عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 40 من 45 الأولىالأولى ... 30313233343536373839404142434445 الأخيرةالأخيرة
النتائج 781 إلى 800 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #781
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الجاثية - (2)
    الحلقة (776)
    سورة الجاثية
    مكية وآياتها سبع وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 31الى صــــ 36)

    وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
    شرح الكلمات:
    الكتاب: أي التوراة لأنها الحاوية للأحكام الشرعية بخلاف الزبور والإنجيل.
    والحكم: أي الفصل في القضايا بين المتنازعين على الوجه الذي يحقق العدل.
    والنبوة ورزقناهم من الطيبات: أي جعلنا فيهم النبوة كنبوة موسى وهارون وداود وسليمان, ورزقهم من الطيبات كالمن والسلوى وغيرهما.
    وفضلناهم على العالمين: أي على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم.
    إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا: أي لم يخلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ببعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم بغياً بينهم أي حسداً للعرب أولاد إسماعيل أن تكون النبوة فيهم.
    ثم جعلناك على شريعة1 من الأمر: أي ثم جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
    فأتبعها: أي ألزم الأخذ بها والسير على طريقتها فأنها تفضي بك إلى سعادة الدارين.
    ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون: من مشركي العرب ومن ضلال أهل الكتاب.
    إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا: أي إن أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن تفعله مما يوافق أهواءهم إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والأخروي شيئا.
    وإن الظالمين بعضهم أولياء: أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فإنهم لا ينصرون.
    بعض
    والله ولي المتقين: أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم.
    هذا بصائر للناس وهدى: أي هذا القرآن أي أنوار هداية يهتدون به إلى ما يكملهم ويسعدهم، وهدى ورحمة، ولكن لأهل اليقين في إيمانهم فهم الذين يهتدون به ويرحمون عليه أما غير الموقنين فلا يرون هداه ولا يجدون رحمته لأن شكهم وعدم إيقانهم يتعذر معهما أن يعملوا به في جد وصدق وإخلاص.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عليهم حالاً شبيهة بحالهم لعلهم يجدون فيها ما يذكرهم ويعظهم فيؤمنوا ويوحدوا قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي 2 إِسْرائيلَ} أي أعطينا بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل وهو ابن اسحق بن إبراهيم خليل الرحمن آتيناهم {الْكِتَابَ} التوراة {وَالْحُكْمَ} وهو الفقه بأحكام الشرع والإصابة في العمل والحق فيها ثمرة إيمانهم وتقواهم {وَالنُّبُوَّة} فجعلنا منهم أنبياء ورسلاً كموسى وهارون ويوسف وداود وسليمان وعيسى، وفضلناهم 3 على العالمين أي على فرعون وقومه من الأقباط، وعلى من جاور بلادهم من الناس، وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وآتيناهم بينات 4 من الأمر أمر الدين تحملها التوراة والإنجيل {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} الإلهي يحمله القرآن ونبيه فاختلفوا فيما كان عندهم من الأنباء عن نبي آخر الزمان ونعوته وما سيورثه الله وأمته من الكمال الدنيوي والأخروي فحملهم بغي حدث
    بينهم وهو الحسد على الكفر فكفروا به وكذبوه فهذه الآية نظيرها آية البقرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} وكقوله في سورة البينة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} هذه تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهة، ومن جهة أخرى إعلام منه تعالى بأنه سيحكم بينهم ويفصل ويؤدي كل واحد ثمرة كسبه من خير وشر في هذه الحياة وذلك يوم القيامة.
    وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَة 5 مِنَ الْأَمْرِ} أي من أمر ديننا الإسلام الذي هو دين الأنبياء من قبلك فلم تختلف شريعتك في أصولها على شرائعهم، وعليه فاتبعها ولا تحد عنها متبعا أهواء الذين لا يعلمون من زعماء قريش الذين يقدمون لك اقتراحاتهم من الوقت إلى الوقت ولا أهواء ضلال أهل الكتابين من اليهود والنصارى إنهم جهال لا يعلمون هدى الله، ولا ما هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة، ولا هو سبيل العزة والكرامة والدولة والقوة في الدنيا.
    وقوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي إنك إن اتبعت أهوائهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا عنك ولن يكفوك شيئا منه، وقوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي في الدنيا فيتعاونون على الباطل والشر أما في الآخرة فلا ينصر بعضهم بعضا ولا هم ينصرون من قبل أحد والله ولي المتقين، أما المتقون فالله وليهم في الدنيا والآخرة، فعليك بولاية الله، ودع ولاية أعدائه، فإنها لن تغني عنك شيئاً.
    وقوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ 6لِلنَّاسِ} يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ضل وشقي. وقوله {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ 7 لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي أن القرآن الكريم كتاب هداية ورحمة عليه يهتدي المهتدون، ويرحم المرحومون وهم الذين أيقنوا بهدايته ورحمته فعملوا به عقائد وعبادات وأحكاماً وآدابا وأخلاقاً فحصل لهم ذلك كما حصل للسلف الصالح من هذه الأمة، وما زال القرآن كتاب هداية ورحمة لكل من آمن به وأيقن فعمل وطبق بجد وصدق أحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه التي جاء بها وقد كان خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن لقول عائشة رضي الله عنها في الصحيح كان خلقه القرآن.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسداً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقومه من العرب.
    2- بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة.
    ومع هذا اختلفوا في الحق حسداً وطمعاً في الرئاسة وإقامة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.
    3-تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد.
    4- وجوب لزوم تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التنازل عن شيء منها.
    5- تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه.
    6- بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلاح، ولا يتم شيء من هداية الناس وإصلاحهم إلا عليه.
    __________

    1 الشريعة لغة المذهب والملة ويقال لمشرعة الماء أي مشرعة الشاربة شريعة ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالشريعة ما شرع الله لعباده من الدين والجمع شرائع.
    2 ذكر تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطى بني إسرائيل من إفضالات ثم ذكر ما أعطاه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون ذلك جارياً على سنته في إكرام من يشاء من عباده فلا يكون ذلك داعياً إلى إنكار المشركين ولا أهل الكتاب نبوة نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كانوا يعقلون.
    3 بأن جمع الله لهم بين استقامة الدين والخلق وبين حكم أنفسهم بأنفسهم وبين أصول العدل فيهم مع حسن العيش وشمول الأمن والرخاء لهم.
    4 أي علمناهم حججا وعلوما في أمر دينهم ونظام حياتهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير مجتمعهم وعلى سلامته من الشرور والمفاسد.
    5 على للاستعلاء أي التمكن والثبات والشريعة الدين والملة المتبعة والأمر الشأن العظيم والأمر هو أمر الله تعالى الذي أراده لك ولأمتك من الدين المنجي المسعد في الدارين.
    6 البصائر جميع بصيرة وهي إدراك العقل الأمور على حقيقتها شبهت ببصر العين.
    7 القرآن هدى ورحمة لكل من يهتدي بهداه ويتعرض لرحمته العمل به وخص به لذلك أهل اليقين لأنهم القادرون على الأخذ بهدايته والتعرض لرحمته والعمل به.

    ***************************
    أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)
    شرح الكلمات:
    اجترحوا السيئات: أي اكتسبوا بجوارحهم الشرك والمعاصي.
    سواء محياهم ومماتهم: أي محياهم ومماتهم سواء، لا لا المؤمنون في الجنة والمشركون في النار.
    ساء ما يحكمون: أي ساء حكماً حكمهم بالتساوي مع المؤمنين.
    ولتجزى كل نفس بما كسبت: أي وليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر.
    أفرأيت من اتخذ إلهه هواه: أي أخبرني عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه.
    وأضله الله على علم: أي على علم من الله تعالى بأنه أهل للإضلال وعدم الهداية.
    وجعل على بصره غشاوة: أي ظلمة على عينيه فلا يبصر الآيات والدلائل.
    أفلا تذكرون: أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى في الآيات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلاف نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهراً ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلاف جزاء الظالمين والمتقين فقال: أم حسب1 الذين اجترحوا السيئات أي اكتيبوها بجوارحهم، والمراد بها الشرك والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله ربا وإلهاً وبكل ما أمر تعالى بالإيمان به، وعمل الصالحات من إقام الصلاة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون2 أي ساء حكما حكمهم هذا ومعنى هذا أن الله تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد وهو أن يعيش الكافر والمؤمن في هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصي والذنوب والمؤمن على الطاعة والحسنات ثم يموتون ولا يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه، وأسوأ من هذا الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمن وينعم به عليهم. وهذا غرور عجيب، فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم أنه لا يسوى بين بر وفاجر، ولا بين مؤمن وكافر لأن ذلك مناف للعدل والحق والله خلق السموات والأرض بالحق، وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس في هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحا كانت الحسنى له جزاء، ومن كفر وعمل سوءاً كانت جهنم جزاءه، وهو معنى قوله تعالى: {وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ3} أي من خير وشر، وهم لا يظلمون لأن العدالة الإلهية هي التي تسود يوم القيامة وتحكم.
    وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ4 مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت
    إليهما ولا يستمع الى ندائهما. وقوله تعالى {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ 5} أي منه تعالى حيث سبق في علمه أن هذا الإنسان لا يهتدي ولو جاءته كل آية فكتب ذلك عليه فهو كائن لا محالة، وقوله {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي وختم تعالى على سمعه حسب سنته في ذلك فأصبح لا يسمع الهدى ولا الحق كأنه أصم ولا يسمع، وأصبح لا يعقل معاني ما يسمع وما يقال له كأنه لا قلب له، وأصبح لما على بصره من ظلمة لا يرى الادلة ولا العلامات الهادية الى الحق والى الطريق المستقيم المفضي بسالكه إلى النجاة من النار ودخول الجنة. وقوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ} وقد أضله الله والجواب لا أحد. كقوله تعالى من سورة النحل {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن يُضل} أي من أضله الله تعالى حسب سنته في الإضلال وهي أن يدعى العبد إلى الحق والمعروف والخير فيتكبر ويسخر ويحارب فترة يصبح بعدها غير قابل لهداية فهذا لا يهدي أحد بعد أن أضله الله تعالى.
    وقوله تعالى: {أَفَلا تَذَكَّرُونَ 6} أي أفلا تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجو من النار وتدخلوا الجنة في الآخرة.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بطلان اعتقاد الكافرين في أن الناس يحيون ويموتون بلا جزاء على الكسب صالحه وفاسده.
    2- تقرير البعث والجزاء.
    3- موعظة كبيرة في هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات إلى آخرها حتى إن أحد رجال السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى الى هذه الآية فأخذ يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
    4- التنديد بالهوى والتحذير 7 من اتباعه فقد يفضي بالعبد إلى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فيصبح معبوده هواه لا الرب تعالى مولاه.
    5- التحذير من ارتكاب سنن الضلال المفضي بالعبد إلى الضلال الذي لا هداية معه.
    __________

    1 أم للإضراب الانتقالي والاستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي لا يحسب الذين اجترحوا السيئات أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات. والآية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا.
    2 ساء ما يحكمون هذه الجملة تذييل لما قبلها من إنكار حسبانه وما اتصل به من المعاني، والحياة والممات مصدران ميميان من الحياة والموت.
    3 الباء للتعويض لأن ما كسبته النفس لا تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير وشر.
    4 الاستفهام للتعجب من حال هذا الذي اتخذ إلهه هواه والمخاطب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل ذي أهلية لأن يفهم عن الله تعالى من المؤمنين.
    5 على علم أي أضله الله مع ما عنده من العلم الذي لو خلع عن نفسه الكبر والعناد والميل إلى الهوى لاهتدى ونجا وسعد ولكن أو على علم من الله تعالى بأنه ليس أهلاً للهداية كما في التفسير.
    6 قرأ نافع تذكرون بتشديد الذال وقرأه حفص بتخفيفها الأولى على إدغام إحدى التائين في الذال فشددت والثانية على حذف إحدى التائين فخففت.
    7 من الكلمات المأثورة في هذا قولهم ثلاث من المهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #782
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الجاثية - (3)
    الحلقة (777)
    سورة الجاثية
    مكية وآياتها سبع وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 37الى صــــ 41)

    وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
    شرح الكلمات:
    وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا: أي قال منكرو البعث ما هي إلا هذه الحياة، وليس ورائها حياة أخرى.
    نموت ونحيا: أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا.
    وما يهلكنا إلا الدهر: أي وما يميتنا إلا مرور الزمان علينا.
    وما لهم بذاك من علم: أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحي وكتاب إلهي ولا من عقل صحيح.
    إن هم إلا يظنون: أي ما هم إلا يظنون فقط والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم.
    وإذا تتلى عليهم آيتنا بينات: أي وإذا قرئت عليهم الآيات الدالة على البعث والجزاء الأخرى بوضوح.
    ما كان حجتهم: أي لم تكن لهم من حجة إلا قولهم.
    إلا أن قالوا أئتوا بآبائنا: إلا قولهم احيوا لنا آباءنا الذين ماتوا وأتوا بهم إلينا.
    إن كنتم صادقين: إن كنتم صادقين فيما تخبروننا به من البعث والجزاء.
    قل الله يحيكم ثم يميتكم: أي قل لهم يا رسولنا الله الذي يحيكم حين كنتم نطفاً ميتة، ثم يميتكم.
    ثم يجمعكم إلى يوم القيامة: أي ثم بعد الموت يجمعكم إلى يوم القيامة للحساب والجزاء.
    لا ريب فيه: أي يوم القيامة الذي لا ريب ولا شك في مجيئه في وقته المحدد له.
    ولكن أكثر الناس لا يعلمون: أي لا يعلمون تلقيهم العلم عن الوحي الإلهي لكفرهم بالرسل والكتب.
    معنى الآيات:
    تقدم في الآيات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن الله تعالى أبطل ذلك الاعتقاد منكراً له عليهم، وهنا حكى قول منكري البعث بالكلية ليرد عليهم وفي ذلك دعوة لعامة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح للإسعاد والكمال في الحياتين ولله الحمد والمنة فقال عز وجل: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا1 الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ2} أي وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إلا حياتنا هذه التي نحياها وليس ورائها حياة أخرى، إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الأحياء ويحيى أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة أبداً يموت الكبار ويحيى الصغار، وما يهلكنا إلا الدهر أي وما يميتنا ويفنينا إلا مرور الزمان وطول الأعمار وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل وهو تناقض منهم لأنهم إذا سألوا من خلقهم يقولون فينسبون إليه الخلق وهو أصعب ولا ينسبوا إليه الإماتة وهي أهون من الخلق فرد تعالى عليهم مذهبهم "الدهري" بقوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} أي ليس3 لهم على معتقدهم هذا أدنى علم نقلياً كان ولا عقلياً أي يتلقوه عن وحي أوحاه الله إلى من شاء من عباده ولا عن عقل سليم راجح لا ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والأبيض خلاف الأسود وما إلى ذلك من القضايا العقلية التي لا ترد فهؤلاء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ما لهم إلا الظن والخرص وقضايا العقيدة لا تكون بالظن. والظن أكذب الحديث.
    وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي وإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيات القرآن الدالة على البعث والجزاء تدعوهم إلى الإيمان به واعتقاده {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ4} أي لم تكن لهم من حجة يردون بها ما دعوا إليه إلا قولهم5: أئتوا بآبائنا إن كنتم صادقين أي أحيوا لنا آبائنا الذين ماتوا وأحضروهم عندنا إن كنتم صادقين في ما تخبروننا من البعث والجزاء. فقال تعالى في رد هذه الشبهة وبيان للحق في المسألة قل الله يحيكم ثم يميتكم، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب6 فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي قل يا رسولنا لهؤلاء الدهرين المنكرين للبعث الله يحيكم إذ كنتم نطفاً ميته فأحياكم، ثم يميتكم بدون اختياركم فالقادر على الإحياء والإماتة وفعلا هو يحي ويميت لا يحيل العقل أن يحيى أن من أحياهم ثم أماتهم وإنما لم يحيهم اليوم كما طلبتم لأنه لا فائدة من إحيائهم بعد أن أحياهم ثم أماتهم هذا أولاً وثانيا إحياؤهم لكم اليوم يتنافى مع الحكمة العالية في خلق هذه الحياة الدنيا والآخرة إذ خلقوا ليعلموا، ثم يجازوا بأعمالهم خيرها وشرها. ولهذا قال ثم يجمعكم أي أحياء في يوم القيامة للحساب والجزاء وقوله لا ريب فيه أي لا شك في وقوعه ومجيئه إذ مجيئه حتمى لقيام الحياة الدنيا كلها عليه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذا لأمرين الأول أنهم لا يفكرون ولا يتعقلون والثاني أنهم لتكذيبهم بالوحي الإلهي سدوا في وجوههم طريق العلم الصحيح فهم لا يعلمون، ولا يعلمون حتى يؤمنوا بالوحي ويسمعوه ويتفهموه.
    هدية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير البعث والجزاء.
    2- الرد على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل.
    3- بيان أن الكفار لا دليل لهم عقلي ولا نقلي على صحة الكفر عقيدة كان أو عملا.
    4- عدم إحياء الله تعالى للمطالبين بحياة من مات حتى يؤمنوا لم يكن عن عجز بل لأنه يتنافى مع الحكمة التي دار عليها الكون كله.
    5- بيان أن أكثر الناس لا يعلمون وذلك لأنهم كذبوا بالوحي الإلهي في الكتاب والسنة.
    6- بيان أنه لا علم صحيح إلا من طريق الوحي الإلهي.
    __________

    1 هي ضمير القصة والشأن والجملة نموت ونحيا مبينة لجملة ما هي إلا حياتنا الدنيا أي ليس بعد هذا العالم عالم آخر فالحياة هي هذه لا غير.
    2 روي عن أبي هريرة عن النبي صلى لله عليه وسلم أنه قال: "كان أهل الجاهلية يقولون ما يهلكنا إلا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحينا فيسبون الدهر ". قال الله تعالى "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
    3 قال القرطبي كان المشركون أصنافاً منهم هؤلاء ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث ومنهم من يشك بالبعث ولا يقطع بإنكاره.
    4 فإن قيل لم سمى قولهم حجة وليس هو بحجة؟ قيل لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم.
    5 أي أحيوا لنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون.
    6 جملة لا ريب فيه حال يوم القيامة أي لا ريب في وجوده وكونه لا ريب فيه لأنه علة الحياة كلها فلولاه ما كانت هذه الحياة فمن هنا لامعنى للشك فيه بالكلية.

    ****************************** *

    وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُ مْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِي نَ (32)

    شرح الكلمات:
    ولله ملك السموات والأرض: أي خلقا وملكاً وتصرفا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
    يخسر المبطلون: أي ويوم تقوم الساعة التي أنكرها الكافرون يخسر أصحاب الباطل بصيرورتهم إلى النار.
    وترى كل أمة جاثية: أي كل أمة ذات دين جاثية على ركبها تنتظر حكم الله فيها.
    تدعى إلى كتابها: أي إلى كتاب أعمالها فهو الحكم فيها إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر.
    اليوم تجزون ما كنتم تعملون: أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر.
    هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق: أي ديوان الحفظة الذي دونوه من أعمال العقلاء من الناس شاهد عليكم بالحق.
    إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون: أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
    فيدخلهم ربهم في رحمته: أي فيدخلهم في جنته.
    ذلك هو الفوز المبين: أي الفوز البين الظاهر وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
    أفلم تكن آياتي تتلى عليكم: أي يقال لهم ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم.
    فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين: أي عن آيات الله فلم تؤمنوا بها وكنتم بذلك قوما كافرين.
    إن وعد الله حق: أي بالبعث والجزاء العادل يوم القيامة حق ثابت.
    إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين: أي ما كنا مستيقنين بالبعث وإنما كنا نظنه لا غير ولا نجزم به.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} خلقا وإيجاداً وملكاًُ وتصرفا ومن كان هذا وصفه من القدرة والعلم والحكمة لا ينكر عليه بعث العباد بعد موتهم وجمعهم للحساب والجزاء. وقوله ويوم1 تقوم الساعة التي ينكرها المنكرون يومئذ يخسر المبطلون يخسرون كل شيء حتى أنفسهم يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين وقوله تعالى:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً2} أي وترى أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على ركبهم خوفاً وذلاً مستوفزين للعمل بما يؤمرون به. وقوله {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي الذي أنزل على نبيها لتعمل بما جاء فيه من عقائد وشرائع ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي في الدنيا من خير وشر. فإذا حاولوا الإنكار قيل لهم: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، وهو كتاب الأعمال الذي دونته الحفظة وقوله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالهم أي بإثباتها وحفظها وهاهي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم تعملون.
    قال تعالى مفصلا للحكم الناتج عن شهادة الكتاب {فَأَمَّا الَّذِينَ3 آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو الفوز المبين أي إدخاله الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه، النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. هذا جزاء أهل الإيمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم أهل الشرك والمعاصي فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها وإلى ما تدعوا إليه، وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين4 على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي.
    وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي وعده تعالى بالبعث والجزاء حق لابد واقع والساعة آتية لا ريب فيها أي جائية لا محالة ولا ريب في وقوعها بحال من الأحوال قلتم ما ندري ما الساعة متجاهلين لها متعجبين من وقوعها. وقلتم إن نظن إلا مجرد ظن فقط وما نحن بمستيقنين5 بمجيئها، وهذا بالنسبة إلى بعض الناس، وإلا فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث بالكلية وهذا ظاهر في كثير من الناس الذين يؤمنون بالله وبلقائه وهم لا يفترون من المعاصي ولا يقصرون عن فعل الشر والفساد.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة.
    2- تقرير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.
    3- تقرير أن الإيمان والعمل الصالح سبب الفوز، وأن الشرك والمعاصي سبب الخسران المبين.
    4- الظن في العقائد كالكفر بها، والعياذ بالله تعالى.
    __________

    1 ويوم تقوم الساعة: هو ظرف متعلق بيخسر قدم عليه للاهتمام به ويومئذ توكيد ليوم تقوم الساعة.
    2 الأمة الجماعة العظيمة أمرها واحد يجمعهم دين والجثو البروك على الركب في استنفار وهي هيئة الخضوع.
    3 فأما..الخ هذه الفاء عاطفة لمفصل من الكلام على مجمل منه وهو قوله تعالى وترى كل أمة جاثية والبدأ بتفصيل المؤمنين تعجيلاً للمسرة لهم وتنويها لشأن الإيمان والعمل الصالح.
    4 إقحام لفظ (قوما) للدلالة على أن الإجرام صار خلقاً لهم مخالطاً لنفوسهم حتى صار مما يمقتون به ولولا هذا لقال بل كنتم مجرمين، دون ذكر (قوم) والاستفهام في قوله أفلم تكن آياتي للتقرير والتوبيخ.
    5 هذه الجملة تأكيد لجملة إن نظن إلا ظناً، والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول الفعل.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #783
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الأحقاف - (1)
    الحلقة (778)
    سورة الأحقاف
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 42الى صــــ 47)

    وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
    شرح الكلمات:
    وبدا لهم سيئات ما عملوا: أي ظهر لهم في يوم القيامة جزاء سيئات ما عملوه في الدنيا من الشرك والمعاصي.
    وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا ذكروا به وخوفوا منه في الدنيا.
    وقيل اليوم ننساكم: أي وقال الله تعالى لهم اليوم ننساكم أي نترككم في النار.
    كما نسيتم لقاء يومكم هذا: أي مثل ما نسيتم يومكم هذا فلم تعملوا له بما ينجي فيه وهو الإيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
    ومأواكم النار: أي ومحل إقامتكم النار.
    ومالكم من ناصرين: أي من ناصرين ينصرونكم بإخراجكم من النار.
    ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله: أي ذلكم العذاب كان لكم بسبب كفركم واتخاذكم آيات الله هزواً.
    هزواً: أي شيئا مهزؤاً به.
    وغرتكم الحياة الدنيا: أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات.
    ولا هم يستعتبون: أي لا يؤذن لهم في الاستعتاب ليعتبوا فيتوبوا.
    فلله الحمد رب السموات ورب: أي فلله وحده الوصف بالجميل لإنجاز وعيده لأعدائه.
    الأرض
    وله الكبرياء في السموات والأرض: أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء.
    وهو العزيز الحكيم: أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في عرض مشاهد القيامة وبعض ما يتم فيها من عظائم الأمور لعل السامعين لها يتعظون بها فقال تعالى {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ 1يَسْتَهْزِئُون } أي وظهر للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء ظهر لهم وشاهدوا العذاب الذي كانوا إذا ذكروا به أو خوفوا منه استهزأوا به وسخروا منه. وقد حل بهم ونزل بساحتهم وأحاط بهم وقال لهم الرب تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي نترككم في عذاب النار كما تركتم العمل المنجي من هذا العذاب وهو الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي. ومأواكم2 النار أي هي مأواكم ودار إقامتكم {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي وليس لكم من ينصركم فيخلصكم من النار، وعلة هذا الحكم عليهم بينها تعالى بقوله {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُواً3 وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي حكم عليكم بالعذاب والخذلان بسبب اتخاذكم آيات الله الحاملة للحجج والبراهين الدالة على وجود الله ووجوب توحيده وطاعته هزواً أي شيئا مهزواً به، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزخرفها وزينتها، وطول أعماركم فيها فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا ينجيكم من هذا العذاب الذي حاق بكم اليوم. قال تعالى {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} وترك مخاطبتهم إشعاراً لهم بأنهم لا كرامة لله لهم اليوم فلم يقل فاليوم لا تخرجون منها، بل عدل عنها إلى قوله {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لن يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة إليه، إذ لا توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير ممكن في حكم الله وقضائه وهنا تعظم حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم.
    وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ4 السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي رب كل شيء ومليكه حمد نفسه، وقصر الحمد عليه بعد أن أنجز ما أوعد به الكافرين، وذكر موجب الحمد وهو سلطانه القاهر في السموات وفي الأرض، وقوله {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ5} أي العظمة والسلطان {في
    السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} الذي لا يمانع ولا يغالب، الشديد الانتقام، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الحكيم في تدبير خلقه ويتجلى ذلك في إكرام أوليائه برحمتهم، وإهانة أعدائهم بتعذيبهم في دار العذاب النار وبئس المصير.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن الاستهزاء بآيات الله وشرائعه كفر موجب للعذاب.
    2- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل، وكما يدين الفتى يدان.
    3- مشروعية الحمد عند الفراغ من أي عمل صالح أو مباح.
    __________

    1 من أنواع الاستهزاء ما روي أن العاص بن وائل قال لخباب بن الأرت وقد طالبه بدين له عليه لئن بعثت كما تقول لأوتين مالاً وولدا في الآخرة فاقض منه دينك.
    2 التعبير بالمأوى إشارة إلى تأييد الخلود فيها إذ المأوى مكان الإيواء والاستقرار ولا مكان غيره.

    ****************************** ****
    الجزء السادس والعشرون
    سورة الأحقاف1
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)

    شرح الكلمات:
    حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حاميم.
    تنزيل الكتاب: أي تنزيل القرآن.
    من الله العزيز الحكيم: أي من لدن الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه.
    إلا بالحق وأجل مسمى: أي ما خلقنا السماوات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى لفنائهما.
    عما أنذروا معرضون: أي عن ما خوفوا به من العذاب معرضون عنه غير ملتفتين إليه.
    ما تدعون من دون الله: أي من الأصنام والأوثان.
    أروني ماذا خلقوا من الأرض: أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض.
    أم لهم شرك في السموات: أي أم لهم شركة.
    ائتوني بكتاب من قبل هذا: أي منزل من قبل القرآن.
    أو أثارة من علم: أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام.
    إن كنتم صادقين: أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى.
    من لا يستجيب له إلى يوم القيامة: أي لا أحد أضل ممن يدعو من لا يستجيب له في شيء يطلبه منه أبداً.
    وهم عن دعائهم غافلون: أي وهم الأصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون لا يعرفون عنهم شيئاً.
    وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء: أي في يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها.
    وكانوا بعبادتهم كافرين: أي وكانت الأصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {حم} الله أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر معناه إلى الله منزله. وقوله {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي تنزيل القرآن الكريم من لدن الله العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره. وقوله تعالى {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} من العوالم والمخلوقات {إِلَّا بِالْحَقِّ} أي إلا لحكم عالية وليس من باب العبث واللعب، وإلا بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وإنهاء وجودهما لاستكمال الحكمة من وجودهما. وقوله تعالى {وَالَّذِينَ2 كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} 3 يخبر تعالى بأن الذين كفروا بتوحيد الله ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب الله المترتب على كفرهم وشركهم معرضون غير مبالين به, وذلك لظلمة نفوسهم, وقساوة قلوبهم. وقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ4 مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي من الأصنام والأوثان {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي من شي {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} ولو أدنى شرك وأقله, وقوله {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم تشهد5 بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعواكم أنها آلهة تستحق أن تعبد. وقوله تعالى {وَمَنْ6 أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ينفي تعالى على علم تام أنه لا أضل من أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما كان صغيراً أبداً وحقا لا أحد أضل ممن يقف أمام جماد لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق يدعوه ويسأله حاجته وقوله {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ7 غَافِلُونَ} أي وأولئك الأصنام المدعوون غافلون تماما عن داعيهم لا يعلمون عنه شيئا لعدم الحياة فيهم, ولو كانوا يوم القيامة ينطقهم الله ويتبرءون ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم, وهو ما دل عليه قوله تعالى {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ} أي ليوم القيامة كانوا لهم8 أعداء وخصوماً وكانوا بعبادتهم من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسوله المنزل عليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله.
    3- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد.
    4- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعوا من لا يستجيب له أبداً كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاء والتبرك.
    __________

    1 وجه تسميتها بالأحقاف لذكر لفظ الأحقاف فيها ولم يكن لها اسم غيره والأحقاف جمع حقف بكسر الحاء وسكون القاف الرمل المستطيل الكبير.
    2 هذه الجملة حالية فهي في موضع نصب حال من الضمير المقدر في متعلق الجار والمجرور في قوله: (بالحق) والمقصود من الإخبار هو التعجب من إعراض الكافرين عن دعوة الحق التي يدعون إليها وهي: الإيمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك, والمعاصي لنجاتهم وسعادتهم.
    3-(عما أنذروا) جائز أن تكون (ما) موصولة, والعائد محذوف أي: أنذروه وجائز أن تكون مصدرية أي: عن إنذارهم معرضون.
    4-(قل أرأيتم) : الاستفهام تقريري هو بمعنى: أخبروني, وفعل أروني للتعجيز لإبطال دعوى الشرك بالله تعالى, والعاجز عن خلق شيء كيف يستحق العبادة, والتأليه, و (ماذا خلقوا) هو بمعنى ماذا الذي خلقوا أي: أي شيء خلقوه.
    5-(من علم) أي: من أهل العلم السابقين غير ومكتوبة في الكتب، وهذا التوسيع عليهم في أنواع الحجج ليكون عجزهم بعد ذلك أقطع لحجتهم وإبطال دعواهم في الشرك. ذكر القرطبي عند تفسير: (أو أثارة من علم) أن بعضهم فسر الأثارة: بالخط، وإن نبيا كان يخط، والمراد التعرف إلى علم الغيب، وختم القول بكلمة لابن العربي أنهى بها الموضوع، إذ قال: إن الله تعالى لم يبق في الأسباب الدالة على الغيب إلا الرؤية إذ هي جزء من النبوة، والفأل الحسن لا غير وأنشد لبعضهم:
    الفال والزجر والكهان كلهم
    مضللون ودون الغيب أقفال
    6-الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، والمعنى: لا أحد أشد ضلالاً وأعجب حالاً ممن يدعون ... الخ
    7- الجملة حالية، وجملة: (وإذا حشر الناس) معطوفة عليها.
    8- فالعابدون كالمعبودين سواء في التبرؤ من بعضهم بعضا يوم القيامة وإعلان العداء لبعضهم بعضاً.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #784
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الأحقاف - (2)
    الحلقة (779)
    سورة الأحقاف
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 48الى صــــ 52)

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
    شرح الكلمات:
    وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات: أي أهل مكة من كفار قريش، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات.
    قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    هذا سحر مبين: أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس.
    أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه.
    قل إن افتريته: أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي.
    فلا تملكون لي من الله شيئا: أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني.
    هو أعلم بما تفيضون فيه: أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي القرآن.
    كفى به شهيداً بيني وبينكم: أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم.
    ما كنت بدعاً من الرسل: أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون.
    وما أدري ما يفعل بي ولا بكم: أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي، أو أقتل، وهل
    ترجمون بالحجارة أو يخسف بكم.
    إن أتبع إلا ما يوحى إلي: أي ما أتبع إلا ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به.
    وما أنا إلا نذير مبين: أي وما أنا إلا نذير لكم بين الانذار.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي على كفار قريش {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا {لَلْحَقُّ1} وهو القرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله {أَمْ يَقُولُونَ2 افْتَرَاهُ} أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه. وقوله تعالى {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد الانتقام مني بتعذيبي، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى، فهذا لن يكون مني أبداً. وقوله تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ3 فِيهِ} أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون في مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص. {كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ4} أي كفى بالله شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي كلا بما عمل {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّ5حِيمُ} لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب. وقوله تعالى في الآية (9) {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً 6مِنَ الرُّسُلِ} يأمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم {مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر علي أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة. وقوله {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ7 بِي وَلا بِكُمْ} أي وقل لهم أيضاً أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم. وقوله {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أتبع إلا الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو قوله أو عمله, فلا أحدث ولا أبتدع شيئا لم يوح الله به أبداً {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا, ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه.
    __________

    1-(للحق) اللام تعليلية. وليست للتعدية, أي: قال الكافرون بعضهم لبعض لأجل رد الحق وإبطاله, هذا سحر مبين, والحق: القرآن, يصفونه بالسحر حتى لا يؤمنوا به.
    2-(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل, والاستفهام أي: أيقولون افتراه والاستفهام وبل للإضراب الانتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضلالهم, والاستفهام للنفي والإنكار معاً.
    3-(تفيضون فيه) أي: من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق, إذ الإفاضة في الشيء: الخوض فيه والاندفاع, ومنه: أفاضوا في الحديث: إذا اندفعوا يقولون, وأفاض الناس من عرفات إلى مزدلفة, أي اندفعوا.
    4 إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون.
    5 الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين.
    6 البدع: الأول: والبديع كالبدع بكسر الباء مثل: نصف ونصيف, وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه أي بما لم يأت به غيره, والبديع: صفة مشبهة, وهو من أسماء الله تعالى, ومعناه: خالق الأشياء ومخترعها.
    7 هذا رد على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يكن في وسعه من أمور الغيب, وليس معناه كما قيل: إنه لا يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في النار, ولا يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة, إذ هذا قول باطل. وأما حديث عثمان بن مظعون في البخاري" فإنه لما قالت المرأة رحمة الله عليك يا أبا السائب إن الله أكرمك فقال لها: وما يدريك أن الله أكرمه فإني وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي" فإن المراد منه عدم الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض الأمر إلى الله تعالى.

    ****************************
    قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)
    شرح الكلمات:
    قل أرأيتم: أي أخبروني ماذا تكون حالكم.
    إن كان من عند الله: أي إن كان القرآن من عند الله.
    وكفرتم به: أي وكذبتم به أي بالقرآن.
    وشهد شاهد من بني إسرائيل: أي وشهد عبد الله بن سلام.
    على مثله فآمن: أي عليه إنه من عند الله فآمن.
    واستكبرتم: أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين.
    لو كان خيرا ما سبقونا إليه: أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والدين خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون.
    وإذ لم يهتدوا به: أي بالقرآن العظيم.
    فسيقولون هذا إفك قديم: أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأوليين.
    وهذا كتاب مصدق: أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته.
    لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا: أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين.
    وبشرى للمحسنين: وهو أي القرآن بشرى لأهل الإحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.
    ثم استقاموا: أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات.
    فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة.
    بما كانوا يعملون: أي جزاهم الله بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهمالأعمال الفاسدة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين {أَرَأَيْتُمْ} 1 أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله. وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على2 مثله أي على التوراة أنها نزلت من
    عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سيما والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً, بدلالتهما معا ًعلى أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد. {ِفَآمَنَ} هذا الشاهد3 {وَاسْتَكْبرتم} أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم4 الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإلهية وقوله تعالى في الآية (11) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها, وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين. وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قول {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ5 آمَنُوا} أي في شأن الذين قالوا لو كان الإسلام خيراً ما6 سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا.
    وقوله تعالى {وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن7 فسيقولون {هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله.
    وقوله تعالى {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا8 عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه.
    وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينذر9 به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب الله المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بشرى للمحسنين من المؤمنين الذين احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا10} بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقب على ذلك بذكر المحسنين وأعمالهم على نهج الترهب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا الله أي آمنوا وصرحوا بإيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج لا إله إلا الله فعبدوا الله بما شرع وتركوا عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلاء يخبر تعالى عنهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة فهم آمنون في الحيوات الثلاث، وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم أصحابها الخالدون فيها، وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من الإيمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا.
    2- تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه, إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم.
    3- بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته.
    4- وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر.
    5- فضل الإستقامة11 حتى قيل أنها خير من ألف كرامة, والإستقامة هي التمسك بالإيمان والعبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة.
    __________

    1 الاستفهام تقريري للتوبيخ, ومفعولا (رأيتم) محذوفا ن تقديرهما: أنفسكم ظالمين.
    2 المثل: المماثل أي: المشابه في فعل أو صفة, وضمير مثله: عائد على القرآن, وجائز أن يكون المراد بالمثل: التوراة, والشاهد هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام كما في التفسير, وجائز أن يكون لفظ (مثل) مقحماً زائد نحو: (ليس كمثله شيء) أي: ليس مثله شيء, ويكون المعنى. وشهد شاهد- وهو عبد الله بن سلام- على صدق القرآن وكونه وحي الله أوحاه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    3- لا حاجة إلى أن نقول الشاهد هو موسى عليه السلام بحجة أن السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة، إذ من الجائز أن تكون السورة مكية والآيات مدنية، وهو الحق في هذا والله أعلم.
    4- الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو: ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.
    5- اللام تعليلية أي: قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.
    6- ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وشمية وزنيرة على وزن شريرة، وسكيرة: أمة رومية كانت من السابقين إلى الإسلام.
    7- المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن: قالوا هذا إفك قديم.
    8- كلمة (لساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قروناً عديدة.
    9- قرأ نافع (لتنذر) بالتاء الفوقية حطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ حفص (لينذر) بالياء أي القرآن.
    10- ثم للتراخي الرتبي, إذ الإيمان يحصل بالنظر والتأمل دفعة واحدة وأما الإستقامة فتحتاج إلى مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك..
    11- روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قل آمنت بالله ثم استقم".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #785
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الأحقاف - (3)
    الحلقة (780)
    سورة الأحقاف
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 52الى صــــ 58)

    وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
    شرح الكلمات:
    ووصينا الإنسان بوالديه: أي أمرناه أمراً مؤكداً بالإيصاء.
    إحسانا1: أي أن يحسن بهما إحسانا وهو المعاملة بالحسنى.
    حملته أمه كرها ووضعته كرها: أي حملته أثناء حمله في بطنها على مشقة وولدته كذلك على مشقة.
    وحمله وفصاله ثلاثون شهرا: أي مدة حمله في بطنها وفطامه من الرضاع ثلاثون شهرا.
    حتى إذا بلغ أشده: أي اكتمال قوته البدنية والعقلية وهي من الثلاث والثلاثين فما فوق.
    رب أوزعني أن أشكر نعمتك: أي ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك بصرفها فيما تحب.
    وأن أعمل صالحا ترضاه: أي وبأن أعمل صالحا ترضاه مني أي تتقبله عني.
    ونتجاوز عن سيئاتهم: أي فلا نؤاخذهم بها بل نغفرها.
    في أصحاب الجنة: أي في جملة أصحاب الجنة وعدادهم.
    وعد الصدق الذي كانوا يوعدون: أي في مثل قوله تعالى وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار الآية.
    معنى الآيات:
    إن الفرد كالجماعة فقد أوصى تعالى الإنسان بالإحسان بوالديه وببرهما في جميع كتبه وعلى ألسنة كافة رسله, والإنسان بعد ذلك قد يحسن ويبر وقد يسئ ويعق, فكذلك الجماعة والأمة من الناس يرسل إليهم الرسول فمنهم من يؤمن ومنهم من يكذب, ومنهم من يتابع ومنهم من يخالف فلما ذكر تعالى اختلاف قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإيمان بما جاء به, والكفر به ذكر أن هذه الحال
    الإنسان فقال تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ2} أي جنس الإنسان أي أمرناه بما هو آكد من الأمر وهو الوصية بوالديه أي أمه وأبيه إحسانا بهما وذلك بكف الأذى عنهما وإيصال الخير بهما وطاعتهما في المعروف وببرهما أيضا بعد موتهما. فمن الناس من ينفذ هذه الوصية ومنهم من يهملها ولا ينفذها وقوله، حملته أمه كرها ووضعته كرها بيان لوجوب الإحسان بهما وبرهما إذ معاناة الأم وتحملها مشقة الحمل تسعة أشهر ومشقة الوضع وهي مشقة لا يعرفها إلا من قاسى آلامها كالأمهات. وقوله {وَحَمْلُهُ3 وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} بيان لمدة تحمل المشقة إنها ثلاثون شهرا بعضها للحمل وبعضها للإرضاع والتربية وقوله تعالى حتى إذ بلغ أي عاش حتى إذا بلغ أشده أي اكتمال قواه البدنية والعقلية وذلك من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين وبلغ أربعين4 سنة قال أي الإنسان البار بوالديه المنفذ للوصية الإلهية كأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ بلغ الأربعين من عمره بعد البعثة المحمدية بسنتين. {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} 5 وهي نعمة الإيمان والتوحيد والإسلام علي وعلى والدي إذ آمن وآمن أبواه أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي وآمنت أمه أم الخير سلمى، وأولاده عامة من بنين وبنات ولم يحصل لأحد من الصحابة أن سأل ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلى والديه بالإسلام، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه، وقد استجاب له ربه فأعتق تسعة أعبد مؤمنين من استرقاق الكافرين لهم منهم بلال رضي الله عنه، وقوله {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أي اجعل الصلاح ساريا في ذريتي حتى يشملهم جميعا وقد استجاب الله تعالى له فآمن أولاده أجمعون ذكورا وإناثا، وقوله {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هذا توسل منه رضي الله عنه لقبول دعائه فقد توسل إلى ربه بالتوبة من الشرك والكفر إلى الإيمان والتوحيد، وبالإسلام إلى الله وهو الخضوع لله والانقياد لأمره ونهيه. وقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ6 مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} فلا يؤاخذهم بها بعد توبتهم منها في جملة أصحاب الجنة إذ لا يدخل الجنة أحد إلا بعد مغفرة ذنبه، وقوله {وَعْدَ الصِّدْقِ7}
    أي أنجز لهم هذا لأنه وعد صدق وعدهم فأنجزه لهم، وقوله {الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} أي في الكتاب مثل قوله تعالى {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} الآية.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب البر بالوالدين بطاعتهما في المعروف والإحسان بهما بعد كف الأذى عنهما.
    2- الإشارة إلى أن مدة الحمل قد تكون ستة أشهر فأكثر، وأن الرضاع قد يكون حولين فأقل.
    3- جواز التوسل بالتوبة إلى الله والانقياد له بالطاعة.
    4- فضيلة آل أبي بكر الصديق على غيرهم من سائر الصحابة ما عدا آل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    5- بشارة الصديق وأسرته بالجنة، إذ آمنوا كلهم وأسلموا أجمعين وماتوا على ذلك.
    __________

    1 قرأ نافع (حسناً) و (كرهاً) بفتح الكاف, وقرأ حفص (إحساناً) و (كرهاً) بضم الكاف.
    2- روي من عدة طرق أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
    3- وحمله وفصاله ثلاثون شهراً هذه الآية الكريمة مع قوله تعالى من سورة البقرة: {وَالْوَالدات يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} دلتا على أن أقل مدة الحمل: ستة أشهر، فلا يثبت الحمل بأقل من ستة أشهر ويثبت بالستة والسبعة والثمانية والتسعة، فمن بنى بامرأة وولدت قبل ستة أشهر من البناء بها فالولد لا يلحق الزوج.
    4- لم خص الدعاء للوالدين في هذا الوقت بالذات؟ لأنه وقت يصبح فيه الولد مشغولا بزوجة وأولاد وتكاليف فهو في هذه الحال أحوج ما يكون إلى عون الله تعالى على بر والديه.
    5- من بركة صلاح الذرية أن يدعو الولد لوالده بعد موته ففي صحيح الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعوا له) .
    6- قرأ نافع: (يتقبل) و (يتجاوز) بالبناء للمفعول، و (أحسن) مرفوع نائب فاعل، وقرأ حفص بنون المتكلم فيهما ونصب (أحسن) على أنه مفعول به.
    7- الوعد: مصدر بمعنى المفعول كالرد بمعنى المردود.

    ****************************** **
    وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُ مْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
    شرح الكلمات:
    والذي قال لوالديه: الذي اسم موصول استعمل استعمال الجنس فدل على متعدد بدليل الخبر عنه وهو أولئك الذين حق عليهم القول.
    أفٍ لكما: أي نتناً وقبحاً لكما.
    أن اخرج: أي من القبر حيا بعد موتي.
    وقد خلت القرون: أي مضت الأمم قبلي ولم يخرج منها أحد من قبره.
    وهما يستغيثان الله: أي يطلبان الغوث برجوع ولدهما إلى الإيمان بعد الإلحاد والكفر.
    ويلك آمن: أي يقولان له إن لم ترجع ويلك أي هلاكك أي هلكت آمن بالبعث.
    إن وعد الله حق: وقد وعد العباد بالرجوع إليه ومحاسبتهم على أعمالهم ومجازاتهم بها.
    فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين: أي ما القول بوجود بعث للناس أحياء بعد الموت إلا أكاذيب الأولين.
    أولئك الذين حق عليهم القول: أي وجب عليهم القول بالعذاب يوم القيامة.
    في أمم قد خلت من قبلهم: أي في جملة أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس.
    ولكل درجات مما عملوا: أي ولكل من المؤمنين البارين، والكافرين الفاجرين درجات مما عملوا درجات المؤمنين في الجنة ودرجات الكفار في النار.
    أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا: أي يقال لهم أذهبتم طيباتكم باشتغالكم بملذاتكم في الدنيا.
    واستمتعتم بها: أي تمتعتم بها في الحياة الدنيا.
    فاليوم تجزون عذاب الهون: أي جزاؤكم عذاب الهوان.
    بما كنتم تستكبرون في الأرض: أي تتكبرون في الأرض.
    بغير الحق: أي إذ لا حق لكم في الكبر والكبرياء لله، ولم يأذن لكم فيه.
    وبما كنتم تفسقون: أي تخرجون عن طاعة الله ورسوله.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى الرجل المؤمن وأعماله الصالحة ومواقفه المشرفة ذكر هنا الرجل الكافر وأعماله الباطلة ومواقفه السيئة وذلك من باب الدعوة إليه تعالى للترغيب والترهيب فقال تعالى {وَالَّذِي1 قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي 2 أَنْ أُخْرَجَ 3وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} يخبر الله تعالى عن أخبث إنسان هو ذاك الملحد العاق لوالديه المنكر للبعث والجزاء إذ قال لوالديه أمه وأبيه أف لكما أي نتناً وقبحا لكما أتعدانني بأن أخرج من قبري حياً بعد ما مت، وقد مضت أمم وشعوب قبلي، وما خرج منها أحد من قبره فكيف تعدانني أنتما ذلك إن هذا لتخلف عقلي وتأخر حضاري وقوله تعالى {وَهُمَا 4يَسْتَغِيثَانِ اللهَ} أي ووالداه يستغيثان الله ويستصرخانه طلبا إغاثتهما بهداية ولدهما الملحد الشيوعي، ويقولان للولد ويلك أي هلاكك حضر يا ولد هلكت آمن بالبعث والجزاء وصل وصم واترك الزنا والخمر ويلك إن وعد الله حق أي إن ما وعد الله به عباده من إحيائهم للحشر والحساب والجزاء حق فلا يتخلف أبدا فيرد عليهما الولد الملحد الدهري ابما أخبر تعالى به عنه في قوله فيقول {مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ5} أي أكاذيبهم التي كانوا يعيشون عليها ويقصونها في مجالسهم، وبما أن الذي قال لوالديه لفظه مفرد ولكنه دال على جنس كان الخبر جمعا فقال تعالى في الإخبار عنهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ6 حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي القول بالعذاب الدال عليه قوله تعالى {لأمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ، وفي قوله {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} أي في جملة أمم سبقتهم في الإلحاد والكفر من العالمين عالم الجن وعالم الإنس وقوله {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ7} وأي خسران أعظم من عبد يخسر نفسه وأهله ويعش في جهنم خالدا فيها أبدا. وقوله تعالى {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ8 مِمَّا عَمِلُوا} أي ولكل من المؤمنين البارين والكافرين العاقين درجات مما عملوا من خير أو شر إلا أن درجات المؤمنين في الجنة تذهب في علو متزايد ودرجات الكافرين في النار تذهب في سفل متزايد إلى أسفل سافلين. وقوله تعالى {وَلِيُوَفيهم9 أَعْمَالَهُمْ} كاملة غير منقوصة الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهم لا يظلمون بنقص حسنة ولا بزايدة سيئة. وقوله تعالى {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين يوم يعرضون على النار ويقال لهم في توبيخ وتقريع {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} أي بإقبالكم على الشهوات والملاذ ناسين الدار الآخرة فاستمتعتم بكل الطيبات ولم تبقوا للآخرة شيئا {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي الهوان {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} إذ لاحق لكم في الكبر لضعفكم وعجزكم إنما الكبرياء لله الملك الحق أما أنتم فقد ظلمتم باستكباركم عن الإيمان بربكم ولقائه وعن طاعته {وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} أي وبفسقكم عن طاعة ربكم وطاعة رسوله. إذاً فادخلوا جهنم داخرين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- حرمة عقوق الوالدين وأنها من الكبائر.
    2- بيان حنان الوالدين وحبهما لولدهما وبذل كل ما يقدران عليه من أجل إسعاده وهدايته.
    3- التحذير من الانغماس في الملاذ والشهوات والاستمتاع.
    4- التحذير من الكبر والفسق وأن الكبر من أعمال القلوب والفسق من أعمال الجوارح.
    5- مدى فهم السلف الصالح لهذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا} .
    1) قرأ يزيد حتى بلغ {وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} ثم قال تعلمون والله إن أقواما يسترطون حسناتهم استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوة إلا بالله.
    2) روي أن عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا, ولكن استبقي طيباتي.
    وذكر أنه لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله, قال هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال له خالد بن الوليد لهم الجنة, فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه وقال لئن كان حظنا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا.
    __________

    1 قيل: إن هذه الآية نزلت في أحد ابني أبي بكر الصديق عبد الرحمن أو عبد الله وأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك، ومن قال به رد اسم الإشارة (أولئك الذين حق عليهم القول..) إلى من طالب الولد بإحيائهم ممن ماتوا على الشرك لأن كلا من عبد الله وعبد الرحمن قد أسلم وحسن إسلامه استجابة الله دعوة أبي بكر.
    2-(أتعدانني) الاستفهام للإنكار والتعجب.
    3-(أن أخرج) أي: من قبري حياً بعد موتي وفنائي, إنكاراً منه للبعث الآخر.
    4- وقد أجاب الله دعاء أبي بكر وزوجه أم الرمان حيث أسلم ابنهما رضي الله عنهم أجمعين.
    5-(أساطير الأولين) أي: أحاديثهم وما سطروه مما لا أصل له.
    6- الإشارة هنا إلى أولئك الذين ذكرهم ابن أبي بكر كعبد الله بن جدعان وعثمان بن عمرو ومشايخ قريش فقال أين فلان وأين فلان إنكاراً منه للحياة بعد الموت.
    7- خسروا أعمالهم حيث ضاع سعيهم في الحياة الدنيا وخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
    8-(ولكل) التنوين عوض أي: لكل من الفريقين المؤمنين والكافرين الأبرار والفجار درجات مما عملوا, وهي مراتبهم التي لهم في الجنة أو في النار.
    9- قرأ الجمهور (ولنوفيهم) بالنون وقرأ حفص (وليوفيهم) بالياء.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #786
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الأحقاف - (4)
    الحلقة (781)
    سورة الأحقاف
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 58الى صــــ 64)

    وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)

    شرح الكلمات:
    واذكر أخا عاد: أي نبي الله هودا عليه السلام.
    إذ أنذر قومه بالأحقاف: أي خوف قومه عذاب الله بوادي الأحقاف.
    وقد خلت النذر: أي مضت الرسل.
    من بين يديه ومن خلفه: أي من قبله ومن بعده إلى أممهم.
    ألا تعبدوا إلا الله: أي أنذروهم بأن لا يعبدوا إلا الله.
    إني أخاف عليكم: أي إن عبدتم غير الله.
    عذاب يوم عظيم: أي هائل بسبب شرككم بالله وكفركم برسالتي.
    أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا: أي لتصرفنا عن عبادتها.
    فأتنا بما تعدنا: أي من العذاب على عبادتها.
    إن كنتم من الصادقين: أي في أنه يأتينا قطعا كما تقول.
    قل إنما العلم عند الله: أي علم مجيء العذاب ليس لي وإنما هو لله وحده.
    وأبلغكم ما أرسلت به إليكم: أي وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم.
    ولكني أراكم قوما تجهلون: أي حظوظ أنفسكم وما ينبغي لها من الإسعاد والكمال وإلا كيف تستعجلون العذاب مطالبين به.
    فلما رأوه عارضا: أي رأوا العذاب سحابا يعرض في الأفق.
    مستقبل أوديتهم: أي متجها نحو أوديتهم التي فيها مزارعهم.
    قالوا هذا عارض ممطرنا: أي قالوا مشيرين إلى السحاب هذا عارض ممطرنا.
    بل هو ما استعجلتم به: أي ليس هو بالعارض الممطر بل العذاب الذي استعجلتموه.
    ريح تدمر كل شيء: أي ريح عاتية تهلك كل شيء تمر به.
    بأمر ربها: أي بإذن ربها تعالى.
    فأصبحوا لا يرى إلا مساكتهم: أي أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق إلا مساكنهم.
    كذلك نجزي القوم المجرمين: أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عاداً قوم هود وهو الهلاك الشامل نجزي المجرمين من سائر الأمم.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى {وَاذْكُرْ} أي لقومك للعبرة والاتعاظ {أَخَا عَادٍ} وهو هود عليه السلام والأخوة هنا أخوة نسب لا دين. إذ كره {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} إذ خوفهم عذاب الله إن لم يتوبوا إلى الله ويوحدوه، والأحقاف وادي القوم1 الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرة وعُمان جنوب الجزيرة العربية. وقوله {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ2 مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه} أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده في أممهم. أي لم يكن هود أول نذير، ولا أمته أول أمة أنذرت العذاب وقوله {لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ} أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن لا يعبدوا إلا الله، وهو بمعنى لا إله إلا الله التي دعا إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته فهي أمر بعبادة الله وترك الشرك فيها، وقوله {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة، فكان رد القوم ما أخبر تعالى به في قوله {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا3} أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أي من العذاب {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فيما4 توعدنا به وتهددنا، فأجابهم هود عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه بقوله {قَالَ} أي هود {إِنَّمَا 5الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ} أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما هو لله منزله، فمهمتي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ6} أي بما يضركم وما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإلا كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة والسعادة لا العذاب والشقاء قوله تعالى7 {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي فلما رأى قوم هود العذاب متجها نحو أوديتهم التي بها مزارعهم ومنازلهم {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ8 مُمْطِرُنَا} أي هذا سحاب يعرض في السماء ذاهباً صوب وادينا ليسقينا، وهو معنى قوله {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي ممطر أراضينا المصابة بالجفاف الشديد. قال تعالى {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} أي ليس بالسحاب الممطر بل هو العذاب الذي طالبتم به لجهلكم وخفة أحلامكم، وبينه بقوله {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي تحمل في ثناياها العذاب الموجع، تدمر كل شيء تمر به فتهلكه {بِأَمْرِ رَبِّهَا} أي بإذنه وقد أتت عليهم عن آخرهم ولم ينج إلا هود والذين آمنوا معه برحمة من الله خاصة، {فَأَصْبَحُوا لا9 يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} أي لا يرى الرائي إذا نظر إليهم إلا مساكنهم خالية ما بها أحد. قال تعالى {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ10 } أي كهذا الجزاء بالدمار والهلاك نجزي المجرمين أي المفسدين أنفسهم بالشرك والمعاصي.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان سنة الله في الأمم في إرسال الرسل إليهم.
    2- وبيان مهمة الرسل وهي النذارة والبلاغ.
    3- بيان سفه وجهل الأمم التي تطالب بالعذاب وتستعجل به.
    4- بيان أن عاداً أهلكت بالريح الدبور، وأن نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر بريح الصبا كما في الحديث الصحيح.
    5- بيان سنة الله تعالى في إهلاك المجرمين وهم الذين يصرون على الشرك والمعاصي.
    __________

    1 الأحقاف: جمع حقف بكسر وسكون: الرمل العظيم المستطيل.
    2 جائز أن تكون (النذر) جمع نذارة، وكونها الرسل هو الذي عليه المفسرون.
    3 الاستفهام إنكاري والإفك، بفتح الهمزة الصرف، وبالكسر الكذب أو أسوأه.
    4 جواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدمه وهو: (فأتنا بما تعدن) ولفظ الصادقين، أبلغ في الوصف مما لو قالوا، إن كنت صادقاً.
    (ال) في (العلم) للاستغراق العرفي أي: علم كل شيء، ومنه علم وقت مجيء العذاب.
    6 أي: تجهلون صفات الله تعالى وحكمة إرسال الرسل، وتجهلون حتى ما ينفعكم وما يضركم وإلا فكيف تطالبون بالعذاب، كما في التفسير.
    7 الفاء هنا: للتفريع فما ذكر بعدها متفرع عما تقدمها من قصة هود مع قومه.
    8 العارض: السحاب الذي يعترض جو السماء، والاستقبال التوجه نحو الشيء ليكون قبالته.
    9- قرأ الجمهور ومنهم نافع: (لا ترى) بالتاء المفتوحة، وقرأ حفص وغيره (لا يرى) بالياء والبناء للمجهول، والمراد بالمساكن: آثارها وبعض الجدران الشاخصة منها.
    10- في الآية دليل على إفساد الإجرام وأنه سبب كل هلاك، وحقيقته: أنه إفساد الروح بالشرك والمعاصي فعلا وتركاً.

    ****************************** **

    وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)

    شرح الكلمات:
    ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه: أي ولقد مكنا قوم عاد من القوة التي لم نمكنكم أنتم من مثلها.
    وجعلنا لهم سمعا وأبصاراً: وجعلنا لهم أسماعاً وأبصاراً.
    فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء: أي من الإغناء
    إذ كانوا يجحدون بآيات الله: أي لعلة هي أنهم كانوا يجحدون بآيات الله وهي حججه البينة.
    وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به.
    ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى: أي من أهل القرى كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين.
    وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون: أي كررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا الأساليب لعلهم يرجعون إلى الحق فيؤمنون ويوحدون.
    فلولا نصر الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة: أي فهلا نصرهم بدفع العذاب عنهم الذين اتخذوهم من دون الله آلهة يتقربون بهم إلى الله في زعمهم.
    بل ضلوا عنهم: أي غابوا عنهم عند نزول العذاب.
    وذلك إفكهم وما كانوا يفترون: أي خذلان آلهتهم لهم وعدم نصرتهم لهم بل غيابهم عنهم هو إفكهم وافتراؤهم الذي كانوا يفترونه.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في مطلب هداية قريش أنه لما قص تعالى عليهم قصة عاد وتجلت فيها عظات كثيرة وعبرة كبيرة قال لهم {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ1} أي قوم عاد مكناهم في الأرض فأعطيناهم من مظاهر
    القوة المادية {فِيمَا إِنْ2 مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ3} أنتم يا معشر كفار قريش وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة أي قلوباً فيما أغنى عنهم سمعهم أي أسماعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء من الإغناء إذ كانوا يجحدون بآيات الله أي بحججه وبيناته الدالة على وجوب توحيده وحاق أي نزل بهم العذاب الذي كانوا إذا خوفوا به وأنذروا استهزأوا وسخروا وقوله تعالى {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقوله {وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} أي وكررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا العظات والعبر لعلهم يرجعون إلى الحق الذي انصرفوا عنه وهو التوحيد والاستقامة فأبوا إلا الإصرار على الشرك والباطل فأهلكناهم.4 فلولا أي فهلا نصرهم الذين5 اتخذوهم من دون الله قرباناً آلهة يتقربون بها إلى الله في زعمهم والجواب ما نصروهم بل ضلوا عنهم أي غابوا فلم يعثروا عليهم بالكلية. قال تعالى {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ6 وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي ذلك الذي تم لهم من الخذلان والعذاب هو إفكهم أي كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه قبل هلاكهم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن الإعراض عن دين الله والإصرار على الفسق عن أمر الله، والاستمرار على الخروج على طاعته إذا استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ولا دهاؤه ولا علمه وحضارته ولا علوه وتطاوله.
    2- بيان أن الآيات والحجج وضرب الأمثال وسوق العبر والعظات لا تنفع في هداية العبد، إذا لم يرد الله هدايته {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ} ويحيق به العذاب ويهلكه جزاء تكذيبه وكفره وإعراضه وفسقه.
    3- بيان غياب الشركاء من الأنداد التي كانت تعبد عن عابديها فضلا عن نصرتها لهم وذلك الخذلان هو جزاء كذبهم وافترائهم في الحياة الدنيا.
    __________

    1 الجملة في محل نصب على الحال من واو الجماعة في قوله: (قالوا أجئتنا) والكلام مستعمل من عدم انتفاعه بما مواهب عقولهم.
    2- {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} (ما) موصولة و (إن) نافية عدولا عن النفي بما حتى لا تجتمع ميمان، الموصولة والنافية ارتقاء في الأسلوب.
    3- التمكين: إعطاء المكنة: بفتح الميم وكسر الكاف وهي: القدرة والقوة، يقال: مكن من كذا وتمكن إذا قدر عليه، وكنه أقدره عليه.
    4- أصل لولا إذا دخلت على الجملة الفعلية كانت للتحضيض على تحصيل ذلك الفعل فإذا كان الفاعل غير المخاطب بالكلام كانت للتوبيخ، إذ لا طائل في تحضيض المخاطب على فعل غيره، والإتيان بالموصول لما في الصلة من التنبيه على الخطأ والغلط في عبادة الأصنام التي لم تغن عنهم شيئاً كقول الشاعر:
    إن الذين ترونهم إخوانكم
    يشقي غليل صدورهم أن تصرعوا
    5-الكلام تضمن التوبيخ للأمم الهالكة على شركهم وعنادهم لرسلهم تعريضاً بقريش المصرة على الخطأ نفسه الذي هلكت به الأمم المجاورة لها لعلهم يتذكرون فيتوبون.
    6-(وذلك إفكهم) هذه فذلكة قوله تعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا} الخ والإشارة إلى ما تضمنه قوله: اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة والافتراء نوع من الكذب كابتكار الأخبار الكاذبة، ويرادف الاختلاق.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #787
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الأحقاف - (5)
    الحلقة (782)
    سورة الأحقاف
    مكية
    وآياتها خمسة وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 64الى صــــ 68)

    وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)
    شرح الكلمات:
    وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن: أي واذكر إذ أملنا إليك نفراً من الجن جن نصيبين أو نينوي.
    فلما حضروه قالوا أنصتوا: أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لاستماع القرآن.
    فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين: أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من العذاب.
    مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها.
    يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: أي من العقائد في الشرائع والاسلام.
    ويجركم من عذاب أليم: أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة.
    فليس بمعجز في الأرض: أي فليس بمعجز الله هرباً منه فيفوته.
    أولئك في ضلال مبين: أي الذين لم يجيبوا داعي الله وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإيمان.: أي في ضلال عن طريق الإسعاد والكمال ظاهر بين.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابها من دمار وهلاك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} إلى آخر الآيات ذكرهم هنا بما هو تقريع لهم وتوبيخ إذا أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى {وَإِذْ1 صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ2} أي اذكر لقومك من كفار مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفراً من الجن وهم عدد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلاة الصبح ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا3 أي أصغوا واستمعوا ولا تشوشوا, قاله بعضهم لبعض, فلما قضي أي القرآن فرغ منه، ولوا إلى قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب الله إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا4 إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى5 وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب الإلهية التي سبق نزولها كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل، ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والأحكام، ويهدي إلى صراط مستقيم أي طريق قاصد غير جور ألا وهو الإسلام دين الأنبياء عامة.
    وقالوا مبلغين منذرين {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ} 6 وهو محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَآمِنُوا بِهِ} أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد الله وطاعته وآمنوا بعموم رسالته بكل ما جاء به من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين الله تعالى بسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها، وأما الذنوب التي بينكم وبين بعضكم بعضاً فإنها لا تغفر إلا من قبل المظلوم نفسه باستسماحه أو رد الحق إليه، وقوله ويجركم من7 عذاب أليم ويحفظكم منقذاً لكم من عذاب أليم أي ذي ألمٍ موجع وهو عذاب النار، ثم قالوا: {وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ} أي لم يستجب لنداء محمد فيؤمن به ويوحد الله تعالى فليس بمعجز في الأرض أي لله بل الله غالب على أمره ومهما حاول الهرب فإن الله مدركه لا محالة {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ} يتولون أمره ولا أنصار ينصرونه. قال تعالى {أُولَئِكَ} أي المذكورون في هذا السياق ممن لم يجيبوا داعي الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في عمى وغواية بين أمرهم واضح لا يستره شيء.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإنكار الملائكة كفراً.
    2- وجوب التأدب عند تلاوة القرآن بالإصغاء التام.
    3- وجوب البلاغ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الحديث بلغوا عني ولو آية.
    4- الإعراض عن دين الله يوجب الخذلان والحرمان.
    __________

    1 الجملة معطوفة على قوله (واذكر أخا عاد) وإن طلبت المناسبة بين هذه الآيات وما تقدمها في السور فهي قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} .
    2 النفر: العدد دون العشرين.
    (أنصتوا) أمر بتوجيه الأسماع إلى الكلام اهتماماً به لئلا يفوت منه شيء وفي الحديث: " (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر جابرا في حجة الوداع فقال له: استنصت الناس" قبل أن يبدأ خطبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    4 جملة: (قالوا يا قومنا) الخ مبنية لقوله تعالى: (منذرين) .
    5 ظاهر الآية أنهم كانوا يهودا مؤمنين بموسى ولم يكونوا على دين عيسى عليه السلام.
    6 قال ابن عباس رضي الله عنهما: استجاب لهم سبعون رجلا من قومهم فأتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقوه بالبطحاء "مكة" فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم.
    7 اختلف في: هل مؤمنو الجن يدخلون الجنة أو لا؟ فذهب أبو حنيفة والحسن البصري قبله إلى أن ثوابهم أن ينجوا من النار فقط ثم يكونون ترابا كسائر الحيوان، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنهم يدخلون الجنة، وحجة المانعين من دخولهم الجنة هذه الآية {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ودليل من قال بدخولهم الجنة قوله تعالى في هذه السورة {لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} .

    ****************************** *

    أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)

    شرح الكلمات:
    ولم يعي بخلقهن: أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والأرض.
    بقادر على أن يحييى الموتى بلى: أي إنه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم أحياء من قبورهم للحشر.
    ويوم يعرض الذين كفروا على النار: أي ليعذبوا فيها.
    أليس هذا بالحق: أي يقال لهم تقريعاً: أليس هذا أي العذاب بحق؟.
    قالوا بلى وربنا: أي إنه لحق وربنا حلفوا بالله تأكيداً لخبرهم.
    فاصبر: أي يا رسولنا محمد على أذى قومك.
    أولوا العزم: أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع.
    ولا تستعجل لهم: أي ولا تستعجل نزول العذاب لأجلهم.
    كأنهم يوم يرون العذاب: أي في الآخرة.
    لم يلبثوا إلا ساعة: أي لم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من النهار وذلك لطول العذاب.
    بلاغ: أي هذا القرآن بلاغ للناس أي تبليغهم لهم.
    هل يهلك إلا القوم الفاسقون: أي ما يهلك إلا القوم التاركون لأمر الله المعرضون عنه الخارجون عن طاعته.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أعموا {أَوَلَمْ1 يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إنشاءاً وإبداعا من غير مثال سابق {وَلَمْ يَعْيَ2} أي ينصب ويتعب {بِخَلْقِهِنَّ} أي السموات والأرض بقادر على أن يحييى الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى {وَيَوْمَ يُعْرَضُ3 الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} لما أثبت البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم الزبانية على النار فيقولون لهم تقريعاً وتوبيخاً {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ؟ 4} أي أليس هذا التعذيب بحق؟ فيقولون مقسمين على ثبوته بما أخبر تعالى عنهم في قوله: {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} فلما اعترفوا قيل لهم {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي بسبب كفركم أي جحودكم لتوحيد الله ولقائه. ثم أمر تعالى رسوله أن يتدرع بالصبر وأن يتمثل صبر أولي5 العزم ليكون أقوى منهم صبراً كما هو أعلى منهم درجة فقال له فاصبر يا رسولنا على ما تلاقي من أذى قومك من تكذيب وأذى فأثبت لذلك كما ثبت أولوا العزم من قبلك، والظاهر أنهم المذكورون في قوله تعالى من سورة الأحزاب {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ، ومن الجائز أن يكون عدد أولي العزم أكثر مما ذكر وقوله تعالى {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} لما أمره بالصبر نهاه عن استعجال العذاب لقومه فقال فاصبر ولا تستعجل العذاب لهم. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} 6تعليل لعدم استعجال العذاب لأنه قريب جداً حتى إنهم يوم ينزل بهم ويرونه كأنهم لم يلبثوا في الدنيا على طول الحياة فيها إلا ساعة من نهار وقوله تعالى {بَلاغٌ} أي هذا القرآن وما حواه من تعليم وبيان للهدى تبليغ للناس وقوله {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} 7 ينفي تعالى هلاك غير الفاسقين عن أوامره الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2- الكفر هو الموجب للنار والكفر هو تكذيب بوجود الله تعالى وهو الإلحاد أو تكذيب بلقائه تعالى أو بآياته أو رسله، أو شرائعه بعضاً أو كلاً.
    3- وجوب الصبر على الطاعات فعلا، وعن المعاصي تركا، وعلى البلاء بعدم التضجر والسخط.
    4- إطلاق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة الله فيما يأمر به من العقائد والعبادات وينهى عنه من الشرك والمعاصي.
    __________

    1 الاستفهام إنكاري، وجوابه قوله تعالى: {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
    2 عيي كرضي وويعي كيرضى وهو: العجز في الحيلة والرأي وأما الإعياء بمعنى التعب ففعله: أعيا يعيى إعياء إذا تعب، وجائز أن يكون عيي بمعنى نصب وتعب.
    3 أظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى علة الحكم وهي: الكفر تحذيراً منه.
    4 الاستفهام تقريري وتنديم على ما كانوا يزعمونه من الباطل، وإقسامهم بقولهم: (وربنا) من باب التحنن والتخضع تلمساً العفو وعدم المؤاخذة.
    5 العزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد، والمحمود منه ما كان في امتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهيهما، ودونه ما كان فيما يجلب خيراً ويدفع شراً.
    6-(من نهار) وصف لساعة، وكونها من إشارة إلى قلتها وعدم طولها بخلاف ساعة الليل فإنها ترى طويلة. و (بلاغ) خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: هذا بلاغ.
    7-(فهل يهلك) الاستفهام للنفي ولذا صح الاستثناء منه، و (ال) في (القوم) للجنس ليشمل كل من فسق، والفسق: الخروج عن طاعة الله والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإصرار على الشرك والكفر.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #788
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة محمد - (1)
    الحلقة (783)
    سورة محمد

    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 69الى صــــ 75)

    سورة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1
    أو القتال
    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)

    شرح الكلمات:
    الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله: أي كفروا بتوحيد الله ولقائه وبآياته ورسوله وصدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام.
    أضل أعمالهم: أي أحبط أعمالهم الخيرية كإطعام الطعام وصلة الأرحام فلا يرى لها أثر يوم القيامة.
    والذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي آمنوا بالله وآياته ورسوله ولقائه وأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي.
    وآمنوا بما أنزل على محمد: أي بالقرآن الكريم.
    كفر عن سيئاتهم: أي محا عنهم ذنوبهم وغفرها لهم.
    وأصلح بالهم: أي شأنهم وحالهم فهم لا يعصون الله تعالى.
    ذلك: أي إضلال أعمال الكافرين وتكفير سيئات المؤمنين.
    بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل: أي الشيطان في كل ما يمليه عليهم ويزينه لهم من الكفر والشرك والمعاصي.
    وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم: أي التوحيد والعمل الصالح.
    كذلك يضرب الله للناس أمثالهم: أي كما بين تعالى حال الكافرين، وحال المؤمنين في هذه الآية يبين للناس أمثالهم ليعتبروا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {الَّذِينَ2 كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ3} هذه جملة خبرية أخبر تعالى فيها عن حال من كفر بالله ورسوله وصد عن سبيل الله أي الإسلام غيره من الناس أضل الله عمله4 فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الآخرة, ولازمه أنه هالك في النار, وتكون هذه الجملة كأنها جواب لسؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الأحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي ما يهلك إلا القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن. هذا وقوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي5 بالله ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا بيت الله الحرام ووصلوا الأرحام وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.
    ولو بالاستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنوا بما نزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لأنها وحي إلهي يتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي صحيح الحديث "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" وقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} آي القرآن لأنه ناسخ للكتب قبله ولا ينسخ بكتاب بعده. فهو الحق الثابت الباقي إلى نهاية الحياة. وقوله: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم 6 أي ِشأنهم وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ولا كفر هذا جزاؤهم على إيمانهم وصالح أعمالهم. وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا7 اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} وهو الشيطان وما يزينه من أعمال الشرك والشر والفساد، {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} وهو القرآن وما جاء به ودعا إليه من العقائد الصحيحة والعبادات المزكية للنفس المهذبة للأرواح. أي ذلك الجزاء للذين كفروا والذين آمنوا بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم. وقوله تعالى {كَذَلِكَ يَضْرِبُ8 اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} أي مثل هذا التبيين لحال الكافرين وحال المؤمنين في هذه الآيات يبين الله للناس أمثالهم أي أحوالهم بالخسران والنجاح ليعتبروا فيسلكوا سبيل النجاح، ويتجنبوا سبيل الخسران، فضلا منه تعالى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-بيان طريقي الفلاح والخسران فطريق الفلاح الإيمان والعمل الصالح وطريق الخسران الشرك والمعاصي.
    2-بيان أعمال البر مع الكفر والشرك لا تنفع صاحبها يوم القيامة ولا تشفع له وقد يثاب عليها في الدنيا فيبارك له في ماله وولده.
    3-بيان الحكمة في ضرب الأمثال وهي هداية الناس إلى ما يفلحون به، فينجون من النار ويدخلون الجنة.
    __________

    1 تسميتها بسورة محمد أكثر وأشهر في كتب التفسير والحديث معاً.
    2 الكفر الإشراك بالله والصد عن سبيل الله، هو صرف الناس عن اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدخول في الإسلام، ويدخل فيه الصد عن المسجد الحرام للاعتمار والحج.
    3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في المطعمين ببدر وهم اثنا عشر رجلا: أبو جهل والحارث بن هشام وذكرهم، وهم الذين أطعموا الناس يوم بدر ليثبتوا على القتال ولا يفروا, أبطل أعمالهم لعلة شركهم وكفرهم والآية عامة في كل كافر وما بعدها في كل مؤمن.
    4 أصل الإضلال: الخطأ عن الطريق، ولما كان المطعمون عملوا عملا ظنوا أنه خير لهم ونافع فلما أبطله الله تعالى عليهم فلم ينتفعوا به كانوا كمن ضل طريقه فشقى وهلك.
    5 هذه فئة المؤمنين المقابلة لفئة الكافرين ذكر لها ثلاث صفات كما لتلك ثلاث صفات وهي: الإيمان المقابل للكفر، والإيمان بما نزل على محمد المقابلة للصد عن سبيل الله، وعمل الصالحات المقابلة لما فعله المطعمون من الطعام.
    6 البال: يطلق على القلب والعقل، وعلى ما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه، ومجاز في غيره، ويطلق أيضا على الحال والشأن، والقدر لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر".
    7 هذا تبيين للسبب الأصلي في إضلال أعمال الكافرين وإصلاح بال المؤمنين والباء: بأن: سببية، واسم الإشارة مبتدأ والخبر: قوله (بأن الذين..) الخ والإشارة إلى ما تقدم من الخبرين (أضل أعمالهم) و (كفر عنهم سيأتهم) .
    8هذه الجملة تذييل لما سبق من بيان حال كل من الكافرين والمؤمنين و (يضرب) بمعنى يلقى مبيّناً، والأمثال: جمع مثل وهو: الحال التي تمثل صاحبها أي: تشهره للناس وتعرفهم به فلا يلتبس بنظائره.

    *************************
    فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُ مْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)
    شرح الكلمات:
    فإذا لقيتم الذين كفروا: أي إذا كان الأمر كما ذكر فإذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة فاضربوا
    رقابهم ضرباً شديداً تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان.
    حتى إذا أثخنتموهم: أي أكثرتم فيه القتل ولم يصبح لهم أمل في الانتصار عليكم.
    فشدوا الوثاق: أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به الأسير من إسار قدأ كان
    أو حبلا حتى لا يتفلتوا ويهربوا.
    فإما مناً بعد وإما فداء1: أي بعد أسركم لهم وشد وثاقهم فإما أن تمنوا مناً أي تفكوهم من الأسر مجاناً,
    وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم, وهذا بعد نهاية المعركة.
    حتى تضع الحرب أوزارها: أي واصلوا القتال والأخذ والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها وهي آلاتها وذلك
    عند إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحرب حتى لا تكون
    فتنة ويكون الدين كله لله.
    ذلك: أي الأمر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلام الكفار أو دخولهم
    في عهدكم وذمتكم.
    ولو يشاء الله لانتصر منهم: أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوباء ونحوه.
    ولكن ليبلوا بعضكم ببعض: ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلوا بعضكم ببعض أي يختبركم
    من يقاتل منكم ومن لا يقاتل, والمؤمن يقتل فيدخل الجنة والكافر يقتل فيدخل
    النار
    والذين قتلوا في سبيل الله2: أي قتلهم العدو, وقرئ قاتلوا في سبيل الله.
    فلن يضل أعمالهم: أي لا يحبطها ولا يبطلها.
    سيهديهم ويصلح بالهم: أي سيوفقهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ويصلح شأنهم.
    ويدخلهم الجنة عرفها لهم: أي ويدخلهم يوم القيامة الجنة بينها لهم فعرفوها بما وصفها لهم في كتابه وعلى
    لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إن تنصروا الله: أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين.
    ينصركم ويثبت أقدامكم: أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك.
    والذين كفروا فتعسا لهم: أي تعسوا تعسا أي هلاكا.
    وأضل أعمالهم: أي أحبطها وأبطلها فلم يحصلوا بها على طائل.
    ذلك: أي الضلال والتعس.
    بأنهم كرهوا ما أنزل الله: أي من القرآن المشتمل على أنواع الهدايات والإصلاحات.
    فأحبط أعمالهم: أي أبطلها وأضلها فلا ينتفعون بها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    معنى الآيات:
    لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله إذا كان الأمر كذلك فليقاتلوا لإنهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن الإسلام وهذا ما دل عليه قوله تعالى فإذا لقيتم3 الذين كفروا فضرب الرقاب أي4 فاضربوا رقابهم ضربا يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم فيهم القتل, فشدوا الوثاق أي5 احكموا ربط الأسرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإن رأى المن فمنوا عليهم مجانا بلا مقابل, وإما تفادونهم فداء بمال, أو برجال, وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من عفو مجاني, أو فداء بعوض ومقابل إلى أن تضع الحرب أوزارها أي أثقالها من عدد وعتاد حربي, وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر, أو يدخل في ذمة المسلمين, وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .
    وقوله تعالى {ذَلِكَ} أي الأمر الذي علمتم من استمرار القتل والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها6 بالدخول في7 الإسلام أو في ذمة المسلمين وقوله ولو شاء الله لانتصر منهم أي بدون قتال منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء ولكن لم يفعل ذلك من أجل أن يبلوا بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم. فيعلم المجاهدين منكم والصابرين, ويبلوهم بكم فيعاقب من شاء منهم بأيديكم, ويتوب على من يشاء منهم كذلك, إذ انتصارهم عليكم ووقوعهم تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة, وقوله تعالى {وَالَّذِينَ قُاتلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} وفي قراءة8 والذين قتلوا في سبيل الله وهذه عامة في شهداء أحد وغيرهم وإن نزلت الآية فيهم فإن الله تعالى يخبر عن أنعامه عليهم بقوله فلن يضل أعمالهم سيهديهم في الدنيا ويوفقهم إلى كل خير ويصلح شأنهم, ويدخلهم في الآخرة الجنة عرفها لهم أي بينها لهم في كتابه ولسان رسوله وطيبها لهم أيضاً,9 وفي الآخرة يهديهم إلى منازلهم في الجنة كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان بالدنيا" (البخاري) , وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أي يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا أن تنصروا الله بنصر دينه ونبيه وأوليائه بقتال أعدائه ينصركم الله ويجعل الغلبة لكم, ويثبت أقدامكم في كل معترك لقيتم فيه المشركين والكافرين. وهذا وعد من الله تعالى كم أنجزه لعباده المؤمنين في تاريخ الجهاد في سبيل الله، وقوله تعالى والذين كفروا فتعساً10 لهم أي تعسوا تعسا11 وهلكوا هلاكا وخابوا وخسروا، وأضل أعمالهم فلم يعثروا عليها ولم يروا لها أدنى فائدة ذلك الجزاء وتلك العقوبة بأنهم أي بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله أي من القرآن من آيات التوحيد والشرائع والأحكام فأحبط أي لذلك أعمالهم فخسروا في الحياتين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب الجهاد على أمة الإسلام ومواصلته كما بين تعالى في هذه الآيات إلى أن لا يبقى كافر يحارب بأن يدخلوا في الإسلام أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلاح أنفسهم وإعدادها للخير والفلاح.
    2- إمام المسلمين مخير في الأسرى بين المن والفداء، والقتل أيضا لأدلة من السنة.
    3- بشرى المجاهدين في سبيل الله بإكرام الله لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة.
    4- يظفر بالنصر الحقيقي من نصر الله تعالى في دينه وأوليائه.
    5- إنذار الكافرين بالتعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة.
    __________

    1-(منا) و (فداءً) : منصوبان على المفعولية المطلقة أي: تمنون مناً وإما تفدون فداء.
    2 قرأ نافع (قاتلوا) بالبناء للفاعل, وقرأ حفص: (قوتلوا) بالبناء للمفعول.
    3- الفاء للتفريع أي: تفريع هذا الكلام على ما قبله, والمقصود تهوين شأن الكافرين في قلوب المسلمين, وإغراء المسلمين بقطع دابر الكافرين و (إذا) : ظرفية شرطية, وجوابها: (فضرب الرقاب) واللقاء معناه المقابلة في ساحة الحرب.
    4-(فضرب) : نصب ضرب على المفعولية المطلقة أي: فاضربوا الرقاب ضرباً, والجملة كناية عن قتل المشركين في ساحة المعركة سواء كان الضرب بالسيف أو الرمح أو السهام, فصارت هذه الجملة لما تحمله من معاني الأخذ بالشدة كأنها مثل سائر.
    5-(الوثاق) بفتح الواو, ويجوز كسرها الشيء الذي يوثق به وهو كناية عن الأسر إذ الأسر يستلزم وضع الإسار في يد الأسير ليقاد به.
    6- الأوزار: جمع وزر كحمل وأحمال، والمراد بها الأثقال من العتاد الحربي وهي كناية عن انتهاء الحرب بنصر الإسلام والمسلمين.
    7- اختلف في: هل هذه الآية منسوخة أو محكمة والصحيح أنها محكمة وأن الإمام مخير بين القتل والأسر والفداء والمن ولكن لابد من النظر في مصلحة الإسلام والمسلمين فنظر الحاكم يكون محققاً للمصلحة العامة.
    8-(قاتلوا) قراءة نافع و (قتلوا) قراءة حفص كما تقدم في النهر قريباً.
    9- قال ابن عباس (عرفها لهم) أي طيبها لهم بأنواع الملاذ مأخوذ من العرف بفتح العين: الرائحة الطيبة.
    10- التعس: الشقاء، ويطلق على الهلاك والخيبة والسقوط والانحطاط.
    11-(تعسا) : منصوب على المفعولية المطلقة كما في التفسير ويجوز أن يكون مستعملاً في الدعاء عليهم لقصد التحقير والتفضيع لشأنهم وهو مثل سقياً ورعياً له وتباً له وويحاً له، وإن كان هذا فإنه يتعين تقدير قول محذوف أي: فقال الله: تعساً لهم. كقول أم مسطح: تعس مسطح دعاء عليه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #789
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة محمد - (2)
    الحلقة (784)
    سورة محمد

    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 76الى صــــ 79)


    أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِين َ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)

    شرح الكلمات:
    أفلم يسيروا في الأرض: أي أغفل هؤلاء المشركون فلم يسيروا في البلاد.
    فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم: أي كيف كانت نهاية الذين من قبلهم كعاد وثمود.
    دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها: أي دمر عليهم مساكنهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم وللكافرين أمثال تلك العاقبة السيئة.
    وأن الكافرين لا مولى لهم: أي لا ناصر لهم.
    والذين كفروا يتمتعون ويأكلون: أي بمتع الدنيا من مطاعم ومشارب وملابس ويأكلون.
    كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم: أي كأكل الأنعام بنهم وازدراد والنار مأواهم.
    وكأين من قرية: أي وكثير من أهل قرية هي أشد قوة. هي أشد قوة
    من قريتك التي أخرجتك: أي مكة إذ أخرج أهلها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أفمن كان على بينة من ربه: أي على حجة وبرهان من أمر دينه فهو يعبد الله على علم.
    كمن زين له سوء عمله: أي كمن زين الشيطان له سوء عمله.
    واتبعوا أهواءهم: أي واتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام والجواب ليسوا سواء ولا مماثلة بينهما أبدا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ1} يوبخ تعالى المشركين المصرين على الشرك والكفر على إصرارهم على الشرك والعناد فيقول أغفلوا {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ} كعاد وثمود وقوم لوط إذ دمر تعالى عليهم بلادهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم فيعتبروا بذلك، وقوله تعالى {وَلِلْكَافرين} أمثال تلك العاقبة المدمرة، وعيد لكفار مكة بأن ينزل عليهم عقوبة كعقوبة الأولين إن لم يتوبوا من شركهم وإصرارهم عليه، وعنادهم فيه. وقوله {ذَلِكَ2} أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين بسبب أن الله مولى الذين آمنوا أي وليهم ومتولي أمرهم وناصرهم. وأن الكافرين لا مولى لهم لأن الله تعالى خاذلهم ومن يخذله الله فلا ناصر له. قوله تعالى {إِنَّ اللهَ3 يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} هذا وعد من الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح بأن يدخلهم يوم القيامة جنات أي بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار وقوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} في الدنيا بملاذها وشهواتها، {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} إذ ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم، ولذا هم لا يلتفتون إلى الآخرة. {وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ3} أي مقام ومنزل ومصير، وهذا وعيد شديد للكافرين. وهذا هو الترغيب والترهيب الذي هو سمة بارزة في أسلوب القرآن في الهداية البشرية وقوله تعالى {وَكَأَيِّنْ5 مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ6 أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} هذه الآية نزلت ساعة خروج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيته إلى غار ثور مهاجراً فقد التفت إلى مكة وقال أنت أحب البلاد إلى الله وأحب بلاد الله إلي ولو أن المشركين لم يخرجونني لم أخرج منك. ومعنى الآية الكريمة وكثير من القرى أهلها أشد قوة من أهل قريتك "مكة" التي أخرجك أهلها حيث حكموا بإعدامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلكناهم أي أهل تلك القرى فلا ناصر وجد لهم عند إهلاكنا لهم. فكانت هذه الآية تحمل تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأي تسلية!! وقوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أي على علم وبرهان من صحة معتقده وعبادته لله تعالى راجياً ثوابه خائفا من عقابه وهؤلاء هم المؤمنون، كمن زين له سوء أي قبيح عمله من الشرك والكفر فهو يعبد الأصنام، واتبعوا أهواءهم هم في ذلك فلم يتبعوا وحياً إلهياً ولا عقلا إنسانيا فهل حالهم كحال من ذكروا قبلهم والجواب لا يتماثلان إذا بينهما من الفوارق كما بين الحياة والموت، والجنة والنار.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير قاعدة: العاقل من اعتبر بغيره.
    2- تقرير ولاية الله لأهل الإيمان والتقوى.
    3- بيان الفرق بين الماديين وأهل الإيمان والاستقامة على منهج الإسلام.
    4- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخفيفا من آلامه التي يعانيها من إعراض المشركين وصوفهم عن الإسلام.
    __________

    1 الفاء للتفريع، تفريع هذه الجملة الكلامية على الجملة السابقة وهي: (والذين كفروا فتعساً لهم) والاستفهام للتقريرالتوبيخي .
    2 جائز أن يكون اسم الإشارة منصرفا إلى مضمون قوله تعالى (وللكافرين أمثالها) فيفيد أن ما أصاب المشركين من الدمار والخزي والعار بسبب أن الله ناصر الذين آمنوا وما في التفسير في غاية الوضوح.
    3 كلام مستأنف استئنافاً بيانياً، إذ هو بمثابة جواب لمن سأل عن حال المؤمنين في الآخرة وحال الكافرين في الدنيا، أما في الآخرة فالأمر معلوم وهو أنهم أصحاب النار هم فيها خالدون إذ بين تعالى حال المؤمنين في الآخرة، وحال الكافرين في الدنيا.
    4- المثوى: مكان الثواء، الذي هو الاستقرار، وشاهده قول الشاعر:
    آذنتنا ببينها أسماء
    رب ثاوٍ يمل منه الثواء
    5-(كأين) تدل بوضعها على كثرة العدد مثل كم والمراد بالقرية أهلها بدليل أهلكناهم إذ لم يقل: أهلكناها، والمراد بالقرية هنا: مكة أم القرى وأضيفت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريفاً لها زيادة على شرفها إذ هي بلد الله الأمين.
    6- أطلق الإخراج على ما عامل به المشركون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجفاء والأذى ومحاربة نشر الدعوة فكان ذلك سبب خروجه منها، فأطلق الإخراج على مسبباته، وإلا فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج باختياره ولم يكرهه المشركون على الخروج بل كانوا يحاولون منعه من الخروج.

    ****************************** *******

    مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)

    شرح الكلمات:
    مثل الجنة التي وعد المتقون: أي صفة الجنة دار السلام التي وعد الله بها عباده المتقين له.
    من ماء غير آسن: أي غير متغير الريح والطعم لطول مكثه.
    وأنهار من عسل مصفى: أي من الشمع وفضلات النحل.
    وسقوا ماء حميما: أي حاراً شديد الحرارة.
    فقطع أمعاءهم: أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي1 وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} هذه الآية الكريم تضمنت شرح وافية لأنهار الجنة، وشراب أهل النار، كما اشتملت على مقارنة بين حال أهل الإيمان والتقوى وما وعدوا به من مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة، وبين حال أهل النار وهم خالدون فيها وما وعدوا فيها من ألوان العذاب الشديد فقوله تعالى {مَثَلُ الْجَنَّةِ} أي صفتها الممثلة لها الشارحة لحالها التي وعد المتقون أي التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين له وهم أولياؤه الذين عبدوه ووحدوه فأطاعوه في الأمر والنهي فاقوا بذلك الشرك والمعاصي. فيها أنهار من ماء غير آسن2 أي غير متغير الطعم ولا الريح بطول المكث وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي بحموضة ولم يصر قارصا ولذلك لم يتغير ريحه أيضا وأنهار من خمرة لذة للشاربين3 أي وفيها أنهار من خمر هي لذة لمن يشربها وسبب لذاذتها أنها غير كدرة ولا مسكرة ولا ريح غير طيبة لها، وأنهار من عسل مصفى أي وفيها أنهار من عسل مصفى أي من الشمع وفضلات النحل وقوله ولهم فيها من كل الثمرات أي من سائر أنواع
    الثمار من فواكه وغيرها. ومع ذلك مغفرة من ربهم لسائر ذنوبهم فهل يستوي من هذه حالهم بحال من هو خالد في النار لا يخرج منها وسقوا ماء حميما حارا شديد الحرارة فلما سقوه وشربوه قطع أمعاءهم4 أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم والعياذ بالله من النار وحال أهل النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التقوى هي السبب المورث للجنة هكذا جعلها الله عز وجل، والتقوى هي بعد الإيمان فعل المأمورات وترك المنهيات من سائر أنواع الشرك والمعاصي.
    2- بيان بعض نعيم الجنة من الشراب والفواكه.
    3- بيان بعض عذاب النار وهو الخلود فيها وشرب الحميم.
    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء، وأن لا مماثلة بين أهل السعادة وأهل الشقاء.

    __________

    1 هذه الآية مستأنفة استئنافاً بيانياً إذ فيها بيان لما قد يسأل عنه السائل. (ومثل الجنة) مبتدأ والخبر محذوف يقدر بمثل مما سيوصف لكم أو ما سيتلى عليكم أو مما يتلى عليكم مثل الجنة وجملة: (فيها أنهار) بدل مفصل من مجمل.
    2 أسن الماء: كضرب يأسن، وكنصر وفرح أيضاً فهو آسن: إذا تغير لونه.
    3 اللذة: وصف وليست اسماً وهي تأنيث اللذ أي اللذيذ قال الشاعر:
    ذكرت شباب اللذ غير قريب
    ومجلس له طاب بين شروب
    اللذاذة انفعال نفساني.
    4 الأمعاء: جمع معي بكسر الميم وقد تفتح وهو ما ينتقل إليه الطعام بعد نزوله من المعدة، ويسمى عفج بوزن كتف.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #790
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة محمد - (3)
    الحلقة (785)
    سورة محمد

    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 80الى صــــ 84)

    ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (16) والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم (17) فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (18) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم (19)

    شرح الكلمات:
    ومنهم من يستمع إليك: أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة.
    ماذا قال آنفا: أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون أنه شيء لا يرجع إليه ولا يعتد به لعدم فائدته.
    طبع الله على قلوبهم: أي بالكفر فلذا هم لا يعون.
    واتبعوا أهواءهم: أي في الكفر والنفاق.
    والذين اهتدوا: أي المؤمنون.
    زادهم هدى: أي زادهم الله هدى.
    وآتاهم تقواهم: أي ألهمهم ما يتقون به عذاب الله تعالى.
    فهل ينظرون إلا الساعة: أي ما ينتظر أهل مكة إلا الساعة.
    أن تأتيهم بغتة: أي فجأة.
    فقد جاء أشراطها: أي علاماتها كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان.
    فأنى لهم إذ جاءتهم ذكراهم: أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي ينفعهم إذ قد أغلق باب التوبة.
    فاعلم أنه لا إله إلا الله: أي فبناء على ما تقدم لك يا نبينا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبده وتوكل عليه.
    واستغفر لذنبك: أي قل استغفر الله أو اللهم اغفر لي.
    وللمؤمنين والمؤمنات: أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
    والله يعلم متقلبكم: أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم.
    ومثواكم: أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومك بالليل.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ومنهم من يستمع} إلي هذه الآية (16) والآية التي بعدها مدنيتان لا شك لأنهما نزلت في شأن النافقين قال تعالى مخبرا رسوله عن بعض المنافقين {ومنهم} أي ومن بعض المنافقين {من يستمع1 إليك} أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنبر {حتى إذا خرجوا من عندك} أي من المسجد {قالوا للذين أوتوا العلم} 2 من أصاحبك كعبد الله بن مسعود {ماذا قال آنفا} 3، وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا ماذا قال رسول الله آنفا، ولكن قالوا ماذا قال آنفا، وهم يعنون أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشيء مفيد يرجع إليه. قال تعالى {أولئك} أي البعداء في الشر والنفاق الذين طبع الله على قلوبهم أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم، واتبعوا أهواءهم فهما علتان الأولى الطبع المانع من طلب الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم، فلذا هم لا يهتدون، وقوله تعالى {والذين اهتدوا} إلى الإيمان الصحيح والعمل الصالح زادهم الله هدى حسب سنته في نماء الأشياء وزكاتها وزيادتها، وآتاهم تقواهم4 أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط الله تعالى ومن أعظمها الشرك والمعاصي. وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (18) فهل ينظرون أي كفار قريش5 من زعماء الكفر في مكة إلا الساعة أي ما ينظرون إلا الساعة أي القيامة أن تأتيهم بغتة أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإيمانهم إلا الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وثانيها الدخان، وثالثها انشقاق القمر. وقوله تعالى {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم6} أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي بظهور علاماتها الكبرى7 لا تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمنا لقوله تعالى من سورة الأنعام {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} . على كل حال فالآية تستبطئ إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي لا داعي له مع ظهور أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده دون سواه ولذا قال تعالى فاعلم8 أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين9 والمؤمنات أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلى الله عليه وسلم فكأنما قالب تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على رأسكم اعلموا أنه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات والله يعلم متقلبكم أي تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم10 في فرشكم نائمين فهو يعلمكم على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنية.
    2- التحذير من اتباع الهوى فإنه يعمي ويصم والعياذ بالله.
    3- بيان أن لقيام الساعة أشراطا أي11 علامات تظهر قبلها فتدل على قربها.
    4- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله، وذلك يتم على الطريقة التالية:
    الاعتراف بأن الإنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله، وكل مخلوق لابد له من خالق فمن خالق الإنسان والكون إذا؟ والجواب قطعا: الله. فما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته، ومن يؤله ويعبد إذا الخالق أم المخلوق؟ والجواب: الخالق. إذا تعين أنه لا معبود إلا الله وهو بمعنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإيمان برسول الله فكان لابد من زيادة محمد رسول الله فنقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
    __________

    1 روي عن مقاتل أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت والحارث بن عمرو وزيد بن الصلت، ومالك بن الدخشم من المنافقين بالمدينة إلا أن مالك بن الدخشم قد أسلم وحسن إسلامه والاستماع السماع ولكن بعناية واهتمام يتظاهرون بذلك نفاقا لا غير.
    2 هم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود، وأبوا الدرداء وابن عباس وإن كان يومها صغيرا فإنه لا مانع أن يسأل ويجيب لما هو مؤهل له من طلب العلم والكمال فيه.
    3-(آنفا) : أي الآن وهو أقرب الأوقات، وسؤالهم هذا سؤال استهزاء، وآنفا لم يسمع إلا ظرفا هكذا، وقيل هو مشتق من الأنف لأنه أول ما يظهر من البعير فأطلق على أقرب الوقت، ومنه أمر أنف، ورقة أنف لم ترع بعد قال الشاعر:
    ويحرم سر جارتهم عليهم
    ويأكل جارهم أنف القصاع
    4-مما ذكر في هذه الزيادة أنه آتاهم تقواهم في الآخرة وأنه بين لهم ما يتقون وأنه وفقهم للأخذ بالعزائم وترك الرخص وما في التفسير أشمل وأوضح.
    5- يبدو أنه ما هناك حاجة إلى تخصيص كفار قريش بهذا الخطب وإن كانوا داخلين فيه لأن السورة مدنية.
    6- أي: من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة.
    7- في صحيح مسلم عن حذيفة والبراء قالا: كنا نتذاكر الساعة إذا أشرف علينا رسول الله صلى عليه وسلم فقال: "بما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة. قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات،: الدخان ودابة الأرض وخسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب، والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونارا تخرج من عدن".
    8- هذه الآية من أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل، وهو ما بوب به البخاري رحمه الله تعالى.
    9- لا ذنب للرسول صلى الله عليه وسلم لعصمته، وإنما هو من باب قوله صلى الله عليه وسلم " إنه ليغان على قلبي وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة".
    10 المثوى: المآل والمرجع.
    11 روى مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثة أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى".

    ****************************

    ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم (20) طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم (21) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (22) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (23)

    شرح الكلمات:
    لولا نزلت سورة: أي هلا نزلت سورة يقول هذا المؤمنون طلبا للجهاد.
    سورة محكمة: أي لم ينسخ منها شيء من أوامرها ونواهيها.
    وذكر فيها القتال: أي طلب القتال بالدعوة إليه والترغيب فيه.
    في قلوبهم مرض: أي شك وهم المنافقون.
    نظر المغشي عليه من الموت: أي خوفا من القتال وكراهية لهم فتراهم ينظرون إلى الرسول مثل نظر المغشي عليه من سكرات الموت.
    فأولى لهم طاعة وقول معروف: أي فأجدر بهم طاعة لرسول الله وقول معروف حسن له.
    فإذا عزم الأمر: أي فرض القتال وجد أمر الخروج إليه.
    فلوا صدقوا الله: أي وفوا له ما تعهدوا به من أنهم يقاتلون.
    لكان خيرا لهم: أي الوفاء بما تعهدوا به خيرا في دنياهم وآخرتهم.
    فهل عسيتم أن توليتم: أي أعرضتم عن الإيمان الصوري الذي أنتم عليه وأعلنتم عن كفركم.
    أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم: أي تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي ولا تصلوا أرحامكم.
    فأصمهم وأعمى أبصارهم: أي فعل تعالى ذلك بهم فلذا هم لا يسمعون الحق ولا يبصرون الخير والمعروف.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى ويقول الذين آمنوا إلى آخر السورة ظاهره أنه مدني وليس بمكي وهو كذلك فأغلب آي السورة مدني إذا، ولا حرج: لأن القتال لم يفرض إلا بعد الهجرة النبوية والنفاق لم يظهر إلا بعد الهجرة كذلك السياق الآن في علاج النفاق وأمور الجهاد قال تعالى ويقول الذين آمنوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متمنين الجهاد لولا نزلت1 سورة أي هلا أنزل الله سورة قرآنية تأمر بالجهاد قال تعالى فإذا أنزلت سورة محكمة ليس فيها نسخ وذكر فيها القتال أي الأمر به والترغيب فيه. رأيت يا محمد الذين في قلوبهم مرض أي مرض الشك والنفاق ينظرون إليك يا رسولنا2 نظر أي مثل نظر المغشي أي المغمي عليه من الموت أي من سياقات الموت وسكراته. قال تعالى
    {فأولى لهم} هذا اللفظ صالح لأن يكون دعاء عليهم بالهلاك3 أي هلاك لهم لجبنهم ونفاقهم وصالح أن يكون بمعنى الأجدار بمثلهم طاعة لله ورسوله وقول معروف أي حسن لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى فإذا عزم أي جد الأمر للجهاد فلو صدقوا الله ما عاهدوا عليه من أنهم يقاتلون مع رسوله لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة. ثم قال لهم مخاطبا إياهم توبيخا وتقريعا فهل عسيتم بكسر السين4 وفتحها قراءتان إن توليتم أي عن الإيمان الصوري إلى الكفر الظاهر فأعلنتم عن ردتكم أن تفسدوا في الأرض بفعل الشرك وارتكاب المعاصي وتقطعوا أرحامكم بإعلان الحرب على أقربائكم المؤمنين الصادقين. هذا إذا كان التولي بمعنى الرجوع إلى الكفر العلني وإن كان بمعنى الحكم فالأمر كذلك إذا حكموا ليفعلون ما هو أعظم من الشرك والفساد في الأرض وتقطيع الأرحام، وأخيرا سجلت الآية (22) لعنة الله فقال تعالى أولئك أي البعداء في الخسة والحطة الذين لعنهم الله فأبعدهم من رحمته فأصمهم عن سماع الحق وأعمى أبصارهم عن رؤية الهدى والطريق المستقيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- جواز تمني الخير والأولى أن يسأل الله تعالى ولا يتمنى بلفظ ليت كذا.
    2- في القرآن محكم ومنسوخ من الآيات وكله كلام الله يتلى ويتقرب به إلى الله تعالى ويعمل بالمحكم دون المنسوخ وهو قليل جدا.
    3- ذم الجبن والخور والهزيمة الروحية.
    4- شر الخلق من إذا تولى أفسد في الأرض بالشرك والمعاصي.
    __________

    1 شوقا إلى الجهاد وما أعد الله من ثواب لأهله، كما هو اشتياق للوحي ونزوله.
    2 نظر مغمومين مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره عند الموت.
    3 أولى: قال الأصمعي معناه قاربه ما يهلكه.
    4 قرأ نافع وحده بكسر السين وفتحها ما عداه حفص وغيره.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #791
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة محمد - (4)
    الحلقة (786)
    سورة محمد

    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 85الى صــــ 89)

    أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (24) إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28)
    شرح الكلمات:
    أفلا يتدبرون القرآن: أي يتفكرون فيه فيعرفون الحق من الباطل.
    أم على قلوب أقفالها: أي بل على قلوب لهم أقفالها فهم لا يفهمون إن تدبروا.
    إن الذين ارتدوا على أدبارهم: أي رجعوا كافرين بنفاقهم.
    من بعد ما تبين لهم الهدى: أو من بعد ما تبين له صدق الرسول وصحة دينه بالحجج والبراهين.
    الشيطان سول لهم وأملي لهم: أي زين لهم الشيطان نفاقهم وأملى لهم أي واعدهم بطول العمر ومناهم.
    ذلك بأنهم قالوا الذين كرهوا ما أنزل الله: أي ذلك الإضلال بسبب قولهم للذين كرهوا ما أنزل الله وهم المشركون.
    سنطيعكم في بعض الأمر: أي بأن نتعاون معكم على عداوة الرسول وبتثبيط المؤمنين عن الجهاد وكان ذلك سرا منهم لا جهرة فأظهره الله لرسوله.
    يضربون وجوههم وأدبارهم: أي بمقامع من حديد يضربون وجوههم وظهورهم.
    ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله: أي التوفي على الحالة المذكورة من الضرب على الوجوه والظهور بسبب إتباعهم ما أسقط الله من الشرك والمعاصي.
    وكرهوا رضوانه: أي ما يرضيه تعالى من التوحيد والعمل الصالح.
    فأحبط أعمالهم: أي أبطلها فلم يحصلوا منها على ثواب حسن.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في تأديب المنافقين بعيبهم والإنكار عليهم وتهديدهم لعلهم يرجعون إذ حالهم كحال المشركين في مكة فقال تعالى {أفلا يتدبرون1 القرآن} أي مالهم؟ أغفلوا فلم يتدبروا
    القرآن أي يتفكروا فيه فيعرفوا الحق من الباطل والهدى من2 الضلال لأن القرآن نزل لبيان ذلك. أم على قلوب أقفالها أي بل على قلوب3 لهم أقفالها أي اقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر والحجج والأدلة والبراهين حتى يكون الله هو الذي يفتح تلك الأقفال، والله تعالى يقفل ويفتح حسب سنن له في ذلك وقد ذكرنا هذا المعنى مرات في بيان الهداية والإضلال، وقوله تعالى {إن الذين4 ارتدوا على أدبارهم} أي رجعوا إلى الكفر بقلوبهم دون ألسنتهم وهم المنافقون من بعد ما تبين لهم الهدى أي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دينه الإسلام هؤلاء المرتدون الشيطان سول لهم أي زين له ذلك الارتداد وأملى لهم أي واعدهم ممنيا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة والعيش الطيب الواسع فيها وقوله تعالى ذلك أي الإضلال الذي حصل لهم بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله من القرآن والشرائع وإبطال الشرك والشر والفساد وهم المشركون قالوا لهم سرا وخفية سنطيعكم في بعض الأمر، وذلك كعدم قتالكم وتثبيط الناس عن القتال إلى غير ذلك مما أسروه لإخوانهم المشركين. وقوله تعالى والله يعلم إسرارهم5 يخبر تعالى انهم لما كانوا يسرون كلمات الكفر للمشركين كان تعالى مطلعا عليهم فهو يعلم إسرارهم وأسرارهم وها هو ذا قد أطلع عليهم رسوله والمؤمنين. وقوله تعالى فكيف أي حالهم إذا توفتهم الملائكة ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب وهم يضربون بمقامع من حديد وجوههم وأدبارهم أي ظهورهم. وقوله تعالى ذلك أي العذاب النازل بهم بسبب أنهم اتبعوا ما أسخط الله من الكفر به وبرسوله. وكرهوا رضوانه أي ما يرضيه عنهم وهو الجهاد في سبيله فأحبط الله أعمالهم أي أبطلها فلم يثبهم عليها لأنهم مشركون كافرون وعمل المشرك والكافر باطل وهو خاسر.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب تدبر القرآن الكريم عند تلاوته أو سماعه وهو تفهم معانيه في حدود قدرة المسلم على الفهم.
    2- الارتداد عن الإسلام كالرجوع عن الطاعة إلى المعصية سببهما تزيين الشيطان للعبد ذلك وإملاؤه له بالتمني والوعد الكاذب.
    3- من الردة التعاون مع الكافرين على المؤمنين بأي شكل من أشكال التعاون ضد الإسلام والمسلمين.
    4- تقرير عقيدة عذاب القبر وأنه حق ثابت أعاذنا الله منه آمين.
    __________

    1 الاستفهام للتعجب من سوء عملهم بالقرآن وإعراضهم عن سماعه و (بل) للإضراب الانتقالي أي: بل على قلوبهم أقفال، والتدبر: التفهم مشتق من دبر الشيء أي: خلقه.
    2 ويعرفوا كذلك ما أعد الله للذين لم يتولوا عن الإسلام من عزة ونصر في الدنيا، ومن نعيم مقيم في الآخرة.
    3 لم يقل على قلوبهم فنكر القلوب وقال: (على قلوب) لتدخل قلوب غيرهم فلا يكون خاصا بهم، والقفل: حديده يغلق بها الباب.
    4 اختلف في هؤلاء المرتدين فقال قتادة هم كفار أهل الكتاب وقال ابن عباس وغيره: هم المنافقون، وكونهم المنافقين أعم إذ من اليهود منافقون.
    5 قرأ نافع والجمهور (أسرارهم) بفتح الهمزة، وقرأ حفص (إسرارهم) بكسرها فالإسرار بالكسر: مصدر أسر إسرارا وبالفتح جمع سر.

    ****************************** *********

    أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم (30) ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (31) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم (32)

    شرح الكلمات:
    في قلوبهم مرض: أي مرض النفاق.
    أن لن يخرج الله أضغانهم: أي أن لن يظهر أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
    ولو نشاء لأريناكهم: أي لعرفناك بهم فلعرفتهم.
    سيماهم: أي بعلاماتهم.
    ولتعرفنهم في لحن القول: أي إذا تكلموا عند في لحن القول أي معناه وذلك بأن يعرضوا فيه بتهجين أمر المسلمين أي تقبيح أمرهم.
    والله يعلم أعمالكم: أي أيها المؤمنون إن الله يعلم أعمالكم وسيجزيكم بها خيرا.
    ولنبلونكم: ولنختبرنكم بالجهاد وغيره من التكاليف.
    حتى نعلم: أي نعلم علم ظهور لكم ولغيركم إذ الله يعلم ذلك قبل ظهوره لما حواه كتاب المقادير.
    المجاهدين منكم والصابرين: أي الذين جاهدوا وصبروا من غيرهم.
    ونبلوا أخباركم: أي ونظهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره.
    إن الذين كفروا: أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق.
    وصدوا عن سبيل الله: أي عن الإسلام.
    وشاقوا الرسول: أي خالفوه وعادوه وحاربوه.
    من بعد ما تبين لهم الهدى: أي عرفوا أن الرسول حق والإسلام حق كاليهود وغيرهم.
    لن يضروا الله شيئا: أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر.
    وسيحبط أعمالهم: أي يبطلها فلا تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم من الشك والنفاق فقال تعالى {أم} 1 أي أحسب الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون والمرض هو مرض النفاق الناجم عن الشك في الإسلام وشرائعه أن لن يخرج الله أضغانهم2 أي أحقادهم فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} أي بعلامات النفاق فيهم وقوله {ولتعرفنهم في لحن القول} 3 أي وعزتي وجلالي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلامهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإن كلامهم ل يخلو من التعريض باللمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم، كما قيل (من أضمر سريرة ألبسه الله رداءها) وقوله تعالى في خطابه المؤمنين {والله يعلم أعمالكم} ولازم أنه سيجزيكم بها فاصبروا على الإيمان والتقوى. {ولنبلونكم4} أي ولنختبرنكم بالجهاد والإنفاق والتكاليف {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم، {ونبلو أخباركم} أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر الصدق من خلافه فيه، ولذا كان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا، وقوله جل ذكره {إن الذين كفروا5} أي كذبوا الله ورسوله {وصدوا عن سبيل الله} أي الإسلام فصرفوا الناس عنه بأي سبب من الأسباب، {وشاقوا الرسول} أي خالفوه وعادوه وحاربوه {من بعد ما تبين لهم الهدى} أي ظهر لهم الحق وأن الرسول حق والإسلام حق بالحجج والبراهين هؤلاء الكفرة لن يضروا الله شيئا من الضرر لتنزهه عن صفات المحدثين من خلقه ولا امتناعه تعالى وعزته، {وسيحبط أعمالهم} أي يبطلها عليهم فلا ينالون بها ما يؤملون في الدنيا بذهاب كيدهم وخيبة أملهم إذ ينصر الله رسوله ويعلي كلمته، وفي الآخرة لأن الأعمال المشرك والكافر باطلة حابطة لا ثواب عليها سوى ثواب الجزاء المهين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان حقيقة وهي من أسر سريرة ألبسه الله رداءها فكشفه للناس.
    2- ومن أحب شيئا ظهر على وجهه وفلتات لسانه.
    3- تقرير قاعدة وهي أنه لبد من الابتلاء لمن دخل في الإسلام ليكون الإيمان على حقيقته لا إيمانا صوريا أدنى فتنه تصيب صاحبه يرتد بها عن الإسلام.
    4- أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب خير عليها لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة.
    __________

    1-(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل وهمزة الاستفهام: فبل: للإضراب الانتقالي، والاستفهام إنكاري.
    2 الأضغان: جمع ضغن كحمل وأحمال، وهو الحقد والعداوة ومحلها القلب: قال الشاعر:
    الضاربين بكل أبيض مخذم
    والطاعنين مجامع الأضغان
    3-(لحن القول) هو ما يفهم من الكلام بالتعريض والإشارة ل بصريح القول.
    4 بلا يبلوا بلوا المرء اختبره، فالبلو: الاختبار والتعرف على حال الشيء، ويكون في الشرع بالأمر والنهي.
    5 يدخل في هذا اللفظ كفار قريش وكفار اليهود والمنافقون.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #792
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة محمد - (5)
    الحلقة (787)
    سورة محمد

    مدنية
    وآياتها ثمان وثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 90الى صــــ 97)

    ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (33) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم (34) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (35) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم (36) إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم (37) هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (38)
    شرح الكلمات:
    ولا تبطلوا أعمالكم: أي بالرياء والشرك والمعاصي.
    وصدوا عن سبيل الله: أي عن الإسلام.
    فلن يغفر الله لهم: أي لأنهم ماتوا على الكفر والكفر محبط للعمل.
    فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم: أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح مع الكفار.
    وأنتم الأعلون: أي الغالبون القاهرون.
    ولن يتركم أعمالكم: أي ولن ينقصكم أجر أعمالكم وثوابها.
    إنما الحياة الدنيا لعب ولهو: أي الاشتغال بالدنيا والتفرغ لها ما هو إلا لهو ولعب لعدم الفائدة منه.
    ولا يسألكم أموالكم: أي ولا يكلفكم بإنفاق أموالكم كلها بل الزكاة فقط.
    فيحفكم تبخلوا: أي بالمبالغة في طلبكم المال تبخلوا.
    ويخرج أضغانكم: أي أحقادكم وبغضكم لدين الإسلام.
    فإنما يبخل عن نفسه: أي عائد ذلك على نفسه لا على غيره فهو الذي يحرم الثواب.
    وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم: أي عن طاعة الله وطاعة رسوله يأت بآخرين غيركم.
    ثم لا يكونوا أمثالكم: أي في الطاعة أي يكونوا أطوع منكم لله ورسوله.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى الكفار ومشاقتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم نادى المؤمنين1 وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله فقال يا أيها الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أي فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من المعتقدات والأقول والأعمال ولا تبطلوا2 أعمالكم أي وينهاهم أن
    يبطلوا أعمالهم بالشرك والرياء والمعاصي والمراد من إبطال الأعمال أي حرمانهم من ثوابها، ثم أعلمهم مذكرا واعظا لهم فقال إن الذين كفروا أي بالله ورسوله وصدوا عن سبيل الله أي عن الإسلام بأي سبب من الأسباب ثم ماتوا وهم كفار قبل أن يتوبوا. فهؤلاء لن يغفر الله لهم ويعذبهم العذاب المعد لأمثالهم وقوله تعالى فلا تهنوا وتدعوا3 إلى السلم وأنتم4 الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يضعفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين ويدعوا الكافرين إلى الصلح والمهادنة وهم أقوياء قادرون وهو معنى قوله وأنتم الأعلون أي الغالبون القاهرون. ولن 5يتركم أعمالكم أي لا ينقصكم أجر أعمالكم بل يجزيكم بها ويزدكم من فضله وقوله {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} هذه حقيقة وهي أن الحياة الدنيا إن أقبل عليها العبد ناسيا الدار الآخرة مقبلا على الدنيا لن تكون في حقه إلا لهوا ولعبا باعتبار أنه لم يظفر منها على طائل ولم تعد عليه بعائد خير وإسعاد كاللاعب اللاهي بشيء يلعب ويلهو فترة ثم لا يعود عليه ذلك اللعب بشيء كلعب الصبيان ولهوهم فإنهم يلهون ويلعبون بجد ثم يعودون إلى والديهم يطلبون الطعام والشراب.
    وقوله وإن تؤمنوا أي الإيمان الصحيح وتتقوا ما يغضب ربكم ويسخطه عليكم من الشرك والمعاصي يؤتكم أجوركم المترتبة على الإيمان والتقوى. وقوله ولا يسألكم أموالكم أي ولا يطلب منكم أموالكم كلها أي كراهة إحفائكم بذلك إن يسألكموها فيحفكم6 أي بكثرة الإلحاح عليكم تبخلوا إذ هذا معروف من طباع البشر أن الإنسان إذا ألح وألحف عليه في الطلب يبخل بالمال ولم يعطه وقد يترك الإسلام لذلك، وقوله ويخرج أضغانكم أي أحقادكم وبغضكم للدين وكراهيتكم له ولذا لم يسألكم أموالكم وقوله تعالى: 7 {ها أنتم هؤلاء تدعون8 لتنفقوا في سبيل الله} أي جزءا من أموالكم في الزكاة أو الجهاد لا كل أموالكم لما يعلم تعالى من شح النفس بالمال وقوله {فمنكم من يبخل} أي يمنع ومن يبخل فإنما يبخل عن9 نفسه إذ هي التي حرمها أجر النفقة في سبيل الله ذات الأجر العظيم وقوله {والله الغني وأنتم
    الفقراء} إلى الله تعالى فهو غني عنكم لا يحضكم على النفقة لحاجته إليها ولكن لحاجتكم أنتم إليها إذ بها تزكوا نفوسكم وتقوم أموركم وتنتصروا على عدوكم وقوله وإن تتولوا أي ترجعوا عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله يستبدل الله بكم قوما غيركم أي يذهبكم ويأت بآخرين ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونون أطوع إلى الله تعالى منكم وأسرع امتثالا لما يطلب منهم. وحاشاهم أن يتولوا وما تولوا ولا استبدل الله تعالى بهم غيرهم. وإنما هذا من باب حثهم على معالي الأمور والأخذ بعزائمها نظرا لمكانتهم من هذه الأمة فهم أشرفها وأكملها وأطوعها لله وأحبها له ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله.
    2- وجوب إتمام العمل الصالح من صلاة وغيرها بالشروع فيه.
    3- بطلان العمل الصالح بالرياء أو إفساده عند أدائه أو بالردة عن الإسلام.
    4- حرمة الركون إلى مصالحة الأعداء مع القدرة على قتالهم والتمكن من دفع شرهم.
    5- التنفير من الإقبال على الدنيا والإعراض عن الآخرة.
    6- حرمة البخل مع الجدة والسعة.
    __________

    1 بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) وجملة النداء معترضة بين جملة (إن الذين كفروا وصدوا) الخ وبين (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار) .
    2 إبطال العمل: أي جعله باطلا أي: لا فائدة منه لا ثواب، فالإبطال تتصف به الأشياء الموجودة، وكان الحسن البصري يقول: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي، وما يبطل العمل على الحقيقة هو أمور ثلاثة: الشرك والرياء، وأداء العمل على غير الوجه المشروع عليه.
    3 الفاء للتفريع.
    4 و (الأعلون) معناه الغالبون المنتصرون.
    5 أي: لا ينقصكم، ومنه الموتور: الذي قتل له قتيل، وفي الحديث الصحيح: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
    6 يقال: أحفى في المسألة وألح بمعنى واحد.
    7(ها) : حرف تنبيه، وفي إعراب الجملة وجهان الأول: وهو أن يكون (أنتم) مبتدأ و (هؤلاء) منادى معترض، و (تدعون) الخبر، والثاني: أن يكون (أنتم) مبتدأ و (هؤلاء) خبره، وجملة: (تدعون) مستأنفة مؤكدة ومقررة لما سبق.
    8 أي: في الحال وجائز أن يدعو في المستقبل، إذ الجهاد مستمر والحاجة إلى الإنفاق لا تنقطع، سبيل الله: والمراد بها الجهاد وهي كل ما يوصل إلى مرضاة الله تعالى.
    9 يجوز في (يبخل) أن يعدى بعن وبعلى يقال: بخل عليه بكذا أو بخل عنه بكذا أو يضمن معنى أمسك، وحينئذ فتعديته بعلى نحو: أمسك عليك لسانك.

    ****************************** *
    سورة الفتح1
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (2) وينصرك الله نصرا عزيزا (3) هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما (4) ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (5) ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا (6) ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما (7)

    شرح الكلمات:
    إنا فتحنا لك فتحا مبينا: أي قضينا لك بفتح مكة وغيرها عنوة بجاهدك فتحا ظاهرا بينا.
    ليغفر لك الله: أي بسبب شكرك له وجهادك في سبيله.
    ما تقدم من ذنبك وما تأخر: أي ما تقدم الفتح وما تأخر عنه.
    ويتم نعمته عليك: أي ينصرك على أعدائك وإظهار دينك ورفع ذكرك.
    ويهديك صراطا مستقيما: ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه يفضي بك إلى رضوان ربك.
    وينصرك الله نصرا عزيزا: أي وينصرك الله على أعدائك ومن ناوأك نصر عزيزا لا يغلبه غالب، ولا يدفعه دافع.
    أنزل السكينة في قلوب المؤمنين: أي الطمأنينة بعد ما أصابهم من الاضطراب والقلق من جراء الصلح.
    وكان الله عليما حكيما: أي عليما بخلقه حكيما في تدبيره لأوليائه.
    ليدخل المؤمنين والمؤمنات: أي قضى بالفتح ليشكروه ويجاهدوا في سبيله ليدخلهم جنات.
    وكان ذلك عند الله فوزا عظيما: أي وكان ذاك الإدخال والتكفير للسيئات فوزا عظيما.
    ويعذب المنافقين والمنافقات: والمشركين والمشركات أي يعذبهم بالهم والحزن لما يرون من نصرة الإسلام وعزة أهله.
    الظانين بالله ظن السوء: أي أن الله لا ينصر محمدا وأصحابه.
    عليهم دائرة السوء: أي بالذل والعذاب والهوان.
    وكان الله عزيزا حكيما: أي كان وما زال تعالى غالبا لا يغلب حكيما في الانتقام من أعدائه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} الآيات هذه فاتحة سورة الفتح التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ {إنا فتحنا لك فتحا2 مبينا} " وذلك بعد صلح الحديبية سنة ست من الهجرة وفي منصرفه منه وهو في طريقه عائد مع أصحابه إلى المدينة النبوية. وقد خالط أصحابه حزن وكآبة حيث صدوا عن المسجد الحرام فعادوا ولم يؤدوا مناسك العمرة التي خرجوا لها، وتمت أحداث جسام تحمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه من أولي العزم غيره فجزاه الله وأصحابه وكافاهم على صبرهم وجهادهم بما تضمنته هذه الآيات إلى قوله {وكان ذلك عند الله فوزا عظيما} فقوله تعالى {إنا فتحنا لك} يا رسولنا {فتحا مبينا} أي قضينا لك بفتح مكة وخيبر وغيرهما ثمرة من ثمرات جهادك وصبرك وهو أمر واقع لا محالة وهذا الصلح بادية الفتح فاحمد ربك واشكره ليغفر لك بذلك وبجهادك وصبرك ما تقدم من3 ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك بنصرك على أعدائك وعلى كل من ناوأك، ويهديك صراطا مستقيما أي ويرشدك إلى طرق لا اعوجاج فيه يفضي بك وبكل من يسلكه إلى الفوز في الدنيا والآخرة وهو الإسلام دين الله الذي لا يقبل دينا سواه. وينصرك الله نصرا عزيزا أي وينصرك ربك على أعدائك وخصوم دعوتك نصرا عزيزا إي ذا عز لا ذل معه هذه أربع عطايا كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح بها وهي مغفرة الذنب السابق واللاحق، الفتح للبلاد، الهداية إلى أقوم طريق يفضي إلى سعادة الدارين، والنصر المؤزر العزيز، فلذا قال أنزلت عل آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا. وقوله تعالى {هو الذي أنزل السكينة في4 قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} أي هو الله المنعم عليك بما ذكر لك الذي أنزل السكينة أي الطمأنينة على قلوب المؤمنين من أصحابك وكان عددهم ألفا وأربعمائة صاحب أنزل السكينة عليهم بعد اضطراب شديد أصاب نفوسهم دل عليه قول عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت فلما نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى، قلت: فلما الدنية في ديننا؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه أي سر على نهجه ولا تخالفه. فوالله إنه لعلى الحق، قلت أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال بلى. قال فهل أخبرك أنه العام؟ قلت: لا قال فإنك تأتيه وتطوف به. وقوله {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} أي بشرائع الإسلام كلما نزل حكم آمنوا به وعملوا به ومن ذلك الجهاد وبذلك يكون إيمانهم في ازدياد. وقوله تعالى ولله جنود5 السموات والأرض أي ملائكة السماء وملائكة الأرض وكل ذي شوكة وقوة من الكائنات هو لله كغيره ويسخره كما شاء ومتى شاء فقد يسلط جيشا كافرا على جيش كافر نصرة للجيش مؤمن والمراد من هذا أنه تعالى قادر على نصرة نبيه ودينه بغيركم أيها المؤمنون وكان الله وما زال أزلا وأبدا عليما بخلقه حكيما في تدبير أمور خلقه. وقوله تعالى {ليدخل المؤمنين6 والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك} أي الإدخال للجنة وتكفير السيئات فوزا عظيما أي فتح على رسوله والمؤمنين ليشكروا بالطاعة والجهاد والصبر أي تم كل ذلك ليدخل المؤمنين والمؤمنات الآية. وقوله {ويعذب7 المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي فتح على رسوله والمؤمنين ونصرهم ووهبهم ما وهبهم من الكمال ليكون ذلك غما وهما وحزنا يعذب الله به المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في الدنيا والآخرة وقوله {الظانين بالله ظن السوء8} هذا وصف للمنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات حيث إنهم كانوا ظانين أن الله9 لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يعلي كلمته ولا يظهر دينه وقوله تعالى {عليهم دائرة السوء} إخبارا منه عز وجل بأن دائرة السوء تكون على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات كما أخبر عنهم بأنه غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ومعنى أعد هيأ وأحضر لهم، وساءت جهنم مصيرا يصير إليه الإنسان والجان. بعد نهاية الحياة الدنيا، فقوله تعالى {ولله جنود السماوات والأرض} ينصر بها من يشاء ويهزم بها من يشاء {وكان الله عزيزا} أي غالبا لا يمانع في مراده {حكيما} في تدبيره وصنعه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الذنب الذي غفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المعلوم بالضرورة أنه ليس من الكبائر في شيء وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
    2- إنعام الله على العبد يوجب الشكر والشكر يوجب المغفرة وزيادة الإنعام.
    3- بيان مكافئة الله لرسوله والمؤمنين على صبرهم وجهادهم.
    4- بيان أن الكافرين يحزنون ويغمون بنصر المؤمنين وعزهم فيكون ذلك عذاب لهم في الدنيا.
    __________

    1 نزلت ليلا بعد صلح الحديبية بين مكة والمدينة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي اللسلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس". البخاري
    2 الماضي هنا بمعنى المستقبل إذ فتح مكة المومى إليه كان سنة ثمان وأطلق الماضي مع إرادة المضارع لتحقق الوقوع وتأكده نحو: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) واللام في (لك) : لام الأجل أي: فتحنا لأجلك.
    3 اضطرب المفسرون في تعليق لام (ليغفر لك) فالسيوطي علقه بكلمة (بجهادك) زادها بعد جملة ليغفر لك أي بجهادك يوم فتحك مكة، وفي التفسير قدرنا جملتي: فاحمده على الفتح واشكره عليه ليغفر لك. وأما الذنب مع إجماعهم أن لا ذنب كبير لعصمته صلى الله عليه وسلم فإن أحسن ما قيل فيه هو ما يلي: أما الذنب المتقدم فهو قوله صلى الله عليه وسلم في بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا" فأوحى إليه: من أين تعلم هذا؟ فكان هذا الذنب المتقدم، والثاني: أنه لما انهزم المسلمون: يوم حنين قال لعمه ناولني كفا من حصباء فناوله فرمى به المشركين فانهزموا فقال لأصحابه: "لولا أني رميتهم ما انهزموا" فهذا الذنب المتأخر. والحقيقة أن هذا لو عد ذنبا لكان من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
    4-(السكينة) السكون والطمأنينة، قال ابن عباس: كل سكينة في القرآن فهي بمعنى الطمأنينة إلا في البقرة. يريد قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم} .
    5 هذه الجملة تزييلية مذيل بها الكلام السابق، والجنود: جمع جند، والجند: اسم للجماعة المقاتلين لا واحد له من لفظه وجمع باعتبار الجماعات التي يتكون منها وهي المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقا.
    6 اللام: لام التعليل متعلقه بفعل، {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع ما يتوهم أن هذا الوعد خاص بالمؤمنين دون المؤمنات في حين أن موقف أم المؤمنين أم سلمة كان عظيما وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع ما يتوهم أن هذا الوعد خاص بالمؤمنين دون المؤمنات في حين أن موقف أم المؤمنين أم سلمة كان عظيما إذ استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أبى أصحابه أن يتحللوا فأشارت عليه بما جعلهم يتحللون.
    7 هذا معطوف على قوله تعالى: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} وهذ التعذيب المذكور في الآية تعذيب خاص زائدا على عذاب الكفر والنفاق وفي قوله: {عليهم دائرة السوء} إشارة إلى ذلك.
    8(ظن السوء) بفتح السين: قراءة العشرة في قوله: {ظن السوء} وفي {عليهم دائرة السوء} الجمهور على الفتح، وقرأ بعض بضم السين. وهما لغتان كالكره والكره، والضعف والضعف بالفتح والضم.
    9 ومعنى ظنهم بالله ظن السوء: أن الله ما وعد الرسول بالفتح ولا أمره بالخروج إلى العمرة ولم ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #793
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الفتح - (1)
    الحلقة (788)

    سورة الفتح
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 98الى صــــ 101)

    إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (8) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا (9) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (10)
    شرح الكلمات:
    شاهدا ومبشرا ونذيرا: أي شاهدا على أمتك أمة الدعوة يوم القيامة ومبشرا من آمن منهم وعمل صالحا بالجنة ونذيرا من كفر أو عصى وفسق بالنار.
    ليؤمنوا بالله ورسوله: أي هذه علة للإرسال.
    وتعزروه وتوقروه: أي ينصروه ويعظموه وهذا لله وللرسول.
    وتسبحوه بكرة وأصيلا: أي الله تعالى بالصلاة والذكر والتسبيح.
    إن الذين يبايعونك: أي بيعة الرضوان بالحديبية.
    إنما يبايعون الله: لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى
    يد الله فوق أيديهم: أي لأنهم كانوا يبايعون الله إذ هو الذي يجاهدون من أجله ويتلقون الجزاء من عنده.
    فمن نكث: أي نقض عهده فلم يقاتل مع الرسول والمؤمنين.
    فإنما ينكث على نفسه: أي وبال نقضه عهده عائد عليه إذ هو الذي يجزي به.
    فسيؤتيه أجرا عظيما: أي الجنة إذ هي الأجر العظيم الذي لا أعظم منه إلا رضوان الله عز وجل.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في بيان ما أنعم الله تعالى به على رسوله فقال تعالى {إنا أرسلناك شاهدا} 1 لله تعالى بالوحدانية والكمال المطلق له عز وجل وشاهدا على هذه الأمة التي أرسلت فيها وإليها عربها وعجمها ومبشرا لأهل الإيمان والتقوى بالجنة ونذيرا لأهل الكفر والمعاصي أي مخوفا لهم من عذاب الله يوم القيامة. وقوله تعالى {لتؤمنوا بالله ورسوله} أي أرسلناه كذلك لتؤمنوا بالله ورسوله {وتعزروه} بمعنى تنصروا {وتوقروه} بمعنى تجلوه وتعظموه وهذه واجبة لله ولرسوله الإيمان والتعزير والتوقير، وأما التسبيح والتقديس فهو لله تعالى وحده ويكون بكلمة سبحان الله وبالصلاة وبالذكر لا إله إلا الله، وبدعاء الله وحده وقوله {بكرة وأصيلا} 2 أي تسبحون الله {بكرة} أي صباحا {وأصيلا} أي عشية وقوله تعالى {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} يخبر تعالى رسوله بأن الذين يبايعونه على قتال أهل مكة وألا يفروا عند اللقاء {إنما يبايعون الله} 3 إذ هو تعالى الذي أمرهم بالجهاد وواعدهم الأجر فالعقد وإن كانت صورته مع رسول الله فإنه في الحقيقة مع الله عز وجل، ولذا قال {يد الله فوق أيديهم} وقوله تعالى {فمن نكث} أي نقض عهده فلم يقاتل {فإنما ينكث على نفسه} {ومن أوفى} بمعنى وفا {بما عاهد عليه4 الله} ومن نصرة الرسول والقتال تحت رايته حتى النصر {فسيؤتيه} 5 الله {أجرا عظيما} الذي هو الجنة دار السلام.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإعلان عن شرفه وعلو مقامه.
    2- وجوب الإيمان بالله ورسوله ووجوب نصرة الرسول وتعظيمه صلى الله عليه وسلم.
    3- وجوب تسبيح الله وهو تنزيهه عن كل ملا يليق بجلاله وكماله مع الصلاة ليلا ونهارا.
    4- وجوب الوفاء بالعهد، وحرمة نقض العهد ونكثه.
    __________

    1 بيان لحكمة الإرسال وما يترتب عليه و (شاهدا) إنه بالنظر إلى شهادته يوم القيامة فهي حال مقدرة، وبالنظر إلى شهادته في الدنيا مع تبشيره ونذارته فهي حال مقارنة. و (إن أرسلناك) الخ.. كلا مستأنف ابتدائي.
    2 البكرة: أول النهار، والأصيل: آخره أي: غدوة وعشيا. قال الشاعر:
    لعمري لأنت البيت أكرم أهله
    وأجلس في أفيائه بالأصائل
    جمع أصيل: العشي.
    3 هذه هي البيعة التي بايعها المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تحت الشجرة (السمرة) وكانوا ألفا وأربعمائة، وأول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة: أبو سنان الأسدى، وتسمى بيعة الرضوان لقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} .
    4 قرأ نافع وورش (عليه) بكسر هاء الضمير، وقرأ حفص بضمها (عليه الله) فمن كسر رقق اسم الجلالة، ومن ضم فخمه.

    ****************************** ****
    سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا (11) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا (12) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا (13) ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما (14)
    شرح الكلمات:
    المخلفون من الأعراب: أي الذين حول المدينة وقد خلفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع.
    شغلتنا أموالنا وأهلونا: أي عن الخروج معك.
    استغفر لنا: أي الله من ترك الخروج معك.
    يقولون بألسنتهم: أي كل ما قالوه وهو من أسنتهم وليس في قلوبهم منه شيء.
    قل فمن يملك لكم من الله شيئا: أي لا أحد لأن الاستفهام هنا للنفي.
    إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم: وبخهم على تركهم صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا من قريش.
    نفعا
    بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون: أي حسبتم أن قريشا تقتل الرسول والمؤمنين فلم يرجع أحد منهم إلى المدينة.
    وظننتم ظن السوء: هو هذا الظن الذي زينه الشيطان في قلوبهم.
    وكنتم قوما بورا: أي هالكين عند الله بهذا الظن السيء، وواحد بور بائر. هالك.
    فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا: أي نارا شديدة الاستعار والالتهاب.
    يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء: يغفر لمن يشاء وهو عبد تاب وطلب المغفرة بنفسه، ويعذب من يشاء وهو عبد ظن السوء وقال غير ما يعتقد وأصر على ذلك الكفر والنفاق.
    وكان الله غفورا رحيما: كان وما زال متصفا بالمغفرة والرحمة فمن تاب غفر الله له ورحمه.
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين في الحضر والبادية وذلك بتأنيبهم وتوبيخهم وذكر معايبهم إرادة إصلاحهم فقال تعالى لرسوله {سيقول لك المخلفون من الأعراب} وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع1 وكانوا أهل بادية وأعرابا حول المدينة استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة تحسبا لما قد تقدم عليه قريش من قتاله صلى الله عليه وسلم إلا أن هؤلاء المخلفين من الأعراب أصابهم خوف وجبن من ملاقاة قريش وزين لهم الشيطان فكرة أن الرسول والمؤمنين لن يعودوا إلى المدينة فإن قريشا ستقضي عليهم وتنهي وجودهم فلذلك خلفهم الله وحرمهم صحبة نبيه والمؤمنين فحرموا من مكرمة بيعة الرضوان وأخبر رسوله عنهم وهو عائد من الحديبية بما يلي {سيقول لك المخلفون من الأعراب} معتذرين لك عن تخلفهم {شغلتنا أموالنا} فتخلفنا لأجل إصلاحها، {وأهلونا} كذلك {فاستغفر لنا} أي اطلب لنا من الله المغفرة. ولم يكن هذا منهم حقا وصدقا بل كان باطلا وكذبا فقال تعالى فاضحا لهم {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} فهم إذا كاذبون. وهنا أمر رسوله أن يقول لهم أخبروني إن أنتم عصيتم الله ورسوله وتركتم الخروج مع المؤمنين جبنا وخوفا من القتل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أي شرا لكم أو أراد بكم نفعا أي خيرا لكم؟ والجواب قطعا لا أحد إذا فإنكم كنتم مخطئين في تخلفكم وظنكم معا، وقوله {بل كان الله بما تعملون خبيرا} اضرب تعالى عن كذبهم واعتذارهم ليهددهم على ذلك بقوله {بل كان الله بما تعملون خبيرا} وسيجزيكم به وما كان عملهم إلا الباطل والسوء، ثم أضرب عن هذا أيضا إلى آخر فقال {بل ظننتم2 أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا} إذ تقتلهم قريش فتستأصلهم بالكلية. وزين ذلك الشيطان في قلوبكم فرأيتموه واقعا، وظننتم ظن السوء وهو أن الرسول والمؤمنين لن ينجوا من قتال قريش لهم، وكنت أي بذلك الظن قوما بورا لا خير فيكم هلكى لا وجود لكم. وقوله تعالى {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} وهو إخبار أريد به تخويفهم لعلهم يرجعون من باطلهم في اعتقادهم وأعمالهم إلى الحق قولا وعملا، ومعنى اعتدنا أي هيئنا وأحضرنا وسعيرا بمعنى نار مستعره شديدة الالتهاب وقوله في الآية الأخيرة من هذا السياق (15) {ولله ملك3السماوات والأرض} أي بيده كل شيء {يغفر لمن يشاء} من عباده ويعذب من يشاء فاللائق بهم التوبة والإنابة إليه لا الإصرار على الكفر والنفاق فإنه غير مجد لهم ولا نافع بحال وقد تاب بهذا أكثرهم وصاروا من خيرة الناس، وكان الله غفورا رحيما فغفر لكل من تاب منهم ورحمه. ولله الحمد والمنة.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك دال على أنه كلام الله أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
    2- لا يملك النفع ولا الضر على الحقيقة إلا الله ولذا وجب أن لا يطمع إلا فيه، ولا يرهب إلا منه.
    3- حرمة ظن السوء في الله عز وجل، ووجوب حسن الظن به تعالى.
    4- الكفر موجب لعذاب النار، ومن تاب تاب الله عليه، ومن طلب المغفرة بصدق غفر له.
    5- ذم التخلف عن المسابقة في الخيرات والمنافسة في الصالحات.
    __________

    1 والديل كذلك، وخرج من أسلم مائة رجل من بينهم مرداس بن مالك الأسلمي والدعباس الشاعر، وعبد الله بن أبي أوفي وزاهر بن الأسود، وأهبان ابن أوس وسلمة بن الأكوع الأسلمي، ومن غفار: خفاف بن أيماء ومن مزينة: عائز بن عمرو، وتخلف عن الخروج أكثرهم.
    2 هذه الجملة بدل اشتمال من جملة: (بل كان الله بما تعملون خبيرا) و (إن) مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن و (لن) لإفادة استمرار النفي، وأكد أيضا ب (أبدا) لأن ظنهم كان قويا.
    3 هذا الكلام معطوف على قوله تعالى {فمن يملك لكم من الله شيئا} وهو انتقال من التخويف الشديد إلى الأطماع في المغفرة والرحمة ليكون سببا في هدايتهم، وتقديم الرحمة على العذاب مشعر بذلك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #794
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الفتح - (2)
    الحلقة (789)

    سورة الفتح
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 101الى صــــ 105)

    سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا (15)
    شرح الكلمات:
    المخلفون من الأعراب: أي المذكورون في الآيات قبل هذه وهم غفار وجهينة ومزينة وأشجع.
    إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها: أي مغانم خيبر إذ وعدهم الله بها عند رجوعهم من الحديبية.
    ذرونا نتبعكم: أي دعونا نخرج معكم لنصيب من الغنائم.
    يريدون أن يبدلوا كلام الله: أي أنهم بطلبهم الخروج إلى خيبر لأخذ الغنائم يريدون أن يغيروا وعد الله لأهل الحديبية خاصة بغنائم خيبر.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الحضر والبادية وذلك بالحديث عنهم وكشف عوارهم ودعوتهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق عند ظهور انحرافهم وسوء أحوالهم فقال تعالى لرسوله. سيقول المخلفون الذين تقدم الحديث عنهم وأنهم تخلفوا عن الحديبية من الأعراب الذين هم مزينة وجهينة وغفار وأشجع. أي سيقولون لكم إذا انطلقتم إلى مغانم1 لتأخذوها ذرونا نتبعكم، وذلك أن الله تعالى بعد صلح الحديبية وما نال أهلها من آلام نفسية أكرمهم بنعم كثيرة منها أنه واعدهم بغنائم خيبر بأن يتم لهم فتحها ويغنمهم أموالها وكانت أموالا عظيمة، فلما عادوا إلى المدينة وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج إلى خيبر جاء هؤلاء المخلفون يطالبون بالسير2 معهم لأجل الغنيمة لا غير، قال تعالى {يريدون أن يبدلوا كلام3 الله} وهو وعده لأهل الحديبية بأن يغنمهم غنائم خيبر، ولذا أمر رسوله أن يقول لهم لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل أي فقد أخبرنا تعالى بحالكم ومقالكم هذا قبل أن تقولوه وتكونوا عليه. وقوله {فسيقولون بل تحسدوننا} هذا من جملة ما أخبر تعالى به رسوله والمؤمنين قبل قولهم له وقد قالوه أي ما منعتمونا من الخروج إلى خيبر إلا حسدا لنا أن ننال من الغنائم أي لم يكن الله أمركم بمنعنا ولكن الحسد هو الذي أمركم وقوله تعالى بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا أي وصمهم بوصمة الجهل وجعلها هي علة تخبطهم وحيرتهم وضلالهم، أنهم قليلو الفهم والإدراك فليسوا على مستوى الرجل الحاذق الماهر البصير الذي يحسن القول والعمل.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وعد الله رسوله والمؤمنين بغنائم خيبر وهم في طريقهم من الحديبية إلى المدينة وإنجازه لهم دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وكلها موجبة للإيمان والتوحيد وحب الله والرغبة إليه والرهبة منه.
    2- بيان حيرة الكافر واضطراب نفسه وتخبط قوله وعمله.
    3- ذم الجهل وتقبيحه إنه بئس الوصف يوصف به المرء، ولذا لا يرضاه حتى الجاهل بنفسه فلو قلت لجاهل يا جاهل لا تفعل كذا أو لا تقل كذا لغضب عليك.
    __________

    1 هي مغانم خيبر لأن الله تعالى وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة من غاب منهم ومن حضر سواء، ولم يغب منهم عنها إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر.
    2 روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "إن خرجتم لم أمنعكم إلا أنه لا سهم لكم" وقالوا هذا حسد.
    3(يريدون أن يبدلوا كلام الله) أي: يريدون أن يغيروه يعني يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعد به أهل الحديبية، وذلك أن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن فتح مكة.

    ****************************** **********
    قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما (16) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما (17)
    شرح الكلمات:
    قل للمخلفين من الأعراب: أي الذين تخلفوا عن الحديبية وطالبوا بالخروج إلى خيبر لأجل الغنائم اختبارا بهم.
    ستدعون إلى قوم أولي بئس شديد: أي ستدعون في يوم ما من الأيام إلى قتال قوم أولي بئس وشدة في الحرب.
    تقاتلونهم أو يسلمون: أي تقاتلونهم. أو هم يسلمون فلا حاجة إلى قتالهم.
    فإن تطيعوا: أي أمر الداعي لكم إلى قتال القوم أصحاب البأس الشديد.
    يؤتكم الله أجرا حسنا: أي عودة اعتباركم مؤمنين صالحين في الدنيا والجنة في الآخرة.
    وإن تولوا: أي تعرضوا عن الجهاد كما توليتم من قبل حيث لم تخرجوا للحديبية.
    يعذبكم عذابا أليما: في الدنيا بالقتل والإذلال وفي الآخرة بعذاب النار.
    حرج: أي إثم.
    ومن يتول: أي يعرض عن طاعة لله ورسوله.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الأعراب إذ قال تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم قل للمخلفين الذين أصبح وصف التخلف شعارا لهم يعرفون به وفي ذلك من الذم واللوم والعتاب ما فيه قل لهم مختبرا إياهم ستدعون في يوم من الأيام إلى قتال قوم أولي بأس شديد في الحروب تقاتلونهم، أو يسلمون1 فلا تقاتلوهم وذلك بأن يرضوا بدفع الجزية وهؤلاء لا يكونون إلا نصارى أو مجوسا فهم إما فارس وإما الروم وقد اختلف في تحديدهم2 فإن تطيعوا الأمر لكم بالخروج الداعي للجهاد فتخرجوا وتجاهدوا يؤتكم الله أجرا حسنا غنائم في الدنيا وحسن الصيت والأحدوثة والجنة فوق ذلك، وإن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة من يدعوكم ولا تخرجوا معه كما توليتم من قبل حيث لم تخرجوا مع رسول الله إلى مكة للعمرة خوفا من قريش ورجاء أن يهلك الرسول والمؤمنون ويخلو لكم الجو يعذبكم عذابا أليما أي في الدنيا بأن يسلط عليكم من يعذبكم وفي الآخرة بعذاب النار وقوله تعالى ليس3 على الأعمى حرج الآية إنه لما نزلت آية المنافقين قل للمخلفين من الأعراب وكان ختامها وإن تتولوا عن الجهاد يعذبكم عذابا أليما خاف أصحاب الأعذار من مرض وغيره وبكوا فأنزل الله تعالى قوله ليس على الأعمى حرج أي إثم إذا لم يخرج للجهاد ولا على الأعرج4 حرج وهو الذي به عرج في رجليه لا يقدر على المشي والجري والكر والفر ولا على المريض حرج وهو المريض بالطحال أو الكبد أو السعال من الأمراض
    المزمنة التي لا يقدر صاحبها على القتال وكان يعتمد على الفر والكر ولابد كذلك من سلامة البدن وقدرته على القتال.
    وقوله {ومن يطع الله ورسوله} أي في أوامرهما ونواهيهما {يدخله5 جنات تجري من تحتها الأنهار} وهذا وعد صادق من رب كريم رحيم، ومن يتول عن طاعة الله ورسوله يعذبه عذابا أليما وهذا وعيد شديد قوي عزيز ألا فليتق الله امرؤ فإن الله شديد العقاب.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية الاختبار والامتحان لمعرفة القدرات والمؤهلات.
    2- بيان أن غزوا الإسلام ينتهي إلى أحد أمرين إسلام الأمة المغزوة أو دخولها في الذمة بإعطائها الجزية بالحكم الإسلامي وسياسته.
    3- دفع الإثم والحرج في التخلف عن الجهاد لعذر العمى أو العرج أو المرض.
    4- بيان وعد الله ووعيده لمن أطاعه ولمن عصاه، الوعد بالجنة. والوعيد بالنار.
    __________

    1 في هذه الآية دليل على خلافة أبي بكر إذ هو الذي دعا إلى قتال أصحاب مسيلمة الكذاب، إذ هم الذين لا تقبل منهم الجزية وإنما الإسلام أو القتل، لقوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} أما فارس أو الروم فهم مجوس ونصارى قد تؤخذ منهم الجزية.
    2 وقيل: إنهم أصحاب مسيلمة الكذاب، وقال رافع بن خديج. والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فقلنا: إنهم هم.
    3 قال ابن عباس لما نزلت: {وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما} قال أهل الزمانة: كيف بنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج} أي: لا إثم عليهم في التخلف عن الجهاد.
    4 العرج: آفة تعرض لرجل واحدة، قال مقاتل: هم أهل الزمانة الذين تخلفوا عن الحديبية، وقد عذرهم. وفي هذه الآية بيان من يجوز لهم التخلف عن الجهاد، ولا إثم عليهم وهم العميان والمرضى والعرج.
    5 قرأ نافع (ندخله) و (نعذبه) بالنون، وقرأ حفص: (يدخله) و (يعذبه) بالياء.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #795
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الفتح - (3)
    الحلقة (790)

    سورة الفتح
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 106الى صــــ 110)

    لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما (19)

    شرح الكلمات:
    لقد رضي الله عن المؤمنين: أي الراسخين في الإيمان الأقوياء فيه وهم أهل بيعة الرضوان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إذ يبايعونك: أي بالحديبية أيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
    تحت الشجرة: أي سمرة وهم ألف وأربعمائة بايعوا على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا.
    فعلم ما في قلوبهم فأنزل: أي علم الله ما في قلوبهم من الصدق والوفاء فأنزل الطمأنينة والثبات على ما هم
    السكينة عليهم عليه.
    وأثابهم فتحا قريبا: أي هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية في ذي الحجة. وفي آخر المحرم من سنة سبع غزوا خيبر ففتحها الله تعالى عليهم.
    ومغانم كثيرة يأخذونها: أي من خيبر.
    وكان الله عزيزا حكيما: أي كان وما زال تعالى عزيزا غالبا حكيما في تصريفه شؤون عباده.
    معنى الآيتين:
    قوله تعالى لقدر رضي1 الله عن المؤمنين2 هذا إخبار منه تعالى برضاه عن المؤمنين الكاملين في إيمانهم وهو ألف وأربعمائة الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرة سمرة إلا الجد بن قيس الأنصاري فإنه لم يبايع حيث كان لاصقا بإبط ناقته مختبئا عن أعين الأصحاب وكان منافقا ومات على ذلك لا قرت له عين. وسبب هذه البيعة كما ذكره غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له (وهو الاعتمار) وذلك حين نزل الحديبية. فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش (فرق من شتى القبائل يقال لهم الأحابيش واحدهم أحبوش يقال لهم اليوم: اللفيف الأجنبي عبارة عن جيش أفراده من شتى البلاد والدول. فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهنا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليهم، ولكني أدلك على رجل وهو أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فراح عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته فحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قتل. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم عندئذ لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، هذا معنى قوله تعالى {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك3 تحت الشجرة4 فعلم ما في قلوبهم} أي من الصدق والوفاء فأنزل السكينة أي الطمأنينة والثبات عليهم وأثابهم أي جزاهم على صدقهم ووفائهم فتحا قريبا وهو صلح الحديبية وفتح خيبر، 5 ومغانم كثيرة يأخذونها وهي غنائم خيبر، وكان الله6 عزيزا أي غالبا على أمره، حكيما في تدبيره لأوليائه.
    هداية الآيتين:
    من هداية الآيتين:

    1- بيان فضل أهل بيعة الرضوان وكرامة الله لهم برضاه عنهم.
    2- ذكاء عمر وقوة فراسته إذ أمر بقطع الشجرة خشية أن تعبد، وكم عبدت من أشجار في أمة الإسلام في غيبة العلماء وأهل القرآن.
    3- مكافأة الله تعالى للصادقين الصابرين المجاهدين من عباده المؤمنين بخير الدنيا والآخرة.
    __________

    1 هذا رجوع إلى تفصيل ما جزى به الله تعالى أهل بيعة الرضوان الذي تقدم إجماله في قوله تعالى {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} الآية.
    2 في قوله تعالى عن المؤمنين {إذ يبايعونك} إعلام بأن من لم يبايع ممن خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم كالجد بن قيس لم يفز برضى الله تعالى وأنه غير مؤمن.
    3(إذ يبايعونك) ظرف متعلق ب (رضي) والمضارع بمعنى الماضي وإنما جيء بالمضارع لاستحضار حالة المبايعة الجليلة وصورتها العظيمة. وكون الرضى حصل قبل انتهاء البيعة إيذان بفضلها وفضل أهلها.
    4(تحت الشجرة) التعريف للشجرة للعهد الذي عرفه أهلها حين كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظلها فبايع أصحابه كلهم إلا الجد بن قيس وكان منافقا غير مؤمن فلم يبايع كما في التفسير، حين كان لاصقا بإبط ناقته.
    5 المغانم الكثيرة: هي مغانم بلاد خيبر من أرض وأنعام ومتاع وحوايط وبساتين، ووصف الغنائم بجملة يأخذونها دال على تحقيق حصول فائدة هذا الوعد لجميع أهل البيعة وبشارة لهم بأنه لم يهلك منهم أحدا قبل صولهم على هذه الغنائم وكذلك كان والحمد لله.
    6 هذه الجملة معترضة ذيل بها قوله تعالى: {وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها} لأن ما حصل لهم من نصر وخير كان من مظاهر عزة الله وعظيم حكمته.

    ******************************

    وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما (20) وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا (21) ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا (22) سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (23) وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا (24)

    شرح الكلمات:
    وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها: أي من الفتوحات الإسلامية التي وصلت الأندلس غربا.
    فعجل لكم هذه: أي غنيمة خيبر.
    وكف أيدي الناس عنكم: أي أيدي اليهود حيث هموا بالغارة على بيوت الصحابة وفيها أزواجهم وأولادهم وأموالهم فصرفهم الله عنهم.
    ولتكون آية للمؤمنين: أي تلك الصرفة التي صرف اليهود المتآمرين عن الاعتداء على عيال الصحابة وهم غيب في الحديبية أو خيبر آية يستدلون بها على كلاءة الله وحمايته لهم في حضورهم ومغيبهم.
    ويهديكم صراطا مستقيما: أي طريقا في التوكل على الله والتفويض إليه في الحضور والغيبة لا اعوجاج فيه.
    وأخرى لم تقدروا عليها: أي ومغانم أخرى لم تقدروا عليها وهي غنائم فارس والروم.
    قد أحاط بها: أي فهي محروسة لكم إلى حين تغزون فارس والروم فتأخذونها.
    ولو قاتلكم الذين كفروا: أي المشركون في الحديبية.
    لولوا الأدبار: أي لانهزموا أمامكم وأعطوكم أدبارهم تضربونها.
    سنة الله قد خلت من قبل: أي هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين الصابرين سنة ماضية في كل زمان ومكان.
    وهو الذي كف أيديهم عنكم: حيث جاء ثمانون من المشركين يريدون رسول الله والمؤمنين ليصيبوهم بسوء.
    وأيديكم عنهم ببطن مكة: فأخذهم أصحاب رسول الله أسرى وأتوا بها إلى رسول الله فعفا عنهم.
    من بعد أن أظفركم عليهم: وذلك بالحديبية التي هي بطن مكة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في ذكر إفضال الله تعالى وإنعامه على المؤمنين المبايعين الله ورسوله على مناجزة المشركين وقتالهم وأن لا يفروا فقد ذكر أنه أنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم خيبر الكثيرة فعطف على السابق خبرا عظيما آخر فقال {وعدكم1 الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه} أي غنيمة خيبر، {وكف أيدي الناس2 عنكم} وذلك أن يهود المدينة تمالأوا مع يهود خيبر وبعض العرب على أن يغيروا على دور الأنصار والمهاجرين بالمدينة ليقتلوا من بها وينهبوا ما فيها فكف تعالى أيديهم وصرفهم عما هموا به كرامة للمؤمنين، وقوله {ولتكون آية للمؤمنين} 3 أي تلك الصرفة التي صرف فيها قلوب من هموا بالغارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة وهم غيب بالحديبية آية تهديهم إلى زيادة التوكل على الله والتفويض إليه والاعتماد عليه. {ويهديكم صراطا مستقيما} أي ويسددكم طريقا واضحا لا اعوجاج فيه وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم فتتوكلوا عليه في جميعها فيكفيكم كل ما يهمكم، ويدفع عنكم ما يضركم في مغيبكم وحضوركم. وقوله تعالى {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} أي وغنائم أخرى لم تقدروا وهي غنائم الروم وفارس. وقد أحاط الله بها فلم يفلت منها شيء حتى تغزوا تلك البلاد وتأخذوها كاملة، {وكان الله على كل شيء قديرا} ومن مظاهر قدرته أن يغنمكم وأنتم أقل عددا وعددا غنائم أكبر دولتين في عالم ذلك الوقت فارس والروم. وقوله {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} أي ومن جملة إنعامه عليكم أنه لو قاتلكم أهل مكة وأنتم ببطنها لنصركم الله عليهم ولا انهزموا أمامكم مولينكم ظهورهم ولا يجدون وليا يتولاهم بالدفاع عنهم ولا ناصرا ينصرهم لأنا سلطناكم عليهم. وقوله تعالى {سنة الله التي قد خلت من قبل} أي في الأمم السابقة وهي لأن الله ينصر أولياءه على أعدائه لابد فكان هذا كالسنن الكونية التي لا تتبدل، وهو معنى قوله {ولن تجد لسنة الله تبديلا} ، وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق (24) {وهو الذي كف أيديهم4 عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا} هذه منة أخرى وكرامة عظيمة وهي أن قريش بعثت بثمانين شابا إلى معسكر رسول الله في الحديبية لعلهم يصيبون غرة من الرسول وأصحابه فينالونهم بسوء فأوقعهم تعالى أسرى في أيدي المسلمين فمن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعفو فكان ذلك سبب صلح الحديبية. وقوله {وكان الله بما تعملون بصيرا} أي مطلعا عالما بكل ما يجري بينكم فهو معكم لولايته لكم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- صدق وعد الله لأصحاب رسوله في الغنائم التي وعدوا بها فتحققت كلماته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غنائم فارس والروم.
    2- كرامة الله للمؤمنين إذ حمى ظهورهم من خلفهم مرتين الأولى ما هم به اليهود من غارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة النبوية، والثانية ما هم به رجال من المشركين للفتك بالمؤمنين ليلا بالحديبية إذ مكن الله منهم رسوله والمؤمنين، ثم عفا عنهم رسول الله وأطلق سراحهم فكان ذلك مساعدا قويا على تحقيق صلح الحديبية.
    3- بيان سنة الله في أنه ما تقاتل أولياء الله مع أعدائه إلا نصر الله أولياءه على أعدائه.
    __________

    1 هذه الجملة مستأنفه بيانيا إذ قوله تعالى {وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها} يثير في نفس أحدهم سؤالا وهو: هل من بعد هذا الفتح والغنائم من غنائم أخرى فكان الجواب: {وعدكم الله مغانم..} الخ فقولي في التفسير فعطف ليس هو من باب العطف النحوي وإنما هو من باب الإرداف والإلحاق.
    2 هذه منة أخرى عظيمة حيث صرف عنهم قتال قريش لهم وإلا كانوا يتعرضون لأتعاب فد تحول بينهم وبين ما أوتوه من فتح خيبر والفوز بغنائمها.
    3(ولتكون) هذه الجملة علة لأخرى مقدرة وهي ولتشكروه (ولتكون آية) الخ أي: كف أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية.
    4 روي عن أنس أنه قال: إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذناهم سلما فاسحييناهم فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم} الآية.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #796
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الفتح - (4)
    الحلقة (791)

    سورة الفتح
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 111الى صــــ 116)

    هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما (25) إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما (26)
    شرح الكلمات:
    هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام: أي بالله ورسوله ومنعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام.
    والهدي معكوفا أن يبلغ1 محله2: أي ومنعوا الهدي محبوسا حال بلوغ محله من الحرم.
    ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات: أي موجودون في مكة.
    لم تعلموهم: أي لم تعرفوهم مؤمنين ومؤمنات.
    أن تطأوهم: أي قتلا عند قتالكم المشركين بمكة.
    فتصيبكم منهم معرة بغير علم: أي إثم وديات قتل الخطأ وعتق أو صيام لأذن لكم الله تعالى في دخول مكة.
    ليدخل الله في رحمته من يشاء: أي لم يؤذن لكم في دخول مكة فاتحين ليدخل الله في الإسلام من يشاء.
    لو تذيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما: أي لو تميزوا فكان المؤمنون على حدة والكافرون على حدة لأذنا لكم في الفتح وعذبنا الذين كفروا بأيديكم عذبا أليما وذلك بضربهم وقتلهم.
    إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم: أي لعذبناهم إذ جعل الذين كفروا غي قلوبهم الحمية حمية الجاهلية وهي الأنفة
    الحمية المانعة من قبول الحق ولذا منعوا الرسول وأصحابه من دخول مكة وقالوا كيف يقتلون أبناءنا ويدخلون بلادنا واللات والعزى ما دخلوها.
    فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين: أي فهم الصحابة أن يخالفوا أمر رسول الله بالصلح فأنزل الله سكينته عليهم فرضوا ووافقوا فتم الصلح.
    وألزمهم كلمة التقوى: أي ألزمهم كلمة لا إله إلا الله إذ هي الواقية من الشرك.
    وكانوا أحق بها وأهلها: أي أجدر بكلمة التوحيد وأهلا للتقوى.
    وكان الله بكل شيء عليما: أي من أمور عبادة وغيرها ومن ذلك علمه بأهلية المؤمنين وأحقيتهم بكلمة التقوى (لا إله إلا الله) .
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في الحديث عن صلح الحديبية فقال تعالى في المشركين ذاما لهم عائبا عليهم صنيعهم {هم الذين كفروا} أي بالله ورسوله وصدوكم عن المسجد الحرام أن تدخلوه وأنت محرمون والهدى معكوفا أي وصدوا الهدى3 والحال أنه محبوس ينتظر به دخول مكة لينحر وقوله تعالى {ولولا رجال مؤمنون ونساء4 مؤمنات} بمكة لم تعلموهم لأنهم كانوا يخفون إسلامهم غالبا، كراهة أن تطأوهم أثناء قتالكم المشركين فتصيبكم منهم معرة بغير علم5 منكم بهم والمعرة العيب والمراد به هنا التبعة وما يلزم من قتل المسلم خطأ من الكفارة والدية لولا هذا لأذن لكم بدخول مكة غازين فاتحين لها وقوله تعالى {ليدخل الله في رحمته من يشاء} أي لم يأذن لكم في القتال ورضي لكم بالصلح ليدخل في رحمته من يشاء فالمؤمنون نالتهم رحمة الله إذ لم يؤذوا بدخولكم مكة فاتحين والمشركون قد يكون تأخر الفتح سببا في إسلام من شاء الله تعالى له الإسلام لا سيما عندما رأوا رحمة الإسلام وتتجلى في ترك القتال رحمة بالمؤمنين والمؤمنات حتى لا يتعرضوا للأذى فدين يراعي هذه الأخوة دين لا يحرم منه عاقل. وقوله تعالى {لو تزيلوا} أي6 لو تميز المؤمنون والمؤمنات على المشركين بوجودهم في مكان خاص بهم لأذنا لكم في دخول مكة وقتال المشركين وعذبناهم بأيديكم عذبا أليما وقوله {إذ جعل7 الذين كفروا في قلوبهم الحمية1 حمية الجاهلية} هذا تعليل للإذن بقتال المشركين في مكة وتعذيبهم العذاب الأليم لولا وجود مؤمنين ومؤمنات بها يؤذيهم ذلك والمراد من الحمية الأنفة والتعاظم وما يمنع من قبول الحق والتسليم به وهذه من صفات أهل الجاهلية فقد قالوا، كيف نسمح لهم بدخول بلادنا وقد قتلوا أبناءنا واللات والعزى ما دخلوا علينا أبدا، وقوله تعالى {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} وذلك بما هم المؤمنون بعدم قبول الصلح لما فيه من التنازل الكبير للمشركين وهم على الباطل والمؤمنون على الحق فلما حصل هذا في نفوس المؤمنين أنزل الله سكينته عليهم وهي الطمأنينة والوقار والحلم فرفضوا بالمصالحة وتمت وكان فيها خير كثير حتى قيل فيها إنها فتح أولي أو فاتحة فتوحات لا حد لها. وقوله تعالى {وألزمهم كلمة التقوى2 وكانوا أحق بها وأهلها} أي وشرف الله وأكرم المؤمنين بإلزامهم التشريعي بكلمة لا إله إلا الله. إذ هي كلمة التقوى أي الواقية من الشرك والعذاب في الدارين وجعلهم أحق بها وأهلها. أي أجدر من غيرهم بكلمة التوحيد وأكثر أهلية للتقوى وكان الله بكل شيء عليما ومن ذلك علمه بأهلية أصحاب رسول الله بما جعلهم أهلا له من الإيمان والتقوى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان حكم المحصر وهو من منع من دخول المسجد الحرام وهو محرم بحج أو بعمرة فإنه يتحلل بذبح هدي ويعود إلى بلاده، ويذبح الهدي حيث أحصر، وليس واجبا إدخاله إلى الحرم.
    2- الأخذ بالحيطة في معاملة المسلمين حتى لا يؤذى مؤمن أو مؤمنة بغير علم.
    3- بيان أن كلمة التقوى هي لا إله إلا الله.
    4- الإشارة إلى ما أصاب المسلمين من ألم نفسي من جراء الشروط القاسية التي اشترطها ممثل قريش ووثيقة الصلح. وهذا نص الوثيقة وما تحمله من شروط لم يقدر عليها إلا رسول الله بما آتاه الله من العلم والحكمة والحلم والصبر والوقار، ولما أنزل الله ذلك على المؤمنين من السكينة فحملوها وارتاحت نفوسهم لها نص الوثيقة: (ورد أن قريشا لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية بعثت إليه ثلاثة رجال هم سهيل بن عمرو القرشي، وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن يخلي له قريش مكة من العام المقبل ثلاثة أيام فقبل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا: ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم، فكتب ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحلموا وتم الصلح على ثلاثة أشياء هي:
    1- أن من أتاهم من المشركين مسلما ردوه إليهم.
    2- أن من أتاهم من المسلمين لم يردوه إليهم.
    3- أن يدخل الرسول والمؤمنون مكة من عام قابل ويقيمون بها ثلاثة أيام لا غير ولا يدخلها بسلاح. فلما فرع من الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فنحروا ثم احلقوا.
    __________

    1 جائز أن يكون: (أن يبلغ محله) بدل اشتمال من الهدي، وجائز أن يكون معمولا لحرف جر محذوف وهو (عن) أي عن أن يبلغ محله.
    2 المحل: بكسر الحاء: محل الحل مشتق من فعل حل ضد حرم أي المكان الذي يحل فيه نحر الهدي، وذلك بمكة عند المروة بالنسبة للعمرة، ومنى بالنسبة للحج.
    3 الهدي، والهدي بكسر الدال وتشديد الياء، لغتان والواحدة هدية.
    4 كسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة وأبي جندل بن سهيل. وأشباههم، وجواب لولا محذوف تقديره: لأذن الله لكم في دخول مكة ولسلطناكم عليهم.
    5(بغير علم) فيه تفضبل للصحابة وإخبار عن كمالهم في الخلق والدين، وهذا قول النملة في سليمان وجنوده: (لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) ؛
    6(لو تذيلوا) أي: تميزوا وتفرقوا. و (لو) حرف امتناع لامتناع امتنع الشرط وهو التفرق، فامتنع التسلط، والقتل بالإذن للمسلمين بقتالهم وقتلهم. وفي هذا دليل على أنه لا يجوز إغراق باخرة للكافرين بها مسلمون، ولا ضرب حصن بالقذائف داخله مسلمون وهو ما رآه مالك.
    7 يجوز أن يكون الظرف، (إذا) متعلقا بقوله تعالى: {العذبنا} وجائز أن يعلق بمحذوف تقديره: واذكروا إذ جعل الخ.
    8 قال الزهري، حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح بسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة.
    9 ورد في (كلمة التقوى) آثار منها أنها لا إله إلا الله، ومنها أنها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومنها أنها: لا إله إلا الله والله أكبر ومنها أنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والكل حق لا باطل فيه.

    ****************************** **
    لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا (27) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا (28)
    شرح الكلمات:
    لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق: أي جعل الله رؤيا رسوله التي رآها في النوم عام الحديبية حقا.
    لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين: هذا مضمون الرؤيا أي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين.
    محلقين رؤوسكم ومقصرين: أي حالقين جميع شعوركم أو مقصرينها.
    لا تخافون: أي أبدا حال الإحرام وبعده.
    فعلم ما لم تعلموا: أي في الصلح الذي تم، أي لم تعلموا من ذلك المعرة التي كانت تلحق المسلمين بقتالهم إخوانهم المؤمنين وهم لا يشعرون.
    فجعل من دون ذلك فتحا قريبا: هو فتح خيبر وتحققت الرؤية في العام القابل.
    هو الذي أرسل رسوله بالهدى ةدين الحق: فلذا لا يخلفه رؤياه بل يصدقه فيها.
    ليظهره على الدين كله: أي ليعليه على سائر الأديان بنسخ الحق فيها، وإبطال الباطل فيها، أو بتسليط المسلمين على أهلها فيحكمونهم.
    وكفى بالله شهيدا: أي أنك مرسل بما ذكر أي بالهدى ودين الحق.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في صلح الحديبية وما تم فيه من أحداث فقال تعالى {لقد صدق الله رسوله} أي محمدا صلى الله عليه وسلم {الرؤيا بالحق} 1 أي2 الرؤية التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بها أصحابه عند خروجهم من المدينة إلى مكة فقد أخبر بها أصحابه فسروا بذلك وفرحوا ولما تم الصلح بعد جهاد سياسي وعسكري مرير، وأمرهم الرسول أن ينحروا ويحلقوا اندهشوا لذلك وقال بعضهم أين الرؤيا التي رأيت؟ ونزلت سورة الفتح عند منصرفهم من الحديبية وفيها قوله تعالى {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء3 الله آمنين محلقين4 رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} ، وقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق فلما جاء العام القابل وفي نفس الأيام من شهر القعدة خرج رسول الله والمسلمون محرمين يلبون وأخلت لهم قريش المسجد الحرام فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة وتحللوا من عمرتهم فمنهم المحلق ومنهم المقصر.
    وقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا فأثبت الصلح وقرره لأنه لو كان قتال ولم يكن صلح لهلك المؤمنون بمكة والمؤمنات بالحرب وتحصل لذلك معرة كبرى للمسلمين الذين قتلوا إخوانهم في الإسلام هذا من بعض الأمور التي اقتضت الصلح وترك القتال وقوله وجعل من دون ذلك فتحا قريبا الصلح4 فتح، وفتح خيبر فتح، وفتح مكة فتح، وكلها من الفتح القريب. وقوله هو الذي أرسل رسوله أي محمد بالهدى ودين الحق أي الإسلام فكيف إذا لا يصدقه رؤياه كما ظن البعض وكفا بالله شهيدا على أنك يا محمد مرسل بما ذكر تعالى من الهدى والدين الحق وإظهاره على الدين كله بنسخ الحق الذي فيه وإبطال الباطل الذي ألصق به. أو بتسليط المسلمين على قهر وحكم أهل تلك الأديان الباطلة وقد حصل من هذا شيء كبير.
    هداية الآيتين:
    من هداية الآيتين:

    1-تقرير أن رؤيا الأنبياء حق.
    2- تعبير الرؤيا قد يتأخر سنة أو أكثر.
    3- مشروعية الحلق والتقصير للتحلل من الحج أو العمرة وإن الحلق أفضل لتقدمه.
    4- مشروعية قول إن شاء الله في كل قول أو عمل يراد به المستقبل.
    5- الإسلام هو الدين الحق وما عداه فباطل.
    __________

    1 روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال: إن المنام لم يكن موقتا بوقت أي: فقد تتأخر الرؤية سنوات أو شهورا أو أياما فكان ما بين رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهور مصداقها في الواقع سنة كاملة.
    2(بالحق) الباء للملابسة، وهو ظرف مستقر وقع صفة لمصدر محذوف تقديره أي: صدقا وملابسا للحق.
    (إن شاء الله) هل هذا الإستثناء من جملة ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فأعاده كما سمعه في الرؤية ويكون هذا تعليما من الله عز وجل للمؤمنين أن يقولوا مثله في كل ما هو مستقبل من الأقوال والأعمال أو قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عملا بقول الله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا
    إلا أن يشاء الله} .
    3(آمنين) و (محلقين) و (مقصرين) : منصوبة على الحال، وجملة (لا تخافون) في موضع الحال أيضا مؤكدة ل (آمنين) الحال.
    4 ومن أنواع الفتح القريب ما تم بالهدنة من دخول الناس في الإسلام إذ أصبح الناس آمنين فيتصلون بالمؤمنين ويتعرفون إلى الإسلام ويدخلون فيه، فدخل في الإسلام أعداد هائلة في هذه الهدنة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #797
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الفتح - (5)
    الحلقة (792)

    سورة الفتح
    مدنية
    وآياتها تسع وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 117الى صــــ 122)

    محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (29)
    شرح الكلمات:
    محمد رسول الله والذين معه: أي أصحابه رضوان الله عليهم.
    أشداء على الكفار: أي غلاظ لا يرحمونهم.
    رحماء بينهم: أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد.
    تراهم ركعا سجدا: أي تبصرهم ركعا سجدا أي راكعين ساجدين.
    يبتغون فضلا من الله ورضوانا: أي يطلبون بالركوع والسجود ثواب من ربهم هو الجنة ورضوانا هو رضاه عز وجل.
    سيماهم في وجوههم: أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة أنهم سجدوا في الدنيا.
    ذلك: أي الوصف المذكور.
    مثلهم في التوراة: أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلام.
    أخرج شطأه: أي فراخه.
    فآزره: أي قواه وأعانه.
    فاستغلظ فاستوى: أي غلظ واستوى أي قوي.
    على سوقه: جمع ساق أي على أصوله.
    يعجب الزراع: أي زارعيه لحسنه.
    ليغيظ بهم الكفار: هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار.
    معنى الآيات:
    لما أخبر تعالى أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى {محمد1 رسول الله والذين معه} من أصحابه {أشداء على الكفار} أي غلاظ قساة عليهم، وذلك لأمرين الأول أنهم كفروا بالله وعادوه ولم يؤمنوا به ولم يجيبوه، والله يبغضهم لذلك فهم إذا غلاظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في هدايتهم لأنهم يتألمون بها، ويرون خلافها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون. وقوله تعالى {رحماء بينهم} أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فترى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم الكافر أو ثوبه، وتره مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولاطفه وأعانه وأظهر له الحب والود. وقوله تعالى {تراهم} أي تبصرهم أيها المخاطب {ركعا سجدا2} أي راكعين ساجدين في صلواتهم {يبتغون} أي يطلبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم، يطلبون بذلك {فضلا من الله ورضوانا} أي الجنة ورضا الله. وهذا أسمى ما يطلب المؤمن أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه. وقوله {سيماهم3 في وجوههم من أثر السجود} أي علامات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} وفي الدنيا عليهم سيما التقوى والصلاح والتواضع واللين والرحمة. وقوله تعالى {ذلك} أي المذكور {مثلهم في4 التوراة} {مثلهم في الأنجيل كزرع أخرج5 شطأه} أي فراخه {فآزره} أي قواه وأعانه {فاستغلظ} أي غلظ {فاستوى} أي قوي {على سوقه} جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها {يعجب الزراع} أي الزراعين له وذلك لحسنه وسلامة ثمرته وقوله تعالى {ليغيظ بهم6 الكفار} أي قواهم وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أن من يغيظه أصحاب رسول الله فهو كافر وقوله {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} أي لذنوبهم {وأجرا عظيما} هو الجنة. هذا وعد خاص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية المائدة {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} .
    هداية الآية الكريمة:
    من هداية الآية الكريمة:

    1- تقرير نبوة رسول الله وتأكيد رسالته.
    2- بيان ما كان عليه رسول الله وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على أهل الإيمان وهذا مما يجب الأتساء بهم فيه والاقتداء.
    3- بيان فضل الصلاة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع.
    4- صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم.
    5- بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأوا قليلين ثم اخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار.
    6- بغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإيمان منافاة كاملة لا سيما خيارهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان، وأهل بدر قبلهم. ولذا روي عن مالك رحمه الله تعالى: أن من7 يغيظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر.
    __________

    1 جائز الوقف على (رسول الله) مبتدأ وخبر، ويبدأ الكلام: (والذين معه أشداء..) الخ وهو الأشبه، وجائز أن يكون: (والذين معه) عطف على (محمد رسول الله) والخبر: (أشداء..) الخ.
    2 إخبار بكثرة ركوعهم وسجودهم وهو كذلك، إذ لم تر الدنيا أكثر من المسلمين ركوعا وسجودا من سائر الأمم التي دانت لله بالإسلام.
    3 السيما: (العلامة ولها ثلاثة مظاهر، الأول: هو يبوسة في الجبهة ولا يتعمدونها ولكنها تحدث من كثرة السجود على الأرض، والثاني: الأثر النفسي من التواضع والخشوع ونور الصلاح. والثالث: نور يوم القيامة يعلو وجوههم ويشهد له قوله تعالى {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} الآية.
    4 موجود في التوراة قبل تحريفها إذ فيها نعوت هذه الأمة ونعوت نبيها محمد صلى الله عليه وسلم وهي إلى الآن واليهود يتأولونها هروبا من الحق حتى لا يلزموا به.
    5 فراخ الزرع فروع الحبة منه.
    6 الجملة تعليلية لما سبقها من صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي: وهبهم ذلك الكمال ليغيظ بهم الكفار.
    7 الرواية كما رواها القرطبي هي: روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير قال كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: (محمد رسول الله والذين معه..) حتى بلغ: (يعجب الزراع ليغيظ به الكفار) فقال مالك من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية. يريد ألزمته بالكفر.

    ****************************** *
    سورة الحجرات
    وآياتها ثماني عشرة آية
    وهي بداية المفصل1

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم (3)


    شرح الكلمات:
    يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا: أي لا تتقدموا بقول ولا فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم.
    بين يدي الله ورسوله: كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكإرادة أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    واتقوا الله إن الله سميع عليم: أي خافوا الله إنه سميع لأقوالكم عليم بأعمالكم.
    لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي: أي إذا نطقتم فوق صوت النبي إذا نطق.
    ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض: أي إذا ناجيتموه فلا تجهروا في محادثتكم معه كما تجهرون في ما بينكم إجلالا له صلى الله عليه وسلم وتوقيرا وتقديرا.
    أن تحبط أعمالكم: أي كراهة أن تبطل أعمالكم فلا تثابون عليها.
    وأنتم لا تشعرون: بحبوطها وبطلانها. إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالاة فهو الكفر والعياذ بالله.
    يغضون أصواتهم عند رسول الله: أي يخفضونها حتى لكأنهم يسارونه ومنهم أبو بكر رضي الله عنه.
    امتحن الله قلوبهم للتقوى: أي شرحها ووسعها لتتحمل تقوى الله. مأخوذ من محن الأديم إذا وسعه.
    لهم مغفرة وأجر عظيم: أي مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم وهو الجنة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} 2 لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا واضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداياهم والرسول يأمر وهم لا يستجيبون حتى تقدم صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده وتحللوا، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي والقول بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مضرة لا يعلم مداها إلا الله، ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل الله تعالى قوله {يا أيها الذين آمنوا}أي بالله ربا وإلها وبالإسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيا ورسولا ناداهم بعنوان الإيمان ليقول لهم ناهيا {لا تقدموا 3بين يدي الله ورسوله} أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعا لما قال الله ورسوله، وشرع الله ورسوله {واتقوا الله} في ذلك فإن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلة كبرى وعاقبتها سوأى. ولذا قال {واتقوا الله إن الله سميع} أي لأقوالكم {عليم} بأعمالكم وأحوالكم. ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا يعمل4 ولا يقضي ولا يفتي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما، فإذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد5 فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة وهذا ما دلت عليه الآية الأولى (1) أما الآية الثانية (2) وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فإنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا ونهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه. وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذ هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفر وهم لا يشعرون. إذ رفع الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد يا محمد أو يا نبي الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفرا محبطا للعمل قطعا. وفي الآية الثالثة (3) يثني الله تعالى على أقوام يغضون أصواتهم أي يخفضونها عند رسول الله أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هؤلاء يخبر تعالى أنه امتحن قلوبهم بالتقوى أي وسعها وشرحها
    لتحمل تقوى الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "التقوى7 ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثا"، ويذكر لهم بشرى نعم البشرى وهي أن لهم منه تعالى مغفرة لذنوبهم، وأجرا عظيما يوم يلقونه وهو الجنة دار المتقين جعلنا الله منهم بفضله ورحمته.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- لا يجوز للمسلم أن يقدم رأيه أو اجتهاده على الكتاب والسنة فلا رأي ولا اجتهاد إلا عند عدم وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد الله ورسوله، أي ألصق بالشرع، وإن ظهر له بعد الاجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة وترك رأيه أو اجتهاده فورا وبلا تردد.
    2- بما أن الله تعالى قد قبض إليه نبيه ولم يبق بيننا رسول الله نتكلم معه أو نناجيه فنخفض أصواتنا عند ذلك فإن علينا إذا ذكر رسول الله بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فلا نضحك ولا نرفع الصوت، ولا نظهر أي استخفاف أو عدم مبالاة وإلا يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.
    3- على الذين يغشون مسجد رسول اله صلى الله عليه وسلم أن لا يرفعوا أصواتهم فيه إلا لضرورة درس أو خطبة أو أذان أو إقامة.
    __________

    1 أشهر الأقوال أن أول المفصل (الحجرات) وأول وسط المفصل (عبس) وأول قصار المفصل: (والضحى) هذا أشهر أقوال المالكية، وطلب هذا لأجل الصلاة المفروضة ففي الصبح يستحب القراءة بطوال المفصل وفي الظهر والعشاء بمتوسطه وفي المغرب بقصاره.
    2 ذكر لسبب نزول هذه السورة عدة روايات منها ما ذكره الواحدي ورواه البخاري وهو أن ركبا من بني تميم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك {يا أيها الذين آمنوا..} الخ
    3 هذه السورة نزلت في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب زيادة على ما تضمنت من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية.
    4 ومن هنا قال العلماء: لا يحل لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
    5 شاهده حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن "بما تحكم؟ قال بكتاب الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه: اجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم".
    6 روى البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له: ما شأنك؟ فقال شر، كان: يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة.
    7 هذا بعض حديث صحيح أخرجه واحد من أصحاب السنن.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #798
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحجرات - (1)
    الحلقة (793)

    سورة الحجرات
    وآياتها ثماني عشرة آية
    وهي بداية المفصل

    المجلد الخامس (صـــــــ 123الى صــــ 132)

    إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم (5) ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (6) واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7) فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم (8)
    شرح الكلمات:
    إن الذين ينادونك من وراءالحجرات: أي حجرات نسائه والذين نادوه من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر
    والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن.
    أكثرهم لا يعقلون: أي فيما فعلوه بمحلك الرفيع ومقامك السامي الشريف.
    ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم: أي ولو أنهم انتظروك حتى تخرج بعد قيامك من قيلولتك.
    لكان خيرا لهم: أي من ذلك النداء بأعلى أصواتهم من كل أبواب الحجرات.
    والله غفور رحيم: أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذا أساءوا مرتين الأولى برفع أصواتهم والثانية كانوا ينادونه أن اخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين.
    واسق بنبأ: أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن.
    فتبينوا: أي تثبتوا قبل أن تقولوا أو تفعلوا أو تحكموا.
    أن تصيبوا قوما بجهالة: أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم.
    فتصبحوا على ما فعلتم نادمين: أي فتصيروا على فعلكم الخاطئ نادمين.
    واعلموا أن فيكم رسول الله: أي فاحذروا أن تكذبوا أو تقولوا الباطل فإن الوحي ينزل وتفضحون بكذبكم وباطلكم.
    لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم: أي لوقعتم في المشقة الشديدة والإثم أحيانا.
    وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان: أي بغض إلى قلوبكم الكفر والفسوق كالكذب والعصيان بترك واجب أو فعل محرم.
    أولئك هم الراشدون: أي الذين فعل بهم ما فعل من تحبيب الإيمان وتكريه الكفر وما ذكر معه هم الراشدون أي السالكون سبيل الرشاد.
    فضلا من الله ونعمة: أي أفضل بذلك عليهم فضلا وأنعم إنعاما ونعمة.
    والله عليم حكيم: أي عليم بخلقه وما يعملون حكيم في تدبيره لعباده هذا بعامة وبخاصة عليم بأولئك الراشدين حكيم في إنعامه عليهم.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تأديب المؤمنين إزاء نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد عاب تعالى أقواما معهم جفاء وغلظة قيل أنهم وفد من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءوا والرسول قائل وقت القيلولة ووقفوا على أبواب الحجرات1 ينادون بأعلى أصواتهم يا محمد يا محمد صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا فإنما مدحنا زين وإن ذمنا شين فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية الكريمة تأديبا لهم {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} حجرات نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أبواب الحجرات إلى المسجد. {أكثرهم لا2 يعقلون} أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعة. {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم} بعد هبوبك من قيلولتك {لكان3 خيرا} أي من ذلك النداء بتعالي الأصوات من وراء الحجرات وقوله تعالى {والله غفور رحيم} أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذ لم يعجل لهم العقوبة وفتح لهم باب التوبة وأدبهم ولم يعنف ولم يغلظ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (6) {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق4 بنبأ فتبينوا أن تصيبوا5 قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} هذه الآية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم، وكان بينهم وبين أسرة الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهذا من وسواس الشيطان فرجع وستر على نفسه الخوف الذي أصابه فذكر أنهم منعوه الزكاة وهموا بقتله فهرب منهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم. وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم يسترضي رسول الله ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل إليهم قبل المغرب فإذا بهم يؤذنون ويصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير والحمد لله.
    وجاء بالزكوات وأنزل الله تعالى هذه الآية قلت إن هذه الآية وإن نزلت في سبب معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن لا يقبلوا من الأخبار التي تنقل إليهم ولا يعملوا بمقتضاها إلا بعد الثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فردا أو جماعة بسوء بدون موجب لذلك ولا مقتض الإقالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب مصلحة أو دفع مضرة عنه. فالأخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف بالتقوى والاستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الأفراد وحماية لأرواحهم وأموالهم.
    والحمد لله على شرع عادل رحيم كهذا. فقوله {إن جاءكم فاسق} المراد بالفاسق من يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثلا, والنبأ الخبر ذو الشأن والتبين التثبت وقوله {أن تصيبوا قوما بجهالة} أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله {فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} أي من جراء ما اتخذتم من إجراء خاطئ، وقوله تعالى في الآية (7) {واعلموا} يلفت الرب تعالى نظر المسلمين إلى حقيقة هم غافلون عنها وهو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم حيا بينهم ينزل عليه الوحي فإن هذه حال تتطلب منهم التزام الصدق في القول والعمل وإلا يفضحهم الوحي فورا إن هم كذبوا في قول أو عمل كما فضح الوليد لما أخبر بغير الحق. هذا أولا وثانيا لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيعهم في كل ما يرونه ويقترحونه لوقعوا في مشاكل تعرضهم لمشاق لا تطاق، بل وفي آثام عظام. هذا معنى قوله تعالى {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم6 في كثير من الأمر لعنتم} وقوله {ولكن الله حبب7 إليكم الأيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فوقاكم كثيرا من أن تكذبوا على رسولكم أو تقترحوا عليه أو تفرضوا آراءكم. وقوله {أولئك هم الراشدون8} أي أولئك أصحاب رسول الله هم السالكون سبيل الرشاد فلا يتهوكون ولا يضلون وقوله {فضلا9 من الله ونعمة} أي هدايتهم كانت فضلا من الله ونعمة، والله عليم بهم وبنياتهم وبواعث نفوسهم حكيم10 في تدبيره فأهل أصحاب رسول الله للخير وأضفاه عليهم فهم أفضل هذه الأمة على الإطلاق ولا مطمع لأحد أتى بعدهم أن يفوقهم في الفضل والكمال في الدنيا ولا في الآخرة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وعنا معهم آمين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان سمو المقام المحمدي وشرف منزلته صلى الله عليه وسلم.
    2- وجوب التثبت في الأخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه، وحرمة التسرع المفضي بالأخذ بالظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والآخرة.
    3- من أكبر النعم على المؤمنين تحبيب الله تعالى الإيمان إليه وتزيينه في قلبه، وتكريه الكفر إليه والفسوق والعصيان وبذلك أصبح المؤمن أرشد الخلق بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    __________

    1 الحجرات: جمع حجرة وهي تسع تدخل ضمن البيت النبوي.
    2 هذا الاحتراس دال على أن من الوفد من كان متأدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يناد نداءهم بصوت عال وألفاظ نابية لا تليق بمقام الرسول صلى الله عليه وسلم.
    3 أي: لو انتظروا خروجك لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب.
    4 فسر الفاسق. بالكاذب وبالمعلن بالذنب، وبالذي لا يستحي من الله وهو قابل لكل ما ذكر.
    5 أن تصيبوا: أي: لئلا تصيبوا.
    6 لو: حرف امتناع لامتناع، امتنعت طاعته صلى الله عليه وسلم لهم فامتنع عنتهم الذي هو: الوقوع في المشقة والشدة.
    7 (لكن) هذه الاستدراكية العاطفة، وهذا الاستدراك ناشيء عن كون بعضهم يحب أن يطيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أن الله حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين، فكفاهم خواطر السوء، ورغبات الباطل، فلم يبق مجال للاقتراحات التي تسيء إليهم وإلى جانب نبيهم صلى الله عليه وسلم.
    8 الرشاد، والرشد: ما كان خلاف الغي، والباطل والسيء.
    9 نصب: (فضلا ونعمه) على المفعولية المطلقة.
    10 جملة: (والله عليم حكيم) تذييلية لما تقدم من قوله: (واعلموا أن فيكم رسول الله) إلى قوله: (ونعمة) .

    *****************************

    وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10) ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (11) ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم (12) ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)

    شرح الكلمات:
    وإن طائفتان من المؤمنين: أي جماعتان قل أفرادهما أو كثروا من المسلمين.
    اقتتلوا فأصلحوا بينهما: أي هموا بالاقتتال أو باشروه فعلا فأصلحوا ما فسد بينهما.
    فإن بغت إحداهما على الأخرى: أي تعدت بعد المصالحة بأن رفضت ذلك ولم ترض بحكم الله.
    فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلىأمر الله: أي قاتلوا أيها المؤمنون مجتمعين الطائفة التي بغت حتى ترجع إلى الحق.
    فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل: أي رجعت إلى الحق بعد مقاتلتها فأصلحوا بينهما بالعدل أي بالحق.
    وأقسطوا إن الله يحب المقسطين: أي وأعدلوا في حكمكم إن الله يحب أهل العدل.
    إنما المؤمنون إخوة: أي في الدين الإسلامي.
    فأصلحوا بين أخويكم: أي إذا تنازعا شيئا وتخاصما فيه.
    واتقوا الله لعلكم ترحمون: أي خافوا عقابه رجاء أن ترحموا إن أنتم اتقيتموه.
    لا يسخر قوم من قوم: أي لا يزدر قوم منكم قوما آخرين ويحتقرونهم.
    عسى أن يكونوا خيرا منهم: أي عند الله تعالى والعبرة بما عند الله لا ما عند الناس.
    ولا تلمزوا أنفسكم: أي لا تعيبوا بعضكم بعضا فإنكم كفرد واحد.
    ولا تنابزوا بالألقاب: أي لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه نحو يا فاسق يا جاهل.
    بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان: أي قبح اسم الفسوق يكون للمرء بعد إيمانه وإسلامه.
    ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون: أي من لمز ونبز المؤمنين فأولئك البعداء هم الظالمون.
    اجتنبوا كثيرا من الظن: أي التهم التي ليس لها ما يوجبها من الأسباب والقرائن.
    إن بعض الظن إثم: أي كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين.
    ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا: أي لا تتبعوا عورات المسلمين وما بهم بالبحث عنها.
    أيحب أحدكم أن يأكل لحم: أي لا يحسن به حب أكل لحم أخيه ميتا ولا حيا معا.
    أخيه ميتا
    فكرهتموه: أي وقد عرض عليكم الأول فكرهتموه فاكرهوا أي كما كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوه حيا وهو الغيبة.
    وجعلناكم شعوبا وقبائل: أي جمع شعب والقبيلة دون الشعب.
    لتعارفوا: أي ليعرف بعضكم بعضا فتعارفوا لا للتفاخر بعلو الأنساب.
    إن أكرمكم عند الله أتقاكم: أي أشدكم تقوى لله بفعل أوامره وترك نواهيه هو أكرم عند الله.
    إن الله عليم خبير: أي عليم بكم وبأحوالكم خبير بما تكونون عليه من كمال ونقص لا يخفى عليه شيء من أشياء العباد.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا1} الآيات ما زال السياق الكريم في طلب تأديب المسلمين وتربيتهم وإعدادهم للكمال الدنيوي والأخروي ففي الآيتين (9) و (10) من هذا السياق يرشد الله تعالى المسلمين إلى كيفية علاج مشكلة النزاع المسلح بين المسلمين الذي قد يحدث في المجتمع الإسلامي بحكم الضعف الإنساني من الوقت إلى الوقت وهو مما يكاد يكون من ضروريات الحياة البشرية وعوامله كثيرة لا حاجة إلى ذكرها فقال تعالى {وإن طائفتان} أي جماعتان {من المؤمنين اقتتلوا} ولو كان ذلك بين اثنين فقط {فأصلحوا} أيها المسلمون {بينها2} بالقضاء على أسباب الخلاف وترضية الطرفين بما هو حق وخير وليس هذا بصعب مع وجود قلوب مؤمنة وهداية ربانية وقوله {فإن بغت إحداهما} أي اعتدت إحدى الطائفتين بعد الصلح
    {على الأخرى} بأن رفضت حكم الله الذي قامت المصالحة بموجبه {فقاتلو} 3 مجتمعين {التي تبغي} أي تعتدي {حتى تفيء إلى أمر الله} أي إلى الحق {فإن فاءت} أي أذعنت للحق ورضيت به {فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا} في حكمكم دائما وأبدا {إن الله يحب المقسطين} 4.
    وقوله تعالى في الآية (10) {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم5 واتقوا الله لعلكم ترحمون} يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها قصرا فليس المؤمنون إلا أخوة لبعضهم بعضا ولذا وجب رأب كل صدع وإصلاح كل فاسد يظهر بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك {واتقوا الله} في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإيمان والإسلام في دياره وقوله {لعلكم ترحمون} فلا يتصدع بنيانكم ولا تتشتت أمتكم وتصبح جماعات وطوائف متعادية يقتل بعضها بعضا.
    ولما لم يتق المؤمنون الله في الإصلاح الفوري بين الطوائف الإسلامية المتنازعة حصل من الفساد والشر ما الله به عليم في الغرب الإسلامي والشرق. وقوله في الآية (11) {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه واحتقاره لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الآية على المسلم أن يحتقر أخاه المسلم ويزدريه منبها إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا خيرا عند الله من المحتقر له والعبرة بما عند الله لا بما عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فلا يحل لمؤمنة أن تزدري وتحتقر أختها المؤمنة عسى أن تكون عند الله خيرا منها والعبرة بالمنزلة عند الله لا عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإفضائها إلى العداوة والشحناء ثم التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب فقال تعالى {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان} ومعنى لا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب6 بعضكم بعضا بأي عيب من العيوب فإنكم كشخص واحد فمن عاب أخاه المسلم وأنما عاب نفسه كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه وهذا معنى ولا تلمزوا أنفسكم وقوله ولا تنابزوا بالألقاب أي لا يلقب المسلم أخاه بلقب يكرهه فإن ذلك يفضي إلى العداوة والمقاتلة وقوله {بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان} أي قبح أشد القبح أن يلقب المسلم بلقب الفسق بعد أن أصبح مؤمنا عدلا كاملا في أخلاقه وآدابه فلا يحل لمؤمن أن يقول لأخيه يا فاسق أو يا كافر أو يا عاهر أو يا فاسد, إ بئس الاسم اسم الفسوق كما أن الملقب للمسلم بألقاب السوء يعد فاسقا وبئس الاسم له أن يكون فاسقا بعد إيمانه بالله ولقائه والرسول وما جاء به, وقوله تعالى {ومن لم يتب} أي من احتقار المسلمين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب يكرهونها {أولئك هم الظالمون} المتعرضون لغضب الله وعقابه. وقوله في الآية (12) {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} ينادي الله تعالى المسلمين بعنوان الإيمان إذ به أصبحوا أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون على الفعل والترك إذ الإيمان بمثابة الروح إذا أحلت الجسم تحرك فأبصرت العين وسمعت الأذن ونطق اللسان وفهم القلب.
    فيقول {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن7} وهو كل ظن ليس له ما يوجبه من القرائن والأحوال والملابسات المقتضية له, ويعلل هذا النهي المقتضي للتحريم فيقول {إن بعض الظن إثم} وذلك كظن السوء بأهل الخير والصلاح فالأمة فإن ظن السوء فيهم قد يترتب عليه قول باطل أو فعل سوء أو تعطيل معروف, فيكون إثما كبيرا, وقوله {ولا تجسسوا} أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالحث عنها والاطلاع عليها أمل في ذلك من الضرر الكبير, وقوله {ولا يغتب بعضكم8 بعضا} أي لا يذكر أحدكم أخاه في غيبته بما يكره وهنا يروى في الصحيح من الأحاديث ما معناه أن رجلا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال له ذكرك أخاك بما يكره فقال الرجل فإن كان فيه ما يكره قال فإن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته والبهتان أسوأ الغيبة. وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا؟ والجواب لا قطعا إذا فكما عرض عليكم لحم أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذا أكل لحمه حيا وهو 9عرضه والعرض أعز وأغلى من الجسم وقوله {واتقوا الله} في غيبة بعضكم بعضا فإن الغيبة من عوامل الدمار والفساد بين المسلمين, وقوله {إن الله تواب رحيم} جملة تعليلية للأمر بالتوبة فأخبر تعالى أنه يقبل توبة التائبين وأنه رحيم بالمؤمنين ومن مظاهر ذلك أنه حرم الغيبة للمؤمن لما يحصل له من بها من ضرر وأذى. وقوله تعالى في الآية (13) {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} هذا نداء هو آخر نداءات الله تعالى عباده في هذه السورة وهو أعم من النداء بعنوان الإيمان فقال {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} من آدم وحواء باعتبار الأصل كما أن كل آدمي مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والآخر أنثى {وجعلناكم شعوبا وقبائل} وبطونا وأفخاذا وفصائل كل هذا لحكمة التعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الآخر ولكن جعلكم شعوبا وقبائل وعائلات وأسر لحكمة التعارف المقتضي للتعاون إذ التعاون بين الأفراد ضروري لقيام مجتمع صالح سعيد فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرقوا لأجل التفاخر بالأنساب فإنه لا قيمة للحسب ولا للنسب إذا كان المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إن أكرمكم عند الله أتقاكم10. إن الشرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه وقوله تعالى {إن الله عليم خبير} جملة تعليلية يبين فيها تعالى أنه عليم بالناس عليم بظواهرهم وبواطنهم وبما يكملهم ويسعدهم خبير بكل شيء في حياتهم فليسلم له التشريع بالتحليل والتحريم والأمر والنهي فإنه على علم بالحال والمآل وبما يسعد الإنسان وبما يشقيه فآمنوا به وأطيعوه تكملوا وتسعدوا.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب مبادرة المسلمين إلى إصلاح ذات البين بينهم كلما حصل فساد أو خلل فيها.
    2- وجوب تعاون المسلمين على تأديب أية جماعة تبغي وتعتدي حتى تفيء إلى الحق.
    3- وجوب الحكم بالعدل في أية قضية من قضايا المسلمين وغيرهم.
    4- تقرير الأخوة الإسلامية ووجوب تحقيقها بالقول والعمل.
    5- حرمة السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين.
    6- وجوب إجتناب كل ظن لا قرينة ولا حال قوية تدعو إلى ذلك.
    7- حرمة التجسس أي تتبع عورات المسلمين وكشفها وإطلاع الناس عليها.
    8- حرمة الغيبة والنميمة. والنميمة هي نقل الحديث على وجه الإفساد ولذا يجوز ذكر الشخص وهو غائب في مواطن هي التظلم بأن يذكر المسلم من ظلمه لإزالة ظلمه، الاستعانة على تغير المنكر بذكر صاحب المنكر. الاستفتاء نحو قول المستفتي ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له ذلك، تحذير المسلمين من الشر بذكر فاعله قصد أن يحذروه، المجاهر بالفسق لا غيبة له، التعريف بلقب لا يعرف الرجل إلا به.
    9- حرمة التفاخر بالأنساب ووجوب التعارف للتعاون.
    10- لا شرف ولا كرم إلا بشرف التقوى وكرامتها {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وفي الحديث "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" رواه الطبراني.
    __________

    1 قال مجاهد: نزلت هذه الآية في الأوس والخزرج حيث تقاتل حيان من الأنصار بالعصي والنعال.
    2 قال القرطبي: بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كما قال معاذ: أحكم بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    3 هذه الآية نص صريح في وجوب قتال أهل البغي, وهم الذين يخرجون عن إمام المسلمين ظلما وعدوانا بعد دعوتهم إلى الطاعة لله ورسوله وإمام المسلمين, ولا التفات إلى من يرى غير هذا, ومن أحكام قتال أهل البغي أنه لا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم أي لا يجهز عليه قتلا ولا تسبى ذراريهم ولا نساؤهم ولا أموالهم.
    4 روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور عن يمين العرش: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
    5 الآية دليل على أن اسم الإيمان لا يزول بالبغي فإن الله تعالى قال (بين أخويكم) فأثبت أخوة الإيمان ولم يسقطها بالبغي. روى أن عليا سئل عن قتال أهل البغي من أهل الجمل, وصفين, أمشركون هم؟ قال: لا, من الشرك فروا فقيل: أمنافقون؟ قال لا لأن المنافقين لايذكرون الله إلا قليلا, فقيل له فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
    6 قال عبد الله بن مسعود: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.
    7 قالت العلماء: الظن هو هنا التهمة بدون قرينة حال تدل عليها أو تدعو إليها وقد صح الحديث بتحريم الظن السيء بقوله صلى الله عليه وسلم
    في رواية الصحيح "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
    8 الغيبة عامة في الدين والخلق والحسب والنسب ولا وجه لتخصيصها بواحد مما ذكر, وكيف وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله" ذكرك أخاك بما يكره".
    9 قال قتادة كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا, واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب جارية بذلك قال الشاعر:
    فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
    وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
    10 روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم" خطب بمكة فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله, وفاجر شقي هين على الله".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #799
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحجرات - (2)
    الحلقة (794)

    سورة الحجرات
    وآياتها ثماني عشرة آية
    وهي بداية المفصل

    المجلد الخامس (صـــــــ 133الى صــــ 138)

    قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم (14) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون (15) قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم (16) يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (17) إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون (18)

    شرح الكلمات:
    قالت الأعراب آمنا: هم نفر من بني أسد قدموا على الرسول وقالوا له آمنا وهم غير مؤمنين.
    قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا: أي قل لهم إنكم ما آمنتم بعد ولكن قولوا أسلمنا أي استسلمنا وانقدنا.
    ولما يدخل الإيمان في قلوبكم: أي ولما يدخل الإيمان بعد في قلوبكم ولكنه يتوقع له الدخول.
    وإن تطيعوا الله ورسوله: أي في الإيمان والقيام بالفرائض واجتناب المحارم.
    لا يلتكم من أعمالكم شيئا: أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا.
    إن الله غفور رحيم: أي غفور للمؤمنين رحيم بهم إن هم صدقوا في إيمانهم.
    إنما المؤمنون: أي حقا وصدقا لا إدعاء ونطقا هم.
    الذين آمنوا بالله ورسوله: أي بالله ربا وإلها وبالرسول محمد نبيا ورسولا.
    ثم لم يرتابوا: أي لم يشكوا فيما آمنوا به.
    وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله: أي جاهدوا مع رسول الله أعداء الله وهم الكافرون بأموالهم وأنفسهم.
    أولئك هم الصادقون: أي في إيمانهم لا الذين قالوا آمنا بألسنتهم واستسلموا ظاهرا ولم يسلموا باطنا.
    قل أتعلمون الله بدينكم: أي قل لهم يا رسولنا أي لهؤلاء الأعراب أتشعرون الله بدينكم.
    يمنون عليك أن أسلموا: أي كونهم أسلموا بدون قتال وغيرهم أسلم بعد قتال.
    قل لا تمنوا علي إسلامكم: أي لا حق لكم في ذلك بل الحق لله الذي هداكم للإيمان إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم مؤمنون.
    إن الله يعلم غيب السماوات والأرض: أي أن الله يعلم ما غاب في السماوات وما غاب في الأرض فلا يخفى عليه أمر من صدق في إيمانه وأمر من كذب، ومن أسلم رغبة ومن أسلم رهبة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قالت الأعراب آمنا1} هؤلاء جماعة من أعراب بني أسد وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
    بالمدينة بأولادهم ونسائهم في سنة مجدبة فأظهروا له الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في نفوسهم، فكانوا يغدون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويروحون ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحها، ونحن قد جئناك بالأطفال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على رسول الله وهم يريدون الصدقة ويقولون أعطنا فأنزل الله تعالى هذه الآية تربية لهم وتعليما إتماما لما اشتملت عليه سورة الحجرات من أنواع الهداية والتربية الإسلامية فقال تعالى {قالت الأعراب} أعراب بني أسد آمنا أي صدقنا بتوحيد الله وبنبوتك.
    قل لهم ردا عليهم لم تؤمنوا بعد، ولكن الصواب أن تقولوا أسلمنا أي أذعنا للإسلام وانقدنا لقبوله وهو الإسلام الظاهري، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم بعد وسيدخل إن شاء الله. وإن تطيعوا الله ورسوله أيها الأعراب في الإيمان الحق وفي غيره من سائر التكاليف لا يلتكم2 أي لا ينقصكم الله تعالى من أجور أعمالكم الصالحة التي تعملونها طاعة لله ورسوله شيئا وإن قل. وقوله إن الله غفور رحيم في هذه الجملة ترغيب لهم في الإيمان الصالح والإسلام الصحيح فأعلمهم أن الله تعالى غفور للتائبين رحيم بهم وبالمؤمنين فتوبوا إليه واصدقوه يغفر لكم ويرحمكم وقوله تعالى في الآية (15) إنما المؤمنون الآية يعرفهم تعالى بالإيمان الصحيح دعوة منه لهم لعلهم يؤمنون فقال {إنما المؤمنون3} أي حقا وصدقا الذين آمنوا بالله ربا وإلها ورسوله نبيا مطاعا، ثم لم يرتابوا، أي لم يشكوا أبدا في صحة ما آمنوا به، وجاهدوا أي أنفسهم وألزموها الاستعداد للنهوض بالتكاليف الشرعية في المنشط والمكره، كما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعداء الإسلام من المشركين والكافرين وذلك الجهاد بالنفس والمال لا هدف له إلا طلب رضا الله سبحانه وتعالى أي لم يكن لأي غرض مادي دنيوي وإنما لرضا الله ولإعلاء كلمة الله وهؤلاء هم الصادقون في دعوى الإيمان وقوله تعالى في الآية (16) {قل أتعلمون الله بدينكم} أي قل يا رسولنا لأولئك الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم أتعلمون الله بدينكم أي بإيمانكم وطاعتكم وتشعرونه بهما والحال أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، والله بكل شيء عليم إنه لا معنى لتعليمكم الله بدينكم وهو يعلم ما في السماوات وما في الأرض وهو بكل شيء عليم إنه مظهر من مظاهر جهلكم بالله تعالى، إذ لو علمتم أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض من دقيق وجليل لما فهمتم بما فهمتم به من إشعاركم الله بإيمانكم وطاعتكم له. قوله تعالى في الآية (17) 4 {يمنون عليك أن أسلموا} 5 أي من أولئك الأعراب عليك يا رسولنا إيمانهم إذ قالوا آمنا بك ولم نقاتلك كما فعل غيرنا قل لهم لا تمنوا علي إسلامكم واضرب عن هذا وقل لهم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان، فالمنة لله عليكم لا أن تمنوا أنتم على رسوله. وقوله تعالى {إن الله يعلم غيب6 السماوات والأرض} أي كل ما غاب في السماوات وما غاب في الأرض من سانح في السماء وسابح في الماء وسارح في الغبراء فليس في حاجة أن تعلموه بدينكم وتمنونه على رسوله صلى الله عليه وسلم بما تعملون من عمل قل أو كثر خفي أو ظهر فاعلموا هذا وتأدبوا مع الله وأحسنوا الظن فيه تنجوا من هلاك لازم لمنا أساء الظن بالله وأساء الأدب مع رسول الله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان طبيعة أهل البادية وهي الغلظة والجفاء والبعد عن الكياسة والأدب.
    2- بيان الفرق بين الإيمان والإسلام إذا اجتمعا فالإيمان من أعمال القلوب والإسلام من أعمال الجوارح. وإذا افترقا فالإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان والحقيقة هي أنه لا يوجد إيمان صحيح بدون إسلام صحيح، ولا إسلام صحيح بدون إيمان صحيح، ولكن يوجد إسلام صوري بدون إيمان، وتوجد دعوى إيمان كاذبة غير صادقة.
    3- بيان المؤمنين حقا وهم الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم.
    4- بيان حكم المن وأنه مذموم من الإنسان ومحمود من الرحمن عز وجل وحقيقة المن هي عد النعمة وذكرها للمنعم عليه وتعدادها المرة بعد المرة.
    5- بيان إحاطة علم الله بسائر المخلوقات، وأنه لا يخفى عليه من أعمال العباد شيء.
    __________

    1 هذه الآية نزلت في أعراب بني أسد، وليست عامة في كل الأعراب لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كبعض أعراب أسلم وغفار وجهينة ومزينة.
    2 (لا يلتكم) أي لا ينقصكم يقال: لاته يلته، ويلوته إذا نقصه وقرأ أبو عمرو (لا يألتاكم) مهموزا من ألت يألت ألتا نحو قوله تعالى: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} وشاهد الأول:
    وليلة ذات ندى سريت
    ولم يلتني عن سراها ليت
    3 لما نزلت هذه الآية: {إنما المؤمنون} حلف الأعراب أنهم مؤمنون في السر والعلانية فأكذبهم الله تعالى في دعواهم الكاذبة فأنزل عز وجل {قل أتعلمون الله بدينكم} أي: الذي أنتم عليه؟

    ******************************
    سورة ق
    مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ق والقرآن المجيد (1) بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (2) أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد (3) قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ (4) بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج (5)

    شرح الكلمات:
    ق: هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب هكذا ق وتقرأ هكذا قاف.
    والقرآن المجيد: أي والقرآن المجيد أي الكريم قسمي لقد أرسلنا محمدا مبلغا عنا.
    بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم: أي بل عجب أهل مكة من مجيء منذر أي رسول منهم ينذرهم عذاب الله يوم القيامة.
    فقال الكافرون هذا شيء عجيب: أي فقال المكذبون بالبعث هذا أي البعث بعد الموت والبلى شيء عجيب.
    أئذا متنا وكنا ترابا: أئذا متنا وصرنا ترابا أي رفاة وعظاما نخرة نرجع أحياء.
    ذلك رجع بعيد: أي بعيد بالإمكان في غاية البعد.
    قد علمنا ما تنقص الأرض منهم: أي قد أحاط علمنا بكل شيء فعلمنا ما تنقص الأرض من
    أجساد الموتى وما تأكل من لحومهم وعظامهم فكيف يستبعد منا إحياؤهم بعد موتهم.
    وعندنا كتاب حفيظ: أي كتاب المقادير الذي قد كتب فيه كل شيء ومن بين ذلك أعداد الموتى وأسماؤهم وصورهم وأجسامهم ويوم إعادتهم.
    بل كذبوا بالحق لما جاءهم: بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذيبهم بالبعث وهو تكذيبهم بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه.
    فهم في أمر مريج: أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون لا يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ق} الله أعلم بمراده به إذ هو من الحروف المقطعة الأحادية نحو ص. ون وقوله تعالى {والقرآن المجيد2} أي الكريم فالقرآن مجيد كريم بما فيه من الخير والبركة إذ قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات. وقوله والقرآن المجيد قسم والجواب محذوف تقديره إن محمدا لرسول أمين. وقوله تعالى {بل عجبوا3 أن جاءهم منذر منهم} أي إنهم لم يستنكروا أصل الإرسال إليهم وإنما أنكروا كون المرسل بشرا مثلهم ينذرهم عذاب يوم القيامة وهم لا يؤمنون بالبعث الآخر فلذا قالوا ما أخبر تعالى به عنهم وقوله {فقال الكافرون} أي بالبعث {هذا شيء عجيب} أي أمر يدعو إلى التعجب إذ من مات وصار ترابا لا يعقل أن يبعث مرة أخرى فيسأل ويحاسب ويجزي وقد أفصحوا عن معتقدهم بقولهم {أإذا متنا4 وكنا ترابا} ذلك الرجوع إلى الحياة رجوع بعيد التحقيق.
    قال تعالى {قد علمنا ما تنقص5 الأرض منهم وعندنا كتاب6 حفيظ} هذه برهنة واضحة على إبطال دعواهم وتحقيق عقيدة البعث أي قد علمنا ما تنقص الأرض منهم بعد الموت من لحم وعظم، وعندنا كتاب حفيظ قد حوى كل شيء وحفظه مادة وكمية وكيفية بمقتضاه يعود الخلق كما بدأ لا ينقص منه شيء وقوله، {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} أي إن هناك ما هو أشنع من إنكارهم وأقبح عقلا وهو تكذيبهم بالقرآن ومن أنزل عليه وهو الحق من الله فلذا هم فيه في أمر مريج أي مختلط فمرة قالوا في الرسول إنه ساحر وقالوا شاعر وقالوا مفتر كذاب وقالوا في القرآن أساطير الأولين فهم حقا في أمر مريج مختلط عليهم لا يدرون ما يقولون ويثبتون عليه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان شرف القرآن ومجده وكرمه.
    2- تقرير البعث والوحي الإلهي.
    3- البرهنة الصحيحة الواضحة على صحة البعث والجزاء وإمكانهما.
    4- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير كتاب المقادير.
    __________

    1 صح في الموطأ وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة في صلاة الصبح وفي عيدي الأضحى والفطر أيضا مع سورة القمر.
    2 المجيد: المتصف بقوة المجد، والمجد والمجادة: الشرف الكامل، وكرم النوع ولذا فالقرآن يفوق في مجده كل كلام على الإطلاق حتى الكلام الموحى به إلى رسل الله عليهم السلام.
    3 (بل) للإضراب الانتقالي، وهو انتقال من تقرير النبوة المحمدية التي أثبتها بالقسم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء إذ أورد قول الكافرين المنكرين لها ثم أثبتها بالأدلة القاطعة من عدة آيات كأنما قال: دع ذا واسمع ما أقول. و (أن جاءهم) مجرور بمن محذوفة أي من أن جاء وبعد السبك من مجيئهم.
    4 الاستفهام للإبطال والتعجيب والمتعجب منه محذوف تقديره أنرجع إلى الحياة بعد انعدامنا بالموت وصيرورتنا ترابا؟
    5 قوله (ما تنقص الأرض) إشارة إلى أن هناك أجسادا لا تبيد كلها بل يبقى أبعاضها، وإلى أن عجب الذنب لا يفنى ولا يبيد بل يبقى كما هو ليعاد الخلق به يوم القيامة.
    6 التنكير في (كتاب) للتعظيم ويدل عليه قوله (حفيظ) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #800
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,919

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة ق - (1)
    الحلقة (795)

    سورة ق
    مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 138الى صــــ 142)

    أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج (7) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب (8) ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد (9) والنخل باسقات لها طلع نضيد (10) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج (11)

    شرح الكلمات:
    أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم: أي أعملوا فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى السماء كائنة فوقهم فيعلموا أن استبعادهم للبعث غير صحيح.
    كيف بنيناها وزيناها: أي كيف بنيناها بلا عمد. وزيناها بالكواكب.
    وما لها من فروج: أي وليس لها من شقوق تعيبها.
    والأرض مددناها1: أي بسطناها
    وألقينا فيها رواسي: أي جبالا رواسي ثوابت لا تسير ولا تتحرك مثبتة للأرض كي لا تميد بأهلها.
    وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج2: أي وأنبتنا في الأرض من كل صنف من أنواع النباتات حسن.
    تبصرة وذكرى لكل عبد منيب: أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى منا لكل عبد منيب إلى طاعتنا رجاع إلينا.
    ونزلنا من السماء ماء مباركا: أي ماء المطر كثير البركة.
    فأنبتنا به جنات وحب الحصيد: أي أنبتنا بماء السماء بساتين وحب الحصيد أي المحصود من البر والشعير.
    والنخل باسقات3: أي وأنبتنا بالماء النخيل الطوال العاليات.
    لها طلع نضيد: أي لها طلع منضد متراكب بعضه فوق بعض.
    رزقا للعباد: أي أنبتنا ما أنبتنا من الجنات والحب الحصيد والنخل الباسقات قوتا للعباد ورزقا لهم مؤمنهم وكافرهم.
    وأحيينا به بلدة ميتة: وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة ميتة لا نبات فيها من الجدب الذي أصابها والقحط.
    كذلك الخروج: أي كما أخرجنا النبات من الأرض الميتة بالماء نخرجكم أحياء من قبوركم يوم القيامة بماء ننزله من السماء على الأرض فتنبتون كما ينبت البقل.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث وهي العقيدة التي بني عليها كل إصلاح يراد للإنسان بعد عقيدة الإيمان بالله تعالى ربا وإلها قال تعالى {أفلم ينظروا4 إلى السماء فوقهم كيف5 بنيناها وزيناها وما لها من فروج} أي أعمي أولئك المنكرون للبعث المكذبون بلقاء ربهم يوم القيامة فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى حجم السماء الواسع العالي الرفيع الكائن فوقهم وقد رفع بلا عمد ولا سند.
    وقد زينه خالقه بكواكب نيرة وأقمار منيرة وشموس مضيئة ولم ير في السماء من تصدع ولا شقوق6 ولا تفطر الحياة كلها أليس على خلق السماء قادر على إحياء موتى خلقهم وأماتهم بقدرته أليس القادر على الخلق ابتداء وعلى الإماتة ثانية بقادر على إحياء من خلق وأمات؟ 7 وقوله {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي} أي مالهم لا ينظرون إلى الأرض أي بسطها وألقى فيها الجبال لتثبيتها حتى لا تميد بهم, وقوله {وأنبتنا فيها من كل زوج} أي صنف من النباتات والزروع بهيج المنظر حسنه, وقوله {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} وقوله {ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد8} أي أليس الذي أنزل من السماء ماء مباركا لما يكثر به من الخيرات والبركات من النبات والحيوان فأنبت به جنات أي بساتين من أشجار ونخيل وأعناب, وأنبت به حب الحصيد وهو كل حب يحصد عند طيبه من قمح وشعير وذرة وغيرها وأنبت به النخل الباسقات العاليات المرتفعات في السماء لها طلعها النضيد المتراكب بعضه فوق بعض ليتحول إلى رطب شهي يأكله الإنسان وقوله رزقا للعباد أي قوتا لهم يقتاتون به مؤمنين وكافرين إلا أن المؤمن إذا أكل شكر والكافر إذا أكل كفر, وقوله {وأحيينا به} أي بالماء الذي أنزلناه من السماء مباركا بلدة ميتا لا نبات بها ولا عشب ولا كلأ فأصبحت تهتز رابية كذلك الخروج أي هكذا يكون خروجكم من قبوركم أيها المنكرون للبعث ينزل الله من السماء ماء فتنبتون وتخرجون من قبوركم كما يخرج الشجر والزرع من الأرض بواسطة الماء المبارك فبأي عقل تنكرون البعث أيها المنكرون. إنها كما قال تعالى {لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث بمظاهر القدرة الإلهية في الكون.
    2- مشروعية النظر والاعتبار فيما يحيط بالإنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة طلبا لزيادة الإيمان والوصول به إلى مستوى اليقين.
    3- فضل العبد المنيب وفضيلة الإنابة إلى الله تعالى والمنيب هو الذي يرجع إلى ربه في كل ما يهمه والإنابة التوبة إلى الله والرجوع إلى طاعته بعد معصيته.
    __________

    1 (الأرض) منصوب على الاشتغال أي: مددنا الأرض مددناها.
    2 (من) ليست للتبعيض بل هي للتأكيد إلا أن زيادتها مع الإثبات نادرة كما هنا.
    3 لا يقال للطويل: باسق إلا إذا كان طوله في علو وارتفاع أما ما يكون طوله في امتداد وانبساط فلا يقال له باسق.
    4 الاستفهام للإنكار عليهم عدم النظر لتقرر به عقيدة البعث والجزاء، والفاء تفريعية على إنكارهم السابق للبعث الآخر.
    5 (فوقهم) ظرف في محل الحال، وأطلق البناء على خلق العلويات بجامع الارتفاع والاستمساك وعدم السقوط والانهيار.
    6 من آيات القدرة والعلم الإلهيين: كون السماء على شكل قبة مرفوعة في قالب لا تشقق فبها ولا تصدع مزينة بأنواع النجوم والكواكب.
    7 بلى إنه لقادر بلا مرية ولا شك.
    8 (رزقا) منصوب على أنه مفعول لأجله.

    ****************************** ******

    كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود (12) وعاد وفرعون وإخوان لوط (13) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد (14) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد (15)

    شرح الكلمات:
    كذبت قبلهم قوم نوح: أي قبل قومك يا رسولنا بالبعث والتوحيد والنبوة قوم نوح.
    وأصحاب الرس وثمود: أي وكذب أصحاب الرس وهي بئر كانوا مقيمين حولها يعبدون الأصنام وثمود وهم أصحاب الحجر قوم صالح.
    وعاد وفرعون: وكذبت عاد قوم هود، وكذب فرعون موسى عليه السلام.
    وإخوان لوط وأصحاب الأيكة: أي وكذب قوم لوط أخاهم لوطا، وكذب أصحاب الأيكة شعيبا.
    وقوم تبع: أي وكذب قوم تبع الحميري اليمني.
    كل قد كذب الرسل: أي كل من ذكر قد كذب الرسل فلست وحدك المكذب يا محمد صلى الله عليه وسلم.
    فحق وعيد: أي فوجب وعيدي لهم بنزول العذاب عليهم فنزل فهلكوا.
    أفعيينا بالخلق الأول1: أي أفعيينا بخلق الناس أولا والجواب لا إذا فكيف نعي بخلقهم ثانية وإعادتهم كما كانوا؟.
    بل هم في لبس من خلق جديد: أي هم غير منكرين لقدرة الله عن الخلق الأول بل هم في خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة وهي أن كل من مات منهم يرونه يفنى ولا يعود حيا.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثبات النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى {كذبت2 قبلهم} أي قبل قريش المكذبين بالبعث والجزاء وبالنبوة المحمدية كذبت قبلهم قوم نوح وهي أول أمة كذبت وعاش نوح نبيها ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوها إلى الله فلم يؤمن منهم أكثر من نيف وثمانين نسمة، وأصحاب الرس أيضا قد أخذوا نبيهم ورسوه في بئر فقتلوه فأهلكهم الله تعالى في بئر كانوا يقيمون على أصنام حولها يعبدونها فأهلكهم في تلك البئر وأهلك ثمودا وهم قوم صالح، وعادا وهم قود هود وفرعون موسى وقوم لوط3، وأصحاب الأيكة أي الشجر الملتف إذ كانوا يعبدون أشجار تلك الأيكة، وقوم تبع وهو تبع الحميري اليمني. وقوله تعالى {كل كذب الرسل} أي كل تلك الأمم التي ذكرنا كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم ولا بما جاءوهم به من التوحيد والشرع {فحق وعيد} 4 أي فوجب لذلك عذابهم الذي وعدتهم به على ألسنة رسلي إن لم يؤمنوا فأهلكناهم أجمعين وقومك يا محمد هم موعودون أيضا بالعذاب إن لم يبادروا بالإيمان والطاعة. قوله تعالى {أفعيينا5 بالخلق الأول} والجواب لا إذ الاستفهام للنفي أي لم يعي الله تعالى بخلق كل ما خلق من الملائكة والإنس والجن فكيف إذا يعيى بالإعادة وهي أهون من البدء والبداية، وقوله تعالى {بل هم6 في لبس من خلق جديد} أي أنهم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول بل هم في لبس أي خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة حيث هم يرون الناس يموتون ولا يحيون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وتسليته بإعلامه بأن قومه ليسوا أول من كذب الرسل.
    2- تهديد المصرين على التكذيب من كفار قريش بالعذاب إذ ليسوا بأفضل من غيرهم وقد أهلكوا لما كذبوا.
    3- تقرير البعث والجزاء وإثبات عقيدتهما بالأدلة العقلية كبدء الخلق.
    4- ضعف إدراك المنكرين للبعث لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي.
    __________

    1 أي: (أفعيينا) به فنعني بالبعث وهو توبيخ لمنكري البعث وجواب على قولهم ذلك رجع بعيد يقال: عييت بالأمر: إذا لم تعرف وجهه هذا في المعاني أما في الذوات فعيي بمعنى عجز ولم يقدر عليه.
    2 هذا استئناف ابتدائي الغرض منه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بإعلامه أن أمما كثيرة قد كذبت رسلها قبل تكذيب قومه له صلى الله عليه وسلم.
    3 قوله تعالى: {وإخوان لوط} عبر بالإخوان دون القوم تنويع للأسلوب والمراد بهم قوم لوط، والأخوة هنا أخوة تلازم ومواطنه وما هي بأخوة دين ولا نسب وأصحاب الأيكة: هم قوم شعيب عليه السلام.
    4 أي: صدق وعده فيهم ووجب وقوعه عليهم.
    5 الاستفهام للإنكار والتغليظ إذ لا يسعهم إلا الاعتراف بأن الله تعالى الذي خلق كل شيء في الأرض والسماء ومن جملة ذلك خلقهم هم المنكرون للبعث فكيف يعجز عن إعادة خلقهم مرة أخرى للجزاء والحساب.
    6 (بل) للإضراب الإبطالي أي: ما عيينا بالخلق الأول.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •