذلك، وقوله {واهجرهم هجرا جميلا} يرشد تعالى رسوله إلى هجران كفار قريش وعدم التعرض لهم والهجر الجميل2 هو الذي لا عتاب معه وقوله {وذرني والمكذبين أولي النعمة} أي اتركني والمكذبين من صناديد3 قريش أولي النعمة أي النعم والترف {ومهلهم قليلا} أي أنظرهم ولا تستعجل فإني كافيكهم، ولم يمض إلا يسير حتى هلكوا في بدر على أيدي المؤمنين.
    وقوله تعالى {إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما} أي عندنا للمكذبين بك في الآخرة أنكالا قيودا من حديد وجحيما أي نارا مستعرة محرقة وعذابا أليما أي موجعا وطعاما هو الزقوم والضريع ذا غصة أي يغص في حلق آكله، وعذابا أليما أي موجعا وذلك يحصل لأهله وينالهم يوم ترجف الأرض والجبال، أي تتحرك وتضرب وكانت الجبال كثيبا أي من الرمل مهيلا سائلا بعد اجتماعه. وقوله تعالى {إنا أرسلنا إليكم} أي يا أهل مكة وكل من ورائها من سائر الناس والجن {رسولا شاهدا عليكم} بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة وقوله 4 {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا} أي موسى بن عمران عليه السلام {فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا} أي غليظا شديدا.
    وقوله تعالى مخاطبا الكافرين المكذبين {فكيف تتقون يوما} أي عذاب يوم {يجعل الولدان شيبا} وذلك لهوله وللكرب الذي يقع وحسبه أن السماء منفطر5 به أي منشقة بسبب أهواله. وذلك يوم يقول الرب تعالى لآدم يا آدم ابعث بعث النار أي خذ من كل ألف من أهل الموقف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ولم ينج من كل ألف إلا واحد هنا يشتد البلاء ويعظم الكرب. وقوله {كان وعده مفعولا} أي وعده تعالى بمجيء هذا اليوم كان مفعولا أي كائنا لا محالة وقوله {إن هذه تذكرة} أي إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة وأهوالها تذكرة وعظة وعبرة {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} فليتخذ وهي الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب الصبر على الطاعة وعن المعصية.
    2- الهجر الجميل هو الذي لا عتاب فيه.
    3- تقرير النبوة المحمدية.
    4- تقرير البعث والجزاء.
    __________

    1 لما أمره بالانقطاع إليه بالعبادة أمره بالصبر على ما يقوله خصومه من كفار قريش من طعن فيه وفي أتباعه وفيما جاء به أيضا من الهدى والنور.
    2 الهجر الجميل هو الذي يكتفى فيه بحقيقة الهجران وهي المقاطعة لا غير فليس هناك أذى معها والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه والجهر الجميل الذي لا عتاب معه والصفح الجميل هو الذي لا مؤاخذة معه.
    3 قال مقاتل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة. قالت عائشة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية لم يكن (يسير) حتى وقعت وقعة بدر.
    4 الكلام مستأنف ابتدائي والمناسبة هي التخلص من الأمر بالصبر إلى ذكر وعيد القوم وذكر فرعون بالذات لأنه أهلكه غروره وتكبره كما هي حالة أكابر مجرمي مكة، فسوف يحل بهم ما حل بفرعون من الهلاك.
    5 لم يقل منفطرة بالهاء لأن السماء يذكر ويؤنث أو هو كقولهم امرأة مرضع أي ذات إرضاع، والسماء ذات انفطار.

    ******************************
    إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (20)
    شرح الكلمات:
    أنك تقوم: أي للتهجد.
    أدنى: أي أقل.
    وطائفة: أي وطائفة معك من أصحابك تقوم كذلك.
    والله يقدر الليل والنهار: أي يحصيها ويعلم ما يمضي من ساعات كل منهما وما يبقى.
    علم أن لن تحصوه: أي الليل فلا تطيقون قيامه كله لأنه يشق عليكم.
    فتاب عليكم: أي رجع بكم إلى التخفيف في قيام الليل إذ هو الأصل.
    فا قرأوا ما تيسر: أي صلوا من الليل ما سهل عليكم ولو ركعتين.
    وأقيموا الصلاة: أي المفروضة.
    وآتوا الزكاة: أي المفروضة.
    وأقرضوا الله قرضا حسنا: أي تصدقوا بفضول أموالكم طيبة بها نفوسكم فذلك القرض الحسن.
    وما تقدموا لأنفسكم من خير: أي من نوافل العبادة من الصلاة وصدقة وصيام وحج وغيرها.
    معنى الآيات:
    يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو وطائفة من أصحابه وأنهم يقومون أحيانا أدنى من ثلثي الليل أي أقل ويقومون أحيانا النصف والثلث، كما في أول السورة هذا معنى قوله تعالى {إن1 ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك} وقوله {والله يقدر الليل والنهار} أي يحصي ساعاتهما فيعلم ما مضى من الليل وما بقي من ساعاته، وقوله {علم أن لن2 تحصوه} أي لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو المطلوب. {فتاب عليكم} لذلك وبهذا نسخ قيام الليل الواجب وبقى المستحب يؤدى ولو بركعتين في أي جزء من الليل وكونهما بعد صلاة العشاء أفضل وقوله تعالى {فاقرأوا3 ما تيسر من القرآن} أي صلوا من الليل ما تيسر أطلق لفظ القرآن وهو يريد الصلاة لأن القرآن هو الجزء المقصود من صلاة الليل،، وقوله {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} فذكر فيه تعالى ثلاثة أعذار لهم وهي المرض، والضرب في الأرض4 للتجارة والجهاد في سبيل الله وكلها يشق معها قيام الليل فرحمة بالمؤمنين نسخ الله تعالى هذا الحكم الشاق بقوله {فاقرأوا ما تيسر منه5} ، كرره تأكيدا لنسخ قيام الليل الذي كان واجبا وأصبح بهذه الآية مندوبا.
    وقوله وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي المفروضتين. وقوله وأقرضوا الله قرضا حسنا أي أنفقوا في سبيل الله الذي هو الجهاد فإن الحسنة فيه بسبعمائة وما تقدموا لأنفسكم من نوافل الصلاة والصدقات والحج وسائر العبادات تجدوه عند الله يوم القيامة هو خيرا وأعظم أجرا. وقوله واستغفروا الله من كل ما يفرط منكم من تقصير في جنب الله تعالى إن الله غفور رحيم يغفر لمن تاب ويرحمه فلا يؤاخذه بذنب قد تاب منه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومونه من الليل تهجدا.
    2- نسخ واجب قيام الليل وبقاء استحبابه وندبه6.
    3- وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
    4- الترغيب في التطوع من سائر العبادات.
    5- وجوب الاستغفار عند الذنب وندبه واستحبابه في سائر الأوقات لما يحصل من التقصير.
    __________

    1 هذا هو النصف الأخير من سورة المزمل الذي نزل بالمدينة أما النصف الأول فقد نزل بمكة افتتاح الكلام بهذه الجملة إن ربك يعلم.... الخ مشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أمر به في أول السورة.
    2 هذه الجملة هي المقصودة من الكلام السابق لها إذ كان تمهيدا لها.
    3 أطلق القرآن وأراد الصلاة كقوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فأطلق الصلاة وأراد القراءة وهنا أطلق القراءة وأراد الصلاة تجوزا.
    4 قال طاووس: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.
    5 من هذه الآية أخذ مالك وأحمد والشافعي أن أقل ما يجزء في الصلاة قراءة الفاتحة كاملة، ولا تصح صلاة بدونها للأحاديث الواردة في ذلك وهذا بالنسبة الأمام والمنفرد. وهذا عند القدرة على قراءته وحفظها فإن عجز سبح وركع أي قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
    6 ورد في فضل قيام الليل أحاديث صحاح كثيرة منها قول عبد الله بن عمرو قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وحديث عبد الله بن عمر وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل".


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •