تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 64 من 64

الموضوع: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

    خطب الجمعة وعظ أم تعليم؟

    لو أن خَطِيبينِ للجمعة خَطَبَا عن أوقات الصلاة، أحدهما عرض أحكامها عرضًا علميًّا، وآخر لم تكن خطبته علمية بحتة، بل كانت موعظة تخاطب القلب لا العقل، فمَنِ المصيب في ظنِّك؟

    حتى يكون الجواب علميًّا؛ علينا أن نحتكم إلى تعريف الخطبة، وقد تعددت تعريفاتها، وهذا التعدد لم يضر كثيرًا بأساسها؛ من مشافهة، وجمهور، وإقناع، ومن هذه التعريفات ما جاء في التعريفات للشريف الجرجاني (ت: 816) يقول عنها: "قياس مركب من مقدمات مقبولة، أو مظنونة، من شخص معتقَد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم"[1]، ويقول الطاهر بن عاشور (ت: 1339) إنها: "كلام يحاوَل به إقناع أصناف السامعين بصحة غرض يقصِده المتكلم لفعله أو الانفعال به"[2]، ويقول حازم القرطاجني (ت: 684) وهو من أعلام النقد في القرن السابع في معرِض حديثه عن الشعر والخطابة، وبيان ما هو أصل فيهما: "وينبغي ألَّا يستكثر في كلتا الصناعتين مما ليس أصيلًا فيها؛ كالتخييل في الخطابة، والإقناع في الشعر، بل يؤتى في كلتيهما باليسير من ذلك على سبيل الإلماع"[3].

    بقليل من التأمل تجد أن التأثير والإقناع ركنٌ أصيل في الخطبة، فثمة حديث عن انفعال، وأحاسيس، واستمالة، وهذه ألفاظٌ منطقةُ عملِها القلبُ لا العقل، أما الخطاب العلمي البحت، فليس هذا محله.

    وإذا رجعنا إلى الخطابة في العصر الجاهلي وما بعده، وجدنا أن من أغراضها الدعوة إلى الحرب أو السلم، والنصح والإرشاد والفخر، فالتأثير ملازم لها، والتعليم بعيد عنها، وانتماء الخطبة إلى الأدب وتاريخه عبر العصور حُجَّة ثابتة؛ فهي منتسبة إلى الأدب ذي الصبغة الأدبية، المبايِن للصبغة العلمية.

    ومما يَحسُن بيانه: سمات الأسلوب العلمي؛ ومنها:
    • نقل المعارف والأحكام وحشدها.

    • التراكيب التي تخاطب العقل والفكر، لا العاطفة والشعور.

    • البعد عن الإثارة والانفعال.

    • طول الجُمل، والبعد عن الجرس الصوتي[4].

    ومما يُكوِّن هذه السمات العلمية بُعد الخطيب عن الأساليب الإنشائية، فتجد خطيبنا الأول، صاحب العرض العلمي سيقول: يدخل وقت صلاة الصبح بطلوع الفجر، ويخرج بطلوع الشمس، ولربما ناقش أفضل وقت لصلاة الصبح مع عرض لأقوال الأئمة في التغليس، أما خطيبنا الثاني سيقول: يا عبدالله، كيف تهنأ بنوم وقت صلاة الصبح، ومنادي الرحمن قد ناداك، والله أنعم عليك وآواك؟ فلا تكُنْ ممن آثر دنياه على آخرته، فلا يقوم إلا بعد طلوع الشمس تاركًا حقَّ ربه، حريصًا على دنياه، فالمسلم الحق يقدم الآخِرَةَ على الأُولى، والباقية على الفانية.

    فالأول اعتمد على الأخبار ومخاطبة العقل، والثاني لم يعتمد الأخبار في خطابه، بل مزج بين الخبر والإنشاء؛ فتجد النداء والاستفهام والنهي، وهي من الإنشاء الطلبي، الذي هو أقدر على إثارة السامع؛ فالنداء يطلب استجابة، والاستفهام يطلب جوابًا، والنهي يطلب الكَفَّ، فالجُمل الإنشائية تتناوب على المخاطب، وتتزاحم على الظَّفَرِ بقلبه وسمعه، أما سرد الأحكام والأخبار فيكون معه الغفلة؛ فالنفس تسكن عند توالي الأمر الواحد فتهدأ، وربما تهجَع.

    فمن حضر خطبة الأول أضاف إلى حصيلته المعرفية علمًا، والمفترض أن من حضر عند الثاني أن يتغيَّرَ سلوكه، وأن يبادر إلى الصلاة في وقتها، مع أنه قد لا يُحصِّل كثيرَ علمٍ، لكنه ذُكِّر فتذكر.

    ورحِم الله علماء البلاغة حين عرَّفوها بأنها: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته[5]، فقضية المقام، ومطابقة الكلام له، هو فيصلٌ في الحكم بالبلاغة، وعليه فالمعوَّل عليه في الحكم ببلاغة موضوع خطبة الجمعة ما جاء في الشرع.

    وقد جاء عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذرُ جيشٍ، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين، ويَقْرِنُ بين إصبعيه السبابة والوسطى))[6]، وعن العرباض بن سارية، قال: ((وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرَفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظةُ مودِّعٍ، فماذا تعهَّد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدٌ حبشي، فإنه من يَعِشْ منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ))[7].

    تبدو سمات المخاطِب صلى الله عليه وسلم وتفاعله في الحديث الأول قاطعةً بأنه لم يكن خطابًا علميًّا، وفي الحديث الثاني تصريح بنوع الخطاب، وأنه وعظيٌّ، مع أن سمات تفاعل المخاطَبين قاطعة وشاهدة بأنه كان خطابًا وعظيًّا؛ فغرق العيون دمعًا، ووجل القلب خوفًا إنما هو أثر لِوَعْظٍ.

    وقد جاء عن بنتٍ لحارثة بن النعمان، قالت: ((ما حفظِتُ ﴿ ق ﴾ [ق: 1]، إلا مِن فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب بها كل جمعة))[8]، علَّق النووي (ت: 676) شارحًا؛ فقال: "قال العلماء سبب اختيار ﴿ ق ﴾ [ق: 1]، أنها مشتملة على البعث والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة، وهذا صريح أن موضوع الخطبة الوعظ والتأثير لا التعليم.

    وما دام الحديث عن موعظة وزواجر، فمما شاع أن الوعظ محصور بذكر الموت والقبر، وهو خطأ قديم؛ يقول ابن القيم (ت: 751): "كانت خطبته صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان؛ من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذِكْرِ الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق؛ وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت ..."[10] ، وهذا نص ثريٌّ في موضوع الخطب، وشاهِدُنا أنه أكَّد على موضوع خُطَبِهِ صلى الله عليه وسلم، وأنها في دائرة الموعظة، ومن المهم التنبيه على قوله: "فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا ..."؛ فهي خطاب تأثيري يخاطب القلب ويعالجه، وصلاح هذه الْمُضْغَة مقصد شرعي؛ فصلاحها صلاح للجوارح.

    ربما ظنَّ ظانٌّ أنه يتوجب على الخطيب نبذُ التعليم، وبيان الأحكام في الخطبة، والحق أنه لا يُعدَل إلى الترجيح ما أمكن الجمعُ، وما دام أنه يمكن أن يَعرِض الأحكام، ويُذكِّر بحق الله فيها، مع ترغيب وترهيب فهذا عين الصواب، وهو منهج قرآني؛ فأنت واجد الآيات من السورة في الأحكام الخالصة، ثم تجد الخطاب الوعظي يسري فيها؛ ففي قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237]، هذه الآية قبلها أكثر من عشر آيات كلها في بيان أحكام النكاح والطلاق؛ حيث سردت هذه الآيات أحكامًا متعددة، فهي أحكام بحتة إلا أنك تجد الوعظ ركنًا رئيسًا فيها، ولا يغيب بين تفاصيلها، كما هو جليٌّ في الشاهد السابق، فبعد أن بيَّن عز وجل حكمَ الزوجة غير المدخول بها، وأن لها نصف المهر، وَعَظَ الزوجين وحثَّهما على العفو، ورغَّب فيه بذكر المعروف، ثم خُتمت الآية ببيان كمال علمه عز وجل، وفيه حثٌّ لكلٍّ منهما على الخوف منه سبحانه وتعالى، فقد حضر الوعظ بعد بيان الحكم، ولم يكن ذلك خارجًا عن سياق الخطاب، وهذا ما فهِمه سلف هذه الأمة، أما الفصل الحاد بين التعليم والوعظ، فلم يكن في القرون الأولى، بل حادث؛ يقول ابن الجوزي (ت: 597): "كان الوُعَّاظ في قديم الزمان علماء فقهاء"[11].

    ومن المسائل الفقهية التي تُناقَش: أركان خطبة الجمعة، وهو نقاش طويل أكتفي بنقل شيء من كلام الشوكاني (ت: 1250)، فقد بيَّن أن روح الخطبة الموعظة الحسنة من قرآن أو غيره، وأن المراد من الخطبة الوعظ، وهو آكَد من غيره وأدخل في المشروعية[12].

    ومن الموعظة تبيين الأحكام والأوامر والنواهي؛ يقول محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393): "ضابط الوعظ: هو الكلام الذي تلين له القلوب، وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء أوامرُ ربهم ونواهيه؛ فإنهم إذا سمِعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله، وطمِعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله ..."[13] ، فاذكر - أخي الخطيب - قول الشيخ ولا تُغفِل مطلعه؛ ففيه التأكيد على أن هذا الخطاب يُليِّن القلوب.

    هذا الحديث كله عن خطبة الجمعة وموضوعها، فكيف إذا أخبرتك أنِّي سبرتُ عشرات الخطب للصحابة رضي الله عنهم في موضوعات متباينة فوجدت الوعظ قرينها؟ حتى خطبهم السياسية لم تكن تخلو غالبًا من موعظة، فبُهداهُمُ اقْتدِهِ.

    [1] التعريفات: الشريف الجرجاني: 99، تحقيق: جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ.
    [2] أصول الإنشاء والخطابة: 33، محمد الطاهر بن عاشور، ت: ياسر بن محمد المطيري، دار المنهاج، الرياض، الطبعة الأولى، 1433ه.
    [3] منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 362، حازم القرطاجني، ت: محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1986م.
    [4] انظر: علم الأسلوب في الدراسات الأدبية والنقدية: 15، عبدالعظيم المطعني، مكتبة وهبة، الطبة الأولى، 1422ه.
    [5] انظر: الإيضاح: 1/ 41، الخطيب القزويني، ت: محمد عبدالمنعم خفاجي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثالثة.
    [6] رواه مسلم، برقم: 867.
    [7] رواه الترمذي، برقم: 2676، وقال: حديث حسن صحيح.
    [8] رواه مسلم، برقم: 873.
    [9] شرح النووي على مسلم: 6/ 398، ت:خليل مأمون شيحا، دار المعرفة،، بيروت، الطبعة الثامنة عشرة، 1431ه.
    [10] زاد المعاد في هدي خير العباد: 1/ 409، ابن القيم، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت،
    الطبعة السابعة والعشرون ، 1415هـ.
    [11] تلبيس إبليس: 111، أبو الفرج ابن الجوزي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1421هـ.
    [12] انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: 1/ 299، محمد بن علي الشوكاني، ت: محمود إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405ه.
    [13] أضواء البيان: 2/ 438، محمد الأمين الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان، 1415ه.
    ______________________________ ____________________ __
    الكاتب: د. أحمد بن محمد عبيري


  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

    أسباب تراجع تأثير خطبة الجمعة



    خطبة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، فهي التي تعطي المسلم الدفعة الإيمانية التي يسير بها في حياته اليومية خلال الأسبوع حتى تأتي الجمعة التي تليها، وورد بالشرع الحنيف نصوص قرآنية وأحاديث نبوية ترغب المسلم وتحثه على المسارعة والسعي إلى ذكر الله والصلاة يوم الجمعة وترك البيع واللهو، فإذا انقضت الصلاة عاد المسلم ليمارس عمله المعتاد الذي أباحه الله له " {وابتغوا من فضل الله} ".
    لكن هذه الأيام التي نعيشها شهدت تراجعًا ملحوظًا في تأثير خطبة الجمعة، وكثير من المسلمين يشكوا من أساليب الوعاظ والخطباء، والخطباء بدورهم يرفضون أن يلقى عليهم وحدهم مسئولية هذا التراجع، إذ ثمة عوامل أخرى أوجدت هذه المشكلة. يحاول هذا التحقيق تشخيص المشكلة وأسبابها الحقيقية، لنحاول وضع أيدينا على حل لها... والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
    - لا شك أن خطبة الجمعة فرصة يتلاقى فيها الدعاة مع أفراد المجتمع، ولهذه الخطبة تأثير وأيما تأثير - إذا أحسن استعمالها على الوجة الذي ينبغي أن يكون-، مما جعل العلمانيين يتحسرون لعدم وجود تلك الفرصة لهم، ويحسدون الخطباء عليها.
    وأضاف عفيفي: الناس يأتون مختارين مبكرين فينبغي لمن يتصدر للتحدث إليهم أن يحترم عقولهم وأوقاتهم وأن يقدم لهم النصيحة التي تعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وأن يعد نفسه جيدًا. وللأسف الشديد فإن بعض من يتصدرون للخطبة أصبح يؤديها على أنها وظيفة وليست رسالة، وكأنه يملأ فراغ المنبر بالتالي سيقول أي كلام لا مضمون ولا لغة ولا أداء.
    وأردف الدكتور عفيفي: وأحيانا تتدخل بعض الجهات في منع أو إيقاف أي خطيب لمجرد اختلافه معهم وبالتالي يمنع الأكفاء، مما يفسح المجال لأناس غير مؤهلين، وهي أمانة عظيمة.
    -: إن رسالة المنبر تتكون من ثلاثة عناصر مرسل ومستقبل وموضوع، فإذا اكتملت هذه الثلاث أثمرت الخطبة وآتت أكلها، وأنتجت خيرًا عميمًا ينفع الله به الناس في حياتهم ومماتهم. ولكن الخلل يبدأ من المرسل –وهذا لا يعني تبرئة باقي عناصر الخطبة- إلا أن المرسل (الواعظ ، الملقي، الخطيب، أيا كان اسمه) هو العنصر الأول والأساس، فبقدر ملئه لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه في نيته، وثبات قدمه ورسوخه في العلم والفقه، وحسن الإلقاء، وجودة الكلمات وسلامتها، وحسن الصياغة، وفهمه لواقع الناس، ومعرفة ما يحتاجونه... إلخ بقدر ما يؤثر فيهم ويجذبهم ويعلمهم وينفع الله به العباد والبلاد ويكون بركة على أهله.
    -: يشعر الكثير من المسلمين ــ وأنا منهم ــ أن يوم الجمعة وخطبة الجمعة هي من أبرز سمات قوة هذه الأمة، وأنها فرصة نادرة للتأثير في المجتمع المسلم نحو الخير إن أحسن الاستفادة منها. لكن بعض خطباء الجمعة لا يجيدون الاستفادة من تلك الفرصة.. بل للأسف.. أصبح بعضهم سبباً لتنفير الناس ومللهم من السماع لخطيب الجمعة رغم حرصهم على الطاعة وتلبية النداء.
    ؤأي آخر- الطرف الثاني (المستقبل أو المستمع) قد يأتي للجمعة فقط لإسقاط الفرض، فلا يرغب في الاستماع وإذا أسهب الواعظ أحيانا؛ ضاق صدره ومل فربما خرج بذهنه خارج المسجد أو نام، والغالب على هؤلاء عدم التأثر فربما يتحدث الواعظ في موضوع التدخين وتجد بعض المصلين بعد الجمعة على أبواب المسجد يتسامرون ويضحكون والدخان في أيديهم وأفواههم، وربما نبه الواعظ لمصائب بعض الأفراح الحديثة وما فيها من اختلاط ومساوئ وتجد الشخص المصلي للجمعة يصنع نفس هذه الأفراح لأولاده من ثلاثين عامًا؛ لذلك فبعض الناس يحضرون الجمعة عادة تعودوا عليها لإسقاط الفرض ولكن ليس همّ أحدهم التعلم والعمل ومن ثم فلا يتأثرون.
    رأي آخر: أنا لا أجد الخطيب الذي يجذبني لأنتبه إلى الخطبة، وفي كثير من الأحيان أنام في أثناء الخطبة، علاوة على طول الخطبة التي قد تزيد على الساعة الكاملة، يعيد فيها الخطيب ويكرر ما قاله وكأن الناس لن يفهموا من أول مرة. يقول محمد سعيد –سائق شاحنة-: الخطيب في مسجد قريتنا لا يجيد غير أحاديث النار وينسى الجنة دائمًا، ويعتمد على التخويف ولا يرغبنا وكل حاجة عنده حرام!. وقد يكون "سعيد" مبالغًا في وصفه؛ لكن الأمر لا يسلم من وجود خلل في ميزان الترغيب والترهيب لدى كثير من الخطباء، إذ يعمد أحدهم إلى خطب يكثر فيها من أحاديث الوعد والترغيب ورفع الحرج ليصل إلى قلوب الناس –حسب تفسيره- بينما يذهب خطيب آخر للجهة المقابلة وإلى أحاديث الوعيد والتخويف وكما قال القائل: نفوس الناس بيوت مقفلة لا تفتح إلا لمن يطرقها بلطف.
    رأي آخر: ضرورة التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الجمعة، فهو الذي كان أفصح الناس لسانا وأبلغهم وأقواهم بيانا، وأوتي جوامع الكلم ؛ فكان مثالاً فريداً في الخطابة التي تنشرح لها القلوب وتتفتح العقول وتستجيب الجوارح. ويقول الشيخ: الخطبة مهما كانت فهي صناعة الخطيب وصياغته، في مضمونها وشكلها وطريقة تبليغها، وإن كان مطلوباً فيها صحة المضمون، وقوة تأثيره وإقناعه، ومناسبته للزمان والمكان والمخاطبين. ولاشك أن وضعية الناس وما يحيط بهم من ظروف وأجواء وعوامل التحفيز أو التثبيط، كل ذلك مؤثر إيجابا أو سلبا في علاقتهم بالمنبر والخطيب، ونسبة تجاوبهم مع الخطبة، خاصة في ظروف عصرنا الذي يعج بالفتن من جهة، وبوسائل الاتصال والإعلام المتطورة بتقنياتها وإمكاناتها الباهرة من جهة ثانية. وهذا مما يضاعف اليوم مسؤولية الخطيب ومأموريته، ويفرض العمل على تطوير آليات فنه الخطابي حتى يواكب متطلبات العصر. ويردف الشيخ السبيكي: من ثقافة الخطيب الضرورية فقه الواقع والحياة، ومواكبة تطورات العصر، ولابد أن يغذي خطبه الأسبوعية بما يقنع الناس بحيوية المنبر وتفاعله مع الواقع والحياة وإلا فقد حجة الواقع فيما يخاطب به الناس.
    رأي آخر: من أهم أسباب تراجع تأثير خطبة الجمعة تفادي أكثر الخطباء الموضوعات الحساسة المؤثرة في الواقع نظرا للضغوط الأمنية، إضافة إلى يأس أكثر المستمعين من جدوى أو نتائج الخطب لكثرة التجارب التي أخفقت في تغيير الواقع.
    رأي آخر: من الأسباب كذلك عدم وجود رؤية موحدة عند الخطباء يجيشون الأمة نحوها فصار المستمع معلقًا على وجهات نظر الخطباء فحسب وكأن هدف الخطيب أخذ موافقة على فكرة يروج لها، كما أن الرموز الكبيرة تراجع خطابها بحيث صار مجاملاً للأنظمة متبرمًا من الحركات الإسلامية فصار المستمعون لا يلوون على شيء.
    رأي آخر: لاشك أن خطبة الجمعة في الفترات الأخيرة لم تعد تتمتع بالتأثير القوي والفاعل في النفس مثلما كان عليه الحال في السابق، وذلك أنها تستهدف بشكل أساسي إحداث حالة من يقظة الوعي الإيماني فهي أشبه بجرس الإنذار الذي يعمل كل أسبوع على تذكير المؤمن بثوابته العقائدية ويحثه على تجديد العهد مع ربه. ومن الأسباب القوية التي تقف وراء تراجع تأثير خطبة الجمعة هو ميل العديد من الخطباء إلى تكرار المعاني والأطروحات وليت التكرار وقف عند حد طبيعة المضمون وإنما امتد إلى أسلوب وحرارة الأداء فأصبحت خطب الجمعة في غالب الأحيان تتسم بالرتابة وتؤدي إلى حالة من الملل لدى جمهور المصلين نظرًا لخلوها من العاطفة الجياشة التي يمكن في كثير من الأحيان أن تعوض ضعف المضمون.
    رأي آخر: من الأهمية بمكان تذكير خطباء الجمعة بأهمية الالتزام بتجديد المضامين التي يتم عرضها في الخطبة مع الحفاظ على جاذبية العرض وقوة الطرح مع تنويع الموضوعات هذا بالإضافة إلى عدم إغفال أهمية أن تكون الخطبة تذكيرًا حقيقيًا للمسلم بربه والدار الآخرة.
    منقول



  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

    فقـــه الوعــظ


    ما أحوجنا إلى الوعظ لانشغالنا بالدنيا، نسينا الآخرة فقست قلوبنا فأصابنا فتور وضعف في الإيمان، فالوعظ يحيي القلب ويحرره من الشيطان، قال تعالى: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله}. فالموعظة مزيج من الترغيب والترهيب والنصح وعلو الصوت والتذكرة بالآخرة والألوهية وحقيقة الإنسان، قال تعالى: {وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا}.
    - يحتاج المسلم إلى الموعظة بين الفينة والأخرى؛ لأنها شفاء للصدر، قال تعالى: {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}، فكان عبدالله بن مسعود ] يعظ في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن لوددت أنك ذكرتنا في كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله [ يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.
    - فوائد الموعظة كثيرة منها: تذكير الغافل، تعريف الخلق بالخالق، وتبصير الناس بشرائع الإسلام وحدوده، وتجديد الإيمان وتحريكه، وزجر العاصي، وتثبيت المهتدي، وكشف مكائد ومصائد شياطين الإنس والجن.
    - وللواعظ آداب يتحلى بها: الإخلاص والعلم بما يعظ، والرفق على الناس والصبر على أذاهم، والعمل بما يأمر به الناس وينهاهم عنه، فصاحة اللسان وعذوبته، واتباع السنة وآثار السلف، الورع في مسائل الحلال والحرام.
    -على الواعظ الالتزام بالسلوكيات الآتية:
    اختيار أوقات مناسبة للناس، وعدم الإطالة في الكلمة، التركيز في الموضوع وتحديد معالمه عدم التوسع في القصص الغريبة والمبالغة في طرحها، وعدم الطعن في العلماء وغمز الولاة، وعدم تجريح السامعين والتهجم عليهم أو التهكم بهم، وعدم المبالغة في ضرب الأمثلة التافهة، والنزول إلى الأسلوب المفهوم وعدم التحدث بأسلوب التعالي أو غريب اللفظ، والحرص على جمع الكلمة وتأليف القلوب والإصلاح بين الراعي والرعية، ويرغبهم في التفقه في دين الله عز وجل.
    - إلقاء الموعظة ارتجالا يؤثر أكثر.. فالواعظ يرفع صوته ويحرك يده ويتفاعل مع الكلام: «كان النبي [ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم» رواه مسلم عن جابر، وإذا نبع الكلام من القلب لامس شغاف القلوب وخالطها» .
    - تحفيز الأذهان من خلال طرح السؤال: فكان الرسول [ يطرح السؤال: «أتدرون من المفلس؟»، «أتدرون ما الغيبة» «أتدرون أي يوم هذا؟» وتحفيزهم بذكر معلومة أو خبر مثال ذلك: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة» رواه مسلم.
    - لا تحرض الرجل على أهله أو خدمه.. كأن يقول: أين الرجولة عن المرأة التي تتبرج وباستطاعته القول: أيها الغيورون شجعوا المرأة على الحجاب وأثنوا عليها إن تحجبت.. وغيرها من العبارات، واصبروا على الخادم حتى يتعلم.
    - خاطبهم بأنهم إخوانك وارفق بهم ولا تتعالَ عليهم، وحرك ملكة الإبداع والاستنباط فيهم وأنزل الأحكام الشرعية على الواقع ولا تشعرهم باليأس والقنوط بل بالتفاؤل، وادفعهم ليقوم كل منهم نفسه ويحاسبها، واعمل تجربة عملية أمامهم، فقل نتوقف الآن وكل منا يستغفر الله مائة مرة فكان رسولنا [ يستغفر في اليوم مائة مرة رغم أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمتى طبقنا هذا آخر مرة؟ وكم يأخذ تطبيق ذلك من الوقت؟.
    - الموعظة تجعل المستمع متقيا بالعلامات الآتية: صدق الحديث، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله. قالها الحسن البصري رحمه الله.


    اعداد: د.بسام خضر الشطي


  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

    أدب التناصح والخطابة

    منال محمد أبو العزائم



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    لقد أمرنا الله تعالى بالتناصح لبعضنا البعض، كما أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبديله ما استطعنا. قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)[i]. وقال الله تعالى: {(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)} [ii]. فلأن تنصح أخاك في الدنيا خير ليه من أن يصير إلى حساب عسير في الآخرة. حتى وإن تضايق منك وأسمعك ما لا يرضيك فإنه سيرجع إلى كلامك ويعيد حساباته فيما بعد فيتوب وينتهي. وتكون بذلك نفعته وأسديت له معروفا لا ينساه لك. وتنال دعاءه بظهر الغيب. ولك الأجر من الله على النصح، والصبر على الأذى وحب الخير للناس. قال صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ)[iii]. كما تكون بذلك حققت أمر الله تعالى بخلافتة في الأرض وكونك جزء من الأمة الوسط الشهيدة على الناس. قال تعالى: {(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)} [iv].
    أدلة حث الإسلام على التناصح:
    لقد وردت نصوص كثيرة تحث على التناصح في القرآن والسنة، منها:
    قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الدين النصح)[v].
    وقول الله تعالى: {(لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)} [vi].
    وما رُوي عن جرير بن عبد الله أنه قال: «(بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)» [vii].
    وقوله صلى الله عليه وسلم: «(نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه زاد فيه علي بن محمد ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم)» [viii].
    وقوله صلى الله عليه وسلم: «(إذا نصح العبد سيده، وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين)» [ix]. وقوله في حديث آخر: (عرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة شهيد وعفيف متعفف وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه)[x].
    أهمية التناصح
    كل هذا الكم من الأدلة والنصوص يدل على أهمية التناصح في الإسلام. ولو تُرِك الناس دون تناصح لإنتشر الفساد والمعاصي وجهالات الناس وتماديهم في الغي والفجور. ونرى هذا بوضوح في مجتمعات الكفار، بل حتى في مجتمعات المسلمين التي يغيب فيها التناصح. وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين. فكلنا نذنب، ولكن عندما نسمع موعظة أو نصح نرجع ونتوب ونستغفر بفضل الله تعالى. وهذا ليس عيب، ولكن العيب التمادي في المعاصي وترك التناصح وتجاهل الأوامر والنواهي الربانية. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: "يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)[xi]. والتناصح خير ما يقدمه المرء لأخيه. فالنفس تغفل وينتبه غيرها، وتنسى ويذكرها غيرها، وتعصي وينصحها غيرها. كما يتشجع المسلمون على الطاعة مع بعضهم البعض. ولذا حث الإسلام على إلتزام الجماعة، وأمر بصلاة الجماعة، ونهى عن كل ما يجلب الفرقة والشتات. قال تعالى: {(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)} [xii]. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية)[xiii]. أي أن الشيطان أقدر على الذي يخالف الجماعة وينفرد.
    النصح عند الأنبياء عليهم السلام
    وكان الأنبياء عليهم السلام ينصحون أممهم. وعلى النصح والموعظة قامت دعوتهم. ومن ذلك:
    نصح نوح عليه السلام لقومه في قوله تعالى: {(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)} [xiv]. وقوله: {(وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)} [xv].
    نصح صالح عليه السلام لقومه في قوله تعالى: { (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)} [xvi].
    نصح شعيب عليه السلام لقومه في قوله تعالى: ( {فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ)} [xvii].
    نصح هود عليه السلام لقومه في قوله تعالى: {(وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)} [xviii].
    آداب النصح
    وعلى الناصح أن يتبع مجموعة من الآداب حتى لا يثير بنصحه النفور والضرر لمن نصحه، ومن ذلك:
    ألا يكون النصح على رؤوس الأشهاد، ولا بتسمية المنصوح أو إحراجه أمام الناس.
    وتكون النية فيه طاعة الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف على حدود الله وكسب الأجر والنجاة في الآخرة وإرادة الخير والنجاة لمن أسدى له النصح. ولا تكون النية فيه أذى الناس أو تجريحهم أو التقليل من قدرهم. كما لا يكون من أجل الكسب في المنافسة أو أي غرض شخصي أو دنيوي. وعلى الداعي أن يستحضر النية الصالحة ويجعلها نصب عينيه. حتى لا يكون تعبه في هذا النصح سدىً وينقلب عليه. ولذا كانت العناية بالنية من أهم ما أمر به الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم: «(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)» [xix].
    ولا يكون النصح بكلمات جارحة أو أسلوب قاسي أو موقف مؤذي، بل يكون بأسلوب لين. وذلك بإتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال الله تعالى في شأنه: {(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ)} [xx]. فالرفق بالناس في النصح من أفضل أساليب الدعوة. ومعظم الناس لا تأتي بالشدة في أمور الدين. فلا يمكن أن ندعو ناس وتنصحهم بالصراخ أو الأذى، لأنهم سيتركوننا أو يقابلونا بمثله. وأرى بعض أئمة المساجد يصرخون ويعلون الأصوات في خطب الجمعة وغيرها. ولو أنهم خفضوا أصواتهم وتكلموا برفق لسمع منهم الناس بآذان صاغية دون أن يتأذوا.
    أن يستعمل الحكمة والعقل وأساليب الإقناع الجيدة، مثل ضرب المثل. قال تعالى: {(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ)} [xxi]. وهناك علم كامل أُلِّفت في الكتب والمجلدات عن أساليب الدعوة. فينبغي على الناصح أو الداعية أن يطلع على بعضها ليعرف كيف يصل لقلوب الناس وتثمر دعوته وينال الأجر الكبير.
    ألا ينصح الإنسان أخاه بترك فعل هو يفعله، أو بفعل أمر هو لا يفعله. وهذا غير مقبول في الإسلام، بل وفي كل الأعراف بين الناس حتى ولو كانوا على غير ملة الإسلام. قال تعالى: {(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)} [xxii].
    ألا ينصحه بما يصعب عليه القيام به ولا يحمله فوق طاقته. فالإسلام دين اليسر. قال صلى الله عليه وسلم: «(يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا)» [xxiii].
    على الناصح الصبر على أذى الناس في الدعوة وإحتساب الأجر عند الله. فمعظم الناس لا يحبون النصح ولا يقبله جهالهم. وقد روى عن بعض السلف أنه قال: (من نصح جاهلا عاداه)[xxiv].
    إستخدام أسلوب التعليم والإستدلال بالنصوص.
    كظم الغيظ والسكوت عند الغضب وعن جهالات الناس. قال تعالى: { (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)} [xxv]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضِب أحدُكم فلْيسكُتْ)[xxvi].
    إستخدام التيسير دون العسير، قال صلى الله عليه وسلم: « (علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّروا وإذا غضِب أحدُكم فلْيسكُتْ)» [xxvii].
    إلتزام ما أجمعت عليه الأمة وتفادي إستخدام الفتاوى المفردة، وترك ما يجلب الفرقة والشقاق. قال تعالى: {(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)} [xxviii].
    تخير الأوقات المناسبة للنصح. فلا يصلح أن تنصح من هو مشغول بشاغل يمنعه الإستماع أو التركيز أو قد يقوده للتشتت أثناء القيادة أو ركوب طائرة أو حضور مخاضرة في جامعة أو نحوه.
    الغيرة على محارم الله
    الغيرة على محارم الله وحقوق العباد من العدل في المؤمن، ولا يجدها في قلبه إلا إنسان طيب، يحب الخير للناس ولا يرضى لهم الظلم. وهي صفة يحبها الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: «(ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش)» [xxix]. وقال القائل "الساكت عن الحق شيطان أخرس". وهي عبارة منتشرة بين الناس، لم أجدها في حديث، ولكن معناها يتماشى مع موقف الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذلك مع تحريم كتم العلم، وتحريم شهادة الزور، وتحريم الظلم والكذب وأكل مال الغير وأذى المسلمين. ومن يدافع عن الناس لحفظ حقوقهم يفك بذلك كربهم وينال الأجر من الله.
    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    لقد أمر الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى: {(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)} [xxx]. وهي مهمة جليلة تخدم إصلاح المجتمع وبث الأمن الديني والإجتماعي والتشريعي. وبه يتطهر المجتمع من براثن الجريمة وهتك الأعراض وسرقة الأموال وغيرها من الجرائم التي تعج بها البلاد التي ليس بها أي نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي من أسس الرسالة والتعاليم الإسلامية. وقد وردت نصوص كثيرة تحث على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن والسنة، مثل قوله تعالى: {(وَالْمُؤْمِنُو نَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)} [xxxi]. وقوله: { (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)} [xxxii] [xxxiii]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «(أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما، كيف أنصره؟ قال: تحجزه -أو تمنعه- من الظلم؛ فإن ذلك نصره)» [xxxiv].
    آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    إخلاص النية لله تعالى. ولتكن النية في القيام بهذه المهمة طاعة الله تعالى والإصلاح وإقامة شرائع الله وحدوده. قال صلى الله عليه وسلم: ( «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)» [xxxv].
    أن يقوم بتلك المهمة فرقة من المسلمين، وذلك لقوله تعالى: { (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)} [xxxvi].
    ويجب أن تتصف هذه الفرقة بالعلم والتقوى والإخلاص. فلا يقوم بها عاصي أو مقصر. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف دون عمله والنهي عن المنكر وعمله. وبين أن ذلك من أسباب عذاب القبر في قوله صلى الله عليه وسلم: « (مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، من هؤلاء؟، قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤن كتاب الله ولا يعملون به)» [xxxvii].
    يفضل تدخل الدولة في هذه المهمة لإنجاحها. فالناس تستمع لموظفى الدولة أكثر من الأفراد. كما أن تدخل الدولة في هذا السياق ينظم الأمر ويجعله أكثر جدية وتوثيق.
    يستن دعوة الناس بالرفق والرحمة. قال تعالى: { (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)} [xxxviii].
    الصبر على القيام بهما، وتحمل مشاقها. قال تعالى: {(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)} [xxxix].
    عدم الأذى والتجريح للناس. ولا ينبغي رفع الصوت والتهديد والصراخ، ولا يكون الأمر بالقوة والجبروت. قال تعالى: {(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ)} [xl].
    التناصح في الخطابة
    إن التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرا ما يكون عن طريق الخطابة في خطب الجمعة أو العيدين أو غيرها. حيث يقف الخطباء سوى كانوا من أئمة المساجد أو من علماء الأمة أو القراء أو العموم المتفقهون في الدين ويلقون الخطب المنبرية. وهي مصدر جيد للتعليم خاصة في بلاد الغرب. حيث يحرص كثير من المسلمين سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً لحضور خطبة الجمعة. وتكون بمثابة المصدر الرئيسي للعلم لكثير من المسلمين الجدد الذين يحتاجون من يدلهم ويرشدهم الطريق. فتكون أكثر تلك الخطب مترجمة وبلغة سهلة يفهمها المستجدين في الإسلام. كما تكون كإجتماع إسبوعي للمسلمين في بلاد الغربة يجتمعون فيه وتناقش فيه قضايا تهمهم. ولذا ينبغي أن يكون الخطباء متمكنين من الخطابة ليستطيعوا إلقاء الخطب المنبرية الجيدة. وتبدأ الخطبة عادة بالإستعاذة والإستعانة بالله ثم الصلاة والسلام على رسول الله وصحبة وآله. ثم يتلوها خطبتين، واحدة تلو الأخرى. يقول فيها الخطيب مواعظ ونصح وتوجيهات على شكل مختصر وجذاب يدخل لعقول الناس دون الحوجة لكثير من التركيز أو الإنتباه. فهي من السهل الذي قل ودل. ولذا قد أفرد العلماء الخطابة كعلم له أصوله وآدابه التي أُلِّفت فيها الكتب والمصنَّفات. وهي من أقوى وسائل التناصح، حيث يتهيأ المستمعين وينصتوا لما يقوله الخطيب ويتلقونه بصدور رحبة نتيجة لتلك التهيئة المسبقة. ولذا على الخطيب تخير الكلمات التي تصيب سهامها القلوب وتحقق المرجو منها. قال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان سحرا)[xli].
    ما ينبغي توفره في الخطيب
    عليه إخلاص النية لله تعالى. فلا يتولى هذه المهمة منافق أو مرائي. بل توكل للعلماء المخلصين.
    عليه أن يكون سوى العقيدة، فلا يتبع أي من الملل المنحرفة في باب العقيدة كالشيعة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم. ولا يسعه إلا إتباع أهل الفرقة الناجية المنصورة، أهل السنة والجماعة.
    على الخطيب أن يكون متمكن من الخطابة ليستطيع إلقاء الخطب المنبرية.
    عليه الإلمام باللغة العربية وتصريفاتها وإعرابها. كما يستحسن إلمامه بموضوعات البلاغة من إستعار وكناية ومجاز وغيره. كما عليه الإلمام بالأساليب اللغوية المختلفة.
    عليه الإلمام بالعلوم الشرعية، فلا ينبغي أن يكون الخطيب جاهلاً أو مبتدئاً فيها.
    عليه أن يكون سوى النطق، ولا يستحي من الوقوف أمام الناس للإلقاء.
    عليه أن يحسن فن التعامل مع الناس ويخالقهم بخلق حسن. فلا ينبغي أن يكون الخطيب ضيق الخلق سريع الغضب، ينفر منه لناس لسوء خلقه. قال صلى الله عليه وسلم: « (خالق الناس بخلق حسن)» [xlii].
    عليه الصبر على الردود السخيفة والإنتقادات. كما عليه أن يحسن الرد عليها وتفنيد الأقوال الفاسدة.
    عليه أن يحسن فن الكتابة، والأفضل له أن يحضر خطبه بنفسه بدلاً عن نقلها من غيره. فذلك أدعى له أن يتذكر الخطبة أكثر ممن نقلها من غيره. وإن كان لا بأس بالنقل إن لم يستطيع الكتابة، أو خلط هذا وذاك.
    على الخطيب الحرص على نظافته وطهارته، حتى يدخل المسجد ليصلى بالناس وهو نظيفاً طاهراً. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى طيبٌ يُحِبُّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يُحِبُّ الكرَمَ، جوَادٌ يُحِبُّ الجودَ، فنظِّفوا أفنيتَكم، ولا تشبَّهوا باليهودِ)[xliii].
    يجب ألا تكون رائحته كريهة. فلا ينبغي أن يخطب في الناس ورائحته تفوح عرقاً وتؤذي المصلين.
    عليه تجنب أكل البصل والثوم والكراث والبقلة[xliv]. وذلك لرائحتهم الكريهة. قال صلى الله عليه وسلم: «(من أكل من هذه الشجرة يريد الثوم فلا يغشنا في مسجدنا)» [xlv]. وفي رواية: «(من أكل من هذه البقلة، الثوم، وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)» [xlvi].
    عليه إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الجمعة. وكذلك سنن الفطرة من قص الأظافر وغيرها.
    على الخطيب أن يحسن ثيابه ومنظره، فلا يلقى الناس بثياب بالية أو ممزقة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من الثياب الحبرة، وهي الثوب الجميل.
    وأختم كلامي بالتأكيد على أهمية التناصح، إبتغاء الأجر من الله. وكذلك بهدف إصلاح الأمة ونشر الخير وطرد الرذيلة والمنكرات من المجتمع. والتوصية بإتباع آداب التناصح والخطابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإخلاص النية، وتجويد الخطب، وإتباع أساليب الدعوة المجدية للوصول إلى المبتغى، والإستعانة بالله تعالى في كل ذلك. هذا فإن أصبت فمن الله وبتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    المراجع والمصادر
    القرآن الكريم.
    الموسوعة الحديثية، الدرر السنية.
    مختار الصحاح.
    [i] مسلم 55.

    [ii] آل عمران 110.

    [iii] أخرجه ابن حبان في ((المجروحين)) (2/1)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (1234) واللفظ لهما، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5787) مطولاً.

    [iv] البقرة 143.

    [v] صححه الألباني في صحيح الجامع (2324).

    [vi] التوبة 91.

    [vii] البخاري 1401.

    [viii] صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (188).

    [ix] البخاري 2550، ومسلم 1664.

    [x] أخرجه الترمذي (1642) واللفظ له، وأحمد (9492) مطولا.

    [xi] مسلم 2577.

    [xii] المائدة 2.

    [xiii] ذكره شعيب الأرناؤوط في تخريج سنن أبي داود (547)، وقال إسناده حسن.

    [xiv] الأعراف 62.

    [xv] هود 34.

    [xvi] الأعراف 79.

    [xvii] الأعراف 93.

    [xviii] الأعراف 65-68.

    [xix] البخاري 1.

    [xx] آل عمران 159.

    [xxi] النحل 125.

    [xxii] البقرة 44.

    [xxiii] أخرجه البخاري (6125)، ومسلم (1734).

    [xxiv] اللؤلؤ المرصوع 202.

    [xxv] آل عمران 134.

    [xxvi] أخرجه أحمد (2136) واللفظ له، والبزار (4872) باختلاف يسير، والطبراني (11/33) (10951) مطولاً.

    [xxvii] أخرجه أحمد (2136) واللفظ له، والبزار (4872) باختلاف يسير، والطبراني (11/33) (10951) مطولاً.

    [xxviii] آل عمران 103.

    [xxix] البخاري 5220.

    [xxx] آل عمران 110.

    [xxxi] التوبة 71.

    [xxxii] الأعراف 157.

    [xxxiii] موضوعات القرآن، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    [xxxiv] البخاري 6952.

    [xxxv] مسلم 49.

    [xxxvi] آل عمران 104.

    [xxxvii] الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، من أسباب عذاب القبر، الأمر بالمعروف وعدم إتيانه والنهي عن المنكر وإتيانه، 2/119.

    [xxxviii] الأعراف 199.

    [xxxix] لقمان 17.

    [xl] آل عمران 159.

    [xli] أخرجه البخاري (5767)، وأبو داود (5007)، والترمذي (2028)، وأحمد (5687) واللفظ له.

    [xlii] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21392).

    [xliii] صححه السيوطي في الجامع الصغير (1742).

    [xliv] البَقْلُ معروف، الواحدة بَقْلَةٌ. والبَقْلَةُ أيضاً: الرِجْلَةُ، وهي البَقْلَةُ الحمقاء. والمَبْقَلَةُ: موضع البَقْلِ. ويقال: كلُّ نبات اخضرّت له الأرضُ فهو بَقْلٌ. مختار الصحاح.

    [xlv] أخرجه البخاري (854)، ومسلم (564).

    [xlvi] أخرجه البخاري (854) مختصرا، ومسلم (564).


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •