تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 63 من 63

الموضوع: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    1,132

    افتراضي رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    لا للاعتداء على حدود الله

    تدبروا في الآية الثانية في سورة المائدة
    (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)
    لا للاعتداء، وهذه من الكلمات العظيمة في السورة، لا اعتداء لا زيادة ولا نقصان في الشيء الذي ينبغي أن يكون عن الحدّ الذي أمر به الله سبحانه وتعالى، أيّ شكل من أشكال الاعتداء هناك تجاوز للخط، سورة المائدة حوت خطوطا في الطعام، في الذبائح، في الصيد، في عشرات الأشياء، هذه الخطوط لا ينبغي تجاوزها فإذا حصل التجاوز يحدث الخلل.

    ولذلك قال (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ) حتى البغض والكراهية التي قد تكون مبرّرة في بعض الأحيان (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (أَنْ تَعْتَدُوا) هذا ليس مبررًا كافيًا لأنك أنت مأمور بعدم تجاوز خط العدالة، الاعتداء منهيٌ عنه لا يسوّغه شيء (ولا تعتدوا) ولذلك قال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) تدبروا عدوان مرة أخرى في آية واحدة قال (تعتدوا – العدوان) لأن العدوان والتجاوز هو من أسباب عدم الوفاء بكل تلك الالتزامات والعقود فمنذ البداية سورة المائدة حددت الإطار العام لكل العقود: وفاء، تعاون على البر والتقوى في الوفاء بتلك العقود وفي نفس الوقت عدم التعاون على الإثم والعدوان الذي يهدّم كل صور وأشكال الوفاء بالعقود: الإثم والعدوان.

    فكل ما نحن فيه من أشكال الانتفاع والتصرف في الحياة سواء في أنفسنا، في أموالنا التي هي ليست على وجه الحقيقة أموال خالصة لنا، المال مال الله، في كل الأشياء المسخّرات أدخل فيها في عقد انتفاع فعليّ أن أتعامل فيها بالبر والتقوى هذه هي القاعدة حتى أصل لمرحلة الوفاء وحتى لو اقتضى ذلك الأمر أن يكون حين يحدث اعتداء فلا بد لجماعة الإنسان الجنس الإنساني البشرية أن يتعاونوا لأجل إعادة الأمور إلى نصابها البر والتقوى وأن لا يكون التعاون والتكتل والتجمع على الإثم والعدوان لحماية العقود.
    ولذلك ما يحصل اليوم من تجاوزات ومن اعتداء على البيئة والموارد البشرية وعلى الأرض وعلى المسخّرات وعلى الحيوان وعلى الماء هذه لا بد أن يكون لأجلها تجمعات إنسانية حقيقية تأخذ على المعتدي الآثم لتضع الأمور في نصابها ويبقى الجنس الإنساني وفيا بعقده والتزامه في الانتفاع بهذه المقدّرات الموجودة في هذا الكون.
    ولهذا قال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ) لأنه بدون تقوى لن يكون هناك تعاون على البر والتقوى (التقوى – واتقوا الله) التقوى مخافة الله عز وجلّ الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى.

    تدبروا في الربط بين هذه الآيات وأوائل سورة النساء حين قال (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) الوصية العظيمة، الوصية الباقية: التقوى. رصيد الإنسان من التقوى، بقدر نصيبك من التقوى بقدر ما يكون الوفاء بالعقود والإلتزام بكل شيء سواء كانت العقود بينك وبين الطبيعة، البيئة وبينك وبين الناس في محيط الأسرة، في محيط العمل، كل الأشكال هي عقود، ما الذي يدفعني للوفاء بها؟ رصيد التقوى.

    ثم ختم بقوله
    (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
    طبيعي!
    الإنسان الذي لا يسير في العقد على الإلتزام بم جاء فيه من شروط عليه أن يكون مستعدًا لإنزال العقوبة به، شيء طبيعي! نحن حتى في تعاملاتنا في العقود هناك ما يسمى بالشرط الجزائي حين لا يقوم طرف من طرفيّ العقد بالوفاء بمقتضيات العقد – ولله المثل الأعلى- إذا ما قمنا بالالتزام بهذه العقود التي ستأتي في هذه السورة العظيمة من البداية قال الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لا زلنا في الاية الثانية في سورة المائدة، شديد العقاب لمن لم يوفّي بالعقود بكل أشكالها بكل مستوياتها بكل صورها.

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    1,132

    افتراضي رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    أول فئة من تلك الفئات المشمولة بالعقود


    (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَ ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ)


    لماذا هذه الأصناف؟


    صحيح هناك حكم في التشريع، الأصل في التشريع وخاصة تشريع المعاملات الأصل فيه أن يتبين الإنسان المقصد ويتفهم الحكمة من التشريع حتى يستقر معنى الالتزام والتمسك بذلك التشريع بشكل واضح وعملي.


    هذه الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى هي من مخلوقاته ولكن أعطى للإنسان القدرة على الاستفادة والانتفاع بها حين تكون بشكل معين وفق ما هو أراد الله سبحانه وتعالى فأعطاه، الأنعام حين لا تكون ميتة مباحة عن طريق الذبح ولكنها إذا أصحبت ميتة حرّمت عليكم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تدبروا!


    ثم قضية الدم والأشياء الأخرى التي جاء ذكرها في الآية الكريمة.

    لماذا الممنوع والمنهي عنه؟



    ربي سبحانه وتعالى حدد لنا منذ البداية أن هذه الدنيا دار ابتلاء فيها أشياء يسمح لك أن تقوم بها، أكل، طعام، وهناك أشياء تدخل في دائرة الممنوع أو المحظور أو المحرم وفي كلتا الدائرتين لا بد أن يكون هناك نوع من الاختبار والتمرين لإرادتك كإنسان.


    لو كان كل شيء مباح فاختبار الإرادة لم يكن له ذلك الرصيد، وربي أعلم بنا لكنه بعدله سبحانه وتعالى أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا وأعظم ما في الإنسان ومن أكرم الأشياء فيه قوة الإرادة أن يمنع نفسه عن الشيء حين يكون محظورًا أو ممنوعًا، كرمه الله سبحانه وتعالى بهذا، كرّمه أن نفسه المؤمنة الطاهرة النقية تعاف الحرام، تعفّ عن الخبيث الحرام الممنوع

    ولذلك في سورة المائدة جاءت أشياء ممنوعة محظورة محرّمة سواء في المطعم والمأكل والمشرب وفي الزواج وكذلك في التعاملات حتى في الأموال ليس كل المال حلال،


    الأكل ليس فقط ما كان في دائرة الحرام التي ذكرتها الآية الثالثة: الخنزير، الدم، الميتة فقط، لا،


    هناك أشكال من الأكل الحرام المعنوي مثل أكل السحت الذي سيأتي عليه في سورة المائدة.

    فالمسألة تتعلق بهذا الاختبار والابتلاء الذي لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الإنسان وهو يباشر انتفاعه بهذه الأشياء الموجودة في الكون، عليه أن يتعلم متى وكيف يقول لنفسه لا، ولكن قول اللا هنا ليس محكومًا بمزاجه الفردي ولا بأهواء من يمكن أن يأخذ منه تشريع وإنما هو محكوم بما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه ولذلك جاءت الآية هنا

    (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)


    هذا تشريع.

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    1,132

    افتراضي رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الحكمة من الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة

    (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)
    لنا أن نتساءل ونحن في بدايات سورة المائدة لماذا بدأ ربي سبحانه وتعالى بالحديث عن الأشياء الحلال والمحرّمات في المطعم قبل أيّ شيء آخر؟

    المطعم شيء مهم في حياة الإنسان. هذا الجسد، ربي سبحانه وتعالى خلق الإنسان من جسد من اللحم والدم وخلق معه الروح وهي شيء متكامل مع بعضها البعض تشكّل الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في أصل خلقته فقضية الطعام والشراب مهمة جدًا لأنها تعتني بذلك البناء الجسدي للإنسان والقرآن بعد ذلك كما سيأتي سيأتي الحديث عن الوضوء والطهارة، طهارة الباطن وطهارة الأعضاء وتجهيزها للدخول في كافة العبادات والشعائر وإقامة تلك الشعائر لا يكون بجسد نصفه قد غُذّي بالخبث والحرام ونصفه الآخر يحاول أن يتطهر تطهيرًا ظاهريًا، لا، القرآن لا يقبل بأنصاف الحلول، القرآن يريد منا أن نكون بشرًا نتصف بالطهارة الحقيقية طهارة الباطن وطهارة الظاهر، طهارة الجسد حتى فيما يدخل فيه فيحرص الإنسان المؤمن على لا يدخل في جسده إلا الحلال حلالًا حسيًا وحلالًا معنويًا، يتحرّى الحلال في طعامه وشرابه وكذلك في طعام من يعول يتحراه تحريًا، يحرص أشد الحرص عليه.



    وهنا تأتي قضية التسمية
    (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)
    ذكر ليست مجرد تسمية مجرد قول بسم الله تسمية عابرة، لا، التسمية هي شعار له اتصال حقيقي وثيق بهوية الإنسان فأنت حين تقول للشيء وعلى الشيء “بسم الله” إنما أنت تؤكد وتذكّر نفسك بذلك العقد الذي بينك وبين الله عز وجلّ.

    فهذه الأنعام ما سُخرت لولا أن الله سخّرها للإنسان للدرجة التي استطاع هذا الإنسان حتى وإن كان جسم الكائن الآخر أقوى وأعظم وأكثر في الوزن ولكن الإنسان يستطيع أن يتحكم فيه بقانون التسخير فحين يبدأ بشيء يبدأ بسم الله ليؤكد نفسه ولذلك الشيء الذي ينتفع به في ذات الوقت أن كل شيء في الكون إنما هو من الله سبحانه وتعالى فضل ونعمة وأنا حين أستعمله وأنتفع به إنما أفعل ذلك باسم الله تعالى ولذلك قال

    (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
    ثم انتقلت الآيات في آيتين متتاليتين
    (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)

    ليبين هذه القاعدة التي للأسف الشديد تغيب عن بعض الناس أن الحلال هو الطيب مهما كان بسيطًا أو متواضعًا وأن الخبيث هو الحرام حتى وإن كان شكل ذلك الحرام مزينًا بأشكال وألوان مختلفة إلا أن تلك الزينة لا تخرجه عن خبثه فالحرام في أصله خبيث، الخمر على سبيل المثال أم الخبائث وضعت في كأس لها ألوان وأشكال، وضعت في أواني من أفخر وأغلى الأنواع، خبيثة في أصلها، ولكن الحلال هو في أصله طيب. فالإنسان حين تستقر هذه الحقيقة في نفسه تبدأ النفس برحلة القناعة بالحلال الطيب ولو كان بسيطًا أو قليلًا وأن تعاف النفس الكريمة المؤمنة الحرام الخبيث لأنه خبيث مهما اختفلت أشكاله.

    وقضية الحديث هنا عن الطعام وطعام أهل الكتاب، المسألة ليست مجرد طعام (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

    وحصر القضية في هذا فكثير من المسلمين خاصة حين يسافرون لغرض السياحة أو العمل أو ما شابه يسألون هذا السؤال: هذا حلال؟ هذا حرام؟

    هذا أمر طبيعي. لكن القرآن حين نتدبر سنجد أن القرآن يحمّل الإنسان المؤمن رسالة عليه أن يبلغها لكافة أمم الأرض، هذه الرسالة لأجل أن تحدث وتتحقق هناك وسائل وآليات، واحدة من هذه الوسائل قضية الطعام، الطعام لما يكون مباحًا بين هذه الأطراف المختلفة

    (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

    لأجل قضية التبادل، تبادل شيء من العلاقات التي يمكن أن تسمح بإيصال الرسالة التي كُلّفنا بها، رسالة القرآن كيف تصل. فقضية إباحة الطعام وقضية الزواج بالكتابيات في هذه الآيات جاءت في هذا السياق، سياق الرسالة الإنسان المؤمن كما يصوغه ويبنيه القرآن ليس بذلك الإنسان الذي تحركه شهوات ونزوات طارئة عارضة وإنما إنسان مصنوع على تلك المهمة التي خلقه الله عز وجلّ إليها ولها. تفكير الإنسان حتى في حالة الزواج أو إقامة العلاقات الاجتماعية أو روابط العمل أو ما شابه مع الأمم المختلفة محكوم بهذه الغاية العظيمة غاية إيصال الرسالة. فحين يكون للإنسان المؤمن فردًا أو مجموعة هوية خاصة في الطعام، هوية تعبّر عن ذاته وتعبر عن دينه وتعبر عن مبادئه وعن إيمانه وقيمه هذا سيكون أدعى لإيصال رسالة القرآن

    (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

    ولقائل أن يقول: قضية الإيمان تأتي هنا؟ لماذا؟

    قضية إيمانية، الطعام والشراب والزواج والنكاح وكل شيء هو عقد يتعلق بالميثاق الكبير الذي بيننا وبين الله عز وجلّ: ميثاق الإيمان. أعمالنا وجزئيات الحياة اليومية التي نمر بها ومختلف المواقف في السفر وفي الإقامة وفي العمل وفي الزواج وفي الطلاق مرتبطة بهذا الميثاق وعلي أن لا أنسى هذا أبدًا حتى لا أقع في إشكالية الخسارة.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •