تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 36 من 45 الأولىالأولى ... 2627282930313233343536373839404142434445 الأخيرةالأخيرة
النتائج 701 إلى 720 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #701
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (6)
    الحلقة (696)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 271الى صــــ 276)

    وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
    شرح الكلمات:
    ما كان لمؤمن ولا مؤمنة: أي لا ينبغي ولا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة.
    أن يكون لهم الخيرة من أمرهم: أي حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالجواز أو المنع.
    فقد ضل ضلالا مبيناً: أي أخطأ طريق النجاة والفلاح خطأً واضحاً.
    أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة.
    واتق الله: أي في أمر زوجتك فلا تحاول طلاقها.
    وتخفي في نفسك ما الله مبديه: أي وتخفي في نفسك وهو علمك بأنك إذا طلق زيد زينب زوجكها الله إبطالاً لما عليه الناس من حرمة الزواج من امرأة المتبنّى.
    ما الله مبديه: أي مظهره حتماً وهو زواج الرسول من زينب بعد طلاقها.
    وتخشى الناس: أي يقولون تزوج محمد مطلقة مولاه زيد.
    والله أحق أن تخشاه: وهو الذي أراد لك ذلك الزواج.
    فلما قضى زيد منها وطراً: أي حاجته منها ولم يبق له رغبة فيها لتعاليها عليه بشرف نسبها ومحتد آبائها.
    زوجناكها: إذ تولى الله عقد نكاحها فدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها بدون إذن من أحدٍ وذلك سنة خمس وأُشبع الناس لحماً وخبزاً في وليمة عرسها.
    كيلا لا يكون على المؤمنين حرج: أي إثم في تزوجهم من مطلقات أدعيائهم.
    وكان أمر الله مفعولا: أي وما قدره الله في اللوح المحفوظ لا بد كائن.
    ولا يخشون أحداً إلا الله: أي يفعلون ما أذن لهم فيه ربهم ولا يبالون بقول الناس.
    وكفى بالله حسيباً: أي حافظاً لأعمال عباده ومحاسباً لهم عليها يوم الحساب.
    ما كان محمد أبا أحد من رجالكم: أي لم يكن أباً لزيد ولا لغيره من الرجال إذ مات أطفاله الذكور وهم صغار.
    وخاتم النبيين: أي لم يجيء نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهلا للنبوة كما كان أولاد إبراهيم ويعقوب، وداود مثلا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (1) } الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} وقوله {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} تبع ذلك أن لا يرث الدعي ممن ادعاه، وأن لا تحرم مطلقته على من تبنّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتبني، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإسلام أن تتقبلها وتذعن لها بعد ليال بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد، واستجابت زينت للخطبة فهماً منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أماً للمؤمنين ولكن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوج شريفة مولى من موالي الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش. فنزلت هذه الآية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ (2) وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (3) مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية فما كان منها إلا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فإن زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يأبى عليه وذلك علماً منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدعي كأحكام الولد من الصلب فكان يقول له: اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة إلى الطلاق واصبر على ما تجده من امرأتك، وهنا عاتب رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربُّه عز وجل إذ قال له: {وَإِذْ (4) تَقُولُ} أي اذكر إذ تقول {لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ} أي بنعمة الإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بأن عتقته {أَمْسِكْ (5) عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي (6) فِي نَفْسِكَ} وهو أمر زواجك منها، {مَا اللهُ مُبْدِيهِ} أي مظهره لا محالة من ذلك {وَتَخْشَى (7) النَّاسَ} أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد، {وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدماً وقضاءً على الأحكام التي جعلت الدعي كابن الصُّلب.
    وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً} أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها {زَوجناكها (8) } إذ تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة إلى ولي ولا إلى شهود ولا إلى مهر أو صداق وذلك من أجل أن لا يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً} أي وما قضى به الله واقع لا محالة وقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ} أي من إثم أو تضييق في قول أو فعل شيء افترضه الله تعالى عليه وألزمه به سنة الله في الذين خلوا من قبل من الأنبياء، وكان أمر الله أي مقضيه قدرا مقدوراً أي واقعاً نافذاً لا محالة. وقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ} أي هؤلاء الأنبياء السابقون طريقتهم التي سنها الله لهم هي أنهم ينفذون أمر الله ولا يلتفتون إلى الناس ويقولون ما يقولون، ويخشون ربهم فيما فرض عليهم ولا يخشون غيره، وكفى بالله حسيباً أي حافظاً لأعمال عباده ومحاسباً عليها ومجازٍ بها، وقوله تعالى في ختام السياق {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} لا زيد ولا غيره إذ لم يكن له ولد ذكر قد بلغ الحلم إذ مات الجميع صغاراً وهم أربعة ثلاثة من خديجة وهم القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وهو من مارية القبطية، فلذا، لا يحرم عليه أن يتزوج مطلقة زيد لأنه ليس ابنه وإن كان يدعى زيد بن محمد قبل إنهاء التبني وأحكامه ولكن رسول الله وخاتم النبيين فلا نبي بعده فلو كان له ولد ذكر رجلاً لكان يكون نبياً وسولاً كما كان أولاد إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود، ولما أراد الله أن يختم الرسالات برسالته لم يأذن ببقاء أحد من أولاد نبيه بل توفاهم صغاراً، أما البنات فكبرن فتزوجن وأنجبن ومتن حال حياته إلا فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر وقوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} فما أخبر به هو الحق وما حكم به هو العدل وما شرعه هو الخير فسلموا لله في قضائه وحكمه فإن ذلك خير وأنفع.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن المؤمن الحق لا خيرة عنده في أمر يقضي فيه الله ورسوله بالجواز أو المنع.
    2- بيان أن من يعص الله ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة.
    3- جواز عتاب الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    4- بيان شدة حياء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    5- بيان إكرام الله لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألسنة المؤمنين إلى يوم الدين.
    6- بيان إفضال الله على زينب لما سلمت أمرها لله وتركت ما اختارته لما اختاره الله ورسوله فجعلها زوجة لرسول الله وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك.
    7- تقرير حديث ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه.
    8- إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.
    9- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكونه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.
    __________

    1 - روى قتادة وابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد في سبب نزول هذه الآية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب زينب بنت جحش وكانت بنت عمته خطبها لمولاه زيد بن حارثة فظنت أن الخطبة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما تبين أنها لمولاه زيد كرهت وأبت وامتنعت فنزلت الآية. فأذعنت وقبلت.
    2 - هذه الصيغة هي لنفي الحال والشأن فهي أبلغ من صيغ النهي أي أن مثل هذا القول والعمل مما لا يكون ولا ينبغي أن يكون نحو قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً) وفي الآية دليل على أن الكفاءة تعتبر في الأديان لا في الأنساب بل هي نص في هذا.
    3 - الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما، ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم.
    4 - روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لو كان رسول الله كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو كما قالت رضي الله عنها وأرضاها.
    5 - جاء زيد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل! وإني أريد أن أطلقها فقال له: {أمسك عليك زوجك واتق الله} الآية.
    6 - إن قيل كيف يأمر زيداً بعدم طلاق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه الله تعالى بها؟ الجواب لا حرج في هذا ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم أنه لا يؤمن، لأن الأمر لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة.
    7 - ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم: أينهى عن نكاح زوجة الابن ويتزوج زوجة ابنه زيد.
    8 - وري أن زينب كانت تقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني لأدل عليك بثلاث! ما من نسائك امرأة تدل بهن: أن جدي وجدك واحد، وأن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك جبريل.

    *************************
    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
    شرح الكلمات:
    يا أيها الذين آمنوا: أي يا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً.
    اذكروا الله ذكراً كثيرا ً: أي بقلوبكم وألسنتكم.
    وسبحوه بكرة وأصيلاً: أي نزهوه بقول سبحان الله وبحمده صباحاً ومساء.
    هو الذي يصلي عليكم: أي يرحمكم.
    وملائكته: أي يستغفرون لكم.
    ليخرجكم من الظلمات: أي يرحمكم ليديم إخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
    تحيتهم يوم يلقونه سلام: أي سلام فالملائكة تسلم عليهم.
    وأعد لهم أجراً كريما: أي وهيأ لهم أجراً كريماً وهو الجنة.
    معنى الآيات:
    هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم، ويحفظون به من عدوهم وهو ذكر الله فقال تعالى لهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (1) آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراًً} لا أحد له ولا حصر إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية، وسبحوه (2) بكرة وأصيلاً بصلاة الصبح صلاة العصر. وبقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر دبر كل صلاة من الصلوات الخمس. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي (3) عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} وصلاته تعالى عليهم رحمته لهم، وصلاة ملائكته الاستغفار لهم وقوله ليخرجكم من الظلمات أي من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات. فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هو سبب الإخراج من الظلمات إلى النور. وقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيماً} وهذه علاوة أخرى زيادة على الإكرام الأول وهو الصلاة عليهم وإنه بالمؤمنين عامة رحيم فلا يعذبهم ولا يشقيهم. وقوله {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَه (4) ُ سَلامٌ} أي وتحيتهم يوم القيامة في دار السلامِ السلامُ إذ الملائكة يدخلون عليهم من كل باب قائلين سلام عليكم أي أمان وأمنة لكم فلا خوف ولا حزن. وقوله {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} أي هيأ لهم وأحضر أجراً كريماً وهي الجنة. فسبحان الله ما أكرمه وسبحان الله ما أسعد المؤمنين. فيا لفضيلة الإيمان وطاعة الرحمن طلب منهم أن يذكروه كثيراً وأن يسبحوه بكرة وأصيلاً وأعطاهم ما لا يقادر قدره فسبحان الله ما أكرم الله. والحمد لله.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- وجوب ذكر الله تعالى كثيراً ليل نهار ووجوب تسبيحه صباح مساء.
    2- بيان فضل الله على المؤمنين بصلاته عليهم وصلاة ملائكته ورحمته لهم.
    3- تقرير عقيدة البعث بذكر بعض ما يتم فيها من سلام الملائكة على أهل الجنة.
    4- بشرى المؤمنين الصادقين بالجنة.
    __________

    1 - قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يعذر واحد في ترك ذكر الله إلا من غلب عليه عقله وورد في فضل الذكر قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما هو يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل- وقوله وقد جاءه أعرابيان فقال أحدهما يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله وقال الآخر إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فمرني بأمر أتشبث به. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى.
    2 - يجوز أن يراد بالتسبيح صلوات النوافل، وجائز أن يكون التسبيح نحو سبحان الله وبحمده إذ ورد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له ما تقدم من ذنبه.
    3 - الصلاة الدعاء والذكر بخير وهي من الله تعالى ثناؤه على العبد بين الملائكة قاله البخاري وقيل صلاة الله تعالى على العبد الرحمة ويكون على النبي الثناء عليه وعلى غير النبي الرحمة وهذا أولى، ولا منافاة بين القولين لقوله تعالى: (فاذكروني أذكركم) . وهي من الملائكة دعاء واستغفار لقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا الآية من سورة المؤمن.
    4 - ورد أن ملك الموت لا يقبض روح المؤمن إلا سلم عليه وروي عن البراء بن عازب في قوله تعالى: {تحيتهم يوم يقلونه سلام} قال فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #702
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (7)
    الحلقة (697)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 277الى صــــ 281)

    يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
    شرح الكلمات:
    شاهداً: أي على من أرسلناك إليهم.
    ومبشراً: أي من آمن وعمل صالحاً بالجنة.
    ونذيراً: أي لمن كفر وأشرك بالنار.
    وداعيا إلى الله بإذنه: أي وداعياً إلى الإيمان بالله وتوحيده وطاعته بأمره تعالى.
    وسراجاً منيراً: أي جعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلاح.
    ولا تطع الكافرين والمنافقين: أي فيما يخالف أمر ربك وما شرعه لك ولأمتك.
    ودع أذاهم: أي اترك أذاهم فلا تقابله بأذى آخر حتى تُأمر فيهم بأمر.
    وتوكل على الله: أي فوض أمرك إليه فإنه يكفيك.
    معنى الآيات:
    هذا نداء خاص بعد ذلك النداء العام فالأول كان للمؤمنين والرسول إمامهم على رأسهم. وهذا نداء خاص لمزيد تكريم الرسول وتشريفه وتكليفه أيضاً فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ (1) } حال كونك شاهداً على (2) من أرسلناك إليهم يوم القيامة تشهد على من أجاب دعوتك ومن لم يجبها، ومبشراً لمن استجاب لك فآمن وعمل صالحاً بالجنة، ونذيراً لمن أعرض فلم يؤمن ولم يعمل خيراً بعذاب النار، وداعياً إلى الله تعالى عباده إليه ليؤمنوا به ويوحدوه ويطيعوه بأمره تعالى لك بذلك، وسراجا (3) منيراً يهتدي بك من أراد الهداية إلى سبيل السعادة والكمال.
    وقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (4) } أي أنظر بعد دعوتك إياهم، وبشر المؤمنين منهم أي الذين استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من الله فضلا كبيراً ألا وهو مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسلام والتام. وقوله تعالى: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ} فيما يقترحون عليك من أمور تتنافى مع دعوتك ورسالتك، ودع أذاهم أي اترك أذيتهم واصبر عليهم حتى يأمرك ربك بما تقوم به نحوهم، وتوكل على الله في أمرك كله، فإنه يكفيك وكفى بالله وكيلاً أي حافظاً وعاصما يعصمك من الناس.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربه تبارك وتعالى.
    2- مشروعية الدعوة إلى الله إذا كان الداعي متأهلا بالعلم والحلم وهما الإذن.
    3- حرمة طاعة الكافرين والمنافقين والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة الله تعالى.
    __________

    1 - قال القرطبي: هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وللمؤمنين وتكريم لجميعهم.
    2 - قال قتادة شاهداً على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم.
    3 - ورد في الصحيح والموطأ ومسلم أن للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أسماء وهي محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب وهل شاهد ومبشر ونذير ورؤوف ورحيم أسماء؟ الظاهر أنها صفات ومن عدها أسماء فقد ذكر ابن العربي في أحكامه أن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعة وستين اسماً.
    4 - عن عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً} وقد كان أمر علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيراً إلى اليمين فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل إنه قد أنزل عليّ (يا أيها النبي) الآية.

    ***************************
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)
    شرح الكلمات:
    يا أيها الذين آمنوا: أي من صدقوا بالله ورسوله وكتابه وشرعه.
    إذا نكحتم المؤمنات (1) : أي إذا عقدتم عليهن ولم تبنوا بهن.
    من قبل أن تمسوهن: أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن.
    فما لكم عليهن من عدة: أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة إذ العدة على المدخول بها.
    فمتعوهن: أي أعطوهن شيئا من المال يتمتعن به جبْرا لخاطرهن.
    وسرّحوهن سراحاً جميلا: أي اتركوهن يذهبن إلى أهليهن من غير إضرار بهن.
    معنى الآيات:
    ينادي الله تعالى عباده المؤمنين المسلمين فيقول لهم معلماً مشرعاً لهم: {إِذَا نَكَحْتُمُ (2)الْمُؤمنات} أي عقدتم عليهن، {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ (3) مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أي من قبل الدخول عليهن الذي يتم بالخلوة في الفراش، {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } تعتدونها عليهن لا بالإقراء ولا بالشهود إذ العدة لمعرفة ما في الرحم وغير المدخول بها معلومة أن رحمها خالية، فإن سميتم لهن مهراً فلهن نصف المسمّى والمتعة على سبيل الاستحباب، وإن لم تسموا لهن مهراً فليس لهن غير المتعة وهي هنا واجبة لهن بحسب يسار المطلّق وإعساره وقوله: {وَسَرحوهن سَرَاحاً جَمِيلاً} أي خلوا سبيلهن يذهبن إلى ذويهن من غير إضرار بهن ولا أذى تلحقونه بهن.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- جواز الطلاق قبل البناء.
    2- ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق.
    3- المطلقة قبل البناء إن سمى (4) لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه.
    4- حرمة أذية المطلقة بأي أذى، ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت.
    5- مشروعية المتعة لكل مطلقة.
    __________

    1 - بمناسبة طلاق زيد لزينب أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد خطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجه ربه بها وله الحمد ناسب ذكر حكم المطلقة قبل البناء وأنها لا عدة عليها، وأنه لا مهر لها ولكن لها المتعة إن لم يكن قد سمى لها مهراً.
    2 - النكاح حقيقة في الوطء ويطلق ويراد به العقد كما في هذه الآية الكريمة ولم يرد في القرآن الكريم النكاح إلا والمراد منه العقد، لأنه في معنى الوطء، وهذا من أدب القرآن حيث يكنى عن الوطء بمثل المباشرة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان.
    3 - استدل بعض العلماء بقوله تعالى {ثم طلقتموهن} لما في ثم من المهلة على أن الطلاق لا يكون إلا بعد بالنكاح أي العقد، وأن من طلق امرأة قبل البناء عليها طلاقه لاغ لا عبرة به، وإن عينها فإنه لا يلزمه هذا مذهب نحو من ثلاثين صحابيا وتابعيا وإماما سمى البخاري منهم اثنين وسبعين وفي الحديث "لا طلاق قبل النكاح" وقال الجمهور إن عينها تطلق إن لم يعينها فلا طلاق عليه.
    4 - استدل الظاهرية بهذه الآية على أن من طلق طلاقاً رجعياً ثم راجع قبل أن تنقضي العدة ثم طلقها قبل أن يمسها أنه ليس عليها أن تتم عدتها وليس عليها عدة أخرى قياسا على المطلقة قبل البناء والجمهور على أنها تستقبل عدة أخرى وعليه مالك وجمهور فقهاء مكة والكوفة الكوفة والمدينة.

    *********************
    يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
    شرح الكلمات:
    آتيت أجورهن: أي أعطيت مهورهن.
    مما أفاء الله عليك: أي مما يسبى كصفية وجويرية.
    اللاتي هاجرن معك: أي بخلاف من لم تهاجر وبقيت في دار الكفر.
    وهبت نفسها للنبي: أي وأراد النبي أن يتزوجها بغير صداق.
    خالصة لك من دون المؤمنين: أي بدون صداق.
    قد علمنا ما فرضنا عليهم: أي على المؤمنين
    في أزواجهم: أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على الأربع، وأن لا يتزوجوا إلا بولي ومهر وشهود.
    وما ملكت أيمانهم: أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية، وأن تستبرأ قبل الوطء.
    لكيلا يكون عليك حرج: أي ضيق في النكاح.
    معنى الآيات:
    هذا النداء الكريم لرسول رب العالمين يحمل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد علم الله ما يعاني رسوله وما يعالج من أمور الدين والدنيا فمنّ عليه بالتخفيف ورفع الحرج فقال ممتناً عليه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (1) إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن وأحللنا لك {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ} من سبايا الجهاد كصفية بنت حبيب وجويرية بنت الحارث، {وَبَنَاتِ عَمِّكَ (2) وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ (3) مَعَكَ} من مكة إلى المدينة.
    أما اللاتي لم تهاجرن فلا تحلّ لك، وامرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل لا بد من المهر والولي والشهود.
    وقوله تعالى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن لا يزيد الرجل على الأربع، وأن لا يتزوج إلا بولي ومهر وشهود، والمملوكة لا بد أن تكون كتابية أو مسلمة، وأن لا يطأها قبل الاستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك دون المؤمنين وذلك تخفيفاً عليك لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان الله غفوراً لك ولمن تاب من المؤمنين رحيماً بك وبالمؤمنين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان إكرام الله تعالى لنبيه (4) في التخفيف عليه رحمة به فأباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع أباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين فلا بد من مهر وولي وشهود.
    2- تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد.
    3- بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين.
    __________

    1 - هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول ونظيرها آيتي الوفاة في البقرة على رأي الجمهور. إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم أكراماً له لما تحمله من نكاح زينب ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء إكراماً لهن أيضا وذلك في قوله لا يحل لك النساء من بعد. ثم لم يقبض حتى رفع الله عنه الحظر إكراماً وإعلاءً من شأنه إذ قالت عائشة. مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أحل له النساء.
    2 - واحد العم والخال وجمع العمات والخالات لأن العم والخال استعمل استعمال أسماء الأجناس الدالة على متعدد واللفظ موحد كالإنسان واللفظ واحد وهو دال على كل إنسان من بني آدم.
    3 - المعية هنا "معك" هي الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة إذ أحل له من هاجرت سواء كانت في رفقته أو في رفقة أخرى. ولم يهاجر في رفقته امرأة قط.
    4 - من جملة خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن فرض عليه أموراً لم تفرض على الأمة كقيام الليل مثلاً وأباح له أموراً لم تبح للأمة كنكاح الواهبة بدون مهر، وحرم عليه أموراً لم تحرم على الأمة كحرمة الصدقة ذكر هذه الخصائص القرطبي في تفسيره عند تفسير هذه الآية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #703
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (8)
    الحلقة (698)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 282الى صــــ 285)

    يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
    شرح الكلمات:
    آتيت أجورهن: أي أعطيت مهورهن.
    مما أفاء الله عليك: أي مما يسبى كصفية وجويرية.
    اللاتي هاجرن معك: أي بخلاف من لم تهاجر وبقيت في دار الكفر.
    وهبت نفسها للنبي: أي وأراد النبي أن يتزوجها بغير صداق.
    خالصة لك من دون المؤمنين: أي بدون صداق.
    قد علمنا ما فرضنا عليهم: أي على المؤمنين
    في أزواجهم: أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على الأربع، وأن لا يتزوجوا إلا بولي ومهر وشهود.
    وما ملكت أيمانهم: أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية، وأن تستبرأ قبل الوطء.
    لكيلا يكون عليك حرج: أي ضيق في النكاح.
    معنى الآيات:
    هذا النداء الكريم لرسول رب العالمين يحمل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد علم الله ما يعاني رسوله وما يعالج من أمور الدين والدنيا فمنّ عليه بالتخفيف ورفع الحرج فقال ممتناً عليه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (1) إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن وأحللنا لك {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ} من سبايا الجهاد كصفية بنت حبيب وجويرية بنت الحارث، {وَبَنَاتِ عَمِّكَ (2) وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ (3) مَعَكَ} من مكة إلى المدينة.
    أما اللاتي لم تهاجرن فلا تحلّ لك، وامرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل لا بد من المهر والولي والشهود.
    وقوله تعالى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن لا يزيد الرجل على الأربع، وأن لا يتزوج إلا بولي ومهر وشهود، والمملوكة لا بد أن تكون كتابية أو مسلمة، وأن لا يطأها قبل الاستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك دون المؤمنين وذلك تخفيفاً عليك لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان الله غفوراً لك ولمن تاب من المؤمنين رحيماً بك وبالمؤمنين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان إكرام الله تعالى لنبيه (4) في التخفيف عليه رحمة به فأباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع أباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين فلا بد من مهر وولي وشهود.
    2- تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد.
    3- بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين.
    __________

    1 - هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول ونظيرها آيتي الوفاة في البقرة على رأي الجمهور. إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم أكراماً له لما تحمله من نكاح زينب ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء إكراماً لهن أيضا وذلك في قوله لا يحل لك النساء من بعد. ثم لم يقبض حتى رفع الله عنه الحظر إكراماً وإعلاءً من شأنه إذ قالت عائشة. مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أحل له النساء.
    2 - واحد العم والخال وجمع العمات والخالات لأن العم والخال استعمل استعمال أسماء الأجناس الدالة على متعدد واللفظ موحد كالإنسان واللفظ واحد وهو دال على كل إنسان من بني آدم.
    3 - المعية هنا "معك" هي الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة إذ أحل له من هاجرت سواء كانت في رفقته أو في رفقة أخرى. ولم يهاجر في رفقته امرأة قط.
    4 - من جملة خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن فرض عليه أموراً لم تفرض على الأمة كقيام الليل مثلاً وأباح له أموراً لم تبح للأمة كنكاح الواهبة بدون مهر، وحرم عليه أموراً لم تحرم على الأمة كحرمة الصدقة ذكر هذه الخصائص القرطبي في تفسيره عند تفسير هذه الآية.

    *****************************
    تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
    شرح الكلمات:
    ترجي من تشاء منهن: أي تؤخر من نسائك.
    وتؤوي إليك من تشاء: أي وتضم إليك من نسائك من تشاء فتأتيها.
    ومن ابتغيت: أي طلبت.
    ممن عزلت: أي من القسمة.
    فلا جناح عليك: أي لا حرج عليك في طلبها وضمها إليك خيّره ربه في ذلك بعد أن كان القسم واجباً عليه.
    ذلك أدنى أن تقر أعينهن: أي ذلك التخيير لك في إيواء من تشاء وترك من تشاء أقرب إلى أن تقر أعينهن ولا يحزن.
    ويرضين بما آتيتهن: أي مما أنت مخير فيه من القسم وتركه، والعزل والإيواء.
    والله يعلم ما في قلوبكم: أي من حب النساء - أيها الفحول - والميل إلى بعض دون بعض وإنما خير الله تعالى رسوله تيسيراً عليه لعظم مهامه.
    وكان الله عليماً حليماً: أي عليماً بضعف خلقه حليماًً عليهم لا يعاجل بالعقوبة ويقبل التوبة.
    لا يحل لك النساء من بعد: أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد هؤلاء التسعة اللاتي اخترنك إكراماً لهن وتخفيفاً عنك.
    ولا أن تبدل بهن من أزواج: أي بأن تطلق منهن وتتزوج أخرى بدل المطلقة لا. لا.
    ولو أعجبك حسنهن: ما ينبغي أن تطلق من هؤلاء التسع وتتزوج من أعجبك حسنها.
    إلا ما ملكت يمينك: أي فالأمر في ذلك واسع فلا حرج عليك في التسري بالمملوكة، وقد تسرى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية المهداة إليه من قبل ملك مصر وولدت له إبراهيم ومات في سن الرضاعة عليه السلام.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في شأن التيسير على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف فقد تقدم أنه أحل له النساء يتزوج من شاء مما ذكر له وخصه بالواهبة نفسها يتزوجها بدون مهر ولا ولي وفي هذه الآية الكريمة (51) {تُرْجِي (1) مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية وسع الله تعالى عليه بأن أذن له في أن يعتزل وطء من يشاء، وأن يرجئ من يشاء، وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من اعتزلها إن شاء فلا حرج عليه في كل ذلك، ومع هذا فكان يقسم بين نسائه، ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك اللهم إلا ما كان من سودة رضي الله عنها فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها. هذا ما دلت عليه قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ (2) } وقوله ذلك أدنى أي ذلك التخيير لك في شأن نسائك أقرب أن تقر أعينهن أي يفرحن بك، ولا يحزن عليك، ويرضين بما تتفضل به عليهن من إيواء ومباشرة.
    وقوله تعالى {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} أي أيها الناس من الرغبة في المخالطة، وميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، وإنما خير الله رسوله هذا التخيير تيسيراً عليه وتخفيفاً لما له من مهام لا يطمع فيها عظماء الرجال ولو كان في القوة والتحمل كالجبال أو الجمال.
    وقوله تعالى {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً} أي بخلقه وحاجاتهم. حليماً عليهم لا يعاجل العقوبة ويقبل ممن تاب التوبة.
    وقوله تعالى في الآية (52) {لا يَحِلُّ لَكَ (3) النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} أي لا يحل لك يا رسولنا النساء بعد هؤلاء التسع اللائي خيرتهن فاخترن الله واخترنك وأنت رسوله واخترن الدار الآخرة فاعترافاً بمقامهن قصرك الله عليهن بعد الآن فلا تطلب امرأة أخرى ببدل أو بغير بدل، ومعنى ببدل: أن يطلق منهن واحدة أو أكثر ويتزوج بدلها. وهو معنى قوله تعالى {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وقوله {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أي فلا بأس بأن تتسرى بالجارية تملكها وقد تسرى بمارية القبطية التي أهداها له المقوقس ملك مصر مع بغلة بيضاء تسمى الدُّلدُل وهي أول بغلة تدخل الحجاز، وقد أنجبت مارية إبراهيم ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوفي في أيام إرضاعه عليه وعلى والده ألف ألف سلام.
    وقوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} أي حفيظاً عليماً فخافوه وراقبوه ولا تطلبوا رضا غيره برضاه فإنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه به حياتكم وإليه مرجعكم بعد مماتكم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان إكرام الله تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه لكثرة مهامه.
    2- ما خير الله فيه رسوله لا يصح لأحد من المسلمين اللهم إلا أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن أو المريضة أي فلانة إني أريد أن أتزوج أحصّن نفسي وأنت كما تعلمين عاجزة فإن شئت طلقتك، وإن شئت تنازلت عن ليلتك فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فلا بأس بذلك.
    3- في تدبير الله لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح ما لا يقادر قدره.
    4- تقرير مبدأ (ما ترك أحد شيئا لله إلا عوضه الله خيراً منه) تجلّى هذا في اختيار نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لله ورسوله والدار الآخرة.
    5- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الأحوال.
    [تنبيه هام]
    إذْنُ الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزواج بأكثر من أربع كان لحكم عالية، وكيف والمشرع هو الله العليم الحكيم من تلك الحكم العالية ما يلي:
    (1) اقتضاء التشريع الخاص بالنساء ومنه ما لا يطلع عليه إلا الزوجان تعدُّد الزوجات ليروين الأحكام الخاصة
    بالنساء، ولصحة الرواية وقبولها في الأمة تعدد الطرق وكثرة الروايات.
    (2) تطلُّب الدعوة الإسلامية في أيامها الأولى مناصرين لها أقوياء ولا أفضل من أصهار الرجل الداعي فإنهم بحكم
    العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقاً أو مبطلاً كان.
    (3) أن المؤمنين لا أحب إليهم من مصاهرة نبي الله ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به وما أعزها. فأي
    المؤمنين من لا يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أماً لكل المؤمنين إني والله لا أحب إليّ من أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولادي خدماً في بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلذا وسع الله على رسوله ليتسع على الأقل للأرامل وربات الشرف حتى لا يدنس شرفهن.
    (4) قد يحتاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكافأة بعض من أحسن إليه ولم يجد ما يكافئه به ويراه راغباً في مصاهرته فيجيبه لذلك ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق وحفصة بنت الفاروق رضي الله عنهم أجمعين.
    (5) قد زوجه ربه بزينب وهو كاره لذلك يتهرب منه خشية قالة الناس وما كانوا يعدونه منكراً وهو التزوج
    بامرأة الدعي المتبنى بعد طلاقها أو موت زوجها هذه بعض الحكم التي اقتضت الإذن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التزوج أكثر من أربع مع عامل آخر مهم وهو قدرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العدل والكفاية الأمر الذي لن يكون لغيره أبدا.
    __________

    1 - ترجي بدون همزة وترجئ مهموز لغتان فصيحتان من أرجى وأرجأ الأمر إذا أخره والآية تحمل التوسعة والتخفيف عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسقط عنه واجب القسم بين أزواجه ومع هذا فكان يقسم. لأن الآية تفيد التخيير والإذن لا غير.
    2 - الجناح الميل يقال جنحت السفينة إذا مالت إلى الأرض أي لا ميل عليك بلوم أو توبيخ أو عتاب. في الآية وجوب القسمة بين الزوجات والعدل بينهن فيعطي لكل زوجة يوماً وليلة فيقيم عندها في يومها ولو كانت مريضة أو نفساء أو حائضا وإن مرض هو فكذلك إلا أن يأذن له بالتمريض عند إحداهن كما استأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له في ذلك.
    3 - اختلف في أحكام هذه الآية ونسخها بالكتاب أو السنة والراجح أنها منسوخة بآية ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ورجح بعضهم نسخها بالسنة إذ قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه حتى أحل له النساء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #704
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (9)
    الحلقة (699)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 286الى صــــ 292)

    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
    شرح الكلمات:
    يا أيها الذين آمنوا: أي من صدقوا بالله ووعده ووعيده وبالرسول وما جاء به.
    إلا أن يؤذن لكم: أي في الدخول بأن يدعوكم إلى طعام.
    غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين وقت نضجه أي فلا تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الإذن بالدعوة إلى الطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت فيضايق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله.
    فإذا طعمتم فانتشروا: أي إذا أكلتم الطعام وفرغتم فانتشروا عائدين إلى بيوتكم أو أعمالكم ولا يبق منكم أحد.
    ولا مستأنسين لحديث: أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً.
    إن ذلكم كان يؤذي النبي: أي ذلكم المكث في بيوت النبي كان يؤذي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فيستحيي منكم: أي أن يخرجكم.
    والله لا يستحيي من الحق: أن يقوله ويأمر به ولذا أمركم أن تخرجوا.
    من وراء حجاب: أي ستر كباب ورداء ونحوه.
    أطهر لقلوبكم وقلوبهن: أي من الخواطر الفاسدة.
    إن ذلك كان عند الله عظيماً: أي إن أذاكم لرسول الله كان عند الله ذنباً عظيماً.
    إن تبدوا شيئا أو تخفوه: أي إن تظهروا رغبة في نكاح أزواج الرسول بعد وفاته أو تخفوه في نفوسكم فسيجزيكم الله به شر الجزاء.
    لا جناح عليهن في آبائهن الخ: أي لا حرج على نساء الرسول في أن يظهرن لمحارمهن المذكورين في الآية.
    ولا نسائهن: أي المؤمنات أما الكافرات فلا.
    ولا ما ملكت أيمانهن: أي من الإماء والعبيد في أن يرونهن ويكلمونهن من دون حجاب.
    واتقين الله: أي يا نساء النبي فيما أمرتن به من الحجاب وغيره.
    معنى الآيات:
    لما بين تعالى لرسوله ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه أمهات المؤمنين بين تعالى بهذه الآية (54) ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضاً نحو أزواج النبي أمهاتهم فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} حقاً وصدقاً {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} بالدخول إلى طعام تطعمونه غير (1) ناظرين إناه أي وقته، وذلك أن هذه الآية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول الله لما زوجه الله بزينب بنت جحش رضي الله عنها، وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس يتحدثون فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد رسول الله على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لهم هيا فاخرجوا. فانزل الله تعالى هذه الآية فقوله تعالى غير ناظرين إناه (2) يعني ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثلا أتى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لأن الإنى هو الوقت.
    وقوله ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي فلا تدخلوا بدون دعوة أو إذن فإذا طعمتم أي فرغتم من الأكل فانصرفوا منتشرين في الأرض فهذا إلى بيته وهذا إلى بيت ربه وهذا إلى عمله. وقوله: {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} أي لا تمكثوا بعد الطعام يحدث بعضكم بعضاً مستأنسين بالحديث. حرم تعالى هذا عليكم أيها المؤمنون لأنه يؤذي رسوله. وإن كان الرسول لكمال أخلاقه لا يأمركم بالخروج حياءً منكم فالله لا يستحي من الحق فلذا أمركم بالخروج بعد الطعام مراعاة لمقام رسوله محمد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ (3) مَتَاعاًً} أي طلبتم شيئاً من الأمتعة التي توجد في البيت كإناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب وستر نحوهما لا مواجهة لحرمة النظر إليهن. وقوله {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} أنتم أيها الرجال وقلوبهن أيتها الأمهات أطهر أي من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإنسان إذا خاطب فحلٌ أنثى أو خاطبت امرأة فحلاً من الرجال.
    وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ} أي ما ينبغي ولا يصح أن تؤذوا رسول الله أي أذى ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي ولا أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأمهات تحريماً مؤبداً لا يحل بحال، وقوله تعالى: {إِنَّ (4) ذَلِكُمْ} أي المذكور من المن أذى رسول الله والزواج من بعده بنسائه كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنباً عظيماً لا يقادر قدره ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله.
    هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) وقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً} أي تظهروه {أَوْ تُخْفُوهُ} أي تستروه يريد من الرغبة في الزواج من نساء الرسول بعد موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله كان بكل شيء عليماً وسيجزيكم بتلك الرغبة التي أظهرتموها أو أخفيتموها في نفوسكم شرّ الجزاء وأسوه. فاتقوا الله وعظموا ما عظم من حرمات رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا ما دلت عليه الآية (54) .
    وقوله تعالى في الآية (55) لا جناح عليهن (5) أي لا تضييق ولا حرج ولا إثم على نساء المؤمنات من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهن من نساء المؤمنين في أن يظهرن وجوههن ويكلمن بدون حجاب أي وجها لوجه آباءهن الأب والجد وإن علا، وأبناءهن الابن وابن الابن وإن نزل وابن البنت كذلك وإن نزل. وإخوانهن وأبناء إخوانهن وإن نزلوا وأبناء أخواتهن وإن نزلوا، ومماليكهن من إماء وعبيد.
    وقوله تعالى {وَاتَّقِينَ (6) اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} أمر من الله لنساء النبي ونساء المؤمنين بتقوى الله فيما نهاهن عنه وحرمه عليهن من إبداء الوجه للأجانب غير المحارم المذكورين في الآية وتذكيرهم بشهود الله تعالى لكل شيء وإطلاعه على كل شيء ليكون ذلك مساعداً على التقوى.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت لحاجة الطعام ونحوه.
    2- بيان كمال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خلقه في أنه ليستحي أن يقول لضيفه أخرج من البيت فقد انتهى الطعام.
    3- وصف الله تعالى نفسه بأنه لا يستحي من الحق أن يقوله ويأمره به عباده.
    4- مشروعية مخاطبة الأجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه.
    5- حرمة أذية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنها جريمة كبرى لا تعادل بأخرى.
    6- بيان أن الإنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا كلم المرأة ونظر إليها.
    7- حرمة نكاح أزواج الرسول بعد موته وحرمة الخاطر يخطر بذلك.
    8- بيان المحارم الذين للمسلمة أن تكشف وجهها أمامهم وتخاطبهم بدون حجاب.
    9- الأمر بالتقوى ووعيد الله لمن لا يتقيه في محارمه.
    __________

    1 - غير ناظرين إناه غير منصوب على الحال والآية تضمنت الأدب في حال الجلوس والطعام كما تضمنت مشروعية الحجاب.
    2 - أي غير منتظرين وقت نضجه، وإناه مقصور، وفيه لغات إني بكسر الهمزة وأني بفتح الهمزة والنون وأنا بفتح الهمزة والمد قال الحطيئة:
    وأخرت العشاء إلى سهيل
    أو الشعرى فطال بي الإناء
    والفعل أنى يأنى أنى إذ حان وأدرك وفرغ.
    3 - روى أبو داود عن أنس بن مالك قال عمر: وافقت ربي في أربع الحديث وفيه قلت يا رسول الله لو ضرب الحجاب على نسائك يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله عز وجل وإذا سألتموهن الآية.
    4 - روي أن رجلا من المنافقين لما تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة قال: فما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فأنزل الله تعالى هذه الآية، فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات وقال صلى الله عليه زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة وهذه علة من علل التحريم أيضاً.
    5 - روي أنه لما نزلت آية الحجاب تساءل الآباء والأقارب: هل نحن أيضاً لا نكلمهن إلا من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية لا جناح عليهن في آبائهن الخ.
    6 - لما ذكر تعالى الرخصة للمحارم أمر النساء بتقواه تعالى فأمرهن بذلك حتى لا يتجاوزن من أذن لهن بالنظر إليهم في المحارم إلى غيرهم وذلك لقلة تحفظ النساء وكثرة استرسالهن.

    ****************************** *
    إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
    شرح الكلمات:
    يصلون على النبي: صلاة الله على النبي هي ثناؤه ورضوانه عليه، وصلاة الملائكة دعاء واستغفار له، وصلاة العباد عليه تشريف وتعظيم لشأنه.
    صلوا عليه وسلموا تسليماً: أي قولوا: اللهم صل محمد وسلم تسليماً.
    يؤذون الله ورسوله: أي بسب أو شتم أو طعن أو نقد.
    يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا: أي يرمونهم بأمور يوجهونها تهماً باطلة لم يكتسبوا منها شيئا.
    فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً: أي تحملوا كذباً وذنباً بيناً ظاهراً.
    يدنين عليهن من جلابيبهن: أي يرخين على وجوههن الجلباب حتى لا يبدو من المرأة إلا عين واحدة تنظر بها الطريق إذا خرجت لحاجة.
    ذلك أدنى أن يعرفن: أي ذلك الإدناء من طرف الجلباب على الوجه أقرب.
    فلا يؤذين: أي يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون بالأذى.
    وكان الله غفوراً رحيما: أي غفورا لمن تاب من ذنبه رحيماً به بقبول توبته وعدم تعذيبه بذنب تاب منه.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى في الآيات السابقة ما يجب على المؤمنين من تعظيم نبيّهم واحترامه حياً وميتاً أعلن في هذه الآية (56) عن شرف نبيّه الذي لا يدانيه شرف وعن رفعته التي لا تدانيها رفعة فأخبر أنه هو سبحانه وتعالى يصلي عليه وأن ملائكته كذلك يصلون (1) عليه وأمر المؤمنين كافة أن يصلوا عليه فقال: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فكان واجباً على كل مؤمن ومؤمنة أن يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو مرة في العمر يقول:اللهم صل على محمد وسلم تسليماً. وقد بينت السنة أنواعاً من صيغ الصلاة والسلام على الرسول أعظمها أجراً الصلاة الإبراهيمية (2) وهي واجبة في التشهد الأخير من كل صلاة (3) فريضة أو نافلة، وتستحب استحباباً مؤكداً عند ذكره (4) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي مواطن أخرى. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (56) أما الآية الثانية (57) فقد أخبر تعالى عباده أن الذين يؤذون الله بالكذب (5) عليه أو انتقاصه بوصفه بالعجز أو نسبة الولد إليه أو الشريك وما إلى ذلك من تصوير الحيوان إذ الخلق اختص به الله فلا خالق إلا هو فلا تجوز محاكاته في الخلق، ويؤذون (6) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسب أو شتم أو انتقاص أو تعرض له أو لآل بيته أو أمته أو سنته أو دينه هؤلاء لعنهم الله في الدنيا والآخرة أي طردهم من رحمته، وأعد لهم أي هيأ وأحضر لهم عذاباً مهيناً لهم يذوقونه بعد موتهم ويوم يبعثهم يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (58) أما الآية الرابعة (59) فإنه لما كان المؤمنات يخرجن بالليل لقضاء الحاجة البشرية إذ لم يكن لهم مراحيض في البيوت وكان بعض سفهاء المنافقين يتعرضون لهن بالغمز والكلمة السفيهة وهم يقصدون على عادتهم الإماء لا الحرائر فتأذى بذلك المؤمنات وشكون إلى أزواجهن ما يلقين من تعرض بعض المنافقين لهن فأنزل الله تعالى هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ (7) وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} والجلباب هو الملاءة أو العباءة تكون فوق الدرع السابغ الطويل، أي مُرْهُنَّ بأن يدنين طرف الملاءة على الوجه حتى لا يبقى إلا عين واحدة ترى بها الطريق، وبذلك يعرفن أنه حرائر عفيفات فلا يؤذيهن بالتعرض لهن أولئك المنافقون السفهاء عليهم لعائن الله. وقوله تعالى {وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} أخبر عباده أنه تعالى كان وما زال غفوراً لمن تاب من عباده رحيماً به فلا يعذبه بعد توبته.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان شرف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوب الصلاة والسلام عليه في التشهد الأخير في الصلاة.
    2- بيان ما يتعرض له من يؤذي الله ورسوله من غضب وعذاب.
    3- بيان مقدار ما يتحمله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بالقول فينسب إليهم ما لم يقولوا أو لم يفعلوا ويؤذيهم بالفعل بضرب جسم أو أخذ مال أو انتهاك عرض.
    4- وجوب تغطية المؤمنة وجهها إذا خرجت لحاجتها إلا ما كان من عين ترى بها الطريق، واليوم بوجود الأقمشة الرقيقة لا حاجة إلى إبداء العين إذ تسبل قماشاً على وجهها فيستر وجهها وترى معه الطريق واضحاً والحمد لله.
    __________

    1 - اختلف في الضمير في يصلون على من يعود والصحيح أنه عائد على الله تعالى والملائكة معاً ولا حرج لأنه قول الله تعالى ولله أن يرفع من يشاء من عباده لجمع ضمير الملائكة مع ضميره، وليس هذا من باب ومن يعصهما الذي أنكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذاك من قول الخطيب وهذا قول الله تعالى وليس من حقنا أن نعترض على الله تعالى وروي أن ابن عباس قرأ الملائكة بالرفع أي يصلون وعليه فانفصل الضمير وأصبح خاصاً بالله تعالى وهو وجه وما تقدم أولى لقراءة الكافة بالنصب.
    2 - صيغة الصلاة الإبراهيمية هي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
    3 - غير ضار أن يقول المالكية الصلاة سنة مؤكدة في التشهد الأخير إذ السنة المؤكدة عند المالكية هي الواجب عند الشافعي وأحمد وإذاً فلا فرق.
    4 - من هذه المواطن بدء الدعاء وختمه وافتتاح الخطبة بعد حمد الله والثناء عليه ويوم الجمعة وليلتها ورد في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث منها، حديث مسلم: "من صلى عليّ مرة صلى الله بها عشراً" وروى النسائي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عليهم يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا إنا لنرى البشر في وجهك فقال: أتاني الملك فقال: "يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً".
    5 - روى البخاري في صحيحه قال قال الله تعالى: "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة "يقول الله تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإن شئت قبضتهما".
    6 - من أفظع أنواع الأذى الذي تعرض له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يوماً يصلى حول الكعبة فجاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور ووضعه على ظهره بين كتفيه الشريفتين فجاءت فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقته بعيداً عن ظهر أبيها ونالت من المشركين وانصرفت فرضي الله عنها وأرضاها.
    7 - تقدم ذكر أزواجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأما بناته ففاطمة الزهراء وزينب ورقية وأم كلثوم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #705
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (10)
    الحلقة (700)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 292الى صــــ 296)


    لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (62)
    شرح الكلمات:
    لئن لم ينته المنافقون: أي عن نفاقهم وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
    والذين في قلوبهم مرض: أي مرض حب الفجور وشهوة الزنا.
    والمرجفون في المدينة: أي الذين يأتون بالأخبار الكاذبة لتحريك النفوس وزعزعتها كقولهم العدو على مقربة من المدينة أو السرية الفلانية قتل أفرادها وما إلى ذلك.
    لنغرينك بهم: أي لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم.
    ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا: أي في المدينة إلا قليلاً من الأيام ثم يخرجوا منها أو يهلكوا.
    ملعونين: أي مبعدين عن الرحمة.
    أينما ثقفوا أخذوا: أينما أخذوا أسروا وقتلوا تقتيلاً.
    سنة الله في الذين خلوا من قبل: أي سن الله هذه السنة في الأمم الماضية أينما ثقف المنافقون والمرجفون أخذوا وقتلوا تقتيلاً.
    ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي منه تعالى إذ هي ليست أحكاماً يطرأ عليها التبديل والتغيير بل هي سر التشريع وحكمته.
    معنى الآيات:
    لقد تقدم أن بعض النسوة اشتكين ما يلقينه من تعرض المنافقين لهن عند خروجهن ليلاً لقضاء الحاجة، وأن الله تعالى أمر نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وعلة ذلك أن يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون وكان ذلك إجراءً وقائياً لا بد منه، ثم أقسم الجبار بقوله {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ (1) } أي وعزتي وجلالي لئن لم ينته هؤلاء المنافقون من نفاقهم وأعمالهم الاستفزازية والذين في قلوبهم مرض الشهوة وحب الفجور والمرجفون الذين يكذبون الأكاذيب المرجفة أي المحركة للنفوس كقولهم: العدو زاحف على المدينة والسرية الفلانية انهزمت أو قتل أكثر أفرادها لئن لم ينته هؤلاء لنغرينك (2) بهم أي لنحرشنّك بهم ثم لنسلطنَّك عليهم. ثم لا يجاورونك فيها أي في المدينة إلا قليلاً، ثم يخرجوا منها أو يهلكوا ملعونين أي يخرجون ملعونين أي مطرودين من الرحمة الإلهية التي تصيب سكان المدينة النبوية، وحينئذ أينما ثقفوا أي وجدوا وتمكن منهم أخذوا أي أسرى وقتلوا تقتيلاً حتى لا يبقى منهم أحد.
    هذا ما دلت عليه الآية الأولى (60) {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ..} والثانية (61) {مَلْعُونِينَ ... } الخ. أما الآية الثالثة (62) {سُنَّةَ اللهِ (3) فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي لقد سن الله تعالى هذا سنةً في المنافقين من أنهم إذا لم ينتهوا يلعنون ثم يسلط عليهم من يأخذهم ويقتلهم تقتيلاً، وقوله: {وَلَنْ (4) تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً} يخبر تعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والحديد يقطع لا يبدله تعالى بل يبقى كذلك لأنه مبني على أساس الحكم التشريعية.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التنديد بالمنافقين وتهديدهم بإمضاء سنة الله تعالى فيهم إذا لم يتوبوا.
    2- مشروعية إبعاد أهل الفساد من المدن الإسلامية أو يتوبوا بترك الفساد والإفساد، وخاصة المدينة النبوية الشريفة.
    3- بيان ما كان من الأشياء من قبل السنن لا يتبدل بتبدل الأحوال والظروف بل يبقى كما هو لا يبدله الله تعالى ولا يغيره.
    __________

    1 - يرى الكثيرون أن الصفات الثلاث لجنس واحد وهم المنافقون قد اجتمعت فيهم هذه الصفات الثلاث والواو مقحمة وليست للعطف وشاهده قول الشاعر:
    إلى الملك القرم وابن الهمام
    وليث الكتيبة في المزدحم
    فهو رجل واحد بثلاث صفات.
    2 - لنغرينك اللام للقسم أي وعزتنا وجلالنا لنغرينك.
    3 - سنة منصوب على المصدر أي سن الله تعالى ذلك سنة ثم أضيف المصدر إلى فاعله.
    4 - الجملة تذييلية المراد بها تأكيد العذاب الحائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا أو لم يتوبوا والمعنى لن تجد لسنن الله مع الذين خلوا من قبل ولا مع الحاضرين ولا مع الآتين تبديلاً.

    *****************************
    يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)
    شرح الكلمات:
    يسألك الناس عن الساعة: أي يهود المدينة كما سأله أهل مكة فاليهود سألوه امتحاناً والمشركون سألوه تكذيباً بها واستعجالاً لها.
    قل إنما علمها عند الله: أي أجب السائلين قائلا إنما علمها عند ربي خاصة فلم يعلمها غيره.
    وما يدريك: أي لا أحد يدريك أيها الرسول أي يخبرك بها إذ علمها لله وحده.
    لعل الساعة تكون قريبا: أي وما يشعرك أن الساعة قد تكون قريبة القيام.
    وأعد لهم سعيرا: أي ناراً متسعرة.
    خالدين فيها: أي مقدراً خلودهم فيها إذ الخلود يكون بعد دخولهم فيها.
    تقلب وجوههم في النار: أي تصرف من جهة إلى جهة كاللحم عند شيّه يقلب في النار.
    يا ليتنا أطعنا الله: أي يتمنون بأقوالهم لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول.
    وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا: هذا قول الأتباع يشكون إلى الله سادتهم ورؤساءهم.
    فأضلونا السبيلا: أي طريق الهدى الموصل إلى رضا الله عز وجل بطاعته.
    آتهم ضعفين من العذاب: أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا لأنهم أضلونا.
    والعنهم لعنا كبيراً: أي أخزهم خزياً متعدد المرات في عذاب جهنم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ (1) } أي ميقات مجيئها السائلون مشركون وأهل الكتاب فالمشركون يسألون عنها استبعاداً لها فسؤالهم سؤال استهزاء واليهود يسألون امتحانا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره تعالى أن يجيب السائلين بجواب واحد ألا وهو إنما علمها عند الله، أي انحصر علمها في الله تعالى إذ أخفى الله تعالى أمرها عن الملائكة والمقربين منهم والأنبياء والمرسلين منهم كذلك فضلا عن غيرهم فلا يعلم وقت مجيئها إلا هو سبحان وتعالى. وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ} أي لا أحد يعلمك بها أيها الرسول، وقوله {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} أي وما يشعرك يا رسولنا لعل الساعة تكون قريبة القيام وهي كذلك قال تعالى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وقال {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} فأعلم بالقرب ولم يعلم بالوقت لحكم عالية منها استمرار الحياة كما (2) هي حتى آخر ساعة.
    وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} المكذبين بالساعة المنكرين لرسالتك الجاحدين بنبوتك لعنهم فطردهم من رحمته وأعد لهم ناراً مستعرة في جهنم خالدين فيها إذا دخلوها لم يخرجوا منها أبدا {لا يَجِدُونَ وَلِيّاً} أي يتولاهم فيدفع عنهم {وَلا نَصِيراً} أي ينصرهم ويخلصهم من محنتهم في جهنم. وقوله {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (3) تصرف من جهة إلى جهة كما يقلب اللحم عند شيه يقولون عند ذلك يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول يتحسرون متمنين لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا ولم يكونوا عصوا الله والرسول. وقوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} (4) هذه شكوى منهم واعتذاراً وأنى لهم أن تقبل شكواهم وينفعهم اعتذارهم. أطعناهم فيما كانوا يأمروننا به من الكفر والشرك وفعل الشر فأضلونا السبيلا أي طريق الهدى فعشنا ضالين ومتنا كافرين وحشرنا مع المجرمين {رَبَّنَا} أي يا ربنا آتهم ضعفين من العذاب أي ضاعف يا ربنا لسادتنا وكبرائنا الذين أضلونا ضاعف لهم العذاب فعذبهم ضعفي عذابنا، والعنهم أي واخزهم في العذاب خزياً كبيراً يتوالى (5) عليهم دائماً وأبداً.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن علم الساعة استأثر الله به فلا يعلم وقت مجيئها غيره.
    2- بيان أن الساعة قريبة القيام، ولا منافاة بين قربها وعدم علم قيامها.
    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الكافرين فيها.
    4- بيان أن طاعة السادة والكبراء في معاصي الله ورسوله يعود بالوبال على فاعليه.
    __________

    1 - شاهد قرب الساعة في السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى". وحذفت التاء من قريبا ذهاباً بالساعة إلى اليوم كما حذفت من قريب في قوله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين) ذهاباً بالرحمة إلى العفو.
    2 - من الحكم العالية لإخفاء الساعة أن يكون العبد مستعدا لها بالإيمان وصالح الأعمال في كل وقت وكذلك ساعة الفرد وهي الموت.
    3 - وجائز أن تقلب الوجوه أيضا من لفح النار من الاسوداد إلى الاخضرار.
    4 - قرئ ساداتنا بكسر التاء جمع سيد.
    5 - الضعف بكسر الضاد العدد المماثل للمعدود فالأربعة ضعف الاثنين وقرئ كثيراً وكبيراً وكثيراً يناسب قولهم ضعفين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #706
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (11)
    الحلقة (701)
    تفسير سورة الاحزاب مدتية
    المجلد الرابع (صـــــــ 296الى صــــ 302)


    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
    شرح الكلمات:
    يا أيها الذين آمنوا: أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله.
    لا تكونوا كالذين آذوا موسى: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
    فبرأه الله مما قالوا: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين.
    وكان عند الله وجيها: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يخيّب له مسعى ولا يرد له مطلباً.
    وقولوا قولا سديداً: أي صدقاً صائباً.
    يصلح لكم أعمالكم: أي الدينية والدنيوية إذ على الصدق والموافقة للشرع نجاح الأعمال والفوز بثمارها.
    فقد فاز فوزاً عظيماً: أي نال غاية مطلوبه وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
    إنا عرضنا الأمانة: أي ما ائتمن عليه الإنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
    فأبين أن يحملنها وأشفقن منها: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
    وحملها الإنسان: أي آدم وذريته.
    إنه كان ظلوماً جهولاً: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.
    ليعذب الله المنافقين: أي وتحملها الإنسان قضاء وقدراً ليرتب الله تعالى على ذلك عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات فيغفر لهم ويرحمهم وكان الله غفوراً رحيماً.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي الله تعالى مؤمني هذه الأمة ناهياً لهم عن أذى نبيهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه في قوله من رواية مسلم (1) "أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه (2) على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أدرة ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها أي ذا جاه عظيم.
    ومما حصل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى أذاه في اتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإفك وقول بعضهم له وقد قسم مالا هذه قسمة ما أريد به وجه الله.
    وقول بعضهم أعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟
    وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الآية الأولى (69) أما الآية الثانية (70) فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذية نبيهم وأن لا يكونوا في ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الأول بتقواه عز وجل إذ قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي صدقوا الله ورسوله. {اتَّقُوا اللهَ} أي خافوا عقابه. فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه. والثاني بالتزام القول الحق الصائب (3) السديد، ورتب على الأمرين صلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل الأقوال والأعمال مثمرة نافعة، فتثمر زكاة النفس وطهارة الروح. ثم أخبرهم مبشراً إياهم بقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ} في الأمر والنهي فقد فاز فوزاً عظيماً وهي سعادة الدارين: النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن ذلك النجاة من النار ودخول الجنة. هذا ما تضمنه قوله تعالى {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} يخبر تعالى منبهاً محذراً فيقول: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} (4) وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتمن عليه الإنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال بعد أن خلق الله لها عقلاً ونطقاً ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها بثوابها وأشفقت وخافت من تبعتها، وعرضت على الإنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوماً لنفسه يوردها موارد السوء جهولاً بعواقب الأمور. هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (72) وهي قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً (5) جَهُولاً} . وقوله تعالى {لِيُعَذِّبَ (6) اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ (7) وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ} أي بتبعة النفاق والشرك، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي تمّ عرضُ الأمانة وقبولُ آدم لها ليؤول الأمر إلى أن يكفر بعض أفراد الإنسان فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع الأمانة، ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب الله عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان الله غفوراً رحيماً ومن آثار ذلك أن تاب الله على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان الله المدبر الحكيم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- وجوب تقوى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب المناهي.
    2- صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق فيالقول والعمل وهو القول السديد المنافي للكذب والانحراف في القول والعمل
    3- طاعة الله ورسوله سبيل الفوز والفلاح في الدين
    4- وجوب رعاية الأمانة وأدائها، ولم يخل احد من أمانة
    5- وصف الإنسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف ف آيات أخرى يستلزم طلب علاج لهذه الصفات وعلاجها جاء مبيناً في سورة المعارج في قوله {إِلا الْمُصَلِّينَ} إلي قوله {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}
    __________

    1 - رواه البخاري بمعناه أيضاً.
    2 - قال أهل العلم في وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله الماء عرياناً دليل على جواز مثل هذا الصنيع وهو كذلك، وهذا الجواز لا يتنافى الاستحباب إذ التستر مستحب بلا خلاف.
    3 - القول السديد هو لا إله إلا الله وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه فالقول السديد الصائب يشمل كل هذا الذي ذكر.
    4 - روى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال قالت وما فيها؟ قيل لها إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت لا قال مجاهد فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال وما هي؟ قال إن أحسنت أجرتُك وإن أسأت عذبتك قال فقد تحملتها يا رب. قال مجاهد فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
    5 - فكان الإنسان فريقين فريق ظلوم وفريق راشد عالم.
    6 - ليعذب اللام متعلقة بحمل أي حملها ليعذب العاصي ويثاب المطيع فهي لام التعليل وتعذيبهم نتيجة إضاعتهم الأمانة، ورحمة المؤمنين والمؤمنات نتيجة محافظتهم على الأمانة برعايتهم لها وسر ذلك أن التكاليف عملها يزكي النفس ويطهرها فتتأهل للجنة، وعدم عملها بتركها يسبب خبث النفس وهو يؤهل للنار وعذابها.
    7 - ذكر المنافقات والمشركات لأن المقام كمقام الإشهاد يتطلب ذكر الشاهد إقامة للحجة وإظهاراً للعدالة ولأن الجزاء العادل يتطلب التنصيص على من يقضى له أو عليه.

    ***************************

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)

    سورة سبأ (1)
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)

    شرح الكلمات:
    الحمد لله: أي الوصف بالجميل واجب لله مستحق له.
    الذي له ما في السموات وما في الأرض: أي خلقاً وملكاً وتصريفاً وتدبيراً.
    وله الحمد في الآخرة: أي يحمده فيها أولياؤه وهم في رياض الجنان، كما له الحمد في الدنيا.
    وهو الحكيم الخبير: أي الحكيم في أفعاله الخبير بأحوال عباده.
    يعلم ما يلج في الأرض: أي ما يدخل فيها من مطر وأموات وكنوز.
    وما يخرج منها: أي من نبات وعيون ومعادن.
    وما ينزل من السماء: أي من ملائكة وأمطار وأرزاق ونحوها.
    وما يعرج فيها: أي وما يصعد فيها من ملائكة وأعمال العباد وأرواحهم بعد الموت.
    وهو الرحيم الغفور: أي الرحيم بالمؤمنين الغفور للتائبين.
    معنى الآيات:
    يخبر تعالى عباده بأن له الحمد (2) والشكر الكاملين التامين، دون سائر خلقه، فلا يُحمد على الحقيقة إلا هو أما مخلوقاته فكل ما يحمد له هو من عطاء الله تعالى لها وإفاضته عليها فلا يستحق الحمد على الحقيقة إلا الله، كما أخبر تعالى بموجب حمده وشكره وهو أن له ما في السموات وما في الأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً وتصريفاً وليس لأحد سواه من ذلك شيء هذا في الدنيا، {وَلَهُ (3) الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ} إذ يكرم أولياءه فينزلهم دار السلام فيحمدونه على ذلك {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} وقوله تعالى {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} في تصريف أمور عباده وسائر مخلوقاته وتدبيرها الخبير بأحوالها العليم بصفاتها الظاهرة والباطنة.
    وقوله {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ} أي ما يدخل (4) في الأرض من مطر وكنوز وأموات، {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} أي من الأرض من نبات ومعادن ومياه، وما ينزل من السماء من أمطار وملائكة وأرزاق (5) ، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي يصعد من ملائكة وأعمال العباد. وهو مع هذه القدرة والجلال والكمال هو وحده الرحيم بعباده المؤمنين الغفور للتائبين. بهذه الصفات الثابتة للذات الإلهية وهي صفات جلال وجمال كمال استحق الرب تعالى العبادة دون سواه فكل تأليه لغيره هو باطل ومنكر وزور يجب تركه والتخلي عنه، والتنديد بفاعله حتى يتركه ويتخلى عنه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- وجوب حمد الله تعالى (6) وشكره بالقلب واللسان والجوارح والأركان.
    2- بيان أن الحمد لا يصح إلا مع مقتضيه من الجلال والجمال.
    3- لا يحمد في الآخرة إلا الله سبحانه وتعالى.
    4- بيان علم الله تعالى بالظواهر والبواطن في كل خلقه.
    5- تقرير توحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته.
    __________

    1 - هذه السورة "الحمد لله" هي إحدى خمس سور مفتتحة بالحمد لله وهن كلهن مكيات أولهن الفاتحة وآخرهن فاطر.
    2 - الحمد الكامل والثناء الشامل كله لله، إذ النعم كلها منه وله الحمد في الأولى لأنه المالك وله الحمد في الآخرة كذلك.
    3 - الجملة عطف على الصلة أي والذي له الحمد في الآخرة، وفيها إشارة إلى أنه مالك الأمر في الآخرة.
    4 - الذي يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها يعلم من باب أولى ما يدب على سطحها وما يزحف فوقها والذي يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها يعلم من باب أولى ما يجول في أرجائها ويعلم سير كواكبها.
    5 - وكذا من الثلوج والبرد والصواعق.
    6 - حمده تعالى نفسه دليل على أنه محب الحمد. ولذا كان الحمد رأس الشكر وشاهده قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من أحد أحب إليه الحمد من الله تعالى حتى إنه حمد نفسه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #707
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (1)
    الحلقة (702)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 302الى صــــ 307)

    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُ مْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
    لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
    وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
    وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)

    شرح الكلمات:
    لا تأتينا الساعة: أي القيامة.
    لا يعزب عنه: أي لا يغيب عنه.
    مثقال ذرة: أي وزن ذرة: أصغر نملة.
    ولا أصغر من ذلك ولا أكبر: أصغر من الذرة ولا أكبر منها.
    إلا في كتاب مبين: أي موجود في اللوح المحفوظ مكتوب فيه.
    ليجزي الذين: أي أثبته في اللوح المحفوظ ليحاسب به ويجزي صاحبه.
    والذين سعوا في آياتنا: أي عملوا على إبطالها وسعوا في ذلك جهدهم.
    معاجزين: أي مغالبين لنا ظانين عجزنا عنهم, وأنهم يفوتوننا فلا نبعثهم ولا نحاسبهم ولا نجزيهم.
    عذاب من رجز أليم: أي عذاب من أقبح العذاب وأسوأه.
    ويرى الذين أوتوا العلم: أي ويعلم الذين أوتوا العلم وهم علماء أهل الكتاب كعبد الله ابن سلام وأصحابه.
    الذي أنزل إليك من ربك هو الحق: أي القرآن هو الحق الموحى به من الله تعالى.
    ويهدي إلى صراط العزيز الحميد: أي القرآن يهدي إلى صراط الله الموصل إلى رضاه وجواره الكريم وهو الإسلام. والعزيز ذو العزة والحميد المحمود.
    معنى الآيات:
    بعد ما قررت الآيات السابقة توحيد الله في ربوبيته وألوهيته ذكر تعالى في هذه الآيات تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى مخبراً بما قاله منكروا البعث والجزاء: {وَقَالَ الَّذِينَ (1) كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} (2) وهو إنكار منهم للبعث إذ الساعة هي ساعة الفناء والبعث بعدها، وأمر رسوله أن يقول لهم: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُ مْ} أي أقسم لهم بالله تعالى ربه ورب كل شيء لتأتينهم أحبوا أم كرهوا ثم أثنى الرب تبارك وتعالى على نفسه بصفة العلم إذ البعث يتوقف على العلم كما يتوقف على القدرة والقدرة حاصلة، إذ خلقهم ورزقهم ويميتهم. فذكر تعالى أنه عالم الغيب وهو (3) كل ما غاب في السموات وفي الأرض. وأخبر أنه لا يعزب أي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة أي (4) وزن ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من الذرة ولا أكبر أيضاً إلا في كتاب مبين أي بين وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل أحداث العالم فلا حركة ولا سكون وقع أو يقع في الكون إلا وله صورته ووقته في اللوح المحفوظ.
    هذا ما تضمنته الآية الثالثة وقوله تعالى في الآية (4) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي إذ الحكمة من كتابة الأحداث صغيرها وكبيرها ومن البعث الآخر هي ليجزي تعالى الذين آمنوا أي صدقوا الله رسوله وعملوا الصالحات وهي أداء الفرائض والسنن بما ذكر من جزائهم في قوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أي لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة وقوله في الآية (5) {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا} بين فيه جزاء الكافرين بعد أن بين جزاء المؤمنين ذلك الجزاء الذي هو حكمة وعلة البعث وكتابة الأعمال في اللوح المحفوظ فقال: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ (5) } أي والذين عملوا جهدهم في إبطال آيات الله إذ قالوا فيها أنها من كلام الكهان وأنها شعر وأساطير الأولين حتى لا يؤمنوا ولا يوحدوا أولئك البعداء في الخسّة والانحطاط لهم جزاء، عذاب من رجز أليم (6) والرجز سيء العذاب وأشده ومعنى أليم أي ذي ألم وإيجاع شديد.
    وقوله تعالى: في الآية (6) {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} ، أي ويعلم علماء أهل الكتاب كعبد الله (7) بن سلام وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب. الذي أنزل إليك من ربك وهو القرآن الكريم هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد، وعلم أهل الكتاب بأن القرآن حقّ ناتج عن موافقته لما في كتاب الله التوراة من عقيدة القدر وكتابة الأعمال دقيقها وجليلها في اللوح المحفوظ ليجزي بها الله تعالى المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
    هذا ما دلت عليه الآية (6) والأخيرة وهي قوله تعالى: {وَيَرَى} أي وليعلم {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وهو الإسلام.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير توحيد الألوهية.
    2- تقرير عقيدة القضاء والقدر وكتابة الأعمال والأحداث في اللوح المحفوظ.
    3- طلب شهادة أهل الكتاب على صحة الإسلام والحصول عليها لموافقة التوراة للقرآن.
    4- تقرير النبوة إذ القرآن فرع نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودليلها المقرر لها.
    __________

    1 - روي أن أبا سفيان هو الذي قال هذه المقالة حيث قال لإخوانه من أهل الكفر بمكة واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبداً ولا نبعث فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليه دعواه بقوله (قل بلى وربي لتبعثن) الآية.
    2 - الساعة علم بالغلبة في القرآن على يوم القيامة وساعة النشر والحشر.
    3 - قرأ نافع وعنه ورش عالم بالرفع على الابتداء وقرأ حفص بالخفض نعت لاسم الجلالة.
    4 - قال القرطبي مثقال ذرة أي قدر نملة صغيرة.
    5 - قال القرطبي أي في إبطال أدلتنا والتكذيب بآياتنا وما في التفسير أشمل وأوضح.
    6 - قرأ نافع بجر أليم نعت لرجز وقرأ حفص برفع أليم نعت لعذاب المرفوع.
    7 - على هذا التفسير أن الآية مدنية كما قال بعضهم حيث استثناها من آيات السورة وجائز أن يراد بالذين أوتوا العلم أبو بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب والأصحاب رضوان الله عليهم إذ هم من أولي العلم.

    ***********************
    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
    شرح الكلمات:
    وقال الذين كفروا: أي قال بعضهم لبعض على جهة التعجيب.
    هل ندلكم على رجل: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إذا مزقتم كل ممزق: أي قطعتم كل التقطيع.
    إنكم لفي خلق جديد: أي تبعثون خلقاً جديداً لم ينقص منكم شيء.
    أم به جنة: أي جنون تخيل له بذلك.
    بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد: أي ليس الأمر كما يقول المشركون من افتراء الرسول أو جنونه بل الأمر الثابت والواقع أن الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب في الآخرة والضلال البعيد في الدنيا.
    أفلم يروا: أي ينظروا.
    إلى ما بين أيديهم وما خلفهم: أي من أمامهم وورائهم وفوقهم وتحتهم إذ هم محاطون من كل جهة من السماء والأرض.
    أو نسقط عليهم كسفاً: أي قطعاً جمع كسفة أي قطعة.
    إن في ذلك لآية: أي علامة واضحة ودليلاً قاطعا على قدرة الله عليهم.
    لكل عبد منيب: أي لكل مؤمن منيب إلى ربّه رجّاع إليه في أمره كله.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء إنه لما قررها تعالى في الآيات قبل أورد هنا ما يتقاوله المشركون بينهم في تهكم واستهزاء واستبعاد للحياة الآخرة. فقال تعالى حاكياً قولهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهم مشركو مكة أي بعضهم لبعض متعجبين {هَلْ نَدُلُّكُمْ (1) عَلَى رَجُلٍ} يعنون محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يُنَبِّئُكُمْ} أي يخبركم بأنكم إذا متم وتمزقت لحومكم وتكسرت عظامكم وذهبتم في الأرض تراباً تبعثون في خلق جديد بعد أن مزقتم كل ممزق (2) أي كل التمزيق فلم يبق لكم شيء متصل ببعضه بعضاً. {أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي (3) محمد فكذب على الله هذا القول وزوره عنه وادعى أنه أخبره بوجود بعث جديد للناس بعد موتهم لحسابهم وجزائهم؟! أم به جنة أي مس من جنون فهي تخيل له صور البعث وما يجري فيه وهو يخبر به ويدعو إلى الإيمان به؟ وهنا رد الله تعالى عليهم كذبهم وباطلهم فقال {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (4) بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} أي ليس الأمر كما يقولون من أن النبي افترى على الله كذباً، أو به جنون فتخيل له بالبعث وإنما الأمر الثابت والواقع المقطوع به أن الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب يوم القيامة وفي الضلال البعيد اليوم في الدنيا وشؤمهم أتاهم من تكذيبهم بالآخرة.
    ثم قال تعالى مهدداً لهم لعلهم يرتدعون عن التهجم والتهكم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَفَلَمْ يَرَوْا} أي أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم (5) وما خلفهم من السماء والأرض أفلم ينظروا كيف هم محاطون من فوقهم ومن تحتهم ومن أمامهم ومن ورائهم أي الأرض تحتهم والسماء فوقهم {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} فيعودون فيها {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ (6) كِسَفاً} أي قطعا من السماء فتهلكهم عن آخرهم فلا يجدون مهربا والجواب لا، لأنهم مهما جروْا هاربين لا تزال السماء فوقهم والأرض تحتهم والله قاهر لهم متى شاء خسف بهم أو أسقط السماء عليهم. وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ
    لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} أي إن في ذلك المذكور من إحاطة السماء والأرض وقدرة الله على خسف من شاء خسف الأرض بهم وإسقاط كسف من السماء على من شاء ذلك لهم آية وعلامة بارزة على قدرة الله على إهلاك من شاء ممن كفر بالله وبرسوله وكذبوا بلقائه. وكون المذكور آية لكل عبد منيب دون غيره لأن المنيب هو الرجاع إلى ربه كلما أذنب آب لخشيته من ربه فالخائف الخاشي هو الذي يجد الآية واضحة أمامه في إحاطة الأرض والسماء بالإنسان وقدرة الله على خسف الأرض به وإسقاط السماء كسفا عليه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان ما كان المشركون عليه من استهزاء وتكذيب وسخرية بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2- تقرير البعث وأن المكذبين به محكوم عليهم بالعذاب فيه.
    3- لفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى المحيطة بالإنسان ليخشى الله تعالى ويرهبه فيؤمن به ويعبده ويوحده.
    4- فضل الإنابة إلى الله وشرف المنيب. والإنابة الرجوع إلى التوبة بعد الذنب والمعصية، والمنيب الذي رجع في كل شيء إلى ربه تعالى.
    __________

    1 - الاستفهام مستعمل في العرض مثل: (فقل هل لك إلى أن تزكى) أي يعرض عليه ما هو صالح له. والاستفهام في الآية وإن كان للعرض فهو مكنى به عن التعجب أي هل ندلكم على أعجوبة وهي رجل ينبئكم بهذا النبأ.
    2 - التمزق والتفرق والتشتيت.
    3 - هذه الجملة (افترى) صفة ثابتة لرجل والصفة والصفة الأولى هي قوله ينبئكم.
    4 - في الجملة إدماج يصف به حالهم في الآخرة مع وصف حالهم في الدنيا إذ أخبر أنهم في الآخرة في العذاب وفي الدنيا في الضلال البعيد.
    5 - المراد بما بين أيديهم هو ما يستقبله الإنسان من الكائنات السماوية والأرضية، وبما خلفهم وهو ما وراء الإنسان من الكائنات الأرضية والسماوية.
    6 - قرأ نافع كسفاً بسكون السين وقرأ حفص بفتحها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #708
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (2)
    الحلقة (703)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 307الى صــــ 314)


    وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
    شرح الكلمات:
    ولقد آتينا داود منا فضلاً: أي نبوة وملكاً.
    يا جبال أوِّبي معه: أي وقلنا يا جبال أوِّبي معه أي رجّعي بالتسبيح.
    والطير: أي والطير تسبح أيضاً معه.
    وألنا له الحديد: أي جعلناه له في اللين كالعجينة يعجنها كما يشاء.
    أن اعمل سابغات: أي دروعاً طويلة تستر المقاتل وتقيه ضربة السيف.
    وقدر في السرد: أي اجعل المسمار مناسباً للحلقة، فلا يكن غليظاً ولا دقيقاً، أي اجعل المسامير مقدرة على قدر الحلق لما يترتب على عدم المناسبة من فساد الدروع وعدم الانتفاع بها.
    ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر: أي وسخرنا لسليمان الريح غدوها أي سيرها من الغداة إلى منتصف النهار مسيرة شهر ورواحها شهر من منتصف النهار إلى الليل شهر كذلك أي مسافة شهر.
    وأسلنا له عين القطر: أي وأسلنا له عين النحاس.
    ومن يزغ منهم: أي ومن يعدل عن طاعة سليمان فلم يطعه نذقه من عذاب السعير.
    من محاريب: جمع محراب المقصورة تكون إلى جوار المسجد للتعبد فيها.
    وجفان كالجواب: أي وقصاع في الكبر كالحياض التي حول الآبار يجبى إليها الماء.
    وقدور راسيات: أي وقدور كبار على الأثافي لكبرها لا تحول.
    إلا دابة الأرض: أي الأرضة.
    تأكل منسأته: أي عصاه بلغة الحبشة.
    فلما خرّ: أي سقط على الأرض ميتاً.
    تبيّنت الجن: أي انكشف لها فعرفت.
    في العذاب المهين: وهو خدمة سليمان في الأعمال الشاقة.
    معنى الآيات:
    يذكر تعالى في هذا السياق الكريم مظاهر قدرته وإنعامه على عباده المؤمنين ترغيباً لهم في طاعته وترهيباً من معصيته فيقول: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا (1) فَضْلاً} وهو النبوة والزبور "كتاب" والملك. وقلنا للجبال {أَوِّبِي} مع سليمان أي ارجعي صوت تسبيحه (2) والطير أمرناها كذلك فكان إذا سبح ردد تسبيحه الجبال والطير. وهذا تسخير لا يقدر عليه إلا الله. وقوله: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (3) } وهذا امتنان آخر وهو تسخير الحديد له وتليينه حتى لكأنه عجينة يتصرف فيها كما شاء، وقلنا له اعمل دروعاً طويلة سابغات تستتر بها في الحروب، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ (4) } وقوله {وَاعْمَلُوا صَالِحاً (5) } أي اعملوا بطاعتي وترك معصيتي فأدوا الفرائض والواجبات واتركوا الإثم والمحرمات. وقوله: {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيه وعد ووعيد إذ العلم بالأعمال يستلزم الثواب عليها إن كانت صالحة والعقاب عليها إن كانت فاسدة.
    وقوله تعالى: {وَلِسلمان الرِّيحَ} أي سخرنا لسليمان بن داود الريح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} أي تقطع مسافة شهر في الصباح، وأخرى في المساء أي من منتصف النهار إلى الليل فتقطع مسيرة شهرين في يوم واحد، وذلك أنه كان لسليمان مركب من خشب يحمل فيه الرجال والعتاد وترفعه الجان من الأرض فإذا ارتفعت جاءت عاصفة فتحملها ثم تتحول إلى رخاء فيوجه سليمان السفينة حيث شاء بكل ما تحمله وينزل بها كسفينة فضاء تماما. وقوله تعالى {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} وهو النحاس فكما ألان لداود الحديد للصناعة أجرى لسليمان عين النحاس لصناعته فيصنع ما شاء من آلات وأدوات النحاس.
    وقوله تعالى {وَمِنَ الْجِنِّ} أي وسخرنا من الجن من يعمل بين يديه أي أمامه وتحت رقابته يعمل له ما يريد عمله من أمور الدنيا. وذلك بإذن ربه تعالى القادر على تسخير ما يشاء لمن يشاء. وقوله {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ} أي ومن يعدل من الجن {عَنْ أَمْرِنَا} أي عما أمرناهم بعمله وكلفناهم به {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} وذلك يوم القيامة (6) . وقوله {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ} بيان لما في قوله {مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} من محاريب قصور أو بيوت تكون ملاصقة للمسجد للتعبد فيها، وتماثيل أي صور من نحاس أو خشب إذ لم تكن محرمة في شريعتهم وجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة تتسع لعشرة من الأكلة، كالجواب أي في الكبر والجابية (7) حوض يفرغ فيه ماء البئر ثم يسقى به الزرع أو قدور راسيات أي ويعملون له قدوراً ضخمة لا تتحول بل تبقى دائما موضوعة على الأثافي ويطبخ فيها وهي في مكانها وذلك لكبرها ومعنى راسيات ثابتات على الأثافي.
    وقوله تعالى {اعْمَلُوا} أي قلنا لهم اعملوا آل داود شكراً أي اعملوا الصالحات شكرًا لله تعالى على هذا الإفضال والإنعام أي أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا ربكم في أمره ونهيه يكن ذلك منكم شكراً لله على نعمه. روي أنه لما أمروا بهذا الأمر قال داود عليه السلام لآله أيكم يكفيني النهار فإني أكفيكم الليل فصلوا لله شكراً فما شئت أن ترى في مسجدهم راكعاً أو ساجداً في أية ساعة من ليل أو نهار إلا رأيت. ويكفي شاهداً أن سليمان مات وهو قائم يصلي في المحراب. وقوله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} هذا إخبار بواقع وصدق الله العظيم الشاكرون لله على نعمه قليل وفي كل زمان ومكان وذلك لاستيلاء الغفلة على القلوب من جهة ولجهل الناس بربهم وإنعامه من جهة أخرى.
    وقوله تعالى في الآية (14) {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} أي توفيناه: ما دلهم على موته إلا دابة في الأرض الأرضة المعروفة تأكل منسأته فلما أكلتها خر على الأرض، وذلك أنه سأل ربه أن يعمي خبر موته عن الجن، حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب كما هم يدعون، فمات وهو متكئ على عصاه يصلي في محرابه، والجن يعملون لا يدرون بموته فلما مضت مدة من الزمن وأكلت الأرضة المنسأة وخر سليمان على الأرض علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بموت سليمان ولما أقاموا مدة طويلة في الخدمة والعمل الشاق وهم لا يدرون. هذا معنى
    قوله تعالى {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} -كما يدعي بعضهم- {مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} أي الذي كان سليمان يصبه عليهم لعصيانهم وتمردهم على الطاعة.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان إكرام الله تعالى لآل داود وما وهب داود وسليمان من الآيات.
    2- فضيلة صنع السلاح وآلات الحرب لغرض الجهاد في سبيل الله.
    3- مركبة سليمان سبقت صنع الطائرات الحالية بآلاف السنين.
    4- شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما خصه الدليل كتحريم الصور (8) والتماثيل علينا ولم تحرم عندهم.
    5- وجوب الشكر على النعم، وأهم ما يكون به الشكر الصلاة والإكثار منها.
    6- تقرير أن علم الغيب لله وحده.
    __________

    1 - بين تعالى بهذه الآية أن إرسال نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن أمراً خارقاً للعادة ولا منافياً لمقتضيات العقول إذ أرسل من قبله رسلاً وآتى داود من الإنعام ما قرر به رسالته وأثبت به نبوته وكذا ولده سليمان عليهما السلام.
    2 - والطير منصوب بالعطف على المنادى "يا جبال" لأن المعطوف المعرف على المنادى يجوز نصبه ورفعه والنصب أولى.
    3 - الحديد تراب معدني إذا صهر بالنار امتزج بعضه ببعض ولان وأمكن تطريقه وتشكيله فإذا برد تصلب.
    4 - قدر الشيء جعله على قدر معيّن والسرد هو تركيب حلقها ومساميرها بصورة متناسبة بحيث لا يعظم المسمار فيغلق الحلقة، ولا يرق فلا تمسكه.
    5 - لمّا عدد عليه نعمه أمره بشكره وهو العمل الصالح الشامل للحمد والشكر والطاعة والصبر.
    6 - وجائز أن يكون هناك ملك بيده سوط من نار أو شهاب يضرب به الشيطان إن عصى سليمان كما روي عن السلف.
    7 - قال الشاعر:
    تروح على آل المحلق جفنة
    كجابية الشيخ العراقي تفهق
    أي لامتلائها.
    8 - لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المصورين ولم يستثن فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم. وفي البخاري أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون. وحديث الموطأ. إلا ما كان رقما في الثوب فهو وإن خص جميع الصور فإن حديث عائشة رضي الله عنها دل على كراهيته إذ قال لها أخرجيه عني فهتكته والرخصة في لعب البنات لما في الصحيح على شرط أن لا تكون كأشباه التماثيل.

    ****************************** ***
    لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم ْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُم ْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
    شرح الكلمات:
    لقد كان لسبأ في مسكنهم: أي لقد كان لقبيلة سبأ اليمانية في مسكنهم.
    آية: أي علامة على قدرة الله وهي جنتان عن يمين وشمال.
    بلدة طيبة ورب غفور: أي طيبة المناخ بعيدة عن الأوباء وأسبابها، والله رب غفور.
    فاعرضوا: أي عن شكر الله وعبادته.
    سيل العرم: أي سد السيل العرم.
    ذواتي أكل خمط وأثل: أي صاحبتي أكل مرّ وبشع وشجر الأثل.
    ذلك: أي التبديل جزيناهم بكفرهم.
    القرى التي باركنا فيها: هي قرى الشام المبارك فيها.
    قرى ظاهرة: أي متواصلة من اليمن إلى الشام.
    وقدرنا فيها السير: أي المسافات بينها مقدرة بحيث يقيلون في قرية ويبيتون في أخرى.
    وجعلناهم أحاديث: أي لمن جاء بعدهم أي أهلكناهم ولم يبق منهم إلا ذكرهم متداولا بين الناس.
    ومزقناهم كل ممزق: أي فرقناهم في البلاد كل التفرق.
    إن في ذلك لآيات: أي في ذلك المذكور من النعم وسلبها لعبراً.
    لكل صبّار شكور: أي صبار على الطاعات وعن المعاصي شكور على النعم.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى إنعامه على آل داود وشكرهم له وأخبر أنه قليل من عباده من يشكر إنعامه عليه ذكر أولاد سبأ وأنه أنعم عليهم بنعم عظيمة وأنهم ما شكروها فأنزل بهم نقمته وسلبهم نعمته وذلك جزاء لكل كفور. فقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ (1) آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} أي لقد كان لأولاد سبأ وهم الأزد والأشعريون وحميروكندة ومذحج وأنمار، ومن أنمار جنعم وبجيلة ومن أولاد سبأ أربعة سكنوا في الشام وهم لخم وجدام وغسان، وعاملة وأبوهم سبأ هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقوله تعالى {في مسكنهم} أي في مساكنهم {آيَةٌ} أي علامة على قدرة الله وإفضاله على (2) عباده وهي جنتان عن يمين وشمال الوادي أي جنتان عن يمين الوادي وأخرى عن شماله كلها فواكه وخضر، تسقى بماء سد مأرب. {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} أي قلنا لهم كلوا من رزق ربكم {وَاشْكُرُوا لَهُ} أي هذا الإنعام بالإيمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسله.
    وقوله {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} أي هذه بلدة طيبة وهي صنعاء اليمن مناخها طيب وتربتها طيبة لا يوجد بها وباء ولا هوام ولا حشرات كالعقارب ونحوها، {وَرَبٌّ غَفُورٌ (3) } يغفر ذنوبكم متى أذببتم وتبتم واستغفرتم. ولكن أبطرتْهم هذه النعم فكفروها ولم يشكروها كما قال تعالى {فَأَعْرَضُوا} بأن كذبوا رسل الله إليهم وعصوا الله ورسله فانتقم الله منهم لإعراضهم وعدم شكرهم كما هي سنته في عباده. قال تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} وذلك بأن خرب السد، وذهبت المياه وماتت الأشجار وأمْحلَت الأرض، وتبدلت قال تعالى {وَبَدَّلناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} أي مرٍّ بشع وهو شجر الأراك وأثل وهو الطرفاء، وشيء من سدر قليل. هذا جزاء من أعرض عن ذكر الله وفسق عن أمره وخرج عن طاعته. قال تعالى {ذَلِكَ} أي الجزاء {جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} بسبب كفرهم وقوله: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (4) } أي وهل نجازي بمثل هذا الجزاء وهو تحويل النعمة إلى نقمة غير الكفور.
    وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ (5) وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وهي مدن الشام {قُرىً ظَاهِرَةً} أي مدناً ظاهرة على المرتفعات من الأرض، وذلك من صنعاء عاصمتهم إلى الشام قرابة أربعة آلاف وسبعمائة قرية أي مدينة، وقوله {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي يجعل المسافات بين كل مدينة ومدينة متقاربة بحيث يخرج المسافر بلا زاد من ماء أو طعام فلا يقيل إلا في مدينة ويخرج بعد القيلولة فلا ينام إلا في مدينة أخرى حتى يصل إلى الشام أو إلى المدينة التي يريد. وهذا كان لهم قبل هدم السد وتفرقهم وقولهم تعالى: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} أي وقلنا لهم سيروا بين تلك المدن الليالي والأيام ذوات العدد آمنين من كل ما يخاف. وما كان منهم إلا أنهم بطروا النعمة وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم. أي حملهم بطر النعمة على أن سألوا ربهم بلسان حالهم وقالهم أن يباعد بين (6) مسافات أسفارهم بإزالة تلك المدن حتى يحملوا الزاد ويركبوا الخيول ويذوقوا طعم التعب هذا في الواقع هو حسد من الأغنياء للفقراء الذين لا طاقة لهم على السفر في المسافات البعيدة بدون زاد ولا رواحل (7) . قال تعالى {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إذ بإعراضهم وحسدهم وبطرهم النعمة كانوا قد ظلموا أنفسهم فعُرِّضوا لعذاب الحرمان في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، وقوله تعالى {فَجَعلناهم أَحَادِيثَ} أي لمن بعدهم يروون أخبارهم ويقصون قصصهم بعد أن هلكوا وبادوا. وقوله تعالى {وَمَزَّقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرقناهم في البلاد كل تفريق بحيث لا يرجى لهم عود اتصال أبداً فذهب الأوس والخزرج إلى يثرب "المدينة النبوية" وهم الأنصار، وذهب غسان إلى (8) الشام، والأزد إلى عُمان، وخزاعة إلى تهامة وأصبحوا مضرب المثل يقال: ذهبوا شذر مذر. وتفرقوا أيادي سبأ، أي مذاهب سبأ وطرقها. وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي إن في إنعام الله على أبناء سبأ ثم نقمته عليهم لما بطروا النعمة وكفروا الطاعة لعبراً يعتبر بها كل صبور على الطاعات فعلاً وعن المعاصي تركاً، {شَكُورٍ} أي كثير الشكر على النعم. اللهم اجعلنا لك من الشاكرين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من الإعراض عن دين الله فإنه متى حصل لأمة نزلت بها النقم وسلبها الله النعم. وكم هذه الحال مشاهدة هنا وهناك لا بين الأمم والشعوب فحسب بل حتى بين الأفراد.
    2- التحذير من كفر النعم بالإسراف فيها وصرفها في غير مرضاة الله واهبها عز وجل.
    3- خطر الحسد وأنه داء لا دواء له، والعياذ بالله يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
    4- فضيلة الصبر والشكر وعلو شأن الصبور الشكور.
    __________

    1 - قرأ نافع مساكنهم بالجمع وقرأ حفص بالإفراد مسكنهم وجمعه مساكن.
    2 - إذ لو اجتمعت البشرية كلها على إخراج شجرة من خشبة يابسة لما استطاعت فكيف بأنواع النوار وألوانه واختلاف طعومه وروائحه وأزهاره.
    3 - في الآية إشارة إلى أن الذنب ملازم للإنسان لا يعصم منه إلا من أراد الله عصمته كأنبيائه، ولذا أعلمهم أن المنعم بهذه النعم رب غفور يغفر ذنب عباده إذا تابوا إليه فدعاهم بهذا إلى التوبة وأن الذنب مع التوبة لا يسبب الهلاك العام أو سلب النعم ما دام هناك توبة تعقب الذنب.
    4 - قرأ حفص وهل نجازي بنون العظمة والبناء للفاعل والكفور مفعول به منصوب وقرأ نافع والجمهور وهل يجازى بياء الغيبة مضمومة والفعل مبني للمفعول والكفور نائب فاعل والمعنى ما يجازى ذلك الجزاء إلا الكفور أي الشديد الكفر عظيمه.
    5 - هذه الآية والتي بعدها ذكرتا تتميماً للقصة.
    6 - قوله تعالى وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا قرأ الجمهور باعد فعل أمر من باعَد يباعِد وقرأ بعض بعّدْ فعل أمر من بعّد يبعّد على وزن جدّد، وقرأ بعض آخر باعَد فعلاً ماضياً.
    7 - قيل أن المسافة التي يقطعونها بين تلك المدن آمنين من الجوع والخوف مسيرة أربعة أشهر ذهاباً وإياباً وحالهم كحال بني إسرائيل كما قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض حيث ملوا أكل اللحم والعسل.
    8 - قال الشعبي فلحقت الأوس والخزرج (الأنصار) بيثرب (المدينة) وغسان وجذام ولخم بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة. فكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول. تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ أي مذاهب سبأ وطرقها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #709
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (3)
    الحلقة (704)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 315الى صــــ 321)

    وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
    شرح الكلمات:
    ولقد صدق عليهم إبليس ظنه: أي صدق ظن إبليس فيهم أنه يستطيع إغواءهم.
    فاتبعوه: في الكفر والضلال والإضلال.
    إلا فريقا منهم: أي من بني آدم وهم المؤمنون المسلمون فإنهم لم يتبعوه وخاب ظنه فيهم زاده الله خيبة إلى يوم القيامة.
    وما كان له عليهم من سلطان: أي ولم يكن لإبليس من تسليط منا عليهم لا بعصا ولا سيف وإنما هو التزيين والإغراء بالشهوات.
    إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك: أي لكن أذنّا له في إغوائهم - إن استطاع - بالتزيين والإغراء لنعلم علم ظهور من يؤمن ويعمل صالحاً ممن يكفر ويعمل سوءا.
    وربك على كل شيء حفيظ: أي وربك يا محمد على كل شيء حفيظ وسيجزي الناس بما كسبوا.
    قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله: أي أنهم شركاء لله في ألوهيته.
    لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض: أي ملكاً استقلالياً لا يشاركهم الله فيه.
    وما لهم فيهما من شرك: أي وليس لهم من شركة في السموات ولا في الأرض.
    وما له منهم من ظهير: أي وليس لله تعالى من شركائكم الذين تدعونهم من معين على شيء.
    ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له: أي ولا تنفع الشفاعة أحداً عنده حتى إذا يأذن هو له بها.
    حتى إذا فزع عن قلوبهم: أي ذهب الفزع والخوف عنهم بسماع كلم الرب تعالى.
    قالوا ماذا قال ربكم؟ : أي قال بعضهم لبعض استبشاراً ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق أي في الشفاعة.
    وهو العلي الكبير: العلي فوق كل شيء علوّ ذات وقهر وهو الكبير المتعالي الذي كل شيء دونه.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى ما حدث لسبأ من تقلبات وكان عامل ذلك هو تزيين الشيطان وإغواؤه أخبر تعالى عن حال الناس كل الناس فقال {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ (1) إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} أي فيهم لما علم ضعفهم أمام الشهوات فاستعمل تزيينها كسلاح لحربهم {فَاتَّبَعُوهُ} فيما دعاهم إليه من الشرك والإسراف والمعاصي {إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين أسلموا لله وجوههم وهم عباد الله الذين ليس للشيطان عليهم سبيل لإغوائهم فإنهم لم يتبعوه. هذا ما دلت عليه الآية (20) وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ} أي للشيطان {عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} أي قوة مادية ولا معنوية من حجج وبراهين، وإنما أذن له في التحريش والوسواس والتزيين وهذا الإذن لعلة وهي ظهور حال الناس ليعلم من (2) يؤمن بالآخرة وما فيها من جنات ونيران، وقد حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات فالمؤمنون بالآخرة يتحملون مشاق التكاليف فينهضون بها ويتجنبون الشهوات فينجون من النار ويدخلون الجنة، والذين لا يؤمنون بالآخرة لا ينهضون بواجب ولا يتجنبون حراماً فيخسرون أنفسهم
    وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. وقوله تعالى {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} فهو يحصي أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم عليها ويجزيهم بها.
    وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا (3) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} أي قل يا رسولنا بعد هذا العرض والبيان الشافي الذي تقدم في هذا السياق للمشركين من قومك ما دمتم مصرين على الشرك بحجة أن شركاءكم ينفعون ويضرون وأنهم يشفعون لكم يوم تبعثون ادعوهم غير أن الحقيقة التي يجب أن تسمعوها وتعلموها - وأنتم بعد ذلك وما ترون وتهوون- هي أن الذين تدعونهم من دون الله وجعلتموهم لله شركاء لا يملكون مثقال ذرة أي وزن ذرة في السموات ولا في الأرض لا يملكونها استقلالاً ولا يملكونها شركة مع الله المالك الحق، وهو معنى قوله تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا} أي في السموات والأرض من شرك بمعنى شركة ولو بأدنى نسبة. وشيء آخر وهو أن شركاءكم الذين تدعونهم ليس لله تعالى منهم من ظهير أي معين حتى لا يقال بحكم حاجة الرب إليه ندعوه فيشفع لنا عنده. وشيء آخر وهو أن الشفاعة عند الله لا تتم لأحد ولا تحصل له إلا إذا رضي الله تعالى بالشفاعة لمن أريد أن الشفاعة له، وبعد أن يأذن أيضا لمن أراد أن يشفع. فلم يبق إذاً أي طمع في شفاعة آلهتكم لكم لا في الدنيا ولا في الآخرة إذاً فكيف تصح عبادتهم وهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا يشفعون لأحد في الدنيا ولا الآخرة. وقوله تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} إلى آخره بيان لكيفية الشفاعة يوم القيامة وهي أن الشافع المأذون له في الشفاعة عندما يسأل الله تعالى فيجيبه الرب تعالى فيصاب بخوف وفزع شديد {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي زال ذلك الفزع والخوف قالوا لبعضهم (4) البعض ماذا قال ربكم؟ فيقولون مستبشرين قالوا: الحق أي أذن لنا في الشفاعة وهو العلي الكبير أي العلي فوق خلقه بذاته وقهره وسلطانه الكبير الذي ليس كمثله شيء سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن إبليس صدق ظنّه في بني آدم وأنهم سيتبعونه ويغويهم.
    2- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله ولا يستحق العبادة سواه.
    3- بيان بطلان دعاء غير الله إذ المدعو كائنا من كان لا يملك مثقال ذرة في الكون لا بالاستقلال ولا بالشركة، وليس لله تعالى من ظهير أي ولا معينين يمكن التوسل بهم، وأخيراً والشفاعة لا تتم إلا بإذنه ولمن رضي له بها. ولذلك بطل دعاء غير الله ومن دعا غير الله من ملك أو نبي أو وليّ أو غيرهم فقد ضل الطريق وأشرك بالله في أعظم عبادة وهي الدعاء، والعياذ بالله تعالى.
    __________

    1 - قرأ نافع والجمهور صدق بتخفيف الدال وقرأ حفص صدّق بالتضعيف والجملة يبدوا أنها معطوفة على قوله تعالى: {وقال الذين كفروا هل ندلكم} وهو قول كفار مكة وما بين هذه الآيات وتلك اعتراض للعظة والاعتبار والمقصود من هذه الآية تنبيه المؤمنين إلى مكايد الشيطان وسوء عاقبة من يتبعه حتى يلعنوه ولا يتبعوه. قال الحسن لما أهبط آدم وحواء عليهما السلام من الجنة إلى الأرض وهبط إبليس قال إبليس أما إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف فكان ذلك ظناً من إبليس فأنزل الله تعالى لقد صدق عليهم إبليس ظنه.
    2 - أي علم الشهادة والظهور الذي يتم به الثواب والعقاب فأما علم الغيب فقد علمه تبارك وتعالى، (إلا لنعلم) الخ.. جواب لقوله وما كان له عليهم من سلطان.
    3 - هذا الأمر للتحدي والتوبيخ وهو خطاب للمشركين المؤلهين الأصنام بعد ما ساق من دلائل التوحيد فيما عرفوا من حياة داود وسليمان وأهل سبأ أمر رسوله أن يتحداهم ويوبخهم على شركهم وباطلهم.
    4 - الظاهر أن من طلبوا الشفاعة لما أذن الله تعالى لهم وأصابهم الفزع والخوف فلما ذهب ذلك من قلوبهم سألوا الملائكة عما قال الله تعالى فتجيبهم الملائكة قال الحق أي قبل شفاعتكم.

    ****************************
    قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
    شرح الكلمات:
    قل من يرزقكم من السموات والأرض: من السموات بإنزال المطر ومن الأرض بإنبات الزروع.
    قل الله: أي إن لم يجيبوا فأجب أنت فقل الله، إذ لا جواب عندهم سواه.
    وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين: وأخبرهم بأنكم أنتم أيها المشركون أو إيانا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وقطعاً فالموحدون هم الذين على هدى والمشركون هم في الضلال المبين، وإنما شككهم تلطفاً بهم لعلهم يفكرون فيهتدون.
    قل لا تسألون عما أجرمنا: أي إنكم لا تسألون عن ذنوبنا.
    ولا نسأل عما تعملون: أي ولا نسأل نحن عما تعملون. وهذا تلطفا بهم أيضاً ليراجعوا أمرهم، ولا يحملهم الكلام على العناد.
    قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق: أي قل لهم سيجمع بيننا ربنا يوم القيامة ويفصل بيننا بالحق وهذا أيضاً تلطف بهم وهو الحق.
    قل أروني الذين ألحقتم به شركاء: أي قل لهؤلاء المشركين أروني شركاءكم الذين عبدتموهم مع الله فإن أروه إياهم أصناما لا تسمع ولا تبصر قامت الحجة عليهم. وقال لهم أتعبدون ما تنحتون وتتركون الله الذي خلقكم وما تعملون؟!.
    كلا بل هو الله العزيز الحكيم: كلا: لن تكون الأصنام أهلا للعبادة بل المعبود الحق الواجب العبادة هو الله العزيز الحكيم.
    كافة للناس: أي لجميع الناس أي عربهم وعجمهم.
    بشيراً ونذيراً: بشيراً للمؤمنين بالجنة، ونذيراً للكافرين بعذاب النار.
    قل لكم ميعاد يوم: هو يوم القيامة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في تبكيت المشركين وإقامة الحجج عليهم بتقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سل قومك مبكتا لهم: {قُلْ مَنْ (1) يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بإنزال الأمطار وإرسال الرياح لواقح وإنبات النباتات والزروع والثمار وتوفير الحيوان للحم واللبن ومشتقاته؟ وإن تلعثموا في الجواب أو ترددوا خوف الهزيمة العقلية فأجب أنت قائلاً الله. إذ ليس من جواب عندهم سواه.
    وقوله {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً (2) أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} هذا أسلوب التشكيك وحكمته التلطف
    وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (3) } فيه تعزية للرسول أيضاً إذ الواقع أن أكثر الناس لا يعلمون إذ لو علموا لما ترددوا في عبادة الله وتوحيده والتقرب إليه طمعا فيما عنده وخوفاً مما لديه. وقوله: {وَيَقُولُونَ} أي أهل مكة من منكري البعث والجزاء {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ (4) } أي العذاب الذي تهددنا به وتخوفنا بنزوله بنا إن كنتم أيها المؤمنون صادقين فيما تقولون لنا وتعدونا به. وهنا أمر الله تعالى رسوله أن يرد على استهزائهم وتكذيبهم بقوله: {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ (5) } يوم معيّن عندنا محدد لا تستأخرون عنه ساعة لو طلبتم ذلك لتتوبوا وتستغفروا ولا تستقدمون أخرى لو طلبتم تعجيله إذ الأمر مبرم محكمٌ لا يقبل النقص ولا الزيادة ولا التبديل ولا التغيير.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية التلطف مع الخصم فسحاً له في مجال التفكير لعله يثوب إلى رشده.
    2- تقرير عقيدة البعث والجزاء وتنويع الأسلوب الدعوي في ذلك.
    3- تقرير عقيدة النبوة المحمدية، وعموم رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة.
    4- يوم القيامة مقرر الساعة واليوم فلا يصح تقديمه ولا تأخيره بحال.
    __________

    1 - لما أبطل بتلك الحجج آلهة المشركين حيث دعاؤها لا يجدي نفعاً للداعين لأنهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا شفاعتها تنفع عابديها قرّر بهذه الآيات استحقاق الله تعالى للعبادة دون غيره، واستعمل أسلوب الجدل لإقامة الحجة على الخصم فقال: قل من يرزقكم.
    2 - وإياكم معطوف على محل اسم إن المنصوب والجملة معطوفة على الاستفهام "قل من يرزقكم الخ" وهذا يقال له أسلوب المنصف وهو أن لا يذكر المجادل لمن يجادله ما يغيظه أو يثير حفيظته رجاء هدايته إلى الحق.
    3 - إذ كانوا يوم نزول هذه الآية أكثرية والمؤمنون أقلية وحتى اليوم أكثر الناس لا يعلمون جلال الله وجماله وأسماءه وصفاته وما عنده وما لديه، ولا محابه ولا مكارهه.
    4 - الاستفهام للاستبعاد مشوباً بالتعجب من كثرة سؤالهم عن هذا الوعد.
    5 - الميعاد مصدر ميمي وهو الوقت المعين لحدوث الشيء وهو هنا إما يوم القيامة أو حضور الموت وجائز أن يكون يوم هلاكهم وهو يوم بدر وإضافته بيانية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #710
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (4)
    الحلقة (705)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 322الى صــــ 327)

    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)

    شرح الكلمات:
    ولا بالذي بين يديه: أي من الكتب السابقة وهي التوراة والإنجيل.
    يرجع بعضهم إلى بعض القول: أي يقول الأتباع كذا ويرد عليهم المتبوعون بكذا وهو المبيّن في الآيات.
    أنحن صددناكم عن الهدى: أي ينكر المستكبرون وهم المتبوعون أن يكونوا صدوا التابعين لهم عن الهدى بعد إذ جاءهم بواسطة رسوله.
    بل كنتم مجرمين: أي ظلمة فاسدين مفسدين.
    بل مكر الليل والنهار: أي ليس الأمر كما ادعيتم بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي جعلنا نكفر بالله.
    ونجعل له أنداداً: أي شركاء نعبدهم معه فننادُّه بهم.
    وأسروا الندامة: أي أخفوها إذ لا فائدة منها أو أظهروها أي أظهروا الندم إذ أسروا الندامة له معنيان أخفى وأظهر.
    وجعلنا الأغلال في أعناق: أي وجعلنا الأغلال جمع غل حديدة تجعل في عنق المجرم.
    هل يجزون إلا ما كانوا يعملون: أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والبعث والجزاء فيخبر تعالى فيقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي من مشركي مكة قالوا للرسول والمؤمنين لن نؤمن (1) بهذا القرآن الذي أنزل على محمد، ولا بالذي أنزل على من تقدمه من الأنبياء كالتوراة والإنحيل، وذلك لما احتج عليهم بتقرير التوراة والإنجيل للتوحيد والنبوات والبعث والجزاء قالوا لن نؤمن بالجميع عناداً ومكابرة وجحوداً وظلما. ولازم هذا أنهم ظلمة معاندون ومن باب دعوتهم إلى الهدى ستعرض الآيات لهم حالهم يوم القيامة فيقول تعالى لرسوله وهم يستمعون {وَلَوْ تَرَى} (2) يا رسولنا {إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} أي يتحاورون متلاومين. يقول الذين استضعفوا وهم الفقراء المرءوسين الذين كانوا أتباعاً لكبرائهم وأغنيائهم، يقولون للذين استكبروا عليهم في الدنيا: لولا أنتم أي صرفتمونا عن الإيمان واتباع الرسول لكنا مؤمنين فيرد عليهم الكبراء بما أخبر تعالى عنهم في قوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ (3) صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} أي ما صددناكم أبدا بل كنتم مجرمين أي أصحاب إجرام وفساد ويرد عليهم المستضعفون قائلين بما أخبر تعالى به عنهم {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ (4) اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (5) } أي بل مكركم (6) بنا في الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً. قال تعالى {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ (7) } أي أخفوها لما رأوا العذاب. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي شدت أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال وهي جمع غل حديدة يشد بها المجرم، ثم أدخلوا الجحيم إذ كانوا في موقف خارج جهنم، وقوله تعالى: {هَلْ (8) يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون فالجزاء بحسب العمل إن كان خيراً فخيرٌ وإن كان شراًّ فشرٌّ، وكانت أعمالهم كلها شرّاً وظلماً وباطلاً.
    هذا وجواب لولا في أول السياق محذوف يقدر بمثل: لرأيت أمراً فظيعاً واكتفي بالعرض لوقفهم عن ذكره فإنه أتم وأشمل.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تشابه الظلمة والمجرمين فالعرب المشركون كانوا يركنون إلى أهل الكتاب يحتجون بما عندهم على الرسول والمؤمنين، ولما وجدوا التوراة والإنجيل يقرران عقيدة البعث والجزاء والنبوة تبرأوا منهما وقالوا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالتوراة والإنحيل.
    واليهود كانوا يحتجون بالتوراة على المسلمين ولما وجدوا التوراة تقرر ما يقرره القرآن تركوا الاحتجاج بالتوراة وأخذوا يحتجون بالسحر كما تقدم في البقرة في قوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} .
    2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض كامل لموقف من مواقف يوم القيامة، ومشهد من مشاهده.
    3- بطلان احتجاج الناس بعمل العلماء أو الحكماء وأشراف الناس إذا كان غير موافق لشرع الله تعالى وما جاء به رسله من الحق والدين الصحيح.
    __________

    1 - القائل هذا أبو جهل بن هشام وذلك أن المشركين سألوا أهل الكتاب من اليهود فلما أعلموهم بما يوافق ما يقول الرسول ويدعوا إليه من التوحيد والبعث والجزاء والرسالة قالوا: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه أي من التوراة والإنجيل.
    2 - جواب لو محذوف أي لرأيت أمراً فظيعاً هائلاً مدهشاً ومحيراً.
    3 - الاستفهام إنكاري. أنكر عليهم قولهم إنهم صدوا عن الإيمان.
    4 - المكر في اللغة الاحتيال والخديعة يقال مكر به يمكر فهو ماكر ومكار.
    5 - مكر الليل والنهار الإضافة بمعنى في.
    6 - مكرٌ مبتدأ والخبر محذوف تقديره ضدنا وهو جملة فعلية.
    7 - الضمير في أسروا عائد على الجميع المستضعفين والمستكبرين والمعنى أنهم لما انكشف لهم العذاب المعد والمهيأ لهم وذلك عقب المحاورة التي دارت بينهم، فعلموا أن حوارهم لبعضهم غير نافع لهم أسروا الندامة أي أخفوها لعدم جدواها.
    8 - الاستفهام إنكاري بقرينة الاستثناء بعده أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون أي من الشرك والظلم والشر والفساد إذ الجزاء من جنس العمل هو العدل المطلوب.

    ****************************
    وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)

    شرح الكلمات:
    إلا قال مترفوها: أي رؤساؤها المنعمون فيها من أهل المال والجاه.
    نحن أكثر أموالاً وأولاداً: أي من المؤمنين.
    يبسط الرزق لمن يشاء: امتحاناً أيشكر العبد أم يكفر.
    ويقدر: أي يضيق ابتلاء أيصبر المرء أم يسخط.
    ولكن أكثر الناس لا يعلمون: أي الحكمة في التوسعة على البعض والتضييق على البعض.
    تقربكم عندنا زلفى: أي قربى بمعنى تقريباً.
    إلا من آمن وعمل صالحاً: أي لكن من آمن وعمل صالحاً هو الذي تقربه تقريباً.
    وهم في الغرفات آمنون: أي من المرض والموت وكل مكروه.
    والذين سعوا في آياتنا: أي عملوا على إبطال القرآن والإيمان به وتحكيمه.
    معاجزين: أي مقدرين عجزنا وأنهم يفوتوننا فلم نعاقبهم.
    وما أنفقتم من شيء: أي من مال في الخير.
    وهو خير الرازقين: أي المعطين الزرق. أما خلق الرزق فهو لله تعالى وحده.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير} هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببيان حال من سبق من الأمم وما واجهت به رسلها فقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} أي مدينة من المدن {مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا (1) } أي أهل المال والثروة المتنعمون بألوان المطاعم والمشارب والملابس والمراكب. قالوا لرسل الله {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} فردوا بذلك دعوتهم. {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً} فاعتزوا بقوتهم، {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} كذبوا بالبعث والجزاء كما أن كلامهم مشعر بأنهم مغترون بأن ما أعطاهم الله من مال وولد كان لرضاه عنهم وعدم سخطه عليهم. وقوله تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ (2) الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي قل يا نبينا لأولئك المغترين بأن ما لديهم من مال وولد ناجم عن رضا الله عنهم قل لهم إن ربي جل جلاله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً له لا لرضى عنه ولا لبغض له، كما أنه يضيق الرزق على من يشاء ابتلاء له لا لبغضه ولا لمحبته، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (3) } ومن بينهم مشركو قريش لا يعلمون أن بسط الرزق كتضييقه عائد إلى تربية الناس بالسراء والضراء امتحاناً وابتلاء. وقوله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} يخبر تعالى المشركين المغترين بالمال والولد يقول لهم وما أموالكم ولا أولادكم بالحال التي تقربكم منا وتجعلنا نرضى عنكم وندنيكم منا زلفى أي قربى. {إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} أي لكن من فعلوا الوجبات والمندوبات {فَأُولَئِكَ} أي المذكورون لهم جزاء الضعف (4) ، أي جزاء تضاعف لهم حسناتهم فيه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، وذلك بسبب عملهم الصالحات {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} أي غرفات الجنة آمنون من الموت ومن كل مكروه ومنغص لسعادتهم.
    وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} يخبر تعالى أن الذين يعملون بجد وحرص في إبطال آياتنا وإطفاء نور هدايتنا في كتابنا وقلوب عبادنا المؤمنين ويظنون أنهم معجزون لنا أي فائتون لا ندركهم ولا نعاقبهم هؤلاء المغرورون في العذاب محضرون أي كأنك بهم وهم محضرون في جهنم يعذبون فيها أبدا.
    فقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي} أي قل يا رسولنا مرة أخرى تقريراً لهذه الحقيقة العلمية التي خفيت على الناس وجهلها قومك وهي أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً لا حباً فيه ولا بغضاً له. وإنما امتحاناً له هل يشكر أو يكفر فإن شكر زدناه وأكرمناه وإن كفر سلبناه ما أعطيناه وعذبناه، {وَيَقْدِرُ لَهُ} أي لمن يشاء من عباده ابتلاءً له لا بغضاً له ولا حباً فيه. وإنما لننظر هل يصبر على الابتلاء أو يسخط ويضجر فنزيد في بلائه وشقائه.. وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ (5) مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} في هذا دعوة إلى الإنفاق في سبيل الله وتشجيع عليه بإعلام الناس أن الإنفاق لا ينقص المال والبخل به لا يزيده فإن التوسعة كالتضييق لحكمة فلا البخل يزيد في المال ولا الإنفاق في سبيل الله ينقص منه. وختم هذا بوعده الصادق وهو أن من أنفق في سبيل الله شيئاً أخلفه الله عليه وهو تعالى خير من قيل إنه يرزق ووصف به.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان سنة الله في الأمم والشعوب وأنهم ما أتاهم من رسول إلا كفر به الأغنياء والكبراء.
    2- بيان اغترار المترفين بما آتاهم الله من مال وولد ظانين أن ذلك من رضا الله تعالى عليهم.
    3- بيان الحكمة في التوسعة على بعض والتضييق على بعض، وأنها الامتحان والابتلاء فلا تدل على حبّ الله ولا
    على بغضه للعبد.
    4- بيان ما يقرب إلى الله ويدني منه وهو الإيمان والعمل الصالح ومن ذلك الإنفاق في سبيل الله لا كثرة المال
    والولد كما يظن المغرورون المفتنون بالمال والولد.
    5- بيان حكم الله فيمن يحارب الإسلام ويريد إبطاله وأنه محضر في جهنم لا محالة.
    6- بيان وعد الله تعالى بالخلف لكل من أنفق في سبيله مالاً.
    __________

    1 - المترفون الذين أعطاهم الله الترف وهو النعيم وسعة العيش في الدنيا وفي بناء المترفون للمجهول تعريض وتذكير لهم بالمنعم تعالى علهم يذكرون فيشكرون.
    2 - بسط الرزق تيسيره وتكثيره مأخوذ من بسط الثوب وهو نشره ليتسع لصاحبه وتقدير الرزق معناه إعطاؤه مقدّراً، ويقابله ما يعطى بغير حساب.
    3 - مفعول لا يعلمون محذوف وقد ذكر في التفسير وهو أنهم لا يعلمون الحكمة في بسط الرزق وتضييقه.
    4 - الضعف بمعنى المضاعف المكرر مرة وأكثر حتى يبلغ أضعافاً مضاعفة إلى سبعمائة ضعف هي سنة الإنفاق في الجهاد.
    5 - من في قوله "من شيء" بيانية وجملة فهو يخلفه جواب الشرط وجملة وهو خير الرازقين تذييل للكلام يحمل معنى الترغيب في الإنفاق في سبيل الله وفي الحديث الصحيح " يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك"، و"ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفاً " في الصحيح".

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #711
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (5)
    الحلقة (706)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 327الى صــــ 331)

    وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
    شرح الكلمات:
    ويوم يحشرهم جميعا: أي اذكر يوم نحشرهم جميعاً أي جميع المشركين.
    أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ : أي يقول تعالى هذا للملائكة تقريعاً للمشركين وتوبيخاً لهم.
    قالوا سبحانك: أي قالت الملائكة سبحانك أي تقديساً لك عن الشرك وتنزيهاً.
    أنت ولينا من دونهم: أي لا موالاة بيننا وبينهم أي يتبرأوا منهم.
    بل كانوا يعبدون الجن: أي الشياطين التي كانت تتمثل لهم فيحسبونها ملائكة فيطيعونها فتلك عبادتهم لها.
    فاليوم لا يملك بعضكم لبعض: أي لا يملك المعبودون للعابدين.
    نفعاً ولا ضراً: أي لا يملكون نفعهم فينفعونهم ولا ضرهم فيضرونهم.
    ونقول للذين ظلموا: أي أشركوا غير الله في عبادته من الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين.
    عذاب النار التي كنتم بها تكذبون: أي كنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والجزاء وهو الجنة أو النار.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء والتوحيد. قال تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واذكر {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ (1) } أي المشركين {جَمِيعاً} فلم نبق منهم أحدا، ثم نقول للملائكة وهم أمامهم تقريعاً للمشركين وتأنيباً: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (2) } فتتبرأ الملائكة من ذلك وينزهون الله تعالى عن الشرك فيقولون: {سُبْحَانَكَ} أي تنزيهاً لك عن الشرك وتقديساً {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} أما هم فلا ولاية بيننا وبينهم {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ (3) } أي الشياطين {أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} أي مصدقون فأطاعوهم في عبادة الأصنام وعصوك وعصوا رسلك فلم يعبدوك ولم يطيعوا رسلك.
    وقوله تعالى {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّا} أي يقال لهم هذا القول تيئيساً وإبلاساً أي قطعاً لرجائهم في أن يشفعوا لهم. وقوله تعالى {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} وهم المشركون {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} أي كنتم تكذبون بها في الدنيا فذوقوا اليوم عذابها. والعياذ بالله من عذاب النار.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض أحوالها.
    2- أن من كانوا يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين كانوا يعبدون الشياطين إذ هي التي زينت لهم الشرك. أما الملائكة والأنبياء والأولياء فلم يرضوا بذلك منهم فضلاً عن أن يأمروهم به.
    3- بيان توبيخ أهل النار بتكذيبهم في الدنيا بالآخرة وكفرهم بوجود نار يعذبون بها يوم القيامة.
    __________

    1 - هذا الكلام متصل بما قبله وهو قوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون موقوفون إذ السياق كله في تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض أحوال أهل النار وما يجري لهم من أمور.
    2 - هذا كقوله تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟} وهو سؤال تقريع وتوبيخ لا للمسئول ولكن لعابديه من الإنس والجن.
    3 - روي أن بني مُليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن ويزعمون أن الجن تتراءى لهم وأنهم الملائكة وأنهم بنات الله، وهو قوله تعالى في سورة الصافات "وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا".

    ****************************** ****
    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
    شرح الكلمات:
    آياتنا بيّنات: أي آيات القرآن الكريم واضحات ظاهرة المعنى بينة الدلالة.
    قالوا ما هذا إلا رجل: أي ما محمد إلا رجل من الرجال.
    يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم: أي يريد أن يصرفكم عن عبادتكم لآلهتكم التي كان يعبدها آباؤكم من قبل.
    إلا إفك مفترى: أي إلا كذب مختلق مزور.
    وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي قالوا للقرآن لما جاءهم به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إن هذا إلا سحر مبين: أي ما هذا أي القرآن إلا سحر مبين أي محمد ساحر والقرآن سحر.
    من كتب يدرسونها: أي يقرأونها فأباحت لهم الشرك وأذنت لهم فيه.
    وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير: أي ولم نرسل إليهم قبلك من رسول فدعاهم إلى الشرك.
    وما بلغوا معشار ما آتيناهم: أي ولم يبلغ أولئك الأمم الذين أهلكناهم معشار ما آتينا هؤلاء من الحجج والبينات.
    فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة إلا هلاك والجواب كان واقعا موقعه لم يخطئه بحال.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم. قال تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي مشركي قريش وكفارها {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي يتلوها رسولنا واضحات الدلالة بينات المعاني فيما تدعوا إليه من الحق وتندد به من الباطل. كان جوابهم أن قالوا: ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم. أي ما محمد إلا رجل أي ليس بملك يريد أن يصدكم أي يصرفكم عما كان يعبد آباؤكم من الأوثان والأحجار. فسبحان الله أين يذهب بعقول المشركين أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الأصنام والأوثان، إنه يصدهم حقاً عن عبادة الأوثان ولكن إلى عبادة الرحمن. وقالوا أيضاً ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ (1) } أو كذب {افْتَرَاهُ} أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبحان الله ما أشد سخف هؤلاء المشركين. وقالوا أيضاً ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والإصلاح {إِنْ هَذَا} أي ما هذا إلا سحر مبين، وذلك لما رأوا من تأثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان يحرك نفوسهم ويهزها هزاً.
    بعد هذا العرض لمواقف المشركين قال تعالى: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ (2) } أي مشركي قريش {مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} أي أصروا على الشرك وما أعطيناهم من كتب يقرأونها فوجدوا فيها الإذن بالشرك أو مشروعيته فتمسكوا به، {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} أي رسول فأجاز لهم الشرك أو سنه لهم فهم على سنته، اللهم لا ذا ولا ذاك. فكيف إذاً هذا الإصرار على الشرك وهو باطل لم ينزل به كتاب ولم يبعث به رسول (3) .
    وقوله تعالى: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (4) } أي من الأمم البائدة {وَمَا بَلَغُوا} أي ولم يبلغ هؤلاء من القوة معشار (5) ما كان لأولئك الأقوام الهالكين، ومع ذلك أهلكناهم، فكيف كان نكيري أي كيف كان إنكاري عليهم الشرك وتكذيب رسلي كان بإبادتهم واستئصالهم. أما يخاف هؤلاء الضعفاء أن تحل بهم عقوبتنا فنهلكهم عن آخرهم كما أهلكنا من قبلهم ولما لم يرد الله إبادتهم بعد أن استوجبوها بالتكذيب لرسوله والإصرار على الشرك والكفر قال لرسوله قل لهم {إِنَّمَا (6) أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي بخصلة واحدة وهي أن تقوموا لله متجردين من الهوى والتعصب {مَثْنَى} ، أي اثنين اثنين، {وَفُرَادَى} أي واحداً واحداً، ثم تتفكروا في حياة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومواقفه الخيّرة معكم وبعده عن كل أذى وشر وفساد فإنكم تعلمون يقينا أنه ما بصاحبكم محمد من جنّة ولا جنون {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} ، أي ما هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا نذير لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف لا يريده لكم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكري.
    2- ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالأمم السابقة فإنهم لا يملكون من القوة نسبة واحد إلى
    ألف إذ المعشار هو عشر عشر العشر (7) .
    3- تقرير النبوة المحمدية وإثباتها وذلك ينفي الجِنّة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإثبات أنه نذير.
    __________

    1 - ما هذا يعنون القرآن الكريم وكذا قولهم إن هذا إلا سحر فإنهم يعنون القرآن الكريم أيضاً وإن بمعنى ما النافية والإسناد بعدها دال عليها.
    2 - الجملة حالية من ضمير قالوا ما هذا.
    3 - أي أنه ليس لهم ما يتثبتون به من أقل دليل وأدنى شبهة كما هي الحال عند أهل الكتاب إذ قالوا عندنا كتابنا وجاءتنا رسلنا أما المشركون فليس لهم من ذلك شيء.
    4 - في الآية تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تكذيبهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديد لهم. التسلية في قوله "كذب الذين من قبلهم" والتهديد في "فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" والفاء للتفريع أي في قوله فكذبوا رسلي.
    5 - المعشار العشر إذ هو الجزء العاشر كالمرباع الذي يعطى لقائد الكتيبة من الغنائم وهو ربعها.
    6 - هذا انتقال من حكاية أقوال المشركين والرد عليهم إلى دعوتهم للإنصاف في النظر والتأمل في الحقائق ليتضح لهم خطأهم وهذا من باب الإعذار لهم في المجادلة ليهلك من يهلك عن بينة ويحيى من يحي عن بينة.
    7 - قال القرطبي: وقيل المعشار هو عشر العشير، والعشير هو عشر العشر فيكون جزاء من ألف جزء قال الماوردي وهو أظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل وما فسرت به الآية في التفسير أرجح وأوضح، وإن أريد به ما أتى الله هذه الأمة من العلم والبيان فهذا المعنى صحيح غير أنه لا يتلاءم مع سياق الآيات.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #712
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الاحزاب - (6)
    الحلقة (707)
    تفسير سورة سبأ مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 332الى صــــ 337)

    قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
    شرح الكلمات:
    قل إن ربي يقذف بالحق: أي يلقي بالوحي الحق إلى أنبيائه. ويقذف الباطل بالحق أيضاً فيدمغه.
    وما يبدئ الباطل وما يعيد: أي وما يبدئ الباطل الذي هو الكفر، وما يعيد أي إنه لا أثر له.
    فإنما أضل على نفسي: أي إثم ضلالي على نفسي لا يحاسب ولا يعاقب به غيري.
    إنه سميع قريب: أي سميع لما أقول لكم قريب غير بعيد فلا يتعذر عليه مجازاة أحد من خلقه.
    إذ فزعوا فلا فوت: أي إذ فزعوا للبعث أي خافوا ونفروا فلا فوت لهم منا بل هم في قبضتنا.
    وأنى لهم التناوش من مكان بعيد: أي لما شاهدوا العذاب قالوا آمنا بالقرآن وكيف لهم ذلك وهم بعيدون إنهم في الآخرة والإيمان في الدنيا. (التناوش) التناول من مكان بعيد.
    كما فعل بأشياعهم من قبل: أي فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم من أمم الكفر والباطل.
    في شك مريب: أي في شك بالغ من نفوسهم فأصبحوا به مضطربين لا يطمئنون إلى شيء أبداً.
    معنى الآيات:
    لما لج المشركون في الخصومة والعناد ودعاهم الله تعالى إلى أمثل حل وهو أن يقوموا لله متجردين لله تعالى من الهوى والتعصب يقوموا اثنين اثنين أو واحداً واحداً لأن الجماعة من شأنها أن تختلف مع الآراء ثم يتفكروا في حياة الرسول وما دعاهم إليه من الهدى والحق فإنكم تعلمون أنه ليس كما اتهمتموه بالجنون وإنما هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد يخاف وقوعه بكم ونزوله عليكم هنا أمره تعالى أن يقول لهم وكوني نذيراً لكم مما أخاف عليكم لا أسألكم على إنذاري لكم أجراً (1) {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي مطلع عليّ عالم بصدقي ويجزيني على إنذاري لكم إذ كلفني به فقمت به طاعة له. وقوله تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ (2) بِالْحَقِّ} أي قل لهم يا رسولنا إن ربي يقذف بالحق أي يلقي بالوحي على من يشاء من عباده {عَلَّامُ (3) الْغُيُوبِ} أي وهو علام الغيوب يعلم من هو أهل للوحي إليه والإرسال فيوحي إليه ويرسله كما أوحى إليّ وأرسلني إليكم نذيراً وبشيراً. وقوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} أي قل لهم يا رسولنا جاء الحق وهو الإسلام الدين الحق، فلم يبق للباطل الذي هو الشرك والكفر مكان ولا مجال، وما يبدئ الباطل وما يعيد؟ أي أنه كما لا يبدئ لا يعيد فهو ذاهب لا أثر له أبداً وقوله: {قُلْ (4) إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} أي أعلمهم بأنك إن ضللت فيما أنت قائم عليه تدعوا إليه فإنما عائد ضلالك عليك لا عليهم، وإن اهتديت فهدايتك بفضل ما يوحي إليك ربك من الهدى والنور {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} سميع لأقوالك وأقوال غيرك غير بعيد فيتعذر عليه مجازاة عباده صاحب الإحسان بالإحسان وصاحب السوء بالسوء. وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} أي لرأيت أمراً فظيعاً يقول تعالى لرسوله ولو ترى (5) إذ فزع المشركون في ساحات فصل القضاء يوم القيامة فزعوا من شدة الهول والخوف وقد أخذوا من مكان قريب وألقوا في جهنم لرأيت أمراً فظيعاً في غاية الفظاعة. وقوله {فَلا فَوْتَ}
    لهم لا يفوتون الله تعالى ولا يهربون من قبضته. وقوله تعالى: {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ (6) } أي قالوا بعد ما بعثوا وفزعوا من هول القيامة قالوا آمنا به أي بالله وكتابه ولقائه ورسوله، قال تعالى {وَأَنَّى لَهُمُ (7) التَّنَاوُشُ} أي التناول للإيمان من مكان بعيد إذ هم في الآخرة والإيمان كان في الدنيا فكيف يتناولونه بهذه السهولة ويقبل منهم وينجون من العذاب هذا بعيد جداً ولن يكون أبداً وقد كفروا به من قبل أي لا سيما وأنهم قد عرض عليهم الإيمان وهم قادرون عليه فرفضوه فكيف يمكنون منه الآن. وقوله {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ (8) مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أي وها هم اليوم في الدنيا يقذفون بالغيب محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقواصم الظهر مرة يقولون كاذب ومرة ساحر ومرة شاعر وأخرى مجنون وكل هذا رجما بالغيب لا شبهة لهم فيه ولا أدنى ريبة تدعوهم إليه وأخيراً قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} وهو الإيمان الموجب للنجاة كما فعل بأشياعهم (9) أي أشباههم وأنصارهم من أهل الكفر والتكذيب لما جاءهم العذاب قالوا آمنا ولم ينفعهم إيمانهم وأهلكوا فألقوا في الجحيم، وقوله {إِنَّهُمْ (10) كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} أي مشركو قريش وكفارها أخبر تعالى أنهم كانوا في الدنيا في شك من توحيدنا ونبينا ولقائنا مريب أي موقع لهم في الريب والاضطراب فلم يؤمنوا فماتوا على الكفر والشرك وهذا جزاء من يموت على الشرك والكفر.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- دعوة الله تعالى ينبغي أن لا يأخذ الداعي عليها أجراً، ويحتسب أجره على الله عز وجل.
    2- بيان صدق الله تعالى في قوله جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد إذ ما هو إلاّ سنيّات والإسلام ضارب
    بجرانه في الجزيرة فلا دين فيها إلا الإسلام.
    3- الإيمان الاضطراري لا ينفع صاحبه كإيمان من رأى العذاب.
    4- الشك كفر ولا إيمان مع رؤية العذاب.
    __________

    1 - أي جُعلاً على تبليغ الرسالة فإن سألتكموه فهو لكم.
    2 - جائز أن يكون المعنى يقذف الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق كذا روي عن ابن عباس وقال قتادة بالحق أي بالوحي وعنه أن الحق القرآن والكل صحيح وما في التفسير أقرب وأوضح.
    3 - علاّم مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو علاّم الغيوب والغيوب جمع غيب وقرأ الجمهور بضم الغين وكسرها بعضهم كبيوت إذ يجوز لها الضم والكسر والآية فيها معنى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وفيها رد على المعترضين على الوحي إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    4 - لما أفحمهم في الآيات السابقة وقطع طريق الاستدلال عليهم وتركهم في غيهم حيارى أمر رسوله أن يقول لهم تاركاً جدالهم لعدم الفائدة منه بعد وضوح الحق (إن ضللت) الآية فعل هذا إنهاءً لجدل عقيم.
    5 - الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل ذي أهلية وجواب لو محذوف كأن اللفظ لا يقدر على تصويره على حقيقته لفظاعته وهو كذلك.
    6 - صالح أن يكون الضمير للوعيد أو ليوم البعث أو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو القرآن إذ الكل واجب الإيمان وقد كفروا بالكل وكذبوا.
    7 - أنى استفهام عن المكان وهو مستعمل هنا للإنكار والتناوش التناول السهل وأكثر وروده في شرب الإبل شرباً خفيفاً من الحوض ونحوه قال الشاعر:
    باتت تنوش الحوض نوشاً من علا
    نوشاً به تقطع أجواز الفلا
    أي تتناول الماء من أعلاه ولا تغوص مشافرها فيه.
    8 - القذف الرمي باليد من بعد ويستعار للقول بدون تروّ ولا دليل وهو كقولهم في الأصنام هم شفعاؤنا عند الله وكتكذيبهم بالبعث والتوحيد والنبوة.
    9 - الأشياع المتشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين وأصل المشايعة المتابعة في العمل.
    10 - هذه الجملة تعليلية لكل ما سبق في تكذيبهم وعنادهم وجهلهم وضلالهم إذ الشك وعد اليقين هو الذي يوقع صاحبه في أودية الضلال والباطل.

    *****************************
    الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
    سورة فاطر
    مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)

    شرح الكلمات:
    الحمد لله: أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد.
    فاطر السموات والأرض: أي خالقهما على غير مثال سابق.
    جاعل الملائكة رسلا: أي جعل منهم رسلا إلى الأنبياء كجبريل عليه السلام.
    أولي أجنحة: أي ذوي أجنحة جمع جناح كجناح الطير.
    يزيد في الخلق ما يشاء: أي يزيد على الثلاثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح.
    وما يمسك: أي الله من الرحمة فلا أحد يرسلها غيره سبحانه وتعالى.
    وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
    اذكروا نعمة الله عليكم: أي اذكروا نعمه تعالى عليكم في خلقكم ورزقكم وتأمينكم في حرمكم.
    هل من خالق غير الله: أي لا خالق لكم غير الله ولا رازق لكم يرزقكم.
    من السماء والأرض: أي بإنزال المطر من السماء وإنبات الزروع في الأرض.
    لا إله إلا هو: أي لا معبود بحق إلا هو إذاً فاعبدوه ووحدوه.
    فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عن توحيده مع اعترافكم بأنه وحده الخالق الرازق.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ (1) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي الشكر الكامل والحمد التام لله استحقاقاً، والكلام خرج مخرج الخبر ومعناه الإنشاء أي قولوا الحمد لله. واشكروه كما هو أيضاً إخبار منه تعالى بأن الحمد له ولا مستحقه غيره ومقتضى حمده فطره السموات والأرض أي خلقه لهما على غير مثال سابق ولا نموذج حاكاه في خلقهما. وجعله الملائكة (2) رسلاً إلى الأنبياء وإلى من يشاء من عباده بالإلهام والرؤيا الصالحة. وقوله {أُولِي أَجْنِحَةٍ} صفة للملائكة أي أصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين، وثلاث أي ثلاثة ثلاثة، ورباع أي أربعة أربعة. وقوله {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي خلق الأجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحاح ويزيد في خلق (3) ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير.
    وقوله تعالى {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ (4) فَلا مُمْسِكَ لَهَا} يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده فما يفتح للناس من أرزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} هذا نداؤه تعالى لأهل مكة من قريش يأمرهم (5) بعده بأن يذكروا نعمه تعالى عليهم حيث خلقهم ووسع أرزاقهم وجعل لهم حرماً آمنا والناس يتخطفون من
    حولهم خائفون يأمرهم بذكر نعمه لأنهم إذا ذكروها شكروها بالإيمان به وتوحيده. وقوله {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} والجواب لا أحد إذ لا خالق إلا هو ولا رازق سواه فهو الذي خلقهم ومن السماء والأرض رزقهم. السماء تمطر والأرض تنبت بأمره. إذاً فلا إله إلا هو أي لا معبود بحق إلا هو فكيف تصرفون عن الحق بعد معرفته إن حالكم لعجب.
    هذا ما دل عليه قوله تعالى {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ (6) اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} .
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- وجوب حمد الله تعالى وشكره على إنعامه.
    2- تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإخباره أنه جاعل الملائكة رسلاً.
    3- وجوب اللجوء إلى الله تعالى في طلب الخير ودفع الضر فإنه بيده خزائن كل شيء.
    4- وجوب ذكر النعم ليكون ذلك حافزاً على شكرها بطاعة الله ورسوله.
    5- تقرير التوحيد بالأدلة العقلية التي لا ترد.
    6- العجب من حال المشركين يقرون بانفراد الله تعالى بخلقهم ورزقهم ويعبدون معه غيره.
    __________

    1 - يصح في فاطر الجر على النعت والرفع على القطع أي هو فاطر والنصب على المدح أي أمدح فاطر، والفطر: الشق يقال فطرته فانفطر وتفطر، وفطر ناب البعير إذا شق اللحم وطلع، والفاطر: الخالق، قال ابن عباس كنت لا أدري ما "فاطر السموات والأرض" حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي أنا ابتدأتها والمراد بالسموات والأرض العالم كله.
    2 - المراد بالملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل "وملك الموت" وما شاء الله.
    3 - جائز أن يكون في ملاحة العين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم، وفي الصوت الحسن والشعر الحسن والحظ الحسن كل هذا مذكور وداخل في العبارة فإنها عامة.
    4 - لفظ الرحمة نكرة دال على الكثرة والشيوع فهو يتناول كل ما هو رحمة من النبوة والعلم إلى المطر والرزق إلى النصر والفوز.
    5 - أي بعد أن ناداهم أمرهم بأن يذكروا نعمه عليهم إذ نداء المأمور يلفت نظره ويحضر حواسه لاستقبال ما يلقى إليه ويؤمر به أو يحذر منه.
    6 - قرئ غير الله بالجر وقرأ الجمهور بالرفع على محل خالق المرفوع محلاً في الآية دليل على أن الخير والشر كلاهما من خلق الله تعالى.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #713
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فاطر - (1)
    الحلقة (708)
    تفسير سورة فاطر مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 337الى صــــ 343)

    وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
    شرح الكلمات:
    وإن يكذبوك: أي يا رسولنا فيما جئت به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء ولم يؤمنوا بك.
    فقد كذبت رسل من قبلك: أي فلست وحدك كذبت إذاً فلا تأس ولا تحزن واصبر كما صبر مَن قبلك.
    وإلى الله ترجع الأمور: وسوف يجزي المكذبين بتكذيبهم والصابرين بصبرهم.
    ولا يغرنكم بالله الغرور: أي ولا يغرنكم بالله أي في حلمه وإمهاله الغرور أي الشيطان.
    فاتخذوه عدواً: أي فلا تطيعوه ولا تقبلوا ما يغركم به وأطيعوا ربكم عز وجل.
    إنما يدعوا حزبه: أي أتباعه في الباطل والكفر والشر والفساد.
    ليكونوا من أصحاب السعير: أي ليؤول أمرهم إلى أن يكونوا من أصحاب النار المستعرة.
    لهم مغفرة وأجر كبير: أي لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الجنة وذلك لإيمانهم وعملهم الصالحات.
    معنى الآيات:
    لما أقام تعالى الحجة على المشركين في الآيات السابقة قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ (1) } بعدما أقمت عليهم الحجة فلست وحدك المكذَّب فقد كذبت قبلك رسل كثيرون جاءوا أقوامهم بالبينات والزبر وصبروا إذاً فاصبر كما صبروا {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ (2) الْأُمُورُ} وسوف يقضي بينك وبينهم بالحق فينصرك في الدنيا ويخذلهم، ويرحمك في الآخرة ويعذبهم.
    وقوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي يا أهل مكة وكل مغرور من الناس بالحياة الدنيا اعلموا أن وعد الله بالبعث والجزاء حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا بطول أعماركم وصحة أبدانكم وسعة أرزاقكم، فإن ذلك زائل عنكم لا محالة {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ} أي حلمه وإمهاله {الْغَرُورُ (3) } وهو الشيطان حيث يتخذ من حلم الله تعالى عليكم وإمهاله لكم طريقا إلى إغوائكم وإفسادكم بما يحملكم عليه من تأخير التوبة والإصرار على المعاصي، والاستمرار عليها {إِنَّ الشَّيْطَانَ
    لَكُمْ عَدُوٌّ (4) } بالغ العداوة ظاهرها فاتخذوه أنتم عدواً كذلك فلا تطيعوه ولا تستجيبوا لندائه، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أي أتباعه {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي النار المستعرة، إنه يريد أن تكونوا معه في الجحيم. إذ هو محكوم عليه بها أزلاً وقوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا (5) لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي في الآخرة، والذين آمنوا وعملوا الصالحات {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أي لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هو الجنة وما فيها من النعيم المقيم. هذا حكم الله في عباده وقراره فيهم: وهم فريقان مؤمن صالح وكافر فاسد ولكل جزاء عادل.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل فيها كل دعاة الحق إذا كذّبوا وأوذوا فعليهم أن يصبروا.
    2- تقرير البعث والجزاء المتضمن له وعد الله الحق.
    3- التحذير من الاغترار بالدنيا أي من طول العمر وسعة الرزق سلامة البدن.
    4- التحذير من الشيطان ووجوب الاعتراف بعداوته، ومعاملته معاملة العدو فلا يقبل كلامه ولا يستجاب لندائه ولا يخدع بتزيينه للقبيح والشر.
    5- بيان جزاء أولياء الرحمن أعداء الشيطان، وجزاء أعداء الرحمن أولياء الشيطان.
    __________

    1 - في هذه الآية تعزية الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسليته له بالتأسي بمن قبله من الرسل وتكذيب أممهم لهم.
    2 - قرأ الجمهور ترجع بضم التاء وقرأ بعض بفتحها والكل صحيح ومآل المعنى واحد.
    3 - الغرور بالضم مصدر غره يغره غرورا، وبالفتح الشيطان وهو المراد هنا وصيغته من صيغ المبالغة "فعول" إذ هو كثير الغرور يأتيهم من حيث حلم الله وإمهاله فيصرفهم عن الحق مغرراً إياهم بأنهم لو كانوا على باطل لأهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم، ويسوّف آخرين بحلم الله فيصرفهم عن التوبة.
    4 - يكفي في إثبات عداوته أنه أخرج أبوينا من الجنة، وأنه تعهد بإضلالهم وإغوائهم كقوله لأغوينهم أجمعين وقوله ولأضلنهم ولأمنينهم.
    5 - الذين كفروا: الجملة مستأنفة بيانياً لأنه بعد التحذير من طاعة الشيطان يلوح في الأذهان سؤال: ما جزاء من أطاع الشيطان وما جزاء من عصاه؟ فالجواب الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ويرى بعضهم أنها ابتدائية ذكرت فذلكة لما تقدم من الكلام.

    **********************
    أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
    شرح الكلمات:
    أفمن زين له سوء عمله: أي قبيح عمله من الشرك والمعاصي.
    فرآه حسنا: أي رآه حسناً زيناً لا قبح فيه.
    فلا تذهب نفسك عليهم: أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم.
    حسرات: أي لا تهلك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم.
    إن الله عليم بما يصنعون: وسيجزيهم بصنيعهم الباطل.
    فتثير سحاباً: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.
    فسقناه إلى بلد ميت: أي لا نبات فيه.
    فأحيينا به الأرض: أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع.
    كذلك النشور: أي البعث والحياة الثانية.
    فلله العزة جميعا: أي فليطلب العزة بطاعة الله فإنها لا تنال إلا بذلك.
    إليه يصعد الكلم الطيب: أي إلى الله تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
    والعمل الصالح يرفعه: أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى الله الكلم الطيب.
    يمكرون السيئات: أي يعملونها ويكسبونها.
    مكر أولئك هو يبور: أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل.
    خلقكم من تراب: أي أصلكم وهو آدم.
    ثم من نطفة: أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذرّية آدم.
    ثم جعلكم أزواجاً: أي ذكراً وأنثى.
    وما تحمل من أنثى: أي ما تحمل من جنين ولا تضعه إلا بإذنه.
    وما يعمر من معمر: أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب.
    ولا ينقص من عمره: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشد من عزمه أمام تقلبات المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى: {أَفَمَنْ (1) زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (2) } أي أفمن زين له الشيطان ونفسه وهواه قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسنا كمن هداه الله فهو على نور من ربه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب: لا، لا. وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} يضل بعدله وحسب سنته في الإضلال من يشاء من عباده، ويهدي بفضله من يشاء هدايته إذاً فلا تذهب (3) نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك نفسك تحسّراً على عدم هدايتهم. وقوله {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فلذا لا داعي إلى الحزن والغمّ ما دام الله تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى {وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} أي تزعجه وتحركه. {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} (4) أي لا نبات ولا زرع به {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحيى الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإنسان من عظم يقال له عجُبُ الذَنَّب فيتم خلقه، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها. هكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب.
    وقوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} فليطلبها من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعا فالعزيز من أعزه الله والذليل من أذله، إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} أي إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إلى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع إلى الله تعالى ولا يثيب عليه، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} . وقوله {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} أي يعملونها وهي الشرك والمعاصي {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذا جزاؤهم، {وَمَكْرُ (5) أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي ومكر الذين يعملون السيئات {هو يبور} أي يفسد ويبطل.
    وقوله تعالى {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم، ثم خلقنا نحن ذريتة من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} أي ذكراً وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء، وقوله {وَمَا تَحْمِلُ (6) مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} أي يزاد في عمره، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى {إِنَّ ذَلِكَ} أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدي أبداً وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصي والذنوب.
    2- عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم.
    3- مطلب العزة مطلب غال، وهو طاعة الله ورسوله ولا يعز أحد عزاًّ حقيقيا بدون طاعة الله ورسوله.
    4- علم الله المتجلي في الخلق والتدبير يضاف إليه قدرته تعالى التي لا يعجزها شيء بهما يتم الخلق والبعث والجزاء.
    5- تقرير البعث والجزاء وتقرير كتاب المقادير وهو اللوح المحفوظ.
    __________

    1 - الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} والمزين الشيطان والمزين له سوء عمله (من) الموصولية وهي من ألفاظ العموم تتناول من قيل إن الآية نزلت فيه وهو أبو جهل ثم هي صادقة على كل من زين له الشيطان الشرك والشر والفساد فرآها حسنة، (ومن) مبتدأ والخبر محذوف قد يقدر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وقد يقدر كمن هداه الله كما في التفسير وقد يقدر بغير ما ذكر.
    2 - ذكر القرطبي لأهل العلم أقوالا فيمن زين له سوء عمله وفي عمله الذي زين له قيل إنهم اليهود والنصارى والمجوس، وسوء عمله معاداة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل إنهم الخوارج وسوء عمله تحريف التأويل وقيل الشيطان وعمله الإغراء وقيل كفار قريش وهو الظاهر.
    3 - قرأ الجمهور فلا تذهب نفسك بفتح التاء ورفع السين من نفسك وقرئ بضم التاء ونصب نفسك على أنها مفعول به.
    4 - الراجح من الأقوال لغة أن ميت مشددة وميت مخفف لا فرق بينهما وشاهده قول الشاعر:
    ليس من مات واستراح بميت
    إنما الميت ميت الأحياء.
    5 - المكر: تدبير إلحاق الضرر بالغير في خفية. والمراد هنا أن الذين يمكرون بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين مكرهم يذهب سدى ولا يفلحون فيه كما أن الآية تشير إلى أن كل من يمكر مكر السوء فإن عاقبة مكره تعود عليه وبالاً وخسراناً كقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
    6 - فما يكون حمل ولا وضع أي ولادة إلا بعلمه، فلا يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر سماه معمراً باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح: "من أحب أن يسط له في رزقه وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه. "

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #714
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فاطر - (2)
    الحلقة (709)
    تفسير سورة فاطر مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 344الى صــــ 349)

    وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُو نَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
    شرح الكلمات:
    عذب فرات: أي شديد العذوبة.
    وهذا ملح أجاج: أي شديد الملوحة.
    ومن كل تأكلون: أي ومن كل منهما.
    لحماً طرياً: أي السمك.
    حلية تلبسونها: أي اللؤلؤ والمرجان.
    مواخر: أي تمخر الماء وتشقه عند جريانها في البحر.
    لتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا الرزق بالتجارة من فضل الله تعالى.
    ولعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروا الله تعالى على ما رزقكم.
    يولج الليل في النهار: أي يدخل الليل في النهار فيزيد.
    ويولج النهار في الليل: أي يدخل النهار في الليل فيزيد.
    وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما.
    كل يجري لأجل مسمى: أي في فلكه إلى يوم القيامة.
    والذين تدعون: أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الأصنام.
    ما يملكون من قطمير: أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.
    ولو سمعوا: أي فرضاً ما استجابوا لكم.
    يكفرون بشرككم: أي يتبرأون منكم ومن عبادتكم إياهم.
    ولا ينبئك مثل خبير: أي لا ينبئك أي بأحوال الدارين مثلي فإني خبير بذلك عليم.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعمله وحكمة تدبيره لخلقه وهي مظاهر موجبة لله العبادة وحد دون غيره، ومقتضية للبعث الذي أنكره المشركون قال تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} أي لا يتعادلان. {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ (1) شَرَابُهُ} أي ماؤه عذب شديد العذوبة {وَهَذَا مِلْحٌ (2) أُجَاجٌ} أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته، فهل يستوي الحق والباطل هل تستوي عبادة الأصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب لا. وقوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ} أي ومن كل من البحرين العذب والملح تأكلون لحماً طرياً وهو السمك {وَتَستخرجون حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} أي اللؤلؤ والمرجان. وهي حلية يتحلى بها النساء للرجال، وقوله {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} أي وترى أيها السامع لهذا الخطاب {الْفُلْكَ} أي السفن مواخر في البحر تمخر عباب البحر وتشق ماءه غادية رائحة تحمل الرجال والأموال، سخرها وسخر البحر {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أي الرزق بالتجارة، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي سخر لكم البحر لتبتغوا من فضله ورجاء أن تشكروا. لم يقل لتشكروا كما قال لتبتغوا لأن الابتغاء حاصل من كل راكب، وأما الشكر فليس كذلك بل من الناس من يشكر ومنهم من لا يشكر، ولذا جاء بأداة الرجاء وهي لعل وقوله {يُولِجُ اللَّيْلَ (3) فِي النَّهَارِ} أي يدخل جزءاً من الليل في النهار فيطول، ويقصر الليل {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي يدخل جزءا منه في الليل فيطول كما أنه يدخل النهار في الليل، والليل في النهار بالكلية فإنه إذا جاء أحدهما ذهب الآخر ويشهد له قوله {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ولازمه والنهار نسلخ منه الليل، فإذا الليل ليل والنهار نهار.
    وقوله {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللهما فهما يسيران الدهر كله بلا كلل ولا ملل لصالح العباد إذ بهما كان الليل والنهار، وبهما تعرف السنون والحساب وقوله {كُلٌّ يَجْرِي} أي كل منهما يجري {لِأَجَلٍ مُسَمّىً} أي إلى وقت محدود وهو يوم القيامة. ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس {ذَلِكُمُ (4) اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} أي بعد أن أقام الحجة وأظهر الدليل لم يبق إلا الإعلان عن الحقيقة التي ينكر لها الكافرون فأعلنها بقوله {ذَلِكُمُ} ذو الصفات العظام والجلال والإكرام هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه له الملك، وليس لغيره فلا يصح طلب شيء من غيره، إذ الملك كله لله وحده، وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من دونه وهي الأصنام والأوثان وغيرها من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم لا يملكون من قطمير فضلاً عن غيره تمرة فما فوقها لأن الذي لا يملك قطميراً - وهو القشرة الرقيقة على النواة (5) - لا يملك بعيراً.
    وقوله {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} نعم لا يسمعون لأنهم جمادات وأصنام من حجارة فكيف يسمعون وعلى فرض لو أنهم سمعوا ما استجابوا لداعيهم لعدم قدرتهم على الاستجابة. وقوله تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} فهم إذاً محنة لكم في الدنيا تنحتونهم وتحمونهم وتعبدونهم ويوم القيامة يكونون أعداء لكم وخصوماً فيتبرءون من شرككم إياهم في عبادة الله، فتقوم عليكم الحجة بسببهم فما الحاجة إذاً إلى الإصرار على عبادتهم وحمايتهم والدفاع عنهم. وقوله تعالى {وَلا يُنَبِّئُكَ} أيها السامع {مِثْلُ خَبِيرٍ} (6) وهو الله تعالى فالخبير أصدق من ينبئ وأصح من يقول فالله هو العليم الخبير وما أخبر به عن الآلهة في الدنيا والآخرة في الدنيا عن عجزها وعدم غناها وفي الآخرة عن براءتها وكفرها بعبادة عابديها. فهو الحق الذي لا مرية فيه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير ربوبية الله المستلزمة لألوهيته.
    2- بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة وبها تقرر ربوبيته تعالى وألوهيته لعباده.
    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر يوم القيامة وبراءة الآلهة من عابديها.
    4- بيان عجز الآلهة عن نفع عابديها في الدنيا وفي الآخرة.
    5- تقرير صفات الكمال لله تعالى من الملك والقدرة والعلم، والخبرة التامة الكاملة وبكل شيء.
    __________

    1 - معنى سائغ شرابه أن شربه لا يكلف النفس كراهة وهو مشتق من الإساغة وهو استطاعة ابتلاع المشروب دون غصة قال الشاعر:
    فساغ لي الشراب وكنت قبلا
    أكاد أغص بالماء الفرات
    2 - المالح من الطعام والشراب: هو الذي يجعل فيه الملح والملح بكسر الميم وسكون اللام الشيء الموصوف بالملوحة بذاته لا بإلقاء الملح فيه والأجاج الشديد الملوحة.
    3 - هذا استدلال بمظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة بما في العالم العلوي بعد الاستدلال بما ي العالم السفلي من ذلك.
    4 - هذا استئناف موقعه موقع النتيجة من الأدلة السابقة وهي أدلة مفصلة في غاية القوة والوضوح.
    5 - جاء في القرآن ذكر النقير والقطمير والفتيل واضطربت أقوال أهل اللغة في تحديدها والصحيح: أن النقير النقرة في وسط النواة، وأن الفتيل الخيط الأبيض في وسط النواة، وأن القطمير اللفافة البيضاء على النواة.
    6 - خبير صفة مشبهة مشتقة من خبر بضم الباء فلان الأمر إذا علمه علماً لا شك فيه وأجريت هذه الجملة مجرى المثل يقال (ولا ينبئك مثل خبير) .

    ***************************
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (18)
    شرح الكلمات:
    أنتم الفقراء إلى الله: أي المحتاجون إليه في كل حال.
    والله هو الغني الحميد: أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه، المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره فكل الخلائق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها.
    ويأت بخلق جديد: أي بدلا عنكم.
    وما ذلك على الله بعزيز: أي بشديد ممتنع بل هو سهل جائز الوقوع.
    ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي في حكم الله وقضائه بين عباده أن النفس المذنبة الحاملة لذنبها لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها.
    وإن تدع مثقلة: أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة.
    لا يحمل منه شيء: أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها أو أمها فضلا عن غيرهم، بهذا حكم الله سبحانه وتعالى.
    يخشون ربهم بالغيب: أي لأنهم ما رأوه بأعينهم.
    ومن تزكى: أي طهّر نفسه من الشرك والمعاصي.
    فإنما يتزكى لنفسه: أي صلاحه واستقامته على دين الله ثمرتهما عائدة عليه.
    معنى الآيات:
    بعد تلك الأدلة والحجج التي سيقت في الآيات السابقة وكلها مقررة ربوبية الله تعالى وألوهيته وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله {يأَيُّهَا النَّاسُ} ليعلمهم بأنه وإن خلقهم لعبادته وأمرهم بها وتوعد بأليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ولا لحاجة به إليهم فقال {يأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ (1) إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم فيكملون عليها في أخلاقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما الله جل جلاله فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. وهو الغني عن كل ما سواه {الْحَمِيدُ} أي المحمود بنعمه فكل نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر. وقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ (2) بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا دليل غناه؛ وافتقارهم كما هو دليل قدرته وعلمه، وقوله: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} أي إذهابهم والإتيان بخلق جديد غيرهم ليس بالأمر العزيز الممتنع ولا بالصعب المتعذر بل هو اليسير السهل عليه تعالى.
    وقوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قدرته وقهره لعباده ذو عدل فيهم فلا يؤاخذ بغير جرم، ولا يحمل وزر نفس نفسا أخرى لم تذنب ولم تزر بل كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله هول وفزع يدل عليه قوله {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ (4) } أي بذنوبها {إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ} (5) من تدعوه {ذَا قُرْبَى} كالولد (6) والبنت. وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ (7) يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أي إنما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلاة، أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم لا يقبلون إنذارك ولا ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم، ومع هذا فأنذر ولا عليك في ذلك شيء فإن من تزكى بالإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكى لنفسه لا لك ولا لنا، ومن أبى فعليه إباؤه، وإلينا مصير الكل وسنجزي كلاً بما كسب من خير وشر. هذا ما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} (8)
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه والاطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه.
    2- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة.
    3- بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة لا سيما عند وضع الميزان ووزن الأعمال.
    4- بيان أن الإنذار والتخويف من عذاب الله لا ينتفع به غير المؤمنين الصالحين.
    5- تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة.
    6- تقرير حقيقة وهي أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.
    __________

    1 - في قوله تعالى أنتم الفقراء قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الفقر على الناس وهو قصر إضافي بالنسبة إلى الله تعالى أي أنتم المفتقرون إلى الله وليس هو بمفتقر إليكم ووصفه تعالى نفسه بالحميد إشعار بأن غناه مقترن بجوده فهو يحمد لما يسديه من المعروف إلى عباده.
    2 - الجملة بيانية فيه مبينة لغناه وموجب حمده والثناء عليه ببيان قدرته على إهلاك الموجود من عباده والإتيان بخلق جديد غيرهم ومن كان هكذا هو الغني الحق والمحمود الحق فلله الحمد وله المنة.
    3 - وازرة صفة لمحذوف أي نفس وازرة وكذا وإن تدع مثقلة أي نفس مثقلة وتزر أصلها توزر فحذت الواو تخفيفاً إذ الفعل وزر يوزر فحذفت الواو كما حذفت وعد يعد ووزن يزن.
    4 - وإن تدع مثقلة أي أحدا إلى حملها.
    5 - أي المدعو ذا قربى.
    6 - قال الفضيل بن عياض هي المرأة تلقى ولدها فتقول يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثدي لك سقاء ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول بلى يا أماه فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنباً واحداً، فيقول إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول.
    7 - الجملة مستأنفة بيانياً لأن الحال تستدعي سؤالاً وهو لِم لَمْ يتأثر المشركون بالإنذار فالجواب إنما يقبل النذارة ويستجيب للمنذر أهل الإيمان والخشية لله تعالى لأنهم أحياء وأما الكافرون فهم أموات وهل يستجيب غير الحي؟ وفي الآية دليل على قوة تأثير الصلاة في تزكية النفوس وتطهير الأرواح.
    8 - هذه الجملة تذييل للجملة المذيل بها قبلها وهي قوله تعالى: {ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه} وهي تفيد تقرير البعث والجزاء وهما مما ينكر المشركون كما يفيد التسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتهديد للكافرين أيضاً فإن من صار إلى الله أخذه بذنبه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #715
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فاطر - (3)
    الحلقة (710)
    تفسير سورة فاطر مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 349الى صــــ 354)

    وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
    شرح الكلمات:
    وما يستوي الأعمى والبصير: أي لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
    ولا الظلمات ولا النور: أي لا يستويان فكذلك الكفر والإيمان لا يستويان.
    ولا الظل ولا الحرور: أي لا يستويان فكذلك الجنة والنار لا يستويان.
    وما يستوي الأحياء ولا الأموات: فكذلك لا يستوي المؤمنون والكافرون.
    وما أنت بمسمع من في القبور: أي فكذلك لا تسمع الكفار فإنهم كالأموات.
    إن أنت إلا نذير: ما أنت إلا منذر فلا تملك أكثر من الإنذار.
    إنا أرسلناك بالحق: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
    وإن من أمة إلا خلا فيها نذير: أي سلف فيها نبي ينذرها.
    جاءتهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
    وبالزبر والكتاب المنير: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.
    فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.
    معنى الآيات:
    لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا المؤمن المقيم للصلاة وأن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلاً للكافر والمؤمن وأنهما لا يستويان فقال {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (1) } فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع {وَلا الظُّلُمَاتُ (2) وَلا النُّورُ} أي ولا يستوي الظلمات ولا النور كما لا يستوي الكفر والإيمان ولا الظل ولا الحرور (3) ، فبرودة الجو، لا تستوي مع حرارته فكذلك الجنة لا تستوي مع النار، وقوله {وما يستوي الأحياء ولا أموات} أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4) هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأنهم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على إسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
    وقوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه بالنار. وقوله {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} (5) ، يخبر تعالى أن رسوله محمداً ليس الرسول الوحيد الذي أرسل في أمة بل إنه ما من أمة من الأمم إلا مضى فيها نذير، فلا يكون إرساله عجباً لكفار قريش إذ هذه سنة الله تعالى في عباده يرسل إليهم من يهديهم إلى نجاتهم وسعادتهم ثم قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معزياً له مسلياً {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} فلم (6) يكونوا أول من كذب فقد كذب الذين من قبلهم {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي جاءتهم رسلهم بالحجج القواطع والبراهين السواطع، والمعجزات الخوارق، وبالصحف والكتب المنيرة لسبيل الهداية وطريق النجاة والفلاح. ومنهم من آمن ومنهم من كذب وكفر بعد إمهال وإنظار دلّ عليه العطف بثم أخذ الذين كفروا بعذاب ملائم لكفر الكافرين. {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (7) } أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة الشديدة والإهلاك التام إنه كان واقعاً موقعه، موافياً لطالبه بكفره وعناده.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- استحسان ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
    2- الكفار عمى لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم.
    3- تقرير نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأكيد رسالته.
    4- تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
    5- بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم.
    __________

    1 - قال القرطبي الكافر والمؤمن والعالم والجاهل.
    2 - قيل لا زائدة في كل من قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ولا الأموات واختلف في أيهما يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك وأن كلاهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
    3 - قال قطرب أحد أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
    4 - قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تسمع من مات فإنك لا تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر.
    5 - أي سلف فيها نبي قال ابن جرير إلا العرب. إذا أراد أنه لم يخل فيهم نذير مطلقاً فهذا غير صحيح إذ بعث فيهم إسماعيل وتبع وغيرهما وإن أراد في الزمن القريب فهذا صحيح.
    6 - في الآيات تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهرة تطلبها المقام حيث أصر المشركون على تكذيبه وعدم الإيمان بما جاءهم به من الهدى والدين الحق.
    7 - استفهام مستعمل في التعجب من حالهم مفرع بالفاء على قوله أخذت الذين كفروا والنكير اسم لشدة الإنكار وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب وحذفت ياء المتكلم في نكيري تخفيفاً ولرعاية الفواصل في الوقف.

    *****************************
    وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
    شرح الكلمات:
    ثمرات مختلفاً ألوانها: أي كأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وغيره.
    ومن الجبال جدد: أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق.
    بيض وحمر مختلف ألوانه: أي طرق وخطط في الجبال ذات ألوان كالجبال أيضاً.
    وغرابيب سود (1) : منها الأبيض والأصفر والأسود الغربيب.
    ومن الناس والدواب والأنعام: فمنها أبيض وهذا أحمر وهذا أسود.
    مختلف ألوانه كذلك: أي كاختلاف الثمار والجبال والطرق فيها.
    إنما يخشى الله من عباده العلماء: أي العالمين بجلاله وكماله، إذ الخشية متوقفة على معرفة المخشيّ.
    يتلون كتاب الله: أي يقرأونه تعبداً به.
    تجارة لن تبور: أي لن تهلك ولن تضيع بدون ثواب عليها.
    غفور شكور: أي غفور لذنوب عباده التائبين شكور لأعمالهم الصالحة.
    معنى الآيات:
    هذا السياق الكريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ (2) مَاءً} في بيان تفاوت المخلوقات واختلافاتها فمن مؤمن إلى كافر، ومن صالح إلى فاسد ومن أبيض إلى أحمر أو أسود وابتدأه تعالى بخطاب رسوله مقرراً له بقوله {أَلَمْ تَرَ} أي ألم تبصر بعينك أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ما بين تمر أصفر وآخر أحمر، وآخر أسود وهذا واضح في التمر والعنب والفواكه والخضر، ومن الجبال كذلك. فإن فيها جدد (3) أي خطط حمراء وصفراء وبيضاء وسوداء والجبال نفسها كذلك، ومن الناس والدواب والأنعام ففي جميعها الأبيض والأسود والأحمر والأصفر كما في جدد الجبال نفسها وكما في الثمار. ولما كان هذا لا يدركه إلا المفكرون ولا يجني منه العبرة إلا العالمون قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى (4) اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وأهل مكة جهال لا يفكرون ولا يهتدون فلا غرابة إذا لم يخشوا الله تعالى ولم يوحدوه وذلك لجهلهم وعدم تفكيرهم.
    وقوله تعالى في ختام هذا السياق: {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (5) كشف عن حقيقة ينبغي أن يعرفها أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن الله قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز لا يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم ألا فليتب أهل مكة فإن توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة، وفي الإصرار هلاك.
    وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ (6) } وهم المؤمنون {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أدوها أداء وافياً لا نقص فيه {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} الزكاة والصدقات بحسب الأحوال والظروف سراً أحياناً وعلانية أخرى. يخبر تعالى عنهم بعدما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم يرجون تجارة لن تبور أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله {لِيُوفيهم أُجُورَهُمْ (7) وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد المنة.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات.
    2- العلم سبيل الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له إنما يخشى الله من عباده العلماء.
    3- فضل تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات.
    4- في وصف الله تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا، وللعاملين أن يزيدوا.
    __________

    1 - الغربيب: الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير إذ المعنى ومن الجبال سود غرابيب إذ العرب تقول للأسود شديد السواد كلون الغراب أسود غربيب.
    2 - من هداية هذه الآية الإشارة الواضحة إلى وجود اختلاف بشري جبلّي فطري كما هو في سائر الكائنات الأرضية، وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف عليه هان عليه اختلاف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب.
    3 - الجدد جمع جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه.
    4 - في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا علا شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا إنما يخشى الله من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بالله أي بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لأوليائه وما لديه من عذاب لأعدائه، وآية العالم الخشية لله والمحبة له تعالى فمن لم يخش الله تعالى فليس بعالم.
    5 - الجملة تذييلية مشعرة بغنى الله تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك، ذو مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك ولكنهم لا يعلمون.
    6 - لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلام إيجاز أوضحه بهذه الجملة فقال إن الذين يتلون كتاب الله، وما تلا كتاب الله غير مؤمن عالم ولا أقام الصلاة وأنفق سراً وعلانية إلا ذو خشية ومحبة بعدما وصفهم وحدهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور.
    7 - التوفية جعل الشيء وافياً أي تاماً لا نقيصة فيه ولا غبن.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #716
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فاطر - (4)
    الحلقة (711)
    تفسير سورة فاطر مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 355الى صــــ 359)

    وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
    شرح الكلمات:
    من الكتاب: أي القرآن الكريم.
    مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل.
    ثم أورثنا الكتاب: أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم.
    الذين اصطفينا: أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فمنهم ظالم لنفسه: بارتكاب الذنوب.
    ومنهم مقتصد: مؤد للفرائض مجتنب للكبائر.
    ومنهم سابق بالخيرات: مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
    بإذن الله: أي بتوفيقه وهدايته.
    ذلك: أي إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير.
    ولؤلؤاً: أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب.
    أحلنا دار المقامة: أي الإقامة وهي جنات عدن.
    لا يمسنا فيها نصب: أي تعب.
    ولا يمسنا فيها لغوب: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ (1) } أي القرآن الكريم هو {الْحَقُّ} أي الواجب عليك وعلى أمتك العمل به لا ما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل، {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي أمامه من الكتب السابقة، وقوله {إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (2) } فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم تصبح تحمل هداية الله لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى وحي سليم يقدم إليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نوراً تمشي به في حياتها المادية هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به.
    وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ (3) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يخبر تعالى أنه أورث أمة الإسلام الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والإنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأمة القرآن قد ورّثها الله تعالى كل الكتاب الأول. وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ (4) } بالتقصير في العمل وارتكاب بعض الكبائر، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وهو المؤدي للفرائض المجتنب للكبائر،
    {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ} وهو المؤدي للفرائض والنوافل المجتنب للكبائر والصغائر. وقوله: {ذَلِكَ} أي الإيراث للكتاب هو الفضل الإلهي الكبير وهو {جَنَّاتُ عَدْنٍ (5) يَدْخُلُونَهَا} يوم القيامة {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع سوار ما يجعل في اليد {مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} أي أساور من لؤلؤ، ولباسهم فيها حرير.
    وقوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ (6) الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همَّ ولا كرب فمِن أين يأتي الحزن. وقولهم {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} قالوا هذا لأنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور الشكور حقاً حقاً.
    وقولهم: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} أي الإقامة من فضله هذا ثناء منهم على الله تعالى بإفضاله عليهم، وقولهم {لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب {وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي إعياء من التعب وصف لدار السلام وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا الله من أهلها.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
    2- بيان شرف هذه الأمة، وأنه المرحومة فكل من دخل الإسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم فهو ناج
    فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو آئيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
    3- بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور (7) من الذهب واللؤلؤ.
    __________

    1 - في الآية الإشادة بالكتاب الذي يتلوه المؤمنون فيثابون ويزادون لأنه الكتاب الحق الخالي من الزيادة والنقص المصدق لما تقدمه من الكتب الإلهية السابقة وضمن هذا يقرر النبوة المحمدية وإثباتها والإشادة بصاحبها.
    2 - الخبير: العالم بدقائق الأمور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية وصاحب هذه الصفة هو الذي يجب أن يعبد ويتقى.
    3 - حاول كثير من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الآية وهي أن الآية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هي التي قال الله تعالى فيها هو اجتباكم والاجتباء كالاصطفاء والظالم لنفسه لا يكون الكافر ولا المنافق وإنما هو المؤمن يغشى بعض الكبائر وما في التفسير هو الحق فتأمله.
    4 - فمنهم: هذه الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية بالظالمين لأنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعاً لمن يتوهم أنهم لما كانوا ظالمين لا يدخلون الجنة.
    5 - جنات عدن بدل اشتمال من قوله ذلك الفضل الكبير.
    6 - لما دخلوا جنات عدن حمدوا الله تعالى وأثنوا عليه وإن قيل كيف دخل الظالم لنفسه الجنة وهو ظالم قلنا هذا الظلم ليس ظلما لربه بأن عبد غير الله ولا هو ظلم لغيره وإنما ظلم لنفسه بارتكاب بعض الذنوب وهذا غير مانع من دخول الجنة إذ هو وارث بوصفه مؤمنا والجنة تورث والورثة يستوي فيهم البار مع العاق فلا يمنع من الإرث العاق بل يرث كالبار سواء بسواء.
    7 - ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

    ****************************** *
    وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
    شرح الكلمات:
    لا يقضى عليهم: أي بالموت فيموتوا ويستريحوا.
    كذلك نجزي كل كفور: أي كذلك الجزاء نجزي كل كفور بنا وبآياتنا ولقائنا.
    وهم يصطرخون فيها: أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها.
    يقولون: أي في عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحا.
    أو لم نعمركم ما يتذكر فيه: أي وقتا يتذكر فيه من تذكر.
    وجاءكم النذير: أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي.
    إنه عليم بذات الصدور: أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة.
    خلائف في الأرض: يخلف بعضكم بعضا. والخلائف جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
    فعليه كفره: أي وبال كفره.
    إلا مقتا: أي إلا غضبا شديداً عليهم من الله عز وجل.
    إلا خساراً: أي في الآخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
    معنى الآيات:
    بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال:
    {وَالَّذِينَ كَفَرُوا (1) } أي بالله وآياته ولقائه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} أي جزاء لهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا (2) } أي بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا طرفة عين. وقوله {كَذَلِكَ} أي الجزاء {نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} أي مبالغ في الكفر مكثر منه. وقوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ (3) فِيهَا} أي في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} أي من النار وردنا إلى الحياة الدنيا {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي من الشرك والمعاصي. فيقال لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ (4) } أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحا ولم نعمركم أي نطل أعماركم بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير (5) فلم تجيبوه وأصررتم على الشرك والمعاصي، إذاً فذوقوا عذاب النار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي من نصير ينصرهم فيخرجهم من النار. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي كل ما غاب في السموات والأرض {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله.
    وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ (6) } أي يخلف بعضكم بعضاً وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذاً فلا عذر لكم أبداً.
    وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم {إِلَّا مَقْتاً} أي بعداً عن الرحمة وبعضاً شديداً، {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ} أي المصرين على الكفر كفرهم {إِلَّا خَسَاراً} أي هلاكاً في الآخرة.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
    2- الإعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
    1- الكافر يعذب أبدا لعلم الله تعالى به وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن كفره ولا حاول أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً.
    2- في كون البشرية أجيالا جيلا يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره.
    3- الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت أشد الغضب.
    __________

    1 - قال القرطبي لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم.
    2 - هذا كقوله تعالى: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} من سورة الأعلى.
    3 - يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما أصابهم.
    4 - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قولا محذوفاً تقديره يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم نعمركم والتعمير تطويل العمر.
    5 - هل النذير القرآن أو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الشيب قال الشاعر:
    رأيت الشيب من نُذُر المنايا
    لصاحبه وحسبك من نذير.
    وما في التفسير أصح.
    6 - أي خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن، والخلف هو التالي للمتقدم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #717
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فاطر - (5)
    الحلقة (712)
    تفسير سورة فاطر مكية
    وآياتها خمس وأربعون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 359الى صــــ 364)

    قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43)
    شرح الكلمات:
    قل أرأيتم: أي أخبروني
    تدعون من دون الله: أي تعبدون من غير الله وهي الأصنام.
    أروني ماذا خلقوا: أي أخبروني ماذا خلقوا من الأرض أي أيّ جزء منها خلقوه.
    أم لهم شرك: أي لهم شركة في خلق السموات.
    إلا في غروراً: أي باطلاً إذ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وتقربنا
    إلى الله زلفى.
    يمسك السموات والأرض أن تزولا: أي يمنعهما من الزوال.
    إن أمسكهما من أحد من بعده: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
    إنه كان حليماً غفوراً: أي حليماً لا يعجل بالعقوبة غفوراً لمن ندم واستغفر.
    لئن جاءهم نذير: أي رسول.
    من إحدى الأمم: أي اليهود والنصارى.
    فلماء جاءهم نذير: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ما زادهم إلا نفوراً: أي مجيئه إلا تباعداً عن الهدى ونفرة منه.
    ومكر السيء: أي الشرك والمعاصي.
    ولا يحيق المكر السيء: أي ولا يحيط إلا بأهله العاملين له.
    سنة الأولين: أي سنة الله فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه.
    ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
    ولن تجد لسنة الله تحويلاً: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل للمشركين من قومك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ (1) الَّذِينَ تَدْعُونَ} أي تعبدون من دون الله أخبروني: ماذا خلقوا من الأرض حتى استحقوا العبادة مع الله فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك (2) في السموات بأن خلقوا جزءاً وملكوه بالشركة. والجواب قطعاً لم يخلقوا شيئاً من الأرض وليس لهم في خلق السموات شركة أيضاً إذاً فكيف عبدتموهم مع الله؟ وقوله تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك. والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم الشرك؟ بل إن يعد (3) الظالمون بعضهم بعضاً {إِلَّا غُرُوراً} أي باطلاً إذ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك،وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضاً وهو أن الآلهة ستشفع لنا وتقربنا إلى الله زلفى إلا غروراً وباطلاً فالرؤساء غرّوا المرءوسين وكذبوا عليهم بأن الآلهة تشفع لهم عند الله وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون الله وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ (4) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده، ورحمته بهم وهي أنه تعالى يمسك السموات السبع والأرض أن تزولا أي تتحولا عن أماكنهما، إذ لو زالتا لخرب العالم في لحظات، وقوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا} أي ولو زالتا {إِنْ (5) أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} أي لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، وقوله إن كان حليما غفوراً إذ حلمه هو الذي غرّ الناس فعصوه، ولم يطيعوه، وأشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة إليه، والإنابة إلى توحيده وعبادته.
    وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (42) {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير (6) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم مجيئه {إِلَّا نُفُوراً} أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
    وقوله تعالى {وَلا يَحِيقُ (7) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ} أيها (8)الرسول {تَبْدِيلاً} بأن يتبدل العذاب بغيره بالرحمة مثلا {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً} بأن يتحول العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه إذاً فليعاجل قومك الوقت بالتوبة وإلا فهم عرضة لأن تمضي فيهم سنة الله بعذابهم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
    2- بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب.
    3- بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والأرض عن الزوال.
    4- بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقالونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسول لكانوا أهدى من
    اليهود أو النصارى.
    5- تقرير حقيقة وهي أن المكر (9) السيء عائد على أهله لا على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلاثة على أهلها
    رواجع، وهي المكر السيء، والبغي، والنكث لقوله تعالى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقوله {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقوله {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
    __________

    1 - هذا شروع في بطلان الشرك وتحقيق التوحيد بالأسلوب العقلي والاستفهام تقريري في قوله أرأيتم شركاءكم أروني أي أروني شيئاً خلقوه من الأرض.
    2 - الشرك اسم للنصيب المشترك به في ملك الشيء، والمعنى ألهم شرك مع الله في ملك السموات وتصريف أحوالها كسير الكواكب وتعاقب الليل والنهار وتسخير الرياح وإنزال المطر.
    3 - إن نافية بمعنى "ما" بقرينة الاستثناء والغرور الأباطيل تغرو وهي قول السادة للسفلة إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من طريق الوسوسة.
    4 - لما بين لهم عجز آلهتهم وعدم قدرتها على خلق شيء في السموات والأرض بين لهم أن خالقها وممسكها هو الله فلا يوجد شيء إلا بإيجاده ولا يبقى شيء إلا بإبقائه.
    5 - إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه.
    6 - هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه منهم وأقسموا بالله جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
    7 - حاق به: أحاط والحوق الإحاطة روي أن كعباً قال لابن عباس إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً" وجملة لا يحيق المكر السيء إلا بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة.
    8 - السنة الطريقة والجمع سنن.
    9 - المكر إخفاء الأذى وهو سيء لأنه غدر وخديعة.

    *****************************
    أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
    شرح الكلمات:
    وكانوا أشد منهم قوة: أي وأهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسلهم.
    وما كان الله ليعجزه من شيء: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
    إنه كان عليماً قديراً: أي عليماً بالأشياء كلها قديراً عليها كلها.
    بما كسبوا: أي من الذنوب والمعاصي.
    ما ترك على ظهرها: أي ظهر الأرض من دابة نسمة تدب على الأرض وهي كل ذي روح.
    إلى أجل مسمى: أي يوم القيامة.
    فإن الله كان بعباده بصيراً: فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيراً كان أو شراً.
    معنى الآيات:
    لما هدد الله المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلاك المكذبين إذا أصروا على التكذيب ولم يتوبوا. قال {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} أي المشركون المكذبون لرسولنا {فِي الْأَرْضِ} شمالاً وجنوباً {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كقوم صالح وقوم هود، إنها كانت دماراً وخساراً {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ (1) قُوَّةً} أي من هؤلاء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ (2) مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي لم يكن ليعجز الله شيء فيفوت الله ويهرب منه ولا يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} تقرير لقدرته وعجز كل شيء أمامه، فإن العليم القدير لا يعجزه شيء بالاختفاء والتستر، ولا بالمقاومة والهرب.
    وقوله تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} وهي الآية (3) الأخيرة من هذا السياق (45) أي ولو كان الله يؤاخذ الناس بذنوبهم فكل من أذنب ذنباً انتقم منه فأهلكه ما ترك على ظهر الأرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الأرض، ولكنه تعالى يؤخر الظالمين {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} (4) أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا، وإن كان يوم القيامة ففي القيامة. وقوله:
    {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ (5) فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرا} يخبر بأنه إذا جاء أجل الظالمين فإنه تعالى بصير بهم لا يخفي عليه منهم أحد فيهلكهم ولا يبقى منهم أحد لكامل علمه وعظيم قدرته، ألا فليتق الله الظالمون.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية السير في الأرض للعبرة لا للتنزه واللهو واللعب.
    2- بيان أن الله لا يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والإنابة إليه.
    3- حرمة استعجال العذاب فإن لكل شيء أجلاً ووقتاً معيناً لا يتم قبله فلا معنى للاستعجال بحال.
    __________

    1 - الجملة في محل نصب حالية أي كان عاقبتهم الاضمحلال وكانوا أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب.
    2 - أي هبكم أنكم أقوى ممن كان قبلكم وأشد حيلة وتصرفاً في الحياة فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وذلك لعلمه وقدرته، إذاً فلا مهرب لكم منه إذا أراد إهلاككم.
    3 - قال ابن مسعود، يريد جميع الحيوان مما دبّ ودرج وقال قتادة وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام: قال ابن جرير هنا الناس وحدهم وهو كذلك.
    4 - قال مقاتل الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ وقيل هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين إذ يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ.
    5 - قوله فإن الله كان بعباده بصيراً هو كالجواب لمن قال وكيف يهلك كل من في الأرض فيهم الصالحون والمؤمنون فقال إنه كان بعباده بصيراً فقد ينجي من لا يستحق الهلاك ويهلك من يستحقه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #718
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة يس - (1)
    الحلقة (713)
    تفسير سورة يس مكية
    وآياتها ثلاث وثمانون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 365الى صــــ 370)

    سورة يس (1)
    مكية
    وآياتها ثلاث وثمانون آية

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُ مْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
    شرح الكلمات:
    يس: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس، ويقرأ هكذا ياسين والله أعلم بمراده به.
    والقرآن الحكيم: أي ذي الحكمة إذ وضع القرآن كل شيء في موضعه فهو لذلك حكيم ومحكم أيضا بعجيب النظم وبديع المعاني.
    إنك لمن المرسلين: أي يا محمد من جملة الرسل الذين أرسلناهم إلى أقوامهم.
    على صراط مستقيم: أي طريق مستقيم الذي هو الإسلام.
    تنزيل العزيز الرحيم: أي القرآن (2) تنزيل العزيز في انتقامه ممن كفر به الرحيم بمن تاب إليه.
    ما أنذر آباؤهم: أي لم ينذر آباؤهم إذ لم يأتهم رسول من فترة طويلة.
    فهم غافلون: أي لا يدرون عاقبة ما هم فيه من الكفر والضلال، ولا يعرفون ما ينجيهم من ذلك وهو الإيمان وصالح الأعمال.
    لقد حق القول على أكثرهم: أي وجب عليهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون.
    إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا: أي جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالأغلال.
    فهي إلى الأذقان: أي أيديهم مجموعة إلى أذقانهم، والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين.
    فهم مقمحون: أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، فلذا هم لا يكسبون بأيديهم خيراً، ولا يذعنون برؤوسهم إلى حق.
    فأغشيناهم فهم لا يبصرون: أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لذلك لا يبصرون.
    وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون: أي استوى إنذارك لهم وعدمه في عدم إيمانهم.
    من اتبع الذكر: القرآن.
    وأجر كريم: أي بالجنة دار النعيم والسلام.
    إنا نحن نحيي الموتى: أي نحن ربّ العزة نحيي الموتى للبعث والجزاء.
    ونكتب ما قدموا وآثارهم (3) : أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم، وآثارهم أي خطاهم إلى المساجد وما استن به أحد من بعدهم.
    في إمام مبين: أي في اللوح المحفوظ.
    معنى الآيات:
    {يس} الله أعلم (4) بمراده به {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (5) } أي المحكم نظماً ومعنىً وذي الحكمة الذي يضع كل شيء في موضعه أقسم تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبييٌّ ورسولٌ فقال {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الذي هو الإسلام. وقوله {تَنْزِيلَ (6) الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي هذا القرآن هو تنزيل الله {الْعَزِيزِ} في الانتقام ممن كفر به وكذب رسوله {الرَّحِيمِ} بأوليائه وصالحي عباده. وقوله {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} أي أرسلناك وأنزلنا إليك الكتاب لأجل أن تنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من فترة طويلة وهم مشركو العرب إذ لم يأتهم رسول من بعد إسماعيل عليه السلام {فَهُمْ غَافِلُونَ} أي لا يدرون عاقبة ما هم عليه من الشرك والشر والفساد، ومعنى تنذرهم تخوفهم عذاب الله تعالى المترتب على الشرك والمعاصي.
    وقوله تعالى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي أكثر خصوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كفار قريش كأبي جهل حق عليهم القول الذي هو قوله تعالى {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فوجب لهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون إذ لو آمنوا لما عذبوا، وعدم إيمانهم لم يكن مفروضاً عليهم وإنما هو باختيارهم وحرية إرادتهم إذ لو كان جبراً لما استحقوا العذاب عليه. وقوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ} أي أيديهم {إِلَى الْأَذْقَانِ} مشدودة بالأغلال {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل لحالهم في عدم مدّ أيديهم للإنفاق في الخير، وعدم إذعان رؤوسهم لقبول الحق (7) وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} وهذا تمثيل آخر لحالهم وهي أنهم زينت لهم الحياة الدنيا فأصبحوا لا يرون غيرها فهو سد أمامهم مانع لهم من الإيمان وترك الشرك والمعاصي، وصورت لهم الآخرة بصورة باطلة مستحيلة الوقوع فكان ذلك سداً من خلفهم فهم لذلك لا يتوبون ولا يذكرون لعدم خوفهم من عذاب الآخرة وقوله تعالى {فَأَغشيناهم} هذا مبالغة في إضلالهم فجعل على أعينهم غشاوة من كره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغض ما جاء به من فهم لذلك عمى لا يبصرون. وقوله تعالى {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ (8) أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} هذا إخبار منه تعالى بأن هذه المجموعة من خصوم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكابر مجرمي مكة استوى فيهم الإنذار النبوي وعدمه فهم لا يؤمنون فكأن الله تعالى يقول لرسوله إن هؤلاء العتاة من خصومك إنذارك لهم لا ينفعهم فأنذر الذين ينفعهم إنذارك ودع من سواهم وهو قوله تعالى {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أي القرآن {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} أي خافه فلم يعصه وهو لا يراه، كما لم يعصه عندما يخلو بنفسه ولا يراه غيره فمثل هذا بشره بمغفرة منا لذنوبه وأجر كريم على صالح عمله وهو الجنة دار المتقين وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} أي للبعث والجزاء {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أي أولئك الأموات أيام حياتهم من خير وشر، {وَآثَارَهُمْ} أي ونكتب آثارهم وهو ما استُن به (9) من سننهم الحسنة أو السيئة. {وَكُلَّ شَيْءٍ} أي من أعمال العبادة وغيرها {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ، وسنجزي كلاً بما عمل. وفي هذا الخطاب تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2- بيان الحكمة من إرسال الرسول وإنزال الكتاب الكريم.
    3- بيان أن الرسول محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث على فترة من الرسل.
    4- بيان أن حب الدنيا والإقبال عليها والإعراض عن الآخرة وعدم الالتفات إليها يضعان الإنسان بين حاجزين
    لا يستطيع تجاوزهما والتخلص منهما.
    5- بيان أن الذنوب تقيد صاحبها وتحول بينه وبين فعل الخير أو قبول الحق.
    6- بيان أن من سن سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده يجزى بها كما يجزى على عمله الذي باشره بيده.
    7- تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن كل شيء في كتاب المقادير المعبر عنه بالإمام. ومعنى المبين أي أن ما كتب
    فيه بين واضح لا يجهل منه شيء.
    __________

    1 - ورد في فضل هذه السورة حديث أبي داود عن معقل بن يسار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اقرأوا يس على موتاكم" ورود عن أبي الدرداء أو أم الدرداء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه، " وأخرج الدارمي عن أبي هريرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة" وخرجه الحافظ أبو نعيم أيضاً.
    2 - هذا على قراءة أهل المدينة وهي رفع تنزيل. أما على قراءة النصب فالتقدير أقرأ تنزيل العزيز الرحيم أو أمدح تنزيل.
    3 - وَهِم بعض فقال هذه الآية نزلت بالمدينة في بني سلمة والصحيح أن السورة كلها مكي وليس فيها مدني وإنما قرأ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية محتجا بها على بني سلمة لما أرادوا النزول قرب المسجد فقال لهم بني سلمة دياركم تكتب آثاركم. وقرأ هذه الآية، ونكتب ما قدموا وآثارهم.
    4 - كره مالك رحمه الله تعالى التسمية بيس وهو كذلك لعدم علمنا بالمراد منه وليس هو باسم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذكر أسماءه الخمسة ولم يذكر بينها يس ولا حجة في قول الرافضي:
    يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة
    على المودة إلا آل ياسين
    5 - والقرآن الواو للقسم والقرآن مقسم به وجواب القسم: إنك لمن المرسلين وعلى صراط مستقيم خبر ثان لإن.
    6 - قرأ نافع والجمهور تنزيل بالرفع على أنه خبر محذوف المبتدأ أي هو تنزيل والضمير عائد على القرآن المقسم به وقرأ حفص تنزيل بالنصب على المصدرية أو على تقدير أعني أو أخص فيكون مدحاً وإشادة بشأنه وهو أليق.
    7 - وجائز أن يكون هذا بيان لحالهم في النار يوم القيامة ولكن ما في التفسير أولى وأحق والسياق يؤكده.
    8 - أنذرتهم أصل الهمزة الاستفهام ولكنها هنا للتسوية متمحضة لها.
    9 - شاهده حديث مسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" وكذا حديثه الآخر: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده.

    *****************************
    وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُ مْ وَلَيَمَسَّنَّك ُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
    شرح الكلمات:
    واضرب لهم مثلاً: أي واجعل لهم مثلاً.
    أصحاب القرية: أي أنطاكية عاصمة بلاد يقال لها العواصم بأرض الروم.
    إذ جاءها المرسلون: أي رسل عيسى عليه السلام.
    فعززنا بثالث: أي قوينا أمر الرسولين ودعوتهما برسول ثالث وهو حبيب النجار.
    وما علينا إلا البلاغ المبين: أي التبليغ الظاهر البين بالأدلة الواضحة وهي إبراء الأكمه والأبرص والمريض وإحياء الموتى.
    إنا تطيرنا بكم: أي تشاءمنا بكم وذلك لانقطاع المطر عنا بسببكم.
    قالوا طائركم معكم: أي شؤمكم معكم وهو كفركم بربكم.
    أئن ذكرتم: أوعظتم وخوفتم تطيرتم وهذا توبيخ لهم.
    بل أنتم قوم مسرفون: أي متجاوزون للحد في الشرك والكفر.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً (1) } أي واضرب أيها الرسول لقومك المصرين على الشرك والتكذيب لك ولما جئتهم به من الهدى ودين الحق {مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} فإن حالهم في التكذيب والغلّو في الكفر والعناد كحال هؤلاء. إذ جاءها المرسلون وهم رسل عيسى (2) عليه السلام إذ بعث برسولين ثم لما آذوهما بالضرب والسجن بعث بشمعون الصفي رأس الحواريين تعزيزاً لموقفهما كما قال تعالى {فَكَذبوهما فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (3) ، فقالوا لأهل أنطاكية (4) {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} من قبل عيسى عليه السلام ندعوكم إلى عبادة الرحمن وترك عبادة الأوثان فـ {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} أي ما أنتم إلا تكذبون علينا في دعواكم أنكم رسل إلينا فقال الرسل {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فواجهوا شك القوم فيهم بما يدفع الشك من القسم وتأكيد الخبر بالجملة الاسمية ولام التوكيد فقالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي البين الواضح فإن قبلتم ما دعوناكم إليه فذلك حظكم من الخير والنجاة وإن أبيتم فذلك حظكم من الهلاك والخسار. ورد أهل أنطاكية على الرسل قائلين: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي تشاءمنا (5) بكم حيث انقطع المطر بسببكم* فرد عليهم المرسلون بقولهم {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي شؤمكم في كفركم وتكذيبكم، ولذ حبس الله عنكم المطر عليكم. ثم قالوا لهم موبخين لهم: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (6) } أي وعظتم وخوّفتم بالله لعلكم تتقون تطيرتم. بل أنتم أيها القوم {مُسْرِفُونَ} أي متجاوزون الحد في الكفر والشرك والعدوان.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- استحسان ضرب المثل وهو تصوير حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما هنا في قصة حبيب بن النجار.
    2- تشابه الكفار في التكذيب والإصرار في كل زمان ومكان.
    3- لجوء أهل الكفر بعد إقامة الحجة عليهم إلى التهديد والوعيد.
    4- حرمة التطير والتشاؤم في الإسلام.
    __________

    1 - اضرب أي اجعل والمثل للتشبيه والمعنى اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم.
    2 - كان هذا بعد رفع عيسى إلا أنه كان بإذن الله تعالى فلذا قال تعالى أرسلنا إليهم.
    3 - قرئ عززنا بالتخفيف والمعنى واحد.
    4 - كان أهل أنطاكيا من اليهود ومن اليونان.
    5 - وجائز أن يكون قد حدث بينهم تشاجر وتشاحن نتيجة قبول الدعوة من أفراد منهم فحصل بينهم شجار وخلاف لم يألفوه فقالوا ما قالوا متشائمين، وفي الحديث: لا عدوى ولا طيرة وإنما الطيرة على من تطير.
    * لئن لم تنتهوا من دعواكم بأنكم رسل إلينا بترك آلهتنا لنرجمنكم بالحجارة وليمسنكم منا عذاب أليم.
    6 - الاستفهام إنكاري وبل للإضراب الانتقالي أضرب عن دعواهم لبطلانها وانتقل بهم إلى الحقيقة وهي إسرافهم في الشرك والشر والفساد.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #719
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة يس - (2)
    الحلقة (714)
    تفسير سورة يس مكية
    وآياتها ثلاث وثمانون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 371الى صــــ 374)

    وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
    شرح الكلمات:
    وجاء رجل: أي حبيب بن النجار صاحب يس (1) .
    من أقصى المدينة: أي من أقصا دور المدينة وهي أنطاكيا العاصمة.
    يسعى: أي يشتد مسرعا لما بلغه أن أهل البلد عزموا على قتل رسل عيسى الثالثة.
    قال يا قوم اتبعوا المرسلين: أي رسل عيسى عليه السلام.
    اتبعوا من لا يسألكم أجراً: اتبعوا من لا يطلبكم أجراً على إبلاغ دعوة الحق.
    وهم مهتدون: أي الرسل إنهم على هداية من ربهم ما هم بكذابين.
    فطرني: أي خلقني.
    إن يردن الرحمن بضر: أي بمرض ونحوه.
    ولا ينقذون: أي مما أراد الله لي من ضر في جسمي وغيره.
    إني إذا لفي ضلال مبين: أي إن إذا اتخذت من دون الله آلهة أعبدها لفي ضلال مبين.
    إني آمنت بربكم فاسمعون: أي صارح قومه بهذا القوم وقتلوه.
    قيل ادخل الجنة: قالت له الملائكة عند الموت ادخل الجنة.
    يا ليت قومي يعلمون: قال هذا لما شاهد مقعده في الجنة.
    بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين: وهو الإيمان والتوحيد والصبر على ذلك.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في مَثَلِ أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلاثة وأعطاهم الله من الكرامات ما أبرأوا به المرضى بل وأحيوا الموتى بإذن الله وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب رؤساء البلاد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل، وبلغ ذلك حبيب بن النجار وكان شيخا مؤمناً موحداً يسكن في طرف المدينة الأقصى فجاء يشتد سعيا على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه وتوحيده فقتلوه رفساً بأرجلهم قال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} - أنطاكية- {رَجُلٌ يَسْعَى (2) } أي يمشي بسرعة لما بلغه من أن أهل البلاد قد عزموا على قتل الرسل الثلاثة وما إن وصل إلى الجماهير الهائجة حتى قال بأعلى صوته: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (3) } وسأل الرسل هل طلبتم على إبلاغكم
    دعوة عيسى أجراً قالوا لا. فقال {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فاتبعوهم تهتدوا بهدايتهم. وقال له القوم وأنت تعبد الله مثلهم ولا تعبد آلهتنا؟ فقال: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي وأيّ شيء يجعلني لا أعبده وهو خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي بعد موتكم فيحاسبكم ويجزيكم بعملكم. ثم اغتنم الفرصة ليدعوا إلى ربه فقال مستفهما {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أي أصناماً وأوثاناً لا تسمع ولا تبصر {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} (4) وإن قلّ ولا ينقذون مما أراده بي من ضر ونحوه {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (5) } أي إني إذا أنا عبدت هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر لفي ضلال مبين واضح لا يحتاج إلى دليل عليه. ورفع صوته مبلغاً {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ} أي بخالقكم ورازقكم ومالك أمركم دون هذه الأصنام والأوثان {فَاسْمَعُونِ} وهنا وثبوا عليه فقتلوه. ولما قيل له ادخل الجنة ورأى نعيمها ذكر قومه ناصحاً لهم فقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي (6) رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (7) } أي يعلمون بما غفر له وجعله من المكرمين وهو الإيمان والتوحيد حتى يؤمنوا ويوحدوا فنصح قومه حياً وميتاً وهذا شأن المسلم الحسن الإسلام والمؤمن الصادق الإيمان ينصح ولا يغش ويرشد ولا يضل ومهما قالوا له وفيه ومهما عاملوه به من شدة وقسوة حتى الموت قتلاً.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان كرامة حبيب بن النجار الذي نصح قومه حياً وميتاً.
    2- بيان ما يلاقي دعاة التوحيد والدين الحق في كل زمان ومكان من شدائد وأهوال.
    3- وجوب إبلاغ دعوة الحق والتنديد بالشرك ومهما كان العذاب قاسياً.
    4- بشرى المؤمن عند الموت لا سيما الشهيد فإنه يرى الجنة رأي العين.
    __________

    1 - ما جاء في التفسير من كون الرسل هم رسل عيسى عليه السلام، وأن القرية هي أنطاكية - هو ما عليه أكثر المفسرين مثل قتادة وابن جرير وغيرهما، إلا أن ابن كثير رحمه الله تعالى رجّح أن الرسل رسل من الله تعالى، وأن القرية ليست أنطاكية، وحجته فيما رآه أن الله تعالى لم يهلك أمة بعد نزول التوراة، وهذه القرية أهلك أهلها. وهذه غفلة منه رحمه الله تعالى إذ أهلك الله أهل قرية كانت حاضرة البحر، ومسخ أهلها قردة وخنازير على عهد داود بعد نزول التوراة بقرن وإنما رفع هلاك العامّة بعد بعثة النبي محمد نبي الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2 - هذا الرجل هو حبيب بن النجار صاحب ياسين كما في الحديث والرجل كان مصاباً بالجذام سنين وشفاه الله تعالى على يد رسل عيسى وبذلك آمن وأسلم وبفي في أرض أنطاكيا يعبد الله تعالى حتى بلغه هَمُّ أهل المدينة بالبطش بالرسل جاء مسرعاً لينقذ دعوتهم ويدعوا إلى الله تعالى بما أخبر به تعالى في هذه الآيات.
    3 - المراد بالمرسلين رسل عيسى الذين أرسلهم بالوصية إليهم إلى أنطاكيا من بينهم شمعون الذي عزز به الرسولين قبله.
    4 - إن يردن ولا يغن ولا ينقذون، فاسمعون حذفت منها كلها ياء المتكلم مراعاة للتخفيف ولظهورها وعدم اللبس مع حذفها، وجملة إن يردن في محل نصب نعت.
    5 - إن إذاً لفي ضلال مبين الجملة جواب للاستفهام الإنكاري في قوله أأتخذ من دونه آلهة أي إن اتخذت من دون الله آلهة إني في ضلال مبين.
    6 - بما غفر: ما مصدرية تسبك بمصدر نحو بمغفرة ربي لي.
    7 - من المكرمين الملائكة والأنبياء والشهداء والصالحين.

    ***************************
    الجزء الثالث والعشرون
    وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
    شرح الكلمات:
    وما أنزلنا على قومه: أي على قوم حبيب بن النجار وهم أهل أنطاكية.
    من بعده: أي من بعد موته.
    من جند من السماء: أي من الملائكة لإهلاكهم.
    وما كنا منزلين: أي الملائكة لإهلاك الأمم التي استوجبت الهلاك.
    إن كانت إلا صيحة واحدة: أي ما هي إلا صيحة واحدة وهي صيحة جبريل عليه السلام.
    فإذا هم خامدون: أي ساكنون لا حراك لهم ميتون.
    يا حسرة على العباد: أي يا حسرة العباد هذا أوان حضوركِ فاحضري وهذا غاية التألم. والعباد هم المكذبون للرسل الكافرون بتوحيد الله.
    ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون: هذا سبب التحسر عليهم.
    ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون: أي ألم ير أهل مكة المكذبون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وإن كل لماّ جميع لدينا محضرون: أي وإن كل الخلائق إلا لدينا محضرون يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ} أي (1) قوم حبيب بن النجار {مِنْ بَعْدِهِ} أي بعد موته {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} للانتقام من قومه الذين قتلوه لأنه أنكر عليهم الشرك ودعاهم إلى التوحيد وما كنا منزلين إذ لا حاجة تدعو إلى ذلك. إن كانت إلا صيحة واحدة من جبريل (2) عليه السلام فإذا هم خامدون أي هلكى ساكنون ميتون لا حراك لهم ولا حياة فيهم وقوله تعالى {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} أي يا حسرة العباد (3) على أنفسهم احضري أيتها الحسرة (4) هذا أوان حضورك {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ (5) يَسْتَهْزِئُونَ } هذا موجب الحسرة ومقتضاها وهو استهزاؤهم بالرسل. وقوله تعالى {أَلَمْ يَرَوْا} أي أهل مكة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} أي ألم يعلموا القرون الكثيرة التي أهلكناها قبلهم كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين، {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} فيكون هذا هاديا لهم واعظاً فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويسعدوا. وقوله تعالى {وَإِنْ كُلٌّ} (6) أي من الأمم الهالكة وغيرها من سائر العباد {لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي إلا لدينا محضرون لفصل القضاء يوم القيامة فينجو المؤمنون ويهلك الكافرون.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك أهل أنطاكية بصيحة واحدة.
    2- إبداء التحسر على العباد من أنفسهم إذ هم الظالمون المكذبون فالحسرة منهم وعليهم.
    3- حرمة الاستهزاء بما هو من حرمات الله تعالى التي يجب تعظيمها.
    4- طلب العبرة من أخبار الماضين وأحوالهم، والعاقل من اعتبر بغيره.
    5- تقرير المعاد والحساب والجزاء.
    __________

    1 - هذا تابع لقصة حبيب بن النجار صاحب ياسين والجملة معطوفة على جملة قيل ادخل الجنة.
    2 - كون جبريل هو الذي صاح فيهم وراد عند أهل التفسير فإن ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب الإيمان به وإلا فلا يجب ولا يلزم الإيمان به إذ جائز أن يكون ملكاً آخر غير جبريل.
    3 - العباد جمع عبد من عباد الله تعالى والعبيد جمع عبد مملوك للناس.
    4 - الحسرة شدة الندم مشوباً بتلهف على نفع فائت.
    5 - الاستثناء مفرغ من أحوال عامة من الضمير في "يأتيهم" أي لا يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا استهزأوا به.
    6 - قرأ نافع وإن كل لما بتخفيف الميم وشددها حفص فعلى تخفيفها تكون إن مخففة من الثقيلة واللام هي اللام الفارغة وما مزيدة للتوكيد. وإن قدرت ما نافية وجب تشديد لما إذ تكون بمثابة الاستثناء أي وما كلهم إلا محضرون لدينا.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #720
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,993

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة يس - (3)
    الحلقة (715)
    تفسير سورة يس مكية
    وآياتها ثلاث وثمانون آية
    المجلد الرابع (صـــــــ 374الى صــــ 380)


    وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
    شرح الكلمات:
    وآية لهم الأرض الميتة: أي على صحة البعث ووجوده لا محالة.
    أحييناها: بإنزال المطر عليها فأصبحت حيّة بالنبات والزروع.
    وجعلنا فيها جنات: أي بساتين.
    وما عملته أيديهم: أي لم تصنعه أيديهم وإنما هو صنع الله وخلقه.
    أفلا يشكرون: أي أفيرون هذه النعم ولا يشكرونها إنه موقف مخز منهم.
    سبحان الذي خلق الأزواج كلها: أي تنزيهاً وتقديساً لله الذي خلق الأصناف كلها.
    ومن أنفسهم: أي الذكور والإناث.
    ومما لا يعلمون: من المخلوقات كالتي في السموات وتحت الأراضين.
    معنى الآيات:
    لما تقدم في الآيات قبل هذه تقرير عقيدة البعث والجزاء في قوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون ذكر هنا الدليل العقلي على صحة إمكان البعث فقال {وَآيَةٌ لَهُمُ (1) } أي على صحة البعث الأرضُ الميتة التي أصابها المحل فلا نبات فيها ولا زرع أحييناها بالمطر فأنبتت من كل زوج بهيج فهذه آية أي علامة كبرى وحجة واضحة على إمكان البعث إذ الخليقة تموت ولم يبق إلا الله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} ثم ينزل الله تعالى ماء من تحت العرش فتحيا البشرية على طريقة الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا بالنبات. وهذه المرة تحيا البشرية إذ يركب خلقهم من عظم يقال له عجب الذنب هو في بطن الأرض لا يتحلل ومنه يركب الخلق كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح. هذا معنى قوله تعالى في الاستدلال على البعث {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} أي حبّ البر فمنه أي من ذلك يأكلون الخبز: وقوله {وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي في الأرض الميتة جنات أي بساتين من نخيل وأعناب، وفجرنا فيها من العيون أي عيون الماء، هذه مظاهر القدرة والعلم الإلهي وكلها تشهد بصحة البعث وإمكانه وأن الله تعالى قادر عليه وعلى مثله. وقوله تعالى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} أي من ثمر المذكور (2) من النخل والعنب وغيره. وقوله {وَمَا (3) عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي لم تخلقه ولم تكونه أيديهم بل يد الله هي التي خلقته أفلا يشكرون يوبخهم على عدم شكره تعالى على ما أنعم به عليهم من نعمة الغذاء. وقوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ (4) كُلَّهَا} أي تنزيهاً وتقديساً لله الذي خلق الأزواج كلها {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} يقدس الله تعالى نفسه وينزهها عن العجز عن إعادة الخلق ويذكر بآيات القدرة والعلم وهي نظام الزوجية إذ كل المخلوقات أزواج أي أصناف من ذكر وأنثى فالنباتات على سائر اختلافها ذكر وأنثى والناس كذلك وما هو غائب عنا في السموات وفي بطن الأرض أزواج كذلك ولا وتْرَ أي لا فرد إلا الله تعالى فقد تنزه عن صفات الخلائق، ومنها كان للحياة الدنيا نوع آخر هو لها كالزوج وهي الحياة الآخرة فهذا دليل عقلي من أقوى الأدلة على الحياة الثانية.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي هي القوة الدافعة للإنسان على فعل الخيرات وترك الشرور المنكرات.
    2- دليل نظام الزوجية وهو آية على أن القرآن وحي الله وكلامه إذ قرر القرآن نظام الزوجية قبل معرفة الناس
    لهذا النظام في الذرة وغيرها في القرن العشرين.
    3- وجوب شكر الله تعالى بالإيمان وبطاعته وطاعة رسوله على نعمه ومنها الإيجاد ونعمة الإمداد أي بالغذاء
    والماء والهواء.
    __________
    1 - وآية لهم مبتدأ والخبر الأرض الميتة. قرأ نافع الميتة بتشديد الياء وسكنها حفص.
    2 - الثمر بمنزلة الحب للسنبل وهو ما يغله النخل والعنب، وقرأ الجمهور بفتحتين. وقرأه خلافهم بضمتين.
    3 - جائز أن يكون ما نافية أي ولم تعمله أيديهم وإنما الله جل جلاله هو الذي أنبته وسخره لهم وجائز أن تكون ما موصولة أي والذي عملته أيديهم من أصناف الحلاوات والأطعمة وما يتخذونه كالخبز والجبن وما إلى ذلك وما في التفسير أرجح وأدل على نعم الله وقدرته وقرأ الجمهور ومما عملته بهاء الضمير وقرأ بعضٌ عملت بدونه.
    4 - الأزواج جمع زوج ويطلق على كل من الذكر والأنثى، وعلى الأصناف المختلفة فإن أريد بالأزواج الذكر والأنثى فمن ابتدائية في المواقع الثلاثة وإن أريد بها الأصناف فمن بيانية في المواطن الثلاثة: لقوله: ومما لا يعلمون مقابل محذوف تقديره وما يعلمون وهذا من دلالة الإشارة.

    ***************************
    وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
    شرح الكلمات:
    وآية لهم الليل نسلخ منه النهار: وآية لهم على إمكان البعث الليل نسلخ منه النهار أي نزيل النهار عن الليل فإذا هم مظلمون بالليل.
    لمستقر لها: أي مكان لها لا تتجاوزه.
    ذلك تقدير العزيز العليم: أي جريها في فلكها تقدير أي تقنين العزيز في ملكه العليم بكل خلقه.
    والقمر قدرناه منازل: وآية أخرى هي تقدير منازل القمر التي هي ثمان وعشرون منزلة.
    حتى عاد كالعرجون القديم: أي حتى رجع كعود العذق الذي أصله في النخلة وآخره في الشماريخ وهو أصفر دقيق مقوس كالقمر لما يكون في آخر الشهر.
    لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر: أي لا يصح للشمس ولا يسهل عليها أن تدرك القمر فيجتمعان في الليل.
    ولا الليل سابق النهار: أي بأن يأتي قبل انقضائه.
    وكل في فلك يسبحون: أي كل من الشمس والقمر والنجوم السيارة في فلك يسبحون أي يسيرون والفلك دائرة مستديرة كفلكة المغزل وهو مجرى النيرين والكواكب السيارة.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في البرهنة على إمكان البعث ووقوعه لا محالة فقال تعالى {وَآيَةٌ لَهُمُ} أي علامة لهم أخرى على قدرة الله على البعث {اللَّيْلُ نَسْلَخُ (1) مِنْهُ النَّهَارَ} أي نفصل عنه النهار بمعنى نزيله عنه فإذا هم في الليل مظلمون أي داخلون في الظلام فهذه آية على قدرة الله على البعث وقوله {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ (2) لَهَا} أي تجري في فلكها منه تبتدئ سيرها وإليه ينتهي سيرها وذلك مستقرها، ولها مستقر آخر وهو نهاية الحياة الدنيا، وإنها لتسجد كل يوم تحت (3) العرش وتستأذن باستئناف دورانها فيؤذن لها كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكونها تحت العرش فلا غرابة فيه فالكون كله تحت العرش وكونها تستأذن فيؤذن لها لا غرابة فيه إذا كانت النملة تدبر أمر حياتها بإذن ربها وتقول وتفكر وتعمل فالشمس أحرى بذلك وأنها تنطق بنطقها الخاص وتستأذن ويؤذن لها وقوله تعالى {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ} أي الغالب على مراده العليم بكل خلقه، وتقدير سير الشمس في فلكها بالثانية وتقطع فيه ملايين الأميال أمر عجب ونظام سيرها طوال الحياة فلا يختل بدقيقة ولا يرتفع مستواها شبراً ولا ينخفض شبراً يترتب على ذلك خراب العالم الأرضي كل ذلك لا يقدر عليه إلا الله، أليس المبدع هذا الإبداع في الخلق والتدبير قادر على إحياء من خلق وأمات؟ بلى، بلى إن الله على كل شيء قدير. وقوله تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ (4) مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} هذه آية أخرى على إمكان البعث وحتميته والقمر كوكب منير يدور حول الأرض ينتقل في منازله الثمانية والعشرين منزلة بدقة فائقة وحساب دقيق ليعرف بذلك سكان الأرض عدد السنين والحساب إذ لولاه لما عرف يوم ولا أسبوع ولا شهر ولا سنة ولا قرن. فالقمر يبدأ هلالاً صغيرا ويأخذ في الظهور فيكبر بظهوره شيئاً فشيئاً حتى يصبح في نصف الشهر بدارً كاملاً، ثم يأخذ في الأفول والاضمحلال بنظام عجب حتى يصبح في آخر الشهر كالعرجون القديم أي كعود العرجون الأصفر دقيق مقوس كل ذلك لفائدة الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض أليس هذا آية كبرى على قدرة الله العزيز العليم على إعادة الحياة لحكمة الحساب والجزاء؟ بلى إنها لآية كبرى فقوله {لا الشَّمْسُ (4) يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي لا يسهل على الشمس ولا يصح منها أن تدرك القمر فيذهب نوره بل لكل سيره فلا يلتقيان إلا نادراً في جزء معين من الأفق فيحصل خسوف القمر وكسوف الشمس. وقوله {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بل كل من الليل والنهار يسير في خط مرسوم لا يتعداه فلذا لا يسبق الليل النهار ولا النهار الليل فلا يختلطان إلا بدخول جزء من هذا في هذا وجزء من ذاك في ذا وهو معنى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} وقوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (5) } أي كل واحد من الشمس والقمر والكواكب السيارة في فلك يسبحون فلذا لا يقع فيها خلط ولا ارتطام (6) بعضها ببعض إلى نهاية الحياة فيقع ذلك ويخرب الكون.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- إقامة الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على إمكان البعث ووقوعه حتماً.
    2- ذكر القرآن لأمور الفلك التي لم يعرف عنها الناس اليوم إلا جزء يسير آية عظمى على أنه وحي الله وأن من أوحي إليه هو رسول الله قطعاً.
    3- ما ذكره القرآن عن الكون العلوي من الوضوح بحيث يعرفه الفلاح والراعي كالعالم المتبحر والأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب وذلك لتقوم الحجة على الناس إن هم لم يؤمنوا بالله ولم يوحدوه في عبادته ويخلصوا له في طاعته وطاعة رسوله.
    4 - هذا لأن سير القمر سريع وسير الشمس دونه فلا تدركه.
    5 - لم يقل تسبح لأنه وصفها بوصف العقلاء يسبحون، أي يجرون وجيء بضمير الجمع وهما اثنان الشمس والقمر لا غير لإفادة تعميم هذا الحكم فيشمل الكواكب أيضا.
    6 - هذا لما بين بينها من أبعاد لا يقادر قدرها ولا يعرف مداها إلا الله خالقها فلذا لا يدرك بعضها بعضاً لشدة الأبعاد بين مداريها.
    __________

    1 - السلخ الكشط والنزع كسلخ الشاة من جلدها فيبقى اللحم أبيض كذلك يسلخ تعالى النهار من الليل فيبقى الناس في ظلام حالك.
    2 - جائز أن يكون في الكلام حذف أي وآية لهم الشمس تجري وجائز أن يكون الشمس مبتدأ وتجري الجملة خبر أي آية أخرى.
    3 - لمستقر لها جائز أن يكون اللام بمعنى إلى وجائز أن يكون اللام لام الصيرورة والمآل أي يصير أمرها فتؤول إلى مستقرها، والمستقر مكان الاستقرار روى البخاري ومسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل أبا ذر حين غربت الشمس "أتدري أين تذهب" قال قلت الله ورسوله أعلم، قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع في مغربها فذلك قوله تعالى {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} .
    4 - جائز أن يكون قدرنا له منازل أو قدرناه منازل وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة بها بمنزل وهي: السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الخراتان، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانيان، الاكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرع المقدم، الفرع المؤخر، بطين الحوت. فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •